الأحد، 15 مارس 2009

رحلات الحياة الفرعية



بسم الله الرحمن الرحيم




لقد اكتشفت اكتشاف جديد. أو لنقل، أني فلسفت ما يجري بالفعل منذ الأمد، بطريقتي الركيكة المعهودة. كان الاكتشاف تحت ضغط المواجع التي اختارت ليلة أمس لتفغر فاها، وتئن بيأس في قلبي المفطور الغافل. كان هذا حينما رأيت رسالة وصلتني في العاشرة ليلاً، ولم أطلع عليها سوا قبل النوم، حوالي الثانية. كانت من شخص كان صديق عزيز، ومُتعب. كان يبدي عدم رضاه عن حالنا، وهو حالنا منذ 6 أشهر، ويقترح أن نلتقي لنصلح الأمور. لقد علمت ما سوف أرد عليه، سأقول: إنك عزيز، ولكني أتمنى لك التوفيق في صداقاتك الأخرى. وهي الصداقات التي كان يحسبها تشكل علي، ولكنها لم تكن تعنيني، ولم يستطع أن يفهم هذا، وتفادى باحتراف مس العقدة ولب الموضوع، ليكون هو الضحية كالعادة، قبل أن نفترق. لم يحزنني افتراقنا في ذلك الوقت بصدق. ولم أحزن من رسالته التي تلت اصطدامنا غير المتوقع، ولكن الهادئ سوا من إعلان وصول رسالة جديدة على الجوال، لم أحزن من رسالته التي تلت هذا، التي يشرح فيها رأيه بي، ورؤيته للأمر، وكأنما يقول أعتقني، وأنا والله الأسير، أسير الاستنزاف. لم أرد على تلك الرسالة، كما لم أغضب، لقد كانت رغم جديدها جديرة بطريقته بالتفكير، جديرة بتملصه من المسئولية، جديرة بتبرير ضميره المعذب تجاهي، الذي لطالما أطل بوجه في علاقتنا، في ظل تقصيره واستنزافه الأناني. لم أغضب، ولم أرد على الرسالة كما يريد، فقط اعتبرت الأمر اتنهى وقررت أن أرتاح، فقد نلت ما يكفيني، ومنذ أمد بعيد لم يعد بي جهد لمواصلة الشد والجذب، لمواصلة النقاش. أرسل يعايدني في العيدين التاليين، ولم أجب. ليس غضباً، ولكني لست أجيب في العادة، ناهيك عن أني أريد أن لا يعاملني بأي خصوصية، أريد أن يواصل ويعاملني وكأنه المجروح وليس أنا، وكأنه الضحية وليس أنا، فقط لأفتَك. بيد أنه كعهدي به أذكى من هذا، ومع ذلك، لم يقوى ضميره إرادته كما عهدته أيضاً. تجاهلت كل الجروح وكأنها سيارة مرت من جانبي، في شارع مزدحم بالجروح الأخرى. ولكن رسالته أمس، مع أني كنت أعرف ما أريد منذ أن اطلعت عليها، إلا أنها سلبت النوم من عيني، بشعوري بالوحدة، باختياري للوحدة، بذكرياتي عن أراءه الجارحة، وتلميحه بأن هناك من يوافقه الرأي بخصوصي، رأي سلبي أعلم يقيناً بأنه غير صحيح، كما يعلم هو. كان إقحام الآخرين لإثبات رأيه هو القشة التي قصمت ضهر البعير، هو أقسى انتهاك لخصوصية صداقتنا، و بيان لما تحمله سريرته وما يخفيه عني، وهو عني. لم أنم طوال الليل البارحة، وها أنا في العمل بلا دقيقة نوم أمس. فقط بقيت أفكر بحياتي، وليس بهذا الرجل فقط. يا للرحلات التي قمت بها، يا للرحلات، التي لم يصل أي منها. كم من رحلة فرعية نسيِّر يومياً، في خضم رحلتنا الكبرى في الحياة. لا يقدر لكل الرحلات أن تصل وتستقر بهدوء، فقد يتعدى الأمر الكلاب النابحة، فيُغدر بالقافلة ويقتل الحب، وقد تغرق سفينة الصداقة قبل أن ترسو في شاطئ ما. هذا هو الاكتشاف، الرحلات. رحلات تنجو من الأخطار وتصل، ورحلات تضل الطريق، أو تتوقف فقط. البعض تنجو كل رحلاته، البعض بعضها، البعض لا شيء منها ينجو. قارنت نفسي أمس وأنا أفكر، بشخص تقاطعت رحلتينا في ذات وقت، ولكن، لم نشترك في رحلة. كل رحلاته على ما يبدو وصلت، وتصل، ليس هذا هو الحال معي.
بعدما أرسلت ردي أتمنى له التوفيق في صداقاته، رد بأني أنا صداقاته. لا، لم أكن بهذه الأولوية.. لم أرد، ولا أعتقد بأني سأرد. يجب أن ينتهي الأمر عند حد ما، ولا مجال لمراجعة الموقف، الذي ظل يختمر منذ أمد بعيد. لقد أُهملت حتى شبع مني الإهمال، وعوملت بما لا أستحق حتى بدأت أتساءل، هل يستحق الأمر كل هذا؟ وهل كل ما لا نتخيل أنفسنا بدونه، لن يكون حالنا أفضل لو كنا بدونه بالفعل؟ إن مثل هذا التفكير الذي يتساءل في أساسات الأشياء، وعمق الثوابت في حياتي من علاقات وكل شيء، هو ما جعلني أغير الكثير من الأشياء، وأتغير كثيراً وباضطراد.
كما لم يعد بي رغبة ولا جهد للصداقات.
إن الأمر يشبه البحث الملتاع عن أحد لا تدري أهو حي أم ميت، حتى يتعب قلبك لكثرة ما اعترضك من أمور، وليس بسبب اليأس وحده، قد تفقد الرغبة بالمواصلة قبل أن تيأس حتى، لتعب قلبك وعدم تحمله أكثر. أو هكذا صنعت بي تجاربي. إذ لا أقول بحزن بأني لم أعد قادر على نوع الصداقات التي أقيمها ، ولكن أقولها بإجهاد ونوع طفيف من الرغبة الجازمة والمتعجلة بالتخلص من الرواسب في نفسي.
عموماً ما باليد حيلة، ها أنا أواصل العيش.








كما قلت في تدوينتي السابقة، أحد أهم "ملحقاتي" الضرورية، التي لا آتي ولا أتوفر إلا بها، قد فسد أخيراً بعد خدمة متفانية مدتها خمسة سنوات. ذلك هو ذاكرة الفلاش المتنقلة، من نوع مايكروفولت من ماركة سوني. من المعروف أن هذا النوع من الذاكرة غير مأمون تماماً في الاحتفاظ بالمعلومات رغم تطوره المستمر وازدياد نسبة أمانه، وبالأخذ بالاعتبار جودة تصنيعه وهندسته من ماركة إلى أخرى. حينما أخذت ذلك الفلاش لم أكن متأكداً بأني سأستفيد منه تماماً، أخذته بعدما تحمست لعرض الشركة عليه، رغبة بالتخلص من الكميات على ما يبدو، إذ كان العرض يساوي 100 ريال (مع أنه السعة كانت 128 ميجا! الآن تجد أضعاف مضاعفة من هذه السعة بـ25 إلى 30 ريال.) كان حماسي لشكله المدمج إلى حد ما ( أحب وأشتهر بالأغراض المدمجة) ولبرنامج الضغط المباشر الذي يحويه، فيجعله يحمل أكثر بكثير من سعته الحقيقية بحركة ذكية من الشركة. انتهيت بعد شراءه بأني لم أعد أستطيع الاستغناء عنه أبداً. ورغم أني لفترات تمنيت أن يبدي بوادر القصور لأشتري شيء أحدث بمبرر لا يعذب ضميري، إلا أنه خيب ظني وظل يعمل بكفائة عالية. في آخر الأيام أحببت وفائه لي، حتى بدأ يعاني من مرض نفسي تجعله يرفض بعض الأمور مثل العمل على بعض الأجهزة أو التعديل على بعض الملفات أو استقبالها، فعلمت بأنه يكاد أن يتقاعد من تلقاء ذاته، فعملت النسخة الأخيرة من الاحتياطي الذي أحتفظ به وأحدثه بشكل دوري ( وهذا ما يجب أن يفعله كل مستخدم للفلاش للأسباب الآنف ذكرها)، رغم أن ملف واحد خرج تالفاً، إلا أني سعيد بفلاشي، وسأحتفظ به للذكرى، بلونه الزائل لكثرة ما لامسته يدي. ومنذ ان اشتريته، لم يعد يقنعني شراء فلاش من ماركة أخرى أياً كانت غير سوني، التي لا أحبها، بل أعاديها في مجالات ألكترونية أخرى (التلفاز، البلايستيشن،، إلخ). كنت منذ فترة جيدة الآن أود شراء الجيل الجديد من فلاشات شوني، تحديداً اصدار تايني من مايكروفولت سوني، وهو صغير حتى أشبهه بالظفر لنحافته وصغر حجمه. يتوفر بعدة سعات، وكل سعة لها لون محدد، كنت أريد السعة الأقل لعدة أسباب، أولها هو اعتقاد لدي غير أكيد أن السعة كلما كبرت كلما قل عمر الفلاش، والثاني أن 128 ظلت كافية لسنوات لصغر ملفاتي، فأنا لا أحمل أفلام أو أغاني مثلاً في الذاكرة، ولهذا لا أحب أن أسرف في مساحة لن أستخدمها، فجل ملفاتي تقريباً نصية. السعة الأصغر من هذا الإصدار هي 1 جيجا. وهي ذات لون أزق بعلبة سماوية جذابة، وهذا سبب آخر لأحب السعة الأصغر، فاللون الجذاب الآخر هو أعلى سعة، 8 جيجاً، أحمر برتقالي، وليس جمل من اللون لأصغر سعة مع ذلك. المشكلة هي، أن السعة الأصغر انقرضت من السوق. بحثت في أربعة أسواق وكل ما أجده السعات الأعلى، وأقل ما وجدت هي 2 جيجا الخضراء. شعرت بتعاسة بصدق، وهذا قد يكون عيب بي، حيث أثابر بشكل زائد عن الحد وبدقة بالبحث عن فروقات يمكن الاستغناء عنها. ورغم أني أقنع الناس بالعادة بأنه لا فرق في مثل هذه الحالات، إلا أني أعجز عن إقناع نفسي مما يشعرني بأني نصاب إلى حد ما. هوست لدرجة أني بحثت في الانترنت لأشتريه من الخارج ولو كلف ضعفي السعر، ولم أجد سوا حبة واحدة متوفرة في موقع مشهور، رفض الإيصال إلى السعودية. كانت آخر محاولاتي اليوم، في ثاني محل لعالم سوني أزورة وهو في العقارية. لم أجد السعة المطلوبة وأخبرني كما أخبرني محلهم السابق أنها لم تعد تأتي، وشرح لي معلومات بعضها مغلوط وبعضها صحيح عن الذاكرة في محاولة لإقناعي، ولم يفهم، كسائر الناس، سبب هوسي بالسعة الأصغر والشكل الأصغر. حزنت بصدق وفكرت أن أعود لاحقاً بعدما أقرر السعة الأكبر التي سآخذ إن رضيت نفسي، ولكنه ذكرني بمحلهم الآخر، في العقارية الثالثة في القبو،،، وهذا المحل الذي ذكرني به، الذي نسيته، هو المحل الذي اشتريت منه الفلاش الأول قبل خمسة سنوات!!! كيف نسيته؟؟؟ ذهبت إلى هناك، وصدقاً، لم أتوقع أن أجد ما أريد، ولكن كي لا ألوم نفسي، وفي الطريق مررت بكل المحلات التي قد تبيعه حتى وصلت، ووجدت آخر حبة من السعة التي أريد تتدلى بالعرض. الحمد لله، هذا حظ حسن بالتأكيد. أن أحصل على آخر حبة موجودة بالمعرض. اشتريتها بـ 29 ريال، كل هذا العناء انتهى بهذا الثمن البخس، وأتمنى أن يكون الفلاش الذي دخل الخدمة قبل قليل مثل سابقه إن شاء الله. هذه صورة للفلاش:









من المنصوح به عموماً، أن لا تعدل الملفات المتواجدة في الفلاش بشكل مباشر، إنما تأخذ الملفات به عن طريق القص، وتضعها على السطح المكتب مثلاً، تجري التعديلات التي تريد، كإضافة نص مثلاً، ثم تحفظها من جديد على الفلاش. هذا قد يطيل من عمر الفلاش.









كنت أقرأ عن آخر سلالات الصين الحاكمة، آخر فتراتها بالتحديد. يا له من تاريخ مثير للاهتمام، بكل تلك الدسائس والدوافع الخفية للمواقف. لست أرى فرق كبير بين تاريخنا وتاريخهم، سوا أن النساء لعبن دور أكبر وإن كان لنسائنا دور كبير، ولكن، لعل هذا هو الحال مع كل الأمم.







أتمنى أن لا يأتي الدكتور اليوم... أحيانا قبل النوم أفكر، هل أكل شيء سيء؟ قد يمغصه بطنه ولا يأتي...


جاء قبل قليل زميلي في القسم، وهو رجل طيب يبدو أصغر من عمره. حتى الآن لا علاقات حقيقية لي، وكالعادة، آخذ وقت طويل جداً بالنسبة للعرف السائد قبل أن أبدأ بالاندماج، كما حدث في عملي بالجامعة سابقاً، حيث طالت المدة إلى حوالي 4 أو 5 أشهر على ما أعتقد. زملائي هنا يحتجون على الأمر ويلمحون لي بأن أخالطهم أكثر. ولكن عموماً، عملي كثير مؤخراً ولا يسمح لي بحك رأسي. زميلي هذا لاحظت أنه يود أن يحادثني منذ فترة. جاء قبل قليل، وكان الأمر هو أنه يود فقط أن يتعرف أكثر علي. كان قد فوجئ بأني من القصيم قبل فترة، وقال بأنه لم يخمن من لهجتي، ولكن الحقيقة التي لا يدركها غالبية الناس في بدايات عملي معهم هي أني بالكاد أتكلم، فيصعب الحكم على أصلي. كوني من القصيم أعطاني دفعه على ما يبدو لديه. أحدهم، وهو رجل كبير من مفرزات البيروقراطية مما يبدو على شكله، احتج حينما علم أني من القصيم، وقال بأنه سيترك القسم لامتلاءه بالقصمان، بالواقع، لسنا إلا ثلاثة بالقسم من القصيم، رئيس القسم، وزميلي السكرتير، وأنا، ولكن ربما مواقع الاثنين الآخرين تشعر البعض بالحساسية بعض الشيء وإن تكلموا مازحين. تكلمنا بوجه العموم عن القصيم، وعرف بأن انتمائي للمكان شديد، ولكن رغبتي بالزيارة ضئيلة.



اليوم هو الأربعاء، سيأتي بعض الأطفال اليوم، كم أشتاق إليهم. يوجد طفل صغير عمره سنتين، ابن اختي، ذو شعر ملفلف جميل، حينما زرتهم بالبيت قبل يومين لأجل عمل معين استقبلني بالأحضان وظل يتمسح بي وبيديّ ويدور حولي وأنا واقف أخاطب والدته وكأنه قط صغير. تمسحه بي بانسيابيه ودورانه حولي ومسح وجهه بيدي جعلني أتفكر. ليست أول مرة بالطبع يفعل طفل هكذا معي، فلدي العديد من أطفال إخواني وأخواتي، بعضهم يحبني في مراحل معينة إلى هذه الدرجة، ولكني تفكرت بأمر المحبة ذاتها في مثل هذا العمر الصغير. لست أقوم بشيء خاص حتى يحبني هكذا، أكثر من كوني أظهر له محبتي الحقيقية، مما يجعلني أعتقد بأن الأطفال الصغار لديهم قدرة أكبر على تمييز الحب الحقيقي وقراءته أكثر من كل الكبار، مع استثناءات طفيفة أحب أن أفكر بأني منها، ليس لأني بريء، ولكن لأني مثير للتساؤلات داخل نفسي ودقيق التفحص لما أراه وأسمعه حينما يصبح الأمر جدياً. ورغم أني أحب كل أبناء إخواني، إلا أني بطبيعة الحال أميل لبعضهم أكثر من الآخرين، ومن لا أميل لهم كثيراً بالعادة، أشعر بأنهم يدركون هذا بالفطرة، ولا يهتمون لأمري كثيراً، وبالأغلب الأعم، يكونون هؤلاء من أبناء إخواني، بينما أبناء أخواتي غالباً ما يشغفون حباً بي، أو تقديراً على الأقل حينما يكبرون، فأنا مثلاً لا أجزم أن أكبر أبناء أخواتي يحبني جداً رغم أني أحبه، ومحبته تزداد في قلبي كما تزداد شفقتي عليه، ولكني أعلم بأنه يحترمني كثيراً، ويقيم تعامله معي جيداً ويحرض على رضاي عليه بدافع الاحترام، ولكن قد لا يضيره مثلاً أن أكون حزيناً كما يضير أبن اختي الآخر ذو العشر سنوات، الذي ما يفتأ يسألني ماذا يحزنني وبماذا أفكر وإن كنت غاضب عليه؟. ومهما بعدوا أو اقتربوا أبناء إخواني، إلا أنهم دائما ما يلهمونني بأشياء، وأشعر بفكرة مجردة دائما لا معنى لها، الفكرة هي أنهم جيشي.



حينما أرى من يعملون ويطورون في عملهم رغبة بأمور أخرى مختلفة عن التطوير بحد ذاته والنجاح، أشعر تجاههم بمشاعر مختلفة، تتراوح بين الشفقة، والاحتقار لما يقومون به، ليس المقصد من الاحتقار إحتقار الخُلق بقدر ما هو استصغار الانجاز، الذي يظل غير مكتمل بشكل ما. ألاحظ الكثير من الناس، يبحثون عن لفت الإنتباه إلى درجة أنهم يضعون أنفسهم في موضع المتزلفين قليلي القدر طمعاً بخطوات قصيرة إلى الأمام. حيث تجد أن إنجازاتهم غير مكتملة، وتشبه التزلف أكثر من كونها إنجازات قائمة بذاتها، حتى تريد أن تتوصل إلى معرفة الإنجاز النهائي الذي صنعت من أجله كل هذه الإنجازات/التزلفات. ولكن مع ذلك، يحدوني شعور بائس بأنهم هم من سينجح بالنهاية، في هذا العالم المنافق. أشعر بالأسف حينما أرى شخص كنت أحسبه يحترم ذاته أكثر من أي شيء آخر يتحول كالمسعور في مطاردة الإنتباه، وإضحاك الناس المراقبين عليه، هكذا فجئة، ولسانه حاله يقول: العمر سريع، وأنا بطيء. ربما عجلت به خطواته إلى الأمام فعلاً، ولكن الثمن لا يستعاد، حيث أنه إن كان يوماً قد قدر نفسه حق قدرها، فسيستعيد هذا التقدير يوماً، ويندم على ما فعل، وإن لم يكن قد قدر نفسه من قبل، وكان هذا طبعه طوال عمره، فالمرء يحصد ما يزرع، وإن سمده بخراء نفسه. أحياناً تكون هذه المنجزات مجرد أشياء صغيرة، كاستحداث لجنة حقوقية صداها الإنساني أكبر من عملها الحقيقي في الجامعة مثلاً، أو حتى نشر مجلة كان يمكن أن تكون مفيدة لو كانت صادقة ومن نوايا صادقة.



سأقابل مديري السابق إن شاء الله غداً الخميس في الجامعة، إن استطعت. أريد أن أستشيره بما يجب أن أفعل لأتحرك بالانتقال إلى الجامعة.




قبل قليل، قرأت رد صاحبة مدونة أجنبية على تعليقي في مدونتها. مدونتها تختص بالكتب، تراجع الكتب وتبدي رأيها فيها. أحد هذه الكتب هو كتاب عن السعوديين لكاتبته الباكستانية التي عملت قليلاً هنا. وجدت بعض الأمور المغلوطة في الكتاب من خلال المراجعة، وعلقت على هذا الأساس. الكاتبة إنسانة ذكية، وعميقة التفكير. قالت في معرض ردها أنها اطلعت على مدونتي، ولكنها تحتاج إلى برنامج يترجم اللغة العربية بطبيعة الحال، وعليه ستطلع لاحقاً. لا أعتقد أنها ستفعل مع ذلك، حيث يبدو أن أنشطتها كثيرة، وكلامي كثير. ولكن لو اطلعت، فلن تجد شيئا مميزاً مثلما تكتب، فالأمر هنا فوضوي، يميل إلى العشوائية في الطرح والمضمون، رغم أن مدونتي محصورة إلى حد ما، أو محضورة على الأصح عن بعض المواضيع بدافع ذاتي. ولكن لو لم ترى غير اعتيادية مدونتي، لو لم ترى إلا أنها شأنها شأن آلاف المدونات في كل العالم، قد يكون هذا شيء جيد بالنهاية. مدونتها من أشهر المدونات على بلوجر، ومن المدونات التي ينصح الموقع بزيارتها. لا يوجد تصنيف مماثل للمدونات العربية على بلوجر.





ذهبت إلى مديري السابق يوم الخميس بالجامعة، واتفقنا على تفاصيل إجراء طلب نقلي لأعود إليهم. ليس الأمر مضموناً بأي شكل، على أني أدعو الله أن يساعدني فيه ويحقق رغبتي، ولكن لا يتعلق الأمر بالجامعة فقط، فقد ترفض الوزارة التي أعمل فيها حالياً انتقالي عنها.






إن الأيام كالنسيم تمر سريعة ويسهل نسيانها، سوا أنها غير منعشة.





القلة يعلمون بأمر روايتي التي كتبتها الآن منذ مدة طويلة، ولا زالت غير منشورة، وكلما ظننت أنها اكتملت عدت لأنقحها. أمس، انتهيت من تنقيحها كلياً والحمد لله، ولكن بقي العنوان، وهو ما يسبب لي الصداع. لم أجد العنوان الملائم أبداً، وأخاف أني لن أجده... كنت قد أعطيتها في وقت سابق لوزارة الإعلام للفسح، ولكني استعدتها منهم لأغير العنوان، ويا الله، كم كان أمرهم عجيب. هناك موظفين يقرآن الروايات ويبحثان عن ملاحظات لعدم منحها الموافقة. ورغم أن روايتي لا مثلي غير مهتمة بإثارة الناس سلبياً وإزعاجهم، إلا أنهم وجدوا ما يقولونه من الجزء الصغير الذي قرأوه، حيث أنهم لاحظوا أسماء للمدن، وهذا لا يريدون رؤيته!! واقترحوا اقتراحات فنية سخيفة، ووقحة على المستوى الأدبي، إذ كيف تملي على الكاتب ما يجب أن يكتب؟! أخبرتهم بأن هذه الملاحظات الفنية هي ضمن خيارات المؤلف، مما جعلهم يتضايقون قليلاً ويقولون بأنهم لم يحاولوا التدخل. ولكن مستوى الموظف الذي تولى روايتي، من خلال نقاشه، لم يبشرني بخير بصراحة، فهو لا يبدو واسع الأفق، ولا يبدو ذكياً جداً، أو حائز على تعليم جيد، ووجدت أنه يفهم الأمور برمتها بشكل خاطئ على نحو كان أن يسبب لي الجنون، أشياء جداً بديهية. في النهاية خفف من موقفه، وقال بأن ما أخبرني به واقترحه لم يكن ملاحظات، ولا أدري لماذا خاف، ربما كان قد تم تحذيرهم مسبقاً؟. وقال بأن الأمر سيعود لمديرهم. الآن، لدي شعور قوي بأن روايتي لن تفسح لأن الأبطال من القصيم... ولكن لو لم تفسح، سأنشرها إن شاء الله على شكل كتاب في الانترنت ليحمله من يود القراءة، وسأعمل على تسويقه جيداً بعون الله، هذه هي فكرتي حالياً. بالنسبة للربح، كنت أتخيل بأني سأخسر أصلاً لو نشرته على شكل كتاب ورقي، خصوصاً أني لا أود التعاون مع ناشر مبدأياً. وعليه، قد تكون الانترنت بالنهاية أقل تكلفة، وإن لم تربح فهي لن تخسرني، ربما بضعة دولارات فقط للاستضافة ومن هذا القبيل.


جزعت من دكتور، فأتوا لي بإثنين... هذا ما جرى، سخرية تقليدية إلى حد غريب بالأحداث. ماذا عساي أن أقول؟ الحمد لله الذي لا يحمد على مكروه سواه... ما جرى هو أن مديري دخل علي لأول مرة، ودكتورين يتبعانه، وقال بأني من اليوم سأعمل مع هؤلاء في المشروع الفلاني، ولا أعمل بالمشروع فعلياً بقدر ما أعمل مساعداً، أو سكرتيراً بالمفهوم الحكومي بالواقع. أحدهما رجل كبير بالعمر، ومزعج، والآخر شاب فرح بنفسه، ومغرور على ما يبدو، والأدهى والأمر، أن دكتوري السابق لا يريد أن يتركني دون أن يستفيد هو الآخر من وقتي ومجهودي. لست أحب وليس عملي أن أرتب ملفات وأبحث عن معلومات عربية، ولكن هذه أول مرة يطلب مني مديري الدكتور شيء حقيقي، كما أن الوضع يبدو مؤقتاً وإن طال قليلاً، ولكني أتمنى أن أتمكن من العودة إلى الجامعة قبل أن ينتهي، دون أن أثيرهم برفضي فيتعنتون حين خروجي. وجدت أن الدكاترة حينما يجتمعون فهم يفقدون البقية الباقية لديهم من الإحساس بالغير، إن وجد إحساس أصلاً. يعتقد البعض أن هذه فرصتي بالتميز والصعود، وربما مديري يعتقد بأنه يصنع معروفاً بشكل ما، فقد بدا متحمساً وفخوراً وهو يطلب مني إحضار سيرتي الذاتية ليروها هؤلاء الدكاترة الجدد، رغم أنها فقيرة حقاً. كان اليوم متعباً ومتناقضاً إلى حد أنني أجهدت حتى خفت أن أقع مغشياً علي، حيث لم آكل منذ الصباح سوا قطعتي بسكويت. كان الدكتور الأول الذي أعمل معه أصلاً قد طلب مني بالبريد أن أنجز عمل معين، ولحسن الحظ، استدعاني مديري ليطلب عمل، وهي المرة الأولى، فوجدت أن ما يطلبه مماثل لما طلبه الأول، فاختصرت وقتاً، وبدا هو سعيداًَ لأني كنت انتهيت بالفعل من التنفيذ. ولكن تعديلاته كانت كثيرة على لب الموضوع، والدكتور الجديد متطلب جداً ومزعج ونزق، والآخر يتكلم ويطلب أشياء بنفس الوقت الذي يطلب فيه زميله. مما جعلني أفقد صوابي. وكان يلح علي بالاتصالات يريد مني القدوم لمناقشة عملنا القديم، ورغم أني أفهمته طبيعة تعليمات الدكتور الجديدة إلا أنه اعتاد على ما يبدو أن يعتمد علي في بعض الأمور. كان الوضع مقلقاً حقاً، أضف إلى هذا عدم رغبتي بالقيام بمهام السكرتارية التي أتيت هارباً منها إلى هذا القسم، ورغم علم الدكتور بحقيقة رغبتي، إلا أنه الآن يضعني حيث يعلم أني لا أريد، وبحماس أيضاً. قرب نهاية الدوام، عملت مع الدكتور الأول، و ساعدته بأمور كثيرة. وعلمت بحقيقة شعوره تجاه عملي كموظف، فهو يرى بأني أجيد ما أعمل، مع ذلك، يتمنى أن أعمل كالمكينة بلا توقف وأن لا أعود للمنزل، وهو مطلب مبالغ فيه. حدث بالمكتب ما كاد أن يسبب لي إنهياراً عصبياً، حيث أن عملي السابق، الذي أعجبه طوال المدة الفائتة، وجد أنه سيستغني عنه لأن الوقت ضيق، ولم يكمل هو ما عليه من عمل، ولهذا، سيستغني عن كل شيء من هذا الجانب حتى لا يكون ناقصاً. تخيل أنك اشتريت كيكة من حلويات الدبلوماسي، رائعة لا تشوبها شائبة، فيلقي بها أحدهم أمام ناظريك بالقمامة، دون أن تذوقها، أو يذوقها أحد، أو يوجد بها علة. ترجمتي كلها ضاعت هباء، رغم كل ما نالها من مديح. وقفت في مكان ما بالمكتب أنتظر خروج الأوراق من الطابعة في جو من الصمت، قطعه الدكتور قائلاً: سعد أنت درست برى؟ قلت: لا. قال: لغتك حلوة مرة. فكرت: هذاه ما نفع بك... قال بأنه يريدني أن أنتقل إلى جوار مكتبه، ولكني أخبرته بما استجد بصراحة أكبر. وبدا أن الأمر ضايقه بالفعل، وسأل إن كان الدكتور هو من أمر بهذا بنفسه؟ أكدت له ذلك. فاجئني بعد ذلك بأن العمل انتهى وأنه لا يريد أن يؤخرني أكثر من ذلك، قال هذا بلطف شديد فاجئني حقاً، فهو لا يقدر حاجة الناس لمغادرة العمل ليأكلوا ويناموا. سألته قبل أن أخرج إن كان يريد شيء آخر؟ نفى مبتسماً. ثم قال: أحياناً أكون دايركت أنا بالعمل يا سعد، لكن أنا مقدر تفانيك وإتقانك للعمل ومثابرت وانضباطك، أنا مقدر التزامك، وأنت مكسب للمكان اللي أنت فيه. شكرته، وخجل هو!! بصراحة، شعرت بنوع من تأنيب الضمير لنفوري منه، حيث بدا هذه المرة، عكس كل مرة، يريد أن يرفع من معنوياتي بصدق وليس لحاجة، ولكن لنفوري أسباب مع ذلك. ظننت أني حينما خرجت أن اليوم انتهى. ولكني فوجئت بأن مديري غاضب ويريد جدول صنعته منذ ما يبدو الأمد، يعني بداية اليوم. طبعته للسكرتير المذعور، رغم أننا أوصلناه للدكتور مسبقاً، ولكن يبدو أنه أضاعه أو نسيه. سمعته يوبخ بغض في الممر، فخرجت ووجدت أنه لم يقتنع بأن هذا هو الجدول. لا بد أنه نسي أو لم يستوعب. جاء السكرتير الآخر. ولم نفهم ماذا يريد بالضبط. ولكن السكرتير الآخر اقترح أن آتي بالجدول الذي عدل عليه المدير، ولما رآه هدأ غضبه، ونزعه وأعاده إلي، واحتفظ بالجدول الذي أعطيناه إياه أول مرة!! ذهلنا، وقلت حينما ابتعد: غريب، ليش معصب؟! بعدين وش كان يبي بالضبط؟ لم يعلم أحد بالحقيقة.


أتمنى أن يكلل الله ماسعيي بالتوفيق، لأعود إلى الجامعة، إلى مديري العزيز وزملائي الإخوة.





سعد الحوشان

السبت، 7 مارس 2009

هم وعاصفة



بسم الله الرحمن الرحيم


كانت الأمور دائما تبدو وكأنها ستكون على خير ما يرام حينما كنت أصغر. وحينما أفكر بالأمر، يبدو أن ما تخيلته قريب من الصحة، مقارنة بالممكن، أو الأسوأ، على الأقل، لست أتمنى أن أعود إلى زمن سابق، حيث يبدو دائما أن الأسوأ قد مر، حتى يمر ما هو أسوأ منه، ثم يكون قد مر بالفعل، ورغم هذا، أجد أني آمل دائما بأن الأمور إلى استقرار، مع علمي بأنه استقرار ممل، هل أريد الاستقرار حقاً؟. كانت حياتي قبل سنتين أو ثلاث مليئة بالأحداث، ومليئة كذلك بالجبهات، الآن ليست إلا جبهة واحدة، ولا أحداث حقيقية. قد يكون الوضع مريحاً، ولكنه يدعو لتبلد الإحساس كذلك، وهذا أمر لا أتمناه لنفسي، كما أني مللت الوضع كثيراً، ولكن ما باليد حيلة. الحياة بلا أصدقاء أريح على سبيل المثال، ولكنها لا طعم لها نوعاً ما. ولكني لا أشعر بالفقد فعلاً، الأمر شبيه بالتفكير برحلة ممتعة، ولكنها متعبة بطبيعة الحال، فالرحلة ضد الاستقرار، ربما وصلت إلى مستقري أخيراً. وليس الأمر يتعلق بجانب الأصدقاء فقط، ولكن في جوانب كثيرة، مثل الطموحات، حب الناس، حب النفس حتى.



راودني حلم غريب، على أنه من أضغاث الأحلام. ولكن فيه رأيت شخصين أعرفهم، يمثلهم شخص واحد. أليس هذا غريب؟ أعني اختلاط الشكل حتى تبدأ بالشك حقاً من هذا الذي تراه، وحتى الطباع اختلطت. كان الوجه مستطيلاً ولكن الأعين ملونة، الجسد رشيق ولكنه قوي. حينما صحوت فكرت بأنها ربما رسالة من عقلي الباطن، بأن هذين الشخصين المؤثرين في وقت سالف في حياتي، لا يختلفان كثيراً. أو ربما، أحدهما نقيض للآخر رغم تشابه الطبيعة، فهذا جذبني، وذاك نفرني، وكلاهما مميز بشكل متشابه، وكلاهما يشتركان بالطريقة، وربما، ربما، أو آمل، أنهما يختلفان بالقلب. ولكن لماذا آمل؟ لم يعد للأمر معنى، لم يعد لكليهما معنى، أو تأثير. ولكن لماذا يأتيان الآن؟.


كم أشتاق لعملي في الجامعة...


لا زلت لا أدري ماذا أسمي مدونتي. لا أرغب بالاسم القديم، الذي على سخافته وجدته دارج الاستخدام نوعا ما مؤخراً. كان الأسم: دفتري الأزرق، في إشارة إلى دفتر أزرق قديم لا زلت أستخدمه منذ سنوات. أتذكر دكتور في الجامعة، كان عميد لكلية الآداب. كان يكتب مقالات في جريدة الجامعة في زاوية ثابتة، وقد غير اسمها عدة مرات. أسخف الأسماء الذي يبدو أنه وضع بلا تفكير هو: عين العقل. وكأنما يثق بشكل زائد عن الحد فيما يقول، بالإضافة إلى الرنة السخيفة. غيره إلى اسم أكثر قبول رغم أني لا أتذكره. الآن أعتقد أن اهتمامه توسع بعدما صار دكتور عادي وترك العمادة، صار يكتب بكثرة بالجرائد المحلية، وصرت أشعر بأنه يبحث عن الظهور، ومثل بقية الدكاترة، يموت ليجد منصباً. الدكاترة السعوديين عموماً ليسوا من الناس الذين تصنع فيهم معروفاً وتتوقع أن يتذكروك ولو بسلام واحترام، فهم لا يرون غير أنفسهم وقد يتذكرون معروفهم على بعضهم، أما الشخص العادي فليس أكثر من شخص يجاملونه ويتحايلون عليه حتى يعطيهم حاجتهم. تعلمت هذا خلال عملي في الجامعة، صدمت بالبداية، ولكني تعلمت بسرعة لخلفيتي عن طبيعة الدكاترة السعوديين بشكل عام، السيئة المركبة. والمشكلة هي أن بعض الموظفين يسعون لإرضائهم بعيداً عن المنطق، وقد يخسر زملائه ليرضي دكتور في أمر غير منطقي. حدث هذا حينما جائني موظف ذات مرة، قال بأن زميلي المدير فلان، وهو مدير لقسم آخر، رجل طيب، قد أرسله إلي لأقوم بترجمة شيء ضروري معه. حينما نظرت وجدت الأمر لا يتعلق بالعمل، إنما هو مقال شخصي للدكتور الذي تحدثت عنه بالبداية، صاحب الآداب!! طالما أنه شخصي، لماذا لا يأخذه إلى مكتب ترجمة؟ فلا يعاني من عوز على حد علمي، ولا يعاني من غباء إلى هذا الحد كما أتصور، إنما هو استغلال درج عليه هو وزملائه، وهذا الموظف الصغير أمامي، الذd كان في العادة يتبسم إلي ويسلم عندما أعمل له شيء يتحايل علي، ولا يخبرني الحقيقة كاملة. أخبرته بأني لا أستطيع أن أقوم بهذا، أراد إحراجي وكأن الأمر يعنيه بالدرجة الأولى، وكأن هذا خطاب لترقيته مثلا ويتوقف علي توقيعه، قائلاً بأن المدير فلان طلب منه الذهاب إلي وأنه توقع أني سأوافق ومن هذا القبيل. أساساً، ذاك المدير المحترم كان يجب أن يستحي على نفسه بصراحة، ألا تكفيه الخدمات التي أؤديها لقسمه دون أن يضطر أحد منهم أن يتحرك من مكتبه؟. شعرت بصراحة بنوع سخيف من الاستغلال، ليس من قبل الدكتور الذي لا يعرفني، ولكن من ذلك المدير الذي أحبه، ولا زلت. رفضت أن أقوم بالعمل بأدب وهدوء، وهو شيء لم يتوقعه هذا الموظف، وحاول إحراجي أكثر ولكن لم يستفد، وأحرج نفسه هكذا. كان شيء سخيف أن يجعل نفسه أداة بهذا الشكل، أن يحرج الناس فقط ليرضي مديره أو مديره السابق كما أحسب، فالأمر لم يكن منطقياً، فحتى الأوراق الرسمية يرفض مديري أن أترجمها حينما لا تكون من جهتنا. صار هذا الموظف لا يرد سلامي لفترة بشكل غريب، أمر يجعلك تستصغر عقليته بصدق، ويبدو أنه تدارك الأمر وعاد ليتبسم بتوجس ويسلم، ولكني لم أعد أكترث له كثيراً، ليس على نحو متعمد، ولكن بدا لي أنه شخص سخيف حقاً. لست بالحقيقة مفتقد للمرونة بالعمل، على العكس. كانت الجهة التي أعمل فيها لا علاقة لها بالطلاب، مع ذلك يأتيني أحياناً طلاب لا أدري من يخبرهم عني، يطلبون ترجمتي لبعض الأوراق لديهم. إنهم طلاب، وأموال الترجمة تشكل ميزانية بالنسبة لهم، كما أنهم مساكين، في هذه الحالة أستأذن مديري، الذي يتغاضى ويتسامح في هذه الحالات، ولكنه يوضح لهم بأننا لا نستطيع أن نصادق على الترجمة بالختم، غالباً يوافقون مع ذلك على هذا الشرط. كما أؤدي ترجمات لبعض الأجانب من غير العرب العاملين في الجامعة، فبصدق، هؤلاء أفضل من العرب في أسوأ الأحوال.




اليوم استلمت عمل جديد، وقد كنت متوتراً في البداية، لأني لم أكن متأكداً إذا ما كنت أستغل أم لا، حيث لم يكن العمل من مديري، ولا زلت غير متأكد. ولكني سأنتظر وأرى. لقد صارت عندي حساسية من تكليفي بعمل، ثم نسبه لغيري. قمة القهر، ولدي شعور بأن هذا ما سيحدث هذه المرة أيضاً، والله أعلم.






أديت الجزء المطلوب قبل قليل. بدأت به حالما وصلت إلى العمل، لم يكن الأمر صعباً رغم أنه جديد، إلا أني قلق من ناحية الأسغلال. حيث توجد عدة مؤشرات لم تشعرني بالاطمئنان.






حياتي تحتاج إلى عملية إعادة ضبط هائلة. يجب أن أبدأ بالتأقلم على وجودي في العمل الجديد، حيث لا يبدو أن هذا الواقع سيتغير مع الأسف. الناس في المكتب الذي أعمل فيه ودودين بشكل عام، ولكن كم أفتقد زملائي في عملي السابق في الجامعة، وكم أفتقد الحياة هناك. صحيح أنه يوجد بعض الأمور الغريبة التي تجري، ولكنها كانت ملح الوجود هناك، حيث هناك دائماً ما يدعوك للتفكر. يعمل هنا دكتور يبدو أنه نزق النفس، وبما أنه ليس مدير، تشكل المعاملة العفوية له من قبل الموظفين العاديين ضغط نفسي على ما أتصور، رغم أنها بالتأكيد بعيدة عن المعاملة الندّية. من الجيد أن مكتبه بعيد قليلاً. لقد انتشر الدكاترة في كل مكان الآن، حتى في أماكن لا تتوقع أنه يعملون فيها، هذا يعني أن أعدادهم زادت عن الحد، ويوجد طفرة منهم. لم يعد الأمر مميز.






كلفت بعمل لأول مرة أكلف بمثله، حيث أعطيت أوراق باللغة الانجليزية عن مؤسسة معينة لألخص فيها بعض المعلومات باللغة العربية. أديت جيداً كما فهمت، على أني لم أكن متأكداً من الطريقة التي يريدون فيها عرض المعلومات. ورغم أن الدكتور الذي يعمل معنا وكلفني بهذا لطيف، ويميل إلى التشجيع والامتداح، إلا أني لسبب أجهله لا أرتاح إليه، ربما لأني أشعر بأنه غير صادق، ليس من ناحية أنه يكذب حينما يمتدح عمل ما، ولكن لأنه لا يمتدحه لأنه معجب بالأداء مقدر له بقدر ما أنه يحايل لإنجاز المزيد بلا سؤال. قد لا يكون هذا صحيحاً، ولكن سبحان الله، الأرواح جنود مجندة، ما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف، لا أرتاح إليه ولا إلى ابتسامته ولطفه. ولكن من يعلم، قد أتعرف عليه أكثر وأغير رأيي، أو أتمسك به. اديت عملين بالأمس، أحدها ما ذكرت والآخر طلب فيه المزيد من التفاصيل، حينما اتصلت فيه بعدما وجدت اتصاله، وجدته قد غادر العمل إلى اجتماع مهم، أخبرته بأني أرسلت إليه العمل وسألته ماذا يردني أن أنجز الآن، ولكنه تحدث ولم أفهم من يقصد، أنا أم غيري حينما قال ونعم الرجل ومن هذا الكلام، حيث بدا أنه يتحدث عن شخص آخر لأني لم ألتقط كل ما قال. كان أمر مشوش. على العكس منه كان الدكتور الذي عملت لديه قبل أقل من 3 سنوات، حيث كان طبيباً مجنوناً على شهرته. كان حينما يمتدح الانجاز يمتدح بإعجاب وبصدق، رغم أنه فاشل إدارياً وغير محفز لصعوبة إرضائه في ذلك الوقت، ولافتعاله العديد من المواقف السيئة بيني وبين زملائي بزعم حمايتي، بعض الناس ليتهم لا يحبوك، بعضهم، تقول: لن أسامحه على حبه. ولكنك لا تدري حقاً ماذا يجب تقول.






أشعر فجئة بشوق شديد إلى أمي. لا أدري لماذا داهمني هذا الشعور... ولكن الوقت مبكر على الاتصال الآن.





قبل فترة، اشتريت ساعة غريبة من شركة يابانية عن طريق الانترنت. وهي لا تقرأ بالعقارب أو بالأرقام الالكترونية، ولكن بأضواء الأل إي دي. شكلها جميل وغريب، والغريب أنها تشعرني بأنها على جانب من الكلاسيكية بتموجات غطائها. كثيراً ما يفتح الناس الذين لا أعرفهم في الأماكن العامة محادثات بشأنها لغرابة شكلها، ناهيك عن من أعرف. وأجد شرح طريقة قرائتها المختلفة بحساب الدقائق حسب الأنوار أمر ممتع، فهي ممتعة حقاً، رغم أن أخي يتهمها بأنها غطاء زجاجة كولا مشوه، ولكنه يتهم الكثير من الأشياء بالكثير من الأوصاف، وآخر تقليعاته أني أشبه الفتاة على شعار مطعم وينديز مع فارق أن لديها ظفائر. ضحكت طبعاً، ماذا بوسعي أن أفعل، على الأقل، كنت أحب المطعم قبل أن يغلق أبوابه في الرياض. كان هذا بعدما اتهمته بأنه يشبه زوزإمب، zoozimp ابحثوا عنه. عموماً، هذه هي صورة الساعة:




يوجد شباب يعرفون كيف يتأنقون بالملبس حقاً ما شاء الله. حينما أراهم أتمنى لو أستطيع أن آخذ نصائحهم بالأمر. أنا ألبس ثياب نظيفة ومكوية، ولكن يظل منظر الغترة على رأسي غير جيد. يوجد الكثير من الشباب من يضع الشماغ بشكل سليم ويلبس ثياب جيدة وساعة جيدة، ولكن، ليس الكل يبدو بالنهاية مميزاً بالأمر. إن الأمر يدخل به ذوق دقيق. أحد الموظفين وهو من عمري على ما يبدو، رأيته بضع مرات في الممر، يبدو شديد الأناقة ما شاء الله، ولو أني أجد اهتمامه مبالغ فيه، ولكن حينما ينظر إلي، لا أكف أتخيل أنه يقول في نفسه: وش ذا الهردويل.


اتصلت أختي قبل قليل بي، لتخبرني بأنهم أخرجوا الموظفين والطلاب والمدرسين في المدينة القريبة من الرياض حيث تقيم. بسبب عاصفة رملية شديدة لا يرون شيء بسببها، وقد مرت ببريدة كذلك في القصيم، ويقال أنها قادمة للرياض. هل سيخرجوننا من هنا باكراً؟ لا أتصور. مع أني أتمنى. لدي الكثير من العمل لأقوم به، والآن أستريح بعد ساعتين ونصف من العمل المتواصل. ولكن لا يبدو الأمر بهذا السوء كلما تعمقت فيه، إلا عندما يخرج الدكتور بتقليعة جديدة مختلفة عن ما قرره أمس... يا الله. على الأقل، تعامله جيد. رغم أني أعرف بأنه يكاد أن ينفجر مني بسبب عنادي في بعض الأمور، التي هي من حقي طبعاً. حيث ألمح أمس لبقائي في العمل بعد نهاية الدوام لأكمل العمل، ولكن أخبرته بأني يجب أن أعود فابتسم ابتسامة مغتصبة عريضة، ثم تكلم، وفي سياق كلامه ألمح لأخذي للعمل معي للمنزل، فأخبرته بأني سأنهيه غداً صباحاً، فابتسم ابتسامة مثل الأولى. وحينما صرفني استدعاني مرة أخرى، وأخبرني بأنه سيطلب لي خارج دوام لأبقى، فأخبرته بأني لا أريد هذا، فأنا لدي أنشطة أخرى بعد الدوام، ثم عرض ابتسامة مثل أختيها. بعد ذلك امتدح ترجمتي في معرض حديثه، وسألني إن كنت أعمل بالترجمة خارج وقت الدوام؟ أخبرته بأني أعمل تطوعياً، ولكنه سأل عن الربح المادي، ولما لم يوجد، عرض أن يعطيني أوراق لأترجمها بمبلغ كذا، ولكني رفضت، قائلاً بأني أكتفي بالعمل التطوعي والدوام الرسمي، ولكنه أصر وأصر وأصر، فقلت كاذباً بأني سأفكر بالأمر، يعلم بأني أكذب بالطبع.


متى ستأتي العاصفة؟...




غادرت أمس، يوم العاصفة، حالما وقعت الخروج. وهو أمر غير معتاد منذ فترة، إذ يستدعيني دكتور أعمل معه على أمر لنتكلم عن العمل ونناقشه، أو كما يفترض، ولكن الوقت يضيع لأنه دائما غير مستعد، بحيث يبحث عن الأوراق اللازمة وأنا معه، ويبقيني أنتظر لفترة طويلة وهو يبحث على الحاسب أو على مكتبه. هو شخص غير مرتب إطلاقاً، ولست أحب العمل بصراحة مع مثل هؤلاء. يؤخرني هكذا لفترة طويلة، قد تصل إلى ساعة بعد نهاية الدوام. وما يجعل الأمر ثقيلاً حقاً هو أني لا أتقبله. لا يقوم بشيء مزعج على نحو واضح باستثناء نهمه بإلقاء الأعمال علي، مغلف بطريقة مؤدبه، وأنا لا أشعر بأن أدبه مع الناس أكثر من تحايل، شأن أكثر الدكاترة السعوديين، ولكن الأمر معه يتعدى حدود تحملي، فأنا هكذا لا أشعر تجاهه بالراحة، سبحان الله، الأرواح جنود مجندة ما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف. حينما أجلس أمامه أجلس وكأني أقبض على جمر. ومثلما توقعت، اعتاد على وجودي في نهاية الدوام، ولما لم يستدعيني خرجت من العمل دون أن يراني، مع إرسالي للأعمال المطلوبة كاملة قبل أكثر من نصف ساعة من نهاية الدوام، حيث بقي له وقت لمناقشتي بها. اليوم حينما جئت في الصباح بدأت العمل مباشرة على أمر آخر كلفني به عن طريق البريد. وجاء زميلي يخبرني بأنه بحث عني أمس بعدما غادرت، وقلد لهجته الغاضبه وهو يقول لزملائي بأنه كلفني بعمل، احتجاجاً على خروجي في نهاية دوامي!. اخبرت زميلي بأني أرسلت العمل باكراً من الأساس، وليس ذنبي أن لم يطالع البريد. وأعربت عن استغرابي لرغبته ببقائي حتى بعد نهاية الدوام هنا. لا أدري كيف يفكر بعض الناس. عموما من الواضح أنه رأى العمل الكامل مرسل إليه بعدما أدى الفاصل المسرحي أمام زملائي وأحرجني في غيابي بلا داعي. حيث أنه مر اليوم علي في المكتب الذي أعمل عليه، مبتسماً ولكن ليس ببشاشته المعتادة، إذ كان من الواضح أنه غاضب، ولكنه لا يستطيع أن يقول شيئاً، وليس لديه حجة بما أن العمل انتهى قبل نهاية الدوام وهو من لم يعلم. هل يجب أن ألاحق كل رسالة أرسلها لأتأكد بأنها وصلت؟. أعترف بأن حنقي وعدم تسامحي معه راجع إلى حد بعيد إلى عدم ارتياحي له ولأسلوبه بشكل عام وفي كل شيء. أرجو أن اعمل مع مديري المباشر في المرة المقبلة بعدما أنتهي من العمل مع هذا، ربما كان مديري المباشر أفضل.



يبدو أن ذاكرة الفلاش لدي انتهى عمرها، ويا له من عمر طويل من الاستهلاك المضني. لقد عاشت حوالي4 أو 5 سنوات، حينما اشتريتها من تخفيض من وكالة سوني. اشتريتها بمئة ريال في ذلك الوقت، وكنت معجب بمميزاتها، مثل برنامج الضغط الذي يجعلها تحمل من المعلومات أكثر مما تتيح ذاكرتها. ذاكرتها المضحكة، 128 ميجا، التي كانت دائماً كافية، ولا تمتلئ أبداً، لحفظي لنصوص عموماً وقليل من الصور. عموماً منذ فترة طويلة وأنا أبحث عن عذر لأشتري ذاكرة جديدة من سوني، النوع الصغير النحيف، ولكني كنت دائماً أتراجع لأن الذاكرة لدي تعمل، ولا أريد أن أسرف، أو أكون استهلاكياً فوق الحد. فأنا أحب أن أستهلك ما أملك إلى أقصى حد غالباً.






لقد قررت التحرك ومحاولة العودة إلى العمل في الجامعة مجدداً، محتفظاً بمرتبتي الجديدة، وإن لم أستطع، فسأفكر أن أعود إلى مرتبتي القديمة إن كان هذا ممكناً... لم أحب هذه الوزارة منذ أن عملت فيها. لماذا خرجت من الجامعة في المقام الأول؟... يا الله. إن الدكتور الذي أعمل معه حالياً هو القشة التي قصمت ظهر البعير. إن المكان هنا في القسم الذي انتقلت إليه منذ أقل من شهر جيد، أو بدا جيداً، ولكن إن استمريت أعمل مع هذا الدكتور فلا فائدة من أي ميزة أخرى، فأنا والله لا أستطيع أن أتحمل مجرد رؤيته، وهذا وهو لم يفعل أمراً جللاً حتى الآن. ولكني أبغضه وأبغض أسلوبه وكل شيء فيه، أبغض العمل غير المرتب معه، أبغض فوضويته واعتباطيته، أبغض تصنعه، أبغض شكله وصوته وكتابته وابتسامته غير الصادقة، أبغض استعجاله في تصرفاته وكلامه وقراراته، ابغض استبقاءه لي في مكتبه بلا فائدة لمدة طويلة وهو يكرر ويكرر ما يقول، أو يبحث عن شيء لم يكن مستعد له حينما ناداني، أبغض حتى مديحه الذي يبدو أنه يراه ذريعة لطلب أكثر مما أطيق، أبغض إلحاحه غير الضروري بالعمل، اكره اتصالاته بالجوال ورسائله بالبريد، وهي أمور لم أكرهها يوماً من مديري السابق، على الأقل من ناحية الاتصالات، وكنت دائما من دعاة تفعيل التواصل الالكتروني بالعمل، أما هذا فأريد أن يحرم منه، أبغض تصنعه الزائد بالعمليه وأنا أعرف بأنه يبالغ، لا أستطيع أن أعمل مع شخص كهذا. أود لو جربت العمل مع مديري الدكتور الآخر، ربما ظل العمل بيني وبينه فقط وربما كان أفضل، ولكن لا أتصور أن الحال سيكون هكذا. إن الراحة النفسية أهم من أي ميزة أخرى، فهي لا تشترى، ولا تمنح بقرار.


اليوم، أول يوم بالاسبوع، أجد نفسيتي سيئة للغاية. نوع من السأم، أو نوع من الهم. حيث أجد نفسي أسترجع الوضع منذ أن جئت إلى هذه الوزارة، بداية بذلك الوكيل والمدير القساة، انتهاء بدكتور لا أستطيع وصف قدر عدم إعجابي به. لقد جاء قبل قليل، وكنت قد أديت عمل أرسل لي أمس الجمعة بالبريد الالكتروني يطلبه، أرسلته قبل أكثر من نصف ساعة. رغم أني أنهيته مبكراً، إلا أني أردت التريث وأخذ المهلة المحددة حتى لا أشجعه على مناداتي. ولكن لم يأتي إلا متأخراً، لا يمكنني أن أقول للأسف مع ذلك. كم كان لهذا العمل أن يصبح ممتعاً مع غيره... لقد أحببت بالبداية ما أقوم به حتى بدأ يستدعيني أكثر فأكثر، ولا يكتفي بما أقوم به، ولا يهتم بحقي ووقتي. لو فقط أغلق عيني وأفتحها فأجد دفتر التوقيع قبل أن يناديني...






حسناً،، لم تتحقق الأمنية. ولكن أشعر بأنه يبادلني عدم الارتياح، أن كلينا وإن اختلفت أسبابنا، لا يطيق أحدنا الآخر. هو لا يطيقني لأني لا أبقى بعد الدوام أطيع كل ما يريده مني كما أفترض، ومع ذلك معجب بعملي كما يقول، وأنا لا أطيقه،، للكلام الكثير الذي قلته سابقاً. يبدو أنه يعتقد بأني لست شغوفاً بالعمل، ولكنه لا يجد عيب في اتقاني للعمل فلا يستطيع أن يقول شيئا، أكثر من تكليفي بالمزيد والمزيد بشكل غريب. مؤخراً صار يقتضب في ملاحظاته، الجيدة عموماً عن عملي، وهذا لا يضايقني، فإني أود لو لم يتكلم أصلاً. طلب مني معلومات باللغة الانجليزية أو العربية، وقال أنه لا فرق. وبما أن المعلومات بطبيعة الحال تتوفر بالانجليزية أكثر، جمعتها وعملت عليها هكذا. غير رأيه قبل قليل، الآن يريدني أن أترجم ما جمعت، ألم يكن من الأوفر للوقت أن أترجم المعلومات في وقتها؟ لكان حصل عليها اليوم على الأغلب. عموماً، ماذا بوسع المرء أن يفعل...






كذلك، أشعر بأنه يشعر بأني لا أطيقه رغم تهذيبي معه ومجاملته بالابتسام، ولكنه ليس غبي إلى هذا الحد كي لا يلاحظ نفوري. ربما شعوره هذا في الأيام الأخيره، بدأ عدم ارتياحه لي، أقول ربما.






على أني أستغرب بأنه لم يحاول، لأول مرة، أن يجعلني أعمل في العشر دقائق الأخيرة من الدوام، كي أبقى أكثر. إذ قال بكرم بأن لا أعمل اليوم، وأترك العمل للغد، بعدما كلفني بالترجمة المذكورة، التي كان من الممكن أن تكون ممتعة، و كلفني بعمل آخر لا أدري جدواه، أو أهميته في هذا الوقت، مع علمي بأننا ينغير ما نعمل عليه الآن لاحقاً...



يا الله، كم أكره ثرثرتي في هذه المواضيع...





كراهية وغضب حتى الانطفاء...





سعد الحوشان

الأربعاء، 4 مارس 2009

غريب، الآية مبتسم.

بسم الله الرحمن الرحيم



يظل المرء متردداً أحياناً بخصوص شيء ما، ولكن لكي لا يضيع الوقت، يتعامل مع الأمر بجدية، حتى يكون قد حقق شيئاً فيما لو قرر الاستمرار، أو قام بخطوات تضمن جودة الأمر ليستأهل العناء لو لم يترك الأمر ويتراجع عنه. لقد اتخذت اجراء لطالما فكرت فيه منذ وقت طويل الآن. كان أمر أرفض القيام فيه حينما كنت أكتب في مدونتي التي يستضيفها موقع سعودي للتدوين. حيث كنت متحمس لدعمه. ما قمت به هو شراء عنوان موقع لمدونتي. ما شجعني أكثر هو أن اسم مدونتي القديمة، وهو فريد من نوعه، قد تم أخذه هنا في بلوجر، رغم أن الأمر غريب، حيث أنه كان متاح حتى اقترحت في مدونتي القديمة بعد سوء تعامل إدارة الموقع المستضيف أني قد أتوجه إلى بلوجر. شعرت بأن هناك أحد أخذ الاسم حتى يفسد علي، ولكن، الأمر كله عشر دولارات في السنة، مع أني كنت أظن أن شراء عنوان غير مهم إذا ما توفر عنوان مناسب ولو كان طويلاً، إلا أني لا زلت أجد عنواني القديم Saaddiary مناسباً لي أكثر من غيره. لست واثقاً من استمراري في التدوين، أو على الأقل أخذ الأمر بجدية، فلدي خطط لمدونة لغرض خاص.

جاء مديري الدكتور اليوم أخيراً، إنه أطول مني وكنت أحسبه قزماً!! يخطئ المرء في تقييم الطول حينما يكون من أمامه جالس خلف مكتب. لا زلت أتذكر أحد أصدقائي سابقاً حينما ذهبنا أنا وهو لمقابلة شخص من أجل عمل له، وكان قد وصفه بالقصر والضآله، فإذا به فارع الطول ضخم الجسد، وكأنك أمام يوسف الجراح!.

لا شك أن وقت قصير في ظروف قوية قد يغير في سمات المرء. كنت معروفاً في الجامعة بتبسمي الدائم وسلامي على المارين والجلوس. فوجئت بعد شهر أو أكثر بقليل بأحد زملائي في العمل الجديد، في القسم السابق قبل أن أنتقل يعلق على ابتسامتي قائلاً: غريبة مبتسم سعد. كنت أقراء رسالة. صار الغريب أن أبتسم بعدما كانت عادة، لقد أحبطوني كثيراً حتى صرت بائساً. كان هناك مدير ملتزم يحب ممازحتي والتحدث معي منذ أن أتيت، وكان ينصحني بأن أبتهج، فقد كان يلاحظ بؤسي، ويقول ابتسم للدنيا تبتسم لك، يقول هذا دائماً. حينما صادفني في ممر وأخبرني بأن قرار انتقالي الذي لم يكن يعلم عنه قد وصل إليه، أخبرته بأني أعلم بأمره، فدعى لي بالتوفيق، ولم يفته أن ينصحني بالابتسام والابتهاج، فأخبرته بأني كنت مشهوراً بكثرة الابتسام في عملي السابق، ولم أصبح بائساً إلا حينما جئت هنا. لا أدري هل استوعب الأمر؟ إنهم لا يعملون في جو صحي، معرضون للإهانة طوال الوقت، يبدو أن البعض يستمرؤون الأمر للأسف. هذا الملتزم كان لطيفاً جداً، ومضحك جداً، ولكني لم أكن أفهم الكثير من تعليقاته، ولا أفهم اهتمامه. ذات مرة كان في مكتبنا يتحادث مع الآخرين، ولم أكن أشترك في هذا النوع من المحادثات ذات الأطراف الكثيرة، كنت أعمل فقط. وبينما أنا اعمل على الحاسب نظرت فوجدته يتأملني صامتاً، عدت لأكمل عملي، ولكنه قال في تلك اللحظة بطريقة غريبة: سعد آية... توقفت في تلك اللحظة مع أني لم أغير نظرتي عن شاشتي، أنتظره أن يكمل، ولكن لم يكمل. آية ماذا؟ لم أعرف، ولم أسأل، عدت لاكمال عملي. بدا الأمر مضحكاً لأختي حينما أخبرتها به ، ولكن يبدو لي أنه يعتقد أن آية كلمة تعبر عن أمر أياً كان بشكل مستقل، ولا تحتاج إلى لاحقة، مع أن هذا غير صحيح، ولكن ماذا بوسع المرء أن يفعل، الكثير من التعابير الخاطئة والاستخدامات غير الكاملة للغة. ربما آية الله خامنئي أو شيء من هذا القبيل؟.

بالأمس، تذوقت أطيب شوكولاته تذوقتها حتى الآن. كان مديري الدكتور قد جاء أمس من سويسرا، وأحضر معه علبة شوكولاته فاخرة من هناك. حينما جربت واحدة، كدت أصيح لشدة اللذة (أفعل هذا حينما أتذوق شيء إستثنائي جداً وليس أي شيء لذيذ، وعليه، لا يحصل إلا نادراً جداً) عاد زميلي ليوزع علينا من العلبة، رجل كبير بالسن يعمل معنا رفض، ورفضت أنا حينما حان دوري، ولكنه أصر، ورفضت، وأصر مرة أخرى، ورفضت، وأصر بحزم أكبر، والحمد لله الحمد لله الحمد لله أنه فعل. لا أدري لماذا أصر، هل تغير شيء في وجهي بعد أول قطعة؟ رغم أني لا زلت رسمياً فلا أعرف أحد إلى حد مقبول حتى. ولحسن الحظ، أخذت ثالثة أيضاً حينما تركت العلبة مفتوحة ليتناولوا منها مع القهوة. أتمنى أن يذهب مرة أخرى بسرعة إلى الخارج ويعود بعلبة أخرى، ولكن أود هذه المرة أن يحضر شيء مميز من بلجيكا، رغم أن هذا مستبعد. فكرت بعدما تذوقت الشوكولاته، كيف كانت الأشياء هنا تعجبني؟ كيف سيعجبني سنيكرز بعد اليوم؟ ولكن مجبر أخاك لا بطل.

لا زلت لم أعمل شيء حقيقي هنا، لم أكلف سوا مرة واحدة بالترجمة واستشرت بأمر ثقافي بنفس الوقت. أرجو أن لا يطول الأمر هكذا، فهذا شيء غير صحي. كما أنه ممل. كذلك، لا زلت حتى لا أملك مكتب ثابت، وهذا ما أخشى أنه سيطول. ولكن، أكثر ما يقلقني، كيف هي طباع مديري؟ وكيف سيكون حظي معه؟. لم أحب مديري الأول في الوزارة. أرجو أن يكون مديري الحالي أكثر صدق ووضوح.

ذهبت وحيداً للحج في الموسم الفائت، والحمد لله أن منّ علي بأداءه أخيراً. كانت تجربة كما يجدر بها أن تكون، شاقة حقاً. ولكن، كان للحملة التي اشتركت معها دور كبير في زيادة المشقة، وهي حملة الجميعة، أنصح بتجنبها، وإن لم يتوفر غيرها، فلتؤجل حجك. لقد رأيت من تخلف المسلمين هناك ما يندى له الجبين للأسف. من يصدق أن تلك الأمة التي صنعت المجعزات قد انحدرت إلى هذا الحد؟ كان الناس لا يشعرون ببعضهم، ولا يرحمون بعضهم، ولا يهتمون بحياة إخوانهم، ولا يبدو أنهم واعون للغرض الكامل من وجودهم هناك في حالات كثيرة. بصراحة، كانت صدمتي الأكبر بالمصريين، لأني توقعت أنهم أفضل، ولا يخفف هذا من صدمتي في أي شعب آخر مع ذلك. يا للجهل المطبق. كذلك، رغم أن الحكومة تبذل أقصى جهد للتنظيم على نحو واضح وذكي، إلا أن بعض العسكريين، قليل منهم بالواقع، كانوا قساة وتعاملهم يعطي صورة سيئة حقاً، يستحقون استبعادهم أو تأديبهم. مرضت هناك، وكنت قد أحضرت معي أدوية ومضادات من الرياض، كنت أنتفض في بعض المرات وأشعر بضعف شديد، وأدعو الله فقط أن يعينني على أداء الحج، ولأتعب حينما أعود إلى الديار. كنت أخاف أن لا أستطيع أن أؤدي المناسك في بعض اللحظات من المرض، ولكن الحمد لله على كل حال. كان هناك حمقى بالمخيم، يأخذون أي شبشب يرونه أمامهم فعانيت معاناة وأنا أبحث عن أحذيتي أو أشتري جديدة. كان الطعام قمة بالسوء، ولم أكن أستطيع أن آكل أبداً، فكنت أموت جوعاً لولا تعاطف بعض زملائي بالخيمة وإعطائي فطائر مغلفة يحضرونها معهم من مطعم البيك، وأكل بعض الفواكه حينما تتوفر. كنت أؤدي أغلب المناسك تقريباً برفقة شاب صغير في أول سنة بالجامعة، تصادقنا في تلك الرحلة. كان شاب طيب ولكن ليست لديه خبرة بالناس، إنه يريد أن يكون في قمة الود مع كل العالم. ولكني اكتسبت صداقات مع آخرين بالحملة، وتجنبت آخرين، وأضاع قلمي آخرين (واحد بالواقع). لا أدري لماذا كسبت تعاطف البعض حتى قبل أن أمرض، فكان البعض يعرض علي مرافقته حينما أريد الخروج، لرمي الجمرات مثلاً، لأنهم يتخيلون بأني سأضيع (شكلي سبهه الظاهر)، وحينما أخرج لوحدي يجب أن أقف لفترة ليتم توصيف المكان لي والطريق الصحيح وطريق العودة والعلامات! بالواقع، ربما شعروا بحسي المنعدم بالأماكن والاتجاهات في أغلب الأحيان. صادفت مواقف كثيرة هناك كما يصادف أي حاج رغماً عنه. رأيت هناك العجائز والأمهات بمشاهد مؤثرة، وهي ما يشد نظري بالعادة، أحب التطلع إلى الأمومة، في قوتها وفي ضعفها. رأيت أمهات محمولة، وأمهات يسرن في رفق، كما وجدت أمهات تفيض وجوههن بالأمومة، وأمهات أقل رقة. كن العجائز المغوليات الأكثر تأثير في نفسي، لا أدري لماذا، ولكن بدَون ضعيفات حقاً، وأموميات. كذلك، بينما كنا عائدين أنا وصاحبي من رمي الجمرات، في الطابق الأعلى، سمعنا رجل ينادي بأعلى صوته، ثم رأينها يذهب بفزع إلى كل مكان ويصيح، ثم اتجه بضعف إلى السور وصاح ينادي بلغته، كان باكستانياً، شيخ كبير بالسن، أقدر عمره في الثمانينات. كان بعض قساة القلوب، الحاجين، ينظرون إليه ويضحكون. توجه إلينا مسرعاً لسبب ما وتعلق بيد صاحبي، ورطن بلغته وبكى، فهمنا بأنه ضائع، حاولنا طمئنته بذكر الله والربت على كتفه، ولكنه كان مذعوراً. أخذناه معنا لنسلمه إلى مكتب الضائعين. في طريقنا على السلالم المتحركة، كان يقفز عند نهايتها، مما أشعرني بأنه ربما لم يغادر قريته من قبل. كان يبكي طوال الوقت وكأنه صبي صغير مما حطم قلبي حقاً. والمشكلة أن الباكستانيين الآخرين لا يفهمون لغته لأنه من أقليم مختلف، ولم نجد من يفهمه، ولم نجد أي إشارة معه تشير إلى مخيمه أو رقم هاتف. وجدنا أخيراً من يتحدثون لغته ونحن ننزل برج الجمرات، حادثوه وكانوا مجموعة رجال، وحاولوا أخذه معهم لمساعدته، ولكنه تشبث بيدي ورفض الذهاب معهم، وحاولوا معه بإصرار ولكنه رفض لسبب ما. كان كلما هدأ عاد ليبكي، ويمسح ذقني باستجداء، ويغطي عينيه بيده ويبكي، كنت اشده إلى جانبي واحتضنه ونحن نمشي وأكلمه لمواساته، شعرت في تلك اللحظة بعودة الإنسان إلى الصغر حينما يكبر من ضعف وهشاشة وحاجة، من حيث تقبل الرجل لطمئنتي وحاجته لها. مشينا طويلاً دون أن نجد مكتب الضائعين، وحتى العسكريين لم يعرفوا أين يكون، وهذه سلبية. وجدنا من يتحدث لغته وتعاون معنا، ولكن مع ذلك لم يكن بمستطاع الرجل أكثر مما نستطيع، حتى أرسل الله إلينا رجل من جنسيته، شاب ملتحٍ، نحيل طويل، بهي الطلعة أنيق الملبس، واكتشفنا بأنه يرعى حملة معينة أو أنه شيخها، وعرفنا أنه يعرف أين حملة الشيخ، تأملته، وجدته مميز حقاً بحضوره الواثق ولكن اللطيف، وبشكله الغريب الذي يذكر بالإوزة. حينما أراد الرجل المسن أن يغادر معه، فاجئني بأن سحب يدي وقبلها، وحاول أن يفعل المثل مع صاحبي، ثم وقف أمام كل منا وخبط بيديه بقوة على كتفينا، بقوة لم اتصور أنه يملكها بالواقع فقد كاد أن يوقعني، ثم احتضنته مودعاً، وقام بالمثل صاحبي. يخيل إلي بأنه جاء مع زوجته العجوز، وددت لو أرى كيف استقبله ذووه، وكيف استقبلهم.

يوجد بائع سوداني شاب في دكان الجمعية النسائية الخيرية في مستشفى الملك خالد الجامعي، وهو جديد نسبياً هنا. هذا الرجل يمكنكم اعتباره غريب اطوار هنا، من حيث رغبته الطبيعية بالتواصل، في مجتمع طبيعته التحفظ. حادثته عدة مرات، وفي كل مرة يكون هو المبادر لقول شيء يمتد إلى محادثة طويلة نسبياً. فقد أخبرني في أول مرة من أين تخرج وعن تخصصه وما كان يرغب أن يكون. هو ودود جداً ومهذب، وصاحب ذوق في انتقاء كلماته. ولكن يبدو أنه لا يتمتع بذاكرة جيدة، ففي كل مرة يبدو أنه يحسب أنه لأول مرة يراني. وهو يحب مجاملة الناس، بشكل غريب بصراحة، ولكن لطيف. لا أتذكر أول مجاملة ماذا كانت، لكن الأخيرة كانت قبل أيام. كنت هناك لأحصل أدوية أمي، ومررت لآخذ علبة ماء من دكانه. سلمت مبتسماً وسألته عن حاله، ولم يتذكرني بشكل واضح، طلب الماء. كنت أتوقع أن يتذكرني لأني رددت إليه 600 ريال جائت بالخطأ مع جريدة اشتراها أخي منه لأختي وهي ترافق أمي. ولكن لم يتذكر، وجدت الأمر غريباً. حينما أخذت الماء وشكرته لأبتعد قال بغته: هدوئك هو ما يصنع هالة روعتك!. قلت: عفواً؟ قال: الهدوء، إنه يصنع حولك هالة غير عادية من الروعة، هدوءك وطريقتك تصنع هذا، إن هذا يجعل الإنسان محبوب جداً من الناس. شكرته على المجاملة المفاجئة، وأنا أفكر بأني غير مريح لكثير من الناس بالمقابل. أعتقد بأنه يميل إلى رفع معنويات الأفراد الذين يعجبونه بطريقة أو بأخرى. ولكن هذا الهدوء الذي أصطبغ به في بعض الأحيان، يجد تفسيرات مختلفة لدى الناس. فهناك مثلاً دكتور فلسطيني درسني بضع مواد في الجامعة، كان كثير النظر إلي، وكان يبدو لي حقاً أني أثير اضطرابه لسبب ما، يبدو أنه أفصح عنه ذات مرة وهو يشرح درساً، إذ قال وهو يعطي مثال ويشير إلي باسماً باصطناع:" مثلا هذا الشخص، دائما صامت، ولا تدري بماذا يفكر" ابتسمت بالمقابل، رغم أنها ملاحظة لست أدري حتى الآن ماذا يتوجب أن أصنع بها؟. وجدت أن وضع هذا الدكتور مع الوقت يظهر عدم راحته تجاهي، فلا يرد السلام بعد الصلاة رغم أنه معروف بوديته تجاه الطلاب بصراحة، وأجده أحيانا مصادفة يتابعني ويبحلق فيني على نحو غريب، مقطب، حتى حينما أكون مع أقراني. وفي آخر يوم له بالجامعة، كان يوم إجازة، وكنت آتي للجامعة بحثاً عن الهدوء لأقرأ وأكتب، ولأني قبل كل شيء أعشق الجامعة، وعليه، لم يكن هناك أحد غيري بالمكان. المهم أنه ودع الإدارة بالأعلى، ولما نزل للممر الرئيسي ليخرج من الجامعة للمرة الأخيرة شاهدني، فنظر إلي من بعيد، ثم مشى مبتعداً، إلى أنه ما لبث أن عاد والتف يشاهدني وهو يمشي للخلف، ثم يعود يمشي ثم يعود يلتفت للخلف، وهكذا دواليك حتى قطع المسافة كلها وخرج، ولم أره بعدها. يا ترى، هل فكر إن لم يكن يرتاح إلي، سلوك أي منا هو الغريب؟. عموماً، أنصح كل محبط، يبحث عن رفع المعنويات، زيارة مستشفى الملك خالد، والمرور على صاحبنا السوداني والتبسم له وطلب شيء من دكانه. ولا أنصح بالذهاب إلى دكتور كيف المجاور، فمعظم موظفيه وقحون حسب تجربتي في هذا الفرع، وقد يزيدون الحالة سوءاً.

وجدت نفسي في جدل يزنطي مع دكتور من الجامعة يكتب في مدونة. وهو شأنه شأن كل الدكاترة السعوديين معتد برأيه إلى حد ضار. المهم أنه يظهر في مخالفة لأخلاق النقاش عدم نيته للأخذ والتفكير، فكل ما يهمه هو الدفاع عن فكرته، ومع ذلك يتصور بأنه حر التفكير. إن أرى هذا شيء مناف للتفكير أصلاً. وكأن المرء اسطوانة مقفلة لن تتغير. ومع أني أردت تركه في حاله بعدما أشرت إلى مناقضته لنفسه، دون أن أشير إلى محاولاته المبطنة للاستفزاز، التي يبدو أنه لا يقاوم كتابتها رغم أنه لا يريد، عاد ليرى بماذا يناقض نفسه؟ رغم أنه كان متلهف لانهاء النقاش. كان يعلم بأنه يناقض نفسه، كان الأمر بوضوح الشمس ولا يحتاج إلى تأويل، ومع ذلك أراد سماع شرحي كي يؤول، ولكني أخبرته فقط بأن شرح الواضح ضرب من الجدال، كما أن هناك من سيلاحظ التناقض وهناك من قد يوافقه الرأي، فلا يهم. ليست النهاية التي يريدها للنقاش على ما يبدو، ولكنه وجع راس الله يعين طلابه، كم أكره الجدل. كان يحكم على عشاق الرواية بالسلبية وقلة الفهم وضيق الأفق. وأن الرواية أردأ أنواع الأدب، رغم خلاف العالم كله لهذا النقطة. إن العرب قد يقولون هذا لأنهم فاشلون في الرواية، لا أكثر.

سعد الحوشان

السبت، 28 فبراير 2009

من همس؟

بسم الله الرحمن الرحيم


أشك بأن أحد ممن يعرفون مدونتي السابقة قد اطلع على هذه، ولكن، لا يهم كثيراً بالحقيقة حينما أفكر بالأمر.


اليوم هو الاثنين، وقد قمت بأول عمل منذ بداية الاسبوع في قسمي الجديد. حيث أن لا زلت في انتظار عودة مديري الدكتور من السفر، ليرى ماذا سيصنع بأمري. كان عمل بسيط وتافه. ولكن لا بأس. احبطت في البداية لما لم أجد ما أقوم به. لكن قالت أختي بأن أعتبر هذا الاسبوع راحة بعد ضغوط الشهرين الفائتين.


رغم أن العكس مع الناس هو الصحيح، إلا أنه بدأ يخيل إلي أني كلما كبرت، كلما فقدت قدراتي الفلسفية، كلما أصبحت أكثر سطحية، وصرت أضعف من ناحية التعبير عن خبراتي. كان يمكنني أن أفلسف الكثير من الأمور بطريقة أفضل، ولكن لا يهم، فلم يعد هناك من يستمع، هل هذا هو السبب؟


قبل اسبوعين، تعرضت لألم فضيع في ضرسي. لم أستطع النوم في تلك الليلة أبداً، رغم أني ذهبت إلى مستوصف وأخذت ابرة مسكنة، وهو أمر أفعله لأول مرة، وأنا أكره أن آخذ أي ابرة من المستوصفات الأهلية ودائما أرفض، رغم ذلك لم أستفد. كنت أتألم بشكل غير طبيعي، لا أستطيع أن أبقى على وضع واحد، أود أن أصيح بأعلى صوتي من الألم. وضعت القرنفل وتناولت المسكنات بلا فائدة. صرت أقرأ القرآن في الماء ثم أشرب، يسكن الضرس قليلاً ثم يعود الألم. كان أمر معذب. في النهاية ذهبت إلى حيث تنام أختي وأمي المريضة. طالباً نوع من الدواء لديهن. لم ينفع الدواء، بيد أني استطعت أن أغفو لنصف ساعة تقريباً لديهن بعد الفجر. لم أذهب إلى العمل في ذلك اليوم، فقد ذهبت إلى طبيبة أسنان اتصلت بها اختي الأخرى بطلب مني وحجزت موعد لديها. ذهبت إليها وساعدني ذلك كثيراً ولله الحمد. لم أنم سوا الساعة الواحدة والنصف في الظهر. صدق من قال أن لا وجع إلا وجع الضرس ولا هم إلا هم العرس، مع أني لا أدري عن الجزء الأخير من المثل. لكني أعتقد أن ابن آدم ضعيف، يؤرقه أي ألم. الحمد لله على الصحة والعافية، كثيراً ما يخطر في بالي الناس الذين يعانون طوال الوقت من الآلام والعذابات، حتى يتمنوا الموت. كنت أتمنى أن اخلع ضرسي في ذلك اليوم وأرتاح منه. لم يكن لدى الأولين أطباء أسنان، ومن يعالج الأسنان لا حل لديه سوا الخلع. وبعض الأولين يخلعون جميع أضراسهم مرة واحدة ليرتاحوا من الآلام. لو كنت أعيش في ذلك الزمان لفعلت مثلهم بلا تردد، وإن عنى هذا ما عنى، من احتمال تجوف خداي، وصعوبة الأكل، فأي شيء أفضل من ألم الأسنان. كان ألم الأضراس حينما لا يوجد من يعرف كيف يخلعها يقعد الناس في بيوتهم عن طلب الرزق في الأوقات القديمة، ويجعلهم طرحاء الفراش لفترات طويلة. رأيت صورة للرياض قبل عقود طويلة. حينما كان معالجي الأسنان يجلسون في رصيف شارع واسع والناس يجلسون أمامهم طلباً للعلاج، تحت شمس ساطعة. حينما كنت صغيراً سببت أسناني اللبنية مشكلة في فترة معينة وصرت كثير التردد على طبيب الأسنان. اقترحت أمي ذات يوم أن تخلع كل أسناني، قلت بهلع ولكن كيف سآكل؟؟ قالت أمي: نعطيك مرقوق! وهو أكلة لا تحتاج إلى مضغ. لاحقاً، كانت اسناني اللبنية مصدر قلق لبعض الوقت لأنها تأخرت بالسقوط.


راجعت الطبيبة عدة مرات، وهي مصرية متمكنة حسب تجربة أهلي، يبدو أنها نصرانية. الطبيبة عصبية، ولكنها مضحكة جداً. وطماعة كذلك... وضعت لفافة تحت لساني، ولكني حركت لساني فخرجت اللفافة، فشرحت لي بأن أحاول ابقاءها تحت لساني كما أخبئ اللبان حينما يدخل المدرس! ثم أعقبت: بس انت بتشتغل! ثم قالت بتفكر: بس شكلك صغير. لا يبدو شكلي صغيراً، وليس إلى درجة وجود مدرسين في حياتي على أي حال. كان لساني يسبب لها أزمة. قالت فجئة بعصبية وهي تعامل لساني: لسانك ده أنا مش مستحملاه بصراحة! لم أستطع منع نفسي، ضحكت من أسلوبها الطريف. ويبدو أنها معتادة على إضحاك مرضاها. كان الله في عون الممرضة الفلبينية التي معها، فهي دائمة التوبيخ لها. لدى الفلبينيين قدرة كبيرة على التحمل. عموماً من المعروف أن المصريين بالذات يتسلطون بشكل مزعج على الآسيويين خصوصاً، من هنود وغيرهم.

بالأمس، ذهبت مع أمي إلى الطبيب في موعد معتاد لها. يبدو أن بعض الأطباء باتوا يعرفونني. ولكن هذا الطبيب كان قد وجدني بالمستشفى في وقت الدوام حينما كنت أعمل في الجامعة، بينما كانت أمي تخضع لعملية في تلك اللحظة. تعرفني في ذاك اليوم وجاء ليسلم علي ويسأل عن أمي. كان هذا قبل أكثر من سنة ونصف، وكان قد علم بأني موظف في الجامعة. أمس، يبدو أنه نسي، حيث سألني إن كنت قد تخرجت من الجامعة؟ أفهمته الوضع الصحيح وأني متخرج منذ زمن طويل. هو من الأطباء القلة الذين يحسنون التعامل مع مرضاهم، رغم أنه رجل يتعامل برسمية، ولكنه يهتم بصدق، وهذا ما صنع له سمعة قوية.

لن أتمكن من الذهاب مع أمي في موعدها الآخر اليوم، حيث لأول مرة يتصادف أن يكون لدي موعد في نفس اليوم، ولا أستطيع الخروج من العمل مرتين للأسف.

لا أدري هل كل الناس يشعرون مثلي؟ ولو في بعض الأحيان؟ هل يشعرون برغبة بترك كل شيء والبقاء في المنزل للنوم والاسترخاء قدر ما يريدون؟ أتمنى لو كان لدي مصدر رزق ثابت، مثل بعض المحظوظين، وإن كان ما يدره بالشهر أقل من مرتبي الحالي، ولو كان نصفه، ليكون خيار ترك الوظيفة والبحث عن عمل ما أحب، أو حتى الاستراحة من الحياة، أمور لا تبدو مخيفة. إن المرء يتمنى أشياء أحياناً، ويعلم بأنه لن يقوم بها حتى لو أتيحت الفرصة، ليس لفضيلة في نفسه وتعفف عن الراحة، ولكن لخلل. أعلم بأني جربت نفسي من هذه الناحية، إني أطمح للأفضل، وهذه مشكلة لدى بعض الناس الذين يصعب وصولهم للأفضل المرضي لطموحهم بسبب طبيعتهم وظروفهم. جربت نفسي حينما تركت وظيفة الجامعة طمعاً بالأفضل، رغم ارتياحي للعمل هناك، ضحيت براحتي النفسية وأنا لا أدري ما أنا مقبل عليه، وليس الخلل في أنني لا أدري ما أنا مقبل عليه، ولكن، لعلمي بما تركت خلفي، فلو لم أكن مرتاحاً في الجامعة لرأيت الأمر يتحمل المخاطرة. بالواقع، لم أكن أبداً راضياً عن أمور كثيراً حتى حينما كنت بالجامعة أعمل. لا أحد راضٍ في هذه الحياة، ولكن رضاي ممتزج مع إرهاق، استنزاف وشكل من اليأس، لقد وصلت منذ فترة سنوات الآن إلى حالة أن كل شيء تافه صار مغرٍ، وكل حقيقي بقيمته صار تافهاً؛ صار دفء الشمس في مصلى كلية اللغات مغر للاسترخاء فيه ونسيان المحيط، وصارت هبة الهواء مغرية بترك العمل، والبيت والطعام، لتنفسها، والاستلقاء بأمان في طريقها، صارت السجادة على الأرض داعية للنوم لأن ضوء خافت من النافذه يضيئها. صار من الصعب للمهم أن يعني شيئاً، صار من الصعب للدنيا المادية أن تكون مغرية، أن تكون ملهاة. أمور كثيرة صارت تفي بالغرض بعدما كانت كفاف.

لكن لنفرض أني امتلكت الحظ والشجاعة، وبقيت حياً أصرف على نفسي من دخل ثابت وأنا مستريح بالمنزل. هل ستقبل بي فتاة للزواج؟ وبالواقع، لو كان لدي ابنة، هل كنت سأقبل أن أزوجها رجل كهذا؟.يوجد أمر خاطئ بالمعادلة، يبدو أني فاقد لتوازن المقومات في حياتي بشكل ما.

أفكر هكذا عموماً حينما أكون ناعساً ومرهقاً. ولكن هذا لا شيء أمام ما أفكر به كل يوم حينما استلقي للنوم.





قرأت اليوم في جريدة الشرق الأوسط عن رواية لصحافية نرويجية، اسم الرواية: بائع الكتب في كابل. وهي تتحدث عن بائع كتب حقيقي أقامت في ضيافته تلك الصحافية، وسط عائلته لفترة من الزمن. الرواية تنتقد هذا المضيف وتصوره منافق ذو وجهين، متفتح ليبرالي أمام الناس ولكن قاسِ وظالم في بيته. هكذا تتوقع من ضيوفك الغربيين. كانت قد بنت تصورها لأسباب ذكرت في المقال، لأن الرجل تزوج زوجة ثانيه وأتى بها إلى المنزل، بعد زواج دام لسنوات مع زوجته الأولى التي حزنت كثيراً كدأب النساء. إنه أمر لا نراه نقيصة في مجتمعاتنا المسلمة حينما يتزوج الرجل زوجة ثانية، ولا نراه ظالماً لأن زوجته بكت فقط، حيث أن رؤيتنا للظلم تتطلب ظلماً حقيقياً، مع التقدير الكامل لعواطف النساء وتفهم حزنهن. الأفغاني، الذي لا أدري عن حقيقته بالواقع، ولكني أدري أنه ووجه بما هو متوقع من هذا الجنس، غاضب مما جرى، ويحاول ملاحقة هذه المرأة قضائياً. تصر المرأة على موقفها في الرواية، وتدعي أنها رأت الظلم البين بعينيها، بينما يقول بائع الكتب بأنها فقط لا تفهم طبيعة المجتمع المسلم، ولا واجبته وأدوار أفراده، والتغاء الفردية فيه، كما يقول بأنها جائت إلى أفغانستان وهي تملك رؤية مسبقة، لديها إطار محدد، وضعته فيه هو وعائلته. وهذا ما يغلب على ظني أيضاً، حكاية القالب أو الإطار، هذا ما يجري بالعادة من الغرب ومن شابههم. لفت انتباهي خبث المرأة، أو على الأصح، المراوغة المتأصلة بالغرب، وذلك حينما طلب الرجل مقابلتها، قابلته بصحبة والدها، بقصد جعله يحترم وجود شخص مسن وربما يلين موقفه، لمعرفتها، ومعرفة الغرب عموماً بطبيعة رؤيتنا للأمور وتعاملنا مع حقائق الأعمار والظروف، وهذا أمر لم يكن ليخطر على بالها مثلاً لو كانت مشكلتها مع أحد أبناء جنسها، كذلك، لم يخطر في بالها الاحترام حينما كتبت في الرواية تصف أم الرجل العجوز وهي في حمام عمومي. لسنا وحدنا من لديه خصوصية لا يحترمها الغرب، ويقولبها ويجدها مادة للتشويه، وهي مجرد خصوصية. فمثلا، ألف شخص غربي رواية عن العائلة الامبراطورية في اليابان يشكك فيها بأمور كثيرة لا تليق من ناحية الانساب وأمور مشابهة، مع معرفة الجميع بخصوصية تلك العائلة الروحية لدى شعبهم، كما حدث مؤخراً في تايلند حينما كتب استرالي مقيم هناك، في أرضهم، رواية مس فيها بالذات الملكية، التي ينص قانون صريح لديهم بعدم المساس بها، ولكن بما أنه أبيض السحنة، ومن جنسية من عصبة جنسيات، فيحق له حسبما يتخيل أن يفعل ما يسيء للناس وشعورهم، ومع ذلك يخرج من الامر بسهولة، بيد أنه سجن قليلا، إلا أنه عفي عنه للأسف الشديد، على غير العادة مع الأجناس الأخرى. هؤلاء قوم يجري انتقاص الغير في دمائهم، يجري الاستفزاز في دمائهم، وهم مع ذلك من يتظاهر بتقريب وجهات النظر بين الخصوم. عموماً، ليس أقسى مما قامت به النرويجية بذلك الرجل، وخصوصاً من ناحية أمه، فهذه إساءة أكثر خصوصية، لو نظرنا إلى أن إساءتها تجاه ضيافته وأمور ديننا تتوزع علينا جميعاً. سرطان الجنس البشري، كما قالت إحدى مفكراتهم المنصفات.



الآن استهليت اسبوعي الثاني في مكان عملي الجديد. هل ستسير الأمور على ما يرام؟ عسى الله أن يكتب الخير والصالح.



البارحة، ذهبت لزيارة زميل دراسة في منزله. كنت دائما أعترف بأنه رجل طيب، ولكن لم أكن أرى في تواصلنا سهولة وسلاسة بشكل عام لاختلافات جوهرية بالطباع، ولسوء الحظ كذلك. عليه، تركته لفترة طويلة جداً وهو المبادر للتواصل، دون أن أكون فعالاً في الأمر بأي طريقة. وأعجب الآن، كما دائماً، من مثابرته على هذا، وعدم تخليه عني وعن علاقتنا الأشبه بالعابرة، الخالية من الأمور المشتركة سوى في التخصص. في السنوات الأخيرة خاب ظني بالكثير من الناس، حتى بدأت أفقد روح المبادرة شيئاً فشيئاً، وفي مثل هذا الزمن الذي يتقطع فيه حتى الأقارب، فقدت الرغبة حتى في التواصل المجامل مع مجموعة كبيرة من الناس، ولم أعد أكترث لاهتمام أياً كان على الأغلب. ولكن كانت هناك دائما تلك الحالات الاستثنائية، التي بادرت أنا فيها وثابرت وتعلقت ورعيت الأمل، ولكن، دون جدوى، فالمرء يحصد ما يزرع. لم يكن هذا الزميل على أي حال ضمن مبادراتي، كنت أفضل أن أترك الأمور على عاتقه، لأن في كل مرة أحاول أن أساهم بالأمر يحدث أمر لا يعجبني، فتركت الأمور مائعة لا شكل لها من طرفي. هو رجل مختلف، ذكي ولكنه أحمق قليلاً، جلف أحياناً، ولكنه طيب جداً و ودود، ولديه فائض من المقومات الظاهرة التي تجعل من الآخرين يحبونه بسهولة، على أنها ليست مقومات سحرية، فهي أشبه بأمور رياضية يمكنك حسابها. لم أبادر أمس اعتباطاً، بدأ الأمر قبل فترة أكثر من شهر، أو حوالي شهرين. كنت في ذلك الوقت في كوفي شوب، مع أصدقاء تعرفت عليهم في موسم الحج، حينما لمحت رجل يشبه زميلي هذا تمام الشبه، إلى حد لا يصدق، ولكن بالنظر إليه أدركت أنه ليس هو. لكني تذكرت زميلي على أي حال، فأرسلت له رسالة أسأله بها عن حاله، وهذا أمر لم أقم به من قبل. ونظراً لطبيعته السمحة والمحبة للتواصل، توقعت أن يرد علي بسرعة، ولكنه لم يرد أبداً. فكرت بأنه ربما مشغول، مع أنه لا يبدو من النوع الذي قد يشغله شيء لمدة طويلة. بعد فترة ليست بالقصيرة، انتقلت إلى مكاني الجديد في الفرع الرئيسي من الوزارة، والوزارة ملاصقة لمقر عمله، صدفة عجيبة، هذا العمل قربني من شخصين مميزين الآن بشكل غريب. كان يجب أن يعلم بأني انتقلت إلى جواره، فلست أتخيل أن أجده بعد أشهر مصادفة ثم يعلم بأني لم أخبره طوال هذه المدة رغم وصاله، فهو يزورني حتى في مقر عملي بالجامعة حينما يأتي لأمور تخصه. اتصلت فيه مرة أو مرتين ولم يجب. أحسنت الظن مع ذلك، فأنا أثق بطبيعته، وقررت قرار على ضوء ثقتي هذه، الأولى من نوعها، قررت أن أذهب إليه في بيته لأراه. هناك خرج وسلم، ودعاني للدخول ولكني فضلت أن نخرج بالسيارة، لأني أتيت من غير موعد فقد لا يكون مستعداً لاستقبال أحد، لم أقل هذا بالطبع. علمت بأنه انشغل فنسي الرد على الرسالة أو معاودة الاتصال، وهذا حدث مع آخرين كذلك، بسبب دراسته الجديدة بالجامعة. بطبيعة الحال، لست من أولوياته، فقدرت هذا، وكان ظني صحيحاً، أنه مشغول فقط. تحادثنا كثيراً، بأمور مختلفة، لكنها لا تخرج عموماً عن السياق المعتاد في كل مرة. كنت دائماً أشعر بأن هذا الرجل لديه سر يهمني بشكل خاص سماعه، لا أدري لماذا، ولكن يبدو عليه دائما بأنه يخفي عني على وجه الخصوص شيء معين.






يوجد شعور طيب يداهمني في لحظات معدودة من حياتي، في لحظات أكون فيها في ورطة أيا كان نوعها. وأنا لا أتوقعه، وحينما يداهمني أكون ناسياً لإمكانيته من الأساس، وهكذا، يكون مداهمة. آخر مرة شعر بهذا الشعور كان قبل انتقالي للمكان الجديد، في أوج نفسيتي المتعبة وإحباطي. كنت في الليل أحمل كالعادة هم صباح الغد، حيث سأذهب إلى العمل الذي أكره بشدة. شعرت فجئة وكأنما شيء داخل نفسي يقول كل شيء سيصير على ما يرام. كان شعور قصير، بهذا الاقتضاب والمباشرة. تأملت توقيته المباغت، وتفكرت بأني لم أشعر به منذ زمن بعيد جداً. فكرت بأن أنتظر وأرى. في الغد أو اليوم الذي يليه، تيسرت أموري للانتقال من المكان ولله الحمد. لم أجد هذا الشعور كثير في حياتي، وأشعر بأنه يأتي من خارج نفسي، وبالتأكيد من خارج إرادتي. أعلم بأنه شعور يرد بعض الناس أيضاً. ولكن الآن، يجب أن أنساه حتى يداهمني مرة أخرى، أليس كذلك؟ كم سيطول الأمر وكلي أمل...



لست معتاداً بعد على نظام بلوجر في التدوين، ولا على خياراته، كما أن قوالبه المعربة ليست بكثرة قوالب الوردبرس، ولكني كنت دائما أفضل منتجات جوجل وأفضل خدماتها. مع أني أشعر من بعد قراءة بعض الأمور أنها قد تشكل كارثة لبعض الناس المعتمدين عليها، كما حدث حينما حذر تقرير من استخدام متصفحها. ولكن الكل مفتون في هذه الشركة، وكيف لا؟ وهي لا تبيع شيئا للمستخدمين، وتقدم خدمات كثيرة لهم بالمجان، وتفيدهم في أبحاثهم واهتماماتهم بشكل غير مسبوق. فأنا على سبيل المثال أكتب الآن من محرر مستندات جوجل التابع لحسابي، وأنشر على مدونتي عن طريقه مباشرة دون أن أسجل دخولي في بلوجر. أرجو أن أتعلم كيف أعدل بشكل جذري على شكل المدونة، مع أن تعديل الألوان والأشياء المشابهة يسير كشرب الماء. أخطط الآن لشراء اسم خاص لمدونتي، فحتى لو لم أستمر، اعلم بأني في مرحلة ما سأستفيد منه إن شاء الله. ما لا يعجبني، هو عدم قدرتي على تغيير الخط في قمة المدونة الذي يحتوي على خانة للبحث. هذا أكيد ضريبة المجانية.



سعد الحوشان

الأحد، 22 فبراير 2009

ما بعد الجامعة




بسم الله الرحمن الرحيم


أعلم الآن ما هو شعور الانقطاع بعد اتصال طويل، صادق وحميم. إنه التلعثم. هذا ما جرجرني منذ فترة، وأجل عودتي للكتابة في مدونة، بعد حذفي لمدونتي القديمة، التي عمرت أكثر من سنتين من المثابرة، ومواكبة حياتي إلى حد بعيد.
لقد كان القرار القديم غير معلن، لأنه يتعلق بإغلاق المدونة، ليس كبقية القرارات التي يسمع بها مني قارئي حتى لو بعد اتخاذها. الآن أعود للتدوين، وإن كانت عودة أقل جدية على ما يبدو، بلا رادع لإغلاق المدونة مرة أخرى. حيث يسهل القتل كما يقولون بعد أول مرة.

إذاً، ما هي أخباري؟ ماذا جرى بحياتي؟ لا زالت حياة داخلية، فكرية بمجملها، التغيرات كلها بالداخل، أما الخارج، فهو لا زال قشة يتلاعب بها ساقي، عدا أنها بدأت تغرق.
عملي القديم، جامعتي العزيزة، لم أعد أعمل فيها. لقد توفرت لي وظيفة أفضل في مكان حكومي آخر، فنصحني الأغلبية بالمغادرة، فغادرت، منذ ثلاثة أسابيع. بؤس. أعمل الآن في مكان جاف، يخلو من الدكاترة والأنذال، ولكنه يخلو من الدفء كذلك، ومن روح العلم، و من كل جميل بالجامعة. كل شيء يبدو بلون واحد، والناس،، لا أعرفهم جيداً، ولكن، ليسوا كأصدقائي في عملي القديم.. أين أنت يا عبدالمحسن بلحيتك الطويلة ووجهك الجميل الباعث على الطمأنينة، أين خالد الأخ أكثر من أي شيء، أين أبو محمد وأبو فيصل الطيبين المهتمين، وأين المدير الحنون المقدر. مديري الحبيب، كنت تعلم كم كنت أحبك وأكبرك كما يكبر التلميذ الصغير معلمه القدوة، لن تقرأ ما أقول، ولكني حقاً أفتقدك، وأتساءل ماذا لو أطعتك وبقيت؟. الزملاء صغار، لا يلائمونني. أما الزملاء الأبعد، فمنهم من كان وقحاً قاسياً بشكل يستحيل على موظف في الجامعة مهما بلغ سوء الفهم، ومنهم من كان غبياً بليداً على نحو يشل اللسان. منهم الكثير من اللطيفين، ولكن ما يمكن للسوء والوقاحة أن يبلغان، أمر يطغى على كل انطباع. وجدت أني أجذب الملتزمين على وجه العموم، وأثير اهتمامهم كما يحدث في عملي السابق، وفي الأماكن العامة حتى. وهذا أمر جيد. رغم أني لا أدري مصدره، فأنا دائما ما أغلب ظن العداء منهم أو التجاهل، ربما للقصر البالغ الذي أصنعه بشعر وجهي (ديرتي فيس)، وربما لتجربة صدمتني من زميل سابق في عملي القديم، غير رأيه لاحقاً واتجه إلى احترامي وتقديري، وربما لتجارب من ملتزمين وغير ملتزمين مقربين أساءوا إلى فهمي لأمر الالتزام منذ الطفولة. لا زلت متفرجاً على حياتي كما في الماضي على وجه العموم، ولكن ما جعل القشة العائمة تتشبع بالماء، وتبدأ بالغرق، هو تذكير سمعته من أختي، عن مضي الحياة بنا حتى لم نعد صغاراً، في نبرة هذا التذكير، أننا لم نفعل شيئا يستحق الذكر في حياتنا حقاً.

سألتني ابنة أختي، وهي في الثانية عشرة من عمرها، إن كان لدي أصدقاء. لم أعرف ما أجيب. قبل أشهر قليلة كنت سأعددهم. ولكن الآن، من كنت أعتبرهم أصدقاء ثانويين، في العمل أو بالاتصالات المتقطعة، هم من خطر على بالي، مع ذلك، لم أدري إن كانوا سيصبحون إجابة صادقة. لاحظت بأني لم أعلم بماذا أجيب، حيث قلت: نعم، لا أدري، أعتقد. قالت أختي بأن المرء لا يجب أن يكون لديه أصدقاء ليعيش حياته، ولكن كانت تحسبني محرج لتقول هذا، مع أني لم أكن محرجاً بقدر ما كنت محتاراً. قلت الحقيقة، أن أختي هي صديقتي. بطبيعة الحال، لم تقتنع ابنة أختي.




على صعيد الأسرة، أمي طريحة الفراش حالياً، ولكن حالها إلى الأفضل إن شاء الله. خضعت لعملية في عمودها الفقري، ولكنها على ما يرام الآن ولله الحمد. لم أتذوق طبخ الملهمة منذ ما يبدو الأزل، إني أموت جوعاً بصدق. لم أعد أحب المطاعم، ولكني صرت مجبراً عليها.

كدت أبدأ بإجراءات نشر الرواية، ولكن لعلي أتأخر قليلاً في التحدث عن الأمر.

كان انتقالي للعمل الجديد مفاجئة. كنت لاهياً في الجامعة بإجراءات انتقالي من قسمي، إلى قسم آخر، إلى المكتبة، حيث للعمل هناك وقع خاص على نفسي. نسقت الأمر مع مديري الذي حاول اقناعي بالبقاء، ولكني أصريت. قابلت المدير بالمكتبة الجامعية، وكان ودوداً ومهذباً، ومرحباً على نحو استثنائي. كذلك قابلت دكتور من هناك، كان غير مريح تماماً، لكونه دكتور سعودي كامل المواصفات، على أني لم أرى منه خطأ بالواقع، مجرد عدم ارتياح. رحبوا بي، وكاد الأمر الذي تمنيته واستبعدته أن يتم، ولكن، فوجئت بقريبي من القصيم يتصل ليبارك لي ظهور اسمي بالجريدة، بوظيفة تقدمت من أجلها منذ أكثر من سنتين وقد نسيتها، وحسبت أن النظام لن يعطيني إياها. أخبرت المكتبة محرجاً، بعدما اكتشفت بأنهم خاطبوا مديري ليسألوه عني، فطلب منهم اقناعي بالبقاء لديه، مما حفزهم وزاد من حماسهم بأخذي لديهم، كان مديري يريد دعمي حتى ضد إرادته. أن تعلم بأن أحدهم يقدرك هكذا ويقدر عملك وتعاملك في زمن يعتقد فيه الجميع بأن لا أحد يستحق الشكر، تشعر بامتنان. اعتذرت من أهل المكتبة، واستبقاني مديرهم طويلاً ليحادثني بشأن خياراتي، من باب الود فقط. طالت الإجراءات المملة وغير ذات المعنى. كان أمر سخيف وحارق للأعصاب، بسبب ضيق الوقت قبل العلاوة السنوية التي يجب أن أنتقل قبلها لأنالها حسب المرتبة الجديدة. ولكن، ها أنا الآن، في عملي الجديد الممل، الذي لا يقارن بمتعة عملي الأول رغم عيوبه، حيث كنت على الأقل أعمل حسب تخصصي، وفيما يحتاجون فيه إلى اللغة حقاً.

وجدت إعلان مؤخراً من مركز تدريب جديد، بإدارة غربية، يعطي دورات قصيرة في مجالات مختلفة. ما لفت انتباهي هو دورة العمل التجاري من المنزل. سارعت بالتواصل معهم، ووجدت المختص بهذا الأمر هو امرأة غربية. ذهبت إلى مقرهم وهو غير بعيد عن حينا، والتقيت المرأة. هي امرأة كبيرة، أقدر عمرها بحوالي الخمسين، رغم أن صوتها شاب جداً، تحسبه لامرأة شابة في الثلاثينات أو العشرينات. وهي امرأة جميلة جداً ومهندمة. حينما رأتني جاءت باسمة، وكنت قد وضعت يدي في جيوب جاكيتي، حتى تفهم بأني لا أصافح النساء، كما أحسب بأنها تتصور عن البعض هنا. ولكن رغم ذلك، بعدما وقفت أمامي للحظة مدت يدها، فتأسفت ولم أخرج يدي. أخفت الضيق على وجهها، ولا ألومها على الإحراج. ولكن شعرت بأنها تود لو أنهت الأمر بأسرع ما تستطيع، وبحيث لا ألاحظ. كانت قد أخبرتني من قبل حينما سألت عن جنسية ومؤهلات مقدم الدورة أنها هي من سيقدمها، وأنها استرالية وذات خبرة ومؤهلات مقنعة، رغم أنه بدا على صوتها التأمل وهي تخبرني بالإجابة، إذ كانت تقرأ رسالتي في البريد بينما اتصلت أنا مستعجلاً على الإجابة، ربما لم يسألها أحد هذا السؤال؟ أو لم تتوقعه، أو بحثت بالمقصد من وراءه. وقد تبين لي الآن أنها بطيئة على ما يبدو في إرسال الأمور، ربما لعدم وجود مساعده. سألتني وبعدما أعطتني بعض الأوراق إن كنت لا أمانع بوجود نساء بالدورة؟ أخبرتها بأن هذا يعتمد على المكان، حيث أني لا أمانع إذا كان هناك فصل في أماكن الجلوس. أخبرتني بأنها قد لا تعطي الدورة. ظننت أنها فهمت أني لا أوافق على وجود نساء، ولكنها شرحت بأن البعض لا يحب أن تعطي المحاضرة امرأة، وقد حدث هذا في بعض محاضراتها في بعض الخليج والسعودية. أخبرتها بأني لا أمانع. ولكن إن كانت ستجد من يعطي الدورة من الرجال، فيجب أن أعرف مؤهلاته وجنسيته. أخبرتني بأنها لن تضع أي أحد وأنها انتقائية فيما يخص الأمر، بدا أنها حسبت بأني أسيء الظن فيها، ولكن لا أعرفها حقاً، فقط أريد أن أكون على بينه. أكدت بأنها ستختار أحد بمؤهلات ممتازة تعادل ما معها. وبينت بطريقة غير مباشرة بأن المحاضرين غرب. بطبيعة الحال، لا أتصور أني سأحضر دورة عن هذا الموضوع يديرها عربي، إلا إذا كان سعودياً. سجلت الآن في الدورة ولكن لم أدفع بعد. ولا زالت بطيئة بالإجابة على الاستفسارات. مشكلة.

هل سيرى النور ما أكتبه هنا؟ لا أدري. إن ما شجعني على العودة إلى الكتابة في مدونة هو انتهائي من كتابة الرواية، رغم ما بقي من رتوش بسيطة لا تؤجل النشر لو قررته أكثر من يوم أتصور... لحظة، العنوان لا يزال مشكلة.

تمكنت أمس أخيراً من أداء بعض الترجمة لصالح جهة خيرية تطوعت لديها. كنت متحمساً منذ يوم الأربعاء، ولكني انشغلت طوال الوقت حتى لم أعمل سوا مساء الجمعة، وكان الوقت ضيقاً كذلك، على أن إنجازي من حيث الكم كان جيداً إلى حد بعيد. ما بال الوقت يفر هكذا. لم يعد الأمر أنك لديك وقت ولا تدري كيف تقسمه مثلاً، ولكنك صرت تطارد الوقت، وتسابقه قبل أن يسبقك. كان هذا وضعي مع آخر عملي على روايتي، وهو عمل لا زلت أفكر بمراجعته قليلاً، رغم أني مقتنع به جداً.

بدأت بتعلم لغة، عن طريق الـ بودكاست. وجدت موقع يقدم خدمة تعليم لغة أحببتها منذ فترة أن أتعلمها، إجمالا لإعجابي بطريقة كتابتها. اللغة هي الكورية، وتكتب بطريقة مختلفة تماماً عن اليابانية والصينية، فلغتهم حروفها محدودة، 24 تقريباً، ليست كاللغتين المذكورتين حروفها بالآلاف. وهي تنتمي لنفس العائلة اللغوية التي تنتمي إليها التركية. طريقة كتابتها جذابة بالنسبة لي، أحب طريقتها بالخطوط المستقيمة والدوائر. كما أن لدي اهتمام بثقافتهم، ضمن اهتمامي بالثقافات الشرقية عموماً، وإن تفوق مؤخراً إلى حد ما. لا زلت أتعلم أشياء بسيطة جداً، ولكني أستوعب إلى حد ممتاز، وأشعر بالتقدم. أما الكتابة والقراءة فستنتظر. حدث هذا بعدما اشتريت مشغل صوتيات صغير وأنيق، والأهم رخيص، من سامسونج. وجدت الأمر مفيد حقاً. والبودكاست لمن لا يعلم هي تسجيلات صوتية يقوم بها الناس وينزلونها على الانترنت، مثل الراديو المسجل، ولكن الكل يمكنه القيام بها، مثلما يمكنه التدوين مثلي الآن، مما دفعني منذ فترة جيدة للتفكير بها لخدمة حاجات تهمني، ولكني لا زلت أخطط الأمر ووقته.

منذ أمس، وأنا لدي شعور أني على وشك أن أخوض معركة ضد الإدارة، في أسبوعي الرابع من العمل. بالواقع، منذ أن أتيت وأنا ممتعض من عدم عملي بمجال تخصصي، ومسمى وظيفتي. أمس، كاد المدير أن ينفجر حينما وقعت في نهاية الدوام على الخروج، وخرجت، مع أنه أرسل من يخبرنا بوجود عمل وأنه يريدنا أن نبقى. لقد أفسده الزملاء الصغار بمجيئهم حتى بالليل للعمل، بلا مقابل، فقط لأنهم غير رسميين. تبين أنه كان يدعو لاجتماع وأن الرسالة وصلتني بشكل خاطئ، مع ذلك، اجتماع حينما انتهى وقت الدوام؟؟؟ ألم يكن اليوم برمته بكفي؟ أو، هل سيموت أحد لو انتظر إلى الغد؟؟؟ منذ أن خرجت جاءتني اتصالات متكررة من رقم غريب، شعرت أنه من العمل فلم أجب، لأن نفسي طايبة منهم بصراحة، وكارهم وغير مقتنع بما أقوم به لديهم، أو بتعاملهم الفظ وعدم تقديرهم أبداً. ثم وصلت رسائل، اهملتها حتى تناولت وجبتي ومرت حوالي الساعة والنصف. حينما فتحتها قبل قيلولتي، وجدتها من المدير، غاضب، يتساءل لماذا أخرج بينما دعا لاجتماع؟ اتصلت فيه، واخبرته ببساطة أني ظننت أن الأمر هو معاملات جديدة، ويمكن لهذا أن ينتظر إلى الغد. حينما أجاب كانت أعصابه قد بردت على ما يبدو. إلا أني تضايقت حقاً من هذه المطاردة، والثقة بالهيمنة المطلقة على الموظفين. توقعت منه ردة فعل اليوم، إلا أنه بحكمة لم يتصرف بطريقة سيئة، وتظاهر بأن الأمر لم يحدث، رغم استعدادي معنوياً للمناقشة.

عموماً، حدثت أمور كثيرة، ومثلما يمكن لمن يعرفني أن يتخيل، لا يكفي أن أتشاجر مع مجرد مدير، فمستوى حظي السيئ لا يرضى بأقل من وكيل وزارة، حتى الآن على الأقل. أتمنى أن لا يفسد الأمر مع الوزير كذلك. لقد تشاجرت مع وكيل الوزارة المسئول عن إدارتنا. حينما تخبر أي أحد بأمر كهذا، سيتخيل بأنك شخص حمقي، لا سعة بال لديك، صاحب مشاكل ومزعج يجب أن يتجنبك. ولكني مظلوم، فأرجوا أن لا يأخذ أحد الفكرة هذه عني، حيث لدي شفاعة سنتين من الود مع الجميع في عملي السابق، والتقييمات الوظيفية الحسنة، والمراجعين المحبين. لكن كان الأمر يتعلق بالمبادئ هذه المرة. بدأ الأمر حينما ذهبت إلى مديري، وشرحت له وفقاً للأصول بأني راغب بالنقل بسبب كذا وكذا، وفي هذه الحالة بسبب عملي في غير تخصيص وفي أعمال ليست ضمن مسماي الوظيفي، وفي هذا هدر للخبرة التي اكتسبتها بالجامعة، وعدم استفادة من مؤهلي. كنت إلى حد ما قد كسبت عداء المدير حينما ذهبت إليه حاملاً ورقة مهينة وزعت علي وعلى زملائي، تحمل في طياتها كلمات جارحة وظالمة، تم الاعتراف لاحقاً بطريقة غير كافية بأنها ستوجه كذلك لموظفين آخرين، هم من قام بالأخطاء بالواقع، مع أن رؤيتهم لنا اتضحت ولم يعد هناك رجعة، ياللغباء الإداري. كانت الورقة عموماً تحتج على وجود أخطاء في بضع معاملات من بين 750 معاملة تقريباً أنجزناها خلال أسبوع. وتقول بأنه ما تم توظيفنا نحن المترجمين إلا لتدقيق الأوراق والأختام. كان في هذا إهانة وقحة لتخصصنا ومهنيتنا، وتهديداً ضمنياً لزملائي الذين يعملون حسب عقد. سألت مديري في ذلك اليوم بعدما قرأت له أجزاء من الرسالة: ألا يوجد اعتبار لتخصصي؟ نظر إلي نظرة جانبية قصد بها إخافتي، ولكنها كانت فارغة ، وربما تستخدم لتخيفه هو بالعادة. لما لم يرى استجابة، توقف عن هذه الحركة السخيفة، وأخبرني بضيق بأنه لا يوجد من يحتاج إلى مترجم في الوزارة، وأن المرء لا يلزم أن يعمل وفق تخصصه، فهو يعمل منذ 14 سنة دون أن يعمل بتخصصه، أخبرته بأن هذا خاضع لخيارات المرء وقناعاته، وكنت أعلم بأن الجزء المتعلق بعدم الحاجة إلى مترجمين هو كذب محض. علمت في ذلك اليوم أنني أتعامل مع أناس يتركبون من عدة عقد، عقدة الضعف والخوف في الأدنى، وعقدة الوقاحة والكبر والتسلط في الأعلى. كانت الرسالة تحمل ما يشبه الإخافة من الوكيل المشرف على إدارتنا بذاته، مما يجعلك تتوهم بأنهم يتعامل مع نفسه كوكيل ابتدائية، عموماً، هو دكتور سعودي بالنهاية من النوعية الدارجة. علمت بأن الوضع لن يتحسن هنا، ولن أعمل مترجماً. في وقت لاحق بعد مرور وقت ذهبت إلى المدير مخاطباً إياه بخصوص النقل كما قلت سابقاً. ولكنه هذه المرة بدا وكأنه قد يئس من إخافتي، فكان محترماً، وقال بأنه سيستشير الوكيل. استدعاني الوكيل لاحقاً مع مديري، وبدأ برفع صوته، فسألته ما الذي يوجب رفع الصوت؟ فقال بأن الوزير يرفع صوته عليه، وهو سيرفع صوته على من دونه!! أخبرته بأني لا أقبل هذا، فقال بأنه رفع صوته على مديري الجالس معنا اليوم، ويقرص اذنه كذلك! مفتعلاً الحركة بيده!! وقد جحظت عينا مديري الذليل بصدمة، فأي إذلال واستخفاف هذا؟؟!، ولم يقل شيء او يظهر عليه الاستياء بعد ذلك حتى!، مع شعوري القوي بأنه يكذب فيما يخص الوزير بكل تأكيد، فلا أتصور أبداً بأن الوزير قد يفعل هذا. ثم احتج بأنه هو أيضاً يدبس الأوراق. بما معناه بأني بالواقع لست أكثر من دبّاس أوراق، ومع هذا، لماذا أحتج؟ فأنا عبد لا أكثر، مجرد موظف حكومي سعودي. قال بأن الموظف الحكومي يفعل ما يؤمر به وليس له الاحتجاج!! أخبرته بأنه لو كان هذا هو الحال لما أعطاني ديوان الخدمة المدنية مسمى وظيفي. قال بأن من لا يريد الوكالة فالوكالة لا تريده، رددت ومن قال بأني اخترتكم أصلاً؟ أنا لا أريدكم، فالديوان وجهني للقدوم إليكم دون اختياري وربما ما تقوله الآن هو ما أود سماعه. كان غبياً، ولم يفهم الوضع برمته، كان كل ما يهمه هو أن يخيفني ليستبقيني لحاجته لموظفين، رغم أن عملنا لا يتطلب مترجم فلا أدري لماذا يطلب مترجمين، فهو يجعل آخرين لا يحملون غير الثانوية، وتخصص المحاسبة، يعملون معنا على نفس العمل التافه. قال بأنه لا يوجد في الوزارة من يحتاج إلى مترجم. وكان هذا غباء غير عادي. أخبرته بأني سأبحث على أي حال. أزعجه بوضوح إصراري وعدم خضوعي، فقال بأنه سيوافق حينما يطلبني أحد، مع أنه سيكتب بأن عيوبي هي كذا وكذا، أي سيفتري، فقلت له اكتب ما شئت، ولكني سأتخذ موقفاً على ما جرى اليوم، كنت غاضباً ولم أخفي هذا.تغير وجهه بعد كلمتي هذه، وصمت لثوان ليتخيل ما يمكنني أن أقوم به؟ فبالواقع، لا يمكنني أن أقوم بشيء تجاه دكتور في هذا البلد، ليس تنظيمياً فقط، ولكن حتى حسب الفهم الاجتماعي البطيء. ولكن، كان ما أعرف بأنه كل ما يمكنني أن أقوم به هو إحراجه بالأكثر. كان يتظاهر في النصف الأخير من المقابلة بأنه لا يفهم، ويحاول أن يذلني بحركات يديه وصوته بقوله بأني سأعمل ما يريدون طالما أنا هنا. كان حقيراً إلى أقصى حد. ولكني ظللت أكرر وأتوعد بأني سأتخذ موقفاً حيال ما جرى الآن بالذات، وكنت حينما أقول هذا تبدو عليه الحيرة وهو يخفيها، ولا يتمكن من السؤال. قال وكأنه ينصح بأني أتخذ خطأ كبير في بداية حياتي المهنية، فأخبرته بأني شخص ناضج وأعرف ما أريد ولا أتحرك بدون إستشارة من هم أعلم مني. ابتسم وهو يقول: استشرت؟ ماذا يتخيل؟! أعلم ماذا يتخيل، إنه يتخيل بأنه سيخيفني ويؤثر علي كزملائي الصغار المساكين، حيث لا خبرة لهم ولا دعم، حيث يحضرونهم في الليل ليعملون، ويستبقونهم أحياناً إلى الليل يعملون، بلا مقابل، أي ظلم هذا؟ أي جور وعدم إحساس، أين القلوب.أعقب وهو يريد أن يستفزني: يعني زملائك كلهم غير ناضجين؟ أسلوبه قروي، أخبرته بأني لا أتهم أحداً وأتكلم عن نفسي، وما يرضي غيري قد لا يرضيني. في الربع الأخير كان موقفه قد بدأ يتغير ويحاول أن يلطف الأمر بشكل طفيف لإلا يجرح كرامته الزائفة، وكان يقول بين كل كلمة والأخرى الله يوفقك، وكنت أقول الله يوفق الجميع، ولكني سأتخذ موقفاً. كنت أقول بأني سأتخذ موقفاً لأذكره بأني لن ألين. انتهى اللقاء وحينما وقفت لأمضي وأوليته ظهري ناداني، فإذا به واقفاً مبتسماً، وقد مد يده ليصافحني مودعاً، فعدت ومسحت كفه بخفة ولم أبقي يدي في يده ولا لحظة، ومضيت وهو ماد يده وخرجت. بدأت بكتابة شكوى لإحراجه. ولكن في اليوم التالي جائني المدير وأخبرني بأن أذهب إلى الوزارة وأبحث عن قسم يحتاج إلى مترجم. كان يتكلم بأقصى ود يستطيعه، وكان من الواضح أن تفاجئ بما حصل بالأمس بيني وبين الوكيل. قلت بأن هذا ليس ما خيرتوني به أمس. قال بأن ما حدث أمس لن يؤثر وأن الدكتور سيوقع بلا مشكلة حينما أجد من يحتاج مترجماً، ملمحاً بأن هذه رسالة من الوكيل لي.علمت بأنهم الآن يريدون التخلص مني بسلام. أوصاني بلطف مبالغ فيه أن أذهب إلى فلان وأقول بأني جئت عن طريقه، وأنه شخص طيب وسيتعاون وما إلى ذلك. ذهبت إلى هذا الفلان.الذي فاجئني بنفس وجهة نظر الدكتور، محاولاً خداعي، مع علمي وعلمه بنظام الخدمة المدنية. ولكنه حاج بغباء بقوله لماذا لم أخبر الديوان بشروطي؟ أخبرته بأن الديوان منحني مسمى وظيفي واضح، ولا يحتاج الأمر إلى شرح وشروط، فلو كنت لأعمل أي عمل، لما منحني مسمى وظيفي، كما قلت للدكتور. وقال بأني أعرف بأن عمل الموظف الحكومي يشمل كل شيء، كذبة ماحقة أخرى. سألته بطريقة ذات مغزى: إذا ماذا تقترح؟ هل تقترح بأن أعود إلى ديوان الخدمة المدنية وأخبرهم بالمشكلة هنا ورأيكم فيها؟. بالطبع، يعلم هو أن ديوان الخدمة لو علم بالأمر، لما كان الوضع في صالحهم أبداً، فهم كذبوا حينما طلبوا مترجم بحاجتهم، وهكذا أهدروا الوظائف الحساسة على أمور لا تستحق. حينما قلت هذا تعاون معي بشكل جيد! يا الله، لماذا الناس هكذا؟ ماذا يضر المرء لو كان صادقاً، لو كان متعاونا، يسير على النظام، يتفهم، أو يحاول أن يفهم على الأقل. من أين جاءت وجهة النظر الغبية هذه؟ أن المرء لا خيار له بما يعمل؟ هل نحن عبيد؟. أخبرني بأن أذهب إلى قسم له اسم رنان بالأعلى، وأقابل الدكتور فلان المشرف عليه، أو المدير فلان. في الأعلى، انتظرت الدكتور ولكن لما طال الانتظار تعاون موظف ودود وأخذني إلى المدير. الذي رحب بالفكرة، وقال بأنهم يحتاجون إلى مترجم بالفعل. وأمر موظف لديه بطباعة خطاب لطلب نقلي لديهم مباشرة. عدى أن الدكتور لم يتواجد ليوقع على الخطاب. فاتفقنا على أن آتي حينما يتصلون بي لآخذ الخطاب. في العمل كان المدير سيموت ليعرف ماذا حصل بالضبط؟ ولكن قلت بثقة وببرود بأنهم وعدوني خيراً فقط. لاحقاً، اتصلوا بي وقالوا بأن المشرف يريد أن يقابلني. ذهبت، وقابلت الدكتور، بكل ما أحمل من قلق، سببه معرفتي بأخلاق الدكاترة بشكل عام.ولكنه كان مختلفاً في المقابلة عما توقعت، كان مهذباً، وينتقي كلامه بعناية واحترام ورسمية. تكلمت عن نفسي، وعن سبب رغبتي بالانتقال رغم مرور شهر فقط على وجودي هناك، ولم أتحدث عن المشكلة التي حصلت. تحدثت عن خبرتي بالجامعة، وما قمت به هناك، ولاحظت بأنه وإن لم يبدي الأمر، إلا أنه يهتم بوضوح بالقدرة على التحدث باللغة الانجليزية، حيث سأل عن الأمر أكثر وبدا متيقظاً حياله. طلب مني أن أتحدث باللغة الانجليزية، وأن أتكلم عن نفسي. وهذا بالواقع أسوأ سؤال يمكن أن يتلقاه المرء، فهو ليس محدد ولا تدري ماذا يريد أن يسمع بالضبط؟ عن حياتك العملية؟ حياتك بشكل عام؟ أخبرته بالبداية عن اسمي كاملا كأني طالب في امتحان، ثم أخبرته بأني من القصيم بالأصل، وهو أمر مضحك ليقال، فما العلاقة؟ يبدو أني فخور على نحو لا يكبح، أو أن هذا الأمر جزء متأصل من هويتي. برزت عينيه وأثير اهتمامه حينما قلت بأني من القصيم. حينما فرغت، أبدى رضاه عن تحدثي، وصمت قليلاً، وقال: من وين بالقصيم؟ قلت بأني من المذنب. صمت قليلاً، ثم قال بطريقة غريبة بأنه من المدينة الفلانية في القصيم. لهذا برزت عينيه؟ لا يتحدث الدكاترة عن أنفسهم بلا سؤال بالعادة كذلك. اقترح بعد ذلك أن يجرب ترجمتي، وطبع أوراق كثيرة محشوة بالكلمات، وصلت إلى سبع أوراق أعتقد، وقال بأنها سرية، فلا يجب أن أطلع عليها أحد. وقال بأني كلما أحضرتها أسرع كلما كان أفضل، حينما أردت الخروج، لاحظت بأنه كان ينوي مصافحتي ولكني لم أصافحه، لماذا؟ لمشكلة محرجة بالواقع، لطالما وضعت حولي علامات الاستفهام، وهي تعرق كفيّ حينما أنفعل بأي شكل، سواء إيجابي أو سلبي، على أني لم أتردد بمسح يدي بيد الوكيل الذي استحق هذا. كان يوم السبت، أحضرتها يوم الإثنين. وكان صعبة جداً، وتخصصية جداً جداً، استعنت في فهم طبيعة موضوعها ومفرداتها بالقراءة المتعمقة في مقالات متخصصة، وبشخص متخصص في المجال الذي تتحدث عنه، دون أن أطلعه عليها بالطبع. حينما أحضرتها انتظرت الدكتور لأراه كما اقترح المدير. ولكنه لم يحضر من اجتماع طويل. حادثت في ذلك الوقت ذلك الموظف الودود الذي التقيته لأول مرة، وزودني بمعلومات قيمة عن المكان، وطبيعة الأمور هنا. ولكن، أعجبتني طبيعة المكان الهادئة ولكن العملية، كما أعجبني لون المكان المريح، عكس لون المكان السابق الكئيب. أخبرني بأن الدكتور جاد جداً في انتقاء من يوظف، وبحاجة ماسة لشخص يتقن الانجليزية، حيث لم يستطع إيجاد من ينفع بالوزارة، كما أنه لم يجد من لديه الطموح بالارتقاء كما أخبره، حيث أنه على استعداد لتوظيف موظفين بمؤهلات عادية، لو كان لهم الطموح بحضور الدورات والدراسة، حيث أنه يدعم هذا الأمر بشدة، فهذا الشخص الذي يحدثني لا زال سيحصل على شهادة الثانوية، ومع ذلك أرسله قبل فترة لحضور دورة في ماليزيا لرغبته بتطوير نفسه، وابدى استعداده لابتعاثه لأشهر ليدرس اللغة الانجليزية على حساب الوزارة، ولكن الشاب قرر تأجيل الأمر حتى لا ينقطع عن آخر سنة بالثانوية. قال بأن علته مع كل من قابلهم أنهم رافضون التعلم، لا طموح لديهم. لا أتوقع بأني سأحضى بدورات إدارية وأنا مترجم، ولكن تعجبني هذه العقلية المقدرة للطموح. كان بعض الموظفين أجلاف في إدارته، ليس لأنهم أشرار أو يودون الإساءة، ولكن يبدو أن هذه هي طبيعتهم، وبدت لي غير ملائمة للمكان، وبدا لي بأنهم غير واعون للمشكلة. قال لي الموظف الذي كلمني بأن الدكتور غير راض عن بعض الموجودين. فهمت من تلقاء ذاتي أن مكانه الحساس يعاني من أزمة الموظفين غير الملائمين لطبيعة المكان المنفتحة. ولكن، لدي مخاوف شديدة من هذا الدكتور، لأسباب لم أتأكد منها بعد، ولتجاربي الكثيرة.علمت لاحقاً بأن ترجمتي أعجبته. وأن الأمور تسير على ما يرام. ولكني فوجئت لاحقاً بأن هناك شخص آخر يريد أن يقابلني.وهو مستشار الدكتور، دكتور آخر. لم أستطع التوافق مع جدوله، حتى اتصل بي في الساعة الثالثة عصراً، وأخبرته بأني سآتي الآن، كنت بالمنزل آكل وجبتي. ولكنه اقترح أن آتي غداً طالما أنا بعيد عن المكان، إلا أني أصريت على القدوم في تلك الساعة، حيث أتحمس في مثل هذه المواقف. ذهبت، وكان مؤدباً هو الآخر، راغب بالتحدث عن أمور ضمن ما يهمه شخصياً، كمن أعرف من الدكاترة بالجامعة، وهل عاصرت الدكتور فلان حينما كان وكيلاً؟ ومن هذا القبيل. ثم تحدثنا عن أمور مهنية، وأمور يود التعرف من خلالها على شخصيتي أكثر. ثم أخبرني بأن ترجمتي ممتازة وأنها أعجبته جداً "sigh"، ولكنه يريد أن يجرب النقل بالعكس بين اللغتين، قمت بهذا في مقطع صغير حدده وأعجبته النتيجة. ولكنه قال بأنه لا يحتاج أن يطمئن على قدرتي بقدر ما أنه استدعاني ليطمئن على نوعية شخصيتي، فالترجمة الأولى تفي بالغرض. ثم شرع يخبرني بجدية الأمر وأهمية الالتزام، وأمور مهمة من هذا القبيل، فأخبرته بأني بدأت مسيرة الالتزام منذ عملي في الجامعة، ولست أنوي التخلي عنه. سألني عن سبب قدومي من الجامعة وعن مديري السابق الحبيب. أخبرني بأن هذه النصائح ليست لأجل القسم فقط، مع أن أمره يهمه كثيراً بطبيعة الحال، ولكن لأجلي أنا أيضاً، فأخبرته بأن ظنه لن يخيب بي أبداً إن شاء الله. هنا قال بارتياح بأن هذا ما كان ينتظر سماعه، وجعلني أعده، ثم أرسل بالجوال رسالة توصي بنقلي إليهم إلى الدكتور الأصلي. أخبرني بأني أعجبته كثيراً، وأن هناك منافس لي، وكلنا فينا البركة، لكن الفرق واضح خصوصاً على صعيد الشخصية. سعدت لحظتها بالشعور بالتفوق. ولكن لاحقاً، تساءلت عن هذا الشعور الذميم بالسعادة بالتفوق على الآخرين. لم تكن هذه طبيعتي، ولكن، هل كان هذا بسبب الإحباط في العمل هناك والاضطهاد الخفي الذي عانيته فيه؟ حيث أني كنت محبطاً جداً في تلك الفترة، وربما بدأت بفقد ثقتي بنفسي دون أن أشعر. إن محاربة الموظف لها عواقب أبعد مما يتخيل المدير، فالمدير الحكيم لا يحارب، إنما يقوّم الموظف مع الوقت إن احتاج ويحاول أن يفهم بصدق، أو يحل الإشكال جذرياً بلا ضغينة لن يجني من خلفها سوا سوء الذكر. كان مديري خلال هذه الأيام يسأل كثيراً عما جرى معي، ولكني لم أكن أعطيه معلومات سوا أن أموري تسير على ما يرام حسب قولهم. كان يعلم بأن هناك ما هو أكثر من هذا، وكان لدي شعور بأن إجاباتي تصل إلى الوكيل، لضعف المدير أمامه. فيما بعد صار يرفض خروجي إلى ذلك القسم لمتابعة أموري التي عانت من عدم تعاون البعض هناك، بحجة أني لم أستفد شيء وإن كان لديهم خطاب فليرسلوه بالبريد. صرت أشعر بأنه يضيق علي بأقصى ما يستطيع دون أن يظهر هذا جلياً، وأنه لا يطيقني دون أن يحدث بيننا إشكال، ولا أدري لماذا العداء، ولكني لم أفعل شيئاً حيال موقفه، ولم أطلب منه مرة أخرى الخروج لمتابعة الأمر الذي تأخر إلى حوالي الشهر، مما جعله يستغرب على ما يبدو. ولكني قررت بأنهم سيرسلون الأوراق عاجلاً أم آجلاً دون أن أحتاج لمتابعة الأمر وأبدي ضعفاً يريدون أن يروه هنا بوضوح، وإن طال الأمر أكثر مما يطيق صبري، فسأذهب رغماً عنهم. بطبيعية الحال، استمريت بأداء عملي والاهتمام به، وإتقانه بأقصى ما استطيع، ولم أرفض يوماً العمل أو أهمله، لا من البداية، ولا بعد المشكلة، ويبدو أن هذا لم يكن أمراً متوقعاً. في تلك الأيام مر الوكيل على مكتبناً، وكنت أعمل على جهازي فحينما سلم رددت السلام ولم أنتبه أنه هو سوا بعدما التفت، ولكن حينما رأيته عدت لعملي ببرود ولم أعره اهتماماً. بعد فترة دخل ولم يكن بالمكتب سواي وزميل آخر وقد أخرجت كاكاو لآكله، رددت سلامه دون أن أعرفه كما في المرة الفائتة، ولكن حينما التقت أعيننا وجه كلامه إلي بهدوء قائلا: كيف حالكم؟ وش أخباركم؟ استدرت وبدأت بأكل الكاكاو ببرود، دون أن أجيب على سؤاله، سمعت زميلي يرد على سؤاله بما أنه كان بصيغة الجمع، إلا أني شعرت بنظرته متجمدة علي، للحظات، ثم خرج دون أن يقول شيئاً.لم يتعود على هذا، إن الناس يفسدون بعضهم بالسلبية. يخيل إليه بأني لو كنت غربياً، أو كان الدكتور يتعامل مع غربي في أحد رحلاته للخارج، لما عامله بالسوء الذي عاملني به مهما بلغ بينهم سوء التفاهم من درجة، ذلك أننا لا كرامة لنا للأسف، نعلم أبناءنا، ليعودوا ويحطموا أبناءنا، ليعودوا ولا يرونا أي شيء. لكن حدث تغير غريب في الفترة الأخيرة. لسبب ما، صار مديري كثير البحلقة فيّ، ميال لمجاملتي، مصر على السؤال عن تطورات أمري أكثر من مرة باليوم وإن قوبل في كل مرة وفي كل يوم بذات الرد. لاحظت أكثر من مرة بأنه يسألني وحدي عن حالي حينما يدخل إلى مكتبنا، يجاملني ويسمعني عند العمل عبارات التقدير واللطف، رغم أني أتصرف بعادية كبيرة، وكأنما لا شيء اختلف معي، وكأنما لا أشعر بالمضايقة أو الاضطهاد أو بالقهر من استبقائي عن متابعة شؤوني عمداً وترصداً بالاضافة لأمور أخرى. فوجئت به الاسبوع الفائت يطلب رقم المدير الذي اتعامل معه بالقسم الآخر. قائلاً بأنه على علاقة طيبة معه وسيحاول أن يساعدني في أموري. تعجبت، فقد كنت حتى قد عانيت منذ فترة قريبة من محاولته التضييق علي حتى في ذهابي إلى موعد في المستشفى الجامعي. وبالواقع أسأت الظن، هل يمكن أنه يريد أن يفسد الأمر علي؟ لم يكن من صالحه، حيث أني ذاهب من عندهم بعون الله مهما كان الأمر وكنت قد لوحت مسبقاً بورقة ديوان الخدمة المدنية حتى أمامهم. كان ينسى أن يتصل، وحينما لا أسأله يذكرني بأنه سيتصل حينما يراني. قبل أيام أخبرني بأنه اتفق مع المدير أن يستقبل الخطاب بالفاكس، وبعد ايام استلمه، وأحضره لي بنهاية الدوام. طبعت خطاب حسب نموذج أعطاني إليها، ثم طلب مني إعطائه لسكرتير الوكيل، حيث أن المدير قد نسق مع الوكيل لتوقيعه، لم يستغرق الأمر لحظة حينما دخل السكرتير وخرج بالورقة الموقعة. تحررت.





كنت قد طورت صداقة مع شخص في أربعيناته في العمل، رجل ملتزم إلى حد جيد. وهو طيب حقاً ورقيقة حاشيته. يحب النصح ويحب الخير للآخرين. وكان اهتمامه بأمري منذ أن رآني واضحاً لسبب ما، أو، لسبب حسن الحظ. هو رجل تحسبه نموذج للرجال العاديين الطيبين حينما تراه، شكله مريح، بهي، شكله مغرق بالنجدية، أو النجدية الوسطى تحديداً. حاول اقناعي بالبقاء، وبأمور المستقبل التي لا يهمني أي منها فيما يخص الوزارة، فلست أرغب بالعمل بالخارج، وهذه أكبر ميزة يساومون عليها. ويبدو أن أهل هذا القسم لهم أحقية أكبر من الآخرين بالأمر. علم عن مشكلتي مع الوكيل، وحاول أن يقنعني بطيبة قلب الوكيل، ولكن قلبه لا يهمني فهو لله، أما أنا فيهمني الظاهر، موقفه تجاهي وهل احترمني أم أهانني، وهذا قلته له. حينما تم توقيع الورقة، حاول اقناعي بأن أذهب وأشكر الدكتور وأسلم عليه، وهذا ما يتنافى تماماً مع مبدأي، فمثل هؤلاء الناس رغم صلفهم وقسوتهم، إلا أنهم ينتظرون مبررات لما يقومون به، أو حتى ينتظرون ما يظهر بأنهم لم يقوموا بشيء بالواقع. وعليه، فالمسألة ليست فقط نفور من قبلي أو عدم تسامح، إنما هي تربوية كذلك، حيث يجب أن لا تشعر مثل هؤلاء بقدر الإمكان أن ما قاموا به لم يكن فادحاً. لدي أخ له منصب ووضع شبيه بهذا الدكتور، فهو دكتور، ومدير كذلك. حادثته بالموضوع منذ أن بدأت المشكلة، ولاحظت عليه التأثر، والحيرة كذلك. إنه يرى سوء وضعي، ولكنه يفكر، هل وضعي سيء حقاً لهذا الحد؟ لأنه، بما أنه له نفس الوضع لدى الدكتور، وربما قام بشيء مشابه دون أن يشعر، لا يريد أن يدين الدكتور بسهولة فيدين نفسه أمام ضميره. حاول أن يجد أعذار للدكتور، أو أن يتأنى بالتعاطف معي، وأن يتساءل بنفسه على ما يبدو؛ هل يجب أن أشعر بهذا السوء؟ سؤال لا يجب أن يسأله المرء بالواقع، فما دمت أشعر بهذا السوء، فهناك ما دفعني لذلك بهذه البساطة، فمن يريد أن يصطنع أمر كهذا وهو ليس لديه مطمح من وراءه؟. رميت رمية من غير رام فأصابت صميم الحقيقة، حينما قلت بلا مبالاة بأنه يحاول إيجاد أعذار للدكتور لأنه يرى نفسه فيه. بدت على أخي الحيرة أكثر وهو ينفي. لست ألومه على شيء لا أدري هل بدر منه أم لا، ولكني أتمنى أن لا يكون قد عامل الناس كما عاملني هذا الدكتور، كما أتمنى بأن ما جرى لي قد أثار وعيه على أمور قد يكون لم يشعر بها من قبل.











قبل أن أنتقل، تواصل معي مستشار الدكتور المشرف، وعلمت منه أن ترجمتي التي اختبروني بها ستعرض على الوزير، أي أنهم سيستفيدون من الامتحان، وطلب أن أنسق الأشكال التوضيحية وأرسلها ليكمل المستند. حينما أخبرت من حولي فرحوا، ولكن، ما الفرق؟ فلن يختلف لديه من قام بالترجمة، هذا إن كان يعلم بأنها لم تصل من الخارج هكذا. كما أني أعتقد أن الناس يبالغون فيما يخص لفت انتباه المسؤولين الأعلى شئناً، فهم بالواقع غير نافعين طوال الوقت لمن حولهم.











اليوم أباشر في مكان عملي الجديد لأول مرة. لست أدري حتى الآن عن أموري هنا. ولكن بالتأكيد لم يتغير رأيي بموظفين الوزارة مقارنة بموظفي الجامعة بشكل عام. اليوم قابلت موظف أتيت إليه لأجل أمر إجرائي. كان جلفاً بالتعامل، يقترب من حدود انعدام الذوق بشكل كامل. وقف ودخل من مدخل في المكتب كتب عليه: ممنوع الدخول لغير المختصين. خطر في بالي أن الجملة كان يجب أن تكون: ممنوع الدخول لغير المخصيين. مما زاد الطين بلة، أني وجدت لديه لاحقاً موظف آخر كنت قد صادفت من زميله وقاحة غير عادية، ورغم أني لم أرد سوا أني أظهرت عدم رضاي، إلا أني اكتشفت أن زميله قد سمم فكر من حوله بخصوصي، وشكك بذكائي رغم أن الخطأ خطأه وتعامله سيء. تأسف على العمر الكبير لبعض الناس وهم لا زالوا يتصرفون هكذا. شعرت بأن زميله اليوم حينما يراني سيتكلم علي بالكذب كما فعل زميله، فنظراته ليست فائقة الذكاء والحكمة. لا يوجد ما أفعله حتى الآن. ربما الجميع بانتظار الدكتور ليأتي من سفره فيحدد ماذا يريدني أن أفعل. قال لي زميلي الودود بأنه حينما رآني لأول مرة علم بأنهم سيأخذونني للعمل هنا، رغم أنهم يرفضون الكثيرين ممن يتقدمون للانتقال أو العمل. مجاملة لطيفة، ولكن ربما لا تخلو من حقيقة، فليس التميز في شخصي بقدر ما أنهم يحتاجون لمن يدبر بعض الأمور بلغة أجنبية.




سعد الحوشان