سِجل المدونة

الجمعة، 27 أغسطس 2010

كمين في جوف كمين (أفكار،قصيدة)

بسم الله الرحمن الرحيم









الملل، الملل من الأشياء التي لا يعطيها الناس حجمها. إنه دافع قوي للكثير من الحماقات.
لدي الكثير منه في حياتي، لكني لم أعد أرتكب الحماقات، لأني مللت الحماقات أيضاً.






اليوم أول يوم عمل في رمضان، ورغم أن وقت الدوام أقصر من السابق، إلا أنه يبدو أطول من الأيام العادية بدهور. لم يكن لدي شيء أقوم به اليوم تقريباً، العمل قليل اليوم على نحو غير مفهوم. وربما فاقم هذا من شعوري بالوقت.






ما العمل في الدعوات التي لا يرغب المرء في حضورها؟ تحرجني الدعوات إلى الإفطار التي أتلقاها من بعض الناس. تختلف أسباب نفوري من الدعوة. إما أن يكون الأمر أني لا أعرف الرجل إلى ذلك الحد، أو لا أرتاح إليه، أو لا أريد تطوير العلاقة أكثر. مع ذلك، أجد إصراراً من البعض، وعدم تفهم لإعتذاري.
والأسوأ من الدعوات، هي الهدايا. أحياناً تكون الهدية أكبر من العلاقة، وأحياناً لا تريد فقط أخذ هدايا من بعض الأشخاص. أحرجني أحدهم قبل أيام بتحدثه عن هدية أحضرها لي من بلده. عبارة عن ساعة. تضايقت حينما علمت، فأنا أرغب بتحجيم العلاقة بقدر الإمكان، لأني لاحظت أن الرجل يستنزفني كثيراً، وإن يكن بحسن نية، ولا يريد أن يقدم المثل، رغم أني لا أريد بصراحة المثل، لكني قررت اختباره قبل أن أقرر تحجيم العلاقة، وعلى أساس اختباري له قررت أن الأمور يجب أن لا تتقدم، إنما تتراجع.
قد يتخيل البعض أن الهدية هي شكل من التقدير والعطاء أيضاً، وأنا أقدر هذا كثيراً، لكني يمكنني شراء الساعات لنفسي، ولكن لا يمكنني شراء الشعور بالارتياح والعطاء المعنوي. أزعجني تحدثه عن هدية بعدما قررت مباشرة. وأزعجني أكثر أسلوبه بالطرح، رغم حسن النوايا بلا شك. حينما بان علي عدم السعادة بذكره للهدية ارتبك. إذ أخبرته وبالغت بأنه ما كان عليه أن يتعب نفسه. لكني لما رأيت ارتباكه كفيت مباشرة، وقررت أن أرفض حينما يأتي بها. 
هو يقدم هذه الأشياء المادية، والدعوات التي لا ألبيها، كتوكيد وائتمان على صداقتي وإدخالي بلا داع في أمور حياته باستمرار.
حينما جاء بالهدية، وهي ساعة كما ذكرت، لكنها بلا غلاف إذ لبسها بضع ساعات وأضاع غلافها، أخبرته بأن يعذرني عن أخذها، فأنا لن أشعر بالارتياح لو أخذتها. حاول أن يعرف لماذا، وأطال الموضوع كثيراً، كثيراً. لكني أصريت على موقفي، ولم آخذ الساعة، ولم أرها حتى.
هو سليم النية، وطيب، لكنه يحتاج إلى مجهود كبير حقاً، وقد يطلب أي شيء في أي وقت. ولا أتصور بأنه سيعطي بنفس الطريقة. كما أني صرت أشعر بالإرهاق منه كثيراً. وهذا ظلم له أيضاً، أني أتكلم معه كصديق في حين أني وصلت إلى مرحلة أني لا أريد أن أراه.
ربما كانت القشة التي قصمت ظهر البعير هي مجيئة إلى الجامعة قبل فترة، بطريقة غريبة، ليريني أنه جرح رأسه، حتى أخبره أن يذهب إلى المستشفى. أعتقد بأن لديه مشكلة مؤسفة، ربما يحتاج إلى الكثير من التعاطف.
في البداية حينما اتصل وأخبرني أنه ضرب رأسه بالجدار بالخطأ، ولكنه لا يدري عن حجم الجرح، إذ  أنه لا يستطيع أن يرى نفسه بالمرآة. قال هذا ضاحكاً، أنه لا يستطيع أن يرى نفسه، رغم صوته المتعب، ولكني علمت أنه يكذب حينما ضحك، كان يغطي على حقيقة أخرى. أقول في البداية، ظننت أنه ضرب رأسه في الجامعة، ربما وقع على زاوية جدار أو شيء، ربما كان قريباً من قسمي أو قادم إليه بنفس الوقت. لكن حينما رأيته، ورأيت الجرح البليغ على جبهته، وهو ينز، أخبرني، بل صدمني، أنه بالواقع ضرب رأسه بالخطأ في المنزل، لكنه جاء إلى هنا رأساً، ظاناً أنه ليس بذلك الجرح، وأنه يمكنه إيقاف النزف بالمنديل، ومتابعة شئونه هنا. كانت هذه كذبة، ولا أعتقد أنه توقع مني التصديق، لكن طالما تعود على إيجابيتي تجاهه، فلماذا يقلق؟. أخبرته مباشرة بأن يذهب إلى المستشفى، وبدى عليه الارتياح لاهتمامي. لكنه توقف، ونظر إلي، فهمت أنه يريدني أن آتي معه إلى المستشفى، كما فعلت في مرات من قبل. إلا أني لم أذهب. لم يكن النزيف شديداً، كان الدم ينز بخفة، وإذا ما مسحه بالمنديل مر بعض الوقت حتى يتجمع قليلاً. فقط أوصيته أن يذهب مباشرة، ويخبرني لاحقاً بما يجري. كان هذا كافياً إلى حد ما بالنسبة إليه. رأيته يأتي إلى مكتبي، إذ التقيته في البداية في قسم آخر بعدما اتصل، ولكنه خرج، لمحته وهو يخرج.
أخبرني لاحقاً أن الجرح استدعى الخياطة.
إني بطبيعة الحال لا أحقد عليه، بل إني أقدره، وأقدر بعض مزاياه، لكن لم يعد بمستطاعي تبديد جهودي ووقتي في أشياء غريبة، وغير طبيعية، ولا داعي لها. أعلم بأني سأواجه صعوبة، لكن قد يتغير الأمر لاحقاً. إني بصدق صرت أقلق من مكالماته التي تزداد مع الوقت، ومن نظراته التي تزداد غرابة.


حاولت أن أتجاهل مكالماته بقدر الإمكان، لكن لم يستغرق الأمر أكثر من يومين حتى أرسل رسالة طويلة في الجوال، يسألني إن كنت غاضباً من شيء، ويطلب السماح ويتحدث عن تقديره لي، وعدم رغبته بخسارتي. اعتذر كثيراً وهو لا يدري ما هو خطأه. كان يجب أن أتصل، وأخبره بأني لست غاضباً، إنما مشغولاً. لم أكذب، فأنا كنت مشغولاً أكثر من المعتاد، ولست بغاضب عليه فعلاً. قال بأنه لا يريد خسارتي، وأني مهم لديه، وأنه من الضروري أن نتحدث عند وجود ملاحظات. ربما سيغير من أسلوبه، ربما سيعيد النظر، لكني بأي حال سأستمر بالتقليص المنهجي للعلاقة.




يوجد نوعية أخرى من البشر، مثيرة للشفقة، ولكنها غير مريضة، إنما لديها سوء فهم مثير للشفقة. إنهم يحبون إشغال الناس بأنفسهم، وتجميع تعاطف أكبر عدد من الناس. هؤلاء يشعرونني بالشفقة، والغضب. أخبرني أحدهم، وهو يبتسم بنوع من الازدراء المبرر، أنه لا يستطيع أن يفعل شيء معين، لأن فلان، وهو دكتور سعودي، والده مريض، وهو يحب أن يحيط نفسه بالناس بقدر الإمكان في هذه الظروف. أخبرني بهذا حينما اتصل عليه دكتور أجنبي آخر ينسق معه بخصوص هذا الدكتور السعودي المتطلب. مع العلم أنهم لا يعرفونه منذ وقت طويل.






هذه المرة، لن يكون هناك إجازة. سآتي للعمل في الإجازة إن شاء الله، وأحصل على مكافئة. فكرت بأن هذا سيكون أمراً جيداً، إذ أني مقبل على دراسة إن شاء الله، لو سارت المقابلة على ما يرام. بالإضافة إلى أني لا أستمتع بالعيد فعلاً.






أجليت سكانة ذكرك من قلبي...
وسط أنينهم وأنيني...
إذ لم يعد هناك رجاء في حنيني...
وما عاد هناك جهد في سنيني...






جائت دعوة، ولم أتمكن من رفضها، رغم تخطيطي لذلك. هي من دكتور بريطاني، من أصل لبناني. ورغم معرفته باللغة العربية، إلا أنه يرفض أن يتحدث بها، متحججاً بأنه لا يفهم اللهجة هنا. أعتقد أن لديه سبب آخر، بعيد تمام البعد عن حجته هذه. لكني لا أتعب نفسي كثيراً في أمر خياراته. صحيح أني أزدري العرب الذين يتحدثون بلغة أخرى رغم أنهم يحادثون عرب آخرين، وأعتقد أن المجتمع السعودي بشكل عام له نفس النظرة، إلا أني لم أخبره، فسيضعني هذا في موقف محرج غير ضروري، نظراً إلى سطحية العلاقة.
هو ودود، ومتواضع إلى حد بعيد. للأسف أنه واجه الكثير من المتاعب في الجامعة مؤخراً، بسبب غباء الإجراءات، وضعف الضمير المهني لدى الكثير من الموظفين.
تعبت مؤخراً كثيراً من التغيب لفترات طويلة عن قسمي وتعطيل أعمالي لمتابعة مشاكله، لكن كان هذا أمر لا بد منه، لأنه لم يكن ليستطيع القيام بشيء وحده، فالموظفين غير متعاونين، خصوصاً في قسم الشئون المالية سيء الذكر، باستثناء موظف واحد هناك هداه الله لنا.
كنا نتكلم في أوقات انتظارنا عن شتى الأمور. أعتقد بأني كسبت ارتياحه سريعاً. فقد أراد تطوير العلاقة، وجعلها أقرب إلى الصداقة. لكن هذا شعور متغير. أخبرني كثيراً بأنه سيدعوني إلى لبنان، حيث دعى صديق له، دكتور سعودي، وأعجب كثيراً بقريته. ومرات يريد أن يدعوني إلى بريطانيا.
لكن بالنهاية، دعاني إلى الإفطار هنا، في مطعم لبناني، أو مقهى ومطعم بنفس الوقت.
كنت قد صدمته حينما كنا نتكلم ذات مرة، إذ سألني وهو واثق، إن كنت أحب الطعام اللبناني؟ فقلت لا. بدا على وجهه الذهول وعدم التصديق. وهذا شأن الكثير من الشعوب تجاه أمور معينة لديهم. فالسوري سيستغرب إذا قلت بأنك لا تريد أن تتزوج سورية، واللبناني سيستغرب إذا قلت بأنك لا تحب طعامهم أو أنك لا تعتقد أنهم أجمل شعب بالعالم، والمصري سيستغرب، إن لم يغضب ويرتكب جناية، إذا قلت بأنك لا "تحلم" بزيارة مصر. أخبرته بوجهة نظري، أنكم اللبنانيين والسوريين لا تعرفون كيف تطبخون، أنتم تشوون وتصنعون السلطات والأكلات البسيطة. أخبرته أنه إذا ما أراد أن يطلع على فن الطبخ هنا، فيجب أن ينظر في أطباقنا أو الأطباق المصرية. حاول أن يدافع، وقال بأني ربما لم أجرب الأكلات الأكثر تعقيداً، مثل الكبة. لم يبدو علي الاقتناع.
المهم أنه دعاني إلى مطعم على أي حال. وفي حين أني قدرت الدعوة، إلا أني نويت أن أعتذر بوجود ضيوف قبل الدعوة بيوم، إلا أن الظروف لم تأتي كما أردت. فاتصاله الموعود لتأكيد الدعوة جاء متأخراً في الليل بينما كنت نائماً، ثم أرسل رسالة، ولم أرها إلا في اليوم التالي. لم أرد الاتصال باكراً، لخوفي بأن يكون نائما. فلم يعد أمامي سوا إجابة الدعوة.
لم يكن الأمر سيئاً على أي حال. لكن حصل ما كنت أخشاه، لم أتمكن من أكل ما يكفي ليشعر بالرضا. رغم أنه لم يقل شيئاً باستثناء حثّي على أخذ المزيد، إلا أني أمكنني أن ألاحظ بأنه واع للأمر، وكان البوفيه ليس رخيصاً بالواقع، وأعطاني فكرة عن كرم الرجل. أنا لا أستطيع أن آكل كثيراً وقت الافطار. فأساساً نحن لا نضع في الإفطار غير التمر، واللقيمات، والعصيرات والقهوة والماء. لسنا كبقية العرب نضع كل شيء في نفس الوقت، فالعشاء لدينا يأتي في وقت لاحق. بالإضافة، أهم شيء بالنسبة لي على الإفطار هو الماء، هذا إفطاري الحقيقي. 
تمنيت أني أكلت أكثر، لكن لم تكن الأشياء، كرم الله النعمة، من الأشياء التي فعلاً أفضل، لو كان بإمكاني التحامل على نفسي. كان طعام لبناني، لم يكن هناك شيء أحبه فعلاً غير الحمص. حتى الحلويات العربية إجمالا أجدها سيئة، باستثناء الكنافة بالجبن حينما تكون متقنة.
كان قد سألني كثيراً من قبل، من باب المزاح كما كان يبدو لي، متى سأتزوج؟. وسألني من قبل، مازحاً، إذا ما كانت صديقتي قد اشترت لي ساعتي؟. أخبرته بأني أشتري أشيائي بنفسي، ولا صديقة لي. كان يريد أن يرى أي رجل أكون.
هذه المرة، اقترح وألح، أن أتزوج، وأنه يعرف فتاة لبنانية لأتزوجها. أخبرته بأني لا أفكر بالزواج حالياً. لكنه ظل مصراً، وحاول أن يقنعني بمزايا المرأة اللبنانية، وأنها برأيه أفضل نساء العرب. وظل يروح ويجيء على موضوع تزويجي لبنانيه. لاحقاً، أخبرني بأنه سيأخذني إلى طرابلس، حينما سألت عن بعدها عن قريته، لأرى عمته وبناتها. هل العروسة من بنات العمة؟.
استغربت من إصراره، وما استغربته أكثر هو إصراره على تزويجي لبنانية. لم يلمح إلى معرفته بها سوا لمرة واحدة.
كنت أوصله إلى منزله حينما أتى على الموضوع للمرة الأخيرة. فأخبرته بأني حالياً أخطط لإكمال تعليمي، ولن أملك المال الكافي للزواج لأني سأمول نفسي إن شاء الله.
حينما اقترح فتاة لبنانية، خطر في بالي الإغراء الوحيد في الأمر، أن تكون تحسن فعلاً صنع الحمص.




اليوم هو الثالث بعد الدعوة. جاء الرجل إلى مكتبنا، حيث أنه كان قد طلب تأشيرة لإحضار عائلته. كانت جاهزة. لكنه صدمني قائلاً بأن بعض الأوراق التي قدمها أصلية، ويحتاج إلى إعادتها. كان في تلك المرة قد أكد لنا أن الأوراق غير أصلية. هذا أمر ضروري، حيث أن الوزارة المعنية تشدد على عدم إرسال الأصول حينما لا تطلبها، لأن الأوراق لمثل هذه الطلبات لا تعاد. لماذا كذب علينا؟ سألته لماذا لم يخبرني أنها أصلية؟ فقد سألناه بوضوح، لم يجد غير الضحك إجابة. كان بإمكاني تصوير الأوراق بسهولة. يا الله، لا أدري إن كانت الأوراق ستعود، أم أنها أتلفت حتى...











قبل فترة، رأيت موظف أجنبي جديد في الجامعة، تعدى سلوكه الحد الذي يمكن تخيله من الوقاحة وسوء المنطق. هو شاب باكستاني طويل، وذو هيئة غريبة. يمكنك أن تخطئ وتظنه مصرياً من ملامح وجهه. استدعيت إلى القسم الذي يتعامل معه على وجه السرعة. حينما وصلت، وجدت نائب المدير هناك، وهو رجل شديد التهذيب، وواسع المعرفة بالنظام، وعدم الارتياح يبدو عليه. أول ما طلب مني قوله لهذا الرجل الباكستاني هو: أخبره أن أسلوبه الوقح غير مقبول هنا. علمت بأنه يرفع صوته على الموظفين، ويقذف اوراقه عليهم قذفاً لينفذوا معاملاته. ما كان من أحدهم إلا أن مزق أوراقه. أمر غير متوقع، خصوصاً إذا ما نظرنا إلى وداعة وتعاون الموظف الذي مزق الأوراق بالوضع المعتاد. لكنه كان قد فقد أعصابه بسبب تعامل هذا الرجل. وأمكنني تقدير موقفه بعد دقائق من محادثة الباكستاني هذا.
يعترف أنه وقح. ولكنه يقول: إذا كنت أنا وقحاً، هل تكونون مثلي؟!. قلت، وقد استثارني منطقه جداً: أجل، حينما تكون وقحاً فلا تتوقع من الناس أحسن مما تلقيت!.
كان نائب المدير يفكر بالرفع بهذا الرجل للشكوى. لكنه قرر التريث. وقفنا لوقت طويل ندور حول نفس الموضوع، وهو يرفض أن يفهم، ويضيع الوقت، وهو وقت الصلاة. كان يشتكي ويقول بأنه وقف لوقت طويل ينتظر أمام نائب المدير أو موظف آخر، وأنه كان ينتبه إلى المراجعين السعوديين قبله. الغريب هو أنه كان هناك أجنبي واقف معنا، وأموره تسيرعلى ما يرام. أخبرته بأن الأمر لا يتعلق بكون الآخر سعودياً، ونبهته أن ينظر إلى الاجنبي بجانبه، وهو مصري، ويسأل بقية الأجانب، الذين لم يشتكوا من الأمر مثله. ربما لا يفهم أنه انتظر على الأغلب لأنهم احتاجوا إلى ترجمة. ولا أعتقد أساساً أنه انتظر طويلاً إلا إن كان قد ترك لينتظر قبلاً، حيث كنت قد جئت مسرعاً حال استدعائي. حاول إخافة نائب المدير، وكأنما لم يكن هو الوقح بالواقع، بأن يطلب منه كتابة الأنظمة بخط يده والتوقيع عليها!!. ما المخيف بالأمر لا أدري، حيث أن الأنظمة أصلاً مطبوعة في كتاب رسمي كان يمسكه نائب المدير، والباكستاني العبقري يعرف ذلك. 
أعتقد بأنه غير سوي نفسياً. وأتخيل بأن مديره حتى ربما يواجه مشاكل معه، إذ رفض التعاون معه حسبما استشفينا، بينما كان يصور لنا أن أمورهم على ما يرام، ويحاول الكذب علينا حتى انتهى حبل كذبه فاضطر إلى الاعتراف.
مثل هؤلاء الناس أتمنى أن ينهى تعاقدهم، بدون تردد.




رجل آخر، باكستاني، كان قد حصل على رقمي، وظل يتصل على الطالعه والنازلة كما يقولون. وكأنما وظيفتي هي الرد عليه. لم يكن لديه إرادة لمساعدة نفسه والمتابعة. بالنهاية كفيت عن الرد عليه، أو على رسائله. حيث أنه أجهدني بكثرة شكاويه، واكتفائه بي لمتابعة شئونه، وعدم رضاه عن شيء.
جاء في بداية الإجازة، ورأيته ورآني، لاحظت بأنه يتتبعني بنظره بارتباك، وينتظر قدومي. لكني تجاهلته باستثناء ابتسامة واشارة برأسي، فلم يكن ما جاء لأجله جزء من عملي. إلا أنه استدعاني بالنهاية وجئت. سلمت، وكان المكان مزحوماً بالمراجعين. فوجئت به يعتذر عن إزعاجه لي بخجل، ويصر على أنه أخطأ بإزعاجي.
لم أتوقع هذا بصراحة.









نحن المسلمين، يا لنا من قوم كذوبين. المشكلة أن أكاذيبنا غير ضرورية وغير مبررة غالباً. نريد أن نختصر الطريق أحياناً، أو لمتعة الكذب، إن كان له متعة، وليس تعذيب للضمائر الحية.
لاحظت أننا فعلاً ميالون للكذب. وإن كنت أعتقد أن أهل الجزيرة العربية هم الأقل ميلاً للكذب، خصوصاً حينما لا يكون الأمر ضرورياً.
دكتور من المغرب العربي، حاول خداعنا بخصوص مدة خدمته، إذ كان لتوه جاء، وعقده قيد التجهيز. جيء به إلي. وقرأت شهادة الخبرة. أتصور أنه فكر قبل أن يجيء: "لن يعرفون قراءة شهادات الخبرة، هؤلاء الجهلاء، وسيعتمدون على ما أقول". أهل المغرب العربي عموماً يعتقدون أكثر من غيرهم بأننا أهل جهل وانعدام حضارة، في حين ينظرون إلى أنفسهم على أنهم أعلى منزلة حسبما سمعت. وجدت شهادة الخبرة مناقضة بوضوح لما يقول. المشكلة، غافلاً عن كوني مترجم متخصص، حاول التشكيك بفهمي للأمر بكل وقاحة. كنت أعلم بأنه يحاول خداعنا بقدر ما يستطيع، بتمثيل أنه واثق بما يقول، وأننا لا ندري وأننا نضيع وقته. قلت للموظف الذي جاء به إلي بأن هذه رؤيتي للأمر، وليس لدي غيرها، إن كان غير واثق، فيوجد مترجم آخر في القسم القريب يمكنه استشارته. رفض زميلي الموظف الفكرة، بينما ضعف موقف المغربي، وبدا عليه الهدوء فجأة، يبدو أن وجود مترجمين اثنين أخافه من الوقوع في إحراج أكبر على ما يبدو، فتنازل بلا مبرر واضح عن حجته، ووافق على رؤيتي للأمر. مع العلم أن الناس بالعادة قبل توقيع عقودهم، إن كان لهم وجهة نظر مغايرة عن وجهة نظر الجامعة، فإنهم يعاندون كثيراً قبل التوقيع، ولا يكفون عن محاولة شرح موقفهم، وحتى الصعود إلى مدير الجامعة، لأجل زيادة المزايا والراتب. لكن هو، كان فقط يخدع بلا حياء.










إجمالاً، أنا لا أجوع كثيراً وقت الصيام، حتى لو لم آكل الكثير في المساء. إن خطر العطش أكبر في الصيام بالنسبة إلي، نظراً لكوني تعودت منذ الصغر شرب كميات من المياه يتعبرها البعض مهولة. بيد أني حتى قبل رمضان بدأت تقل كمية المياه التي أشربها. ففي العمل، صارت الشركة الجديدة لا تبيع غير مياه صفا، التي لسوئها تسبب لي المغص في كل مرة أشربها.
يشكل الماء، حتى حينما أكون مرتوياً، هاجساً بالنسبة إلي، أو هوس. ليس الأمر أني أود أن أشرب باستمرار، رغم أن هذا واقع إلى حد بعيد، لكنه يتعداه بتسرب الماء إلى أفكاري وتخلله إياها، وخيالاتي، ورؤاي.
بقدر ما أحب هذه الأرض، بقدر ما يفزعني ويؤرقني افتقارها للماء. أشعر أحيانا أني أجنبي لهذا السبب، أني ربما وقعت بالخطأ، في المكان الخطأ، والزمان الخطأ. أني ربما كان يفترض بي أن أعيش إلى جوار جدول أو شلال صغير، أو ينبوع في جبل.
لا يمكنني أن أتوقف عند دكان هنا دون أن أجد الماء، فهو وفير، بغض النظر عن جودته. لكن يمكنني تخيل هشاشة هذه الحقيقة.
العراق، بلاد الرافدين، يستورد الماء الصالح للشرب بالقوارير من عندنا، ومن عند الأردن والكويت، ثلاثة بلدان بلا أنهار أو بحيرات حلوة.
لأي سبب، حرب أو غيرها، كارثة بيئية أو تقنية، ماذا سيفعل الناس لو انقطع الماء؟ هذه الملايين التي لم يكن للأرض عهد بها، ولا حتى بنصفها.








أتساءل أحياناً ماذا يضر بعض الناس إذا تعاملوا بلين، أو على الأقل بمهنية، مع الآخرين. كنت اليوم في المستشفى، الملك خالد الجامعي. حاولت محادثة طبيب، سعودي على ما أعتقد، ورفض التعاون، كان يمضي ويتركني فقط، ولا يجيب. كان ما أريده هو أن ينظر بوصفة دواء لدي، حولتني الصيدلية إلى عيادته لتصحح. دكتور آخر صححها لي بلا مجهود. وهذا استثناء، فأكثر الدكاترة سيئون هنا، السعوديين والعرب على وجه الخصوص. وقد يفاجئ المرء أنهم قرروا بالنيابة عنه أمر مصيري، دون أن يخبروه، وكأنهم أوصياء عليه. ففكرتهم هي أن الناس هنا قصر، وأغبياء، خصوصاً حينما لا يتحدثون اللغة الانقليزية مثلهم. وهذه عقدة نقص في الحقيقة، وامتساخ.
مثلهم الممرضات، ومجملهن أجنبيات. أمس كانت الممرضة ترفض أن تستمع إلي. إنهن يحتقرن الناس هنا، يعتقدن بأنهم غير متعلمين ولا يستحقون الانتباه، فالتعليم في عقولهن مرتبط بتحدث اللغة الانقليزية. حينما تتحدث اللغة، قد تحضى ببعض الانتباه. ادعت في النهاية أنها تستمع إلي، لكني أعطلها عن عملها، ولكن، أليس عملها هو خدمة الناس هنا؟. في حين أن كل ما كنت اريده هو ترك خبر كما فعلت من قبل بأني سأدخل على الطبيب قبل والدي، لكنها لم تكن تريد أن تستمع. أخبرتني بعد عدة  محاولات بأنها ليست الممرضة الوحيدة العاملة مع الدكتور في النهاية، ولا تدري إن كان ملف والدي تحت مسئوليتها. قلت: كان يمكنك إخباري بهذه المعلومة الصغيرة منذ البداية. قالت بأنها أخبرتني، قلت بأنها لم تفعل. لا يختلف الأمر، فأنا أثق أن المسئول عنها وعن زميلاتها خسيس مثلهن.
لا أعتقد أني وفقت لمراجعة المستشفى مع أهلي دون منغص، وسوء معاملة، وقلة إحترام لإنسانيتنا. فقد والدي ذات مرة وعيه، ونحن أمام المستشفى، بينما وقفن ممرضات ينظرن إلينا، رافضات القدوم للمساعدة، رغم صياحي في ذلك الصباح الخالي من الناس طلباً للمساعدة منهن ومن أي أحد، ورغم محاولتي وعجزي عن حمل والدي.


كما أن الأدوية الغالية الثمن، التي فعلاً لا يستطيع الناس شراءها، هي ما لا يتوفر، في حين يقال بأنها توفر فقط لمن لديه واسطة أو معرفة، كما قال طبيب لأختي؛ هي توفر للفي آي بي. وهؤلاء الفي آي بي، هم الدكاترة الآخرين، والشخصيات الغنية، وهم يستطيعون شراء هذه الأدوية بسهولة. 
لا يتخيل الناس البعيدين عن الأمر، لكن بعض الأدوية مكلف إلى درجة مخيفة.


هؤلاء الناس العاملين في المستشفيات الحكومية، كلهم، حتى المدراء، يفتقرون إلى إدراك حاجة الناس، ورغم أنهم في مستشفى، إلا أنهم على ما يبدو لا يدركون أن من يأتي إليهم هم المرضى، ومرافقيهم، الذين يعانون أكثر من العاملين بالمستشفى، مهما كان ضغط العمل لديهم. إنهم يفتقرون إلى الإحساس، والأدب، والإحترام، والإنسانية. وهذه سخرية، أن تفتقر للإنسانية وأنت تعمل حيث يُعالج الإنسان ويعتنى به من جراحه وآلامه.


أتمنى أن ينتقم منهم الله. لكن، منذ متى وامنياتي تتحقق.
على الأقل، أتمنى أن ينتقم الله من وزير الصحة، أن يجعله يعاني مما يعاني منه الناس، أن يبحث عن الدواء ولا يجده، أن يبحث عن الإحترام ولا يجده.
ومثله، مدير الجامعة، فالمستشفى الذي قضيت سنوات أراجعه مع أهلي، هو جامعي بالنهاية.










ماذا بوسع المرء أن يقول حينما يعاني من ظروف، لتوه شعر بها، أو توصل إلى الشعور الكامل بها، في حين أنها ظلت تتكون وتتراكم وتسوء منذ سنين، أمام عينيه.
يشعر المرء وكأنما كان يسير في إتجاه كمين محبوك منذ أن ولد، بيد أن الطريق إلى الكمين لم يكن ذا منظر خادع، لم يكن جميلا ومستدرجا للغفلة كما هي عادة الكمائن. كان يبدو وكأن الحياة كانت بالأساس كمينا، فإذا بها محشوة في جوفها البعيد بكمين أسوأ نية، حيث وصلت أخيراً.







الوحدة، والارتباط، أمرين يبدوان كضدين، لكن اجتماع الضدين هو ما يجعل الأمور فريدة من نوعها. يجعل السعادة فريدة، والحزن فريداً.








أنشر الآن أسرع مما اعتدت خلال الشهور الفائتة، لأني لا أتوقع قدوم أحداث مميزة في هذه الفترة، أو تغير شيء. ما ذكرته هنا حتى غير مثير للاهتمام، والمزيد منه سيجعل الأمر بالغ السوء.








سعد الحوشان

الجمعة، 6 أغسطس 2010

أشياء بسيطة، قيلت أخيراً (أطيب وقت قضيته،سفارة،وكالة أنباء،احداث)

بسم الله الرحمن الرحيم








فيما يخص الصداقة... ماذا يمكن للمرء أن يقول؟. بدأت أتساءل إن كنت أعرفها، أم أني بدأت أتحول تدريجياً إلى مجرد منظِّر، لبعد العهد.







أعتقد بأن للمشاعر فصائل، مثل الدم. مهما بذلت، مهما حاولت أن أحتوي، وعزيت، لا يتغير شيء. راودتني الفكرة مؤخراً، حينما لاحظت بأني دوماً أفكر؛ لماذا لا يفيد أبداً ما أقوم به؟. كنت دائماً أسأل نفسي هذه السؤال، دائماً، لكني لم أفكر بأني أسأله لنفسي منذ زمن بعيد جداً، وكأني في كل مرة أحاول بهمة جديدة.
إن فصيلة مشاعري على ما يبدو ليست كفصيلة دمي، تنفع لكل الناس.
ربما لهذا مهما بذل لنا بعض الناس من محبة، لا نستطيع أن نرد لهم بالمثل، لأن محبتهم لم تخترق قلوبنا، رغم حسن نواياهم.








ماذا يخطر في بال المرء حينما يفكر بالكتابة؟ لا أعني الموضوع، لكن الكتابة بحد ذاتها. القلم، الورق، الحاسب، وهذه الأدوات.
بقدر ما أكتب كثيراً على الحاسب، وبقدر ما يهمني البرنامج الذي أستخدمه، إلا أن ما يخطر في بالي، وأشعر بالمتعة بأداءه، وليس بطرح أفكاري من خلاله، هو الكتابة اليدوية، بخطي البشع، لكن المقروء. أعشق تمرير قلم أحبه على الورق، وأعشق تدوين الملاحظات على فواتير الورق الحراري الخاصة بسوق التميمي غالباً أو برقر كنق. أحمل قلمين دائماً، السويسري البني الجميل بحبر أزرق، وقلم آخر بحبر أسود، من نوع القلم الإبري، حيث أن رأسه دقيق كالإبرة، أعطاني إياه صديقي سيد، فهو صناعة هندية، وهو رائع جداً في الكتابة. لدي قلم إبري آخر أيضاً، ياباني، لكني لا أحمله لأنه يسيل في الجيب، رغم أن خطه رائع والكتابة به ممتعة، ولونه جيد كذلك.
سبب عشقي للأقلام الرخيصة والمميزة؟ لا يمكنني أن أضع يدي تحديداً على السبب، الذي هو أقرب للهوس. لكني أفترض أن لهذا القصة علاقة:


حينما كنت في الابتدائية، الصف الرابع أو الخامس، كان لدي صديق هو الأول على المدرسة. كان بيننا تقدير كبير. في الإذاعة الصباحية، وكانت إذاعة فصلنا، طرح مسابقة بالمايكروفون بجوائز صغيرة، على طلاب المدرسة كلهم. حينما سأل سؤال، رفع البعض أيديهم، ربما كانوا كثيرون، لا أتذكر. لكنه اختارني أنا. خرجت فرحاً من بين الصفوف، تحيط بي صيحات الازدراء وكلمات الاعتراض، إذ يقولون: اختاره عشانه صديقه!! ووووووووووووو!. أجبت، لا مبالياً، ونلت قلم بديع، أو ربما بدعة من بين الأقلام. وكانوا آخرين أيضاً نالوا مثل هذا القلم، فلم أكن الفائز الوحيد، لكن كان هناك اعتراض على الشفافية، رغم أن صديقي لم يخبرني بالإجابة مسبقاً!. كان القلم بلاستيكي ملون بألوان زاهية، يشبه المايكروفون المركوز على الماسورة في المسرح. أي أن رأس القلم الجاف كان مائلاً بشدة إلى الجانب، بينما خرج أنبوبه المليء بالحبر وكأنه سلك المايكروفون من خلفه، ليعود ويدخل في الماسورة. كان تصميمه رائعاً جداً، ولم أرى مثله من قبل، أو حتى من بعد. لكن واجه الناس مشكلة بالكتابة به، بسبب وضعه الغريب، الذي يتطلب مسكة معينة، إلا أني تعودت عليه بسرعة، وكأنما كان من الأساس طبيعة ثانية. كان الناس يتعجبون من شكله أولاً، ثم من كيفية كتابتي به ثانياً، بعد أن يجربوه ولا يتمكنوا من الكتابة، وكان هذا أمر يبهجني ويشعرني بأني أتقن شيئا خاصاً، وفنياً. كان أخي يقول: هالقلم ما يعرف يكتب به الا سعد. كان الآخرين يضحكون، ولكني كنت أشعر بالفخر. كانت أسباب الفخر لدي قليلة جداً آنذاك.
بقي القلم معي لفترة طويلة جداً.


بعد ذلك، صرت أحب أن أكتب بالأقلام وأحتفظ بها حتى تنتهي تماماً. وقد تعلمت من أخي طريقة جيدة لعدم تضييع القلم، وهي إدخال ورقة بالاسم في ماسورته الشفافة. إلا أن أخي هذا بطريقته كان أكثر من يضيع أقلامه، ولا يهتم بها أبداً (إلى درجة أنه وقع منه قلم ذات مرة وهو خارج من المدرسة، فتكاسل عن رفعه عن الأرض وتركه. كادت أمي أن تجن، ليس بسبب قيمة القلم، لكن بسبب الموقف، حيث علمت بالفعلة حينما حققت معه بخصوص طلبه المستمر وغير المعقول للأقلام).
كما أن هذه الطريقة تسببت بتورط زميل سوداني قلدني في الصف الثالث المتوسط. حيث أن أحدهم قذف بقلمه، كما كانت هواية البعض، على طلاب الابتدائية من النافذة المطلة على مدرستهم. فسلم التلاميذ الصغار القلم إلى مديرهم، الذي أخبر مديرنا فعاقب زميلي لأنه وجد اسمه بالقلم، وهو لم يكن يعلم أين ذهب القلم. فعاد ولامني على فكرتي الغبية بإدخال ورقة فيها الاسم!!.


كانت قمة المتعة لدي والشعور بالإنجاز هي حينما ينتهي الحبر من القلم. وكنت فخوراً بأن أقلامي لا تضيع. لكني لم أشتري أقلام مميزة جداً بعد ذلك القلم، سوا مرة. اشتريت قلم سويسري رخيص، جاف، جميل الخط ومميز الشكل، ولون حبره أزرق فاتح ولكن مميز جداً وجميل. بعد فترة طويلة، أعجبت أختي بالقلم، فأعطيتها إياه. لكنها أضاعته في الأسبوع التالي. لم أجد مثله مرة أخرى.



لم أترك الأقلام المميزة عموماً، لكني لم أكن أجد ما يعجبني كثيراً، حتى دخلت الجامعة.



وجدت في الفيصلية قلم أمريكي جميل، شكله غريب ومميز، وألوانه الخارجية حيوية ماركة بيبرميت. اشتريته بـ14 ريال، ثم وجدته بعد أشهر في مكتبة بـ4 ريالات تقريباً. لكن ظل قلم غالٍ على قلبي، وتحمل تفكيك زميلي المستمر له وتركيبه. ورغم أن لونه الخارجي بهت بعد ربما سنوات من الاستعمال (حيث كنت أستخدم غيره بنفس الوقت)، وبدا وكأنه سيتساقط قطعاً لكثرة الاستعمال، إلا أنه ظل متماسكاً. وهو القلم الذي حكيت عنه قبل تدوينات، حينما رفضت منحه لصديق لسبب مختلف عما قد تتخيلون الآن، وانتهى به المطاف في يد شاب من المنطقة الشرقية.



كان لدي دائماً رغبة بالكتابة بريشة، أو شيء دقيق ومشابه. الأقرب كان قلم رخيص، بريال أو نصف، من ماركة رينولدز، وقد كان صناعة فرنسية، لكنه صار يأتي من صناعات أخرى، ومقلد، فلم أعد أشتريه. كان يكتب بسلاسة وخط حسن، وكل من جربه أعجب به. وهو له فئتين، فئة بيضاء بينما رأس القلم شفاف ملون بلون الحبر، أي أزرق حينما يكتب أزرق، وأحمر حينما يكتب أحمر. والآخر هو ذو اللون المشابه للون الحبر باستثناء الرأس الشفاف كلياً، وهذا الأفضل، لأنه أكثر سلاسة، وأعرض خطاً على نحو معقول. وهو قلم نحيل بشكل عام، أنحل بفرق واضح عن الأقلام الأخرى، وهذا يجعلني أتخيله ريشة حينما أكتب به، وهو أمر يعجبني.
قد يستغرب أيا يرى خطي السيء اهتمامي الزائد بالأقلام، لكن، حينما تحب الكتابة، فإنك ستحب القلم، بغض النظر عن جمال منظر كتابتك.

رغم ذلك، كان لي دائماً محاولات لتحسين خطي، ولا زلت. أحمد الله على الأقل أنه مقروء. جربت في فترة معينة خداع الناس، رغم أني أعترف لاحقاً، بأشياء أكتبها بخط حسن. لكني بالواقع لم أكن أكتب، إنما كنت أرسم الخط، فقدرتي على الرسم، على تواضعها الآن، أفضل من قدرتي على الكتابة بخط الجميل. فكرت بالاشتراك في دورة منذ زمن بعيد. ولكني لم أتمكن. في الجامعة عقدوا دورة أو اثنتين ولم أتمكن من الاشتراك. ووجدت إعلان في جريدة قبل فترة، فقيل لي بأن الدورة بـ800 ريال، لمدة أعتقد 3 أسابيع. بدى الأمر كسرقة، ولم أشترك. لكني لا زلت أنوي تحسين خطي إن شاء الله، وربما لا أجد غير هذه الدورة.











كم أنزعج من الشباب، والشابات بالطبع، ذوي الأرواح الثورية المفتعلة. ويبدو أن الكثير من المدونين والمدونات الجادين والجادات، بزعمهم، يميلون إلى استعراض قيمهم التي يدفعها الحماس الأحمق والرغبة بالاستعراض قبل التعقل وحسن التفكير والمراعاة، في رأيي.

يعتقد الناس أن الانفعال والعناد، وإثارة المشاعر السلبية بأنواعها، هي لب الثورة على الظلم ومعناها. لا أحد يفكر بأنواع أخرى من الثورة، مجدية بنفس القدر، على كافة المستويات. أنواع لا نسميها ثورة، لأن الثورة ارتبطت في ذهننا بالشد والانفعال.


أفكر دائماً بذكر الثورة الفرنسية، وقد كانت دموية. لم تكن بلا سبب بالطبع، لكنها أخذت الأمور إلى أبعد من الضروري. ذكرها من أكثر الأفكار وروداً فيما يخص الثورة. لكن لا أحد يتذكر ثورة الهند السلمية. لكن مع تغير الدول السائدة، وإحضار الدول الجديدة لقيمها وتاريخها لتكون نماذج، ستذكر الثورة الهندية أكثر، حينما يكثر ذكر الهند نفسها. سيفهم الناس حينها أن الثورة لا تعني بالضرورة الإنفعال السلبي.



أغلب المدونين ذوي الأفكار الثورية، هم بالواقع مجرد محرضين، وهذا ضرب من الجبن. عرفت أناس في حياتي طبعهم التحريض، ثم الانسحاب بهدوء.
إنهم يشبون مشاعر الناس بأسوأ المشاعر. ولا يبدو أن هناك ما يسلم منهم، أو يرضيهم، إنهم دوماً غاضبين، دوماً منتقدين ومنفعلين، وغير قابلين للنقاش بحيادية. يبدو للمرء أن غاية هدفهم هو جعل الناس يغضبون، ويشعرون بأنهم في أسوأ حال، وأنهم إلى كارثة، ثم يوجهون غضبهم إلى اتجاه معين. حينما يحدث شيء، لا يكونون هؤلاء المحرضين متواجدون، أتكلم من واقع تجربة. حينما يسممون أفكار الناس وعقولهم، يحاول المسممين البسطاء بطبيعة الحال فعل شيء تجاه الوضع، بانفعال وحماقة، بينما لا يكون هناك أثر لمن حرضهم بالمقام الأول. إلا أن الأمور حينما تسوء، قد يأتي من حرض من الخلف، ويحاول مصالحة الطرف الآخر وتهدئته، فيما يترك من حرضهم بغضبهم المتأجج، فهو لا يعبأ بغير نفسه.

لا يفكرون بأبعاد الأمور، يعتقدون أن الانفعال والاندفاع الخفي في كل اتجاه، الاندفاع إلى المساوئ، وهم يدفعون أمامهم دروع الحماقة من البشر بالطبع، هو خير ما يمكنهم تقديمه للمجتمع،، نعم!! إنهم يتخيلون بأنهم يقدمون خدمة للمجتمع الأبله في نظرهم.

كثيرة النماذج التي عبرت بي، وتعبر باستمرار. على بريد الهوتميل، الذي تركته قبل سنوات لأعطيه الناس غير الجادين وللاشتراكات غير المهمة، كان يمتلئ برسائل سلبية وتحريضية مثيرة للغثيان من زميل بالجامعة. ورغم أنه كان مهذباً وطيباً، وهادئ ظاهرياً، إلا أني وجدته في موقف معين شديد الحماقة. ورغم أن موقف واحد غير كاف للحكم، إلا أن رسائله استجلبت هذا الموقف القديم إلى ذهني، وكأنها تؤكده. الشاب من مكة، ويقال بأن الناس من هناك حاري الطباع عموماً، أي على جانب من الحماقة حسب فهمي. كنا نجلس في القاعة، أمام دكتور سعودي من أكسل وأبلد ما خلق الله، وهو يخبرنا بأنه سيعطينا إجازة في يوم عاشوراء، ليذهب الزملاء الشيعة إلى ديارهم لأجل هذه المناسبة. ما أعتقده هو أن هذا الدكتور كان فقط يريد عذر كي يلغي محاضرة، وهو الذي كثيراً ما غاب وتأخر، ومحاضراته عموماً لا تتعدى الربع ساعة إن لم يكن أقل. وقد يحضر أطفاله أيضاً إلى القاعة، يلعبون ويتطاردون بيننا بينما هو يشرح. كل هذا لا يدع مجالاً للشك بأن الرجل لم يكن متبرعاً تماماً. ولو كان متبرعاً، ويتخذ موقفاً ثقافياً، فهذا أمر تحت مسئوليته، وليس تحت مسئولية الطلاب الشيعة الذين لم يطلبوا شيئا. شكروه بتأثر، بينما لم يقل أحد شيئاً. قال بأنهم إخوان بالدين والوطن. ولكني لو كنت في مكانهم، لما افتخرت بأخوة شخص بهذه البلادة والكسل. المهم، أن الطالب من مكة، تدخل بعصبية، وانتقد الأمر، وقال شيء عن الشيعة، واعقب:عليهم من الله ما يستحقون!!. علينا جميعاً من الله ما نستحق، إن يكن رحمة أو غيره، فهذا أمر عائد لمشيئته وحدة سبحانه وتعالى. ولا يهمني ما يعتقده عن الشيعة، لكن حماقته وغبائه أذهلني بصب غضبه عليهم، في حين أن الموقف كان من الدكتور وليس منهم.
لا أهضمه حقه، فقد كان غاية في التهذيب. لكن سرعة انفعاله في ذلك اليوم كانت مفاجئة جداً.
أحذف ثلاثة أرباع رسائله ذوات العنواين التي يبدو عليها التحريض، ومع ذلك، أجد ما تبقى مضيعة للوقت. أرسل رسالة يسأل فيها جميع من يرسل إليهم إن كانت رسائله تضايقهم ليستبعدهم من قائمته البريدية، فأرسلت إليه أطلب منه ذلك.


يعتقدون بأنهم يحملون هماً، لكن ما هو همهم؟ أي هم بالضبط بين الهموم الكثيرة التي يكتبون عنها هو الأثير؟ هل حقاً يتخيلون بأنهم يؤدون خدمة حقيقية بالطرح المتحيز المشبوب؟.












خضت تجربة شرائية جديدة عن طريق الانترنت. في حين أن الشراء عبر الانترنت ليس بالشيء الذي يستحق الذكر لدى بعض الناس، إلا أنه بالنسبة لي يشكل حدثاً، نظراً إلى أني لا أشتري من المواقع الأمريكية المشهورة، وأميل إلى التجريب والتقييم حينما أشتري من المواقع العربية، حيث قد لا أشتري أشياء ضرورية جداً.




التجربة الجديدة تمت عبر سوق جديد تابع للبريد السعودي، الذي يتطور برأيي على نحو سريع وطموح. أعتبره مؤسسة حكومية تقدمية، مبتلاة بعقلية الموظفين العاديين الرجعية. السوق فكرته هي عرض متاجر لشركات موجودة بالواقع، وليس لأفراد. مثلاً، تعرض شركة العربية للعطور الشرقية منتجاتها على الموقع، بالإضافة إلى سوق الكترو، وشركة استيراد وتصدير غير معروفة، ومكتبة العبيكان، وغيرها. لا يزال الموقع في بداياته، ولا يوفر الكثير من السلع مثل موقع سوق مثلاً. بالإضافة إلى أنه يعاني من بعض النواقص التقنية، وعدم الوضوح، وقلة المعلومات عن السلع. تقنياً، الموقع يحتاج إلى الكثير من الجهد.




الجيد في الموقع أن بعض الشركات تقدم عليه عروض خاصة على ما يبدو، ويحصل الزبون على خصومات جيدة. وبكل الأحوال، ومهما اشتريت، يجب أن تدفع 20 ريالاً قيمة الشحن، سواء اشتريت بكثير أو بقليل. لكن حينما تحصل على خصم 100 ريال على المنتج، فلا بأس بدفع 20 للشحن. كما أني رأيت منتج مخصوم من قيمته 500 ريال. والجيد هو وجود منتجات يصعب إيجادها في مكان آخر، توفرها الجمعيات الخيرية في عدة مدن، القصيم والأحساء والجوف، وهي منتجات جميلة حقاً ومميزة جداً جداً، وإن كانت مرتفعة السعر قليلاً، إلا أن المرء يفكر بأن المسألة خيرية بالنهاية، وستعود على عوائل محتاجة بالنفع. الشحن لا يختلف مهما اختلف مكان الجهة البائعة. فمثلاً أنا طلبت من الجمعية الخيرية في عنيزة بالقصيم ميدالية مصنوعة من السدو، إلى جانب الأشياء الأخرى الموجودة في الرياض، وجائت جميعاً في وقت ليس بالقصير، لكنه معقول. جيء بها إلى المنزل، وأنا في العمل.


يمكن التصفح على أساس نوعية المنتجات، وهي طريقة قد تكون عقيمة في بعض الحالات، لأن بعض التصنيفات لا تحتوي على شيء. الأفضل هو التصفح على أساس المتجر، مثلاً متجر العربية، أو أحد الجمعيات الخيرية.


كانوا يحاولون جهدهم لإعطاء خدمة ممتازة من خلال خدمة العملاء على الهاتف والبريد الالكتروني، وهم يجيبون بسرعة، ويتحدثون بأدب، لكن بعض الموظفين معلوماتهم قليلة، واستيعابهم لبعض جوانب الموقع ضعيف، مثلا سبل الدفع. الموقع أساسا مضلل نوعا ما، حيث يوهمك مثلاً أن بطاقات البنك الأهلي هي المقبولة فقط، بينما البنك الأهلي هو من يقوم بإجراءات الدفع، ولا علاقة للبنك مصدر البطاقة الائتمانية، فكلها مقبولة. يوجد سوء فهم سيء. لكن يوجد التسديد عن طريق خدمة سداد، ولكن بنكي الفرنسي يجعل الأمور صعبة على ما يبدو، فاشتريت ببطاقة الائتمان.


الموظفين حينما تتصل عليهم، أو حتى يتصلون هم بك حينما تراسلهم بالبريد مرفقاً رقم الهاتف، لديهم الرغبة الكبيرة للمساعدة والتعامل باحترافية، لكنهم مرتبكون إجمالاً. لا يبدو أنه تم تجهيزهم، ناهيك عن الإيحاء بالتحفيز، لهذه المهمة بشكل جيد. فالعقلية التقليدية للموظف الحكومي تحتاج إلى إعادة صياغة إن كنت تريد منهم التشبه بموظفي موبايلي مثلاً. لكنهم يحاولون جهدهم، وأنا أقدر هذا.


ماذا اشتريت؟ أهم ما اشتريت هو وسائد مبتكرة تنفخ بالهواء، وتجمع وتركب بطرق مختلفة عديدة، لأغراض مختلفة تتمحور حول الجلوس عموماً او الاستلقاء. اشتريتها بحوالي 300 ريال، بخصم حوالي 100 ريال. أنا لدي أزمة جلوس في غرفتي. كانت لدي أريكة، حينما تخلص أهلي من طقم لديهم تركوا لي واحدة ووضعوها في غرفتي. لكنها كانت مهترئة، ووضعها غير جيد للجلوس، وتأخذ مساحة مرعبة من الغرفة بشكلها القبيح والجلف، متناقصة مع بساطة غرفتي التي يغلب عليها المنظر الخشبي. تخلصت منها غير آسف قبل فترة، وصرت أجلس أمام التلفاز في المناسبات القليلة على الأرض.


كنت أبحث عن الكنب الذي ينفخ منذ فترة طويلة، حتى يمكنني رفعه وأوفر مساحة. ما اشتريت مختلف إلى حد ما. يعجبني كثيراً وأعتقد أنه سيحل المشكلة إن شاء الله. لم أجربه كثيراً حتى الآن. أمس استرخيت فوقه، ووجدته مريح جداً، بوضعية الاسترخاء. كما قرأت كتاب فوقه، وكانت القراءة مريحة عليه أكثر من القراءة على السرير ربما. سأجرب العمل فوقه بالكمبيوتر، يوجد وضعية مقترحة لذلك، بحيث يسند اللابتوب بإحدى المخاد.
اشتريت كذلك قلمين من العبيكان. لون بنفسجي، لخالد، زميلي الملتزم ذو البطن الممتع، الذي سيود مؤذناً، حيث أنه يحب هذا اللون ويستخدمه كثيراً، والآخر أزرق سماوي، لونه من أروع ما رأيت، وكتابته لا تشوبها شائبة.














مفاجئة غريبة، ربما مضحكة للبعض. لأول مرة تنشر صورتي على الانترنت في موقع. أين؟ في موقع وكالة أنباء عالمية. تخيلوا!. صورتي معروضة مع تحقيق مصغر. لكنكم لن تجدوها أو تروها للأسف، لأنكم لن تعرفوا كيف تصلون إليها، فهي في موقع وكالة الأنباء “الصينية” الوطنية! وأنا، لن أضع الرابط (كأن أحد يهتم بالفعل). كنت قد أخبرت عن عقدتي من التصوير، وهي عقدة كبيرة، لكني أحاول تفكيكها منذ فترة، ومؤخراً خطوت خطوات كبيرة. التحقيق هو عن السواك. حدث الأمر حينما اتصل بي الصديق الصيني الأصغر، الذي يتحدث العربية بطلاقة، وأخبرني برغبة الوكالة بمقابلتي بخصوص السواك. قالوا لي لاحقاً بأنهم لم يروا السواك مستخدماً في الدول الإسلامية الأخرى، وهذا ما أذهلهم. تكلمنا عن السواك وأعطيتهم معلومات عنه. لكن بالواقع، كان من الواضح أنهم يريدونني لأجل الصور، وليس المعلومات، و إن سألوا وناقشوا كثيراً. كانوا قد أتوا بسواك معهم ليصوروني وأنا أستخدمه، وكان رديئاً جداً، وقد ضحكوا كثيراً حينما أخبرتهم بذلك. أخذوا لي صور لا أدري عدها لكثرتها. ولست أدري لماذا تصويري وهم بمستطاعهم تصوير أي أحد يستخدمه، فالكثيرون سيقبلون، وهو مستخدم على نطاق واسع.
الصورة التي نشروها أتت جانبيه، يقول أخي بأن هذا لإظهار أنفي، فهم يحبون هذه الأنوف. ومزح بأن صورتي ستعلق الآن في حجرة كل فتاة صينية (حركة لو صدق).
أنفي ليس بكبير وليس بصغير، أعتقد أنه يعتبر من الأنوف اليونانية(الأنوف أنواع، اليونانية، والرومانية، والفنساء، وغيرها).




أرسلت إلى الدكتور الصيني، وهو في الصين الآن، أسأله عن حاله وأريه الخبر والصورة. يقول أن الصورة أعجبته وأنها “وسيمة”، مع أني كنت أجدها مضحكة إلى حد بعيد. قال بأنهم ينظرون إلي على أني الأول، وصفوة الشباب السعودي. كانت مجاملة كبيرة جداً، ولطيفة جداً.













رأيت الألماني الصغير بضعة مرات في الأيام الفائتة خارج وقت العمل. كان يشجع الأمر، ويتحمس له جداً. مع أنه حينما يتكلم، لا يبدو لي وكأنه يمضي وقته سائماً أو معانياً من وحدة.


في المرة الأولى، خرجنا لتناول الآيسكريم على حسابه. قال بأنه يريد أن يطلب أغلى الموجود، حتى أحذو حذوه ولا أحرج. قلت بأنه ليس عليه ذلك، فسآخذ ما أحب. هو عاشق كبير للآيسكريم.
تكلمنا كثيراً كالعادة. ثم خرجنا وتمشينا في التميمي، أخذته إلى قسم المياه، وأخبرته ما أعتقد أنه الأفضل. قال بأنه لم يكن يفرق أو يهتم من قبل بالفرق بين المياه، قلت بأنه هذا طبيعي، لأنه أوروبي. هناك الناس لا يجب عليهم أن يقلقوا من نوعية المياه، إنهم حتى يشربون من مياه الحنفيات بلا مشاكل، بل إن بعض الأماكن تروج لها للشرب بدلاً عن المياه المعبأة. أخذ عدة أنواع اقترحتها.


بعد أيام، خرجنا إلى محل ايسكريم آخر من شركة جديدة في يورومارشيه، وتمشينا في السوق وتكلمنا، تناقشنا بالكثير من الأمور، وكان الأمر بالنسبة إلي أكثر أريحية من المرة السابقة حتى. تحدثنا عن الكتب، والأفلام. هو يتحدث كثيراً حقاً. أتيت على ذكر اليابان، فأعطى نظرة غريبة، ثم قال: كان يجب أن أعرف. ثم شرح بأنه كان يجب أن يخمن أني معجب باليابان، لأني أحب التصميم. وقال بأن هذا خليق بي فعلاً، فأنا مختلف عن غالبية الناس، ممن لو سألتهم لقالوا: “أوه أنا أحب الغرب!!” وقال هذا بطريقة هزلية ساخرة، وهو يصطنع صوت ينم عن البلاهة. ضحكت، وأخبرته أني بالواقع لا أحب اليابان، وربما أفضل عليها كوريا، لكني لا أحب الأماكن الأخرى وأتأثر بها فعلاً. لكنه أصر على رؤيته للأمر. عاد للأمر في وقت لاحق، وقال بأنه لا يعجب من الأمر، فبالإضافة إلى أني أحب التصميم، هو يجدني أنيقاً (!!). خطر في بالي أنه ينظر إلى أسلوبي المختلف على أنه أناقة، القبعات التي لا يحب لبسها غيري، وجهاز مشغل الموسيقى الذي يتدلى على صدري، الساعات غير المعتادة، كل هذا على ثوب حينما لا يلبسه الكثير من الناس في تلك الأماكن، خصوصاً مع هذه الأشياء الأخرى التي ألبس. أخبرته بأني أستغرب من ظنه أني أحب التصميم. قال أنظر مثلاً إلى سيارتك، أنا متأكد بأنك لم تشترها بسبب قوتها وعدد الأحصنة، لكن لأن تصميمها جميل. أخبرته بأن أغلب الناس هنا بالواقع يعتقدون بأن شكلها غريب، وليس جميلاً بالضرورة، قال بأنهم سيعتقدون نفس الشيء عن ساعتي، مشيراً إليها.


كنا نخرج من سوق يورومارشيه، ونحاسب عن بعض الأغراض، حينما رأينا طفلة سوداء بشعرها المظفر كحبال صغيرة بديعة. كانت تنظر إلى انعكاسها على الزجاجة وتقوم بحركات استعراضية وراقصة. وقفنا قليلاً قبل أن نمضي وتأملناها، كان هو من لفت انتباهي إليها. قال: لا شك أنها تعتقد أنها جميلة جداً.
أنا:هي جميلة جداً بالفعل.
هو: نعم هي جميلة، لكنها مضحكة.
جلسنا، واشترى هو ايسكريم آخر، بنكهات غريبة وغير متناسقة، بطيخ مع جبن أعتقد أو شيء من هذا القبيل. حدثني عن عائلته، وكان حديثاً ممتعاً. وقال بأن له أخ عجيب، له جاذبية خاصة، ويمكنه إقناع الناس بآراءه وكسبهم دون بذل الكثير، فهو كالساحر. واحتج مضيفاً: بينما أنا، لا أحد يوافقني على آرائي، لا أحد يقتنع ابداً بما أقول. أما هو، فلا يبذل أي مجهود، يقول الشيء فيقتنع الناس!
أنا مازحاً بابتسامة: ربما لأنه عاقل.
انفجر ضاحكاً. وقال صحيح، ربما لأنه عاقل.
بعد وقت طويل من الاحاديث، خرجنا من السوق لنفترق. وقفنا لنتكلم قليلاً. أتينا على ذكر الخنزير، حينما قال بأنه يقدم في السفارة الألمانية هنا. سألته إن أكله؟ قال بأنه يأكله في ألمانيا. قلت بأنه يأتي بالأمراض. رد ساخراً: لهذا يعمر الألمان إلى سن الثمانين.
قلت: لا يمكن إلا أن يكون ضاراً، فهو يأكل أوساخه.
قال: أتفهم تحريمه في الجزيرة العربية وأعتقد أنه أمر سليم بسبب الجو، لكني أتفهم كونه حلال في ألمانيا لكون الجو ملائم له من حيث وفرة الماء والطعام.
أخبرته بأن هذا لا يغير من الأمر شيئاً، يظل حيواناً قذراً يأكل أوساخه. قال بأنه في ألمانيا لا يأكل أوساخه. كيف عرفت؟ هكذا سألته. أجاب بأن هناك وفرة من الطعام، فلماذا يأكل أوساخه؟ قلت إنه يأكل أوساخه لأن هذه هي طبيعته، لا لأنه جائع. قال كيف إذا تضمن أن البقرة أو الدجاجة لا تأكل أوساخها؟ قلت لأن هذه ليست طبيعتها، إن الأمر لا يتعلق بوفرة الطعام، إنه يتعلق بطبيعة الكائن. لكنه عاد ليقول بأنه لا يعتقد أن الخنزير يأكل أوساخه إذا ما وجد الماء والطعام. شرحت له مرة أخرى أن الأمر يتعلق بفطرة الحيوان، ولا علاقة له بالطعام، فهو مخلوق هكذا، وسألته إن كان يعلم أن طفل الكوالا حينما يولد يأكل أوساخ أمه لفترة معينة؟ وأضفت أنه يفعل هذا لأنه أمر ضروري له، لأنها طبيعته. ولمن لا يعلم؛ طفل الكوالا يأكل أوساخ أمه ليحصل على الكائنات الدقيقة الضرورية لبطنه، حيث لا يمتلكها قبل ذلك في أمعائه. راوغ كعادته، ولكن بحجة أضعف من اللازم هذه المرة، إذ قال: لكن الكوالا لا يؤكل!. لم أجب، حيث كنت متأكداً أن الصمت يكفي كرد. وبالفعل، لم يتابع حجته الواهية كما يفعل حينما تكون أكثر منطقية. صمت وبدا عليه التأمل. لم يكن لديه إجابة، وكان هذا أمر غير متوقع. ودعنا بعضنا بعد ذلك.




التقينا مرة أخرى، للعشاء هذه المرة. كان عشاء طيباً، فتح قلبه لي فيما يخص أمور كثيرة تجري في حياته. أخبرني بأني أول شخص هنا يفتح له قلبه. نظراً لسوابق الأمور معه، لم أتوقع هذا، لكني سعيد بثقته.




في المرة الأولى، سألته إن كانت فكرته هو أن جعل الشعيرات أعلى رأسه أطول من الجانب؟ قال بأنها فكرة الحلاق، وأنه لم يحبها، لكن الحلاق كان متعاطفاً وأراد أن يعطي وهم بأن شعره أغزر، بينما هو لا يمانع قلة شعره.رفعت يدي وأمسكت الشعرات برفق، حيث أني خفت أن تخرج بيدي، إذ بدت سهلة النزع، وأنزل رأسه قليلاً لأتفحصها بشكل أفضل. أعتقد أن لدي نصائح جيدة له.
نظر إلى رأسي، وتأمل الشعر الذي برز من جانبي القبعة. قال بأن لدي شعر كثير، وأنه يتوقع أني أسرحه كيفما أحب. أشعرني الأمر بالتعاطف.



هو الآن في ألمانيا منذ فترة. أراه من حين إلى آخر على بريد الجيميل وأحادثه. في آخر مرة أخبرني بأنه اشترى تذاكر كثيرة لنهائي كأس العالم لكرة القدم للنساء. اشتراها لوالده كهدية. يقول بأنهم وزعوها كلها، ولكن بقيت اثنتين لا يدرون ما يصنعوا بها. قلت بأني كنت لأشتريها لو كنت هناك، وسألت عن سعرها؟ قال بأني لو كنت هناك لحصلت على الاثنتين بلا مقابل. وجدت هذه المجاملة لطف بالغ منه.









منذ سنوات، قرأت في مجلة ألعاب أمريكية اقتراح لقراءة رواية خيالية. كان هذا ربما في أول سنواتي في الجامعة. قصصت الاقتراح، واحتفظت به. بحثت عنها ولم أجدها. قررت أن أطلبها، حينما يكون الطلب أسهل، من الخارج. ما حدث هو أن القصاصة ضاعت. بحثت عنها كثيراً بلا جدوى، ونسيت اسم الرواية. شعرت بأسى كبير، لفترة طويلة...


لكني تذكرت الأمر قبل أيام، حينما كنا نتكلم حول الروايات، أنا والألماني. أخبرته بأن عنوان الرواية يحتوي على كلمتي الشتاء والصيف، حاول أن يجد العنوان بلا جدوى. في نفس اليوم، حينما عدت إلى المنزل، بدا أني تذكرت العنوان، أو جزء منه: ثلج ونار. وجدت العنوان مرة أخرى، واشتريت الجزء الأول. لكني أقرأ كتاب آخر الآن.












لدي موضوع مهم. إنه يتعلق بخطأ فادح بدر مني في أحد التدوينات الأخيرة. كنت أتكلم عن العرب الشماليين، وقد أسأت الأدب كثيراً، وجرحت الناس على نحو غير مبرر، وقد لا يغتفر، وأنا أتفهم ذلك. لم يقل لي أحد شيئاً، ولكن هذه علة بحد ذاتها. ليس لي أن أحكم على عروبة الناس وأعراقهم، أو أعمم بفجاجة على طباعهم بالشكل الذي قمت به،هذا شيء سيء. عليه، أنا آسف جداً. وإني لنادم من قلبي على ما قلت.
صدمت أمي حينما علمت بالأمر، ولامتني ووبختني. وقد حثتني على الاعتذار.
لا أعتقد أن هذا سيغير آراء الكثير من الناس الذين جرحهم ما قلت، وبالواقع، أنا لا أستحق حقاً تغييرهم لرأيهم، ولا أدري حقاً ما أقول، إذ لا يوجد لدي مبرر واقعي. إني أسأت إلى نفسي قبل أن أسيء إلى أي أحد آخر.
أرجو المغفرة والسماح ممن يطيق ذلك، أما من لا يطيق، أرجو أن يعيد النظر، ولو بعد حين.














قابلت الدكتور الألماني الكبير قبل قليل صدفة، في البهو، بينما أنا في طريقي إلى البريد. سلمت عليه وعلى من معه، وسألته بهدوء عن حاله، وحال عائلته. مازحني بلطف شديد، ووقار. لقد شعرت بالانقباض. إنه رجل كبير بالسن، ورغم ذلك، أعتقد أن وفاة الأم في مثل هذا العمر لها وقع مختلف. آذاني كذلك استغراب البعض من أن أمه حية، قبل وفاتها بأيام، حينما علموا عن سبب مغادرته. كان تعليقهم خال من إدراك جوهر الأمر، إنها أمه بغض النظر عن عمره، وحينما تكون الأم مريضة جداً، فهذا ما يجب أن يلفت الانتباه.
أعتقد عموماً أنه فقد ثقته بكفائتي.



أرسلت إليه بالجوال أسأله، إن كان استلم المبلغ المالي؟ وهو المبلغ الذي تابعت صرفه، وحاول الموظف الملتزم في الأسفل تعطيلي عن متابعته بقدر مستطاعه. لم يجب مباشرة، وليست عادته التأخير، مما أشغل بالي. لكنه بعد ساعة أجاب بأنه استلمه، وأنه كان ينوي شكري كثيراً “ya saad”. كان رداً لطيفاً، وتضمين كلمة عربية هو ضرب من التلطف. لا يستخدم هو بالعادة الكلمات العربية إطلاقاً رغم أنه يعرف القليل، على عكس كل الأجانب الذين أعرف. أعتقد بأنه لا يريد تبيان قدر معرفته، أو أنه غير واثق منها.



راسلته أستشيره بأمر مستقبلي الأكاديمي، أخبرته بأني حائر بين شيئين. شرحت له الأمر، وزودته بروابط، وطلبت نصيحته. جاء الرد بأسرع مما توقعت بكثير، وكان رداً مفصلاً ورائعاً. أخبرته بأني كنت أتمنى أن ينصح بما نصح به، أن يختار هذه الجامعة الأهلية دوناً عن تلك. كان الأمر هو أني احتجت إلى رأي شخص خبير، وليس أفضل منه في هذا المجال. قال بأنه هو بنفسه مهتم بما اخترت، إلى درجة أنه سيكون مهتماً لو طلب منه التعليم في تلك الجامعة التي رشحها لي. رددت على هذه النقطة أني أتمنى فعلاً لو صار معلمي، مع أن هذا سيفضح بطئ فهمي أمامه، ثم وضعت ابتسامة، وكأنها مزحة. بالواقع، لم تكن كذلك. رد بأن الأمر مضحك وأني متواضع أكثر من اللازم. أعتقد أنه إن علمني بالفعل فسيكون الأمر رائعاً، فهو ليس بالمرء البسيط أبداً، ويذهلني أن أعرف شخص مثله، مع ذلك بهذا التواضع (لو كان سعودياً، أو حتى عربياً، لحسب نفسه الخوارزمي في زمانه). إلا أني أشعر بالتوتر حينما أتخيل بأنه يعلمني أحد المواد، حيث سيظهر له أني بالفعل لست جيداً.





ألاحظ أني أخبره الحقائق عن نفسي وكأنها نكت، وهذا ليس طبعي. المشكلة هي أني لا أحب أن أكذب، ولكن لا أحب أن أصمت كذلك، وأخاف بنفس الوقت أن أعطيه انطباع سيء. وهذه مشكلة.













هل من أحد يعرف مدرس خصوصي جيد، موجود في الصيف، ولن يسافر إلى مصر؟ مصر.. جائت في بالي تلقائياً. درسني مدرسين من مصر. البداية كانت حينما صارت أختي غير قادرة على تدريسي للرياضيات بسبب ظروف حملها وولادتها. استأجروا لي مدرساً في آخر اسبوعين قبل الامتحانات، وكان سيئاً وكريهاً. بعد ذلك، درسني الأستاذ محمود، الذي بفضل الله ثم بفضله، شعرت لأول مرة أنني من الممكن أن أفهم الرياضيات، بل أن أتفوق فيها أيضاً، بينما كان يبدو هذا من سابع المستحيلات، وأشبه بنكتة حرفياً. درسني منذ الفصل الثاني من الأول المتوسط، حتى أنهيت الأول الثانوي، ثم تخصصت علوم شرعية أو أدبي. حينما صار يعلمني، كنت آخذ دائماً  الدرجة كاملة أو أقل بدرجة. كنت أشعر بأني ذكي، وغير ميؤوس مني.
بعض الناس، موهوبون إلى أقصى حد بالتعليم. الله يذكرك بالخير استاذ محمود.
لم أكن أتخيل في وقت سابق أني سأستعين بمدرس خصوصي. وكان أحد إخواني يسألني، محطماً، وكأنه جاداً ويريد أن يفهم ويساعدني، بينما قصده التحطيم؛ إذا ما كنت غبياً إلى هذا الحد؟. لطالما كان هكذا معي.

لكني جاد بخصوص المدرس، هل يعرف أحد ممن يقرأ مدرس خصوصي للرياضيات باقياً بالصيف في الرياض؟ وجيد بالطبع.

أعتقد بأني وجدت مدرساً، صديقي سيد، تخصصه في الحاسب، وقد أخبرته أني أحتاج إلى دروس، وسيبقى هو في الإجازة ما لم يستجد أمر.
لكني لا زلت لا أدري عن ظروفه تماماً.
أنتظر اقتراحاتكم رغم كل شيء، إن كان أحدكم يعرف مدرساً يراجع مع المبدأيات.













جيء اليوم إلي بدكتور لا يتحدث العربية، وهو استرالي، واسمه عربي. وكان فخوراً جداً بنفسه، ورغم أنه كان لطيفاً وودوداً، إلا أنه كان يخلو من التواضع حينما يعدد مؤهلاته ويتحدث عن حياته الأكاديمية بلا مقدمات. لاحظت بأنه لديه لكنة واضحة، غير خليقة بمن لا يتحدث سوا الانقليزية، أو حتى بمن قضى حياته في استراليا كما قال. بالواقع، بدت اللكنة مصرية بشدة. سألته، فعرفت أنه نصف مصري ونصف ايطالي. سألته إن كان لا يتحدث العربية؟ قال بأنه يعبر عن نفسه على نحو أفضل بالانقليزية.
كان ودوداً جداً بالفعل، لكنه كان يتطلب الكثير، الكثير من الإعجاب والذهول!!.







جاء آخر قبل فترة، كندي الجنسية، لكنه من أصول مكسيكية، وكنت أحسب أنه يمكن تمييز ذلك بسهولة، لكنه لم يبدو مكسيكياً حسب تصوري لاؤلائك القوم. كان هادئاً، وطبعه هو الطبع الغربي المعتاد، لكنه كان مهذباً، ولا يمانع تجاذب أطراف الحديث والمواصلة.









محسن، صديق باكستاني، استرالي الجنسية، ويصر على قول أنه استرالي، مما لا يعجب بعض أبناء جلدته ومن ماثلهم من جنوب آسيا. هو دكتور عبقري بمعنى الكلمة ما شاء الله. كنت قد تحدثت منذ زمن طويل عن دعوته لي على العشاء مع والده. للعبقرية سلبيتها أيضاً، إنه مهووس بصحته وصحة أبنائه. أحياناً يكون الأمر غير منطقي، لكن على المرء أن يرضخ، حيث أنه يقلق صدقاً، ويحتاج إلى المساعدة في أحيان كثيرة. لكن، حينما أراه، وأحادثه، أشعر بأن هذا الرجل ذكي إلى درجة لا يبدو معها الأمر حقيقياً، ما شاء الله، وكأنه خدعة، أو شخصية تمثيلية. لديه أنشطة كثيرة جداً من ناحية العلم، وهو لا يكف عن التحرك والتطوير والبحث، ما شاء الله. أتسائل أحياناً ماذا يجد بي ليعتبرني صديقاً، بينما أنا حقاً أكاد أن لا أفهم شيء من أبحاثه التي يحدثني عنها، ويتطلب الأمر شرحاً وتبسيطاً، شبكات، تقنيات، برامج، خروقات...
أتخيل أحياناً لو كنت في نفس ذكائه، لأصبت بالصداع باستمرار، فأنا غير مهيأ لذلك.














بعد جهد جهيد، حللت مشكلة جوالي الذي اشتريته ولم أستمتع به. وهو جوال الاندرويد من سامسونق. سعره رخيص، وتتم ترقيته إلى أحدث نسخة من البرنامج، حيث تكون الأجهزة بهذه النسخة غالية بالعادة. تكلمت عنه سابقاً ووضعت صورته. ذهبت به إلى الوكالة، إلى مهندسهم الذي لا يفقه شيئا. كنت قد جئت قبل ذلك مرتين أو ثلاث بلا نتيجة. لا أدري كيف أصلحوا الجوال، لكنهم حدثوه كذلك، والنسخة الجديدة جعلتني أشعر بأني اشتريت جوالاً جديداً، وليس مجرد تحديث صغير أو تافه. الجوال رخيص الآن، أعتقد أن اكسترا عرضه قبل فترة بـ1000 ريال. هذا ثمن بخس جداً لهاتف ذكي، بنظام تشغيل اندرويد قابل للترقية، بجي بي اس(محدد مواقع وخريطة) وكل الملحقات المألوفة. وهو عربي بالكامل كذلك، وهذا شيء نادر حتى الآن في جوالات اندرويد عموماً. هو الآن حسبما سمعت معروض بسعر أرخص من ألف حتى في بعض المحلات.


بعد التحديث، صار الجهاز أسرع، والشاشة أنقى على ما أعتقد، الاستجابة رائعة لللمس، والكاميرا صارت أكثر تطوراً ويمكن التحكم بإمكانياتها، وهذا من أهم الأشياء. أما الخرائط، فقد طبقوا فيها الآن تحديث المدونة المصغرة google buzz بحيث يظهر موقع المرء ويمكنه ارفاق صورة يصورها من موقعه، وقد فعلتها ويمكنكم رؤيتها في البروفايل، الموجود رابطه أسفل صورتي الرمزية أعلى المدونة. شيء مذهل، وهو يظهر الآخرين من أصحاب نفس التقنية على الخريطة حولك.













حينما ذهبت قبل أسبوعين مع ابن أختي إلى المستشفى، حيث تقررت له عملية في أنفه، لم أتوقع أننا سنخرج في نفس اليوم، وفي وقت مبكر جداً. ذهبنا في الصباح إلى مستشفى الحبيب، وبقينا حتى الظهر إلى أن أخذوه إلى العملية. عاد بعد حوالي ساعتين، وهو يتكلم لكن ليس باتزان، إذ كان تحت تأثير المخدر. لم يقوى على النوم لسيلان الدم من أنفه وحاجته للتجفيف باستمرار، بالإضافة إلى الجوع والعطش والدوار. قيل لنا أن الطبيب، وهو سعودي، سيأتي ويعطينا الخروج اليوم. طال الانتظار. فجأة ولجت الممرضة وقالت بأن الطبيب سيدخل، كان يمر على الكثير من المرضى على ما يبدو، إذ كان مستعجلاً. دخل فجئة، ولما رآني أجفل وكاد أن يعود أدراجه!. إلا أنه توقف، ونظر إلي، ثم ألقى السلام. دخل وفحص حبيبي ناصر، شارحاً لي ما قاموا به بالعملية، ومجيباً على أسئلتي. كان ينظر إلي بطريقة غريبة بين الحين والآخر، وأنا كنت أنظر إليه، أبحث عن صورة ريال على جبهته، وهو كل ما يمكن للدكاترة ورجال الأعمال السعوديين التفكير فيه، فأنت قد ترى على رؤوس بعض الناس أثر السجود، لكن على هؤلاء ترى ريالاً على الأغلب. قال وهو يشرح: قمنا بأقصى ما نستطيع لإصلاح المشكلة، ولكن بتحفظ، ويمكن عمل عملية أخرى حينما يكبر قليلاً، حينما يكون في عمرك(!!)
أنا: في عمري؟!.
هو: نعم، في عمرك.
فكرت وأنا أكاد أن أضحك:”والله يا هو بيمل وهو ينتظر أجل”.

بقي قليلاً يتحدث. ثم أعاد نفس العبارة، أنه سيمكن إعادة العملية حينما يكبر قليلاً ويكون بعمري. تكراره لحكاية عمري جعلني أفكر أنه يسخر. وما علاقة عمري؟ يمكنه تحديد العمر فقط. قالت أختي بأنه ربما يحسبني أخ ناصر الكبير.
قال بأننا سنخرج حالماً يأكل ناصر شيئاً. وجائت الممرضة بالفعل بالأوراق والتقرير ووصفات الأدوية. أكل ناصر، بشهية مقبولة نظراً للظروف. خرجنا. كنت قد وعدته أننا سنأكل في مكدانلدز حينما نخرج. كنت أحسب أننا سنخرج غداً، لكننا ذهبناً إلى المطعم على أي حال، وتناولنا وجبة.


كان الدم المتخثر يظهر من أنفه المنتفخ. شعرت بشفقة شديدة عليه. بالواقع، يحظى هو وبضعة أطفال بشفقتي على نحو يؤلمني.














رغم أن جوالي يعجبني كثيراً، إلا أن هناك جوال جديد، أشك بأننا سنراه في أسواقنا. هو من موتورولا، التي أصدرت باستخدام نظام الأندرويد عدة أجهزة رائعة، بعضها ملائم جداً لذوقي. لدينا هاتف واحد منها بالسوق، ولا أدري إن كان يدعم اللغة العربية، لكني لا أهتم لأني لن أشتريه فهو مرتفع السعر، والنسخة التي لدينا ليست جميلة، وأصلاً ليس من الفئة التي أحب. أما ما أتحدث عنه الآن فهو مميز ومختلف. هذا رابط فيديو عنه:
http://www.youtube.com/watch?v=9DOu38DvjwY

أشعر بأنه مصنوع لأجلي.













وصلتني رسالة بريدية من صاحب مدونة كنت أتابعها وأرد فيها على وقت مدونتي الأولى، أي قبل وقت طويل. من وقت إلى آخر، خصوصاً في الفترة الأخيرة، يرسل إلي ضمن قائمة لديه عن مقالاته الجديدة. هو رجل قطري، كان يعجبني أكثر.
المهم أني وجدت رسالته هذه المرة في قسم الرسائل المزعجة في بريدي الجيميل، وكأن البريد يعرف أن رسالته هذه المرة مختلفة. كان يعمل دعاية لقصيدته الأخيرة، ويصفها بالايروسية، يقصد الجنسية أو الموحية بالجنس. وقد كتب بقلق واضح أنه لا يريد أحكاماً، إنما يريد تفهما و..وعياً!.
دخلت، قرأت القصيدة النبطية الصغيرة. موحية إلى حد مثير للإشمئزاز، خالية من المشاعر غير الجنسية.
تداخل الناس، بعضهم جاد وبعضهم مازح. وكنت لا أنوي الرد، فكرت بأنه سيسمع مثل وجهة نظري من شخص آخر. لكن تغير الأمر حينما كتب شخص رؤية بريئة جداً للقصيدة، وبحسن نية، مما جعل القصيدة أمر مضحك جداً في رأيي. قررت أن أرد، مزحت وانتقدت. لم أستطع إلا لفت النظر إلى السخرية المضحكة في الأمر. القصيدة تدور باختصار حول أن الشاعر يشبه حبيبته بالمهرة أو الفرس، وهو يداعبها ويستثيرها، ثم يضاجعها. بعد الرؤية البريئة لذلك المعلق، حيث تخيل أن الشاعر بالفعل يتغزل ببراءة بمهرة، لم أتمالك نفسي، ضحكت كثيراً، وقررت الرد والمزاح، وتبيان وجهة نظري. أشرت إلى وجهة النظر البريئة، وقلت بأن المهرة التي تقع يد الشاعر عليها مسكينة، وأني أرجو أن يحرقوها بعد ذلك (في إشارة إلى الحكم الشرعي) وضحكت. ثم أوضحت وجهة نظري حول الأمر، وكون القصيدة مثيرة للاشمئزاز. وتسائلت كيف للمرء أن يمتدح شيء وهو مشبوه هكذا، حتى لو كان متقناً (ولا أعتقد أن القصيدة متقنة فعلاً حسب رأيي).



مع ذلك، بدا من الواضح أن مزاحي، دوناً عن مزاح غيري، لم يعجبه، ورأيي كذلك. حيث قلت أنها مثيرة للاشمئزاز، وتحدثت عن الأمر.
رد يتساءل إن كانت "مثيرة للاشمئزاز" هي التعبير الصحيح؟
رددت بأني أعدت القراءة لأعيد النظر، لكني لا أجد أفضل من هذا الوصف، مع تقديري الصادق له.
رد بأنه لا يريد أن يثنيني عن رأيي، لكنه يستغرب من يشمئز من الجنس، واقترح أني ربما أردت أن أقول أنها مثيرة لقلة الأدب وأشياء من هذا القبيل (وجهن وسيع)
رددت بأنه لا يعني وجود الغريزة أو الضرورة أنها لن تكون أمر مثير للإشمئزاز حينما تعرض بطريقة معينة، كما يثير اشمئزازنا الشره في الأكل. وأوضحت أن الجنس مقبول ذكره في الأدب ضمن سياقات معينة.
طلب أمثلة على هذه السياقات، مما أثار تعجبي. رجحت أنه يمط النقاش، ويخرج من نقطة إلى أخرى، ليبحث عن طريقة لاستنزافي والتلاعب بأفكاري، وربما تضييع رأيي وتمييعه، وإفقاده صلابته. وهذا أسلوب خسيس حقاً، كان يستخدمه شخص كان صديق لي، ولم يعد، وتعلمت من التعامل معه أن لا أنجر إلى مثل هذه النقاشات غير المجدية، والخبيثة. وبالواقع، كان هذا الشخص، صديقي قديماً هو من كرهني بالنقاش مع غالبية الناس، فصرت محدداً بشروط معينة بالشخص الذي أناقشه.
رددت بأني لا أعتقد أن وجهة نظري غير واضحة، أو أنه لم يفهمني. ولا يحتاج الأمر إلى جدل بيزنطي. قلتها بصراحة، ليفهمني منذ البداية، ويعرف طريقتي بالتفكير، ورؤيتي له ولمحاولته.
وأخبرته بأنه يمكنه معرفة المقبول بالفطرة، واقترحت عليه إعادة قراءة ردي السابق، قبل النقطة التي اقتبسها وهو يحاول تغيير نقطة الجدل، ليستوعب الأمر.
ثم شرحت بأن للتصريح والتلميح حدود يكون الأمر عندها مقبولاً في رأيي.
ثم أخبرته بأني غير متحمس لجلب أمثلة لأمر يعبر بالمرء كثيراً، لأن قصدي واضح.
ثم أخبرته بوجهة نظري حول الجدل، وطرح الأمثلة لأناس يمكنهم البحث بأنفسهم، لو حرك الأمر فيهم ساكناً، أما إقناعهم فلا يهمني.
رد بأنه لا يمكن أن نحتج على الآخرين بالفطرة والسليقة، في أمور إشكالية كهذه( قصيدته كلها موحية، وليس لها أي مغزى آخر!!)
ثم أضاف بطريقة، سبحان الله، مثل ذلك الشخص الذي ذكرته أعلاه، بأنه طالما أريد إنهاء النقاش بالطريقة الملائمة لقناعتي، فهو يقول بأني صح وأنه خطأ، ووضع ابتسامة.
رددت قائلا بأنه يبدو وكأنه يجعل الفطرة والسليقة هي الأمور الإشكالية الآن. وقلت بأنه أمر متوقع منه بعد كتابة ما كتب. أما أنا فهذه الأمور ثابتة بالنسبة إلي ومقياسية.
أضفت محذراً إياه من الاعتقاد بأنه يكافئني بسخريته حينما يقول بأني الصح، وأني أعتبر هذا ثقة زائدة بالنفس. لأني لم أنتظر اقتناعه أو موافقته.
ثم أخبرته بأني أريد انهاء الحوار غير المثمر بوضوح، ولا علاقة للأمر بملائمته لقناعتي أو قناعته.
رد بسوقية: سعد الله يلعن شكلك. ثم وضع ابتسامة.
وقال: وش أسوي لك.
استغربت لماذا لم يقل: شنو اسوي لك؟ أو شسويلك؟ أو شيء من هذا القبيل.
ثم قال بأنه الصح وأنا الخطأ. مضيفاً ابتسامة أخرى.
لم يعد لي رد بالموضوع، ففضلاً عن أني قلت كل ما أريد قوله، انحدر النقاش كما كانت القصيدة منحدرة.



لا أعتقد أنه من اللائق أن أضع الرابط، فأنا أعلم بأن أغلب القراء من الإناث، وهذه القصيدة خادشة للحياء جداً. كما أني لا أريد أن يصل الناس إلى مدونته من خلال مدونتي. بالإضافة إلى عرضه الآن لتلك الرسمة الأثرية الفاضحة.

إذ وصلني قبل قليل رابط لموضوع آخر منه، يتحدث حول الجنس في الأدب، وفي موروثنا الشعبي (هو قطري بالنهاية، وعلى الأغلب أنهم أصبحوا قطريين في العقود المتأخرة). وضع في الأعلى صورة لرسمة ذكرتني بالرسومات الفارسية، ولكني لم أدقق، فهي تعرض مشهد جنسي صريح لمجموعة من الناس. لم
أقرأ ما يريد قوله، فكرت بأنه ربما سيفيد نفسه فقط، ربما يريد أن يقنع نفسه قبل الآخرين، أو يبرر الأمر، أو يعرض أنه مثقف. ولم يستهويني الموضوع، ولو فكرت بقراءة شيء عن هذا الأمر، لاطلعت على كتابة شخص عقله أكثر رجوحاً. ومما أثار اهتمامي، أنه كتب هذه المرة تحذير بالأحمر بأن الموضوع لمن يبلغون 18 عاماً فما فوق، وأن من يقرأه هو مسئول عن ذلك. العجيب أن التحذير أتى بعد الصورة المخلة، مما وجدته تصرف غبي فعلاً. كما أن الصورة أصلاً تطالع المرء منذ أن يدخل الموقع، بحكم أن هذه آخر تدوينة كتبها.


لكني رأيت أنه في النهاية أضاف إرشادات. إرشادات يتحدث فيها عن شروط رواية مثل هذه القصص فيما يبدو لي. لكن حسب رأيي، هو فقد التوافق مع هذه الشروط حينما كتب تلك القصيدة، وبدا فرحاً بها. الشروط تتعلق برواية القصص، فهو مثلاً يقول بأن من سيروي القصص في مجلس يجب أن يعرف عنه الاستقامة والرجاحة حسبما فهمت، حتى لا يتهم بالسفاهة وضيق الأفق. لدي ملاحظات حول إرشاداته، التي يمكن اعتباراها موضوعاً مستقلاً، حيث لم أقرأ بقية الموضوع. لكني لا أعتقد أني سأقول ملاحظاتي له.
هو رغم كل شيء حتى يكتب باسمه الحقيقي، وهو ليس برجل صغير بالعمر حسب معرفتي.





أعتقد أنه من الخليجيين المرفهين أكثر من اللازم. حينما أخبرت أختي بأمره، قالت بأنه على الأغلب يريد أن يركب الموجة الرديئة التي يركبها الأدباء الآن، حتى يعتبر منهم.
أقصر طريق بالتأكيد، في هذا الزمن المسف.














جاء دكتور سعودي كبير بالسن قبل فترة، واصطنع أزمة مع عمادتنا، وكان قليل أدب ومتكبر فوق الحد. عمره كبير، وهذا الجيل القديم من الدكاترة السعوديين هو الجيل الأدهى، وليس الأمر أن الجيل الجديد أفضل، لكنهم يزدادون عفونة مع الوقت. طبعاً، ليس الجميع هكذا، لكنها الغالبية العظمى.


أما المسرحية التي أداها أمامنا، فكانت مبتذلة إلى درجة تنأى عنها الأفلام المصرية.


هو متقاعد على ما يبدو، ولكنه لديه عقد تعاون. ومشكلته أن آخر شهر، وهو بعد نهاية  العقد، لم يصرف له. وهو الشهر الذي قضاه في امتحان طلابه. كان يرفع صوته على المدير العام بوقاحة عجيبة، وهو يجادله باستحقاقه، وهو أمر لم ينفه المدير العام، لأنه ببساطة لا علاقة له بتقرير إن كان يستحق أو لا يستحق، فهذا أمر يأتي من جهة أخرى. وحاول إفهامه بأدب، ولكن الرجل الغبي رفض أن يفهم، وصار يهدد، بابتذال شديد، أنه سيذهب إلى حقوق الإنسان (!!). وعرفت بأن هذا الدكتور قد قل أدبه أيضاً على مدير إدارة لدينا، معروف بتهذيبه وتعاونه، رافضاً الفهم أننا جهة تنفيذية لا علاقة لها إلا بما هو مكتوب بالورق من عقود، والسجلات التأريخية في الحاسب. فكرت وأنا أتابع الأمر، إذا كنت أساعد رجل أفريقي لم يتسلم مستحقاته قبل إجازته، من أين لهم بالصبر؟ سبحان الله. (ولمن يتساءل، تبين أن الأفريقي لم يستلم ماله لأن كليته أخطأت بتحديد شهور إجازته، وقد ساعدته إدارتنا كثيراً).
تهديدات الدكتور الشائخ، وأسلوبه المتلهف المتهافت الصبياني، وأخذه الناس بالصوت، جعلاني أشعر بنفور شديد منه.
وعموماً، هذه ليست أول مرة أرى فيها موقف شبيه من دكتور سعودي معمر. فهم أول من أفسدهم المجتمع بإعطائهم أكبر من حجمهم، ولأطول مدة، منطقياً.
هؤلاء المومياوات الحية، إن مصر جديرة بهم أكثر منا، يمكننا أن نصدرهم لها لتعرضهم في المتاحف، وسيفرح زاهي حواس جداً. لو أتولى أمر إرسالهم، لأرفقت رسالة معهم تقول: عرض المومياوات ميتة أفضل. وربطتها مع ساطور.
المدير العام، وهو شخص يعاملني بلطف دائما، وجدت أني لأول مرة أشعر بإعجاب حقيقي به. صحيح أني لم أكن لأختار نفس الموقف الذي اتخذه، إلا أني قدرت صبره وقدرته على اتخاذ الموقف.
هو عموماً رجل لا أعرفه جيداً، وأجد لطفه معي محيراً ومربكاً، في حين أني أسمع أنه شخص قاس ويميل إلى تصعيب الأمور.














بعد مراسلتي للدكتور الألماني لأخذ مشورته بخصوص الأمر الأكاديمي، وبعدما رد باهتمام، رأيته مصادفة في وقت آخر. قال بأننا يجب أن نلتقي، لنناقش مستقبلي. لم يكفي أنه رد، إنه يريد أن يتابع الأمر، ويتكلم فيه أكثر، إنه مختلف، ورائع. اتفقنا على اللقاء يوم الخميس.


في يوم الخميس، ذهبت إلى حيث اتفقنا، ولكني كنت مبكراً جداً. اتصلت به، فأخبرني أنه قد يتأخر عن الموعد المحدد أصلاً. اقترحت أن آخذه بالسيارة، فأنا أعرف منزله، وهو قريب من حيث اتفقنا على اللقاء. كنت قد رتبت أموري، فمكيف سيارتي لا يعمل، وأنا أستطيع التحمل، لكن لا أتصور أنه سيعيش في هذه الحرارة بلا تكييف، فأخذت سيارة أخي تحسباً لظرف يجعله يركب معي (فضلاً عن أنها أنظف من الداخل، حيث ملأت سيارتي بقوارير الماء الفارغة).
حينما ركب السيارة، اقترح أن نذهب إلى مقهى آخر يعجبه. امتدح قبعتي، وهي حمراء مخططة. ضحكت، وأخبرته بأنها مضحكة بالواقع في أعين الآخرين. قال بأنها رائعة، وكأنني في إجازة (يقصد سائح ربما). كان المقهى قريباً، وكان يسمى بارنيز بالسابق، والآن يسمى روما. دخلنا، واختار مكاناً، وجلسنا. بالعادة يكون اختيار المكان أمر متعب، غالباً ما يُطلب مني اختيار المكان، فلا أحد يأخذ الموضوع ببساطة وعفوية، وغالباً ما يرفض الشخص الآخر اختيار المكان. كان الأمر مريحاً هكذا. حينما رأى ساعتي (الاسطوانتين)، لمسها وضحك. سألني إن كانت معي منذ زمن؟ قلت نعم. قال بأني مجنون، أحب هذه الأشياء.


تحدثنا حول الكثير من الأشياء. هل لم أستمتع من قبل بمحادثة أحد؟ هل لم تدخل السعادة إلى قلبي منذ أن ولدت، حتى ذلك اليوم؟. شعرت بأن وحدتي تبددت، تراجعت كسبع مُهدد، إلى حيث لا أراها. وما أكثر من جالستهم، أو حتى صادقتهم، ولم أشعر بهذا الشعور، ولكني شعرت به في تلك اللحظة، مع علمي بأن شعوري هذا قد لا يكون لا يكون إلا لحظياً، قد لا يتكرر أبداً، لأن الرجل قد لا يكون هكذا مرة أخرى، أو قد لا يريد أن يراني هكذا مرة أخرى.
كان مهتماً، أكثر من أي وقت مضى، بمعرفتي. فوجئت، أنا كنت أتخيل بأن المسألة خيرية، أنه متعاطف فقط، لا يريد أن يخيب ظني، لا أكثر. ابدى تعاطفاً مع ظروف حياتي، وابدا اهتماماً لم أره من أحد من قبل، ليس بهذا الصفاء والتركيز بكل تأكيد، إن كنت رأيته أصلاً.
شعرت وكأني صورة منسية في صندوق، لونها حائل، ويغطيها الغبار. نفض الغبار عني، ونظر إلي أحد أخيراً. منذ أن أُخذت الصورة لم ينظر إليها أحد.
حدثني عن الحياة التي يعرفها، عن بيئته في ألمانيا، وبيوته في إيطاليا ومصر. علمني عن معرفة كيف يعيش المرء، وأين توجد هذه المعرفة.
حدثني عن أبناءه، وأحفاده، وأراني بعض صورهم، ورأى صور أبناء إخوتي المفضلين، وبعض إخواني. قال سعيداً بأن تعليقاتي حكيمة، فيما أستشفيته من وجه شخص أراني صورته.


سألني عن عائلتي، وأخبرته الكثير. كان مهتماً جداً بأمر أمي وابنة أختي، لعلمه بأننا ذهبنا للهند لعلاجهن. عرض أن يرسل تقاريرهن إلى أخته، وهي طبيبة بتخصص خاص.


تحدثنا عن الكتابة، هو يكتب أشياء مجدية، ليس مثلي.




قال بأنه يحب الترحال، والتغيير، والبقاء في أماكن مختلفة باختلاف الفصول. هذه عادة ارستقراطية، حينما يكون للناس أماكن مختلفة حسب الفصول. سألته عن أفضل مكان رآه، وهو كثير السفر، لكنه قال بأن الأماكن متنوعة وكثيرة، يوجد المدن والقرى والغابات. غيرت سؤالي، ما أفضل مكان يشعر فيه بأنه بحال أفضل؟ هكذا أصبح السؤال معقولاً. قال بأنه يحب ايطاليا واليونان، ولكنه يحب مكان في النرويج كذلك. وأخبرني بأسبابه. سألني أنا؛ أين أحب أن أعيش؟. بالعادة، أنا أسأل، لكني لا أُسأل. قلت بأني أود لو انتقلت إلى المدينة المنورة لآخذ أمي وأبي ليعيشوا هناك، لأنهم يحبون المكان هناك، أو مكة. أخبرته بأني حاولت بالفعل الانتقال إلى المدينة، جامعة طيبة، لأجلهم، لكن لم يأتني رداً. قال بأنه يحب المدن، الحياة فيها أصخب وأكثر حيوية. قلت بأني أحب الأماكن الأكثر هدوءاً. ردد؛ الأكثر هدوءاً؟ أنا: نعم، الأكثر هدوءاً. تأملني قليلاً، ثم ضحك بهدوء ملتفتاً إلى اتجاه آخر. سألته باسماً لماذا يضحك؟ حسبت أني قلت شيئاً مضحكاً دون قصد. لكنه قال بأن بأن كلمة الأكثر هدوءا أعجبته، أن طريقتي بقولها جميلة.




أريته الجوال، حينما سأل إن كان آي فون، وشرحت له الكثير عنه، وقد ذهل. وذهل أكثر بالسعر. جعلته يكتب به اسم مركز طبي، فكرت بأنه يود لو جرب. فمن الواضح أنه لا يجرب هذه الأشياء، ليس لديه الوقت بالعادة.



أخبرته أني أكتب في مدونة. قال بأنه يود لو قرأها، أخبرته بأنها بالعربية، وهي تحوي نصوص طويلة جداً، لكن لو قرأها، لوجد الكثير عن نفسه.



حينما وصل الحساب، سحب محفظة الفاتورة إليه، حتى يدفع. سألته كم القيمة، فلم يخبرني، قائلاً بأنه هو من سيدفع. قلت بأننا يمكننا أن ندفع معاً، لكنه رفض، قائلاً بأنه لن يدعني أدفع. كان حازماً، ويتصرف بثقة، بطريقة تجعلك تعلم بأنه لا يتوقع نقاشاً، أو تغييراً، هكذا ببساطة.



أخبرني الدكتور الألماني العزيز عن مسرحية، تشارك فيها ابنته بالبطولة. ورغم أن موضوعها غير مقبول، حول ملكة سبأ، إلا أني ضحكت كثيراً. هي مسرحية كوميدية خفيفة. كان وصفه لها مضحك إلى أقصى حد.


سألني عن أسفاري، أين ذهبت من قبل؟ وإن كنت قد ذهبت إلى أوروبا؟ قلت بأني لم أذهب إلى أوروبا.
قال متفكراً، ونحن نتحدث عن الأماكن السياحية في أوروبا، قال أنه يجب أن يأخذني إلى ميونيخ، وهي المدينة التي ينتمي إليها. قال هذا حينما حادثته لأول مرة، حينما تعرفت عليه بالمصعد. قال في ذلك الحين أنه يجب ان يحضروني إلى هناك، وكانت مجاملة واضحة، بعدما سألني إن كنت قد ذهبت إلى المانيا، حينما استطعت تحديد موقع منطقته، بفاريا. كنت رأيته قبل ذلك بالطبع وحادثته، لكنه كان العمل.
شعوره اللطيف، وتفكره بالأمر، تقليبه بذهنه، وإن لم يكن ممكناً أبداً، أمر أثر بي كثيراً.




قال باسماً بأنه يريد أن يصير جدي. أخبرته، باسماً بدوري، أنه ليس كبير إلى هذا الحد. كان قوله هذا هو ألطف ما سمعت في حياتي كلها. تأثرت كثيراً...
أمور بسيطة، قلتها للآخرين كثيراً، لكن لم يتعب أحد نفسه... لم يتعب أحد نفسه...



أخبرني بأنه مهتم بأمري كثيراً، مهتم بتطويري وجعلي أفضل، لأجل فلسفتي، وحساسيتي، ونظرتي للأمور، وطيبتي، يريدني أن أجعل من العالم أفضل.



خرجنا، أوصلته إلى منزله القريب جداً. الآن، لن أراه حتى يعود من إجازته، إن أحياناً الله حتى ذلك الحين.

امتد تأثير رؤيته طويلاً.


لم أشعر بالسعادة من قبل.













أمس في برقر كنق، بعدما جلست لأشرب الكولا، وفطيرة التفاح في الصينية، وجريدة الشرق الأوسط مفرودة أمامي، جائت إلي قطة تجري، داخل المطعم!!. كان أحد العاملين يطاردها. أخبرته أن يتركها تجد طريقها فهي خائفة. لكنها صعدت على العارضة القصيرة إلى جانبي، حيث أترك أغراضي بالعادة وكنت قد وضعت كأس الكولا المكشوف عليها، وحاولت الخروج غير مستوعبة أن الزجاجة حاجز. خافت، وضربت كأس الكولا، ساكبة إياه علي، وعلى جريدتي، وفطيرتي، وموقعة قارورة مياهي. ابتعدت ضاحكاً، بعدما رشقني الكولا. وضحك الجميع. لم يكن هناك زبون غيري. ورغم فتح الباب، إلا أنها لم تستدل عليه، وظلت تحاول الخروج من النوافذ، ساعدتهم، لكن بلا جدوى. اتجهت إلى المطبخ، فاستنفروا جهودهم. ثم هربت القطة إلى قسم العائلات، ولم يكن هناك أحد على ما يبدو. أخذت عملية طردها وقت طويل. أستبدلوا لي الكولا والفطيرة، وأصر مديرهم على استبدال قارورة الماء، رغم أني أخبرته بأن هذا غير ضروري، حيث لم أشترها منهم، لكن كان مصراً على استبدالهم بقارورة جديدة. لحسن الحظ، يستخدمون هم أيضاً مياه أروى كذلك أخذ حافظة القارورة لغسلها بالداخل. لكني رفضت شاكراً.
يبدو أن أحد الزبائن ترك باب قسم العوائل مفتوحاً كالعادة. بعض الناس غير مسئولين.








في الأسبوع الفائت، ذهبت إلى الجامعة الأهلية حيث سأسجل لدراسة الماجستير إن شاء الله. طبعاً راجعتهم كثيراً قبل ذلك، لترتيب إجراءات دخولي للإمتحان. واستغرق الترتيب كثيراً، وضاعت علي فرصة الامتحان في أول يوم، لأنه لم يتم توضيح الأمور لي بالشكل الكافي. لكن لا بأس، أتحمل جزء من الخطأ إذ لم أقرأ استمارة التسجيل كاملة، رغم أنه لم يقل لي أنها ضرورية أصلاً في هذه المرحلة. انتظرت أسبوع حتى موعد الفرصة الثانية. وكان الترتيب متعباً. شئون الطلاب لديهم تتكون من رجل أجنبي، أعتقد أنه أردني، وهو مديرهم. تعامله ممتاز، ويهتم حقاً بالمساعدة، سوا أنه لا علاقة له بالماجستير. بينما الموظفين الذين يستقبلون الناس ويجيبون عن استفساراتهم هم عبارة عن طلاب الجامعة نفسها، أعتقد أنها توظفهم بدوام جزئي. متعاونين جداً، ويريدون المساعدة إلى أقصى حد يمكن للمرء أن يتخيله، لكنهم لا يعرفون كل شيء، رغم معرفتهم الجيدة. وقد كان أحدهم هو من فاته إيضاح الأمور لي بشكل دقيق في البداية.


كان كل شيء يتعلق بالمسئول عن الماجستير. وهو رجل سوري يلبس ثوباً وشماغاً (الشال الأحمر على رأس الرجال). وهو بدون قصد يصعب الأمور كثيراً علي. فهو لا يحضر مبكراً، ويختفي من مكتبه كثيراً، أو حتى يرفض فتح الباب ويصمت (لأنه يدخن ويخاف من مدير الجامعة). لكني بالنهاية، تمكنت من رصده، وتسيير أموري بالكاد. أعطاني نصيحة قيمة، وجزاه الله خيراً. أتمنى أن أستطيع تطبيقها. لكن يا الله، كم تمنيت أن أغتاله حينما أجده في الأيام التي يختفي بها!!.




دخلت الامتحان. وقد مللت بالبداية لطول الشرح والتوضيح. الجهة التي تقوم باختبار المتقدمين هي معهد خارجي متعاقد مع الجامعة. ولم ألمهم على إعادة شرح الأمور مرتين، كل مرة في لغة، لكني ألومهم بأن الإنتظار طال قليلاً. كان الاختبار الكتابي يدور حول القراءة والاستماع والكتابة. في أول جزء، الكتابة، طلب منا الكتابة عن موضوع من موضوعين. اخترت: ماذا ترى نفسك بعد 5 أو 10 سنوات؟ كتبت الكثير من الهذر، ولكني كنت صادقاً. حكيت عن أن هذه المدة عبارة عن عمر. حكيت عن خططي البسيطة، وأن دراستي للماجستير ، إذا ما كنت محظوظاً وقبلت، سترضيني للفترة، لأني سأشعر بأني أقوم بشيء مفيد على المدى الطويل. وحكيت عن خطط أخرى. ثم أضفت تساؤلات عما سيكون؟ هل سأكون متزوجاً من امرأة طيبة ولدي أطفال؟ هل سأحقق أهدافي العملية؟ يجب أن أسرع بالإنجاز، إذ لم أعد صغيراً. هكذا كتبت.
كان قريباً مني شاب صغير، يبدو كصبي بالمتوسطة، وكان يخرج جهاز البلاكبيري في الامتحان وينحني، ويطقق كاتباً، وكان صوت الكتابة مستفزاً، وفعله المستهتر مستفزاً.
أدينا اختبار الاستماع، والقراءة. في آخر اختبار، قيل بأن الوقت انتهى. كان قد بقي 5 فقرات لم أجبها، إذ أني أخذت وقتي ببساطة. أجبتها كيفما بدا صحيحاً دون تأكد. وقد كنت واثقاً بأني أخطأت بشيء لا أدري ما هو. شعرت بأنه ما كان يجب أن أخطئ لو لم ينتهي الوقت. لكن ما حدث هو أنهم تركوا الكثير من الممتحنين دون سحب أوراقهم. ما كان علي أن أصدقهم حينما قالوا انتهى.
خرجنا للاستراحة التي وعدونا بها، لمدة 15 دقيقة. تفرق الناس. كان الكل يتقدم للبكالوريوس فيما عداي. نزلت ووجدت أختي أرسلت تسأل عن أدائي. كلمتها وأخبرتها بأني أنتظر الجزء الثاني من الاختبار. اتصلت بالمدير، وشرحت له أني سأتأخر أكثر من المتوقع. لم يكن لديه مانع. دعا الله لي. اشتريت... قهوة!! لا أشرب القهوة بالعادة، ولكني كنت ناعساً، بينما المكينة لا تبيع الشاي، الذي لا أشربه بالعادة أيضاً، ولكني أفضله في مثل هذه الحالات(التي كثرت مؤخراً). اشتريت قهوة بالفانيلا (طبعاً، يجب توقع أن اختار ما يحوي الفانيلا حينما أجده). فوجئت بأنها لذيذة جداً!!. قد يبدو هذا سخيفاً، ولكنها كانت تجربة غير عادية، وضخمة، ومرعبة، أن أجد قهوة لذيذة حقاً. صعدت لأعلى، إذ شككت بكتابتي لرقم جوالي. وجدت المسئول من المعهد، وكان مضطرباً، ويبدو عليه الوجوم، وهو يبحث في الأوراق. هو اجنبي ولا يتحدث العربية. استأذنته بأن أتأكد من رقمي على الكشف. أذن. ثم طلب مني مساعدته، إذ أن أحد الطلاب لم يسلم الورقة الأخيرة، وربما خرج بها. وهو لا يستطيع إيجاده بسبب كتابة البعض لأسمائهم بالعربية، أو عدم وضوح خطهم. جلست على الكرسي، أخذت القائمة والأوراق. وجدت الجميع، فحددت المجرم!!. خرجت أسأل إذا ما كان موجوداً. لكنه ابتعد. جيء به لاحقاً، وقد كنت أمام غرفة يجمعون بها أوراق، وطلب مني أن أترجم بينه وبين موظف المعهد. اكتشفنا بأن الرجل الطيب قد وضع الورقة في الملف البلاستيكي، حيث لا يجب أن توضع، ووجدها الموظف. شكروني كثيراً، أهل المعهد، على المساعدة.
لا أدري كيف علم أحدهم، وهو رجل أسود ضخم أمريكي؛ سألني إن كنت أنا المتقدم للماجستير؟ أجبت بأني هو. طلب مني البقاء في مكاني وعدم التحرك، إذ سيعود إلي. عاد لاحقاً، ودخل مع الموظف السابق، وطلبوني للدخول لامتحان المقابلة، وهو امتحان شفهي، مقابلة. كنت الأول، ربما لأني طالب الماجستير، أو لأني ساعدتهم. دخلت. طلب مني أن أتحدث بأكثر ما أستطيع. وهذا أمر كان يطلب منا كطلاب في الكلية، لتقييمنا جيداً، إلا أني مترجم منذ 4 سنوات. كما أني لا أحب الأسئلة التعبيرية المبهمة. تحدثت بالقدر الذي أريده، بقدر ما استطيع من ارتياح، مما يعني أني لم أتكلم كثيراً. لم تطل المقابلة، خرجت إلى العمل.


في يوم لاحق، قررت الاتصال للسؤال عن النتيجة، إذ تأخروا في إرسالها كما وعدوا. رد علي شخص، حسبته تكلم بالعربية، ثم بدا أنه لا يفهم ما اقول، فسألته بالانقليزية إن كان لا يتحدث العربية؟ قال بأنه يتحدثها وضحك. كان يتكلم بالانقليزية بلهجة أمريكية، في حين أننا كلنا عرب. لم يعجبني هذا التأمرك. لكني سأتوقع الكثير منه في هذه الجامعة المثيرة للجدل، والتي تعجبني جوانب كثيرة فيها.


قيل لي بأني نلت درجة ثمانية في التقيميين. اتصلت حتى استطعت اصطياد الموظف السوري، الذي فوجئ بأني أعرف تحويلته على ما يبدو. كان قد أخبرني بأنهم يقبلون في البرنامج من يحصل على ستة ونصف على الأقل. هذا للماجستير فقط، أعتقد أنه يقبلون الكل في البكالوريوس لكنهم يضعونهم في مستويات مختلفة. سألته حصلت على ثمانية من كم؟ من عشرة؟ قال مستغرباً: لا، ثمانية من ثمانية. توقعت أن الدرجة الكاملة عشرة، لكن الحمد لله أنها ثمانية. كنت أفكر بالخمس فقرات الأخيرة، وهي جزء من 50 فقرة. أخبرني بأن ما سيحدد قبولي الآن، بعد نجاحي في الامتحان، هو  المقابلة الشخصية بعد العيد. لم أتوقع هذا، لكن سأصبر وأرى. عسى الله أن يوفقني.

كان غالبية الطلاب لا يرتدون الثوب، وبالواقع، حتى الطلاب الآخرين هناك لا يتردون الثوب عموماً. لم يعجبني الأمر. دائماً ما أنظر إليه بأسى. لا خلاف لدي على التغيير من وقت إلى آخر، لكن ما يجري هو أن أبنائنا صاروا ينفرون من الثوب.
سأناقش إن شاء الله هذه المسألة لاحقاً.












قرأت مقال جميل من كل النواحي. قرأت للكاتب مقال واحد في السابق، وكان جميلاً بنفس القدر. الكاتب هو زياد بن عبدالله الدريس، سفير المملكة لدى منظمة اليونيسكو.
فرحت حينما رأيت صورته، فأنا أحب أخباره. عمله مثير للاهتمام، وهو مثير للاهتمام من خلال قراءتي له وعنه.
إنه يكتب بطريقة عفوية، ذكية، وممتعة جداً. لا يفتعل أو يتصنع أو يلتوي ويتحذلق مثل بقية الكتاب العرب في ما قرأت له. لو كنت معلماً، لاستخدمت هذه الكتابات كنموذج للكتابات العصرية الأنيقة والممتعة.
لكني كثيراً ما تسائلت وفكرت، ما الذي جعله يختلف؟ ما هي تجربته التي صاغته على هذا النحو، ككاتب على الأقل؟. هل يتعلق الأمر في مكان معيشته؟ باريس؟بالإضافة إلى إرادته. لكن الامور ليست هكذا، ولنا مثال بخالد القشطيني وكتاباته السخيفة برأيي، وهمزه ولمزه المثير للغثيان. أو الآخر سمير عطا الله، وهو يعيش في باريس، بكتاباته السخيفة هو الآخر، التي تصبح عاطفية أحياناً على نحو يخلو من أي تعقل. أو الطامة الكبرى؛ مشعل السديري: لا تعليق. كما أني لا أدري أين يعيش السديري بالضبط، لكن لا يبدو أنه في السعودية.
لا، إنه استعداد طبيعي، وسعة أفق وذكاء، فسوسن الأبطح، اللبنانية، تكتب أيضاً بطريقة رائعة جداً وراقية (تذكرني بأختي الكبرى من حيث المنطقية والذكاء والاهتمامات الراقية). وقد لا تكون أقل قدراً من الدريس من حيث الأسلوب في كتابة المقال، إلا أني شخصياً محتار في أسلوبه وتفضيله، أو ما قرأته منه، على ما تكتب الأبطح، رغم أني أحب كتابتها جداً جداً، وأفرح حينما أجدها كتبت عن شيء يثير اهتمامي (مللت قبل فترة من كتابتها عن السياسة في لبنان باستمرار طال). أفضل سوسن الأبطح لأني قرأت الكثير مما كتبت، ولم أقرأ الكثير مما كتب الدريس.
كما تشوبني، حينما أتذكر بأنه دكتور سعودي بالنهاية، أنه قد لا يكون بهذا الحجم بالنهاية. مع ذلك، أتصور بأني لو قرأت له اكثر، وكان من بين كتاباته الأخرى ما هو بنفس المستوى، لربما كان كاتبي المفضل أيضاً، إلى جانب سوسن الأبطح.


هذا مقاله الرائع والممتع في رأيي:




إن لم يعجبكم، فقد عرفتم ذوقي على الأقل.












أعطاني الصديق الصيني الأصغر دعوة إلى حفل للسفارة الصينية، بمناسبة ذكرى تأسيس جيش التحرير. حضرت الحفل. ماذا بوسعي أن أقول؟. كان الملحق العسكري الصيني لطيف، وكان الزوار العرب من دبلوماسيين ومسئولين سعوديين كريهين. كان هناك دبلوماسي عماني متكبر، وبعض السعوديين من ذوي الرتب العليا ذوي النظرات المستعلية والوقحة. وسعوديين آخرين، مدعوين مثلي لأسباب ودية، وقد كانوا مهذبين. الأجانب عموماً، وخصوصاً الصينيون، كانوا لطفاء. رأيت السفير العراقي، الجميلي، بدا أقصر مما تخيلت، وربما نمت وقفته وحركاته عن حضور صبياني رغم شعره الأبيض. وددت للحظة أن أسلم عليه، رغم استحالة ذلك، لأني لن أفعل. يكتب في جريدة الرياض من وقت إلى آخر مقالات مفيدة، وجميلة، تربوية وذات أسس رفيعة. لكني أجد نفسي قد مللت أحياناً لطول إسهابه في نقطة واحدة.
الأهم هو أني اشتريت صندل جديد للمناسبة، حيث أن صندلي مهترئ (كنت قد اشتريته لرحلة الهند). صندل جميل حقاً.










كنت قد قلت أني أفضل الطابع الأوروبي في السيارات. أحب شركة رينو على وجه الخصوص. وكنت أحب مشاهدة بعض سياراتها عبر موقعها. بعضها مذهل حقاً. لكن الوكيل هنا كان يجعلني ألغي أي فكرة أو طموح بامتلاك واحدة.
بيد أن الوكيل تغير فجأة مؤخراً، بعملية لم تخلوا من زخم كبير ودراما من طرف الوكيل الجديد، وشركة رينو، وعلى رأسها الأسطورة كارلوس غصن. فرحت كثيراً بتغير الوكيل، رغم أني لا أفكر بشراء أي سيارة في أي وقت قريب. وبالواقع، فكرة أني سأدرس على حسابي، في جامعة مكلفة، إن قبلت بعون الله لديهم، تسلبني القدرة حتى على التفكير بشراء أو تمني شراء سيارة جديدة في غضون السنوات القليلة القادمة. سيارتي لا تزال ممتازة، ولا أزال أحبها جداً، عموماً.
لكني أحبطت حينما قرأت مقابلة مع كارلوس غصن، وهو من الشخصيات التي أتابع أخبارها بلهفة كبيرة. وأتفكر بخياراته دائماً، بينما أضعه أمام عيناي كنموذج مثير للإعجاب والذهول لرجل أعمال غير عادي. المقابلة كانت في جريدة الشرق الأوسط. تكلم عن سوق السعودية، وعن طموح رينو المعقول هنا، في غضون البضع سنوات القادمة، وعن الوكيل القديم، والجديد، وخطط رينو. ما أثار إحباطي هو أن السيارات المعروفة لرينو، التي تصنع في فرنسا، لن تباع هنا. ستعرض سيارات مصنوعة في أماكن أخرى، بمواصفات أخرى، أكثر ملائمة للجو هنا، وللذوق الدارج، وهو ما لا يشمل ذوقي بالحقيقة. أتفهم خيارهم، وأجده ذكي جداً. لكن، لا يمكنني إلا أن أشعر بالإحباط، فلم يعد بوسعي أن أحلم بـلاقونا، أو بجيب ميقان. ربما السيارة الوحيدة التي نجت في الفرز هي سيارة عائلية كبيرة، أعتبرها حلم المستقبل، ولو ظللت أعزباً.
على أي حال، يوجد سيارة مما يلائم "الذوق الدارج" مقبولة بالنسبة إلي، جيدة.
في الفترة السابقة، كنت أفكر دائماً بأن سيارتي المقبلة بعد سنوات ستكون إن شاء الله من شركة فورد، شركتي المفضلة الأخرى. لكن الآن أعتقد أني يمكنني أن أفاضل، حيث تظل السيارات من رينو، وتحمل بصماتها.

لم أعد أصدق من يقول بأن هناك وكيل جيد، لكني أفكر كثيراً إذا ما قيل لي أن الوكيل الفلاني سيء. لم يقل أحد عن وكيل رينو الجديد شيء بطبيعة الحال، أما وكيل فورد فلم أسمع شكاوى حقيقية عنه.







سعد الحوشان