الجمعة، 4 ديسمبر 2015

صْحيب (المعتاد،قصائد،أفكار،القصيم)



بسم الله الرحمن الرحيم








شكل معين من الأحلام يسيطر على ذهني لفترة طويلة بعدما أراه في المنام. في السنوات الأخيرة بت نادراً ما أحلم أحلام متماسكة أو ذات معنى، هذا لو حلمت. لكن، غالباً ما تنطوي الأحلام الجميلة على عنصر معين؛ الحدائق أو المدن المليئة بها على نحو لا يبدو عادياً.
آخر أحلامي بدت فيه الرياض على خلاف ما أعرفها، لم تكن جميلة تحديداً، لكني عثرت في الحلم على حديقة استغربت بأني لم أسمع عنها من قبل. دخلتها وأطليت، وبدت جميلة، فلم أكمل، إنما خرجت مسرعًا لآتي بأخواتي. حينما دخلنا معًا، رأيت ممر لم أره في المرة الأولى رغم نظري في اتجاهه، وأثار ذهولي واستغرابي في نفس الوقت، كان ممر عريض تحوطه وتظلله أشجار الجَكَرندا المزهرة الزرقاء البنفسجية، فمشيت تجاهه كالمسحور، وقلبي يختلج، إذ كانت أمنية حقيقية تحققت في الحلم. إني أحلم وأتمنى رؤية أشجار الجكرندا وقت إزهارها منذ زمن بعيد.











اكتشفنا مشكلة صحية لدى أخي، مما استدعى تنويمه في المستشفى، فرافقته هناك لبضعة أيام حتى تحسنت صحته، ولله الحمد. كان السبب الدخان، العادة التي أمقتها أشد المقت، حيث أنها عادة أصبحت مستمرأة إلى حد بعيد رغم أنها غير مقبولة إجتماعيا بالأساس، لتعارضها مع كل ما يثمنه مجتمعنا تقليدياً.

كان علي التعامل مع الأطباء أكثر مما أحببت، رغماً عنهم إذ كانوا يريدون تجاهلي. وجدتهم يعاملون المرضى ومرافقيهم بشكل عام كقُصّر، حتى في الحالات النادرة حينما هؤلاء الأطباء لطفاء. كان أمر مستفز إلى أقصى حد، ليس أنه جديد علي، لكن في ظل تلك الظروف، وجدت أن التعامل المكثف والمطول يصيبني في أعصابي حينما أواجه هذا الموقف منهم. مجموعة حمقى مغرورين.

مع ذلك، وجدت الممرضات بشكل عام أفضل مما كن عليه سابقاً، وأفضل بكثير من الممرضات في العيادات الخارجية، حيث نراجع أنا ووالدتي كثيراً. أخبرتنا إحداهن بأن جميع الممرضات يقدرننا، كأفضل مريض ومرافق، لأننا لطفاء ولا نسبب المشاكل، كبعض الآخرين. شكرتها، وأخبرتها بأننا نقدر لطفهن كثيراً.

تعلمت بعض الأمور هناك، فصرت أضبط الأوكسجين، وأنقله من الجدار إلى الأسطوانة حينما يرغب أخي بترك السرير، وكان هذا مصدر راحة للممرضات، ولأخي بالتأكيد.

ربما أكثر ما ازعجني وسبب لي الإحراج هو عدم توفير سرير أو مقعد يتمدد كسرير كما في السابق في المستشفى، حتى ينام عليه المرافقين. أُعطيت قدر ما أريد من البطانيات، لكن المكان كان ضيقاً في المبنى الشرقي الجديد، والمنظر محرج وبدائي. ولا يبدو أن هناك من سمع عن إعلان الحضور قبل إزاحة الستائر والدخول، باستثناء الزوار. فلا الأطباء ولا الممرضات ولا الطلاب ولا الطالبات يقولون أي شيء قبل الدخول، وهو أمر في قمة الوقاحة، وكأن المرضى من منزلة دون.

الأمر الذي صدمني كان استعداد زميل أخي بالغرفة، لنصح أخي حول أفضل أنواع الدخان التي لا تصيب بالكحة! رغم أن الاثنين خضعا وسيخضعان لعمليات بسبب التدخين. عموماً، أرجو من الله لأخي والرجل الشفاء العاجل، والعون في ترك الدخان.
لعل الأسوأ هو اقتراح المدخنين على غير المدخنين أن يجربوا الدخان. هذا السلوك ينم عن خسة ووضاعة، حتى في المراهقين. لا يمكن القول أبداً بأن المرء يقوم بهذا السلوك عن جهل أو ضعف وعي، إنها فقط حقارة محضة. أخبرني ابن أخي عن محاولة بعض المعارف من عمره إحراجه ليجرب الدخان، والضغط عليه. هو شاب كبير، ولم يستجب بالطبع، لكن اشمئزيت منهم، وسألته أن لا يخالطهم، فما قاموا به ينم عن شخصيات وضيعة لا أمان لها.

كان النوم على الأرض، رغم وجود البطانيات، أمر ممرض. ليس إلا لكون أرض المستشفى شديدة البرودة والقسوة، فأنا أنام على الأرض في المنزل قديماً وحديثاً، إذ تخلصت من سريري القديم قبل فترة وصرت أنام على الأرض بلا فراش، مجرد بطانية تحتي، وأجد راحتي هكذا. لكن من بعد المستشفى، لم أشعر بأن ظهري متصلب من قبل في حياتي قبل الآن.








أعتقد أن كتاباتي، وآرائي، تبعد الكثير من الناس عني. مع أني لا أعتقد بأن هناك من يتصور بأننا جميعاً لنا نفس الرأي حول كل شيء، إلا أنه في حال وجد البعض نفسه على المحك، أن يقترب أو يبتعد، يذهب التسامح وفصل الأمور عن بعضها أدراج الرياح، حتى لو لم يكن معنياً بشيء مما أكتب. لا أدري لماذا يجد البعض نفسه على المحك أساساً.









لم أكن من المهتمين بالشاي الأحمر عموماً، إذ غالباً ما أشربه في المناسبات فقط حينما أضطر، بينما الشاي الأحمر الذي أشربه أكثر من تلقاء نفسي هو شاي مخلوط بالورد، ربما لأني أحب الورد فقط. مؤخراً، أعجبتني علبة أنيقة في الدانوب لشاي جديد يسمى شاي رشفة، وأثار اهتمامي المكتوب عليها. هي من شركة سعودية من مكة، والشاي الأحمر من مصادر مختلفة بنسب محسوبة، من سريلنكا والهند وتركيا وكينيا والصين، مع إضافة زيت البرغموت، وهو زيت طيار على حد علمي من الحمضيات. كانت العلبة الأنيقة صغيرة وغير مكلفة.

كيف طعمه؟ إنه أمر غير بسيط، نكهة معقدة غير معتادة، رائحة عطرية نفاذة، ونكهة لذيذة وأنيقة تثير التساؤل في الذهن عن المكونات، والمقارنة مع الشاي المعتاد. أعجب الشاي الأهل كثيراً، وطلبن أخواتي مني شراء علب ليأخذنها إلى منازلهن.

بلغ الإعجاب مني الإرسال إلى الشركة، معلقاً على جودة الشاي، وسائل عن إمكانية وجوده في أكياس للاستخدام الواحد (مثل اللبتون). شرح لي من رد من الشركة بأن الشاي الجيد العضوي لا يأتي بأكياس عموماً، وأن شاي الأكياس مختلف تماماً. وتم شرح بعض الأمور لي. رددت شاكراً على المعلومات، واسترسلت في التحدث عما أحب من المشروبات الساخنة وهذه الأمور. لا أدري ما مشكلتي مؤخراً، أصبحت أتحدث أكثر من اللازم، ولم يعد الأمر محصوراً في المدونة، وهذه مشكلة.

ربما للتخلص من هذري، تكرمت الشركة بإرسال عينات من كل منتجاتها بكافة الأحجام المتوفرة مع ابريق زجاجي إلي في الرياض!!. خلال أيام قلائل وصلتني رسالة من سمسا (فدكس سابقاً)، بوجود طرد لي. وكانت المفاجئة بالكرم الحاتمي للشركة، أخجلني الأمر صدقاً. كانت هناك الكثير من العلب، فصرت أهدي ووالدتي تهدي منه، لأنه مميز صدقاً.





أتمنى أن أرد معروفهم وكرمهم بشكل ما بالمستقبل إن شاء الله.









بعد استلامي للسيارة، لاحظت وجود شق صغير في الجلد المحيط بعصا القير. أقلقني هذا الشق لأنه ربما يسرب الغبار إلى الداخل ويفسد صندوق التروس. في الصيانة الأولى للسيارة، أخبرت الفني، الذي نادى مدير المركز. قال لي مدير الورشة ببساطة بأنهم سيغيرون العصى، وسيطلبون القطعة لي. سألت عن تركيبها إن كان معقداً. قال بأنه يمكن تركيبه خلال عشر دقائق. مضى حوالي شهرين من المتابعة، بعدما قيل لي بأن القطعة غير موجودة ويجب طلبها من فرنسا، ولم يحدث شيء. اتصلت ذات مرة الفني، وسأل عن رقم هيكل السيارة، ثم انقطعت الأخبار. أعتقد بأنه سئم من متابعة الموضوع، وأرادني أن أسأم مثله. مع ذلك، أظن أنه كان صادقاً في البداية ومهتماً، ولم يكن التأخير بتأثير من الفني.

المشكلة أني لم أسأم، ظللت أتابع، رغم محاولة تطفيشي على ما يبدو. استغربت لأنهم حينما اقترحوا التغيير لم يبدو الأمر صعباً. في النهاية، طلبت رقم طلب القطعة، لأتابعها بطريقتي. تردد الفني في تزويدي بالرقم، لكنه رضخ ليفتك مني على ما يبدو. حينما حصلت على الرقم لم أدري ما أصنع به. زودتني الوكالة بأرقام هواتف مدير خدمات العملاء بعد البيع، ومدير قطع الغيار، كلاهما على مستوى السعودية. الأول كان قد ساعدني دون أن يذخر وسعاً حينما تعرضت إلى مشكلة في القصيم، كما قصصت في التدوينة السابقة، فقررت مكالمته. أرسلت إليه رسالة، ثم أتصلت، وقال بأنه قرأ الرسالة، لكنه يقود السيارة الآن، وسألني أن أمهله نصف ساعة، فأخبرته بأن يأخذ ما يشاء من وقت. اتصل لاحقاً، وطرح بعض الأسئلة، وطلب مني إخباره بالقصة مرة أخرى، سائلاً عن التفاصيل وأنا أحكي. سأل عن اسم الفني، فلما قلت اسمه عرف بأنه يعمل في مركز الصيانة الفرعي في شرق الرياض. يبدو أنه ملم بأسماء الفنيين ومواقعهم. قال بأنه سيجري اتصالات في هذا الشأن، ثم سيخبرني خلال ساعة بما خلص إليه. شكرته وأنتظرت. لم يتصل، إنما اتصل الفني، وكان يبدو عليه الاضطراب، وقال بأن الموضوع تصعد إلى مديرهم الكبير، وبدا وكأنه يلومني بشكل ما، لكني عذرته لاضطرابه، وقال بأن القطعة موجودة، ويمكنني المجيء غداً لتركيبها.

كان أمر مذهل. لا أعتقد أن الخطأ من الفني، لكني أغلّب الظن بأن الخطأ من مركز قطع الغيار، لأن الفني اتصل ذات مرة ليسأل عن رقم هيكل السيارة من تلقاء ذاته، وكان يبدو عليه الابتهاج لقرب وصول القطعة.

حينما اتصلت في اليوم التالي لأرتب لمجيئي لم يجب الفني، فاتصلت بمديره، وقد نسيت أنه أخبرني بأنه يحضر دورة خارج الرياض منذ اسبوعين. أجاب الرجل مع ذلك، وأخبرني بأنه لم يأتي إلى الورشة منذ اسبوعين، لكنه سألني مع ذلك إذا ما كنت صاحب الكابتشر؟ قلت بأني هو، رحب بي، وبدا بأنه كان قد سُئل في أمر القطعة.

زرتهم في نهاية الأسبوع، وقد كان المكان مزحوماً إلى حد بعيد، لأن الورشة تغلق في الأيام العادية في الساعة الخامسة، ولا يستطيع الناس المجيء في الصباح. وكان الفني قد أخبرني بأنه من الأفضل أن آتي في الصباح، لا بعد خروجي من العمل، لأنهم في ذلك الحين يحاولون انهاء أعمالهم قبل الإغلاق، لذا لم يكن لدي خيار سوى الذهاب يوم السبت.

استغرق الأمر أكثر مما توقعت، منذ وصولي حتى استلامي للسيارة مرت حوالي ٤ ساعات. ربما للزحام، أو لوجود سيارات يعملون عليها مسبقاً. كان الأمر محبطاً، ولم يكن بهذا السوء حينما جئت للفحص الأول.

استبدلوا الجلد الأسود القديم بجلد يشبه لون المراتب، بيج أو رمادي، لست متأكداً تماماً، لكنه جميل.










رغم أني لا أقدر سوى القليل من المعلمين الذين مروا علي في مراحل الدراسة، إلا أن بعضهم علق بذهني على نحو لا أدري ما مبرره، وبعضهم، يوجد مبررات وجيهة لتذكري إياهم.
بعضهم كانت المرارة والقهر هي التي حفرت ذكراهم في ذهني، وبعضهم اللطف، وبعضهم لمواقف معينة.

لكني، إجمالاً، أتذكر أسماء المعلمين أكثر كلما عدت بذاكرتي إلى مراحل أقدم.

كان أحدهم يسمى خالد الهاجري، دائم الابتسام، رائق المزاج، وكان يعلمنا مواد الدين في الصف الثاني الابتدائي. كان حينما ينتهي من إلقاء الدرس وشرحه، يناديني لآتي، فيسلم علي، ويقول: سولف علي. بالواقع، كان قد انتبه إلي حينما كنت في الصف الأول، حينما اختارني فيه حصة فراغ ليسألني عن اسمي، وكان على ما أعتقد قد جاء بدلاً عن معلم غائب، فذكرت اسمي كاملاً، مع القبيلة والفخذ، كما كان شقيقي الدارس بالمتوسطة يلقنني. وقد انفجر ضاحكاً، وقبض علي برفق وقرب اذنه من فمي وسألني أن أعيد اسمي، فضحك كثيراً، وخرج ليجلب معلم آخر ليسمعه قولي، وكان ينظر إلي بابتسامة عريضة شبه هستيرية.

في الصف الثاني، كانت ابتسامته الحلوة الرفيقة وطبعه الأبوي الدمث يجعل حضوره مطمئن، مقابل وجود معلمين أشرار بمعنى الكلمة (أحدهم كان يضرب بالعقال، ويُدخل الإبر في أذرع الطلاب). كان كثيراً ما قال لي، غالباً مقاطعاً حكاية أقصها؛ هل تريد أن تأتي معي إلى البيت؟ أو يقول هل تريد أن تكون ابني؟ أو هل تأتي لتلعب مع أولادي؟ هل تحبهم؟ لم أكن أعرفهم، لكني كنت أؤكد بصدق أني أحبهم، أما الأسئلة الأخرى، فكانت أمي حاضرة في ذهني دائماً، فأقول بأني لا أستطيع.
كان أخي في المتوسطة يمدح هذا المدرس وطيبته، لكنه، مع أخواي الآخرين الأكبر مني في الابتدائية، كان يقول بأنه يدخن رغم أنه مطوع. لم يشكل هذا فرقاً كبيراً بالنسبة لي، لأني كنت أرى الدخان كثيراً مع بعض إخواني والأقارب للأسف. مؤخراً صرت أفكر؛ كيف لم أتأثر وأدخن؟ لكن أمور كثيرة اختلفنا فيها، ليس أكبرها الدخان على ما أعتقد، وكانت سبب لمشاكل أكبر وأسوأ بالنسبة لي.

أحياناً أتساءل، ماذا جرى على ذلك الرجل الطيب الذي لا مثيل له؟. ليتني أعرف. لن يتذكرني، مع ذلك، أتمنى أن أعرف. أناس كثر أتمنى أن أعرف ماذا جرى عليهم؟، البعض، أود أن لا أعرف، لكن بشكل ما، غالباً ما تصلني المعلومة التي لا أسعى إليها.

معلم آخر، كان اسمه الصبيح، لا زلت أتذكر طريقته بنطق اسمي بصوته العالي. لقد توفي رحمه الله، مريضاً بالسرطان حسبما سمعت. كنت أبحث عنه حينما كنت في الصف الأول الابتدائي، ليفتح لي الببسي لأني لم أكن أقوى على سحب الفتاحة. كان إنسان رفيق كبير القلب، من النوع الذي يجب أن يكون مقياساً لمن يوضع في مكان يتعلم فيه الأطفال.
(كنت أشرب الببسي في الفسحة، ولم يكن الطعام في المدرسة هو وجبتي الأولى في اليوم، مع ذلك لم أكن بديناً)

يوجد آخرين، من؟ الأحمري؟ السبيعي؟ العقيلي؟ ليسوا كثرة للأسف. كانت القسوة واللؤم غالبين في تلك الظروف، بل ربما في كل وقت وكل ظرف. لكن لماذا أستعيد مثل هذه الذكريات؟ أعتقد أنها تجلب نوع من الطمأنينة والدفئ إلى قلبي، الشعور بأن هناك من عاملني بتقدير رغم ضعفي، وليس بعدما اشتد عودي.

أناس أدعو الله لهم بالخير والرحمة حينما أتذكرهم.









أحياناً تقابل شخص لم تره منذ مدة طويلة، ولا تسمع منه إلا ما يسرك، بغض النظر عن علاقتك به، إن بعض الناس حينما لا يرون منك سوءاً لا يبخلون باللطف، قابلت زميل قديم مؤخراً، لم يبقى معنا كثيراً. هو رجل بدوي في أواسط العمر، حالما رآني سلم بحرارة وجاملني على نحو مشجع، لكنه غير واقعي، أنا ممنون مع ذلك كثيراً، فما أحلا المواجهة بالمعروف ولين الجانب.

بينما آخرين حالما يروك يبدأون بالتحطيم، بتلقائية أحياناً، وأحياناً على نحو ممنهج.
مع ذلك، يتغير بعض الناس إلى الأفضل. أعرف شخص، كان مقرب إلى حد ما مقارنة بمن حوله، كان يبدو أن شغله الشاغل هو البحث عن كل نقيصة بي، بشكلي، برؤيتي وطباعي. لا أحد كامل، لكنه كان يستمتع بالانتقاء، رغم علاقتنا الطيبة. لم أكن أنوي الاستمرار بلا نهاية في علاقة وثيقة إلى حد ما يحاول الطرف الآخر فيها كلما أمكن تحطيمي. لم أكن أتأثر صدقاً، لأني أعتقد بأني أعرف الأسباب خلف ذلك السلوك، مع ذلك، ماذا أستفيد؟ وماذا يفيد اللطف والسؤال من وقت إلى آخر، حينما تلحقه تلك المحاولات؟.

ابتعدت تدريجياً، مفضلاً الانشغال بنفسي، إن لم أجد شخصيات بناءة لأتعاطى معها. لم يحدث هذا الابتعاد قبل أن أحاول تبيان المشكلة، وأن أعطي نموذجاً لما يجب أن يكون عليه التعامل بين شخصين ليسا بعدوَين. شعر بالإهانة على ما يبدو حينما كان ردي على سؤاله بعد فترة لطيفاً وحميماً، لكني لم أعد للتواصل بالمقابل. بعد وقت طويل سنحت الفرصة بالتواصل، أو فرض التواصل نفسه لظرف ما، وكنت منفتحاً على التحدث والسؤال، لكنه لم يلبث إلا أن ألقى بإحدى ملاحظاته المسمومة، فتحفظت مباشرة، ولاحظ هذا، ثم بعدما انقضت الحاجة انصرفت، كان قد ناداني لأحل له مشكلة تقنية.

بعد وقت طويل، جاءت فرصة أخرى، وكان حريصاً أشد الحرص هذه المرة، مما أشعرني بالتقدير، فحينما يلاحظ المرء إشكالاً فيعمل على تصحيحه، أتصور بأنه يستحق التقدير. لم أعد أسمع تلك الملاحظات عموماً، تفلت أحياناً لكنها أقل وينتبه إليها سريعاً، لم يعد يستمر بالضرب على نفس الوتر، ولم يعد يبدو أن هناك منافسة من طرفه تستلزم ذلك السلوك. ما الفائدة من المقارنة بيننا؟، يبدو أنه توصل إلى هذا. صار التعامل أكثر إيجابية، ولم يعد هناك سوء تقدير للشعور.










الوداع…
ليس للحزن داع…
الوداع…
لم يعد من جدير بالسماع...
بلا سلام سنلتقي كل يوم…
وإن كان لا بد فلا تلقي علي باللوم…
غابت عني جدواك…
لهذا لم أعد أراك…
حسبتك صديق قليل النظير…
ولكنك لست إلا أناني ذو عقل صغير…
فقررت أن لا أراك…
قف أينما شئت…
عن اليمين... 
عن الشمال... 
أو إلى الأمام…
فلن يحدث أن أراك... 
إذ بتَّ عني خفياً…
وكدتُ أن أنساك…
فالوداع…
قبل أن أنساك…








يوجد أشخاص لا تربطني بهم صلة قرابة، ولا صداقة، لكني أجد نفسي متعاطف معهم على نحو أعجز عن تفسيره على وجه الدقة، أكثر ممن سواهم في نفس الظروف.

أحدهم شاب نيبالي صغير، أراه كثيراً في برقر كنق حيث يعمل. لا أنفك أتخيله أحد أبناء إخوتي، ولا أستطيع إلا أن آسف لحاله وأعطف عليه. ليس أنه يعاني من شيء، لكن ينتابني شعور من العطف الممتد تجاهه عادة ما يكون خاصاً ببعض أبناء إخوتي. يعاملني الكثير من العاملين بالمطعم كصديق، رغم عدم جدواي كزبون يندر جداً أن يطلب وجبة، لكن بهجة هذا الشاب البريئة برؤيتي ولو بفاصل أيام أو بلا فاصل حتى، منذ أن بدأ العمل، وكأني قريب كبير يراه بعد فترة انقطاع طويلة، تؤثر بي كثيراً.

أما الآخر فصبي يمني، لعله بظروف أسوأ، يعمل في دكان في الحي. تحدثت عنه هنا سابقاً. يحكي لي عن آماله حينما يجد الفرصة، ويفرح برؤيتي دائماً. آماله التي نتوقعها هنا كحقيقة من حقائق الحياة، أن يقرأ جيداً، أن يتحدث الانقليزية، أن يُتم تعليمه. كثيراً ما أتذكره وأفكر بأمره، كيف السبيل إلى مساعدته؟. يا ليتني أستطيع، أرجو من الله أن يمنحني القدرة.
اليمنيين على وجه الخصوص، الكثير منهم، أشعر بأنهم لا يحتلون الموقع الذي يجب أن يحتلوه من اهتمامنا. صغار السن، كيف يصلون إلى هنا؟ ليعملوا، وليس ليتعلموا؟.كيف يسمح لهم بالعمل؟ حتى لو كانت أعمارهم قد شارفت على العشرين، دون وجود فرصة موازية على الأقل للكبار منهم لمواصلة التعليم هنا بنفس الوقت؟. كيف يتركون للإضطرار إلى القدوم إلى هنا للعمل من أعمار صغيرة، ما الفرق بيننا وبينهم؟، لا أشعر بمثل هذا التعاطف مع جنسيات أخرى، وهذا منطقي، لأني لا أرى فرقاً بيننا وبين اليمنيين من كل النواحي، عكس الجنسيات الأخرى الأبعد، من خارج الجزيرة العربية، ربما لأن الأقربون أولى بالمعروف.








في موسم الخريف، يشتري الناس مشروبات حارة بنكهة القرع في أمريكا، يبدو أنه تقليد لديهم، وأعتقد أنه يضاف إلى القهوة هناك. لست أذهب إلى ستاربكس، قرار اتخذته منذ سنوات طويلة، لكني أرى طاولاتهم الصغيرة في التميمي، حيث يوجد عامل يعد القهوة ويبيعها، ويوجد إعلان عن قهوة بالقرع. في الجامعة، يوجد مقهى كاريبو كافيه، وحينما أشعر بالنعاس الشديد، أشتري قهوة منهم، اسمها بودينو، التي يستخدم فيها الكَراميل المملح، فتكون مالحة قليلاً، مما يعزز طعم القهوة، لكني رأيت مشروبات جديدة بالقرع، فقررت أن أجرب الشاي بالقرع. كدت أن أستفرغ حينما تذوقته، حاولت أن أعطيه فرصة وأخذت رشفة ثانية. أصابني صداع رهيب بعد ذلك، استدعى تناول حبة مسكنة، وهذا يحدث لأول مرة.
لدي في مكتبي خيارات جيدة، لدي أكواب صغيرة جاهزة ومغلفة بقهوتها وسكرها لأوقات الضرورة القصوى، حينما يكاد أن يغلبني النوم، وشاي ماتشا، وشاي أحمر بالورد، وظرف كوكاو. لكني أقر بأن بودينو لذيذة، بطعم غير مألوف أبداً، ومفاجئ، رغم أني لا أكمل الكوب، وغالباً ما لا أكمل أكثر من النصف إن لم يكن الربع، رغم شرائي للحجم الأصغر، وهذا ينطبق على كل أشكال القهوة الأجنبية بالأكواب المعتادة، إذ يبدو أني لا أحتمل قوتها، ربما لأنها عادة طارئة ومتقطعة.
كما أحب قهوة من مكينة معينة، للأسف لا توجد قرب مكتبنا إنما في أماكن أخرى في الجامعة، فلا أشتريها سوى وقت صلاة الظهر غالباً، وحينما أكون بالمزاج الملائم. بينما توجد مكائن بالقرب يبدو أن من صنعها حانق على العالم. الآلة التي أحب توجد حيث أحب أن أصلي في كلية الآداب، حيث أختار قهوة بالفانيلا، لكنها تتعطل كثيراً، وأحياناً تسرق المال، أو تعطي ماء عكر فقط. مع ذلك، تناسبني القهوة من هذه المكائن لأن الأكواب صغيرة فلا أواجه مشكلة في إنهاء الكوب دون أن أشعر بالغثيان، مثلها مثل القهوة بالكوب المغلف في مكتبي، سوى انها أطيب بكثير.

هذا في العمل، لكن خلافاً لهذا، قد تمر إجازة كاملة دون أتذوق القهوة الأجنبية ولو لمرة، سواء في المنزل أو في المقاهي، كما في الإجازات الفائتة.
مع ذلك، لرفع المزاج وتعزيز المشاعر، وليس للتنشيط والتنبيه، لا يوجد أفضل من قهوتنا العربية؛ أصل القهوة. وأنا لا أحرص عليها بطبعي، لكني صرت أحاول منذ فترة جيدة الآن أن أشربها مع أهلي في المنزل، غالباً في نهاية الأسبوع، وأريد أن أتعود أكثر، وأتعمق أكثر، لأني أراها جزء لا يتجزأ من الثقافة الأصلية والقديمة هنا، قبل أن يعرفها أي أحد آخر، وكذلك جزء من الحس الإجتماعي، وهذه أمور تهمني، خلافاً إلى أن القهوة العربية وجودتها وطريقة إعدادها هي أمور مثيرة للاهتمام، خصوصاً حينما أتيت بحبوب القهوة نيئة من البيرو والمكسيك، فكانت مختلفة وأثارت الاهتمام كثيراً.
قال أخي الكبير قبل فترة، بينما جلست معه واثنين من إخوتي: سعد يشرب قهوة؟!. بالبداية قبل سنتين أو ثلاث، لم أكن أشربها لأني أشتهيها. كانت البداية في القصيم، حيث كنت أشربها مع أمي حتى أؤنسها، حينما ذهبنا للعلاج لدى الطبيب الألماني في عنيزة. ولم يكن للقهوة جاذبية بحد ذاتها، خصوصاً أنها كانت تحضر بغلاية ماء أحضرناها معنا، فكنت أشعر بأنها قهوة كذبية. في وقت لاحق في الرياض، صرت أكثر تسامحاً مع شربها من السابق، خصوصاً بعدما صرت أشعر بأنها أجود، وليست تعد كيفما اتفق لمعالجة ادمان شائع للقهوة بين الناس هنا، كما كانت والدتي تعدها في الغلاية. ولاحظت بأنها تعزز من حضوري القلبي مع والدتي وأهلي عموماً، وتجعلني أكثر حميمية وتواصلاً مع الجميع. ومع إخواني على وجه الخصوص؛ أكثر تفهماً وصبراً.
لا يعني هذا أني أشربها كل يوم، لا زالت الأيام تمر دون أن أتذوقها، لكني حينما أجدها وتعرض علي، لست أرفض غالباً.










بعد انقطاع طويل عن الترفيه، باستثناء القراءة والانترنت، أحاول العودة منذ فترة الآن إلى ترك جزء من وقتي يضيع على أشياء أهملتها لفترة طويلة، أشياء قد تبدو بلا فائدة، لكنها أحياناً مفيدة بشكل أو بآخر. أريد أن أعود لألعب بجهاز الألعاب الذي لدي، ولم ألعب به كثيراً منذ اشتريته، الوي يو، وقد اشتريت لعبه لطالما أردت أن ألعبها على الجهاز الذي سبقه.
أصبحت مع الزمن متابع بتقطع لأخبار هذه الأجهزة وألعابها، وأحصر نفسي بلعب أجزاء من ألعاب معينة تظهر كل بضع سنوات. لكن لعل العودة للعب أكثر تبدد الملل، رغم أني أخشى أنه لا وقت لدي للإلتزام بألعاب طويلة نسبياً، وهي الألعاب التي أحب. لا ألعب ألعاب كرة القدم أو السيارات، أو ألعاب العنف ضد لاعبين آخرين بلا معنى على الانترنت، أحب ألعاب المغامرات بقصة جيدة، وألغاز على جانب من الصعوبة، سواء كانت اللعبة جادة أو مرعبة، أو أكثر براءة من حيث المظهر على الأقل. كما أحب الألعاب البريئة، الساذجة أحياناً، مثل ماريو (الفطر)، مع أن الأجزاء الأخيرة ليست جيدة كالتي سبقتها.
للأسف، الكثير من الألعاب القديمة الجيدة تغيرت طريقتها، وأصبح التركيز على السرعة والعنف والقتل بلا ضرورة أو مبرر أو معنى هو السائد مع تضخم تأثير الشركات الأمريكية، التي تنتج بعضها ألعاب راقية للأمانة لكن لا تستهويني طريقة لعبها.

كانت لدي ذكريات حلوة مع بعض الألعاب، ورغم أني استمتعت أكثر بآخر ذكرياتي مع آخر وفرة للنوع الذي أحب، كان هناك أسباب أخرى لذلك الاستمتاع. حدث هذا بعدما اشترى أخي، ربما لأول مرة بمبادرة ذاتية، آخر جهاز من شركة سيقا، وكانت أول لفتة كريمة منه، ربما بالحياة، وربما آخر لفتة، أنه اشترى مع الجهاز لعبتين، لعبة تصور بأنها جيدة، ولعبة تصور بأني سأحبها. كانت مفاجئة الموقف كبيرة ودافئة، خصوصاً أنه على بعض الجفاف والقسوة بالعادة.
كنا نلعب ألعابنا المفضلة معاً، وبدا أننا بدأنا نتفق على نوع الألعاب التي نحب، إذ كان قبل ذلك من فريق بقية إخوتي، الذين يحبون كرة القدم على الأجهزة فقط. كنا نلعب غالباً على نحو منفصل، بحيث أنه لديه ملف لتخزين تقدمه باللعبة، ولدي ملف. بحكم الخبرة؛ كنت أفهم تلك الألعاب فكنت أسرع بديهة في حل الألغاز، لكنه كان ينافسني أحياناً لأسباب مختلفة. لم تكن المنافسة هي المهمة، لكن كان النقاش حول القصة والشخصيات هو الاهم.
كنا نلعب لعبة مرعبة رائعة ومؤثرة من كل النواحي، وكانت تمثل أقصى درجات التطور في ذلك الحين رغم احتفاظها بطابع الأجزاء القديمة من حيث اللعب والقصة. كانت رزدنت ايفل كود فيرونيكا. أتذكر بأنه وصل إلى وحش مرعب ومقرف بنفس الوقت، كأنه بشري مشوه ولزج من المخاط، فكنا نصيح بنفس الوقت حينما تصيب الشخصية التي نتحكم بها إصابة، بينما أخي يحاول أن يهزمه. كما كان من السخيف والمضحك أننا رأينا مقطع لباب يفتح ثم يسقط رجل ميت من خلفه، فنصيح، ثم بعد قليل نعيد نفس المقطع، ونصيح مرة أخرى.
كنت أخبره بحل بعض الألغاز، وبينما كانت لدي امتحانات كان هو يلعب، قلت ذات مرة بتذمر بعدما أخبرته بالحل: كل مرة أعلمك الحل؟ خلاص عاد!. مما أغضبه.

أما اللعبة الأخرى فكانت لعبة قصصية تشبه الواقع، اسمها شن مو. رفَضَ ذات مرة أن أخبره بحل معضلة في اللعبة، وظل يحاول ويحاول وأنا أتابع بنفاد صبر، وبعد الكثير من المحاولات فوجئنا بدخول أغبى شخصية في اللعبة، لتخبره بالحل. كان أمر مضحك إلى أقصى حد.

بعد ذلك، بدا أن الامور إلى انحدار مع الوقت. لم يجمعنا اهتمام آخر بنفس الألعاب. كان لدي صديق مهتم بالألعاب، وكنا نلتقي لنلعب ونتكلم، لكني مع الوقت سئمت، كان كل شيء في الحياة بالنسبة إليه هو الألعاب، ولم يكن يريد أن يتحدث أو يفكر بشيء آخر، بالإضافة إلى أنه كان على بعض الحماقة. ثم لم يجمعني اهتمام بالألعاب مع أحد، باستثناء نقاشات مع أحد ابناء أخي لبعض الوقت.

لكن لعل الامور أريح هكذا، أعتقد أني اعتدت على أداء كل شيء لوحدي. قد لا تكون أمتع، لكن أريح، وبلا وجع قلب.

من ناحية أخرى، صرت أتابع starzplay أكثر فأكثر، حسب وقت الفراغ، لكني لا أنقطع عموماً أكثر من يومين أو ثلاثة. وقد خفضوا سعر الاشتراك لحسن الحظ حينما انتهى اشتراكي الرخيص الذي اشتريته بكوبون عرض. أصبح يكلف 30 ريالاً في الشهر تقريباً، أي نصف السعر السابق، تقريباً. أعتقد أن هذا حدث لأن Netflix سيبدأ خدمته في المنطقة قريباً، وهي الخدمة الأشهر على الانترنت بسعر مشابه.









سألني أحد الزملاء إن كنت أمشي كما في السابق، أي المشي الطويل للرياضة أو التنزه. قلت بأني انقطعت عن العادة منذ زمن طويل، باستثناء أوقات السفر. قلت بأني كنت أمشي كثيراً في السابق لوحدي، لكني وجدت أني مللت السير لوحدي، ولم أعد أحتمل، أحتاج إلى شخص أتبادل الحديث معه.
لكن طبعاً، ليس أي شخص. قبل فترة ليست بالقصيرة، تواصل معي زميل قديم من الجامعة، واتفقنا على اللقاء والمشي. مشينا وتكلمنا، وقال بأن علينا أن نكررها. بالواقع، كنت أود لو أراه لفترة أقصر، وعلى أوقات أبعد، لكن كان علي أن أرد المبادرة. ربما كانت خطوة غير بريئة مني، لكني شعرت بأنه لا خيار لدي. أرسلت إليه بعد أيام فقط، في منتصف الأسبوع، لأسأله إن كان يريد أن يمشي؟. كنت متأكداً بأنه سيقول بأنه لا يستطيع، لكني أكون هكذا قد رددت المبادرة على الأقل. أعلم بأني قد أتهور وأقوم بهذا تجاه شخص أريد أن أراه صدقاً، لكني سأكرر المبادرة في وقت أفضل في حال رفض، أو سأرتب بذات الوقت للقاء في وقت يناسبه، وهذا ما لم أقم به مع ذاك الزميل.

قبل أكثر من سنتين كنت أستمتع بأي نشاط أقوم به مع صديق معين، كنت أنتظر نهاية الأسبوع لأجد من أتحدث معه.








الخروج من المنزل في الرياض محبط جداً هذه الأيام، خصوصاً في العصر، أو ربما في كل وقت عدا في وقت متأخر من الليل، وليس بعيداً عن المنزل.
المشوار الذي يستغرق نصف ساعة صار يستغرق ساعة ونصف أو أكثر في بعض الحالات. ليس الأمر جديداً، فالزحام المتلف للأعصاب موجود ويزداد سوءا لسنوات، لكن أعمال المترو ضاعفت من سوء الوضع كثيراً. أعتقد أنهم يجب أن يبدأوا بتشغيل الحافلات قبل الانتهاء من المترو، بجعل خطوط سيرها بعيدة وشاملة. بالواقع، كان يجب أن تستمر المدينة بتسيير الحافلات منذ أن بدأت الخدمة قديماً، إنها نكتة أن مدن بحجم مدننا، الرياض وجدة على الأقل، لم تعد تحتوي على نقل عام رسمي منذ عقود. لكنه الفساد، ماذا عسى المرء أن يفعل.









لا أدري ما مشكلة البريد هذه الأيام. منذ أشهر وأنا أنتظر ثلاث رسائل، يقال لي بأن الفرز تأخر بسبب الإجازات، وهو أمر لم يحدث من قبل بهذا التأخير. أعتقد بأن الرسائل ضاعت أو استولي عليها، وهذا أمر غير مستبعد هنا. يحذرني رجل قديم في البريد من استيلاء بعض من لا يخشون الله على بريد الناس، وأعتقد أن هذا يحدث معي الآن.
يقال بأن البريد تحسن، ربما خدماته تحسنت، لكن أعتقد بأن بعض الموظفين يسيئون للمؤسسة.

يوجد متجر الكتروني للبريد، يسمى ايمول www.e-mall.com (سبحان الله، هذه اللحظة تلقيت اتصال من البريد بخصوص طلب من الموقع). المتجر هذا يبيع مختلف الأشياء، أو على الأصح يعمل كوسيط. يجد المرء أحياناً أشياء لا يجدها بسهولة بالعادة، وأحياناً الأسعار تكون ممتازة. لكن قبل شهرين استلمت صندوق في جميع طلباتي، باستثناء طلب واحد بخمسة ريالات، وضعوا مكانه سلعة يبدو أن أحد آخر طلبها، تكلف على الأغلب بضع مئات. تواصلت معهم أكثر من مرة ولم يكن لديهم حل واضح، أحياناً تجيب موظفة وتؤلف حل غير واقعي، مثل أن أتركه في أي مكتب بريد وأخبرهم بأن يعيدوه، بلا أي معلومات واضحة، أو يجيب موظف ويقطع وعداً بإرسال مندوب لا يتم تنفيذه. كتبت أكثر من مرة على البريد الالكتروني وتقطع نفس الوعود، رغم أني أريد فقط أن أعيد السلعة، ولم أعد أريد طلبي الذي كلف خمسة ريالات فقط، وجدت أن وجود تلك الأجهزة لدي بينما هي لأحد آخر أمر غير مقبول وغير مريح. بعدما طفح كيلي، أرسلت رسالة وقلت بأنهم لو لم يحلوا الإشكال، أقسم بالله أني سأرمي الأجهزة في القمامة، وينتهي الموضوع. جاءني اتصال سريع، وقيل لي بأن أذهب إلى الموظف فلان في الدرعية، حيث استلمت الطرد أصلاً، وأترك السلعة لديه، إذ نسقوا معه، وآخذ طلبي الأصلي المضحك. ارتحت أخيراً. ثم بعد اسبوعين تقريباً اتصلوا مرة أخرى، يقولون بأن لدي طلب من اي مول، هل يتركونه لي في الدرعية؟، قلت بأني لم أطلب شيئاً، سأل الموظف بأنه ربما أحد ما طلبه لي، قلت بأني متأكد بأنه لا أحد قد يطلب لي أي شيء، اقترح بأن أستلم الصندوق على أي حال وأرى ما فيه (!!)، رفضت قطعياً، وأخبرتهم بأن يعيدوه إلى ايمول.

الآن طلبت طلب آخر، واتصل موظف البريد قبل قليل يقول بأنهم يوصلون الطلب بالبريد الممتاز، ولا يمكن أن يتركوه في الدرعية لأنه ليس مكتب بريد ممتاز. سألت إن كان رقم جوالي على الطرد، ولما كان كذلك قلت بأن يتركوه والمكتب سيتصل بي. بدا الموظف حائراً وغير مقتنع، فأخبرته بأن ينسى اقتراحي إذاً ويخبرني عن أفضل حل يناسبه، فكان رأيه مكتب لهم غير بعيد كذلك، لحسن الحظ.

طلبت مؤخراً بعض الأشياء بشكل متفرق، في البداية اشتراك في جريدة، لم يتم التواصل معي بخصوصه أو تحريك الطلب فألغيته بعد اسبوع. والثاني أمور تخص السيارة من متجر معين على ايمول، اتصل بي ممثل للمتجر ليخبرني بأن أحد طلباتي غير متوفر، وكان يبدو عليه الإحراج لكونه لم يشطب من موقع ايمول. اقترح إرسال بديل عنه، لكني فضلت حذف هذا المنتج واسترجاع المبلغ، بينما أشتري الأشياء الباقية من المتجر. من الجيد أنهم اتصلوا ولم يستبدلوا السلعة بأخرى مشابهة، كما حصل مع أحد تجار موقع سوق، الذي استجابت خدمة العملاء لديه بسرعة وتصرفت على نحو لائق حينما اتصلت شاكياً.
بعد حذف السلع غير المرغوبة من ايمول، لم يرد شيء منهم لإرجاع المال الذي دفعت إلى حسابي. راسلتهم مرتين أو ثلاث، وكنت أخطط في المرة التالية إلى التلويح بشكوى إلى وزارة التجارة. لكنهم لحسن الحظ ردوا، وأوضحوا بأن المبلغ سيعود خلال خمسة أيام، وقد عاد قبل ذلك.

المتجر جيد، ويوفر بعض الأشياء بأسعار رائعة، وخدمة توصيل سريعة ومرنة. لكن التواصل معه مع ذلك صعب، ليس لانعدام الوسائل، إنما لأن التفاهم مع موظفيه غير سلس، رغم تهذيبهم ومحاولتهم المساعدة في أغلب الأحيان، إلا أنهم تنقصهم الخبرة، ويبدو أن المشرفين عليهم لا يملكونها كذلك.












ذهبت إلى القصيم نهاية الأسبوع مع والدتي وخالتي، والخادمة التي صارت تتوقع المرافقة بلا نقاش، ذلك لزيارة أسرة أختي، وإيصال بعض الأغراض الطبية الضرورية لابنتها. كانت زيارة جيدة وناجحة إلى حد بعيد رغم اقتصارها على يوم واحد، ورغم أني لا زلت غير قادر على زيارة من أريد زيارتهم.

عموماً، قمت بأمر أصبح أكثر تميزاً مما خططت له أو توقعته. قبل الزيارة الفائتة، راسلت طبيب والدتي الألماني في عنيزة، الذي أمضينا في عيادته وقت طويل ما بين علاج طبيعي وعملية صغيرة، قبل أن ترفض والدتي القيام بعملية كبيرة، حيث أمضيت بعض الوقت متطوعاً للترجمة للمرضى الذين لا يستطيعون التواصل مع الطبيب بسهولة. تبين أنه كان سيغادر إلى ألمانيا لقضاء إجازة قبل وصولنا إلى القصيم. هذه المرة أرسلت إليه أسأله إن كان لديه الوقت لأسلم عليه بعدما وصلت إلى القصيم مساء بساعة او اثنتين. أجاب يسأل عن مكاني، وقال بأنه يأنه سيبقى في العيادة إلى الساعة التاسعة. سألت إن كان يريدني أن آتي إليه في عيادته أم بعد انتهاء عمله؟، قال بأن الأمر راجع إلي. قررت الوصول إليه في الساعة الثامنة والنصف، حتى لو كان مشغولاً أكون قريباً من نهاية الدوام فأراه وأمضي.
دخلت إلى مكتبه بعد وصولي المستشفى بقليل، وسلمت. أبدى سعادته بقدومي، لكني كنت ذاهلاً بالتغير الذي طرأ عليه. جلسنا نتكلم لبضع دقائق، نسأل عن أحوال بعضنا وعوائلنا، ثم ساعدته على تسجيل وإرسال فيديو على جواله، إذ أنه لم يعرف كيف يسجل ويرسل فيديو له، يتحدث فيه ويدعم ابنته الدارسة في أمريكا، حيث أن العائلة ستسجل فيديوهات يدمجها أحد الأفراد ويرسلها إليها. قلت بأني سأمضي، لكنه سألني أن أبقى في الاستراحة حتى يرى آخر مريض، ثم نذهب إلى منزله أو إلى الخارج. سألته إن لم يكن متعباً أو يريد أن ينام بعد عناء اليوم؟ قال بوضوح بأنه يحبني ويريد أن يجلس معي أكثر. حينما خرجت لأنتظر، أخذت وقتي بالشعور بالأسى والصدمة وقلبي يختلج؛ لم أره منذ ثلاث أو أربع سنوات، لكن بدى أنها مرت كعشرين سنة عليه؛ كان شكله، صوته، حضوره وكأنما كبر أضعاف مضاعفة. لم يكن شاباً حينما رأيته سابقاً، لكنه كان أقرب شيء للشباب والصحة والحضور الحيوي على نحو مذهل لمثل عمره، كان صحيحاً مليحاً متوثباً. اما الآن، فبدا بأنه شاخ وضعف فجأة، تغير شكله وحضوره هدأ، وصوته تحول وبح وانخفض. هذه السنوات، لم تمر عليه هو فقط؛ ماذا فعلت بي أنا؟ ماذا تغير؟.

لم يطل الانتظار حتى خرج المريض، وكان شاب في أول أو منتصف العشرينات، وسأل الرجل في الاستقبال عن مكان الطبيب في صور قديمة جداً على الجدران؛ صور الطبيب وفريقه حينما كان يلعب في بايرن ميونيخ. لكن الطبيب كان خلفه، فأراه موقعه من الصور بفخر. ثم توجه الطبيب إلى الاستقبال لمّا خرج المريض، وسأل عن عدد مرضى اليوم وربما ما دَخل الصندوق، فدخلت في غرفة الاستراحة بسرعة كي لا أسمع. ثم أطل يبحث عني وخرجت. مضينا وهو يتمنى للجميع نهاية أسبوع طيبة، وخرجنا من المستشفى نتكلم متجهين إلى بيته المشترك مع الأطباء الألمان ضمن حرم المستشفى. دخلنا، وجلسنا على طاولة قرب المسبح، وتكلمنا عن بعض الأمور. بدأ يدعوني إلى زيارة مزرعته في مايوركا، بإصرار كبير. أخذت جواله لأتأكد من إرسال الفيديو، وأرسلته على شبكة المنزل، فجلسنا ننتظره يصل إلى وجهته ونحن نتكلم. دخلنا، وأحضر لي كتيب أنيق يحتوي على صور لمزرعته؛ تحوي ثلاثة فلل أو قصور، اثنين منهما عربيان، لأهل الأندلس العرب الذين هُجِّروا، وكانت المزرعة برمتها ملك لهم؛ وتحوي لمساتهم من قنوات مائية ومدرجات زراعية وبعض النخيل. كان أمر يشق على القلب. ركّز على القنوات المائية بعدما رأى اهتمامي بها، وظل يحاول أن يقنعني بالزيارة، بإصرار احرجني.

قال بأنه يريد أن يدعوني للعشاء، فخرجنا بعد ساعة من البقاء بالمنزل. في المطعم الذي اختار، بدا أنه متورط في طلب الأكلة التي يحب، ومن وصفه خمنت بأنها طاجن السمك، فكانت كذلك، وأخبرته بأن يطلبها هكذا. تكلمنا عن عائلته وأولاده، وحكى عن الكثير من الأمور والذكريات، لكن على عكس المرات الماضية التي رأيته فيها، كان مهتم بالسماع والسؤال كثيراً.
عاد إلى موضوع مايوركا، قائلاً بأنه لا يدري كيف يقنعني بالمجيء، وصار يعدد ما يمكنني القيام به هناك. كان أمر محرج جداً.
حينما فرغنا من العشاء، وكدنا نخرج، استوقفنا عامل سوري عند طاولة الحساب، وتبين أنه زار الطبيب ويعاني من بعض الآلام، تحاورا من خلال ترجمتي، وكان السوري يحمل هم أشعة طلبها منه الطبيب لأنها مكلفة، وسأل إن كان يمكن تحميلها التأمين، فقال الدكتور بأنه سيوصي بذلك. كان السوري يحمل هم دفع رسوم مراجعة أخرى، فقال الطبيب بأنه زاره مؤخراً ويمكنه المجيء بلا رسوم. شكرنا الشاب كثيراً، وصديقه كذلك، الذي لحقنا إلى الخارج، وقال بأنه يعاني من مشاكل وسيأتي مع صديقه.

كنت أظن بأنه يريد أن يعود إلى البيت وقد تأخر الوقت، لكنه قال لنذهب ونتناول الشاي في المقهى جوار المستشفى ومنزله. هناك، فوجئت بأن المقهى البسيط هو أجمل مقهى دخلته. كان إلى يمين الداخل خيمة بجدران زجاجية لمن يريد مكاناً داخلياً، ويساراً المطبخ الصغير حيث طلبنا شاي أخضر، وحينما يتقدم المرء قليلاً يجد مدخل حديقة إلى يسارة، صغيرة لكنها تسحر القلب وترتفع به، بأشجار جميلة ونجيل أخضر بين الطول والقصر، ويفرش السجاد للناس مع متكأ لكل سجادة، وهي ربما ثلاث أو أربع سجادات، جلسنا على أقربها، وتحوم قطط جميلة بالقرب باطمئنان. لا يتكلم الناس بصوت مرتفع كما يجري في الرياض، فلا تدري ماذا يقولون لبعضهم، ولا تعاني من عدم سماع رفيقك. طبع الناس هناك أكثر هدوء، ولا حاجة للاستعراض ورفع الصوت ولفت الانتباه، والمراعاة واضحة للآخرين على مرأى البصر، ومن يمر بالقرب يلقي بالسلام. ربما كان هناك بعض الإزعاج من حجرة مغلقة يلعب فيها شباب بالبليستيشن، ولكنه كان للحظة واحدة، ويبدو انهم انتبهوا. لا يوجد شيشة في ذلك المقهى على ما يبدو، وهذا أمر طيب.
جاء رجل عرفت انه نيبالي من شكله بإبريقنا، وقال بأن السعر هو عشرة ريالات، وكرر بالانقليزي مرتين عشر ربيات. صححت له فضحك، لابد أنه جديد. النيباليين أناس طيبين بشكل عام.
جلسنا نتكلم وعاد إلى مسألة الاستمتاع بالحياة، والانتباه للنفس. فأخبرته بأني فعلت ما قال لي ذات مرة حينما تكلمنا في طريقنا إلى القصيم؛ كان قد قال بأني أقرأ عن الكثير من الأماكن، لكن علي أن أزورها وأراها وألمسها بنفسي. أخبرته أين سافرت، وصار يسأل عن تجاربي هناك.
أتينا على ذكر سويسرا، وسأل عن التفاصيل، وعلق بأن السويسريين هكذا مع الجميع، وأنه له تجربة سيئة معهم، لكني أوضحت له الفرق، بين ما قد يتعرض له أوروبي وما قد يتعرض له سواه. أخبرته بأن التجربة هناك كانت مريرة. طبعاً، أسعدتني نتائج ما ذهبنا لأجله إلى هناك، وهذا ما كان مهماً، لكن التجربة في كل جانب آخر كانت مُستنزفة، وقد فتحت ذهني على أمور تمنيت لو ظللت جاهل بها؛ شعرت بخيبة أمل تجاه أشخاص احترمتهم سابقاً، ثم في سويسرا بدا أني فهمت لماذا تغيروا بعدما عادوا إلى بلدانهم.
عاد إلى موضوع مايوركا عدة مرات، وكان يقول بأنه يجتمع مع زوجته وأبناؤه في مزرعته بالصيف، وأنه يرغب بأن آتي في ذلك الحين. في المرة الأخيرة لذكر هذا الموضوع، أخبرته بأني لم أعد أبلي حسناً مع الغربيين؛ ستكون مخالطتي لأسرته وللمجتمع هناك متعبة، قد أبلي على نحو أفضل مع من يماثلونني بالسن أو يكبرونني سناً، قلت هذا لمجاملته فقط، فهو حالة استثنائية، لكن الوضع لن يكون جيداً مع من سواهم. شرحت له بأن الناس لا يتحملون ولا يريدون وجهات نظر مختلفة، بينما ثقافتي وعقليتي لا تتوافق مع طريقتهم، وإن أعجبتهم في البداية قد يسمعون ما لا يعجبهم لاحقاً، وإن تصرفوا بأدب تجاه وجهة نظري أمامي، فسيبتعدون وينهون العلاقة بكل الأحوال، وأنا لا نية لدي لأتصرف وأقول حسب ما يريد الآخرين لأرضيهم؛ إنها مسألة مبدأية، خصوصاً أني لا أعترض على وجهات نظرهم وطريقتهم في العيش. أعطيت أمثلة سريعة، السياح الغربيين الذين صادقتهم في البيرو، كانوا أناس طيبون حقاً، لكن بدا أن وجهات نظري خلال النقاش والرسائل لاحقاً غير متوقعة وغير مريحة، وآخرين غيرهم. قال أنه مدرك بأني لست إنساناً سهلاً، ثم أوضح بأنه يقصد بهذا أني إنسان ذو عمق، وأن هذا صعب على البعض التعامل معه.

تكلمنا عن أمور أخرى، وكان يحاول أن يأتي على ذكر صديق مشترك افترقت عنه منذ أن التقينا، رغم معرفته بأننا لم نعد على اتصال، كان يريدني أن أقول شيئا، وهو ما تفاديته بعناد.
قال بأن ذلك الصديق حكى له عني كثيراً، وأنه يعرفني أكثر مما أتصور، وشرع يخبرني بما يعرفه عني. قال بأنه معجب بي وبهدوئي وطريقتي بالتعامل مع الأمور، لكنه حائر بالأمر، لماذا أنا هكذا؟ كان يجب أن أكون أكثر اقبالاً على الحياة، أن أتصرف كشاب، وقارنني بصديقه وشريكه التجاري من أهالي عنيزة، وهو رجل ثري في خمسيناته، واصفاً إقباله على الحياة. أوضحت له أن العمر في القلب، وأني بأي حال لم أعد صغيراً. قال بأنه يعرف بأن عمري بالذات في قلبي، لكنه يتمنى لو عشت حياة أكثر متعة وسعادة. قلت بأني على ما يرام. قال بتعبير عميق في غير مكانه: هل تدري بأن عيسى "عليه السلام" كان بمثل عمرك حينما توفي؟ ضحكت وقلت: ربما علي أن أحذو حذوه إذاً. أقطب حاجبيه بضيق وصد قائلاً لا تقل هذا.
سألني إن كنت سعيد هكذا، فأوضحت بأن السؤال غير صحيح؛ إن السعادة لحظية في هذه الدنيا، إنها تحدث في لحظة ولا تستمر، لكن الأكثر ديمومة هو الرضا. قال إذاً هل أنت راضٍ؟ قلت بأني لست براضٍ، لكني أحاول، لأن ما اخترته لحياتي هو الصحيح، وهذا ما يجب أن يشعرني بالرضا. سأل عن حياتي أكثر، ثم سأل عن العمل، هل أنا راض عنه؟ قلت بأني غير راض، لكن الوضع ليس بشديد السوء، إني فقط أشعر كل صباح بأني كالخروف الذي يجرونه إلى المسلخ، مع ذلك، لا يكون الوضع هناك سيئاً، إنما فقط شعوري بأني لا أتقدم من هذه الناحية بأي شكل، ولا أحقق أي شيء، ولا أقوم بما أحب، لكن لا بأس، لأني قريب من المستشفى، وهذا شيء مريح وعمليّ لما اخترته لنفسي.
سأل ماذا أحب أن أعمل؟ قلت بأن الأشياء التي أحب لا أستطيع أن أعتاش منها، لكني أتمنى لو كان لدي مزرعة، أود لو زرعت شيء معين لا يزرع بالعادة، لكني أعلم بأنه يجب أن يزرع ويستفاد منه، إلا أني لا أملك المال، ولا المعرفة تجاه كيفية القيام بالأمر، فهو ليس كزراعة أي شيء آخر. قال بأنه يمكن إيجاد من يعرف، وتحمس كثيراً دون أن يدري ما هو الشيء الذي أود لو زرعته، وقال بأن صديق عزيز لديه يملك مزرعة عملاقة بالقرب، ويمكنه أخذي إليها لأراها وجمعي بالرجل، قائلاً بأنه يزرع كل شيء، من تمور وبطيخ وحمضيات وورقيات، قلت بأن هذه أشياء عادية زراعتها ممكنة. ثم قال بأن صديقه الدكتور فلان الفلاني قد يكون له رأي فيما أريد زراعته، لكني قلت بأن الأمر غير ممكن، وأضفت بأن اهتمامي قد زال حينما قلت بأن صديقه دكتور، فهؤلاء لا نفع منهم. أخبرته بأنهم ينظرون إلينا دون دون، أن صديقه على الأغلب لن يهتم لشأني أو يرغب برؤيتي. قال بأن صديقه هذا متواضع وبسيط، فأخبرته بأنه على الأغلب يريد كسب إعجابه فقط، فهؤلاء الدكاترة السعوديين هم من الأسباب القوية لتراجعنا كمجتمع حسب اعتقادي، لأنهم لا نفع منهم ومع ذلك يعتقدون بأنهم أفضل من الجميع، ولكن هذه ليست غلطتهم بالكامل، لأن المجتمع أفسدهم بالتقدير الزائد، وأنه إن رأى من هذا الرجل لين جانب وتواضع، فهو لأنه يريد أن يكسب إعجابه فقط، لإنه غربي، الكثيرين يريدون كسب إعجابه ومقارنة أنفسهم به، وهم هكذا، سيعاملونه بشكل جيد ليكسبوا صداقته فيشعروا بأنهم فوق مستوى الآخرين وأفضل من الرعاع، لكن عليه فقط أن يحتاجهم في أمر مهم قبل أن يغادر البلد نهائياً، حيث سيتبين بأنه لن يعود منك نفع أو فائدة في دعم ثقتهم بأنفسهم أكثر، ومثل الصديق المشترك بيننا، قد يطعنوك بالظهر قبل أن تغادر إلى بلدك حتى كما جرى معه، حيث أني حذرته كثيراً كثيراً ولم يسمع الكلام، لذا انتبه لنفسك ولا تكن طيباً إلى هذا الحد، هكذا شرحت له ونصحته. ثم أخبرته عن قصصي معهم، وقصصي ووالدتي مع الأطباء السعوديين في المستشفى، كيف أنهم ملاعين قساة مغرورين، وكانت عيناه تتسعان ذهولاً من القصص. كان لطف الأطباء إجمالاً وتواضعهم في سويسرا صدمة بالنسبة إلينا، بقدر ما كانت خسة وعنصرية عموم الشعب السويسري صدمة كذلك.

تكلم عن ابنه، وهو يحبه كثيراً ويستمتع بذكر مآثره. قال بأنه يعزف القيتار، وسألني إن كنت أحب القيتار؟ قلت بأني لا أكره الآلة، لكنها ارتبطت بذهني ببعض الناس من عندنا، الذين يتخيل الكثير منهم أنه حينما يعلق القيتار إلى ظهره يتحول فجأة إلى مفكر عميق وإنسان حساس. بالطبع، ليسوا جميعهم هكذا، لكن يبدو أن القيتار من الطرق السهلة والمكشوفة لإعطاء هذا الإنطباع في رأيي. سألني ماذا أحب من الآلات، قلت بأني أحب آلة اسمها اللَيرا، وهي آلة وترية تشتهر في اليونان وأماكن أخرى، قال بأنه يعرفها، وقال بطريقة يوحي بها إلى تفهمه اختياري للآلة، بأنها حزينة وقاتمة. بالواقع، يمكن لها أن تصدر أنغام جميلة، إني أحبها جداً.
قال بأنه يخطط لجلب ابنه ليعيش معه هنا لبعض الوقت، فيتعلم العربية، ويتعرف إلى أناس يعرفهم هو، واصفاً إياهم بالمثيرين للإهتمام، وكرر هذه النية بتأكيد. قال بأنه يريد لإبنه أن يكون جسراً بيننا وألمانيا. سألت إن كان ابنه يوافقه على هذه الخطة، فقال إنه يوافق، وسأل عن رأيي. قلت بأني أتمنى أن يجد الشخصيات المثيرة للإهتمام التي تقول مثيرة للإهتمام حقاً. ثم سألني عن رأيي في مسألة تعلم ابنه للغة العربية، وأهمية التواصل والتفاهم. قلت بأني أعتقد بأن التواصل اللغوي لا يعني بالضرورة التفاهم، ولهذا أرى أن الأمر يُعطى أكبر من حجمه الحقيقي. سألني إن لم أكن مثله، إذ يعتقد بأن معرفة لغات الآخرين تساهم في فهمهم والتواصل معهم على مستوى رفيع، قلت بأن تعلم لغة الآخرين قد يُخرج المرء من مأزق، وهذا أمر مهم وقد نصح الرسول صلى الله عليه وسلم به، لكنه لا يعني التفاهم والاتفاق أو الحوار في رأيي، هذه الأمور عبارة عن موقف ونية وليست مجرد تواصل لغوي، إن التفاهم يكون بالإحترام وترك الشعوب تعيش بالطريقة التي تراها، وليس بالاحتقار والضغط وفرض قيم الآخرين عليها، لهذا لا أعتقد أن التواصل اللغوي قد يحل أي مشكلة بذاته، الأمر ببساطة عش ودع غيرك يعيش. هذا أمر لا أعتقد أنه سيحدث.

تحدث عن التعليم هنا والمشاكل الواضحة التي تواجهه، وقال بأنه يرى كم الإحباط الهائل الذي يظهر على المعلمين والمعلمات في عيادته. لم يكن الأمر خافياً علي، حيث أني أتذكر تلك المعلمة من بريدة، حينما كنت أتطوع للترجمة بينه وبين المرضى، كانت محبطة ومتوترة على نحو لا تخطئه العين، كان أمر مثير للشفقة والتعاطف. الفارق بينه وبين أطباؤنا؟ إنه لم يكتفي بفحص قدميها المتعبتين، إنما سألها لماذا يبدو عليها الإحباط؟ لماذا هي متوترة هكذا؟، قالت بأنها تتعب في المدرسة كثيراً، قال بأنه سيساعدها بقدر ما يستطيع، لكن هل هناك أمر آخر يتعبها؟ قالت لا، إنها تتمنى فقط لو ساعدها بتخفيف العبئ التدريسي، وكانت بالفعل تحتاج إلى هذا لأن ساقيها كانتا في حالة سيئة. قال بأنه سيكتب كل ما يلزم وكل ما يمكن أن يساعد. حينما خرجت المرأة، لحقتها، وكانت تكنى أم فهد، وأخبرتها بأن شقيقتي خُفف عنها العبئ لظروف صحية مماثلة، وأنها يمكنها أن تتكلم معها إن شاءت لتعرف كيف يتم الأمر. أعطيتها الرقم وأخبرتها بإسم أختي، وقلت لها بأن تخبرها حينما تتصل بأنها أم فهد من طرفي.

عودة للطبيب، قلت له بأنه لا لوم على المعلمين والمعلمات، إذ يحق لهم الإحباط، إنهم يعاملون كمكائن بلا مشاعر، يتوقع منها أن تفعل ما يراد لها، إنهم لا يناقشون ولا يؤخذ رأيهم بأي شيء، فقط يعطون المناهج والقرارات المصيرية دون أن يكون لهم أي رأي أو يؤخذ منهم مشورة في أمور هم الأدرى بها وهم من يتأثر بها قبل سواهم. إن وضعهم أسوأ من السابق بكثير. قال بأنه يعرف هذا، وهو أمر محزن، إذ يبدو أنهم لا يحظون بالإحترام الكافي هنا.

كان قد أخبرني في المطعم بأنه يشرف على بناء منزل كبير لأحد أصدقاؤه السعوديين في جنوب ألمانيا، إذ قد يذهب للعيش هناك. هذا الصديق فاحش الثراء بالطبع، ما شاء الله.
وفي المقهى الجميل، تكلم عن الوضع السياسي، قال بأن المرء عليه أن يتفادى الاستثمار في السعودية في الوقت الراهن، حيث لا تبدو الأمور مطمئنة، وشرح بأن إيران والسعودية تنعدم بينهما الثقة، وإيران تزداد عداوة، بينما أمريكا تسحب حمايتها من الخليج العربي، وأنه يتوقع حرباً كبيرة. لذت بالصمت، وتابعت قطة جميلة على العارضة أمامنا، كنت أراقبها من قبل أن يتكلم. لم أكن أريد التحدث بالسياسة، لا أحب التحدث بالسياسة، وإن تحدثت فلن أناقش وضع بلدي مع شخص أجنبي، هذا قرار اتخذته منذ فترة طويلة الآن، مهما حسنت نوايا الشخص الآخر. لكنه سأل بضيق بعدما مل الانتظار: ماذا ستفعل حيال هذا يا سعد؟. قلت ببساطة وصدق: لا شيء. لما كان هذا كل ما لدي لأقوله، حاول أن يعطي الموضوع مسارًا آخر قد أهتم به، فقال بأني أرى أن صديقه يبني منزل في ألمانيا، لمثل هذه الظروف المتوقعة على ما يبدو. قلت بأن صديقه لديه المال، وأنا ليس لدي شيء، بالطبع إني أحب بلدي ولا أريد مغادرتها، لكني أعلم بنفس الوقت بأنه من الجيد لو كان لدي منزل في مكان بعيد وآمن لعائلتي فيما لو حدث شيء، لكني لا أملك شيء، ولا أنوي التصرف على نحو آخر. بدى عليه بعض الأسف لسبب ما. قال مقترحًا بأني يمكنني العيش في الخارج. لكني لم أجب، وكانت القطة قد اقتربت، وكنت أرجو لو أمكنني الانشغال بأمرها لبعض الوقت، بعيداً عن هذا الموضوع. لكنه سأل؛ لماذا لا أفكر بالأمر؟، فقلت بأني أحب بلدي كثيراً، وحتى لو فكرت بالعيش في الخارج، لو فكرت بالعيش في البيرو كما تمنيت كثيراً، كيف لي ذلك وأنا بلا مؤهلات أو مواهب مهمة؟ إني لست بطبيب مثله، ولا مهندس أو أي شيء مهم، ماذا سأضيف للمجتمعات الأخرى؟ ولماذا سيريدونني؟.
صَمَتَ طويلاً، ثم سأل: ماذا يمكنني أن أفعل لتكون سعيداً يا سعد؟. قلت لا شيء، إني على ما يرام.


كنت أستلقي حيناً على جانبي، وحيناً أجلس مقابله، وحيناً إلى جانبه متكئاً على المتكأ معه، وحيناً في زاوية السجادة، لم يعد حضوره يحفزني على الحذر والتفكير المسبق كما في السابق، وليس لأنه هو تغير؛ إنما لأني أنا تغيرت.


تحدثنا عن أمور كثيرة، إذ لم يكن يريد أن نخرج، وكنت حينما أسأله إن كان متعباً أو يريد أن نغادر يقول لا، لنبقى قليلاً. حتى بقي على الثانية ليلاً ربع ساعة، فقرر أن نخرج. حينما خرجنا من المقهى صافحني، ثم سحبني واحتضنني بشدة، وأطال. لم أتوقع هذه اللفتة. قال بأن أبلغ سلامه لوالدتي ولأختي التي نزورها، وأننا يجب أن نلتقي مرة أخرى، ربما في الرياض حينما يأتي هو. ثم افترقنا.


كانت رحلة طيبة إلى القصيم، تنفست بعض هواءه على الأقل.








أعتقد أن اهتماماتي بدأت تزداد عما كانت عليه، أجد نفسي فجأة راغب بزيارة القرى والمدن المجاورة، والذهاب أبعد في حدود البلد وقربه. كانت هناك دائماً مناطق وأماكن أود رؤيتها على نحو مخصوص؛ مدائن صالح، مدين، رجال ألمع، المفتاحة، الأحساء، تيماء، فرسان… لكن الآن، أريد أن أرى البر كما يراه عشاقه، أريد أن أرى مختلف الأماكن غير المطروقة، البعيدة والقريبة. أخطط هذا الشتاء لزيارة بعض الأماكن بعون الله. بالتأكيد براري القصيم، رغم أن زيارتي لها ستكون مختصرة بالتأكيد وبالقرب من المدن.
لكني أتمنى لو خرجت إلى حيث يخرج الناس للتخييم بعيداً.









حصل الجوال على تحديث جديد، وهو قد تأخر عن الموعد المحدد لأكثر من شهرين، كما لم ينزل في أي مكان على نحو تقليدي، سوا في بعض الحالات الاستثنائية. اضطررت إلى تحميله من الموقع الأوروبي، حيث تتوافق موديلات جوالاتنا معهم لحسن الحظ، بخلاف الهند على حد علمي، وهي التي حصلت على التحديث قبل الجميع.
لم أتوقع أن أتمكن من تحديثه بنفسي بصراحة، وكنت أخشى أني سأفسد جوالي، لكن تبين أن الأمر غاية في السهولة. فضلت تحميل برنامجين مع ذلك، أحدها لتسريع تحميل الملف الكبير على الجوال، والآخر لإدارة الملفات على نحو أسهل مما يتوفر على الجوال.
التحديث أضاف ميزات رائعة، وتحسينات كثيرة. الجوال أسرع بكثير، والبطارية الجيدة أساساً صارت أجود بمراحل، وقدرات الإتصال بالواي فاي أفضل، والكاميرا أنقى بفرق واضح، وصار للجوال القدرة على عرض صور البؤرة العريضة، وهي خياري أساساً حينما تكون الصورة مهمة، بشكل ثلاثي الأبعاد، بحيث أن إمالة الجوال حين النظر إلى الصورة تتحرك الأشياء داخلها بشكل مجسم أو بأبعاد واضحة فيما بين الخلفية والمقدمة في أسوأ الأحوال، وهذا شيء ممتع، إلا أنه للأسف لا يوجد طريقة لعرض الصور على هذا النحو في الجوالات الأخرى أو على المواقع، عكس الحال مع كاميرا ليترو lytro المتطورة. لم أكن أتوقع تحسن جودة الصورة أكثر في الجوال بصراحة، وكانت هذه مفاجئة سارة، خصوصاً أن الشركة لسبب ما لم تعرض قائمة في التغييرات، بينما عرض موقع واحد فقط من الهند قائمة ببعض التغييرات التي وجدت، مثل التصوير المتسارع للمشاهد البطيئة، مثل تسريع شروق الشمس.
كما صار الجوال يتعرف على الأماكن التي يمكنه الاتصال فيها بالواي فاي، فيشغل الواي فاي تلقائياً حين الوصول إلى تلك الأماكن، ولو كان مغلقاً، لكن هذه الميزة لا تعمل بكفاءة دائمًا. طبعاً، هذا خيار يمكن إلغاؤه، لكنه مفيد جداً لمن ينسى انترنت شبكة الجوال المكلف يعمل، مثلي، لو كان يعمل حقاً في كل مرة.









كم هو غريب في الرياض أن ترى بعض الأمور المسلم بها في أماكن أخرى، أن ترى الهواء يحرك الشجر والنخيل مثلاً. مؤخراً، تهب نسائم عليلة غير متوقعة، فتشد نظري الأشجار القليلة وهي تتمايل، مثل شجرة الآن أنظر إليها عبر نافذة برقر كنق. إنه منظر يبعث الحياة في النفس. كم نحن فقراء…
كان شعوري معززاً في القصيم تجاه الكثير من الأمور، أشعر بالذهول حينما أحس بالهواء يتحرك بلطف، وحينما أرى المزارع تخترق بعض النواحي المَدَنية، وكأنما النخيل يريد لفت الانتباه إلى حضوره، أو ربما الإطلاع على البشر عن قرب، في بيئة لا تسمح بغيرهم، مصطنعة لراحتهم، لكنها تعرضهم على نحو أقل إنسانية، وكأنهم مجرد فرجة، كالحيوانات الحبيسة في أقفاص، لا يسكنها غير نوعها.
المطر يغير الرياض جذرياً، تتغير الألوان، ويصبح منظرها القبيح عادة باعث على الطمأنينة والسكينة. لكننا لم نحظى به بعد كالمناطق البعيدة وبعض نواحي نجد.

يا للحظ الطيب، ها هي تمطر الآن، الحمد لله، بعد منتصف الليل. كم أتمنى لو استمر هذا طويلاً، عبر الأيام.










أَمَلُك الأناني انقطع…
وخيبتك على وجهك تضطجع…
ساخرة من غبائك…

تواسي مستلقاها على خدك…
ثم تنتقل إلى عينك…
على تجاهلي إياك تطّلع…

خيبتك تستمع…
إلى حكاياتي لا تنقطع…
آسفة على كبريائك…

هوينك على نفسك…
إليك عن قلبك…
فهذا لك درس فاقتنع…









أتساءل أحياناً عن بعض زوار المدونة المنتظمين على ما يبدو، من بلدان بعيدة مثيرة للفضول، أوكرانيا؟ روسيا؟ ليتوانيا؟ لاتفيا؟ بولندا؟ السويد؟ الهند؟، وجدت أن مدونتي تتم ترجمتها آلياً في بعض الأحيان إلى لغات مختلفة، فيما ينسى شخص ما من اوكرانيا مدونتي معروضة في متصفحه على ما يبدو، فتتكرر المشاهدات لنفس التدوينة من اوكرانيا لفترة طويلة. لا أستغرب من دول مألوفة، أمريكا، بريطانيا وفرنسا، لكني أتساءل، خلافاً لرؤية البعض في القليل النادر من آسيا أحياناً كاليابان والصين وفيتنام، حينما أرى الدول السلافية تتردد بكثرة غريبة على المدونة، مزاحمة أمريكا وفرنسا وألمانيا، هل العرب كثرة هناك؟ لأنه ليست كل المشاهدات مترجمة آلياً على ما يبدو، كما أن الترجمة الآلية لا تساعد كثيراً. أحياناً، يبدو الأمر وكأنه تواصل مع أناس من كوكب آخر، تواصل من طرف واحد، مع العلم والتأكد بأنهم ينصتون على ذاك الكوكب اللامع بعيداً في السماء.

لكن، ربما هي مجرد بروكسيات هذه المشاهدات؟، أناس قد يكونون جيراناً في الرياض، أو في أي مكان آخر، وليس بالفعل من تلك الدول؟.
سلام وتحية لأولائك الأشخاص، أينما كانوا.








كلٌ ينام على الجنب اللي يريحه، مقولة أقدرها وأفكر بها كثيراً. يحدث أن لا يفهم الناس خيارات الآخرين، وربما لعدم فهمهم مسوغ، لكن التحامل والإصرار على تغيير خيارات الآخرين وطريقة نظرهم للأمر، رغم عدم رغبة الطرف الآخر بالذهاب إلى هذا الحد بالمناقشة والتدخل، أمر يحدث كثيراً. هذا فيما يخص شئون الحياة بتنوعها. أما على المستوى الشخصي، لا يتقبل الناس عادة المواقف الجديدة التي يتخذها الآخرين منهم، مهما كانت الأسباب التي دعت إلى ذلك وجيهة. لا يفهمون أن أخطاؤهم قد تكون ضارة إلى حد الشناعة، أو متراكمة إلى حد لم يعد يسمح بالتغاضي، فماذا يجني المرء من التحمل أكثر؟. فتراهم يحاولون أحياناً تغيير رأي المرء عنهم إما بالقوة، بنقاش حاد لتبرير ما قاموا به على مر الزمن أو في موقف معين، وربما إسقاط الأخطاء على المرء نفسه، ومحاولة إقناعه بأنهم هم الضحايا بالواقع، رغم أنهم هم من ارتكب الخطأ (حدث معي كثيراً).

لكن، أحياناً تكون محاولة تغيير رأي المرء وما يختار من مواقف محاولة ناعمة، ربما ملتوية، لا تعالج أو تتعامل مع دافع الخيار وأساسه، إنها محاولة للثني والسلام.
قررت أن أتفادى شخص تبين لي أن العلاقة معه متعبة، لا جدوى منها ولا طائل، مشغلة للذهن بافتعال المواقف الفارغة، ومحاولة الحصول على الانتباه والاهتمام دون الرد بالمثل. لم يبدو أن التحجيم يؤدي إلى أي نتيجة مُرضية لي، بل إن النتيجة جاءت معاكسة، أصبح الإصرار أكبر، والدراما أكثر استفزازاً واعتباطاً. لذلك، قررت قطع الأمر من قاصره كما نقول هنا؛ قررت قطع أي نوع من التواصل، على كل مستوى، وكانت خطة فعالة، والنتيجة جيدة، ومريحة. في البداية لم تنقطع المحاولات لافتعال مواقف ولفت انتباهي، لكني تجاهلته تماماً، حتى السلام تجاهلته، ولم يعد هناك مجال لأي دراما وسوء تقدير من طرفه، حتى انقطعت بالتدريج. كما تصرفت بإصرار كما لو أن التلطف المفاجئ تجاهي لا يغير من الأمر شيئاً، فهذا التلطف هو الإلتواء الذي أتكلم عنه؛ هذا التلطف البسيط المتأخر الذي يبدو وكأنما جاء بلا سبب، وكأنه معروف يصرف كمبلغ مقطوع مقابل استمرار مهمة، إنه لا يؤثر بي، ولا يجدر أن يؤثر بأي أحد، كنصيحة أقول هذا. الأشياء تعالج من جذورها بالسؤال والوضوح أو تصحيح الموقف على الأقل، وإلا فلا حاجة لها.
للأسف، يضطرك الناس الذين يستغلون ما تكنه لهم من تقدير إلى تغيير اتجاهك وعكسه تماماً؛ إنك لست بئر بلا قاع من الإهتمام والتقدير، لكل شيء حد، وكما نقول كذلك؛ ان كان خويك (رفيقك) عسل، فلا تلحسه كله. إن الدنيا أخذ وعطاء.

من جهة أخرى، وفي الجهة المقابلة، أسأل نفسي أحياناً عن مكمن خطأ في تقديري لأمر ما؛ لماذا آلت الأمور إلى غير ما توقعت؟ إلى غير ما كانت ستؤول إليه منطقياً؟. أعرف في بعض الحالات مكمن سوء التقدير من طرفي، ما أخطأت به، ما قدرته على نحو سيء وأعطيته أكبر أو أقل من حجمه، أو موقف محدد كان يجب أن يكون على نحو مغاير، أو لا يكون أساساً، أعرف هذا أحياناً، وأضع يدي على العلة في النهاية، وهذا شكل من أشكال الفرج، إذ يصبح تفادي الأمر ممكناً في المستقبل.
لكن في حالات، يتدهور الأمر على نحو مفاجئ، بعد سنوات وسنوات من طيب المعشر والتقدير، دون سبب واضح أو وجيه. يفكر المرء؛ هل كان يروي شجرة مسمومة؟ أم يسقي زرع احترق قبل أن يؤتي ثماره؟ أم هو زرع محترق من الأساس، وقد عميت عنه البصيرة طوال السنوات؟.










التقيت مؤخراً بصديق تعرفت إليه حينما حججت قبل سنوات. علاقتنا المتقطعة لم تتوقف، وهذا شكل من النجاح، حيث أن اهتماماتنا لا تلتقي تماماً، وأساليب حياتنا مختلفة. كنت قد صادقت إلى جانبه رجل آخر، على جانب من الطيبة، لكني قررت أن أبتعد بعدما تبين أنه ينظر تجاهي بإزدراء لا أفهم سببه، ولا خلاف لديه على التحقير من شأني، وتبين أن صديقي هذا اتخذ نفس الموقف لنفس السبب، كما عرفت قبل سنوات.

أشعر بالذهول من الأمل والإصرار لدى هذا الصديق الذي التقيت، ما شاء الله، مثابرته للوصول إلى وضع أفضل رغم الإحباط، وعدم استكانته لما هو عليه. لقد توقفت عن التفكير على نفس النحو منذ زمن بعيد.


زميل طيب صغير بالسن في العمل، أخبرني عن رؤيته المثالية للعمل، وهي رؤية يُثبتها عملياً، وقد شرح لي أن الأمر استثمار للعمر في هذا الوقت. بالطبع، كان شرحه بعبارات أخرى، لكن هذه هي الخلاصة. أخبرته بأني أتمنى لو كنت أستطيع أن أفكر بنفس طريقته.
إني بالواقع لم أعد أملك الجهَد الكافي للقيام بشيء مهم، وقد تجمدت بحيث صار يصعب تحفيزي، وفقدت الثقة بجدوى المجهود والقيام بشيء جيد ومميز. لا يوجد أفق.
كل ما بقي هو أحلام طويلة كالأبد، مرهقة، مستحيلة مؤرقة، لا حل لها سوى نوم طويل كالحق. 

أشعر بالإعجاب برؤيته للأمور ومثابرته ورضاه، بإتزانه الواضح وتربيته الحسنة ما شاء الله.










كراهيتي للمستشفى الجامعي لم تعد تقف عند حد، لكن وجوده بالنسبة إلي يعزز المعنى لوجودي، أمر لا بد منه لأكون ذا فائدة في شيء.
كنت أجد راحتي في بعض التطويرات البسيطة، التي اختفت لسبب ما، بما أنها كانت من أسباب راحة المرضى ومرافقيهم على ما يبدو. كانوا قد استحدثوا صيدلية خاصة بإعادة صرف الأدوية، حيث يحتاج من يعانون من الأمراض المزمنة إلى صرف الأدوية الكافية بين المواعيد. هذه الصيدلية كانت مريحة لأن المرء يتصل بهم في الصباح، ويجهزون الدواء ليأخذه في وقت لاحق من اليوم. لكنهم ألغوها مؤخراً مع الأسف.

لا يعدم المرء تعاون بعض الصيادلة والصيدليات الطيبين من وقت إلى آخر، خصوصاً الشباب والشابات الذين لم يتعلموا النذالة بعد من الكبار، أو من مديرهم الذي علم سابقيهم السحر؛ رجل أردني جلف صفيق نذل عديم القلب جذوره ضاربة في عمق الصيدلية، لا أتفاءل إلا سوءًا برؤيته.
استحدثوا قبل فترة كذلك صيدلية خاصة لموظفي المستشفى والجامعة وذويهم، لكن أمرها مضحك، وكأنما جاءت لتؤكد على معاناتي مع هذا المستشفى. لم أتمكن سوى من تسجيل والدتي، أي أني على الأغلب سأضطر في كل الأحوال إلى زيارة الصيدلة العادية المزدحمة، رغم أن هذه غالباً مزدحمة كذلك، لآخذ أدوية أبناء وبنات إخوتي. وحينما أكون محظوظاً بما يكفي ولا يكون لدي سوى أدوية أمي لأصرفها، أفاجأ حين الصرف من الصيدلية الخاصة بأن بعض أدوية أمي ليست موجودة لديهم، فأنزل إلى الصيدلية العامة، وأنتظر من جديد لأحصل على الأدوية التي لم تتوفر في الأعلى لدى صيدلية منسوبي الجامعة. أحياناً أضحك، وأحياناً أشعر بأني حريق يمشي، وأحياناً أريد أن أخرج من الصيدلية جرياً وأقفز من الشرفة إلى الطابق الأول على رأسي.

ذهبت ذات مرة إلى مدير الصيدلية في المبنى القديم، وأخبرت السكرتير بأني أريد أن أقابله لأقترح توفير مراسل يأتي بالأدوية الناقصة في صيدلية المنسوبين، إذ ما الجدوى وأين التخفيف عن الصيدلية العامة حينما يضطر المرء إلى زيارة الصيدليتين؟!. قال بأن توفير المراسل صعب، فرجوته أن يدعني على الأقل أكتب اقتراحي لمديره. لا أدري إن كان المدير قد قرأ ما كتبت، لكن أثق تمام الثقة أنه إن قرأها فلن يجد فيها سوى تطفل وسخافة من لا يعرف مهمته الجسيمة والمستنزفة لحياته.

يضحك أحياناً الصيادلة من كم الأدوية التي آخذ، ثلاثة أو أربعة أكياس كبيرة، يقولون: الله يشفيها الله يشفيها. المراجعين الآخرين يعلقون أحياناً، مازحين بأني ’خلصت الأدوية’ وأحياناً بالدعاء، وأحياناً بالنظرات الذاهلة. كان صيدلي أردني (آخر، ليس بسيء) ذات مرة قد قال لي بحدة: بعض الأدوية مستلمينها!. قلت بأني لا أحاول خداعه، فأنا لا أدري ماذا استلمنا آخر مرة، فما كان لدينا لا حاجة لإعطائي إياه. بالواقع، يتبين كل شيء لهم على الحاسب، وعادة لا يناقش الأمر معي أساساً، لأنهم أعرف بما صرف وكم صرف منه. حدث نفس الموقف ذات مرة من صيدلي سعودي شاب، عصبي الطبع، لكنه طيب القلب، مثل الأردني الآخر هذا، لكن الشاب السعودي شعر بخجل أكبر من موقفه، وكان يريد تعويضي عن سوء ظنه وحدة رده، ولا يدري ماذا يفعل. إني أعرف طباع بعض الصيادلة جيداً، خصوصاً من قضوا بعض الوقت عملاً في نفس المكان، لذلك أجد نفسي أدعو الله دائماً وأعيش قلقاً حقيقياً بأن لا يقع دوري عند هذا، وأن يقع عند ذاك، خصوصاً إذا ما شعرت بأن شيء ما يستوجب شرحاً في الحالات النادرة، وحينما يقع دوري عند صيدلي شرير، أجد نفسي أقول من الداخل وأنا أسير إلى نافذته، بصوت باكي وعاجز: يا ربيه... سابقاً، تواجد صيدلي سوري لا يستطيع المرء حينما يجلس أمامه، ولو لم يتكلم، إلا أن يشعر بطمأنينة عميقة، وشعور بالامتنان لحضوره المريح، والطيب. إن تحدث فهو لا يتحدث سوى بأحسن الكلمات، ولا يقدم سوى أصدق النصائح، وفي الحالات المحتقنة لا ترى منه سوى أرق المواقف. لكن هذا، كشأن الكثير من الطيبين، لم يبقى في مكانه، بيد أني رأيته قبل فترة يسير في المستشفى؛ على الأقل لا زال هنا. يوجد هنديين طيبين جداً كذلك، لكنهم ككل الهنود محبطين من نوعية التواصل على ما يبدو.

لكن مؤخراً، ظهر الكثير من الصيادلة الجدد، مكان آخرين اختفوا، لا أدري إن كانوا سيستمرون أم لا، بعضهم غير قادر على التواصل على المستوى الإنساني، وغير قادر على الإستيعاب، وربما قدم سوء الظن على حسنه حينما يتاح ذلك. وبعضهم له حضور غير جاد، وبعضهم مرِح يستمتع بالعمل، وبعضهم متفهم جداً ومسئول جداً.

انتهت بعض أدوية والدتي قبل أوان إعادة صرفها، لإعطائها والدي منها دون أن تخبرني لأشتري. ذهبت لأحاول أن أشرح ما جرا في الصيدلية، إذ بقي على إعادة الصرف أكثر من شهر. في الصيدلية العامة، رفض الصيدلي الشاب أن يتعاون من هذه الناحية، خصوصاً أن والدتي مسجلة في صيدلية منسوبي الجامعة، وكان يسدي معروفاً بمجر صرف الأدوية الموصوفة، واقترح أن أسألهم. أعتقد أنه خشي فقط تحمل المسئولية، ولعله جديد كما يبدو عليه. قررت الذهاب بعد أيام، حتى أجمع كافة المهام لوالدتي وبنات إخوتي وأنهيها تماماً.
اليوم واجهت آخر صنفين، فتاة متفهمة جداً، وشاب مرح جداً. كان هذا بعد خروجي من العمل في نهاية الدوام، وتوجهي مشياً إلى المستشفى. طمعت في أن تكون الصيدليتين غير مزدحمتين في ذلك الحين، إذ أحمل وصفة لابنة أختي كذلك.
في صيدلية المنسوبين، شرحت مشكلة انتهاء دواء والدتي لصيدلية شابة، جديدة كذلك على ما يبدو. سألتني إن كانت كل الأدوية انتهت، وكان الاستغراب واضح في صوتها، لكني شرحت بأنهما دوائين فقط، أما البقية فيمكنني الانتظار حتى موعد إعادة الصرف. لكنها قالت بأنها ستصرفها كل شيء، وهذا تصرف حسن وغير مطلوب منها، فالنتيجة واحدة، سوى أني سأتعب أكثر لو لم تتعاون بكرم هكذا.
ذهبت ولم أنتظر، لأحصل على علاج ابنة أختي من الصيدلية الأخرى العامة، وأحدد مواعيدها في العيادات، في حين يتم تجهيز أدوية والدتي. صادفت ما صادفت من مشاكل في الأسفل، رغم أن الصيدلية العامة شبه خالية، وهي مشكلة كان يمكن تفاديها في النظام الجديد للحاسب.
حينما يئست من الحل واتضح أني يجب أن أرى طبيبة ابنة أختي في يوم لاحق، عدت إلى الصيدلية الخاصة بالمنسوبين، وسألت الشاب في نافذة التسليم إن كانوا قد نادوا على والدتي، تأملني قليلاً وابتسم قائلاً بأنه نادى عليها، ومزح بهذا الشأن، فضحكت. جاء بالأدوية الكثيرة وهو يعلق مازحاً بهذا الخصوص، حتى لاحظ أن أحد الأدوية ذو تركيز قليل على نحو أثار اشتباهه. أعاده لزميلته، وأوضحت وهي تريني الحاسب بأن هذا ما سجلته الطبيبة، وعليها أن تعدله لأحصل على التركيز الذي أقول. طلبت أن أحصل على الموجود، ويمكننا تدبر الأمر، خصوصاً أنه من المستحيل التواصل مع هذه الطبيبة بالنسبة لي. عدت إلى الرجل، وكانت الأكياس الموجودة صغيرة جداً، لن تكفي الأدوية. سألت إن كانت لديهم أكياس أكبر؟ وتبين انها أُخذت كلها، فقلت بأني سأذهب إلى الصيدلية العامة وآتي ببعضها، ودّعني الشاب بلطف شديد ومرح غير معتاد، إلى درجة أني شككت أني أعرفه. حرصت على أخذ كمية كبيرة من الأكياس، ليستفيد منها غيري في الأعلى، وأنا أهرب بسرعة قبل أن يراني الصيدلي الأردني الضخم واللئيم، وهو يحوم كالضبع في الصيدلية. حينما عدت، استقبلني الصيدلي بنفس الود، وهو يسأل إن كنت أتيت لهم أيضاً ببعض الأكياس، فقلت ضاحكاً بأني أتيت بما يكفي الجميع. أعطاني الأدوية، وهو يتلطف وينكت، فأمعنت النظر جيداً في وجهه، من خلف الزجاج القاتم، حيث تصعب رؤيته بوضوح، ويبدو أنه أراد التمعن بي أيضاً، فاقترب من الزجاج. لا أعتقد أني أعرفه. لكن أليس هذا أمر مؤسف؟ أن يكون اللطف والمرح مستغرباً إلى هذا الحد؟، أن لا تكون العدوانية مفاجئة؟، أن يدعو المرء ربه أن لا يكون دوره لدى الصيدلي فلان أو فلان، ألا يكون خالي الذهن تجاه هذه المهمة البسيطة؟.

للأسف، لا يمكنني تدبر أمر علاج ابنة أختي بدون رؤيته الطبيبة، كما أن التركيز المطلوب لا يمكن تعويضه بزيادة عدد الحبوب.

من الجيد أن الصرف صار يتم الآن استناداً إلى الحاسب، بحيث يدخل الطبيب العلاج المطلوب وكميته في النظام، ويتم صرفه باستخدام رقم الملف بدلاً عن الأوراق، لكن لماذا لا يمكن للصيدلي إرسال ملاحظاته إلى الطبيب لتعديل الوصفة أو لأي استيضاح، لكان هذا قد حل مشكلتي دون الذهاب إلى الطبيب بلا موعد، هذا إن سمح لي برؤيته.








"صْحيب"، بتسكين الصاد،
مع تلافْ الخنصرين بعضهما ببعض، بين يدي طفلين متخاصمين، للتصالح. يا ليتها لا زالت تحل المشاكل، وتصلح العلاقات.







كنت أقرأ، ووقعت على موقف في القصة مس قلبي على نحو خاص، أشغلني بأفكاري الداخلية عن النص.
فكّرت؛ الصد بعد القبول؛ هل هناك ما هو أقسى منه؟ مهما كانت أسبابه؟. حسبت بأني لم أتعرض له، لأني لم أكن متأكداً بأني حصلت على القبول أساساً من أحد وجدت منه الصدود. هل أنا محظوظ؟، أم عاثر الحظ؟.









ترمقني بأسف…
إذ طارت الطيور بأرزاقها…
وأنا أصيح وأجري خلفها…
ثم بإنهيارٍ أقف…

لا تأسف وأنت بعيد…
تعال خذ بيدي…
واسني وبدد وحدتي…
وقل لي لا تخف…

ما كتبنا حظنا…
هكذا قل…
وعزني بشقائي...
وبِكَمِّ حزني لا تستخف...

ساعدني لأقف…
اعضدني في سيري…
ولنعد من حيث أتينا…
وعن الأمل لنستعِفّ...




*الصورة التقطتها في وادٍ بالمكسيك.




سعد الحوشان