الخميس، 10 سبتمبر 2009

يجوز التدوين بلا عنوان(أحداث،أفكار،تركي)

بسم الله الرحمن الرحيم













كثيراً ما أثارت اهتمامي الأحلام، إني أتخيل بأنها ضرب من الحياة الأخرى، التي ليس للمرء تحكم فيها، في أغلب الأحوال. رأيت مؤخراً أحلام جيدة، بجود من حضر فيها. كثير من الناس رأيت مؤخراً.



صار وضع جهازي مكشوفاً في العمل، فصارت الكتابة أصعب. عموماً، وقتي ضيق مؤخراً والعمل كثير. وفي المنزل، لا أشعر برغبة بالكتابة، ولا بالخروج للكتابة. عموماً، لا أجد رغبة بشيء مؤخراً.



وردني اتصال غريب من شخص لأول مرة أسمع باسمه، يقول بأننا كنا مقربين في الثانوية، وحاول تذكيري بنفسه بلا جدوى، خصوصاً بأني لا أتذكر مطلقاً الأحداث التي رواها بشكل مختصر. ومما يسهل الأمر علي، أن علاقاتي في الثانوية كانت معدودة جداً، فقد كنت هادئاً في تلك المرحلة. سألته من أين أتى برقمي، قال بأنه تصفح أوراقه القديمة منذ ذلك الحين فوجد رقمي واشتاق إلي. خطر في بالي مباشرة بأني لم أمتلك رقمي هذا سوا في السنوات الأخيرة في الجامعة، ولكني خجلت من سؤاله عن الأمر، رغم استغرابي الشديد. أصر على أن نلتقي، وسأل متى أريده أن يأتي لصطحبني بسيارته؟ أخبرته أنه من الأفضل أن نلتقي في مقهى، د.كيف، وهو مقهى لا أحبه ولكني اخترته. قال بأنه يفضل أن يصحبني بسيارته، ولكني أصريت على الالتقاء في مقهى. أراد أن يكون هذا بعد الإفطار، ولكني اقترحت أن يكون بعد التراويح، فوافق. أغلقنا الخط وأنا تملؤني علامات التعجب. ما لبث إلا أن اتصل مرة أخرى، واعتذر لأنه سيصحب أهله إلى استراحة. تشجعت وسألته من أين أتى برقمي، لما أعاد القصة، أخبرته بأني لم أملك رقم جوال في ذلك الوقت، فأجاب: أجل ما أدري. أخبرته بأني لا زلت لا أتذكره، ولكن ليبقى على تواصل وليخبرني حينما يريد الإلتقاء. أغلقنا الخط. صدقاً، أثق بنسبة كبيرة بأني لم أعرف الرجل، رغم ذلكن يداخلني الشك لأني كنت قد نسيت أحدهم كلياً، شكله وصوته وجميع ما يخص ذكرياته، هكذا محي كل شيء، بينما تذكره بقية الزملاء والأصدقاء وأكدوا بأنه كان يجالسنا دائما. ولكن هذا، يوجد أكثر من علامة استفهام حوله، وأتساءل إن كان الآن يقرأ ما أقول؟. رغم كل شيء، أرجو أن أتذكره لو كنت قد عرفته فعلاً.


 



قبل أيام، طلبت من دكتور تركي تحدثت عنه في تدوينات سابقة توصيف مكان منزله. حضرت عائلته منذ فترة قريبة الآن، وقد دعاني كثيراً للمجيء لزيارته بالمنزل، حتى من قبل حضور عائلته، وللإفطار كذلك. فكرت بأن أذيقه من طعامنا. في نفس اليوم طلبت من أختي تجهيز كبسة جيدة باللحم. قبل المغرب بقليل حضرت إلى منزله، ونزل لملاقاتي، فوجئ بما أحمل، وأصر أن أدخل لأفطر معه، ثم نأكل مما أحضرت، اعتذرت ولكنه أصر، لزم بقوة كما نقول، ولكني رفضت، لست أحب الدخول على الناس دون أن يكونو مستعدين، لا أحب مفاجئتهم بدخولي بيوتهم إن لم يكن الأمر ضرورياً أو لا يمكن تفاديه. أمام إصراره، أخبرته بأن الأيام قادمة، ربما في وقت لاحق أكثر ملائمة، حينما يكون مستعداً. أخبرته بأن اللحم بالداخل لحم غنم، حتى لا يحسبه لحم بعير فيعافه. كذلك، أعطيته بعض الكليجا الفاخرة في صحن، اشتريت كمية كبيرة منها من القصيم بالتوصية، صنع نساء هناك، آكل منها وأهدي. أخبرني بأن الأكل أعجبه وأعجب عائلته برسالة بعد يوم، وهو يدعوني بنفس الوقت للإفطار، اعتذرت بسبب الظروف يومها. أمس، أخذت ابن أخي إلى سيتي ماكس، ليشتري بعض الملابس، سمعت الدكتور يناديني قرب غرفة القياس ونحن ننظر للملابس. صدفة غريبة. سلمنا عليه، وامتدح الأكل مرة أخرى، وطلب مني الحضور معه لآخذ الحافظة!. أخبرته بأنها يمكنها أن تنتظر. يقول ابن أخي أنه سمعه يحكي لزوجته قائلاً: سآد!. هو رجل له قبول بشكل عام، رغم أنه يبدو مشوشاً معظم الوقت. الأتراك الحقيقيين في الوسط والشمال مختلفين عن هؤلاء  من الجنوب الذين يعملون في مطاعمنا ومحلات الحلاقة ويتحدثون العربية، مختلفين في أشياء كثيرة. اليوم أحضر الحافظة في الجامعة.




مشكلتي وقت السحور، أني أخاف أن آكل شيء فيسبب لي العطش لاحقاً. آكل مؤخراً كورنفليكس كسحور، ولكني أشتهي الشوكولاته كذلك، مع ذلك لا أقربها بسبب الخوف من العطش. العطش هاجس غير طبيعي بالنسبة لي. الحمد لله، في رمضان هذه السنة لم أشعر بعطش حقيقي حتى الآن، ولا أدري ما السبب، لكن في رمضان الفائت، كنت أعاني معاناة كبيرة مع العطش.




لا أشعر برغبة كبيرة بالعمل في رمضان، ولا يتعلق الأمر بأني متعب أو جائع، ولا حتى عطشان ولله الحمد، لكن لا أدري لماذا تقل إنتاجيتي في رمضان، في بعض النواحي على الأقل. الأعمال التي تقتضي إنهائها في نفس اللحظة، كالترجمة الشفهية، لا مشكلة لدي فيها، ولا أؤخر الناس، وأستمتع بالأمر كالسابق. ولكن ترجمة بعض الأمور الإجرائية، المتكررة والمملة، صارت تتأخر لدي كثيراً.





كم يغير السفر الناس... هذا إن جاز لنا تسميةابن اختي ذو السنتين ونصف، ناس. سافروا مرتين هذه الإجازة، مرة إلى الجنوب، ومرة إلى القصيم، وعاد إنسان آخر. يتحدث بشكل أفضل، ولكن حدثت سوابق كذلك، لأول مرة يقول لي: انقعل! يعني: انقلع. بالعادة أنا مفضل لديه إلى درجة غير عادية، صدمت بصراحة. كذلك، لم يعد يسميني: أوأو. بدا أنه كبر بالفعل، صار يدعوني بإسمي، رغم اعتراضات بقية الأطفال لأنه لا يسميني خال.
لم أسافر كثيراً منذ أن كبرت. ربما انحصرت سفراتنا بالحجاز، حيث يفضل والدي المدينة، وأمي مكة، وجدة مكروهة لهم. كانت آخر سفرة لي معهم قبل سنوات. في تلك السفرة حدثت أمور كثيرة، وقبلها حدثت أمور أكثر، أكثر مما أحتمل في ذلك الوقت. عدت من السفرة بجسد شديد الهزال، بشكل غير مسبوق في حياتي. في المدينة في تلك الفترة، كان الإيرانيين يظنون دوماً أني واحد منهم، وكثيراً ما كلموني بلغتهم. في الفندق الذي أقمنا فيه، كانوا كثرة، ويحتلون عدة أدوار ليقيموا طقوسهم في ممراتها. دخلت المصعد مع مجموعة كبيرة منهم، نساء ورجال، ويبدو أني الوحيد الذي لم يكن "مَحرماً". نظروا إلي، وكلمني أحدهم بالفارسية. أشرت بأني لا أتكلمها، فسألني بعربية جيدة إلى بعيد، من أين أنا؟ أخبرته أني من السعودية، سألني، من أي بالسعودية؟ قلت: تهران. ضحكوا جميعاً. فسألني مرة أخرى، أخبرته بأني من القصيم. كان من الواضح أنه يريد أن يعرف إن كنت شيعياً أم لا. ابتسموا ابتسامة ودودة مع ذلك. جائتني ذات مرة عجوز ضائعة على ما يبدو، ايرانية، وصارت تتكلم معي بالفارسية بلا إنقطاع، وكان يبدو عليها القلق العظيم. لم أفهم شيء بالطبع، ولكني جعلتها تجلس على الأريكة في بهو الفندق وذهبت للبحث عن ايراني. وجدت مجموعة شباب ايرانيين يتكلمون، حاولت أن أكلمهم ولم أستطع التواصل، فأمسكت بيد أحدهم وسحبته معي، أوصلته إلى العجوز وبدأ بالتفاهم معها، فمضيت. قالت ذات مرة فتاة سعودية لرفيقتها باستغراب، وهي تنظر إلي أدفـع والدي على الكرسـي إلى المسـجـد هناك: شـوفي الإيـراني يدف الشايـب!!



وبذكر الحج، شعرت برغبة باداء الحج لهذه السنة أيضاً، كمحرم لأحد أخواتي. جاءت الرغبة فجأة، ولم اتوقع أن أرغب بالحج قبل عشر سنوات، فإذا بي أرغب بتكرار التجربة قبل مضي سنة على حجتي. لكن لا يبدو أن هذا سيحدث بسبب انفلونزا الخنازير.


جعلني أمس محاضر باكستاني أخلع حذائي الصندل ليجرب قياسه، لأنه مصر على أن يحضر لي حذاء من هناك. حاولت أن أثنيه، لأني بصدق لا أريد، ولكنه أصر كثيراً، يقول بأنه من السنة تبادل الهدايا وهذا مما يزيد المحبة. هو رجل ودود وطيب، ولكن اجد صعوبة في الانسجام مع طباعه وحضوره. يسأل أحياناً اسئلة غريبة، كم عدد إخوتك؟ وذلك السؤال الذي تحدثت عنه في التدوينة السابقة: هل أنت سعودي؟، وغيرها. صندلي واسع على قدمي، حيث لم أجد مقاسي بالضبط، ولكن لما لبسه هو ليعرف المقاس، خفت صدقاً أن يتمزق الصندل، فهو من المطاط، وقدمه ضخمة، نفذت بصعوبة إلى الداخل، بعد شد وتمغيط، ولما استقرت بدا لي وكأن الصندل سيتفكك. قبل يوم، رآني وأنا خارج من المكتب لأغادر إلى المنزل في نهاية الدوام، وكنت أحمل كيس يحوي حافظة الطعام الذي أعطيته للتركي وصحن بلاستيكي للحلويات لم يكن عليه أن يعيده. نظر بطريقة غريبة جداً، وهو يعطي هذه النظرة المختلفة أحياناً، وهي نظرة غير مريحة على الإطلاق. سألني بهدوء إذا ما كنت صائماً؟ (!!) يا للسؤال العجيب، ضحكت وشرحت له بأن هذه حافظة طعام خالية، كنت قد أعطيتها لشخص مملوءة وأعادها الآن. يرمقني أحياناً بهذه النظرة وأنا أمشي فألاحظه فجأة، وكذلك وأنا اتعامل مع أحد آخر. ربما هذه النظرة من الأسباب التي لا تجعلني أنسجم مع تواجده رغم طيبته الكبيرة. لدي صديق هندي، اسمه طارق، رجل رائع بمعنى الكلمة، وهو أكثر من يذكرني بحديث الرسول صلاة الله عليه وسلامه: "الأرواح جنود مجندة، ما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف" أو بما معناه. أشعر بأنه هو من يمكن أن يفهم معنوياً ما أعبر عنه وما أقوله. لم أره منذ زمن طويل الآن. حاولت الاتصال فيه فلم أتمكن، وهو لم يتصل من الهند على خلاف العادة.


قبل قليل، اطلعنا زميلي على فيديو بالانترنت، يعرض مزارع تربية الدجاج للذبح، والتعامل اللا إنساني معها. احد الزملاء كان لديه مشروع كهذا، وقال بأنهم كانوا يعاملونها هكذا بالفعل، مما شكل لدي صدمة. إنهم يعزلون الصيصان الذكور، ويضعونها على سير يلقيها على ماسوره بطوالع لولبية تدفعها إلى داخل ماكينة، ماكينة تفرمها حية. يقول زميلي بأن ذبحها بهذه الكمية يعتبر شيء مكلف، يا الله. تكلمت عن قسوتهم وأخبرته بأني لا أصدقه حينما يقول بأن جميع مربي الدجاج يفعلون هذا. قال بأنهم كذلك كانوا يربطون الدجاجات ببعضها ويلقونها بحفر، ويصبون عليها الديزل ويحرقونها حية. سألته إن كان يندم على هذه الأمور التي فعلها؟ قال بأنه يندم كثيراً. يجب أن نعرف كيف يذبح وكيف يربى وكيف يعامل الحيوان الذي نأكل.
هذا الزميل كثيراً ما يذكرني بقسوة الرأسمالية وتناقضها، المقرونة بأدب الغرب بالتعامل. هو شخص غير معتاد.



منذ فترة وأنا أود الذهاب للسحور في مكان جيد، ولكن حينما أخرج، أجد نفسي وحيداً، فاقداً للاهتمام بالأكل، أود فقط لو أعدت الروتين وذهبت إلى المنزل، حيث غالباً لا آكل، أذهب إلى المكتبة أو أي مكان آخر، ثم برقر كنق لشرب الكولا وقراءة الجرائد، لآكل أي شيء بالمنزل، جيلي غالباً، أو كورن فليكس. أفكر دائما بالذهاب إلى ستيك هاوس، فهو قريب بفرعه الأخير إلينا، ولا أحمل هم منطقة العليا المملة بزحامها والشباب السخيف. سأحاول أن أغلب نفسي.



دعاني أمس الدكتور التركي للإفطار في منزله. وافقت، وقد سعدت بالدعوة. طلبت من أختي صنع صينية من اكلة جديدة رائعة صارت تصنعها مؤخراً، تتكون من البطاطس المهروس مثل الذي بالمطاعم، يغطي اللحم والجبن والفطر. أكلة لذيذة إلى أقصى حد. وصلت قبل الاذان بقليل، دخلت مع الدكتور وعلمت بأنه يقلي سمك، بينما زوجته جهزت السلطة وبعض الأشياء الخفيفة الأخرى. فوجئت بأن زوجته ستفطر معنا، بالواقع، كنت أنا من سيفطر مع العائلة. تخيلت شيء مختلف، تخيلت أننا سنفطر معاً، أنا وهو. لا يمكنك أن تفرض الأمور وتطلب من الناس أشياء وأنت ضيف لديهم. ورغم أني أشعر منذ البداية أن الدكتور التركي كريم بطبعه، إلا أني فوجئت بأن كرمهم كعائلة أكثر مما توقعت، وهم قمة بالودية واللطف وحسن الضيافة، كما أنهم يتميزون بشيء ينقصنا بشكل عام، وهو العفوية. الزوجة لم تتحجب أمامي، وقد شعرت بالحرج في نفسي بصراحة من هذا الموقف غير المعتاد وغير المتوقع. ولكني كنت أعرف بأن المرء أحياناً لا يحكم الظروف ولا المواقف التي هو فيها، إنما يتصرف بأفضل ما يستطيع. المفاجئ هو عدم وجود تمر في إفطارهم، وإفطارهم كالعشاء، كل شيء يقدم فيه. لديهم طفلين جميلين هادئين، صبي في العاشرة، حملق بي كثيراً، وبطريقة طفولية مضحكة، كنت حينما أتكلم ويقع نظري عليه أجده قد اتكأ بوجهه على يده وصار ينظر إلي بتأمل يشبه تأمل المرء لشيء غريب ومثير للاهتمام، بحيث أني أجده وكأنما يفحص كل جزء من وجهي على حدة. شعرت بأني مخلوق مختلف لأول مرة يرى مثله هذا الصبي، وكنت أشعر بأني سأضحك وأحاول التركيز على ما أقول. ولديهم بنت، عمرها ست سنوات، ولكنها ضئيلة وصغيرة المسكينة، بحالة تشبه حال طفلتين لدينا. أخبروني بأنها لا تأكل جيداً، وكان هذا واضحاً، فلم يثر أي من الطعام فضولها، ورغم أنها هادئة إلا أنها عنيدة إلى حد ما، فقد سببت لوالدها مشكلة لأنه جلس على كرسي يفترض أنه لها، حتى أقامته عنه وسحبت الكرسي بعيداً. أخبرتني الأم بأنها تفهم ما يقال بالانجليزية ولكنها لا تستطيع التحدث، أخبرتها بأنها تبدو جيدة باللغة الانجليزية، وربما لا تحتاج إلا إلى ممارسة. وجدت كتاب يخصها تحت طاولة القهوة، لتعلم اللغة العربية. بدأنا الإفطار، جلس الرجل مقابل لي، بينما زوجته جلست بعيداً قليلاً على طاولة منفصلة. قدموا شوربة تركية لذيذة وغريبة. تناقشنا بالطعام كثيراً، وأخبرته بأني أعلم بأن ما يباع لدينا بالمطاعم التركية ليس بطعام تركي، إنه مجرد كباب ومشويات، شيء يتوفر مثله لدى كل المطاعم الشامية. أعجبوا بطبق أختي إلى حد فاق توقعي، وأعلنوا بأنهم معجبين بالطبخ السعودي، كما جرى مع الكبسة، وسألوا إن كان من أعد الكبسة هي أمي؟ قلت بأن أختي من أعدها، ولكن بما أنها كانت في بيتنا، فربما كان الأمر تحت إشراف أمي. وجدوا الأمر مضحكاً. أما صينية البطاطس المهروس واللحم والفطر، فقد سألوا عنها كثيراً وأكلوا، وطلبت الزوجة أن نكتب لها طريقة إعداد الأكلة، وأن أبلغ أختي سلامها. تكلمنا عن التمور، ومن أين يأتي أفضلها هنا، ومن أين يفترض أن يشترونها. شرحت لهم بأن لنا طريقة مع التمور، حينما نرصه في أكياس مع ضرب من البهارات، ما ندعوه "الكنز". أعجبتهم الحكاية. وبالمقابل، حكى لي عن سوء الفهم حينما جاء إلى السعودية، حيث أن الكثير من الأجانب المسلمين يسمون النخلة: كرمة، وبالتبعية يسمون التمر كرمة كذلك. أما الدكتور فقد كان نطقه أشبه بقول: هرمه. كان في جدة حينما طلب من بائع أن يعطيه "هرمه". ذهل البائع، وحاول أن يفهمه، وكان واثق أن "هرمه" كلمة عربية، لدرجة أنه شك أن البائع "في جدة!!" لا يفهم العربية، فحاول أن يشرح له الاسم ويضيف التركية، ثم قال: هرمه مدينه!! ولكن البائع كذلك لم يفهم، وأخيراً وجد تمرة أراها للبائع، الذي فهم ولكنه ظل غير مرتاح، ومتشكك، انفجروا ضاحكين، الدكتور وزوجته حينما أخبرتهما بأن هرمه هي حرمة، هي امرأة يعني! قلت هذا ضحكاً ثم نظرت إلى زوجته لا شعورياً، ربما لأرصد ردة فعلها، انفجروا ضاحكين. سألت الزوجة عن شيء دائري وأسود نضيفه للطعام. بعد جهد جهيد عرفت بأنها رأته في الكبسة التي أحضرتها لهم، وأخبرتهم بأنه ليمون مجفف بطريقة معينة، وخشيت بنفسي أنهم أكلوا اللومي، فهو يعصر ولا يؤكل. سألني الدكتور عن الحيوانات في الصحراء، وسأل إن كان بالفعل يوجد لدينا سحالي طولها متر ونصف أو مترين (!!) أخبرته بأن أكبر السحالي هنا لا يصل طولها المتر حتى. حدثته عن الضب، وأن الناس يأكلونه فهو حلال. قالت الزوجة: ربما طعمه لذيذ. قالتها بطريقة متفكرة، ولكن الزوج رد بتأكيد بأنه ليس لذيذ على الأغلب، أخبرته بأن الناس بالواقع يمتدحون طعمه جداً والكثير منهم يحبونه، أما أنا فلم أتذوقه. حدثته عن الرحالة التركي الذي ذهب مع أفراد قبيلة في الربع الخالي، وكتب بأنهم يصطادون من تحت الرمال سمكاً، وكيف أن هذا لم يكن سمكاً، إنما سحلية تسبح تحت الرمل يأكلها البعض وتسمى الصقنقور. كنت أحسب أني أقول نكتة عن هذا الرحال التركي، ولكنهم لم يضحكوا، فقط بدا على وجوههم الذهول، وقال الرجل: يا الله!! وصار يسأل عن سباحة هذه السحلية تحت الرمل وكيف حجمها وأين توجد. لحسن الحظ، كنت قد رأيتها حينما كنت صغيراً، وقد أطلت علينا فجأة من وسط كثيب رملي وتأملتنا بفضول، ولما حاول زوج أختي الإمساك بها دخلت بسرعة وأطلت من مكان آخر بنفس اللحظة تقريباً. لا أستطيع أن آتي على كل ما تكلمنا عنه هنا، ولا أن أصف مقدار ودهم وحسن تعاملهم، ولا أعتقد بأني مررت بمثل هذه الضيافة الرائعة والكريمة والملائمة من حيث عدم التكلف بالحضور، وقد حملوني السلام الكثير لأهلي، خصوصاً والدتي وأختي، وحتى أن الزوجة اللطيفة جداً أطلت خلفنا من الباب الداخلي لتودعني وترسل سلامها لأختي. تكلمنا كثيراً عن مختلف الأمور وضحكنا وتبادلنا الآراء والأفكار والمعلومات المفيدة، لم يتخلل الوضع لحظة صمت واحدة، وكانت من أمتع المرات التي أمضيتها في منزل أحدهم، لا، ربما الأمتع.




يوجد دعاية سخيفة جداً في الجرائد هذه الأيام. دعاية لثوب الدفة، تظهر شاب بنظرة مصطنعة، وبتعبير غير طبيعي على وجهه وكأنما يراد له أن يظهر بشكل ثقيل وراقي، ويكتب بالأسفل: الدفة، يكسبك احترام الآخرين...(!!) وقبل أيام كانوا ينشرون صورة أسد في حديقة مع صورة الشاب، وأحياناً يبين خلف الأسد سياج منزلي، مما يعني أنه مدجن!!. إذا ثوب سيكسب الرجل احترام الآخرين؟ ما أغباها من عبارة، لم أرى دعاية بهذه السخافة من كل النواحي منذ زمن سحيق. وكأن الرجل المعروض مميز جداً، يمسك بكتاب انجليزي يقرأه، ويرتدي نظارة شمسية،،، كيف أصف المشهد؟ إن الدعاية عرض لتصور طفولي وغير واقعي عن الرجل المحترم، ومنفذ كذلك بطريقة سيئة. لست ألوم الشخص الذي ظهر بالدعاية طبعاً، ولكن رغم توجهي مؤخراً للثياب الجاهزة اختصاراً للوقت، أعلم بأني لن أشتري من ثياب الدفة.



حينما ذهبت بأبناء أخي إلى منزلهم، وجدت جارهم قد وضع على نافذة شقته أضواء جميلة، قمر ونجوم كما ترون في الصورة. ولم تكن هذه الأضواء التي تعمل وتنطفئ بطريقة متناوبة وجذابة موجودة قبل رمضان، مما يحملني على الاعتقاد أن هذه خاصة بالشهر، ضرب من التزيين والاحتفال. هذا شيء غير مألوف أبداً على المستوى الشعبي، حتى في العيد لا تزين البيوت. فقط بعض المراكز التجارية تعلق ملصقات. بدت جميلة جداً، ومميزة بسبب التوقيت، وكأنما يريدون هؤلاء الناس تذكير الآخرين باختلاف رمضان الذي بات الشعور بتميزه أصعب عام بعد عام مع الأسف.




سعد الحوشان