الخميس، 29 أغسطس 2013

مدينة أهل الحيلة (الجزء الخامس من رحلة البيرو،قصيدة،المعتاد)

بسم الله الرحمن الرحيم



تختلف الأولويات العامة باختلاف الزمن وظروفه، فإن اختلفت أولويات المرء عن المحيطين به بدا أنه يعيش في غير زمانه، ربما كان يجدر به أن يولد في زمن آخر، أقدم على الأغلب، حيث أن من ينظرون إلى المستقبل من خلال أولوياتهم غالباً ما يكونون ملهمين للبقية، ولهم موضع بينهم. أعتقد أني أنتمي إلى الفريق الأول، إن أولوياتي المبدأية تصلح لزمن أقدم على ما أعتقد، فيما يتعلق بمكاني هنا، ولربما وائمت الزمن في مكان آخر في هذا الزمان. إنه تضارب أتخيل نفسي عالق فيه. وكأنما يعفى الزمن علي هنا، ولعله يفتح لي ذراعيه في مكان آخر.




كيف يمكن للمرء أن يستجيب للطف الخالص، والعناية المتفانية، حينما تأتي هذه المشاعر والمواقف من جهة لم يألفها منها؟.
أجد نفسي مؤخراً أواجه هذه المعضلة، حيث أستقبل لطف وعناية لم أعتد عليها من شخص معين، وأجد نفسي غير قادر على الرد على أفضل نحو، لأسباب مختلفة، لعل أوضحها غياب البديهة، والحيرة. ومن ناحية أخرى، أجد نفسي لم أعتد على السؤال عن حياتي، ومناقشتها، بخلاف نقاشاتي مع الدكتور الألماني قبل أن يرحل، بكونه الإنسان الوحيد الذي كان يناقش هذه الأمور ، وكل الأمور، كيفما شاء، لكنه كان حالة استثنائية.
الآن، أجد نفسي مقدر لحسن النوايا وإن تأتخرت، وصاحبها شعور بالندم، لكن أجد نفسي في ذات الوقت في موقف المصدوم في لحظة طرح الأسئلة التي لم أعتدها من أحد، وهي تلقى علي وكأنها أبسط الأسئلة الموجودة. أجد نفسي أشعر بأن خصوصية حياتي مهددة، مهما كانت النوايا سليمة، وأجد نفسي في الوهلة الأولى غير مستوعب للغرض من السؤال، حيث لم أعتد أن يناقشني أحد بإلحاح حول مستقبلي مثلاً، فأفقد أعصابي بسرعة، بسرعة تصدمني قبل أن تصدم من أمامي، وأكاد أن أقول: وما شأنك؟ ولماذا تسأل؟ ولماذا الآن؟ ولماذا بعد هذا العمر الذي مضى دون أن يسأل أحد منكم فعلاً؟.
إنه لأمر مغاير ومناقض لطبيعتي الصميمة؛ أن اقتحمت حياة الدكتور الألماني عنوة، وفتحت قلبي له ككتاب دون أي ممانعة أو تحفظ، في حين سرعان ما يمل الناس الذين يبدو اهتماماً من تحفظي وطبيعتي المستوحشة، فيفقدون الاهتمام.
مع ذلك، هاهو الصديق العزيز بعيد الآن، وأنا لا أدري، هل سيتحول إلى ذكرى محيرة، تتداعى أمام الحياة القاسية وقد شمرت عن ساعديها، لتنتشلني من أفضل التجارب.




قلبي ليس لغز...
قلبي هو نواح...
نواح يمامة في الفجر...
في بلاد حيث لا يمام سواها...
دمعي ليس حزن...
دمعي هو ذكرى...
تجف مع الوقت...
بعدما تحفر الأخاديد...
نظرتي لست حسرة...
نظرتي هي شمس تحتضر...
راحت تخمن ما خلف جبال واعدة...
حيث لن تشرق يوماً...





عموماً، لعل المهم الآن هو أن أتحدث عن الرحلة إلى البيرو، وهي قد صارت بالواقع خبراً قديماً الآن، إلا أن الذكريات لا زالت حيوية في ذهني على نحو غير مألوف لطبيعتي.

عدت إلى ليما، العاصمة الكبيرة لذلك البلد، حيث أقامت اسبانيا خلال الاحتلال النيابة الملكية هناك.
وهي مدينة كبيرة وعصرية، ولم أكن متحمس لها بصراحة، حيث كانت أغراضي واضح من بقائي هناك؛ زيارة متحفين، والاستراحة قليلاً. وقد فضلت الاستراحة بعد الرحلة المضنية والجميلة عبر بعض الشمال على بعض الأنشطة فيها.

أقمت هناك في حي سياحي، يطل على المحيط الهادي، اسمه ميرافلوريس. الحي آمن،  ومنمق. يعيش هناك الكثير من الأجانب بصفة دائمة، خصوصاً الأمريكيون. يأتي الكثير منهم للعمل، يشجعهم على ما اعتقد النمو الاستثنائي للبيرو، حيث أنها الأسرع نمواً في تلك القارة على حد علمي. والبعض يأتي للعيش في مكان أرخص وأكثر راحة. ترى على نحو متكرر أطفال شقر الشعر مع مربيات بيروفيات، يتمشين بهم على الرصيف عند الشاطئ.










 يوجد الكثير من الأسواق بالطبع، المولات، وهي تشبه ما لدينا بطبيعة الحال، وهي أشياء أكرهها بصراحة، لكن في المدن العصرية لا يبدو أن تفاديها أمر ممكن. لم أتسوق من هناك على أي حال، وبالواقع، كان تسوقي في ذلك البلد محدود جداً، أردت فقط بعض الأشياء المميزة من هناك، وليس شيء من مول.
كان من أخذني من المطار هي اليزابيث، تلك الفتاة الطيبة والظريفة من وكالة السفر. كانت تقود السيارة، ولا تتوقف عن التحدث وإلقاء النكات، وقص القصص، وإلقاء الأسئلة. وكانت تأخذ الطرق الطويلة، وتريني أماكن مختلفة من المنطقة. كنت جائعاً، ولم يكن هناك فائدة من الذهاب إلى الفندق في وقت الغداء، فاقترحت أن نذهب للغداء. تغدينا في مجمع على الشاطئ، وهو يضم بعض محلات الملابس الراقية والكثير من المطاعم، سواء من مطاعم الوجبات السريعة أو المطاعم المتخصصة بمختلف المطابخ العالمية أو المحلية. كان الغداء خفيفاً، ولذيذا كذلك. تحدثنا عن الإسلام بالمجمل، حيث كان موضوع غطاء الوجه للنساء يثير اهتمامها كثيراً، وأسلوب الحياة هناك بشكل عام، والتاريخ. يبدو أنها معجبة بتاريخنا، وهي تتحدث بإسهاب عن الحضارة الإسلامية القديمة وتبين معرفتها عنها، وهي من السكان الأصليين كما تصف نفسها بحماس، لكنها معروقة بوضوح.
كانت تتسائل خصوصاً عن أمي وأخواتي، وأقترحت أن آتي بهن إلى البيرو، حتى يكشفن عن وجوههن. قلت بأنهن لن يكشفن عن وجوههن في أي مكان، فقد سبق لهن السفر للخارج، فقالت موضحة: لكن لن يعلم عنهن أحد هنا!. قلت بأن الله سيعلم، فغطاء الوجه مسألة دينية بالنسبة لهن. صمتت وهي تنظر إلي، متفكرة بعمق بما قلت.
سألت لاحقاً إذا ما كنت قدر زرت أو أنوي زيارة الكازينوهات المنتشرة في تلك المنطقة، حيث تزورها هي أحياناً. أخبرتها بأن القمار محرم في ديني، فلا فائدة لي من زيارة تلك الأماكن. قالت بأني ملتزم بديني على نحو يعجبها، حيث تعلم بأني لا أشرب الخمر أو آكل الخنزير، لكني أخبرتها بصدق أني لست بالواقع ملتزم بما يكفي، إنما أحاول أن أوازن.
مثل كارلا، كانت تحاول إقناعي بإلحاح بجعل أخواتي وأمي يرسلن صورهن إلي حتى يرينهن.

اتصلت كارلا على اليزابيث، إذ أنها اتصلت بالفندق ولم تجدني، فقلقت. ضحكت اليزابيث حينما أنهت المكالمة، وقالت بأني محط اهتمام غير عادي من الشركة، حيث انها اطلعت على ملفي والتوصيات الكثيرة فيه، ووجدت أن الكل يسأل عني.
عدت إلى الفندق، وهاتفت كارلا، حيث كنت قد أحضرت بعض الهدايا لها ولابنتها. واقترحت هي أن نتعشى في تلك الليلة معاً. كانت تريد كذلك الذهاب إلى نفس ذلك المجمع، لوجود مطعم معين تريدني أن أجربه، رغم وفرة المطاعم في كل مكان في تلك المنطقة. ذهبنا سيراً على الأقدام، والمسافة ليست بالقصيرة، لكني أحب المشي، وكان الجو رائعاً على الدوام، بالنسبة لي على الأقل، فحينما كان الناس يشكون من الحر، كنت أجد الجو رائعاً ولطيفاً، وكنت لأقول بأن هذا عائد بالضرورة لقدومي من الرياض اللاهبة، لكن، حتى في الشمال والجنوب على الجبال، في حين كان من معي يشكون من البرد، كنت أشعر بأني خلقت للعيش في ذلك الجو، الذي لا أجده بارداً، إذ أجده على الدوام رائعاً.
أعجبتها الهدايا، وشكرتني عليها كثيراً. كمعظم الناس هناك، كانت لديها فضول كبير كذلك، وكان فضولها يتعدى كذلك الثقافة والدين إلى حياتي وعائلتي نفسها.
في ليما، الناس أقل محافظة بكثير مما هم عليه في الشمال والجنوب. ملابس الفتيات أقصر بكثير وأضيق، ويقبل العشاق بعضهم بعضاً بالعلن، وهو ما لم أره في مكان آخر هناك. ومع ذلك، قيل لي بأنها تعتبر منطقة محافظة مع ذلك، مقارنة بريو دي جانيرو بالبرازيل، كما يرى أهل ليما.
وبشكل عام، ترى مظاهر التغرب والتأمرك بوضوح في ليما، خصوصاً على الشباب والمراهقين، بتسريحات الشعر المقرفة كما يرى المرء بالرياض، وكذلك هواة التزلج على الألواح بطرق لافتة للانتباه ومفتعلة. للأسف، وقع أمامي شاب صغير يتزلج، رغم أني حاولت أن ألتقطه ولم أتمكن، كما لم يعطني فرصة لمساعدته على الوقوف إذ قفز هارباً بإحراج، إذ ضحك عليه المارة. علقت كارلا بأنه في ليما يضحك الناس فقط في مثل هذه المواقف، لا أحد يحاول المساعدة، لذا يعتبر ما قمت به أمر غريب.
وبالواقع، ليما مثل الرياض؛ تجمّع غير مريح ومفتقد للأصالة، ورغم أني لم أرها كلها، إلا أن منطقة ميرافلوريس رغم مبانيها الحديثة وأسواقها الفخمة تبدو مصطنعة ورخيصة في عيني، مثل الرياض كذلك. رأيت الوسط التاريخي، وهو جميل، لكنه ليس بتلك المنطقة الكبيرة، لكن مبانيه عريقة الطراز على الأقل توحي بحسن الذوق. كما رأيت حي آخر مشهور، وهو سكني لعلية القوم من المحليين، يسمى سان اسيدرو، وهو حي جميل جداً، بشوارع واسعة، وحدائق جميلة، وأشجار عملاقة مجلوبة من مناطق أخرى على ما أعتقد، وهو المكان الذي تقع فيه المتاحف التي زرت.
وصلنا إلى المجمع الصغير على الشاطئ، وهو مجمع مفتوح وغير مسقوف، بسيط التصميم وملائم. دخلنا إلى المطعم المقصود، وهو يقدم الدجاج المشوي على الحطب بطريقة خاصة، وهو من أطعم أطباق الدجاج التي تذوقت على الإطلاق، كان الطعام لذيذاً جداً. كان عشاء ممتع، تخلله الضحك والقصص المختلفة. طلبت كارلا أن تأخذ لي صورة، لأن الناس في الشركة يريدون أن يرون شكلي. كنت قد أخبرتها سابقاً بأني لا أحب التصوير، فذكرتها، إلا أنها ألحت وحاولت إقناعي، قائلة بأنها حتى هي لا تظهر على نحو جيد بالصور، إلا أنها لا تمانع. هذا غير صحيح طبعاً، فهي امرأة جميلة في الصور والواقع، وإن تكن الصور لا توفيها حقها فعلاً، لكنها تظهر على نحو جميل. خجلت من تلك المحاولات، وأخذت صورة لي.
غضِبَت لاحقاً حينما دفعتُ الحساب، إذ طلبت الفاتورة حالما غادرت لدقيقة، قبل أن نفرغ من العشاء. وقالت بأنها هي من دعاني، أخبرتها بأني استمتعت بحضورها أكثر. لم يكن العشاء مكلفاً أساساً، وهذا أمر مذهل نظراً لكميته وجودته.
غادرنا المكان، ومشينا حتى افترقنا في تقاطع كبير، حيث شركتها إلى اليمين، وفندقي أبعد قليلاً إلى اليسار.

في اليوم التالي، ذهبت إلى المتحفين الذين اخترتهما حينما خططت للرحلة. يوجد في ليما أشياء أخرى مثيرة للاهتمام، بعض الأثار الجيدة، وكان يمكنني زيارتها، لكن جسدي كان مرهقاً بعد الرحلة في جبال تشاتشابوياس، وقدمي تحتاج إلى الراحة، لذا فضلت أن أستريح وأتمشى كما يحلو لي في محيطي، خصوصاً أني بالواقع لم أكن شديد الحماس تجاه المدينة. فصدقاً، ذكرتني بالرياض حتى من حيث طبيعة أهلها، مع فارق أنهم ألطف قليلاً. يقودون السيارة في ليما بجنون  لا يقل عن جنون أهل الرياض، ويتشاجرون بالإشارات والصياح وهم في سياراتهم، أكثر مما يفعل أهل الرياض، لكن حسنتهم الوحيدة على أهل الرياض هي أن الأخيرين لديهم استعداد شديد وواضح للتوقف على جانب الطريق والشجار والتصعيد، وربما الاقتتال بحماقة قل نظيرها، في حين أن أهل ليما لا وقت لديهم، سيضايقون بعضهم على الطريق انتقاماً، سينفضون يديهم في وجوه بعضهم ويصيحون بالشتائم من داخل السيارة، لكنهم لن ينزلوا من السيارة للشجار، حتى حينما تسنح الفرصة، ولو كانوا عند إشارة، فلا وقت لديهم لهذا حسبما رأيت.


عودة لما يهم حقاً؛ أحد المتحفين كان المتحف الوطني، وهو رائع جداً، بينما الآخر متحف خاص شهير اسمه لاركو هيريرا، بمجموعة ضخمة مثيرة للاهتمام.
وهما متحفين قديمين، مليئين بالكنوز المثيرة للاهتمام، متحفين رائعين بكل المقاييس. اصطحبتني مرشدة لطيفة، وذات معلومات غزيرة، لكليهما. بالمتحف الوطني، تواجدت فتاة أجنبية على ما أعتقد، تتبعنا، وتحاول أن تسمع النقاش والشرح، ولم يضايقني الأمر، لكني وجدت لاحقاً بأنها تعيقني عند محاولتي الإطلاع على بعض المعروضات. من الجيد أنها انصرفت لحالها بعد فترة. كان المتحف شبه خالٍ، فلم يكن موسماً سياحياً لحسن الحظ.
تسلسل المعروضات تاريخي بالمتحف الوطني، وحينما وصلنا إلى فترة ما بعد الاحتلال الاسباني  فقدت الاهتمام، ولم أتابع في ذلك القسم. ربما عدم اهتمامي هذا هو ما جعل خطة سفري غريبة وجديدة على الشركة، حيث لم أذهب على الخط التقليدي للسياح عبر البلاد. لكن، ربما حينما أعود سأجرب رؤية مدينة استعمارية تبدو مثيرة للاهتمام، تسمى اركيبا.
كانت الفتاة مرشدة رائعة، تتركني أتأمل بصبر شديد، وتأخذ كل سؤال وملاحظة بجدية. سألت بعد فترة طويلة سؤال فاجئني؛ هل أنت عالم آثار؟. كدت أن أضحك، لكني قلت لا، إني مترجم فقط. قالت بأني غريب ومختلف عن بقية السياح، الذين يهتمون بالتاريخ الزمني، لكنهم لا يهتمون باسماء الحضارات وخصائصها الفنية وحراكها، كما أن اسئلتي غير معتادة. أخبرتها فقط بأني أقرأ منذ فترة طويلة عن الحضارات هنا. بالواقع، لا زلت أخلط كثيراً رغم كل شيء، وأحتاج إلى تفكير قبل أن أقرر انتماء الشيء المعروض أو المكتوب إلى أي حضارة، وأي حضارة ألهمت الأخرى أحياناً، خصوصاً بالنسبة إلى حضارات الشمال.
ثم، ذهبنا إلى متحف لاركو هيريرا. وهو متحف جميل كذلك، ويبدو أنه كان منزل كبير قبل أن يتحول إلى متحف. المعروضات هناك جميلة جداً كذلك، ومثل الكثير من المتاحف الأخرى هناك، المواد كثيرة ومساحة العرض محدودة، فتكون المستودعات مفتوحة كذلك، وهي تحوي آلاف القطع الجميلة كذلك. يفخر هذا المتحف بوجود قسم منه بأكبر مجموعة فنية للأعمال التي تمثل الأوضاع الجنسية من صنع الحضارات القديمة. وحينما فرغنا من المتحف، أخذتني المرشدة إلى ذلك القسم بالخارج، لكن بوقوفي بالباب، ومن رؤية بضعة أعمال، شعرت بعدم الارتياح، فقلت بأن هذا يكفي. ضحكت المرشدة، التي يبدو أنها كانت خجلة كذلك، وخرجنا.




 





هذه جماجم لإيضاح قدرات القدماء في البيرو الطبية. كان الناس منذ قبل وصول الأوروبيين يقومون بعمليات دماغ مفتوح، وهو أمر لم يكن شائع في مكان آخر بالعالم بخلاف تلك المنطقة، حيث كان الطب حين وصول الاسبان الهمج أكثر تقدماً بكثير مما هو عليه في سائر أنحاء العالم، وكان الطب والعلاج، كسائر شئون الحياة لدى الإنكا، مسألة منظمة، بتعليم رسمي، وكليّة في كوزكو يتعلم فيها الأطباء من مختلف مناطق الدولة وقومياتها. بالطبع، مع الاحتلال والضغوط وزعزعة الاستقرار اختفت الكثير من العلوم. كانت نسبة الشفاء بعد هذه العمليات تصل إلى أكثر من 95%. الجمجمة إلى اليمين هي جمجمة شخص شفي بعد العملية، ويتضح هذا من نمو العظم، بينما الجمجمة اليسرى فهي لشخص لم ينجو للأسف.


رغم أن الإنكا، أو أي من الحضارات الأخرى بالمنطقة، لم يطوروا أي شكل من أشكال الكتابة، على عكس حضارات أمريكا الوسطى، إلا أنه لدى الإنكا على وجه الخصوص أسلوب مثير للاهتمام للتدوين، يعتمد على جدل الخيوط وعقدها. يقال بأن هذا الأسلوب يستخدم غالباً كمجرد سجل رقمي لشئون الدولة، كحساب عدد العمال في مشروع ما، أو كمية المحاصيل أو المنتجات، إلا أنه يوجد رأي آخر يقول بأنها قد تكون تسجيل لأفكار أكثر تعقيداً، قد تكون هذه الظفائر تدوين لكلمات وجمل، وعبارة عن خطابات بالواقع، أي وسيلة لنقل الأفكار كما هي الكتابة. أنا أرجح بأنها نقلت أفكار أكثر من الأرقام بشكل ما. بالطبع، طريقة قراءة هذه الوسيلة غير معروفة حالياً، والفضل كالعادة يعود إلى الأوروبيون، الذين يحاولون طمس وتخريب معالم أي حضارة يحلون بها، في ذلك الوقت على الأقل.






اشتهرت الشعوب هناك بصناعات النسيج، ولا زالت منسوجاتهم قيّمة ورائعة، حيث تتوفر لديهم مواد لا تتوفر لغيرهم، مثل أصواف وشعر بعض الحيوانات. كما أن لديهم تقنيات قديمة بتصنيع المنسوجات لا زالت قائمة. أعتقد أن أي شخص يسافر إلى هناك لا بد أن يعود على الأقل بقطعة من الملابس أو القماش. كان الأوروبيين قد حسبوا ما يرتديه الإنكا حريراً في بعض الحالات، لكنه كان صوف الألباكا الرائع، والمصنع بإتقان بالغ.
لا زالت قطعتين مرت عليها قرون، وقد صنعت قبل غزوا الأوروبيين بكثير، تحمل الرقم القياسي لعدد عقد النسيج في البوصة الواحدة، حتى يومنا هذا. وقد رأيت القطعة حاملة اللقب، وما تليها مباشرة من حيث عدد العقد، وكلها من هذه الحضارة. هاهن على التوالي:






تقريباً كلما رأيت صورة مما رأيت بالمتحف، وجدت أني أود لو كتبت عنها، لكن، لن تنتهي التدوينة هكذا، وقد تأخرت أكثر من اللازم أصلاً.


بعد ليما، غادرت إلى بونو، وهي مدينة تقع على ضفاف أعلى بحيرة بالعالم، اسم البحيره تيتيكاكا، وهي كانت بحيرة مقدسة لدى الإنكا، إذ تقول اسطورتهم بأن الآلهة بزغت منها.





هبطت في المطار، في المدينة المجاورة، واسمها خولياكا، وهي مدينة تجارية فقط، وليست مقصد للسياح، وهي مجاورة تماماً لبونو.
وبسبب الارتفاع والموقع الجغرافي، يجد المرء المنطقة مقفرة إلى حد ما، ونقص الأوكسجين أشد حتى مما كان عليه بالشمال بكثير. وبونو نفسها، وربما المنطقة كلها، أسوأ ما رأيت في البيرو، ووجدت أهلها يجتمعون على الحضور غير المريح والوجوه النزقه، كما وجدتهم على وجه العموم أقل جمالاً بكثير من أهل الشمال و أهل  كوزكو بالجنوب، لم أرى غير فتاة جميلة واحدة طوال ثلاثة أيام بالمدينة نفسها.

للأسف، كان برنامجي هناك غير جيد في معظمه، وقد أصابني الجو بشكل عام وربما نقص الاوكسيجين بالإحباط والكآبة، وزاد الأمر علي حساب والدتي كل يوم حينما اتصل للأيام المتبقية للرحلة، وأحياناً البكاء، مما جعلني أتواصل مع الموقع الذي اشتريت منه التذكرة لتقديم موعد عودتي، على أن الأمر لم ينجح لصعوبة التنسيق مع فارق التوقيت، لحسن الحظ.


أخذتني المرشدة والسائق حينما وصلت إلى مكان أثري بالطريق إلى بونو، يسمى سيلوستاني، وهو مكان يقيم فيه بعض القرويون، ولهم مزارع معقدة الفكرة على ضفاف البحيرة، بطريقة طورها أسلافهم تسمح بإنتاج أكبر للغذاء.







كان أهل المنطقة القدماء يبنون قبوراً اسطوانية لعلية قومهم، وحينما جائهم الإنكا رفضوا الانضمام إلى دولتهم. لست أرى أي شيء مغر في المنطقة باسثناء ربما موقعها الروحي في قلوب الإنكا، وربما خبرات أهلها المختلفة، وربما كذلك باعتبارها منطقة مأهولة ومتحضرة في طريقهم نحو الجنوب الأبعد. قامت حرب لم تستمر طويلاً، حيث توصل الإنكا إلى حكمهم بالاتفاق والصلح، ربما لم يرى الطرفان جدوى لاستمرار الحرب. وشرحت لي المرشدة، وهي من السكان الأصليين، أن الإنكا كانوا مذهولين وخائفين بذات الوقت من فن يمتلكه أهل تيتيكاكا، وهو فن تركيب السموم التي لا يعرف لها ترياق. وقد استفاد منهم الإنكا كثيراً في وقت لاحق. وبعد أن حكمهم الإنكا، بدأ الإنكا بدفن موتاهم بالمنطقة بمقابر اسطوانية مثل ما يفعل أهلها، سوا أنهم كعادتهم طوروا القبور وجعلوها أكثر تعقيداً وإبهاراً كعادتهم. والإنكا على وجه العموم يتبنون بعض سمات الشعوب التي يحكمونها، ويقدسون مقدساتهم غالباً دون خلاف، كشكل من أشكال الاحترام على ما أعتقد.
هذا نموذج عن الأضرحة الاسطوانية التي بناها الإنكا:





وهذه صورة تظهر بالمقدمة البناء الذي سبق قدوم الأنكا، وبالخلفية ضريح بعد حكم الإنكا. والفرق واضح من كل النواحي، الحجم، الشكل، الفن:



بالصورة التالية، يمكن رؤية مدى إبداع الإنكا بالبناء، وهم مشهورون بمعجزاتهم المعمارية. أسلوب البناء هذا لا يحتاج إلى ملاط للصق الحجارة إلى بعضها وتثبيت البناء، حيث أن الحجارة البناء يقص بطريقة لا تزال غامضة بدقة بالغة لتتراكب مع ما يجاورها من حجارة بدقة كاملة، بحيث أنه يستحيل إدخال ورقة فيما بين حجرين، بغض النظر عن عدم وجود ملاط. والعجيب هو وجود قطع صغيرة، تقع في مكانها بالضبط، وأحياناً أشكال غير منتظمة من حجارة البناء، تقع في مكان يلائمها تماماً.




في بعض القبور، وهي غالباً لعلية القوم، يوجد نحت صغير لحيوان يختارة صاحب الضريح قبل وفاته، ويعتقد أن السبب هو للشعور بالحماية. لكني لا أرجح هذا، إنه مجرد تعبير عن تقدير وإعجاب بمزايا حيوان معين، في حياة قوم ارتبطوا ارتباط وثيق بالطبيعة في كل شيء، رغم تحضرهم الكبير والمتفوق.





لكل ضريح فتحة صغيرة في الأسفل، تدخل منها الشمس كل صباح حينما تشرق، ذلك أن للشمس شأن كبير لديهم، في مقدسة.



هذا ضريح متهدم جزء منه، وأعتقد أن للأسبان يد بالأمر. 


يمكن في هذه الصورة تأمل ما حكيت عنه من عجب بالبناء لديهم. تلك الحجارة الضخمة، التي تزن بالأطنان في بعض المواقع، وقد التصقت بما يجاورها وكأنها قطعة واحدة.



ونحن نمشي خارجين من المنطقة، حيث كانت اللاما تمشي بالطريق المرصوف معنا، سألتني المرشدة عن البعير، حيث أنها كانت قد قرأت عنه وتعلم بأنه قريب للاما، فأخبرتها بأنه أضخم بكثير، فطلبت مني أن أصف مدى ضخامته، ولما وصفت أصابها الذهول، وكان الحديث بالسيارة مع السائق يدور حول الأمر، فقالوا بأنهم سيقفون لدى مزارع بالطريق لأطلع على اللاما والألباكا عن قرب، وأرى بيته الشعبي. كان يوجد أكثر من خيار، وبدا أمر الاختيار عشوائياً. نزلنا لدى واحد ضخم الجثه، لطيف إلى حد بعيد، وهو شيخ مسن ألهبت الشمس بشرته، كمعظم الناس في تلك المنطقة ذات الشمس الساطعة بطريقة غريبة. نظرنا إلى الحيوانات، وكان يحتفظ بقعود فيكونيا، وهي حيوان بري فائق الجمال، أجمل وألطف مظهراً حتى من اللاما والألباكا، وكلها عموماً لا يصدق المرء بأنها من أقارب بعيرنا القبيح وثقيل الدم. الفيكونيا يشبه الغزال كثيراً، ذوا أن رقبته طويلة جداً.
دعانا للدخول إلى منزله لرؤيته من الداخل، ورحبت بنا زوجته المسنة، وقد وضعت على الطاولة بعض أطباقهم، حيث تري السياح طريقتهم بالحياة. يوجد أنواع كثيرة من البطاطا، بأحجام مختلفة، وأصل البطاطا من البيرو، وقد طور علماء الإنكا منها حوالي 4000 نوع لتلائم كل مكان في الامبراطورية لزراعتها وتغذية الناس، كما فعلوا مع الذرة وأصناف مختلفة. وكانت مطهية ودعتني لتذوقها، وهي لذيذة، وبالواقع، كل شيء هناك ألذ على وجه العموم، ربما لنوعية الزراعة وطبيعة الأرض. وتذوقت جبنة لذيذة صنعتها ربة المنزل بنفسها. كانت بعض أنواع البطاطا غريبة الشكل واللون، كما تواجد نوع آخر من الثمار الجذرية يشبه الجزر، لكنه منتفخ وقصير، وقد كان مطهواً ولذيذ الطعم، بلونه البنفسجي، على أن أسماء الألوان بالنسبة لي نسبية. لكن ما كان غريباً جداً هو وجود طبقي يحوي طين خفيف سائل، وقد أخبروني بأنهم يضعون الطين النظيف مع أكلهم في تلك المنطقة منذ قديم الزمان، لفقر خضارهم من بعض المعادن المهمة للصحة. وكان استغرابي نفسه مستغرباً:




هذا طبق الطين المخفوق، وهو شديد الطراوة. إلى جانبه أشكال من الذرة، وبالبيرو أكثر من 4000 نوع من الذرة، مثل البطاطا، وذلك بتهجين القدماء لأنواع النباتات لإيجاد فصائل صالحة للزراعة في أماكن مختلفة.






هذه الجذور الشبيهة بالجزر لذيذة جداً.



هذه حبوب، من ضمنها الكينوا، وربما كانت كلها كينوا لا أدري، لكن الطبق بالمنتصف يشبه ما أشتري من الرياض، على أني أعرف أنها تأتي بأنواع وألوان مختلفة. صارت الكينوا تصيبني بالحنين الآن، رغم أني كنت أحب أكلها قبل أن أزور البيرو.



هذه أشكا من البطاطا، وذات اللون الأبيض معالجة تقليدياً، بالتجفيف والتبريد على حد فهمي.







الصورة التالية هي للجبنة التقليدية للمنطقة، صنعتها ربة المنزل. وقد تذوقتها. طعمها لذيذ ومختلف، وهي ذات قوام مرن ذو مقاومة. وأعتقد أنها نفس الصنف الذي تذوقته لاحقاً في منزل أقمت فيه ليلة، حيث قلت ربة ذلك المنزل شريحة دائرية منه، وضعتها في صحني، وقد أهملت الشريحة بالبداية أحسبها بيضاً (لا أحب البيض إجمالاً)، لكن تم إفهامي أنها جبن، وقد كانت لذيذة جداً:



كان الزوج ينسج من وبر اللاما والألباكا منتجات مختلفة ويبيعها، وينحت من الأخشاب أشكالاً للسياح، ووجدتهم يجففون نباتات بتعليقها على الجدران، وبدت جميلة جداً، وذات رائحة عطرة تشفي القلب. اشتريت من الرجل ما أعجبني، وخرجنا ونحن نودعهم.




هذه الأعشاب التي يعلقونها للتجفيف، الأولى باليمين هي المونيا على ما أعتقد، أو نعناع الانديز، وهو رائع الطعم والرائحة. للأسف، لم يسعفني الوقت لشراء بعض العلب منه قبل رحيلي من البيرو، حيث فسدت خططي بسبب تأخر طيارتي للعودة إلى العاصمة.
ويمكنكم ملاحظة فارورة غريبة معلقة كذلك، تحوي سائلاً وقطعة بيضاء متسفطة. هذا نوع من العلاج الشعبي. السائل عبارة عن خمر محلي، والكتلة البيضاء هي جلد لنوع من الأفاعي. قالوا لي بأن شرب هذا السائل مفيد للصحة، جيد لآلام الظهر، ومقوٍ للرجال.





باليوم التالي، ذهبنا إلى البحيرة، وركبنا قارب كبير ونظيف، إذ كان جديداً إلى حد ما، ومضينا في البحيرة العملاقة، الأقرب إلى بحر غريب. لم أرى شيء مماثل، لون الماء كان عجيباً، صفاء البحيرة غير عادي. كانت المياه صافية الزرقة، عميقة اللون بشكل ما





. كانت المرشدة قد أحضرت لي وجبة في علبة صغيرة. لم أكن جائعاً، وكان هناك بعض الفاكهة، فتقاسمتها مع المرشدة وقائد القارب، الذي شكرني بلغة الرونا سيمي، أو الكيتشوا كما تمسى بشكل أعم، وهي اللغة الأصلية للإنكا والشعوب الأصلية في الجنوب. ترجمت لي المرشدة ما قال الرجل، حيث قال عسى الله أن يجزيك!. وهي طريقتهم بالشكر في هذه اللغة. مثلما نقول جزاك الله خيراً. كان أمر رائع.


البحيرة ضخمة، وتطل عليها دولة بوليفيا إلى الجنوب، ويبدو أن الناس لا يحبون بوليفيا وتشيلي على وجه العموم، خصوصاً تشيلي. كانت تشيلي قد غزت البيرو في بداية القرن، وذلك في الوقت الذي انتشر الجدري وهز الدولة في البيرو، فلم تكن مستعدة للمواجهة، وقد وصل التشيليون إلى ليما، ودمروها بعدما كانت مفخرة في فخامة مبانيها الاستعمارية وأبهتها، وكانت منفذ مهم إلى القارة تاريخياً، حيث كانت الملكية النيابية الاسبانية في ليما كما أسلفت. يشعر البيروفيون بالمرارة تجاه تلك الهزيمة. لكن المثير للاهتمام كان ما حكته لي المرشدة، وهي من السكان الأصليين، عما فعله أهل بونو بالعزاة من تشيلي. كان أمر فضيع، ورغم أنه مُبرر إلا أنه لا ينتج إلا عن ذهن شيطاني صرف. كان الجدري قد استشرى بالناس، ولعل هذا ما حقق النصر لتشيلي، وكان الجنود التشيليون المحتلون للمنطقة يحصلون بالطبع على مئونتهم من أهل المدينة المهزومة بونو، فكان أهل بونو يغسلون أجسام أطفالهم المصابين بالجدري بالحليب قبل أن يقدموه إلى الجنود، وفي ظرف أيام كان معظم، إن لم يكن كل جنود تشيلي في بونو ميتين، وهذا خطة يفتخر بها الناس هناك. يا الله، يا للشيطنة، لست ألوم الإنكا على حذرهم الشديد قبل قرون طويلة. لكن بالواقع، قد لا تكون هذه إلا فطنة، وسعة حيلة لأهل هذه المدينة.





الرحلة بالقارب تستغرق ساعات، ويتنقل الناس بالطبع على مثل هذه القوارب، بين الجزر الكبيرة المأهولة بالسكان في البحيرة.
لكن العجيب وغير القابل للإستيعاب بسهولة هو وجود قوم يبنون جزرهم الخاصة منذ قديم الزمان، ويطلقونها لتعوم بالبحيرة ليستقروا فوقها طوال حياتهم، وتسمى هذه الجزر أوروس، حيث يبنون بيوتهم البسيطة عليها، ويتزوجون وينجبون، ويكون غالباً على كل جزيرة بضعة عوائل، وليس مجرد عائلة واحدة. بالطبع في عصرنا هذا، تبنى لهم عليها مدارس كذلك (!!) وعيادات وخلافه. ويعيش أهلها على صيد السمك، وبيع بعضه على أهل اليابسة. لكن تاريخ هؤلاء الناس الضعفاء مؤسف، كشأن كل السكان الأصليين هناك، حينما جائهم المتوحشون الأسبان.




بالبداية، وصلهم الإنكا حينما وصلوا بونو، وحكموهم، واستفادوا من خبراتهم بالملاحة وبناء القوارب والسفن الصغيرة. لكن الإنكا كانوا يتهمونهم بالكسل والبلادة حسبما فهمت. جاء بعد ذلك الأسبان، وكان الاسبان يستعبدون السكان الأصليين، ويقضون على حياتهم بالعمل الشاق، فكان أهل هذه الجزر دائمي الهرب والعودة إلى جزرهم (فيما كان الكثير من السكان من الأنحاء الأخرى يلجأون إلى الانتحار حينما يتصيدهم الاسبان وينجحون). غضب الاسبان من هذا الشعب البسيط، وأصدروا أمراً بعدم التعامل معهم أو السماح لهم بالوصول إلى اليابسة، أي أنهم حرموا من التجارة وتبادل السلع كما كانوا يفعلون قبل وصول الاسبان، وبالتالي حرموا من أمور كثيرة أساسية (أفترض أنها التنوع الغذائي، والعلاج على وجه الخصوص)، وتركوا هكذا سجناء للبحيرة وجزرهم لقرون طويلة، حتى زال الاحتلال الاسباني، وحينها كانوا قد أصبحوا شبه منسيين. لكن حينما توصل إليهم بعض الناس، وجدوا حالتهم مزرية بشدة، وحاولوا مساعدتهم بإعطائهم بعض المال، إلا أنهم أحرقوا المال لأنهم لا يدرون ما هو. لكن ببطئ، أعيد تأهليهم، سوا أن المرء يرى بوضوح أنهم لا زالوا شعب شديد البساطة والمسكنة، ويعيش حياة صعبة يَعجب الإنسان كيف لا يريدون التخلي عنها.







وصلنا إلى أحد الجزر، واستقبلنا زعيم الجزيرة الصغيرة. لكن قبل كل شيء، ربما الأفضل أن تعرفوا أن الجزيرة لا تشبه الجزر المعروفة، إنها أرضية كبيرة مغطاة بطبقات من القش، والبيوت هي عبارة عن أكواخ صغيرة مبنية من القش، وتحيط بالجزيرة قوارب مصنوعة من القش أيضاً، ولكنها قوارب جميلة صدقاً، وبعضها كبير الحجم، للسياح على الأغلب الأعم. وكل هذا، كل شيء، يصنع من نبتة عجيبة، تتمحور حياة القوم حولها في معظمها، إن تركنا الأسماك جانباً.












حينما استقبلنا الزعيم، ورأيته، ورأيت أهل الجزيرة، وجدتهم أناس تأثروا أشد التأثير ببيئتهم الصعبة، وقد شوتهم الشمس القريبة، وانعكاسها عن البحيرة الصافية صفاء المرآة، حتى كاد أن يصبح بعضهم فاحمي السواد، أطرافهم على جانب من القوة والخشونة غير المألوفة، وأجسادهم أعرض بشكل ملحوظ من أجساد أهل اليابسة، وهم أقوى بنية.
ورغم أني كنت بالبحيرة لأكثر من ساعتين على القارب، ورغم كون الجزر في وسط البحيرة، ويتخللها الهواء باستمرار، إلا أني وجدت أني غير قادر على احتمال رائحتها القوية، حيث شعرت وكأني أختنق في غرفة بلا نوافذ، ويبدو أنها رائحة السمك القوية التي لم أعتد عليها، وقد كثفتها الرطوبة.
كان هناك مجموعة من السياح الأوروبيين والآسيويين، وقد جلسوا ليحاضر عليهم مرشدهم عن الحياة في هذا المكان. أما أنا، فأخذني زعيم القرية، وهو شاب في عشريناته، مع مرشدتي إلى حافة الجزيرة، وعرض علي مصنوعاتهم، وطريقتهم بالحياة، بينما كانت المرشدة تترجم ما يقول وتترجم إليه أسئلتي.
أروني النبتة المائية، التي تنبت بكثافة في أماكن مختلفة من البحيرة، وتنبت بالقرب من الجزيرة، حيث تبزغ من الماء. هذه النبتة يستخدمونها كما أسلفت بكل شيء، حتى أنهم يأكلونها، ويعدون أجزاء منها للمراة النفساء كعلاج مقو، ويصنعون منها بعض أدواتهم كذلك، خلافاً لما أسلفت. أما كيف يصنعون الجزيرة نفسها، فهي من خلال النبتة نفسها، حيث تنمو على ضفاف البحيرة على نحو ضحل، فيقطعون التربة المتماسكة التي تنمو عليها النبتة على شكل مكعبات، ثم يصفون المكعبات إلى جانب بعضها بالطريقة التي يريدون الجزيرة أن تكون عليها، ووفقاً للحجم الملائم، ويعتنون بها لفترة، فتنمو الجذور، وتربط المكعبات إلى بعضها وتشتد بنية الجزية، ثم تدفع إلى الماء، وربما تسحب بالقوارب حتى المكان الذي يريدون العيش فيه، وتثبت بنوع من المرساة حسبما فهمت، وقيل لي أنه بالإمكان تغيير مكانها كذلك لاحقاً.
جاء رجل استرالي لعله في أواخر خمسيناته، تاركاً مجموعته الكبيرة، وجلس إلى جانبي بعدما سلم. كان الاستغراب واضح على المرشدة. بدأ الرجل بطرح الأسئلة، وبشكل ما، شعرت بوضوح أنه يستعرض ذكائه ووعية أمامي بطرح أسئلة محرجة على المرشدة. وحينما أراد المغادرة ودعني ضاغطاً على كتفي برفق.
اقترح الزعيم أن يريني بيته من الداخل، وهو كوخ صغير جداً ومظلم، ورغم بابه المشرع كان الشعور داخله خانقاً. بالطبع، لا يوجد تمديدات كهرباء، لكن لديهم ألواح لتحويل الطاقة الشمسية، تراها على البيوت وإلى جانبها، وهي مثالية في شمسهم الساطعة. وقد أخبروني بأن الحكومة تدعمها وتقصدها بأقصاد ميسرة على الفقراء في مختلف المناطق، وبدا أنهم سعداء بالبرنامج.  وقد قرأت مؤخراً عن برنامج جديد لتزويد المزيد بالمناطق النائية جداً بهذه الألواح.
جائت فتاة لعلها في الثالثة أو الرابعة عشر من عمرها، وكانت ذات بنية لا تختلف عن مجمل السكان، إلا أن وجهها كان أكثر ملاحة، وهي تلبس كسائر النساء تلك الملابس التقليدية الجميلة المحتشمة، التي تجعلهن أشبه بالدمى. قالت المرشدة بعدما تحدثت الفتاة بأنها تقول أنها تريد أن تريني مصنوعاتهم التقليدية. هم يعرضون الأشياء البسيطة التي يصنعونها من الصوف بالخارج، كل عائلة على ما يبدو على مفرش مستقل. حالهم بسيط جداً، ويظهر بوضوح أنهم معوزين إلى حد بعيد، وكنت أنوي أن اشتري شيئاً، ولم أفاصل.
بشكل عام، كان حضور سكان الجزيرة المصطنعة هذه ينم عن براءة وبساطة غريبة.
خرجنا من الجزيرة بعدما تفرجت قليلاً بعد الشراء، ومضينا إلى جزيرة حقيقية كبيرة نسبياً في وسط البحيرة، حيث سأقضي ليلة في منزل عائلة أصلية.




اسم الجزيرة امانتني، وهي جزيرة ساحرة بهدوئها، بالحياة المترفقة لأهلها الطيبين، وهم بمجملهم مزارعين، مزارعهم الصغيرة إلى جوار منازلهم الجميلة.

على رصيف القوارب، جاء رجل يرتدي ملابس يرتديها كل الرجال تقريباً، وهو غامق البشرة كسائرهم، إلا أن ملامحه، مثل ملامح القليل من السكان الأصليين الذين رأيتهم هناك، تحمل سمات قوقازية قوية، من حيث عظام الوجه القريبة من عظام وجوهنا، والعيون الأكثر استدارة، وخلافه من تفاصيل شكلية. كان يتصرف بهدوء يقارب اللا مبالاة مع المحيط، إلا أنه يرحب بذوق واهتمام تجاهي وتجاه المرشدة، ويعبر عن مودة مترفقة بكل ما يحيط به، وقد بدا مثيراً للاهتمام جداً، بملابسه التقليدية وموقفه الواثق، فرغم بساطته، أعطاني انطباع بالسلام الكبير الذي يعيشه داخل نفسه. تكلمنا بالطريق معه، والمرشدة تعرفه جيداً، وقد كانت تترجم بيننا. أخبرته، لأتأكد، بأنه لديه صبيين وفتاة، وأن أحد الصبيين رضيع. توسعت عينيه، وقال بأن هذا صحيح، وقال بأني "مانقو". مانقو بلغتهم الأصلية تعني متنبئ. ضحكت وقلت بأني بالواقع سألت عنهم قبل أن آتي إلى البيرو. كنت قد سألت لأختار ما أحضر معي من هدايا ملائمة، لكن لم أخبره بهذا بالطبع.
كان المنزل يقع على مكان مرتفع عن الشاطئ، تحيط به مزارع صغيرة خالية في تلك اللحظة، إذ كان الناس يستريحون على ما يبدو في تلك الظهيرة. كان الجو ساحراً، وبخلاف باقي الأماكن في المنطقة حول البحيرة، كانت الجزيرة خضراء ورطبة، وجميلة تشفي القلب. وبالمنزل، وجدنا ربته بانتظارنا، وهي امرأة شديدة اللطف والكرم، أكثر انتباهاً وحراكاً من زوجها، على أن صوتها خفيض لا يرتفع كذلك، ولا تأتي بما يظهر حب لفت الانتباه أو ما لا يليق بربة منزل محترمة؛ كانوا عائلة جميلة لا تشوبها شائبة. جيء بالأطفال للسلام علي، وهم صبي وفتاة متقاربي العمر، لعلهم في العاشرة أو الحادية عشرة، أقل أو أكثر بقليل، وصبي صغير جميل لعله كان في الشهر التاسع أو العاشر، اسمه فرناندو.
هذه صور فرناندو، وهو يطاردني بينما أنا أخرج من المطبخ. أتمنى أن  أراه مرة أخرى يوماً ما.



 كان الأطفال جميلوا الملامح، وعلى وجه العموم، أهل الجزيرة أجمل ملامحاً بكثير من أهل بونو أو أهل جزر أوروس الصناعية آنفة الذكر، ولا أدري لماذا، ربما لأنهم غير معروقين، أو ربما كانت بونو مجمع لمختلف الجماعات المتضادة. جلسنا حول منضدة في مطبخهم التقليدي، وقدم لنا مشروب رائع، يلقبونه بنعناع الانديز، ويسمونه مونيا، وهو نبات ورقي صغير عطر الرائحة، ينبت بالجزيرة في كل مكان، حتى على جدران البيوت والأرصفة وعوارض المزارع، وقد قطفته سيدة المنزل قبل قليل. كنت قد أتيت بعلبة تمر كهدية، ولم أتوقع ذلك الفرح والتقدير، كان يبدو عليهم الذهول وعدم توقع هدية، ربما لا تأتيهم هدايا بالعادة من الزوار. كان الأطفال الأكثر فضولاً، إذ تذوقوه وأعجبهم طعمه، بينما ظل الرجل والمرأة يشكرونني وهم يتفحصون العلبة مبتسمين. كالعادة، كنت أول عربي يرونه، فضلوا يسألون عن أمور كثيرة، ويتفحصون شكلي باهتمام، وأخبرتني السيدة مجاملةً بأنها سمعت موسيقى عربية بالراديو وأعجبتها. كانت ملامح المرأة تقارب ملامح الهنود الحقيقيون، الذين نعرف من آسيا، وبينما كان شكل زوجها كذلك مغاير لأشكال أهل البيرو الأصليين عموماً، كان أطفالهم على نحو غريب لا يختلفون بشيء عن أي أطفال رأيتهم من السكان الأصليين في المدن والمناطق السابقة، بعيونهم الجميلة، ووجوههم الحمراء الممتلئة الصحيحة. وحتى الجدة كانت ذات ملامح أصيلة مميزة، وقد دخلت بقوة وثقة إلى المطبخ حيث نجلس إلى المائدة، وكانت امرأة فارعة الطول ما شاء الله، على نحو غير معتاد، صلبة العود، حازمة الملامح. وهي أم الرجل، وتسكن إلى جواره، بامتداد لمنزله.
 سألتهم بالطبع عن عاداتهم. لديهم موسم معين للزواج، وهم يتزوجون باكراً في سن المراهقة. يأتي الصبيان حاملين مسجلات تعمل وقد رفعوا الصوت على أغاني رومانسية، ويطوفون بالقرية هذه أو القرية في الشق الآخر من الجزيرة، وحينما تعجب فتاة بالموسيقى، أي بالفتى الذي يذيعها، فإن هذا إيذان بأن يأتي لخطبتها من أهلها. وكانت ربة هذا المنزل من القرية الأخرى.
أما العجيب، فهو أن النساء هنا يلبسن ملابس تقليدية على بعض الاختلاف من الاخريات بالجنوب. أكثر ما يلفت الانتباه هو غطاء الرأس الأسود الصوفي، الذي يشبه الشيله لدينا تماماً، سوا أنه أثقل بكثير، وربما أكبر. لكن وضعه على الرأس بتلك الطريقة أمر عجيب، يشبه ما يحدث لدينا، حتى تظن أن المسلمين كانوا هنا بوقت ما، وهو أمر لم يحدث. وبالواقع، الملابس القديمة والأصلية لنساء الإنكا قبل وصول الاسبان كانت غريبة هي الأخرى، ورغم أن ملابسهن محتشمة التقليدية محتشمة جداً الآن، إلا أنها كانت أكثر تواضعاً وحشمة في ذلك الوقت، وأناقة في رأيي. كانت عبارة عن ثياب طويلة بلا خصر واضح، ضافية، مزخرفة بنعومة، وغطاء للرأس يشبه الحجاب على نحو مذهل.
خرجنا لنتمشى بالقرية، وكانت بعض الأقواس على مداخل الممرات الضيقة تعود إلى زمن الإنكا، وبعضها مقلدة عنها على قواعد أصليه بناها الإنكا بالفعل.




 وفي ساحة القرية البسيطة، يوجد تمثال على منصة مرتفعة لمانكو كاباك، الإنكا الأول الذي يقال بأنه بزغ من المنطقة في أساطيرهم. وقد جاء مجموعة رجال بملابسهم التقليدية، يتحادثون ويتناقشون بأمور يبدو أنها مهمة من تعابير وجوههم. قالت المرشدة بأنهم أعضاء مجلس القرية. كانوا يتحدثون عموماً بلغة الرونا سيمي، أو الكيتشوا، ويخلطونه بالاسبانية، لمعرفتهم باللغتين.





وجدت منزل مهمل، قيل لي بأنه يعود إلى زمن الإنكا، وللأسف رغم نظافة الجزيرة غير العادية، كانت ساحة المنزل قذرة نسبياً، ولم يكن مستثمراً، أو على الأقل محفوظاً كنموذج لزمن ولّى.





أما ما ينتشر كثيراً على الجزيرة هو زهرة تسمى كانتوتا، وهي زهرة البيرو الوطنية، وتلقب الجزيرة لكثرة انتشارها فيها بجزيرة الكانتوتا.

الأمر الآخر الملفت كان تهذيب أهل الجزيرة الشديد، معنا ومع بعضهم البعض. لم يكن أحد يقابل الآخر بالطريق دون أن يلقي التحية بود وتهذيب. لم يرنا أحد دون أن يلقي التحية أو يرحب، حتى وإن نظروا بفضول تجاهي.

وكانت هناك مدرستين، إحداها الثانوية، وهي المكان الوحيد المزود باتصال بالانترنت على الجزيرة كما فهمت. وقد رأيت الصبيان والفتيات يذهبون إليها وإلى المدرسة الابتدائية في الصباح التالي، إذ خرجت أتمشى بعد الفجر، وكان بعضهم يجري إلى المدرسة، وبعضهم يمشي مع زميله أو زميلته، وبعضهم يقف مع مجموعة أمام المدرسة يحادث زملائه بهدوء شديد، ويبدو أن الهدوء هو السمة الغالبة على هذه الجزيرة البديعة. لماذا أبناؤنا صاخبون، محبون للفت الانتباه؟.






كان هناك معبد في قمة الجزيرة، لكننا لم نذهب إليه لبعد المسافة، ولأن حالة قدمي لا تسمح، وبصراحة، كنت منقطع النفس في تلك المنطقة عند بذل أي مجهود بسيط. رفضت كذلك المرشدة أخذي إلى مكان أثري بعيد معد لاستحمام النبلاء في زمن الإنكا، وهو مكان يعد مقدساً، وذلك لوعورة الطريق وخطورته، حيث لا يذهب إليه السياح أساساً، ولم تكن قد أخذت أحد إليه إلا مجموعة باحثين أجانب عملت دليلاً لهم. كان أكثر ما أردت مشاهدته، بينما لم أتحمس بصراحة لرؤية بقايا المعبد في الأعلى. لكنها جعلت صاحب المركب يمر بالحمام لنراه حينما غادرنا، وقد كان جميلاً.
هدوء البحيرة، وعمق لونها وحركتها، أمر ينفذ إلى النفس، ويدعو إلى التأمل على نحو غريب. أهل تلك الجزيرة رائعون، هادؤوا الأنفس، رقيقوا الطباع، لم يمر بنا أحد، رجل أو امرأة، إلا وألقى التحية علينا.

مررنا بباب مفتوح، تجلس على عتبته امرأة مسنة، وحولها نساء مسنات وكبيرات بالعمر، يتحادثن. لكنها ما إن رأت المرشدة حتى مدت يديها إليها، انحنت المرشدة واحتضنتها، وظللن يتحدثن، وبدا أن العجوز البائسة تشكو من شيء ما. ودعناها، ثم أخبرتني بأن العجوز تشكو حزن لم يشفى على وفاة ابنها قبل سنة أو أكثر، وقد كان الابن صديق للمرشدة وزميل دراسة بالجامعة، قد مات مخلفاً زوجة وطفلاً، في منزل من أجمل منازل الجزيرة، لم يسكنه طويلاً.

الكثير من بيوت الجزيرة مبنية من الطين، مثل البيوت في أماكن أخرى من البيرو، وهي تبنى هكذا منذ أزمان سحيقة. وهي بيوت جميلة، وبعضها طموح التصميم، وقد امتدح الناس لي دفئها في الليالي الباردة، وبرودتها حينما تزداد حرارة الجو (بمقاييسهم، أي حينما يكون الجو حاراً مثل الطائف على ما أفترض...). جعلني هذا آسف كثيراً على بيوتنا القديمة الجميلة، التي توصف دائماً بنفس المزايا.







الزهور إلى جانبي هي زهور الكانتوتا، التي تعتبر زهرة البيرو الوطنية كما أسلفت. والبيت الجميل هذا هو بيت ابن المرأة العجوز التي تنعاه، جبر الله عزائها وخاطرها.



الغنم في البيرو صغير جداً، هذه أغنام بالغة. بالطبع، لا ينتمي الغنم أصلاً إلى المنطقة، ولكن جلبه الأوروبيين معهم، مثل الخنازير والخيول. قيل لي أن الغنم يباع بما يساوي 200 سول تقريباً إلى الثلاثمئة. وهذي يعني مئتين وخمسين تقريباً حتى الثلاثمئة. الألباكا يشبه الغنم كثيراً، وقد وصف رجل لي لحمه بأنه ربما أطرى من لحم الغنم (رغم صلة قرابته بالبعير، الله يديم النعمة)، وقيل لي أن لحم اللاما أقل ليونه.


يحاول الناس في أماكن مختلفة من جنوب البيرو تقليد أسلوب بناء الإنكا، أو تزيين مبانيهم بما يشبهه، لكن هذا صعب.



 جلسنا على شاطئ البحيرة قليلاً، وقد شعرت باشتياق يمزق دواخلي لأمي، وحدثتني المرشدة عن حياتها، حيث لم تتزوج، لأنها عقيمة لا تنجب بعدما أصيبت بالسرطان ذات مرة، وقد عانت مع العلاج كثيراً، وتشكل رؤيتها للأطفال حسرة مؤلمة. كان أمر محزن ومؤثر جداً، لكنها قالت بأنها مؤمنة بمشيئة الله. عدنا إلى البيت إذ كان الليل قد اقترب.




هناك، تناولنا وجبة طيبة، بطاطا صغيرة  ذات مذاق غريب ولذيذ ولون بنفسجي، وجبن يعدونه بأنفسهم، ويقطعونه شرائح ويقلونه قليلاً، ومربى وخلافه. كان الخبز تعده المرأة وتضعه على الطاولة حالما ينضج، وهو لذيذ جداً. لكنها لا تخبزه بالفرن، إنما تقليه، والغريب أنه لا يكون مشبع بالزيت حينما يتناوله المرء أو حتى يلمسه.

سألت ربة المنزل؛ أي بلد تتمنى أن تزور؟، قالت مازحة السعودية. ضحكت، وسألتها الصراحة. قالت فرنسا. لم أتوقع هذا البلد البعيد، فكثير من البيروفيين يختارون مكان في أمريكا، أو دولة مجاورة مثل كولومبيا، لكن يبدو أن السياح الفرنسيين قد تركوا انطباعاً طيباً لديها، وهم يزورون تلك المنطقة من البيرو بكثرة كما قيل لي. وبالواقع، شعرت بالأسى، وتأنيب الضمير. إني آتي إلى بيت تلك العائلة الطيبة البعيد عن الوطن، محققاً أمنيتي بزيارة ذلك البلد، هل لديها الفرصة لزيارة فرنسا بنفس الطريقة؟ تمنيت لو كان بإمكاني مساعدتها بتحقيق هذه الأمنية، مع زوجها وأطفالها، ربما لو كانت فعلاً تتمنى القدوم إلى السعودية، لكان السعي بالأمر قد يؤتي ثماراً. لا زلت أكن مشاعر مختلفة تجاه تلك العائلة والتجربة. لقد أحببتهم كثيراً. إنهم ليسوا فقراء، ومع ذلك، أثاروا أساي بمحدودية حياتهم، حيث لم يتعدوا مدينة بونو القبيحة، ولا تبدو عليهم التعاسة، بل هم أكثر مني سعادة بكثير على ما يبدو، لكن أشعر بالأسف مع ذلك على ضيق الفرص المتاحة لهم. لكن، هل لتلك المحدودية أثر على سعادتهم؟ أعني أثر إيجابي؟. أحياناً، أفكر بأني أحتاج إلى محدودية بأمور كثير، بدلاً عن طموحات لا طائل منها.
كان الرجل وزوجته يبدون أكبر من أعمارهم، وقد ذهلت، وذهلوا هم، وعشنا ما يشبه الصدمة الجماعية، حينما علمنا بأننا من نفس العمر تقريباً، الزوج يكبرني بقليل فقط. صمتّ، وقد شعرت بإحراج. هل الكد وهمّ الأطفال هو ما جعلهم يبدون أكبر مما يتخيل المرء حينما يسمع سنينهم؟.

في صباح اليوم التالي، أعدت لنا الفطور، وجلسنا نتكلم قليلاً، ريثما يستعد الأطفال للمدرسة، حتى أودع الجميع ونغادر المنزل والجزيرة. ذهبت لأحضر الهدايا، ووزعتها، وهي هديتين للرضيع، ولكل فرد آخر هدية خاصة، قبلني الأطفال على خدي، وودعني والديهم شاكرين بلطف شديد، وقال لي الوالد بأن آتي بعائلتي بالسنة المقبلة ليروهم.

في يوم آخر، قيل لي بأنهم اتصلوا بالوكالة، ليرسلوا شكرهم إلي، وليتحدثوا عن زيارتي لهم. قيل لي بأنهم سعدوا بالهدايا كثيراً، رغم أنها بسيطة صدقاً، خصوصاً الفتاة الصغيرة، التي أحضرت لها حلي اكسسوار بنّاتي من الرياض.



عدنا إلى بونو، ذلك القبح القابع فوق الجبال وعلى ضفاف بحيرة مميزة. الكثير من المباني في بونو غير مكتملة التجهيز، أي غير مشطبة من الخارج، ورغم ذلك يعيش أهلها فيها. وعدم تشطيبها النهائي ليس لقلة ذات اليد، لكن لتفادي الضريبة المفروضة على البيوت المكتملة والمأهولة. ورغم أن هذا المشهد رأيته في تشكلايو وتروهيليو بالشمال، وحتى ليما، إلا أنه كان حالة استثنائية وغير عامة، لكن في بونو، تزيد هذه المباني قبح المدينة حتى بمبانيها المكتملة. وقد قلت أكثر من مرة هناك بأن هذه الثغرة في نظام الضرائب غبية حقاً، وتتسبب بتشويه المدن وسمعة أهل البلد على نحو فادح.
كنت قد أصبت بكآبة غامرة حالما عدت، ولم يكن الفندق الذي أقيم فيه يساعد المزاج. كما كنت قد نسيت جوالي في ليما، وكان إرساله عبر البريد سيستغرق يومين من كارلا المسكينة، وفوق هذا، كنت أحمل هم حزن أمي كثيراً، وأشعر بأني ارتكبت أكبر غلطة أنانية في حياتي. تحدثت كارلا مع أختي وطمأنتها بأني بخير لكني نسيت جوالي، وكانت أختي تحادثها من وقت إلى آخر ببرنامج المحادثة للإطمئنان علي. وبنفس الوقت، كان الدكتور الألماني يرسل باستمرار يحثني على عدم العودة والصبر وإكمال الرحلة، وبدا أن فكرة عودتي باكراً ستسبب له الجلطة بشكل ما. لكن، يا الله، هل حادث أمي وسمع كيف تحسب الأيام؟ لم تكن بحاجة إلى حساب الأيام، إن صوتها فقط يقول الكثير، حتى لو لم تقل كلماتها. اكتشفت لاحقاً بأن ترتيب العودة سيكون صعباً، بعدما حاولت التنسيق مع مكتب السفر الذي اشتريت منه التذكرة، ودخل أخي في أمريكا على الخط، مطالباً إياي أن لا أغادر، وإن غادرت أن لا أعود إلى السعودية، بل آتي إليه في أمريكا لما بقي من مدة الرحلة. بالنهاية، تبين أن كل هذا غير مجد.
ما أجدى معي، سبحان الله، كان ركوب القطار المغادر لبونو، إذ تحسنت نفسيتي بتدرج  بدأ ساعة ابتعد القطار عنها، واستسلمت للمناظر التي نمر بها في طريقنا إلى كوزكو، وللتأمل والاستمتاع بالرحلة على ذلك القطار السياحي المريح. وهي تجربة سأتحدث عنها إن شاء الله في التدوينة القادمة.





كتب فهد الأحمدي في يوم العيد، حيث لا يتوقع الكثير من القراء كما قال، عن مدينة ماتشو بيتشو الأثرية بالبيرو، وكأنها أمر لا يستحق الإطلاع ليعطيه هذه المقدمة. مقاله يحوي بعض المغالطات، كما أن الموضوع في رأيي أكثر اثارة للاهتمام من أن يضيعه بكتابة من هذا المستوى للأسف. من الواضح أنه لم يزر المدينة. وبالحقيقة، لم أتمنى أنه انتظر حتى يزورها ليكتب عنها، إنما تمنيت أن لا يكتب عنها أبداً، شعرت بأنه سيسطح شأنها حتى لو زارها، وشأن عموم الحضارات التي قامت في أمريكا الوسطى والجنوبية. ليته كتب عن شيء آخر.
عموماً أجد نفسي أوبخه داخل نفسي مؤخراً أكثر من العادة، أشعر بأن كتابته تزداد سطحية كمحتوى، بينما أسلوبه لا يتحسن. لكنه يظل كاتباً جيداً وعاقلاً بالمقارنة، ويكتب عن شيء آخر غير دراما المجتمع والسياسة.





أجد نفسي في معضلة محرجة مؤخراً، حيث انضميت إلى موقع يتعرف فيه الناس إلى بعضهم بغرض المراسلة. كان حظي جيد على نحو غريب، إذ أنه ليس أول موقع أسجل فيه، مع ذلك راسلني فيه خلال شهر عدد من الناس أكثر مما رسالني الراغبين بالتعرف في المواقع القديم خلال سنوات. اتفقت مع كذا شخص على التراسل، إنها هواية قديمة لدي، وأردت أن أنشطها مجدداً. لكن، واجهتني معضلة البريد السيء لدينا، إن كانت كلمة سيء توفيه حقه. تستغرق الرسائل التي أرسل حتى ستة أسابيع حتى تصل إلى وجهتها، في حين أني لم أتمكن بعد من استلام رسالة واحدة مما أرسل إلى قبل أكثر من شهر. دفعني هذا إلى إيقاف نشاطي حتى أجد حلاً، وأتأكد أن الرسائل ستصلني، وكان هذا محرج جداً.
ربما لكوني سعودي، يجد البعض حماس شديد تجاهي، رغم كثرة السعوديين غيري بالموقع. لكن أتصور أن من يراسلونني قد وجدوا توافقاً في الهوايات ربما، أو لعل افاتاري جذبهم كما فهمت من البعض (نفس افاتاري بالمدونة). أحدهم من النرويج كنت قد اتفقت معه على أن أبدأ أنا بالمراسلة، وبعدما تأخرت بسبب اكتشافاتي عن البريد ومحاولتي إيجاد حل معهم، أرسل إلي يخبرني بأنه مهتم، ويريد أن يسمع مني، وأنه يمكنه أن يرسل الرسالة الأولى. هل تخيلتم الإحراج؟. آخر، بدا أنه لم يصدق أني أرسلت الرسالة، ولا ألومه، فتأخيرها كان غير معقول، مقارنة بالرسائل الواردة من دول أخرى إليه، كان يريد أن يعرف التاريخ الذي أرسلت به الرسالة، وهو لا يعرفني، مما أشعرني بأنه ربما ظن أني كذبت حينما قلت بأني أرسلت، حيث أنه أخبرني بنفسه عن مدة وصول الرسائل المعتادة.
أعتقد بأن البريد صار أسوأ، من هذه الناحية على الأقل. ربما لأنها لم تعد مجدية مثل شحن الطرود الكبيرة؟، أو ربما لسوء الإدارة والأمانة كما يخبرني أحد العاملين بالبريد. لكن ما الخيار الآخر؟، البريد الإلكترونيا ليس حلاً، وشرح السبب قد يطول، لكنه باختصار ليس بقيمة الرسائل المكتوبة والمرسلة تقليدياً.
أتذكر بالسابق أن الرسائل كانت تصل خلال اسبوعين من الدول البعيدة، وإن تأخرت فثلاثة أسابيع.
عموماً، ربما لرمضان والعمل فيه، ثم العيد، دور بالأمر؟ أرجو أن يكون التأخير استثنائياً.
إن وصلت الرسائل المنتظرة إن شاء الله، أعتقد أني سأعتمد على البريد المسجل، على أني لا أدري كم يكلف. إن كلف حتى ثلاثة أضعاف البريد العادي لن يكون لدي مشكلة، وسأسأل من يريد مراسلتي استخدامه كذلك، على أن هذا طلب محرج صدقاً، ومحرج أكثر الشرح للناس أن نظام البريد لدينا غير فعال.
مثلما أعتقد تجاه مختلف المشآت، أعتقد أن الحل الأمثل هو جلب إدارة أجنبية كفؤة.




قبل فترة، ذهبت لمقابلة طبيب سعودي بالمستشفى الجامعي، اسمه زين العابدين جمجوم. كنت أحتاج إلى رؤيته لحالة طارئة لدى ابنة أخي، التي  تحتاج إلى عملية كما يعلم، ولكنه اقترح في وقت سابق أن نعرضها على أطباء آخرين لأخذ مشورتهم. لا يوجد إلا طبيب واحد متخصص بحالتها كطفلة بالمنطقة، بينما تخصص هذا الطبيب للكبار. المشكلة هي أن الطبيب الآ خر في مدينة الملك فهد الطبية، ولرؤيته، نحتاج إلى تحويل إلى المدينة، تحويل لن يضر أحد بشيء، إنما هو من مصلحة المريضة ذات الحالة الحرجة، والمهددة بالشلل لا قدر الله، وقد كنت مررت بنفس الإجراء لمصلحة والدتي.

قابلت جمجوم بصعوبة، وبعدما تهرب مني ورفض بصمت وسفاهة أن يفتح الباب حينما رآني أقف بانتظاره، قبل أن يدخل بسرعة. كما رفض أن يفتح الباب لسكرتيرته، ربما لعلمه أنها ستلفت إنتباه إلي. انتظرته حتى خرج، وأخبرته بحاجتنا. كان رده سريعاً وواضحاً، إنه لن يعطينا التحويل، لماذا؟ لأنهم (يقصد نفسه طبعاً) يحال إليهم (كذلك، الجمع يشير إليه) ولا يحيلون (الكبر لله، والله أكبر). المسألة مسألة كبرياء بالنسبة إليه، فهو يعتبر نفسه أكبر من أن يحيل حالة إلى دكتور آخر، حتى لو كان هذا اقتراحه. كرر قصة أنهم يحال إليهم ولا يحيلون ثلاث مرات، دون أي مبالاة بأن الأمر يتعلق بحياة إنسان، وليس ببرستيجه هو، مبرهناً على تفاهة لا أدري كيف لا يستحي منها. إنه يقول بأن الأمر شأننا نحن، أي أن نتدبر أنفسنا، أما هو فلا علاقة له.
لا يوجد أي التزام أخلاقي لأطباؤنا... وتبدو كلمة أخلاقي غير ذات صلة بالموضوع عموماً حينما يتطرق إليهم عموماً.
مثل هذه الأشكال، وهي الأغلبية العظمى من الأطباء والدكاترة السعوديين، هي سبب تخلفنا ومعاناتنا، وهي المسئولة عن رجعيتنا، ورخص حياتنا.
تقول زوجة أخي بأنه طردها بجلافة بعدما صدمها بقوله بأن الطفلة مهددة بالشلل، وتحتاج إلى العملية الدقيقة تلك، بحجة أنه لديه مرضى آخرين، دون أي اهتمام بشعورها، ناهيك عن حقها بأن تسأل وتفهم الأمر كما يجب. لكن، ما أهمية حياة طفلة ليست له؟.
حينما تطوعت بالقصيم بمساعدة طبيب أمي الألماني ومراجعيه بالترجمة، بالأوقات التي كانت والدتي تخضع فيها للعلاج الطبيعي، أتذكر كيف كان يهتم حتى بالجوانب الاجتماعية للمريض، حياته ككل، وكان يعرض مساعدته حتى بالأشياء الجديدة عليه، من تقارير طبية موجهة إلى جهات حكومية، لغرض تقليص الحصص لبعض المرضى، وكان يسأل عن سبب تعاسة بعضهم الواضحة، ويهتم بهم كأناس، وليس كحالات تشكو عظامها ومفاصلها فقط.
وبالمقارنة مع مواقف لا حصر لها مع أطباء ودكاترة سعوديين، وعرب، وجدت أن الإسلام والانتماء لا يصوغان شيئا بالناس في هذا اليوم. ينافح الناس عن السعودة، والعروبة، والمسلمين، دون إعادة نظر، لكن، ما المقابل؟، هذا سؤال ليس لنفسي، إني لدي إجابتي الخاصة عليه، إنه سؤال أتمنى من جميع من يقرأ أن يقلبه في ذهنه، ويسأله لنفسه، أن لا يجيب مباشرة، وأن لا يسمعني جوابه (وكأنما سيهتم أحد).
هل جرب أحدكم التقدم من دكتور سعودي أو طبيب ليسأله عن شيء؟ هل توقف ببساطة وأجاب؟ ستكون هذه حالة نادرة. هل قدمت خدمة لدكتور سعودي، وبعدما انتهيت ومر الوقت وجدت منه تقدير واستعداد لرد الجميل؟.
بالواقع، حينما جئت أبحث عن جمجوم، أرسلني موظف إلى طبيب آخر، الحبيب، لأرى إن كان يعرف متى سيتواجد جمجوم. لقد تفادى النظر إلي، وحاول الهرب من المكان وارتبك وتضايق على نحو مثير للشفقة، لألا أفكر أن أقترح أن يساعدني، وهذا ليس بالموقف الجديد وغير المتوقع، إنه ما توقعته تماماً وما أمر به باستمرار في مثل هذه المواقف معهم، إلا أني لحسن الحظ لم أرد منه مساعدة، ولم أطلبها، لكنه خاف فقط.

إن تقدير الناس والذات أكثر تعقيد من أن تحدده هوية في رأيي، بوسع المرء أن يهتم بالمسلمين وسواهم من ذوو الحاجة بنفس الوقت، وبوسع المرء أن يتسائل عن خير أموره، هل هو بيد طبيب مسلم أم كافر مثلاً. حتى الصداقة، لقد وجدت صديقي الألماني (الدكتور، وليس الطبيب)، أفضل صديق حضيت به.
هل أفضل أن يعالج والدتي طبيب سعودي؟ لا، إجمالاً، وبعد تجربة تجاوزت العقد من الزمن مع المستشفيات، هل أفضل أن يدير جامعاتنا وكلياتنا ومستشفياتنا دكاترة سعوديين؟ لا، ولا يهمني إن كانوا مسلمين أم لا.




صباح اليوم، وأنا أهم بالنزول من سطح مواقف الجامعة عبر الدرج، تواجد رجل كبير يبدو أنه يأتي لأول مرة، نظر إلى اتجاه البهو الرئيسي المرتفع بالجهة المقابلة، حيث يجب أن يصعد الدرج إليه بعدما ينزل درج المواقف إلى الأرض، وقال: ليتهم حاطين جسر لهناك!. ضحكت، لكني فكرت بأني أتمنى لو وضعوا "زحليقة" تصل من السطح إلى المدخل، كم ستوفر من الوقت. لماذا لا تستخدم الزحاليق كطرق للانتقال؟. لعلي لم أتخلص من حبي للزحاليق منذ أيام الطفولة، حيث كنت أفضلها على أي لعبة أخرى بالحدائق، والمنازل حينما تتوفر، لكني أرى الآن بأنها قد تكون وسائل مريحة ورخيصة للانتقال. كما كنت دائماً أتمنى لو كان بوسعي ارتداء زلاجات، خصوصاً وقت حضوري إلى الجامعة بالصباح، حينما كنت أحرص على الحضور بالوقت الصحيح.

ربما قريباً إن كان الله قد كتب ذلك، سأخضع لتجربة جديدة، وهي ليست باختياري، لكنها ضرورية، وإن لم أكن متحمساً لها، أو راغب بها.
لكن إن تأخرت أو ألغيت، أفكر بزيارة قطر في إجازة الحج. كنت قد اقترحت على صديقي الألماني زيارتها معاً قبل أن يغادر، وكان متحمساً. كان السبب هو رغبتي هو زيارة سيرك مشهور زارهم في ذلك الوقت. يبدو أن سيرك آخر سيزورهم خلال الحج، وأريد أن أراه، كما أريد أن أرى المتحف الإسلامي، وبعض الحدائق هناك، إن كانت تستحق الرؤية. بالطبع، لا أريد الذهاب بالسيارة.



سعد الحوشان