الاثنين، 31 أغسطس 2015

حِملي الخفيف، حِملي الطاغي (سيارة،أجهزة،قصائد،المعتاد)

بسم الله الرحمن الرحيم









يخيل إلي أحياناً أن اليوم الواحد لا ينتهي، ذلك أني أشعر بأني أعيش امتدادات اليوم في اليوم الذي يليه، وكأنما اليومين، وما يليهما، هي يوم واحد، لتشابهها. يستجد تأمل في وجه، في فكرة، يستبدل غداً في وجه آخر، وفكرة أخرى، لكنه يظل تأملاً داخلياً، لا يتمخض عن شيء. اليوم مثل أمس، وغداً مثل اليوم…
مع ذلك، وجدت منذ أن عدنا من سويسرا أني أكثر تقديراً للحياة هنا، للناس، للشمس، للغبار، للضجيج… لقد جعلتني سويسرا أكثر تقديراً لكل شيء هنا.
أصبحت النسمة مفاجئة سارة ونعمة، كقبلة الأم النادرة، بعدما كان النسيم يكاد لا ينقطع في زيوريخ، ولا يعنيني هناك مع ذلك، أصبحت حرارة الشمس كلوم الأم الدافئ، بعدما كان الغيم هناك مجرد منظر في صورة روحي ليست فيها، ولم تكن فيها، لقد تركت روحي هنا.
شكراً سويسرا، شكراً لأهلك السقماء، إني أكثر تقديراً لحيث أنتمي، أكثر معرفة وفهماً.
لم يكن ينقصني التقدير، لكن ليس لكل شيء هنا.

عدنا منذ ثلاثة أسابيع الآن، لا زلت أشعر بأني عدت قبل يومين أو ثلاثة. ليس أني عدت للرياض فقط، ليست الرياض أغلى ما هنالك، لقد عدت إلى المكان برمته، عدت إلى روحي. حينما حططنا في قطر، في طريقنا إلى الرياض، ورأينا رجال ونساء قطريون، وسمعناهم، قالت شقيقتي: يا زين قطر، ويا زين ريحه. علّقتُ بأنها لأول مرة تأتي إلى قطر، لكنها ردت بأنها تشعر بأنها تعيش هنا منذ مئة سنة. فعلاً، ما الفرق؟. لا يحتاج المرء إلى سويسرا لتعلّمه ذلك، لكن القدر جعلنا أشد وعياً للأمر. إن الوطن هو الجزيرة العربية،

أيا جزيرة راحت تتدلى وسط البحور…
تحليها المنارات الشامخات…
ويغشاها ضوع البخور…
وتلين لذكراها القلوب القاسيات…
إذ تحن إليها عبر الدهور…








لا جديد في العمل، لا زلت لا أشعر بأني لا أتقدم إلى أي مكان، لا مستقبل وظيفي. لا زلت أذهب للأسباب ذاتها رغم ذلك؛ ظروف حياتي، لا زلت أجر نفسي إليه كل صباح. لكن ربما لم أعد أجيد غير هذا، أو لم أعد أطمح لأفضل على أي حال. مع ذلك، وجدت أني أفضل تركيزاً مؤخراً إلى حد ما، وذهني أفضل حضوراً. أعتقد أن الأمر يعود لما أتناول في الصباح، إذ صرت آخذ جرعة من حبيبات لقاح الأزهار، وآكل حبة من طحين عشبة القنكو، وقد أثرت كثيراً على ما أعتقد، فأنا أشعر باتقاد ذهني في الأيام التي آخذها فيها. بالعادة، أتناول حبة من عشبة القوارانا، وهي تمنحني النشاط، والشعور بالتوهج، لكني أظل على بلادتي الذهنية لسبب ما.
حبوب لقاح الأزهار مفيدة جداً، رغم أنها تؤخذ بكميات قليلة. لكن صدقوني، تأثيرها شديد الوضوح، ويكاد يكون مباشراً. أقنعت والدتي مؤخراً بتناولها، رغم أنها تركتها سابقاً تفسد رافضة تناولها. لسبب ما، صارت توافق على بعض اقتراحاتي، خصوصاً بعد عودتنا من سويسرا، ولا أدري لماذا، لكنه أمر جيد.
تضاف الحبوب إلى الروب أو العسل، أو أي طعام آخر، لكنها لا تطبخ أو تعرض للحرارة العالية، وتضاف بكمية قليلة كل يوم، أقل من ملعقة شاي، فهي مكثفة. هي الرحيق المتكتل على سيقان النحل، حيث يتكتل اللقاح، فتوضع أمشاط صغيرة عند الخلايا، ليمشي عبرها النحل ويعلق اللقاح، وهي لا تؤذي النحل. أتساءل إذا ما كان النحالون لدينا يهتمون بجمع اللقاح؟ حيث لا أرى سوا إنتاج فرنسي، أو سويسري بعض الأحيان.









كنت أنتظر جوالاً أعلن عنه منذ نهاية السنة الميلادية الفائتة في الصين، ومنذ ذلك الحين أتابع أخباره بشغف، وأنا أرجو أن أتمكن من الحصول عليه. لم يكمل جوالي الجيد من لينوفو أكثر من سنة ونصف، في حين أني أشترط على نفسي استخدام الجوال لما لا يقل عن ثلاث سنوات ونصف إلى أربعة حتى أشتري آخر، إلا أني قررت هذه المرة أن أدلل نفسي، وقد كان قراراً مضحكاً لشخص أطلعته عليه، لأنه لم يعرف هذا عني على ما يبدو، ولكنه أثنى على هذه المبادرة.
أحياناً، أقوم بهذه المبادرات تجاه نفسي فجأة.
ما جعلني أهتم بالهاتف الجديد هو كاميرته الخلفية، حيث أنها عبارة عن كاميرتين تعملان بتقنية عالية، تجعل الصور مقاربة لصور الكاميرات الاحترافية، دون الحاجة للإعدادات والتكاليف. وربما الميزة المهمة بالنسبة إلي هي القدرة على التلاعب بالتركيز، سواء قبل أو بعد أخذ الصورة، على نحو احترافي ورائع، وسهل جداً. تتعرف الكاميرا على أبعاد الأشكال بالصورة، فيمكن مثلاً تصوير شخص أو شيء وعزل الخلفية وجعلها ضبابية، وحتى تخفيف ألوان الخلفية، أو عكس التأثير وجعل التركيز على الخلفية، مثلاً تضبيب أغصان الشجرة القريبة والتركيز على مبنى بالخلف. أو، جعل جزء من الصورة يبدو مرسوماً، سواء الخلفية، أو المقدمة، كجعل شخص تصوره يبدو كرسمة في محيط واقعي. ومؤثرات أخرى على نفس المبدأ، سجعل جزء أسود وأبيض.
هو يحوي كل المميزات الحديثة المهمة، وبسعر جيد جداً. الشاشة ممتازة، ليست من الشاشات الجديدة الوهاجة، لكن تم اختيارها بتقنية تقليدية لتقليص استهلاكها للبطارية، وهذا أمر يلائمني جداً. والبطارية تعتبر كبيرة جداً مقارنة بالجوالات الأخرى، حتى مرتفعة الثمن منها.
نزل في الهند بعد الصين بثلاثة أشهر، لكن بعض المزايا كانت ناقصة هناك، رغم توفر خيارات الألوان وسعات التخزين كافة. والسعر كان يتراوح بين ألف وخمسمائة ريال و ألف وسبعمائة، حسب السعة، واللون، حيث أن اللون الذهبي هو الأثمن، رغم أني أفضل الأبيض. لكن فوجئ من اشترى الجهاز في الهند أنه يعمل على شريحة واحدة، وربما بدون الجيل الرابع، لست متأكداً.
ثم نزل في بريطانيا وماليزيا، بتسعير مماثل تقريباً. وهو يباع بنفس الطريقة في كل مكان؛ عبر مواقع الانترنت التي تتفق معها الشركة، بينما البيع في المحلات محدود جداً إن لم يكن معدوماً في معظم البلدان. أعتقد أن هذا للحفاظ على السعر منخفضاً، وتسهيل التسويق. كان هذا يعطيني شعور بالتشاؤم، رغم أن الشركة نفسها طرحت جهازاً أو اثنين من قبل في السعودية عبر المحلات، لكن بدا أن امر هذا الجهاز مختلف. حاولت أن أجد طريقة لطلبه من الخارج، رغم عدم تأييدي لهذا، لأن الضمان مهم، إلا أن الأمر كان صعب كذلك، في ظل اختلاف ترددات الجيل الرابع، وخوفي من أمور غير متوقعة.
وفي آخر أيامنا في سويسرا، قرأت في موقع سعودي بأن الشركة اتفقت مع موقع سوق على بيعه حصرياً عليه، بسعر مغر جداً، هو الأرخص على حد علمي عالمياً. طلبته مباشرة بعد طرحة بعد الساعة الثانية عشرة ليلاً للطلب المسبق. لكنه تأخر كثيراً بعد عودتنا، وحينما جاء كنت قد تواصلت مع صديقي همام في الصين، وطلبت منه أن يصنع معروفاً ويرسل إلي واقٍ متطور للشاشة، لا يبدو أنه يتم تسويقه خارج الصين، رغم أنه من نفس الشركة. ميزة هذا الواقي الزجاجي أنه يضيف أزرار افتراضية، فبدلاً عن ظهور أزرار التحكم على الشاشة نفسها، يلمس المستخدم أسفل الشاشة لإحداث نفس التأثير، مما يوفر من مساحة الشاشة كثيراً، كما يضيف زرين افتراضيين فوق الشاشة يمكن تخصيصهما، بحيث يلتقط الجوال صورة في حال لمس الزر الافتراضي في زاوية الجوال مرتين، أو يبدأ بالتسجيل حين لمس الزاوية الأخرى، أو القيام بوظائف أخرى حسب رغبة المستخدم.
وصل الجوال، وظل لدي لمدة أسبوعين أو أكثر دون استخدام، لأني انتظرت وصول هذا الواقي الذي يهمني كثيراً. وفي كل الأحوال، كنت قد قررت أن لا أستخدم هاتفاً جديداً قبل إلصاق واقٍ للشاشة، لأنها تتخدش مهما كان زجاجها جيداً ومقاوماً للخدوش.
إني سعيد بقدرات الجوال على التصوير والتعديل المتطور جداً، وهو يعطي مساحة كبيرة جداً للإبداع دون اللجوء إلى برامج وسيطة يصعب إخفاء التدخلات بها، حيث أن نتائج كاميرا الجوال هذا أصلية بفضل الكاميراتين المتجاورتين. يوجد مزايا جانبية لفلترة الصور. لكن من الواضح أن الشركة جديدة في هذا الشأن ولا تدري ماذا تضيف. الميزة الأساسية أكثر من كافية، ويمكن بعد أخذ الصورة ووزن التركيز والعزل فلترتها في برنامج آخر جيد مثل سنابسيد عند الحاجة، لكني أرجو مع ذلك أن يكون لديهم أفكار أخرى تضاف إلى الكاميرا الممتازة في التحديث المقبل.
يعمل الجهاز بشريحتين، إحداهما تشغل الجيل الرابع، مع إمكانية تفعيل ميزة العمل على ترددان بذات الوقت وعلى نفس الشريحة، في حال كانت الشبكة تدعم ذلك. لحسن الحظ، أعلنت زين أمس أنها شغلت هذه التقنية على شبكتها، وهو أمر لم أتوقعه صدقاً. شغلت الميزة في جوالي، ورغم أن الجيل الرابع سريع جداً أساساً، إلا أن السرعة كانت أكثر إذهالاً حتى. هذه التقنية تضاعف السرعة. مع ذلك، لا زلت أعتقد أن الجيل الثالث على الجوال أكثر من كافٍ بالنسبة لي. لكن من يدري، لعلي أستفيد من هذه الخدمة لاحقاً.
توجد التقنيات الجانبية كذلك، في هذا الجوال الرخيص نسبياً، مثل NFC، وهي لا تزال غير مهمة تماماً هنا. تستخدم لتبادل المعلومات، وربما الدفع الالكتروني.
إنه جوال جيد جداً حتى الآن، ببطارية ضخمة، وأداء رائع، وكاميرا رائعة لا مثيل لها، وسعر يبلغ لدينا ١٤٠٠ ريال لأفضل نسخة، ذهبية بسعة التخزين الأقصى، أي أرخص من الدول الأخرى بفارق كبير. لكني بالواقع كنت أتمنى أن لم يحصرونا باللون الذهبي، رغم أنه اللون المرغوب أكثر بطبيعة الحال، لكن لا بأس. سعة التخزين كذلك ٣٢ قيقا، وهي الأعلى، وهذا بسعر الأدنى لدينا، وهذا أمر جيد جداً. بالإضافة إلى ضمان سنتين.
حين علم أخي الكبير بأمر طلبي للهاتف، أصر على أن أطلب له مثله. لم يكن قد رآه بعد، وهو لا يفهم كثيراً في هذه الأمور. شعرت بأني في معضلة، فأنا أخشى أن لا يعجبه. لكنه يقيس على الجوال السابق، الذي اشترى مثله بعدما رآه معي. فكرت بالأمر، وطرحت شروطاً غير قابلة للتفاوض، أو يمكنه شراء الجوال بنفسه. وافق على الشروط.
الفارق كان أن جوالي جاء مع هدية بقيمة ٤٠٠ ريال، سوار مطاطي كالساعة، بسماعة بلوتوث يمكن نزعها منه، وهو بالإضافة إلى استقبال المكالمات يحسب الخطوات ويتابع النوم وما إلى ذلك. أملك مثله منذ أكثر من سنة. بينما لم يحصل أخي على واحد، وكانت علبة جواله مفتوحة حينما وصلت، لكن لغرض جيد، حيث حصل بدلاً عن ذلك على واقٍ للشاشة، غير متطور مثل الذي أرسل صديقي من الصين لكن مفيد مع ذلك، وواق لخلفية الشاشة. وهذه أشياء على رخصها إلا أنها أهم من السوار على المدى الطويل؛ فهي اكسسوارات لا تباع لدينا ولم يحضرها موقع سوق مع الأسف. وهذا أمر غريب، بعض الشركات تأتي بأجهزة دون اكسسواراتها الضرورية.

يحب البعض أن يتحدث عن الجوالات بالأرقام وقدرات المعالجات والشاشات، وبجدية مبالغ بها. لكني أتحدث كمستخدم عادي، ودون مقارنة في جوال آخر على وجه التحديد. الجوال سلس الاستخدام، ورغم أنه أندرويد إلا أنه شأن كل الجوالات من الشركات الصينية ذو واجهة استخدام مبسطة تقلد إلى حدى ما واجهة جوالات آيفون، أي أن كل التطبيقات تظهر معاً على واجهة الاستخدام، مع حرية التعديل عند الرغبة بتنزيل واجهات وأساليب استخدام أخرى، كما في أي جهاز أندرويد. توقعت أن الكاميرا على الأقل ستكون أكثر تعقيداً من حيث الاستخدام، لكن تبين أن واجهتها تكاد أن تكون مصممة للأطفال لفرط سهولتها، وهذا أمر جيد.
لست من النوع الذي يشغل الألعاب على الجوال، وإن حدث وشغلت، كما في أوقات سابقة، فهي ألعاب بسيطة يشغلها أرخص وأبسط جوال. يقال بأن هذا يشغل الألعاب الثقيلة، لكني لم أجرب، وغير مهتم. إن الجوال بالنسبة لي لمهام كثيرة، لكن الألعاب ليست منها. تهمني الكاميرا الجيدة على وجه الخصوص، ليس فقط للتصوير، لكن لمسح الوثائق مثل السكانر باستخدام برنامج معين اسمه Camscanner، وتخزينها وإرسالها، مثل تقارير والدتي الطبية وابنة أختي، وخلاف هذا من أهم الوثائق.
يهمني بالطبع أن الجوال يعمل بسلاسة وبلا تقطيع أو تعليق، وهذا ما هو عليه جوالي هذا، رغم تشغيل عدة برامج.
يشتري معظم الكبار جوالات فاحشة الغلاء، لأجل ماذا؟، فهم لا يستفيدون من قدرات المعالجة الضخمة، ولا من معظم المزايا الأخرى. كل الجوالات الآن تشغل وتساب وسنابشات وما لف لفهما، إذا لماذا هذه المبالغة؟ ولماذا هذا التقليد والتشابه، رغم تشابه النظام في كل الجوالات الأخرى العاملة بأندرويد؟ إن كثرة الشيء في أيدي الناس لهو من الأسباب التي تصرف نظري عنه، إن لم تقلب كبدي رأساً على عقب. فالمرء يشتري جوال بثلاثة آلاف، مثل الذي بين يدي طفل في الصف السادس الابتدائي هذه الأيام، حيث أن هذا أقصى طموح الأطفال مثل هؤلاء الكبار للأسف، وهو ما يحصلون عليه كذلك بتبذير أعجز عن فهمه.

حصل أخي على جواله، وأحبه، وهو لا يعرف كيف يستفيد من الكاميرا، ولا أتصور أنه يقدرها أو يفهم ما يمكنها فعله، ولم يعمل لديه الجيل الرابع كما كان يريد، فهو مع شركة اللصوص STC، لكنه سعيد بالجوال، ويعتقد أنه لديه شيء جيد ومختلف، وهذا أهم شيء.






هذه صور ألتقطتها بالجوال (بعضها بمؤثرات على عنصر التركيز، مثل التأثير الرسومي في الصورة الأولى):
























اللؤم، الخلق الأعم لدى الأنذال البسطاء، لكن ماذا لو صادفته من حيث لم تتخيل أبداً؟ ياله من شعور مُحطم ذلك الذي سيختلج في قلبك المجروح.
تستمر الحياة مع ذلك.







أبحث عن سيارة منذ فترة طالت الآن، وقد توقفت عن استخدام سيارتي التي أكملت أكثر من عشر سنوات الآن، منذ فترة قريبة. احتاجت إلى إصلاحات ستكلف الكثير لغلاء قطع الغيار، ولم يعد الأمر يستحق العناء، يسعدني أنها خدمتني على نحو جيد ومريح طوال هذه السنوات، وأنا راضٍ تمام الرضا عن التجربة.
كانت سيارة رائعة في فئتها، على كل المقاييس، لكن عيبها الوحيد هو وكيلها، الذي يعتبره الكثيرين أفضل السيئين. وكيلها هو عبداللطيف جميل. أحياناً أود صدقاً لو كان اسم الوكالة على خلاف هذا، أنه لم يكن على اسم الرجل رحمه الله، ذلك أن الناس إن سبوا وشتموا وتوجهوا بدعواتهم دعوا بهذا الإسم، وهذا أمر يحزنني، ولعله خطأ وقعت فيه كذلك.
يتعامل الوكيل مع سيارتي وكأني أخذتها كصدقة، فالقطع لا تتوفر إنما تطلب من جدة، والأسعار عالية لسبب ما. وقد توقف عن جلب الموديلات الجديدة، لأنها غطت على أحد سيارات تويوتا، الشركة الأساسية لديه والمالكة لديهاتسو التي تأتي منها سيارتي، وهو يريد أن يسوق تلك السيارة على نحو أفضل.
مع ذلك، لا زلت مبهوراً بأدائها الممتاز، وقوتها التي تفوق حجمها، واقتصادها العجيب بالوقود، حيث أن ما يكافئها حجماً من السيارات الأخرى حينما أضطر لاستخدامه أشعر بالضيق لاستهلاكه للوقود على نحو أسرع مما تعودت بكثير.

أما رحلة البحث عن سيارة، فقد كان مضنية، ومستنزفة للوقت والنفس. كان هناك الكثير من الناصحين المخلصين، لكني للأسف كنت غير قادر على تجاوز عقدتي من الرائج من السيارات، وهي ما يقترحون طوال الوقت. أشعر دائمًا بأن هنالك ما هو أفضل، لكن الناس لا يعرفونه جيداً، لأنهم يقلدون بعضهم، ويغيرون قناعاتهم بصعوبة.
كما صدمني الغلاء الفاحش للسيارات. شيء غير معقول، حتى أمام قوة الريال. إن الريال أقوى بكثير مما سبق، أعرف هذا لأن قيمة الفرنك العام الفائت هي ضعف قيمته الآن أمام الريال، وكان هذا النزول في قيمة الفرنك مصدر راحة هناك في المرة الأخيرة. فكرت بالسيارات الصينية على نحو جاد، رغم تخوفي. شدت اهتمامي شركتين، BYD  والأخرى Faw، وإن أثارت الثانية اهتمامي أكثر. تواصلت مع صديقي همام من الصين، فأخبرني بأن لا أشتري سيارة صينية إن كان بمستطاعي شراء غيرها، فهي في أفضل الأحوال ذات جودة متوسطة، وأهل الصين لا يشترونها إلا إذا كانوا لا يملكون ما يكفي لشراء غيرها. كان هذا محبطاً، لكني سمعت النصيحة وصرفت النظر.
من جهة، كان زميلي بالعمل ينصحني بسيارة كورية شهيرة. أعلم بأنها جيدة، وقوية، لكني أكره تلك الشركة، هيونداي، رغم أني لا أنكر قوتها وأنها خيار موفق لمن يريد. ما أكرهه فيها هو انتشارها أكثر من اللازم، خصوصاً في أيدي الشباب الصغير، الذين أكسبوها حضور كريه على الطريق بتهورهم، وسمعة مشبوهة حينما تُنصب نقطة تفتيش بالشارع. فلم أكن أستوقف في سيارتي في النقاط، ولكن حينما أستأجر سيارة من هيونداي غالباً ما يُنظر في أمري، لقد غدت شبهة ولا مفر من هذا للأسف. هكذا يفسد الناس شيء جيد بالأصل.
أما أخي، فكان يريدني أن أشتري سيارة يابانية أو أمريكية، بما أني لا أحب هيونداي. أعلم بأن كل السيارات التي يقترحها، وصديقه العامل بمجال السيارات، جيدة، لكني لم أحبها إجمالاً. نظرت في أمرها بجدية، كانت الأسعار مرتفعة، وكنت أشعر بأني لن أحصل على ما يعكس شخصيتي، ويسعدني على المدى الطويل كذلك مثل سيارتي الأخيرة، التي أسعدتني قيادتها لأكثر من عشر سنوات. ربما لكون السيارات التي يختارون دارجة أكثر من اللازم، وكذلك لارتفاع سعرها دون أن يبدو عليها أنها غالية بنفس القدر. ركزنا على مازدا، حيث أن سيارة أخي الكبيرة التي اشترها قبل أشهر منها. اقترح علي مازدا ٦، ونظرت في أمرها. لم أجدها معروضة بالمعرض. كان سعرها المبدأي ٦٧ ألف تقريباً، وهذا لأقل فئة، التي تخلوا من الكثير من الأشياء المهمة في يومنا هذا. أما الفئة الأعلى، فهي أغلى بثلاثين ألف تقريباً!! لم أفهم هذا، بدا الأمر كإحتيال. بالنسبة للسيارات العادية، غالباً ما يتراوح الفرق بين الأعلى والأدنى بين خمسة وعشرة آلاف على الأكثر. كما أن الوكيل لم يوفر فئة بالمنتصف. قال أخي بأني يمكنني دفع سبعين ألف، ثم تقسيط الباقي. طبعاً، مستحيل، لن أسامح نفسي على شراء سيارة بهذا الثمن وأنا أعتقد أنها لا تساويه، ولا تعجبني تماماً، حتى لو كانت جيدة. لو كانت ألفا روميو مثلاً، لبدا الأمر معقولاً جداً، لكن ليس مازدا. وبذكر ألفا روميو، وهي من أحب أنواع السيارات لدي، وجدت سعرها قد ارتفع كثيراً، حيث أنها كانت مشمولة بعرض العام الفائت يبدو أن الهدف منه كان نشر هذه الماركة الإيطالية البديعة إلى جانب فيات. لكن سعرها تضاعف للأسف، رغم أني أرى أنها تستحق سعرها، إلا أني لا أقدر عليه، لذا اكتفيت بزيارة وكالتها والشعور بالأسف. لو كنت قد اشتريتها العام الفائت، لكان أفضل، لكني لم أقدر الأمور على النحو الصحيح، وأردت أن أستفيد من سيارتي الصغيرة أكثر.
اطّلعت على الكثير من السيارات، باستثناء التي يستحيل أن أشتري منها، إما بسبب غلائها الفاحش، أو بسبب كراهيتي لها مثل تويوتا وهيونداي. كانت معظم الاقتراحات لا تساوي سعرها في نظري، كما أنها لا تلائمني كشخص فيما أرى. إني أقدر انعكاس الشخصية، أو جزء منها، في أشياء المرء. أحياناً، تحتم علينا الرغبة بالعملية وقضاء احتياجاتنا التنازل كلياً أو بقدر معين، لكن يجب أن يكون السبب وجيهاً.
ما كنت أنوي الاطلاع عليه، وشراؤه مباشرة حال المقدرة، كان سيارة من بيجو، جربناها في سويسرا عدة مرات أنا وأمي، ووجدتها أمي مريحة على وجه الخصوص. هي سيارة كبيرة، تجمع بين هيئة الجيب والسيارة العادية. ليست جميلة، لكنها مهيبة. كنت قد سألت سائقيها عنها، وكان الجميع يمتدحها كثيراً. لكن حينما زرت الوكيل، وبيجو تباع في وكالتين مختلفتين، وجدت بعض مزاياها الأهم ناقصة، رغم سعرها المرتفع جداً. كنت سأتنازل في موضوع السعر، لو لم تكن المزايا ناقصة، بدا وكأنها خدعة بشكل ما، وكأنها خالية من الداخل وبنفس سعر الكاملة. لذا صرفت النظر مباشرة. يوجد لديهم سيارة شديدة الأناقة، جميلة جداً، ورغم أني شعرت أنها تعطي انطباع لا يعكسني، انطباع بالرفاهية الزائدة وذوق لا يمثلني تماماً، إلا أني فكرت بها لسعرها، لكن تبين أن السعر للموديل القديم، بينما الموديل الجديد سعره يفوق قدرتي لدى الوكيل الثاني، ولم يكن لدي خلاف على شراء الموديل القديم، لولا أنه تنقصه الكثير من المزايا، وكأنما هي فقط شكل خارجي.

اقترح أخي شراء فورد، وهي شركة أحبها إلى حد بعيد، رغم انتشارها الزائد. لكن أسعارها مبالغ فيها، أو أكثر مما تستحق سياراتها في نظري.كنت أقول لأخي بأني حينما أصل إلى تلك المستويات من الأسعار، فيمكنني الحصول على شيء أفضل، مثل ألفا روميو. هو بالطبع لا يقتنع بما أحب، لذا كنت أبحث عن شيء من التوازن، فلم أرد الاستغناء عن النصيحة المخلصة رغم اختلاف المفاهيم وكل شيء آخر.

رغم حبي للسيارات الأوروبية، إلا أن أملي توقف فقط على بيجو، ثم صرفت النظر. بالطبع، لا أفكر بالسيارات الألمانية، فغالية السعر منها سيكون من المضحك لو فكرت فيها حتى، وما يعتبر سعره معتدلاً هو غال جداً بالواقع، وقبيح. أحب الطابع الفرنسي والإيطالي في السيارات، بشدة. مع ذلك، كنت قد ذهبت وزميل لي في العمل، حسب اتفاق، لننظر في السيارات لدى عدة شركات. صادف أن اقترح أن نرى رينو، بما أننا بالقرب. لم أكن متحمساً صدقاً، رغم حبي للشركة واهتمامي ومتابعتي لأخبارها، ذلك أن الموديلات التي باتت تأتينا ليست الموديلات الفرنسية المعروفة، لكن موديلات من مصانعها الكثيرة في كوريا ورومانيا، وهي تجمع بين القطع اليابانية من نيسان، التي تملك رينو جزء منها، والفرنسية، وقد صادفت هذه الموديلات ذات السعر المعقول نجاح هنا، إلا أني لم أعجب بتصاميمها التي لا تشبه السيارات الفرنسية، وإن كان بعضها على جانب من الأناقة. لكني توقفت لنراها مع ذلك. كان حماسي قد انطفأ إلى حد بعيد حينما توقفوا عن جلب السيارات الفرنسية خالصة الصناعة، لغلاء سعرها وعدم رغبة الناس بها كما أفهمني أحد العاملين هناك قديماً. لم يعد هناك سوى سيارة فرنسية واحدة، وهي لم تعجبني من قبل.
قبل سنوات، جربت لديهم سيارة مصنوعة في كوريا، في مصنع سامسونق للسيارات الذي تملكه رينو. تحوي السيارة الكثير من القطع من شركة نيسان، التي تعتبر إلى حد بعيد شريكة شركة رينو، حيث أن مديرهما واحد، وتملك فيها رينو نسبة كبيرة. ورغم أناقتها وسعرها المعقول، وجدت أنها أضعف مما توقعت حينما جربتها. كانت تجربة فضول. لم تعجبني.
حينما دخلنا، استقبلنا رجل سعودي لطيف ومتبسط الهيئة، ورحب بنا ومازحنا، ونادى شاب مصري أنيق، وأخبرنا بأنه سيصحبنا في المكان. كيف عرفوا بأننا نبحث بجدية عن سيارة؟ ولم يكن المكان خالياً، بل كان هناك الكثير من الناس، والدخول والخروج من المعرض مستمر، والموظفين مشغولون. بالواقع، كانت الوكالة الوحيدة التي تلقيت فيها ترحيباً. توجهنا إلى تلك السيارة التي جربت قديماً على أي حال، واسمها فلوِنس، وهي سيارة من فئة الكامري الشهيرة على ما أعتقد، أو الالنترا على الأقل، وتبدو أنيقة وحسنة التصميم من الخارج وذات سعر معقول، لكني لم أكن متحمساً. سألنا عنها، وبدا أنها معقولة من حيث القوة، ربما تغيرت. لما كدنا أن  نمضي، رأينا سيارة أخرى، لفتت انتباهي مباشرة، بدا وكأنها ملائمة إلى حد بعيد. كان أساس بحثي هو إيجاد سيارة تعجبني، وتمثل ذوقي بحدود قدرتي المالية، وأن تكون أكبر من سيارتي الصغيرة. كانت هذه أكبر، وتبدو جميلة. ركبناها في المعرض، وكانت مميزة من الداخل ومختلفة عن المعتاد، من حيث الألوان والخامات، والتصميم، بدولاب يسحب إلى الخارج لفتحه. لم يكن لدي أي معلومات عنها. لحقنا البائع، وكان سعر السيارة حوالي ٦٠ ألف لوجود عروض رمضان، فسألته عن سعر الفئة الأعلى، فكانت بعد الخصم للعرض تزيد بثمانية. أخبرني بأنها اسبانية الصنع، بمكينة وقير ياباني وقطع فرنسية، وهو ما نقضه مسؤول آخر لاحقاً، بقوله أن القطع فرنسية تماماً. أحضر لي منشور يتحدث عن السيارة، وكتب السعر عليه. عدت إلى المنزل، قرأت وبحثت، فكرت جيداً، وقررت أن أجربها. لم أكن مشغولاً بالكثير من المواصفات التي تقاس بالأرقام، طالما هي معقولة القوة كما فهمت، واقتصادية. اطلعت على مراجعات أجنبية مشجعة، فطلبت من البائع ترتيب تجربة للسيارة. جربتها، وكان الرجل الطيب مهتماً بشرح أمر التيربو الذي يعمل تلقائياً في ظرف معين، يتطلب بعض التهور في نظري. كان يحثني بالدوس بأقصى حد على الدواسة، لأسمع التيربو يعمل، لكني كنت أفكر بالراحة والشعور بالطريق والاستجابة إلى حد ما، وبالمزايا الأخرى الجانبية التي انشغلت بتفحصها، ولم يكن التيربو من اهتماماتي، وبدا ان هذا أحبط الموظف المصري الطيب. حينما قررت انهاء التجربة، نزلت ليقود هو، لكنه عاد من طريقنا الأول ليدوس ويسمعني التيربو.
ذهبت لزيارة معرض آخر، لرؤية سيارة مرشحة أخرى. كانت سزوكي، ومن فئة الكامري. وجدت سعرها أعلى مما أريد نظراً إلى أني لا أهواها أو أهتم لأمرها كثيراً. لم تكن موجودة كذلك ولن تتوفر قبل حوالي شهر، وكان معرض الوكالة يوحي بالبؤس.
عدت لأفكر بالسيارة في رينو، وقرأت عنها كثيراً، واطلعت على فيديوهات. كان الواضح بأنها لا تشجع على القيادة الرياضية إن جاز القول، لكن ليس هذا ما أبحث عنه. كانت سيارة متزنة.
فهمت من البائع أن التصميم فرنسي، وهو أمر واضح جداً، وربما لهذا لفتت انتباهي بشدة حينما رأيتها عن قرب لأول مرة. هي مصنعة، أو مجمعة، في اسبانيا. وجدت أنها أفضل ما يمكنني الحصول عليه، من نواحي كثيرة، فقررت النظر في أمرها كخيار جدي. كان هناك أمر مهم، السيارة مرتفعة قليلاً، فهي من فئة جديدة نسبياً تسمى كروس، تكون مشابهة لسيارات الدفع الرباعي، لكنها أصغر بحجم السيارات العادية. ارتفاعها عن الأرض ليس كبيراً، لكنه أعلى من ارتفاع سيارتي بقليل، وهذا فارق مقلق، ذلك أن والدتي تعاني في الركوب والنزول من السيارات المرتفعة، لآلام ركبتيها وظهرها، وفي حال كانت السيارة غير ملائمة من هذه الناحية، فلا يوجد ما يمكن القيام به حيال هذا، سأبحث عن أخرى.

أقنعت والدتي بالمجيء معي إلى الوكالة بصعوبة، وحاولت خداعي والتظاهر بأنها لم توافق حينما اقترب الموعد. لكنها جاءت أخيراً. حينما وصلنا أتجهنا إلى السيارة، وفَتَحت الباب الجانبي حيث ستجلس فيما لو اشتريت السيارة. صعَدَت وجلست، وكانت مريحة، فنزلت منها مباشرة، وكان الأمر سلساً بلا مشاكل، كسيارتي الصغيرة. قالت لنعد إلى البيت. قررت التوكل على الله وشراء السيارة في اليوم التالي. لكني صادفت تعقيدات عند السداد بالبطاقة المصرفية، فكان علي استخدام بطاقة الائتمان إلى جانبها وتدبير الأمر عبر حاسبي الذي أتيت به معي إلى الوكالة لحسن الحظ (كنت أنوي تشغيله لاحقاً ككل يوم في برقر كنق عند شرب الكولا). وبسبب التعقيدات، حسبت الأمر على نحو خاطئ، وأنقصت عشرة آلاف من القيمة. اتصلوا بي في اليوم التالي، وكنت في المستشفى مع أخي لأرتب أمر التقارير الطبية والأشعة، ذلك أنه تعرض لوعكة بسبب عادة التدخين الكريهة، وقانا الله. حينما أتيت في اليوم الذي يليه، أخبرني البائع بأنه كان يريد ترك أمر ما كمفاجئة حين استلامي للبطاقة الجمركية، لكن بما أني أتيت، فهو يريد أن يخبرني بأنهم أعطوني موديل ٢٠١٦ بسعر موديل ٢٠١٥. شكرته وحمدت الله، كانت مفاجئة سارة بالفعل، رغم أن الموديل الجديد لا زال في ميناء الدمام كما فهمت.
اختيار اللون كان محيراً إلى حد ما. أعجبني الأزرق بالسقف الأبيض، فهو الأجمل في نظري، لكني كنت أتمنى الأبيض بالكامل لسبب عملي، حتى لا تفسد الشمس القوية الطلاء، وحتى لا تتسخ بسرعة كسيارتي الصغيرة السوداء. لكن المشكلة هي أن الفئة كاملة الصفات، فل كامل كما نقول، لا تأتي بلون موحد، يجب أن يختلف لون السقف عن باقي السيارة، عكس الفئة الدنيا الأرخص. قررت أن آخذ الأزرق بسقف أبيض في هذا الحال، لكن مع ذلك، أردت سماع الخيارات. اتصلت، فقال البائع بأن الألوان المتوفرة أساساً محدودة، عكس الفئة المتوسطة منها وتتوفر فيها كل الألوان. كانت خياراتي هي: أبيض بسقف برتقالي، برتقالي بسقف أسود، أسود بسقف أبيض، وأزرق بسقف أبيض. بالطبع، كنت قد اخترت الأزرق، وربما كنت سأحتار تجاه الأسود بسقفه الابيض لولا تصميمي على تفادي الأسود مهما كان الثمن، فهي غلطة لن أكررها. كان رأي البائع موافق لرأيي.
لكن البعض يخيفني مازحاً من جمهور النصر، أنهم سيشوهون السيارة وما إلى ذلك، لأن السيارة زرقاء وبيضاء. لا يخيفني الأمر بالطبع. لو كانت زرقاء وصفراء، لخفت.

أما البطاقة الجمركية، فاتصلوا ليخبروني بالمجيء لاستلامها حينما كنت بالمستشفى، مرة أخرى. يبدو أن التأخير ملازم لي. أحتاج البطاقة الجمركية لأني لم أترك للوكالة مهمة التأمين على السيارة ضد الغير. أردت تأمينا شاملاً يغطي سيارتي كذلك، وهذا أمر لا يقومون به لسبب ما. راجعت ثلاث شركات تأمين. التعاونية وهي الأشهر والأقرب للمنزل، وكان سعرها مرتفع إلى حد ما، لكن سعر ما يسمونه برسم المطالبة حين حدوث شيء لا قدر الله أكبر مما توقعت. سألت ملاذ فكان التأمين أرخص قليلاً، لكن سعر المطالبة أعلى، ثم ذهبت إلى مكتب التأمين الأبعد، شركة تسمى أكسا، وهي شركة فرنسية عالمية، كنت قد اخترتها للتأمين الصحي في السفر لرحلتنا إلى سويسرا، ورأيت مكاتبها كثيراً هناك كذلك. كان سعرهم مماثل تقريباً لسعر ملاذ، لكن سعر المطالبة كان أقل بكثير، بالنصف، كما أنهم يقدمون خدمة المساعدة على الطريق مجاناً، لنقل السيارة أو المساعدة في أمر البطارية والإطارات كما فهمت، ولا يتعاملون بالشيكات إنما يتواصلون مع الوكيل بشكل مباشر في حال احتاجت السيارة إلى إصلاح، ويوفرون سيارة بديلة لمدة عشرة أيام. عدت إلى التعاونية، وسألت عن الخدمة على الطريق، قالوا بأنهم يقدمونها، أما رسم المطالبة فهو يقل فقط في حال دفعت في التأمين أكثر، ولا يصل حتى إلى سعره لدى أكسا. قررت أن اؤمن لدى أكسا.

حماس بعض أبناء إخواني للسيارة يفوق حماسي. زميل في العمل قال بأنها تعكس شخصيتي، وهو تعبير استخدمه أنا بالعادة، هذا توافق مطمئن. أما آخر، في حين أنه رأى أن سيارة بيجو الأنيقة تناسب ’ابتسامتي’ و’شعري الخارج عن الطاقية’، إلا أنه لا يبدو أنه يرى المثل تجاه السيارة الجديدة، وإن جاملني وتحمس معي.
لعل رؤيتي للأمر لا تخلو من سطحية في نظر البعض، أني آخذ الجديد والمختلف على حساب المُجرب، لاعتبارات تصميمية خارجية وداخلية، ولمسألة ’انعكاس الشخصية’ التي قد تبدو سطحية كذلك، إلا أنه هذا أنا، أفهم جودة الكثير مما يختاره الناس، لكني أتبع قلبي. لكني اطمئنكم وأطمئنكن بأني آخذ الجودة والضمان في الاعتبار كذلك، وتدخل ضمن المعادلة، فأنا اطمأننت للأجزاء الداخلية وجودتها، ولن يخلو الأمر من مخاطرة بالطبع، لكن هذا، كذلك، انعكاس لشخصيتي.

المشكلة الآن، هي أن السيارة ستأتي من ميناء الدمام. ليست لديهم في المستودع. الآن أفكر بأني لهذا حصلت على سيارة بموديل السنة القادمة، بينما ما اشتريت هو موديل السنة الحالية. كان البائع قد أخبرني بأنه كلم المدير لأجلي، لأن كافة سيارات الفل كامل محجوزة لشركة، وقد أخبره بأنهم أعطوني كلمة، واقترح بأن يأخذوا من طلب الشركة سيارة ويعطوهم من الدفعة القادمة. لكن يبدو أن الأمر لم يسر كما خطط، لهذا حصلت على الموديل الأحدث للسنة القادمة.
طال الأمر إلى حد ما. أرجو أن أتسلمها خلال يومين.









استيقظت اليوم، في منتصف رمضان، لأجل الذهاب إلى العمل. كنت قد نمت على نحو معقول، ككل يوم. وقد اتصلت والدتي لتتأكد بأني استيقظت. لكني قررت أن أنام لخمس دقائق، ثم خمس دقائق أخرى، ثم قلت؛ يا رجل، الدنيا فانية. قررت أن أنام ملئ جفناي، وكانت أفضل نومة مرت علي في رمضان. أعرف هذا وأملك الدليل، بساعتي هواوي التي تحسب النوم، ونوعيته، وكل تفاصيله. كم مرة استيقظت، كم ساعة نمت بعمق وبخفة، وهل كان نومي جيداً؟.
كان لدي الجيل الأول منها. ميزتها أن الساعة تنفصل عن قاعدتها، وتستخدم كسماعة بلوتوث، مع إظهار الرقم وأحيانا اسم المتصل. لسبب ما لا تظهر جميع الأسماء. اشتريت الجيل الجديد مؤخراً، وهو أجمل، بشاشة لمس وجودة أفضل. الجيد هو أن الموقع يخصم مئة، وعند إدخال كود معين، يخصم مئتين إضافية، فتكون بسعر الجيل القديم، ٥٠٠. هذه الساعة جيدة جداً لمن يقود السيارة ويريد التحدث، أو يستخدم الكمبيوتر ويحتاج إلى التواصل بنفس الوقت. لكن في السيارة، لا غنى عنها، على الأقل حتى أحصل على السيارة الجديدة إن شاء الله. الأسماء تظهر على نحو أفضل، بعضها لم يظهر منذ البداية، لكن المزيد من الأسماء يظهر مع الوقت، أعتقد أنها تنفذ للمزيد من الأسماء كلما طال استخدامها.
هذه صور رسمية















أحياناً، أشتاق للسفر، ليس لأجل أنشطتي المعهودة، لكن فقط لأجل الاسترخاء. أريد أن أذهب إلى مكان أنام فيه كما أشاء، يتم تدليكي متى شئت، أستحم وأسبح وأتمشى على البحر. أحد الزملاء حكى لي عن رحلته إلى شرم الشيخ، ولم أتوقع أن السفر إلى هناك شيء ممتع بصراحة، كنت أتخيل أن المرء عليه أن يتوجه إلى المالديف مثلاً لمثل هذا الغرض.
أعتقد أن رحلتي المقبلة ستكون لهذا الغرض، إن طاوعتني نفسي.
عموماً، رصيد إجازتي المعقول قد تمت تصفيته حينما عدت من سويسرا. لا يعرف الكثيرين أنه حتى حينما يكون لدى المرء خطاب من الحكومة لمرافقة مريض، أن العمل سيحسم من رصيد الإجازة على أي حال…
شيء مؤسف، لكن الشكوى لله.







حاسبي من قوقل، الذي اشتريته بسعر مرتفع قبل فترة ليست بالقصيرة، ثبت أنه استثمار فاشل في ظروفي. جودته عالية، لكن ينتفي الغرض من نظام تشغيله حينما يكون الجهاز ثقيلاً جداً، والبطارية تنفد بسرعة. أتبعته باستثمار فاشل آخر، كمبيوتر صغير بنظام أندرويد، ضعيف تشكل الكتابة عليه، وانتظار ظهور الكتابة، عذاب وتشتيت.
الجهاز الأول أعطيته لأختي، ذلك أنها ستستخدمه في المنزل فقط، ويمكنها توصيله بالكهرباء باستمرار، وهكذا، سرعته وأمانه وجودة الشاشة هي كل ما تحتاج. أما أنا، فقد توقفت عن أخذه إلى خارج المنزل منذ زمن، بعدما كان يكاد يسبب لكتفي خلع. لا زلت لم أتصرف بالثاني، لكنه يبدو أنه من نصيب ابن أختي الصغير.
أما أنا، فاشتريت كرومبوك آخر، للأسف فاتني التخفيض، لكن يظل سعره جيداً، ألف ريال. هو سريع، خفيف، معقول الحجم، ١٣"، وإن تمنيته أصغر قليلاً، وبطاريته تدوم حتى ١٣ ساعة في بعض الحالات. الآن، صرت آخذه معي، وأستفيد منه كثيراً. كما حصل زوج أختي الأخرى على آخر مشابه. هو لا يريد سوى التعامل مع البنك والأسهم وما شابه، وهذا الجهاز أكثر الأجهزة أماناً بنظام تشغيله الذي لا تصيبه الفيروسات، واستخدامه السهل جداً.
فهمت أن الشركة، أسوس، متورطة به هنا، فليس عليه إقبال، لا زال الناس لا يفهمون الغرض من نظام تشغيل كروم البسيط. وهذا أمر مؤسف، لأنه يعني أن الموديل المقبل، وهو رائع بحق، لن يصدر لدينا.









الذهاب إلى العمل في رمضان ليس مرهقاً جداً، سوا حينما أنام أقل من ٤ ساعات. لكن المشكلة هي أني لا أنام كفايتي حينما أعود إلى المنزل، ولا أنام بالليل في الكثير من الأيام. لم أكن أستطيع لانشغالي بأكثر من موضوع. فرحت بأني اليوم لن يكون لدي ما يشغلني، يوم فراغ، لذا فكرت بأني سأنام قليلاً بعد صلاة العشاء. لكن ما حدث هو أن أخي أرادني أن أنزل لأشارك الجميع الجلوس للقهوة، رغم أنه انشغل عنا حينما نزلت (!!)، وحينما أردت أن أنام، اتصل أخي الآخر يريد أخذه بالسيارة ليستأجر سيارة أخرى، بينما سيارته لدى الميكانيكي. وحينما ذهبنا إلى المكتب من حيث استأجرت سيارتي استبقاني الموظف ليتم تغيير الزيت، رغم تأكيدي بأني لدي أمور مهمة تلك اللحظة، وقد خدعنا أخي وجعلهم يغيرون زيت سيارته التي أخذها للتو قبل سيارتي المستأجرة. أحياناً أفكر، لماذا أموري لا تسير على ما يرام بسهولة؟. شكى الكثيرين من كون قصة سيارتي طالت مثلاً (على خلاف ما توقعت، تحمس الكثير من الناس معي في موضوع شراء السيارة جديدة)، وكان لديهم الاستعداد للوم الوكالة، لولا أني شرحت أن التأخير كان دائماً مني. ولأني تأخرت أكثر من مرة بسبب ظروفي، لا أريد أن أضغط على موظف الوكالة وأزعجه، رغم إلحاح البعض بأن أفعل، وهذا يضعني بمأزق.

إن كل شيء يمكنه الانتظار، سوا شئون والدتي، وهذا أكثر ما يخيفني. لقد فاتتنا الكثير من المواعيد بينما كنا في سويسرا، لأن بقاؤنا طال أكثر مما توقعنا، والآن، لا يمكن تسجيل مواعيد جديدة سوا بعد العيد لتجديد النظام، لكن هل سيتعاونون، ويتفهمون؟ لا أعتقد هذا، ولا أدري ماذا سأصنع. التحويل من جديد إلى العيادات التي فقدنا مواعيدها صعب جداً، صار صعباً بسبب أنظمة جديدة يبدو أن الهدف منها هو تطفيش المرضى والتقليل من المراجعين بأي طريقة كانت. إن غاية ما أتمناه هو أن نترك المستشفى الجامعي كله، ونراجع في مدينة الملك فهد الطبية، لو كنت أستطيع فقط… كم سأكون سعيداً… كم سأكون مطمئناً...






عدت مؤخراً إلى المنزل، ووجدت والدي مجلساً على كرسي. لم يعد يتكلم، إلا فيما ندر، وكلماته محدودة. أتيت وقبلت رأسه، بينما كان يتابعني بعينيه رافعاً رأسه. خمنت بأنه يريد أن يقبلني، وسألته وأنا أعطيه خدي إن كان يريد أن يقبلني. طبع عليه قبلة قوية، شعرت بأنها أصابت قلبي، الذي تألم بشدة. أرجو من الله أن يسامحني على تقصيري.







ضاعت الكثير من الكتب التي كانت تنتظر دورها، حينما نُظِّفت غرفتي قبل فترة. بحثنا عنها بلا جدوى. بالتأكيد لم تُرمى، لكن أين ذهبت؟ بالكاد أسيطر على القهر الذي أشعر به. لهذا لا أحب أن يتم ترتيب غرفتي، رغم أني أحبها حينما يتم ترتيبها. هذه معضلة.
أحد الكتب هو رواية بديعة الفكرة. إنها رواية تدور في واقع بديل، حيث استمرت الحضارات القديمة وازدهرت، وعلى وجه الخصوص، الحضارة الفرعونية، التي سيطرت على أجزاء كبيرة من آسيا وأوروبا، وحضارة الإنكا، الأكثر إثارة لاهتمامي، التي سيطرت على القارتين الأمريكيتين. الحضارتين راقيتين، وبمفاهيم مختلفة للحياة عن الحضارات التي سادت بالواقع وأوصلتنا إلى ما نحن عليه. لا يخلو الأمر من تحديات، لكنها تحديات مختلفة. لكن المفارقة الذكية، حي أن حضارة الإنكا، التي امتدت لتضم الازتك والمايا والقبائل الأمريكية، هي من اكتشف العالم القديم حسب مفهومنا، وليس العكس، إذ حطت ’طائرتهم’ في المغرب، فاكتشفوا الحضارة العالم القديم، حيث تسيطر الحضارة الفرعونية!!.
بالطبع، لو لم أجد الرواية، سأشتريها مجدداً، لكن باقي الكتب؟ سيكون الأمر مكلفاً جداً…

وجدت الرواية على الأقل مؤخراً. بدأت بالقراءة.








سأحاول أن أخوض تجربة عملية، تكون مصدر للرزق والاستفادة من الوقت. لا أدري إن كان الأمر قابل للتطبيق، لكني سأحاول إن شاء الله.
ليس الأمر لجمع المال، فلا أتوقع أن المسألة مربحة في ظل الوقت الذي سأستثمره فيها، أو ليس لعدم وجود ما يشغلني، لعلي فقط أريد مصدر للإلهام، وإن لم يكن، فتغيير ومحاولة القيام بشيء جديد، وتأمل.








كنا في موعد في المستشفى اليوم، حينما دخلنا العيادة وذهبت والدتي إلى الاستراحة، بينما وقفت أنا أمام طاولة الاستقبال، لأترك ورقة الموعد لديهم. كنت قد رأيت رجل يخرج من باب العيادات في اتجاهنا ونحن قدوم. حينما تركت طاولة الاستقبال واتجهت للمقاعد، رأيت الرجل نفسه، يتابعني وكأنه ينتظرني، لعله في أول خمسيناته. حينما تقدمت أزاح كيس كان يضعه على الكرسي إلى جانبه، مفسحاً لي المكان. كان الصف أمامي كله خالياً، لكني قطعته تاركاً كل الكراسي حتى وصلت إليه، وخلفه الجدار، وجلست إلى جانبه مسلماً. لم أشأ أن أرد مبادرته خائبة. أخرجت جوالي، لأتصفح، لكنه بدأ بالكلام، وكان متأثر بجلوسي بجانبه، وتركي للمقاعد الباقية، كما أفهمني وهو يشكرني. قال أن الناس لم يعودوا يجلسون معاً، الكل يجلس في أبعد نقطة ممكنة عن الآخر. قلت بأنهم ربما لا يريدون مضايقة أحد.
بدأ بالتحدث بهدوء عن الناس وتباعدهم، وصار ينصحني بالسلام والترحيب بكبار السن، رغم أنه ليس منهم، قال بأنه يترك أثر عميق في أنفسهم. كان الرجل ملتزماً ذو لحية، ولا يلبس العقال، ذو حضور أنيق حسن. أخبرني بأنه يعمل في التدريس منذ خمسة وعشرين سنة، وأنه يحاول أن يعلم الطلاب أصول التهذيب والتعامل اللطيف، عاداً هذا بأهمية المواد التي يتلقونها. كان يتحدث بلهجة قصيمية واضحة. كان يعدد لي الأمور في سياق حديثه ونصائحه، ويأخذ يدي كل مرة وأخرى ليعد على أصابعي، ويلكزني في ذراعي أو يقبض يدي ليلفت انتباهي لشيء مهم سيقوله. كانت بمجملها نصائح لطيفة بصوته الخافت جداً، ومزحات بسيطة. نصحني بإكمال تعليمي، بعدما سأل إن كنت طالباً أم موظفاً. شرحت له أن ظروف الناس وطموحاتهم تختلف، لكنه كان مُصر على موضوع إكمال التعليم، إن كان المرء يستطيع ذلك. ثم بدأ يعدد ما شأنه أن يجلب التوفيق؛ الاتكال على الله، والحفاظ على الصلاة، وكذا، وكذا، ثم قال: "و…" وصمتُّ أنا أنتظره أن يكمل، لكنه كان يريدني أن أكمل عنه، كما هو طبع المعلمين. ثم ضرب أسفل ذقني بلطف عدة ضربات بطرف اصبعه وهو يقول: وبر الوالدين! فوجئت وضحكت، يبدو أنه عمل طوال الخمسة وعشرون سنة في مدرسة ابتدائية.
حكى عن أولاده، منتقداً مطاعم الوجبات السريعة التي يحبونها، قال بأنه لا يأكلها. اقترحت أن يجربها معهم، لكنه قال بأنه يخشى أن تضره بسبب كثرة الزيوت التي لا يتحملها.
حينما بدأت التحدث في شأن نسيته الآن، قاطعني صوت عدة رجال ينادون: سعد سعد!. عرفت أن والدتي قد حان دورها وهي تناديني، فاستأذنت بسرعة وقمت، وبدت على وجهه خيبة الأمل.
أمر غريب، كانت المرة الأولى التي يسبق دورنا الآخرين بالخطأ، بينما بالعادة يسبقنا الآخرين لسوء حظنا.
حينما خرجنا لم أجد الرجل. أسأل الله له التوفيق والسعادة.
إنه لأمر حزين أني لن ألتقيه مرة أخرى.








تلقيت اتصالاً من الوكالة، بينما كنت أعد لأهلي الأرز الذي كنت اعده في سويسرا لي ولوالدتي. لم ينجح تماماً، ربما بسبب الكمية الكبيرة التي لم أجرب التعامل معها هناك. شكل الأمر صدمة بالنسبة لي وورطة بالكاد نفذت منها. لم يكن الطعام سيئاً، لكن ليس كما أعده هناك. أعجب البعض كثيراً، والبعض جامل فقط، ربما الأغلبية اتجهوا إلى المجاملة. لو كان أحد آخر قد صنعه، لقلت بأنه جيد، لكن كان يمكنه أن يكون أفضل. على الأقل، ابن أخي الأكبر لا زال يتغنى به.
عودة للوكالة، قيل لي أن السيارة وصلت من الدمام، لكن لن يتم تظليل نوافذها سوا غداً، وعليه، سأذهب إليهم إن شاء الله مساء الغد لأستلمها.
ابن اختي الذي جاء معه أهله للتو ليزورونا لبضعة أيام طلب مني عدة مرات، رغم موافقتي في كل مرة، أن يذهب معي لاستلامها. كان يتخيل بأني قد أهرب غداً على ما يبدو. أما أخي الكبير، فأعاد تحريصه لي بأن أفحص كل شبر من السيارة لأتأكد بأنها سليمة من الخدوش والإصابات، لأنه حينما استلم سيارته الجديدة قبل فترة اكتشف كسر كبير في المرآة الجانبية.
يشكل الأمر نوع من الضغط، لا أشعر بأني سعيد بقدر شعوري بالخوف والقلق.








المراجعة في مستشفى الملك خالد الجامعي في رمضان أبسط لسبب ما مما هي عليه في الأشهر الأخرى. لا أدري لماذا، ربما الازدحام أقل؟ رغم أني لا زلت لا أجد مكان لسيارتي سوا في الطوابق العليا في المواقف. ربما لأن أمورنا سارت على ما يرام في المواعيد خلاله. اضطررت للغياب ليوم، لكن لا بأس.
ما ألاحظه في رمضان أن الناس لا يصبحون أفضل، أعتقد بأنهم عموماً يصبحون أكثر فضاضة، بأعذار واهية، مثل أنهم صائمون. يخيل للمرء أن الناس أصبحوا سباعاً، تزداد شراسة حينما تجوع، وليس الأمر تهذيب للنفس. ألاحظ هذا أكثر ما ألاحظ في قلة الأدب في قيادة السيارات، لا فرق بين متدين وغيره، الغالبية يتصرفون بلؤم ووقاحة، خصوصاً في نهار رمضان. ما الفائدة من الجوع والعطش إذاً؟ هل هي مجرد أعذار ليزداد الناس سوءاً، عكس المقصد من الصيام؟.










أعجز عن فهم بعض الناس، لأنهم ليسوا على حال ثابت أو مستقر نسبياً. تارة هم ودودون ومرحبون، وتارة جافون مجافون. يحار المرء؛ كيف يتعامل معهم في كل مرة يصادفهم؛ هل سيخونون توقعاته مرة أخرى؟.
قد يوجد من هؤلاء من أحب وأقدر كثيراً، لكني أعجز عن المواكبة، وأتمنى لو استقر الحال بهم ولو للأسوأ تجاهي، فهذا خير من التفكير بأن إكرام النفس هواها، وتركهم وشأنهم، ثم عودتهم على نحو محير للاهتمام والسلام، فقط ليصدوا عنك حينما تستجيب. إنك لا تريد أن تخيب ظنهم، خصوصاً حينما يكون لهم قدر في قلبك، وفي نفس الوقت؛ لا تريد أن توجع قلبك.
صرت أحاول أن لا أستجيب وألّا آخذ تقلباتهم على محمل الجد، حينما يختارون الإيجابية لبعض الوقت، لكن إصرارهم يستمر في خداعي، حتى صرت لا أثق بمبادرات اللطف منهم. مع ذلك، وحينما يصرون بالقدر الكافي على جذب انتباهي والتلطف، وأستجيب وأرجو تحسنهم واستقرارهم على هذا الحال، أقول ربما تغيروا للأفضل حقاً، أجدهم قد خدعوني مرة أخرى!!.
إنهم لا يتجهون للإساءة إجمالاً، لكنهم دائماً ما بين شد وجذب متعب. الآن، صرت أتخذ بحرص موقف الحياد وعدم الانجرار للفخ، أبتسم بالقدر الكافي، لكني أبقي على المسافة، رغم تأنيب ضميري أمام المحاولات المستميتة أحياناً.

دكتور بالجامعة، كان من أفضل أساتذتي إن لم يكن أفضلهم، كان قد لفت انتباهي لأول مرة إلى مثل هذه النوعية من الناس. هو أمريكي من أصل فلسطيني من القدس، وكانت علاقتي فيه قوية جداً، خصوصاً بعدما توقف عن إعطائي أي مواد، وصار بإمكاني الذهاب مرتاح الضمير إلى مكتبه، رغم دعواته الدائمة قبل ذلك لي للمجيء إلى مكتبه للتحدث والاستئناس، كالكثير من الطلاب، الذين كثير منهم له طبائع انتهازية. اتصل ذات مرة به دكتور سعودي في الكلية بينما أنا عنده بالمكتب، ليعايده ويقدم مجاملاته، وضحك ضحكة بسيطة بعدما أنهى المكالمة، تنم عن حيرة وعدم فهم. سألته ما الأمر؟ قال بأنه عجز عن فهمه، فتارة هو ودود ومقبل، وتارة أخرى جاف لا مبالي. هذا الدكتور السعودي محل الحيرة صادف نجاح كبير في حياته، لكن ليس لطبيعته هذه، لكن لأنه غبي ونذل، أي يجمع بين الصفتين الذهبيتين، الّتين إحداهما فقط كفيلة بنجاح المرء في هذا البلد حتى دون الأخرى، فما بالك بالمرء يجمع الصفتين. بالطبع، يوجد حالات استثنائية، لكنها نادرة جداً.









لقد استلمت سيارتي البارحة بحمد الله، ٢١ من رمضان. كان ابن أختي الذي يزورنا من خارج الرياض معي. كانت المشكلة هي أنه لن يأتي لوحده، إنما سيأتي آخرين إذا جاء، وأنا في موقف أعتبره دقيقاً، وليس نزهة. لم يكن بوسعي الرفض بالطبع. طلبت سيارة أوبر، من الفئة الأرخص، وجائت بسرعة وأخذتني معهم. حينما وصلنا إلى وكالة السيارة، كنت أسير ومعي قبيلة من الصبية، سلم عليهم جميعاً البائع، حيث عرفتهم إليه ببساطة بأنهم أبناء إخوتي. كان هناك أوراق حول تقييم الوكالة والموظف تعين علي ملئها، لم يكن هناك ما يُشكى منه صدقاً، على الأقل، هي الوكالة الوحيدة التي تم الترحيب بي حينما دخلتها. كنا ننتظر فراغ البائع لبعض الوقت من محادثة زبون، وهكذا وجد الصبيان فرصة للتجول ورؤية مختلف السيارات التي لا تعتبر مألوفة، على خبرة بعضهم التي تفوق خبرتي صدقاً، لكنهم لا يهتمون سوى بالسيارات المعروفة إجمالاً.

كان ابن أختي الذي أصر على المجيء يخرج كل مرة لتفحص سيارتي المركونة في منحدر مخصص لعرض السيارات. وكان متحمساً جداً. خاب ظنه بي، حينما اقتنع بأنه متحمس أكثر مني. أخبرته بأني قلق فقط من قيادة سيارة جديدة لا أعرف الكثير فيها. حينما خرجنا مع البائع، تفحصنا السيارة جيداً. أعتقد أن الاختلاف الأوضح عن الموديل السابق الذي دفعت ثمنه هو في لون الديكور الداخلي، حيث أنه يحاكي لون السيارة الآن، عكس الأول، وقد قرأت معلومة تقول بأن هناك تحسينات فنية وميكانيكية، لكني لست بواثق من المعلومة. كان المفتاح عبارة عن بطاقة بلاستيكية، لا يحتاج المرء إلى وضعها في السيارة لتعمل. وكان هذا قصة بالنسبة للصبيان. حينما أراد البائع فتح السيارة عن طريق الزر الخارجي على مقبض الباب (يسمونه البصمة، ليس قارئ بصمة بالواقع)، لم يفتح. استغرب وبدا عليه القلق. كان فني الوكالة، فلبيني، بالجوار. حينما استشاره، ولم يكن يريد أن يأتي، قال الفني بأن هذا الزر بالواقع للزينة فقط!، ولما سأله أني يأتي لينظر على الأقل رفض، وأكد أنه للزينة، بدت الحيرة على البائع، وقال لكنه ينضغط بالفعل. لم أصطنع قصة، إن كان للزينة فالشكوى لله. أراني التظليله على الزجاج، التي اشتريتها عن طريق الوكالة، حيث يتعاقدون مع شركة وتعطي خصماً، ويأتي عامليها إلى الوكالة نفسها لتجليد الزجاج، دون أن يحتاج الزبون أن يذهب إليهم ببطاقة خصم كما رأيت في وكالات أخرى. كنت قد حرصته على التظليل القانوني، كل ما أريده هو تخفيف درجة الحرارة وحماية مكونات السيارة من الداخل. لكنه أخبرني بأنه طلب منهم تغليف الأنوار بفلم واقي مجاناً، وأراني إياه ببهجة. شكرته كثيراً، كان طيباً جداً معي، ولا أدري إن كنت أستحق كل هذا. كنت قد اشتريت أساساً تجليد مخفض للأضواء وجوانب الأبواب، ولم أكن لأغلف جوانب الأبواب، بمئتين وخمسين، بعرض من شركة مشهورة، وكنت أحمل التخفيض معي حتى أتوقف عندهم في طريقي لأغلف الأنوار، لكني سأعطيه الآن لأحد آخر، ربما ابن أخي الذي اشترى مؤخراً سيارة، إن كان مهتماً.
حينما فتحنا شنطة السيارة، أراني سجاد أرضية السيارة، وقد وضعه لي بنفسه كما قال، محفوظة في كيس ومغلفة نفسها بالنايلون. شكرته، إذ أنها أساساً تباع ولا تأتي مع السيارة، وكان قد قال بأنه سيدبرها لي. إلى جانب السيارة في المعرض يوجد لوحة، تقول بأن سعر الدواسات ١٥٠ أو ١٧٠ لا أتذكر، بينما سعر مسند اليد ٧٥٠ ريالاً. كان سعر مبالغ فيه، فلم أفكر أساساً بالمسند، رغم أنه سيكون أمر رائع لو تواجد على نحو أساسي بالسيارة، لكن كان مكانه حاوية بلاستيكية مفتوحة ربما لوضع الجوال أو الأشياء الصغيرة. لكن حينما جلست في السيارة، فوجئت بالمسند، وناديته، وقبل أن أسأل بذهول أشار إلى المسند وقال باسماً بأنه ’زبطني’، شكرته كثيراً ودعوت له بالجنة، مفاجئات هذا الرجل الطيب لا تنتهي، لعل له من اسمه نصيب؛ اسمه إسلام نبيل. هذا أكثر مما تصورت. المسند جميل ومفيد.
هممنا بالمضي، وأخبرني ابن أختي، حينما لم أستطع تشغيلها، بأن علي أن أدوس على المكابح، ثم أضغط زر التشغيل، كان يعلمني بنفاد صبر!! أو هكذا خيل إلي، ولا ألومه. سيارتي السابقة أقدر بأنها بقيت معي لمدة عشر أو احد عشرة سنة، لهذا لا أعرف الكثير. مضينا، وكنت متوتراً بسبب الشاشة التي لا أدري كيف أتعامل معها، ولا أريد أن أتعامل معها في تلك اللحظة، لكن الصبيان ظلوا ينطلقون بالاقتراحات بين الحين والآخر، رغم تأكيدي بأني صدقاً لا أستطيع القيام بالأمر في تلك اللحظة. أما أصغرهم، فكان يُفطنني باشمئزاز حينما يرج السيارة مطب، بأن السيارة جديدة ’ترى يا خال’. عمره ٨ سنوات، وهو كثيراً ما يسبب لي أزمات بإنتقاداته، لأني أحبه كثيراً ولا أقوى على الرد إلا حينما يبلغ السيل الزبى.

في اليوم التالي، اكتشفت أن الزر على مقبض الباب يعمل بالواقع، ولا أدري لماذا لم يعمل عند المعرض. بوجود البطاقة الريموت في جيب المرء، يمكنه ضغط الزر وفتح السيارة وتشغيلها دون أن يخرج الريموت. اتصلت على إسلام ، البائع في الوكالة، في المساء، وأنا عائد من مكتب شركة التأمين، حيث يجب أن أعطيهم صورة من رخصة السيارة، وقد فوجئ بالأمر. لم يعجبني أبداً رفض الفني القدوم للنظر في الأمر تلك الليلة الفائتة. قال الرجل بأنهم يجب أن يتخذوا إجراء تجاه الفني، وأنه يأسف على إعطائي معلومة خاطئة، ويشكرني على الاتصال وإخباره حتى لا يتكرر الإحراج.
أحاول فهم بعض الأمور في الشاشة خصوصاً، وقد تمكنت من تحديث البرنامج، وتنزيل بعض البرامج البسيطة من برنامج السيارة الرسمي على الكمبيوتر. وصلت الجوال بالسيارة، وأجريت مكالمات، لكن السيارة لا تفهم ما أطلب صوتياً. وجدت من خيارات أصوات التوجيه اللغة العربية ’الدارجا’، فتبين بأنه صوت رجل وآخر لامرأة من المغرب العربي، يوجهون بلهجتهم العجيبة، وربما لا عجب، فالسيارة أساساً فرنسية التصميم والأصل. لم أنتظر حتى أسمع ’برشا’ أو ’بالزاف’ التين لم أستوعب معناهما حتى الآن.

عانيت من شعوري بكل تفاصيل الشارع، وارتجاج السيارة بعنف عند المطبات. لم أعتقد أن هذا كان شعوري حينما جربتها بالوكالة، لكني شككت. فكرت بأني سأخبر المهندس حينما يحين وقت الصيانة، رغم أني رجحت أن السيارة هكذا، ويجب أن أتعايش مع الوضع. نبهني أخي بعدما جربها إلى أن الإطارات قد تكون مرتفعة الضغط ومتحجرة، وأني يجب أن أفحص ضغط الهواء فيها، فإن كان ٤٠، فلأخفضه إلى ٣٥، فأربعين كثير. حينما فحصتها، وجدت الضغط ٤٥، وهو أمر لم أره من قبل، فنسمت الهواء منها حتى أصبحت ٤٠، وقد حل هذا المشكلة تماماً. لم يكن لدي فكرة أن ضغط الإطارات يؤثر على السيارة إلى هذا الحد. ولكني عموماً لا أعرف الكثير في السيارات، وأعتمد على الله ثم محمود، الميكانيكي السوري الطيب، حينما أواجه أي مشكلة.
يعجبني وجود زر لتقليص استهلاك الوقود، وأعتقد أنه مفيد في مدينة كالرياض، وإن خفض أداء السيارة. كما يعجبني وجود فلتر لتنقية الهواء يعمل على نحو تلقائي، قياساً بجودة الهواء خارج السيارة، فهو ينقيه، وحينما يكون ملوثاً جداً يسد منافذ دخوله من الخارج. هذه لمسة جميلة. كما أن الشاشة تعرض جودة الهواء في الخارج.
يوجد بعض الأمور التي لا زلت لا أفهمها تماماً، لكني سأتعلم من الكتاب الذي جاء من السيارة.
ورغم كل شيء، رغم أن السيارة تعجبني دون شك، إلا أني لا أدري لماذا لا أشعر بالفرحة أو الحماس، إني لا أشعر بنفس الوقت بأني أريد سيارة أخرى أو أندم على اختيارها، أعتقد أنها اختيار موفق وملائم جداً، لكني لم أعد أفرح بسهولة على ما أعتقد، ليس بالأشياء المادية على الأقل، وهي الأشياء الوحيدة التي يمكنني الحصول على بعضها، من بين ما أريد. أحياناً أتظاهر بالفرح، حينما يبدو أن هناك من يترقب هذا مني، كأمي، وأخواتي، وزميل في العمل.

ما يعيب السيارة في نظري، هو عدم وجود مكان مجدي لحمل الأكواب والقوارير. يوجد مكانين صغيرين، لا فائدة منهما تقريباً. أعتقد أني سأحاول حل المشكلة بتركيب شيء.





وصلني اليوم اتصال من وكالة رينو، تخبرني فيه الموظفة بأن شركة رينو ستتصل طالبة مني تقييمهم، وأنهم يرجون أن أجيب بـ’نعم، بالتأكيد’!. كان الطلب واضحاً إلى درجة مضحكة بصراحة. لم أكن لأذمهم مع ذلك، لم أرى ما يسوء حتى الآن.
ذهبت إلى مركز صيانة افتتحوه مؤخراً على ما يبدو، ليس بعيد كالأول. ذهبت للصيانة الأولى للسيارة. كنت قد لاحظت وجود شق صغير في الجلد الذي يعطي أسفل عصا القير، وخفت أن يدخل منه الغبار ويتلفه. أخبرتهم بالأمر وأني أريد استبداله، وجاء المدير، وقال بأنهم سيرون إن وجد في المستودعات، أو سيطلبونه من فرنسا. أعطوني أرقام هواتفهم، المدير والمهندس الفلبيني. سأتصل خلال أسبوع إن شاء الله.




لم تستغرق الصيانة طويلاً، كانوا سيتأكدون من بعض الأمور، وهو أمر روتيني للسيارات الجديدة. السيارة جيدة ومريحة حتى الآن، والحمد لله، خصوصاً بعدما عدلوا ضغط الإطارات أكثر مما فعلت.













حينما عدنا بعد إجازة العيد المبارك، وجدت أن الجامعة قد بدأت بتركيب مظلات لسقف مواقف السيارات، وهو أمر لطالما تمنيته، لأني بالعادة أتجه مباشرة إلى السطح لأن الدور الثاني يمتلئ، وأنا أتأخر.
ربما سمعوا بأني اشتريت سيارة جديدة. كثر خيرهم.




طلبت مؤخراً جهاز صغير عبر الانترنت، يستخدم في تنقية جو السيارة وبث الأيونات السالبة والأوزون والأوكسجين. كانت مراجعاته مشجعة. ربما يكون أكثر جدوى لشخص مدخن، لكني أحب الهواء النقي بقدر الإمكان، وأعتقد أن الأيونات السالبة على الأقل مفيدة.
يوجد نسخة أرخص من الجهاز تباع في إي مول، متجر البريد السعودي على الانترنت، ويبدو أنها جيدة، لكن مراجعات ما اشتريت أفضل.
الجهاز يطلق ما يسمى بالأوزون والأيونات السالبة، وهي نوع من الاوكسجين النشط. الجهاز ينقي جو السيارة، ورغم أنه أكثر فائدة للمدخنين، إذ يقضي على رائحة الدخان ويحيد الأدخنة ذاتها، إلا أنه مفيد كذلك لغيرهم بإصداره للأيونات السالبة المفيدة، والأوزون. يساهم الجهاز بالقضاء على أو تحييد الجزيئات الضارة في السيارة، كالبكتيريا والفيروسات والفطريات والغبار المتطاير.
أعتقد أنه يحسن جو السيارة بالفعل.







بعد شراء السيارة بفترة، ذهبت ووالدتي والخادمة وابناء أختي إلى القصيم لبضعة أيام. كانت رحلة ضرورية.


للأسف، لا يبدو أننا سنزور كل من أريد زيارتهم، لأسباب متعددة خارجة عن إرادتنا. لكن ربما في زيارة أخرى إلى القصيم إن شاء الله.
أكثر ما يحرجني هو الإصرار الزائد عن الحد في تقديم الدعوات للعشاء وخلافه. أفهم حسن النوايا وأقدره، وبعض الإصرار اللطيف، لكن يصبح الأمر أشبه بالحرب النفسية أحياناً. فكرت بالعودة إلى الرياض عدة مرات، لأني لم أعتد على مثل هذه المجابهات التكتيكية. أفكر طوال الوقت؛ أليس إكرام النفس هواها؟. نعم، التلزيم إلى حد ما ضروري وأعتبره لفتة طيبة، لكن ليس إلى حد المضايقة؛ لماذا تريد إرغام أحد، إلى درجة الإحراج أو حتى الحيلة، على تلبية دعوتك؟، حتى هذا السلوك أتفهم أن دوافعه خيرّة وتنم عن كرم وتقدير، وهو ما أقدره كثيراً، لكني أعتقد أن الأصل في الأمور هو تقدير رغبات الآخرين حينما يتضح بأنهم لا يستطيعون تلبية الدعوة، أن لا تجعلهم يأتون دون أن يرغبوا بذلك، وإلا فما الفائدة؟ أنت لم  تكرمهم، أنت أحرجتهم فقط.

كما تعرضت إلى موقف صعب، كنا عائدين أنا ووالدتي بالسيارة، بعدما أخذتها من منزل أحد الأقارب، لآخذها لتزور امرأة كانت تريد رؤيتها منذ زمن بعيد. توقفنا عند العثيم، السوق الكبير الوحيد هناك، ونزلت، تاركاً السيارة تعمل، وقد أقفَلَت أمي الباب من الداخل. عدت بعد شراء بعض الأشياء، وفَتَحَت والدتي الباب وتحركنا خارجين من السوق. حالما خرجنا من المواقف حدث عطل غريب في السيارة، وأظهرت رسائل متضاربة في الشاشة قبل أن تستقر على واحدة، وأضاءت علامة فحص السيارة. لم أفهم ما المشكلة، حيث بدأت السيارة بالسير ببطئ شديد، 10 كيلوات بالمعدل، ولا تزيد عن 14 حينما تتحسن للحظة. أمضينا وقت طويل حتى وصلنا إلى منزل أختي حيث نقيم. كنت قلقاً.
تواصلت مع الوكالة، وقالوا بأنهم سيرسلون مهندس مع عدة البرمجة ليصل صباح الغد إلى القصيم، سيفحص السيارة وإن تمكن من إصلاحها جيد، أو سيأخذونها إلى الرياض. لم يكن هذا المستوى الرفيع من الاهتمام هو ما توقعته صدقاً.
لحسن الحظ، حل الموضوع في ذلك اليوم بطريقة ما. ولكني كنت قلق من تكرار المشكلة. اتصلت وأخبرتهم بما جرا، أن نسيبي فصل البطارية ثم أعاد وصلها، فاشتغلت السيارة على ما يرام. استشاروا المهندسين وقالوا بأني لن أواجه مشكلة، وحالما أعود إلى الرياض علي إحضارها ليروا إن كان هناك مشكلة.
بعد العودة، اتصلت بمدير الصيانة في الشركة وهو هندي طيب، وهو من تواصلت معه من هناك ولم يبخل بالمساعدة، وطلب مني المجيء إلى فرعهم البعيد الأكبر، لأنه الأعلى تجهيزاً، ويريد الإطمئنان على وضع السيارة ككل، وأخبرني بأن أتكلم مع مدير المركز وأخبره بأنه هو من أرسلني.

استقبلني مدير المركز استقبال حسن، وترك مهمة إدخال سيارتي لعامل لديه، وذهبنا إلى مكتبه لأشرح له المشكلة، ونشرب الشاي. كان مصري مسن وطيب جداً. استدعى مهندس لبناني، كريه الحضور، لا يبتسم ولا يسلم ولا يجيب السلام، ولا ينظر حتى، بكبر واضح، وأخبره بأن يفحص السيارة بالكمبيوتر، وشرح له المشكلة. جلسنا بالمكتب نتحدث حول شتى الأمور. أخبرني عن أبنائه، ولد في استراليا، وبنت في اليابان برفقة زوجها. وأراني صورة لحفيدته الجميلة. سألت إن كانوا سعداء هناك؟ قال ضاحكاً بأن علي أن لا أسأل عن تلك البلدان، قاصداً بأنها بلدان سعيدة. أعاد هذا ذكريات سويسرا، فأخبرته بأنه ليست كل تلك البلدان ذات السمعة جيدة بالواقع، وأخبرته بأننا عانينا من العنصرية في سويسرا كثيراً. فوجئ بالأمر. قال مجاملاً: أنت يا ابني لو لبست مثلهم لكنت أجملهم، فقد وهبك الله جمالاً وبشرة بيضاء حلوة، فلماذا ينظرون إليك بفوقية؟. ضحكت وأنا أقول في نفسي: امحق. لكن بطل العجب بعدما طال الحديث، وقال بأن ابنه يشبهني كثيراً. ابتسمت بتأثر وأنا آخذ منه جواله لأنظر إلى صورة ابنه فيه، وأنا أفكر بقلب الوالد، الذي رآني جميلاً لأني ذكرته بإبنه البعيد.

بعد مضي بعض الوقت، والمحادثات اللطيفة والعميقة على حد سواء، المكثفة على نحو لم آلفه، جاء اللبناني وقال بأن الكمبيوتر أظهر وجود خلل برمجي يتعلق بتنظيم حقن الوقود، وأنه سيصحح هذا الخطأ في كمبيوتر السيارة. قال لي المدير، بأنه لن يحدث خلل آخر إن شاء الله، لكن لو واجهت أي مشكلة فلدي رقمه وما علي إلا الاتصال، وأنه في تلك الحالة سيدخلون مركز الصيانة الدولي في دبي بالصورة.

غسلوا السيارة لأجلي، وخرجت من عندهم سعيد بالتعامل الطيب والإهتمام الشديد الذي حظيت به. لم أتوقع مثل هذا الاهتمام في القصيم، حينما قال مدير الصيانة في الشركة بأنه سيرسل مهندساً إلى صباح الغد في القصيم، بمعدات فحص الكمبيوتر، وأنه إذ لزم الأمر فسيقطرونها إلى الرياض، في حال لم يتمكن المهندس من حل المشكلة هناك. كنت أتخيل مثل هذا الاهتمام لا يحصل عليه سوى أصحاب السيارات مرتفعة السعر. إني ممتن للوكالة وأرجو من الله أن تكون جيدة باستمرار. كانت سيارتي السابقة من وكالة عبداللطيف جميل، وقد كرهت التعامل مع تلك الوكالة إلى أقصى حد. ربما هذه الوكالة حالها أفضل لأن الشركة أساساً عمانية، أعني الشركة التي تمثل رينو في كل الخليج تتواجد في عمان. كان ممثل رينو السابق أحد أكبر أسباب فشلها، يسمى الزاهد، وكنت حينما تدخل يعاملك اللبنانيون الذين لا يعمل سواهم لديه بتعال وازدراء. ترك الوكالة بتأثير على ما يبدو من مدير رينو ونيسان بنفس الوقت، كارلوس غصن، البرازيلي لبناني الأصل للمفارقة، حيث وصف كارلوس الوكيل بأنه غير راغب بالاستثمار وخلافه.


وبذكر اللبنانيين، لم يمكنني سوى ملاحظة طبع غريب يختصون به؛ إنهم مهذبون حينما تحادثهم عموماً، وحينما تعرفهم جيداً هم ذواقون ولطيفوا التعامل، لكن حال رؤيتهم عَرَضاً في بعض الأماكن، ينظرون تجاه المرء بإزدراء لا يخفونه، بل إنهم يتحينون الفرصة ليظهروه. هذا أمر عجيب حقاً. مررت بأكثر من وقف بهذا الشكل، وكلها في مطاعم وجبات سريعة. أول مرة كانت حينما أخذت ابن أخي إلى تاكوبيل، وكان من بين الناس شاب لبناني لعله في أول عشريناته، برفقة أمريكي على ما يبدو، لعله في أواسط أو آخر ثلاثيناته. طلبت بعدهم، وكان العامل الفلبيني لطيفاً، لما أنجزت طلبي، واستدرت باسماً، وجدت الغربي يحملق بي، وكان ذو وجه جامد غير مريح بالمطلق، أما اللبناني فكان ينظر تجاهي بما يشبه الصدمة، ثم كشر ونظر إلي باحتقار واضح. لما جلسنا إلى الطاولة، مروا بنا متجهين إلى طاولة، وكان الأمريكي ينظر بعينيه الرماديتين الفارغتين، واللبناني ينظر تجاهي بكراهية وكأني قتلت أمه. كنت أتحدث إلى ابن أخي، حينما قاطعني ليلفت انتباهي إلى أن الأمريكي يحملق بي باستمرار من طاولتهم. نظرت إلى جانبي ووجدته ينظر بوجهه جامد التعابير، بينما اللبناني ينظر إلي كاشراً بقرف واحتقار اهتم بمضاعفته لما التقت عينينا.
تلك كانت أول مرة.
أما المرة الأخيرة، فقبل أيام. أذهب أحياناً بعد صلاة العصر إلى برقر كنق، وقد صادفت هذا اللبناني الشاب، مع آخر لعله سوري، لست متأكداً لأني لم أسمع لهجته جيداً، وفلبيني. ويبدو أنهم يعملون في شركة قريبة، ولعل عملهم يدوي، وقد كانوا في فترة استراحة. طلب اللبناني ما يريد قبلي، ثم جاء دوري وطلبت، ومازحني العامل، لمعرفته بي، وحينما هممت بالذهاب إلى طاولة وجدت الرجل واقفاً لم يذهب، يراقبني أقدم طلبي، ثم تكبد عناء إفهامي بأنه يحتقرني، بنظرة مبالغ بها وتعبير لعله أجهد نفسها ليظهر على وجهه أكثر من اللازم. كان يسترق النظر تجاهي كل فترة وأخرى، ورغم أني لم أحاول مبادلته النظر، إلا أني لاحظت بأنه ينظر تجاهي بعدم رضا، وكان يتوقف عن الحديث مع مرافقيه، وكان كثير الحكي، عند أدنى ما يبدر مني، سواء وقفت لأخذ مشروبي أو تعبئته، أو رددت سلاماً، أو حتى نفخت بعدم رضا تجاه مقال أقرأه.

في وقت سابق، عمل شاب لبناني في برقر كنق لفترة، وكان يعبر تجاهي دائماً عن ازدراء وكراهية، ولم أكن أعيره انتباهاً، لكنه في النهاية أبدى اهتماماً بالتعرف إلي، وإن يكن بطريقة جلفة وصفيقة، لكن تبين على أي حال أني كنت مثيراً للإهتمام في رأيه. لكني أشك أن هذا كان دافع اللبنانيين الآخرين ممن أظهروا الازدراء، والنماذج متعددة.
أعتقد بأن البعض، ليس من اللبنانيين فقط، يظهر اهتمامه بالمضايقة، بالموقف الحاد العدواني، وهذا أمر يؤدي إلى سوء الفهم أو الحيرة من الأمر على الأقل. إنه أسلوب بسيط، يكاد أن يكون غريزياً، فهو يكثر بين الصبيان الصغار، لكنه لا يختفي لدى الكثير من الكبار. أعتقد بأني تعرضت لمثل هذا النوع من الانتباه، أو الاهتمام، كثيراً في رشدي، أكثر مما تعرضت إليه في صباي.
إنه جانب لم يكبر ولم يؤثر فيه الرشد فيمن يتصف بهذه الصفة؛ عدم المعرفة بكيفية إظهار الاهتمام، إنشاء علاقة مع شخص يبدو كتجربة غير معتادة، يختلف عن الآخرين من المحيط المعتاد الذين تسير معهم الأمور، وتنشأ معهم العلاقات، بطريقة أكثر سلاسة. يتعامل الناس مع الأشخاص الذين يثيرون اهتمامهم، وربما تَحَفُّزهم وقلقهم المشوب بالفضول، بطرق مختلفة. أعتقد أني مع الوقت بت أفهم الكثير مما لم أكن أفهم من مواقف بعض الناس تجاهي. بعضٌ مما كنت أعتبره بِغَيض نذالة وقسوة مجردة، تبين أنه على الأغلب كان اهتمام لم يعرف أهله كيف يعبرون عنه.
ليست بالطبع كل قسوة ووضاعة تعبر عن اهتمام وفضول، إنما القليل ممن يقسون ويتخذون موقف عدائي يكون دافعهم الاهتمام، وتكون طبيعتهم غالباً البساطة والاندفاع، وقصر النظر.
وبطبيعة الحال، للأمر حدود، شأنه شأن سواه من الأمور.

ومقابل هذا الأسلوب العدواني في إظهار الاهتمام والتعلم عن الآخرين، أتصور بأن أسلوبي هو الصمت والابتعاد للأسف، أو تجاهل هذا الشعور وهذا الفضول الذي قد يكون غير محمود العواقب، حسب تجارب كثيرة، كان أسلوبي فيها ليس العدوانية، إنما إبداء الاهتمام الصادق والمباشر.

هذه العدوانية إذاً جانب صبياني حسن النية لدى بعض الناس. لكن، ألسنا صبيان في جانب منا مهما كبرنا؟ بشكل ما؛ أتخيل بأن الصبي المسالم في داخلي، خلافاً لهؤلاء العدوانيون، سيطل يوماً ما، وكأنه يتحين الفرصة، يختبئ بصمت حتى لا ألحظه، يراقب من خلال عيناي، ليقول كلمته يوماً ما، أو ليدفعني في اتجاه ما، أو يأخذ بيدي إلى حيث يريدني أن أرى بصبر، أو بنفاده.






أكتب الآن في أول العيد، بعد منتصف الليل في برقر كنق. حضرت العيد في الصباح اليوم، وهو أمر لا أقوم به بالعادة، أعتقد أني قمت بهذا في العام الفائت أو الذي قبله، وكان أمر غير متوقع لدى الكثيرين.
هذه السنة لم يتواجد الكثير من الناس للأسف، نصف أبناء عمومتي هذه السنة في القصيم. خرجت لاستقبال بعض ابناء عمي الذين حضروا متأخرين قليلاً، قال أحدهم بجذل حينما رآني: ابو شكيب!.
كان الجو العام سعيد وبسيط.
لكني أتمنى أحياناً لو كان الصنوبر يؤكل دوناً عن الأرز، أن يكون طبق بأكمله صنوبر، وليس حبات، كثرت أو قلت، وإن كثرت أفضل، موزعة فوق الأرز. أنا من أكبر عشاق الصنوبر، منذ طفولتي. لكن للأسف، الزبيب الذي لا أطيق أرخص.

دعاني عمي وبعض أبناؤه للقدوم في المساء، بتوكيد. سابقاً، كان حضوري في الصباح، وهو أمر لا يحدث لسنوات متتابعة، هو أقصى ما أقوم به. هذه المرة قررت الذهاب، رغم عدم استعدادي الكامل. ذهبت في المساء، وكنت لم أرى منزل عمي منذ سنوات.
لم أستمتع كثيراً كما في الصباح، حيث كنت قد قضيت الوقت في حديث ممتع مع ابن عمي الصغير. ولكنه نزل متأخراً قليلاً في المساء، ولم يكن بالمزاج لثقل النعاس على ما يبدو. حتى أنا كدت أن لا آتي لولا إيقاظ أخي لي بإصرار وضغط (وإعارتي ثوبه).
لعل ترك الإجتماعات العائلية الكبيرة للمساء أفضل، حتى يكونوا الناس قد استراحوا جيداً، كما تقترح أختي. ليس أن هذا ما كان سيجعلني أحرص على الحضور، فقد كان لدي موقف من الأمر، لكنه حل عملي في كل الأحوال.
كنت دوماً أعتقد أن القلوب المتفرقة لن يجمعها عشاء، ولا زلت، لكن يبدو أن الدنيا القاسية تشعر المرء في النهاية بالحنين والتغاضي عن بعض المنغصات في سبيل.... في سبيل ماذا؟ لا أدري، إنه أمر قلبي، لعل بعض القلوب ترق مع الوقت فقط.







أفتش في جيبي قبل قليل، في صباح ثاني العيد، فأجد ثلاث أوراق تحوي كل منها على رقم أو أرقام، أمور لآخرين علي أن أتابعها حالما يبدأ الناس بالعمل. لم أرد أن أتذكر. لقد تعبت منذ زمن بعيد، لكن هكذا هي الحياة، ماذا بوسع المرء أن يفعل.





قلبي الخالي...؛
حِملي الخفيف... 
حِملي الطاغي...

طموحي الفاني...؛
همي الكبير...
همي الخالي...

تشابه أيامي...؛
شرودي الطويل...
أملي النائي...





في برقر كنق، الذي أزوره كل يوم حينما أستطيع لأجل الكولا، قال عامل هندي اليوم بينما يعطيني الكولا مازحاً: إذاً، سر جمالك هو كأس كولا كل يوم؟. أجبت وأنا أضحك: نعم هذا صحيح. ضحك العامل الآخر معنا.
الكولا يأتي بعد الماء من حيث الأشياء التي أشرب باستمرار. بالطبع، أشرب أضعاف الكولا من المياه الجيدة بقدر المستطاع كل يوم، فشرب الماء الجيد بكميات كبيرة من متع الحياة بالنسبة لي كذلك، أكثر من الحال مع الكولا، ومن العادات الأكثر إلحاحاً لدي، كلما استطعت إلى ذلك سبيلاً.










اشتركت في خدمة جديدة، تشبه خدمة نتفليكس لعرض الأفلام عبر الانترنت، اسمها Starzplay. هي تقدم ترجمة باللغة العربية كذلك. لا يوجد الكثير من الأفلام والمسلسلات حتى الآن، لكن يبدو أنها تتقدم على نحو جيد. لم أعلم بأمرها سوى حينما رأيت خفيض على موقع كوبون، الذي أستفيد منه كثيراً. يمنح العرض المشترك ٣ أشهر بسعر مئة ريال.
اشتريته واشتركت، لكني فوجئت بأن كمبيوتر الكرومبوك لا يعرض الأفلام كما يجب، رغم أنه لا يواجه أي مشكلة في اليوتيوب مثلاً. جربت على الجوال، وعلى جهاز ابن اختي الويندوز، وكانا يعملان على نحو ممتاز. أرسلت أخبرهم، وسألوا بعض الأسئلة، ثم قالوا بأنهم سيعملون على الأمر ويخبرونني بما يتوصلون إليه.
أتمنى أن يتوصلوا إلى حل، رغم أني أزعجتهم لأني لم أنتبه إلى ردهم الأخير بإرسال طلب آخر. صحيح أني اعتذرت لاحقاً وردوا علي بإيجابية كبيرة، لكن مثل هذه المواقف تحرجني.

لم يتوصلوا إلى حل، ويبدو أن تركيزهم ينصب حالياً على تطوير تطبيقات للتلفزيونات الذكية وأجهزة الألعاب. لكن على الأقل، لديهم فكرة عن وضع الكرومبوك.
الخدمة تسمح للمستخدم أن يضيف خمسة أجهزة للاستخدام، ويستخدم اثنين منها فقط في نفس الوقت للمشاهدة، أياً كان الجهازين. مثلاً، يمكنني أن أتابع فيلم على الكمبيوتر، بينما أخي يتابع مسلسل على الجوال، في نفس الوقت. المشكلة كانت في محاولتي تشغيل الخدمة حتى استخدمت خمسة أجهزة غير ذات جدوى باستثناء جوال أختي، الذي تستخدمه للدخول إلى الخدمة. حينما أردت أن أشغل كمبيوتري المحمول الكبير، خفت أن لا تعمل الخدمة، لكنها عملت لحسن الحظ، وتمكنت كذلك من حذف أحد الأجهزة التي جربت الخدمة عليها. لكن باقي الأجهزة التي تعطل الخدمة يجب أن تنتظر إلى شهرين حتى أتمكن من حذفها.
الخدمة ممتازة إلى حد بعيد. ليست سلسة طوال الوقت، لكن حينما تكون كذلك تفي بالغرض جيداً. تشكيلة الأفلام جيدة حتى الآن، والترجمة حسبما رأيت جيدة. الجميل هو توفير بعض أفلام هياو ميازاكي المرسومة، الفنان الذي أفضله على كل المستويات. لم أتخيل يوماً أن يتواجد فيلم الأميرة مونونوكي Princess Mononoke، أجمل فيلم أحبه على الإطلاق، رغم عدم فهم الجميع سبب حبي، سوى بعد شرح مطول غالباً، وربما كانت أحب مجاملة سمعتها منذ زمن بعيد؛ حينما قالت الألمانية الطيبة التي عرفتها في المكسيك، بأن الأمير أشيتاكا بطل الفيلم ذكّرها بي، وقالت إنه مثلك تماماً. لم يعجبها الفيلم، الذي شاهدته بناء على نصيحتي، لكني على الأقل ذكرتها بالأمير، ولم أكن لأذكرها به لو لم ترى الفيلم، وهذا رفع معنوياتي كثيراً.
يوجد كذلك سبيريتد أواي Spirited Away، وهو الفيلم الثاني بعد مونونوكي، والوحيد الذي يحاول مزاحمته على القمة لدي.
لكن لم يوجد فيلم: من فوق رابية الخشخاش From Up on Poppy Hill. وهو فيلم من نفس الاستوديو، لكني لست متأكداً إن كان من إخراج ميازاكي. إنه فيلم غاية بالجمال، غاية بالتأثير. دراما اجتماعية مؤثرة إلى أقصى حد، ذات عقدة مدهشة وتنفيذ حالم، تطرح معضلة أخلاقية في منتصف الفيلم مثيرة للتفكر والقلق والألم. إنه فيلم غير عادي، ولعله أكثر الأفلام ملائمة لمن لم يهتم بالأفلام المرسومة من قبل، ولا أتخيل بأن هناك من قد لا يستمتع به، أيا كان سنه، وأيا كان جنسه، لكنه يجب أن يكون إنساناً على قدر من الحساسية والعمق في رأيي. يجب أن تشاهدوه، لا أعتقد أنكم ستختلفون معي فيه كما يختلف الناس معي في مونونوكي عادًة.

من الأفلام الموجودة كذلك، فيلم اسمه Only Yesterday، وهي المرة الأولى التي أراه فيها. إنه فيلم بسيط التنفيذ مقارنة بما سبق ذكره، لكنه بديع ومؤثر بعمق، مس إحساسي على نحو بالغ ومختلف عن باقي الأفلام، لأني وجدته وكأنما يحكي عن أمثالي من الناس، عني أنا على وجه التحديد، بغض النظر عن قصة الحب المدفونة فيه. أعتقد أن البعض سيفهم الرسالة، والاحداث، لأنه عاش مثلها، إنه فيلم واقعي بالنسبة لي على الأقل، وجدته مشابه للحياة إلى حد مؤثر، الحياة التي أعرفها. يحكي عن الشخصيات البسيطة من كل النواحي، بنموذج البطلة، المجروحة وغير الواثقة حتى الوصول إلى درجة اللامبالاة، وتقبل أي شيء، يماثلها بنفس القدر رجل تتعرف إليه لدى أقاربها، الذين تزورهم في الريف لتساهم في الحصاد. قريبها اللطيف واللا مبالي بمعاناته وما قاسى كسائر البشر من ذوي الحظ المماثل والبساطة، يمثل الإنعكاس الكتوم لشخصيتها الأكثر انفتاحاً، رغم ضحكه الساذج وهو يحاورها.
تتذكر الفتاة الكبيرة، في عمر السابعة والعشرين، طفولتها بعمر عشر سنوات، والأحداث الكثيرة التي جرت على مستوى العائلة، ومستوى المدرسة. إنها أحداث لا يستغربها المرء، سواء مر بها أم لم يمر، لأنها معقولة، تجري للناس، خصوصاً سيئي الحظ، وربما أثر بي الفيلم لأن معظم الأحداث جرى لي ما يشابهها، من تحطيم، وتشكيك بالقدرات، والمقارنات المجحفة...
كما تتذكر اللحظات الحلوة غير المكتملة، وخيبات الظن، والإحراجات، وخيبات أملها وآمال الآخرين. وبشكل ما، تتوصل إلى فهم بعض الأمور التي جرت في ذلك الزمن البعيد خلال حكيها ومناقشتها مع صديقها الجديد، وقريبتها المراهقة المليحة، وهو أمر جائز، إنه أمر يحدث معي، كثيراً مؤخراً، وإن كان هذا يحدث لي بلا حوار مع أحد. يحسب الكثير من الناس أن الأمور القديمة في الطفولة غير ذات أهمية، خصوصاً ما جرى بين الأطفال بعضهم بعضاً، لكن في واقع الأمر، وفي قلوب بعضنا الأكثر بساطة، غير القادرة على المواكبة في النسيان والاشتغال بحياة الحاضر، هذه أمور لا تغيب تماماً، يحاول المرء أن يتوصل إلى فهم أفضل لها، وربما كان هذا ليَفهم ما الذي أوصله إلى ما هو عليه؟ لماذا هو هكذا؟ وإلى ماذا أدى هذا بالآخرين، في القصص القديمة المشتركة؟ هذه ألغاز، حتى على صاحب القلب نفسه.
إنه فيلم جميل جداً، شعرت معه بأني مع أشخاص مثلي، لكنهم أسعد حظاً بقليل.


من الجيد أن الفيلم الأخير لميازاكي لم يُضف مع ذلك. رغم النجاح الذي صادفه في اليابان على الأقل، إلا أني تفهمت الانتقادات التي طالته، بتمجيده لجهود ابتكار أدوات حربية سببت مآس مروعة للآخرين، أو كانت بسبب حرب جنت فيها اليابان على الآخرين بأفضع جرائم يمكن تخيلها.
حينما رأيت هذا الفيلم، وجدته مفتعلاً، وإلى حد ما، مقرف فكرياً. ليس أنه يعرض أي أفكار قذرة صدقاً، فميازاكي لا ينحدر أبداً إلى هذا المستوى، لكن تمجيده لشاب مهووس بصناعة الطائرات الحربية، وهو يغض النظر بذات الوقت عما دار وحصل في دول كثيرة على يد الجيش الياباني المجرم، أمر يثير التعجب. لماذا الإعجاب الآن بمجهودات حربية، يشهد العالم على نتائجها الفضيعة؟ هل يمكن تجاهل الإغتصابات والمذابح وما لا يتحمل القلب التفكير به، لتقدير العقول التي أبدعت بصنع تلك الأسلحة الفتاكة؟. إن حتى قضيتهم لم تكن دفاع عن النفس، أو إنقاذ لآخرين.
كان خيار غريب لميازاكي، مرهف الحس، المدافع عادة عن العمق الخيّر في الإنسان، حتى الأشرار بني هذا الجنس. هو فيلمه الأخير، لكنه سقطة أخيرة بكل أسف.

وبغض النظر عن الجوانب الأخلاقية للعمل، العمل نفسه تافه، لا يستحق أي مديح. الشخصية الرئيسية ثقيلة ظل لا تُحتمل، وهو المهندس الذي يحاول صناعة الطائرة التي ستحقق لليابان التفوق بالحرب. القصة حقيقية، للمهندس هذا وقصته مع صناعة الطائرة وحياته العاطفية. كان يمثل الإلتزام والمثابرة ومطاردة الحلم، لكنه كان بلا معالم مثيرة للاهتمام. كما أن الحس بالنقص تجاه الغرب يتجلى في متعلمي تلك الأمة في قصته، لفترة أبكر مما يتخيل البعض، الذين لم يطلعوا على الأدب الياباني الذي يصف فترات ما قبل الحرب، ويخيل إليهم أن هزيمتهم النفسية تجاه الغرب أمر مستجد بعد الحرب العالمية الثانية، رغم أنها بالتأكيد ضاعفت الخلل أضعافاً.
الفيلم ببساطة وتجرد، فضلاً عن سقوطه الأخلاقي، تافه وغير مؤثر في رأيي.
أتمنى أن لا يكون الفيلم الأخير لميازاكي، أن يصحح غلطته بشكل ما.







وصلتني من أختي في القصيم سبحة أنيقة عبر البريد، بقصد تعليقها في السيارة الجديدة. إني أحب التأمل بالسبحات الجميلة، رغم أني لا أحملها أو ألعب بها، لكنها تشد نظري. أختي تعرف هذا، وكان جوابها على تساؤل والدتي أنها للتعليق في السيارة.

أفكر أحياناً بالتعود على حمل سبحة ألعب بها وأتأنق، لكن جيوبي مليئة بالفعل بمختلف الأمور، وأخشى أن لا أهتم بالسبحة.
كانت قد لفتت انتباهي قبل فترة طويلة سبحة جميلة، مع رجل أنيق وحسن الطلعة. كان من الواضح أنه دكتور في الجامعة، بينما نزلت مع مراجع أجنبي إلى قسم آخر لمساعدته وحل مشكلته. رأيت الدكتور هذا حينما دخلت معه على المدير اللطيف المتواضع (حالة استثنائية)، وكان من الواضح أن الدكتور الأنيق يتابع ما أقول باللغة الانقليزية ويبتسم. كانت السبحة التي يلعب بها من اللؤلؤ الطبيعي بوضوح، وهي صغيرة الحجم وبلآلئ صغيرة غاية بالجمال. أخبرت أخي الكبير، وهو دكتور أيضاً ومهتم بالسبحات بدوره، عن تلك السبحة غير العادية، فانتقد أخي الفكرة بازدراء؛ ماذا لو انقطعت؟؟ هل سينحني ليجمع اللؤلؤ من فوق الأرض؟؟، لم أنظر بوجهة النظر هذه لأسباب متعددة. وعموماً، كل شيء وارد، وللأناقة ضريبتها، وما على المرء إلا أن يحافظ على أشياؤه بقدر الإمكان.
صار هذا الدكتور يسلم ويبتسم كلما رآني، وهذا أمر لا يحصل بالعادة من الدكاترة السعوديين، وقد صادفته في المستشفى ذات مرة، ولفت انتباهي حتى يسلم. كنت أستغرب هذا اللطف والتواضع.
يلبس هذا الرجل الغترة، ويبدو مهندماً دائماً. تردد علينا في قسمنا قبل فترة لعدة أيام، فسألت زميلي مستغرباً عن الذي يأتي به؟ أجاب بأنه يعمل على تجديد إقامته وأولاده!! أخبرني بأنه سوري بالواقع.
سوري، ولا يأنف ملابسنا؟ هذا أمر يحدث بالواقع، إذ يوجد سوري آخر بنفس الحالة، عدى أن الآخر تفضحه لهجته المضحكة وضخامته التي لا صلة لها بنا، وإن كان محبوباً ظريفاً.
يسهل التأنق بملابسنا، لكن اللمسات الأصغر التي لا يهتم بها الجميع تحوز تقديري، كما أن الذوق الجيد والحضور الحسن موهبة من الله.
ربما كان بهذا التواضع لأنه دكتور غير سعودي.










ذهبت لأستلم صناديق شحنها أخي من أستراليا حيث يقيم للدراسة؛ لقد أتم دراسته بحمد الله وسيعود قريباً. لكن العم شحنها بإسمي لأستلمها من المطار، وليس أي مكان آخر. ذهبت وابن أختي الذي ابتلاه الله بنا إلى المطار، وكان الاستلام في منطقة المساندة. لم يكن هناك الكثير من الناس، لكن استغرق الأمر أكثر من ثلاث ساعات لعدة أسباب.
سُمح لي بالدخول، ولكن كان على ابن اختي البقاء في انتظاري. حينما وصلت إلى المكان المقصود، وكنت الأول، أخذ موظف شاب رقم الشحنه، وطلب مني الانتظار، وقام بالمثل مع رجل وصل بعدي بقليل. مر وقت طويل، حيث مضى، ولما عاد سألته فطمأنني. ثم أختفى. وصار الناس يأتون ويذهبون، ومرت حوالي ساعة دون فائدة. ثم اتضح بأنه ذهب، ورجح زميله بأن دوامه انتهى، وتركنا هكذا. زميله الآخر رجل لطيف جداً، وهو بدوي مرح، قدم لنا القهوة والحلويات، ومزح بنوع من الجلافة لكن بحسن نية، وقد أنهى المطلوب بأقل من دقيقتين. كان رجل طويل قد دخل، وقد اشتبهت بأنه معلم في الثانوية كان قد درسني. قررت السلام والسؤال، فاتضح أنه هو، وقد أصبح دكتوراً في كلية اللغات. احتفى بي كثيراً، وأعطاني رقمه. كان مدرسي المفضل في الصف الأول في الثانوية. درسني لغة انقليزية.

حينما خرجت من ذلك المكان حيث دفعت الرسوم، وحان وقت الاستلام، لم يكن هناك توضيح أين يجب أن أذهب، وكان عمال النظافة هم من يساعد، وحينما أجد موظف سعودي لا يقصر، لكنهم في مكاتب قصية.
يستغرب المرء من تكسر الجدران والحالة المزرية للمبنى، والقذارة النسبية. في المستودع، قيل لي بأني سأكون الأخير، لأن صناديقي في الأعلى، وتحتاج إلى مكينة خاصة لإنزالها. حينما تم ذلك أخيراً، ركبت مع سائق الرافعة البنقالي لنذهب إلى الجمرك، وبينما نحن في الطريق وقد اقتربنا من وجهتنا، سأل إن كنت سأعطيه هدية؟ قلت سأعطيه، فسألني أن أعطيه الآن حتى لا يرى المدير حينما نخرج من الممر. أعطيته وأجزلت. حينما وصلنا أنزلني وذهب لشأنه، ووجدت الموظف السعودي عند آلة يبدو أنها تفحص الصناديق بالأشعة حينما يلزم الأمر. ويبدو أنه وجد شكلي طريفاً على وجه الخصوص، ورغم أنه مد أوراقي بسرعة وتعاون معي باهتمام ومباشرة، إلا أنه ظل يبتسم ابتسامة واسعة تقارب الضحك. أخذت أوراقي منه، لأخلصها من مكتب كنت قد مررت به ووجدت موظفاً لطيفاً وجهني بسعة صدر، لكني لم أجد الرجل نفسه، وجدت قصيمياً آخر (الاثنين من القصيم بوضوح) حانقاً ومتورطاً لسبب وجيه؛ لتوه عاد من إجازة، ووجد تصريح دخوله على النظام موقف، والآن لا يمكنه تسيير أمور المراجعين الذين يقفون عنده. كان الرجل يتصل بزملاؤه ليعطونه تصريحهم، وكانوا يرفضون إرساله ويملونه عليه بشكل خاطئ. قمة اللؤم.
وتسلط عليه شاب أسود متأنق، كان يجعل المسؤولين يتصلون به كل دقيقة وأخرى لينجز أموره، والشاب يعمل لصالح أمير على ما يبدو، بسرعة. حتى طفح كيل الرجل، وقال للشاب الأسود: تشوف اتصالاتك هذي؟ والله ما أخلصك إلا آخر واحد وخله تنفعك! ولو تتصل على الملك!. تراجع الشاب إلى مكان قصي.
فجأة جاء الفرج، وتمكن الرجل من الدخول إلى النظام، وسوّى أمورنا بسرعة كبيرة. لما خرجت من مكتبه لأعود إلى صاحب الجمرك المبتسم في مكانه البعيد، وأنتظر رافعه لتحمل صناديقي، صادفت البنقالي الذي حمل أغراضي من البداية ذاهب بالرافعة إلى المستودع. لما رآني توقف وطلب مني الركوب. ذهبنا وأخذ أغراضي بسرعة، وأخبرني بما علي القيام به لإخراجها، وأني سأجد حمالاً ليحملها إلى السيارة، ويمكنني إعطاؤه ’هدية’ كذلك. كنت شاكر جداً، فالآخرين كانوا سينتظرون الرافعة عند مداخل المستودعات حتى تأتي بأغراضهم، وينظر المدير المشرف هنا بأمرها قبل خروجها.
كان المدير لطيفاً، وهو رجل سعودي ضخم، أراد مساعدتي مباشرة، حتى حينما أخبرته بأني يجب أن أعود من حيث دخلت، لآخذ رخصة القيادة التي أخذوها كتأمين قبل أن أغادر المكان، وأني أخشى أن لا يدعوني أعود من طريقي، فقال بأن أخبرهم بأن المدير قد سمح لي بالعودة، وأنهم يمكنهم الاتصال به، ولم يكتفي بهذا، إنما سار معي مسافة ليست بالقصيرة حتى وصلت، ووقف على مبعدة ينتظر ليتأكد من عودتي.
أدخلت ابن أختي وسيارته إلى منطقة التحميل، وحمل لنا الحمال الصناديق في السيارة التي استعرتها خصيصاً، وأعطيته هدية وخرجنا.

كانت أعصابي قد تلفت. يوجد الكثير ممن يقومون بعملهم على أكمل وجه، أو يحاولون بصدق، لكن يكفي شخص واحد بلا حس بالمسؤولية ليفسد كل شيء، كما أن نظام الاستلام وإجراءاته هي العقم نفسه، وكأنما يعاقبون المرء على الاستفادة من خدماتهم. ما المشكلة لو أستلمت كل الأوراق المطلوبة وخلصت إلكترونياً، أو في أضعف الأيمان باستخدام مراسلين، وترك الناس لينتظرون في الخارج؟.






إن أكثر ما يجرحني، ويشعرني بالغباء، هو مجيء البعض وإلقاء التحية والإبتسام والاحتفاء فقط حينما يكونون بحاجة لترجمة شيء ما لغرض شخصي، كم يحزنني تجاهلهم لي في الأوقات الأخرى.

قد أفهم عدم رغبة البعض بالسلام والتلطف دون اعتيادهم طلب معروف شخصي. وأفهم كذلك من لا يفضل التعامل معي، ولا يلقي السلام، خارج إطار أداء العمل، ولا يسوئني هذا أبداً، وأقدر رغبتهم بذلك. لكن بالنسبة للنوعية الأولى، ألا يمكن على الأقل الإحتفاظ بالحد الأدنى من التقدير والاحترام في كل وقت، تجاه شخص لا يمانع أبداً عن مساعدتك حينما تحتاج إلى مساعدة شخصية؟.







يبدو أني فقدت أي حيلة تقريباً في ترتيب المواعيد في المستشفى الجامعي. محاولتين، استغرقت كل منها حوالي الساعتين، لم تفضيا سوى إلى الحصول على موعدين فقط. المشكلة هي بتعطيل نظام المواعيد لأكثر من شهرين، لاستبداله بجديد، وهذا الجديد يبدو أنه صعب، أو أن الموظفين غير مدربين عليه جيداً. والمشكلة الأخرى أن الكثير من الناس يريدون ترتيب مواعيدهم التي لم يتمكنوا من ترتيبها منذ فترة طويلة. الأمر على جانب كبير من العشوائية كذلك، فلا يدري المرء ما العيادات التي تمنح مواعيد جديدة، فقد ينتظر المرء لفترة طويلة دوره أمام الموظف، حتى يكتشف بأن العيادة بالواقع لا تمنح مواعيد جديدة.
منذ فترة والأمور تجري بشق الأنفس بالنسبة لي في المستشفى. أصبح فوات موعد يعني الخروج من العيادة تماماً في بعض الحالات.
كما أن بعض الموظفين في استقبال العيادات لهم طباع وضيعة غير مهنية. قد لا يعجبه شكلك فيصد عنك ليخدم شخص أتى بعدك. اليوم، موظف من هذه الشاكلة، لطالما عاملني بتعال لا أفهم سببه، رغم أني أشك بأنه يعرف صوتي حتى، تجاهلني بعدما نظر إلي بإزدراء وأخذ موعد من شخص آخر. قالت الممرضة الفلبينية؛ فلان، هذا الرجل يقف في الانتظار منذ فترة طويلة. يبدو أن هذا أحرجه، إذ أخذ الورقة مني، ولكنه مع ذلك وضعها تحت ورقة الشخص الذي أتى بعدي.
الكثير من الموظفين غير سيئين في الاستقبال كما في السابق، خصوصاً بعد ضخ دماء جديدة مؤخراً، لكن سوء التعامل اختياري ببساطة، فمن يريد التعامل بوقاحة وتعالي لا يخشى شيئاً. بعضهم لا يريد حتى أن تسأله عن أي شيء، أو تبدي عدم فهمك لما يريد إيصاله. أحدهم رفع صوته علي ذات مرة لأني لم أفهم الإجراء الذي شرحه باقتضاب. ورغم أنه ندم بوضوح، إلا أنه لم يعتذر مع ذلك.

كنت قد طلبت تقرير ضروري لوالدتي، من طبيب حقير أخرجنا من عيادته ببساطة لأن موعدنا فات. بالواقع، فرحت لأننا خرجنا، فقد كنا ندور في حلقة مفرغة ولدي الدليل القاطع بأنه بالواقع أفسد في صحة أمي، حيث قام بعمليات ظهرها، أكثر مما أصلح، بشهادة طبيبين من مستشفيين مختلفين. لكن والدتي كانت مصرة على التعامل مع هذا الطبيب السوري، وقد ضغطت علي كثيراً لأحاول أن نعود إلى العيادة، وقد حاولت لأجلها، وبكل ما أستطيع والله يشهد، لكننا لحقارته، ولحسن الحظ، لم نتمكن من العودة.
لكن ما احتجت إليه من هذا الطبيب هو تقرير طبي. استغرقت صياغة التقرير ٤ أو ٥ أشهر، ثم مثلها وهو ينتظر توقيع طبيب العظام السوري هذا، كسّر الله عظامه في قبره بالشجاع الأقرع. ولم يتم الأمر حتى رفعت شكوى مكتوبة إلى علاقات المرضى، الذين تعاملوا مع الأمر بسرعة أذهلتني، حيث وصلني اتصال من قسم التقارير، الذي صدقاً لم أذكره في شكواي بسوء، يخبرني بالقدوم إلى مديرهم لاستلام التقرير، وهذا خلال أقل من أسبوع. لا أدري ماذا رأى مدير التقارير بالموضوع، إذ كان تعامله بارداً ومزدرياً. هل تم لومه؟ لا أدري، لكن كان يمكنه التصرف مع شخص ينتظر تقرير مهم منذ أشهر طويلة على نحو أفضل، فالكبر لله.
كم بت أبغض هذا المستشفى اللعين.

من ناحية أخرى، ننتظر عملية منذ أكثر من سنة، لاستبدال مفصل ركبة والدتي، لدى دكتور آخر. اقترب الموعد، وزرنا طبيبة التخدير، التي أوصت بدخول والدتي أبكر مما حدد الطبيب، لملاحظات لديها على تحليل الدم. كتبت ملاحظة على ملف والدتي في الكمبيوتر، وتركتني وشأني لأرتب الأمر، دون أي توصية، إذ قالت بأن هذه مهمتي، وعلي تنسيق الأمر مع العيادة. اللغة الانقليزية، مع الأسف، تعطي دفعة قوية لاستجابة الأجانب لمعاناتك، حتى لو كانوا أساساً يتحدثون عربية لا بأس بها. أشعر بالمرارة تجاه الأمر، في بلدي. لو كان لي من الأمر شيء، لمنعت التحدث بلغة أجنبية إلا في أضيق الظروف، ولفرضت على كل أجنبي سيتعامل مع الجمهور مباشرة أن يخضع لدروس في اللغة العربية.
ما حدث هو أن العيادة لم يكن لديها ما تقدمه لي، وكان يجب أن أذهب إلى عيادة العظام، للشرح للطبيب نفسه. كنت أعلم بأني لن أرى الطبيب، لن يسمح لي. مع ذلك، تعاطفت معي رئيسة الممرضات هناك، وهي ممرضة سودانية قديمة جداً بالمستشفى، وأخبرتني بأن آتي بعد اسبوع تقريباً، وإن لم يسمح لي برؤية الطبيب فتساعدني بنفسها.
بالنهاية، قابلت الطبيب المصري في الممر، ولم يرد التوقف، إلا أن امرأة تعاني بوضوح استوقفته بالإحراج. وتبين أنه سيسافر اليوم، ولن يكون هناك عملية، وقد لا يعود، ولا فائدة من تأجيل الموعد.
أكثر من سنة في انتظار الموعد.
ما باليد حيلة.











أود لو بكيت من جديد...
بعدما استعصى الرضا...
أود لو أُعلنت غريق...
طالما الطفو انتفى...
هل بات القلب من حديد...
فلا أنا أطفو ولا النحيب امكنَ...

هل للقلب أن يحتمل ما بقي من الأيام...
أم هل له بصمت الحكمة أن يتزينَ...





استولى على أحاديث الناس في فترة العيد أمر شاب سفيه قدم ليستخف دمه في إحتفالات الرياض بالعيد. هو من شباب الستاند اب كوميدي، اولائك الناس الذين يقفون على مسرح ويطلقون النكات ويستخفون دمهم، وعقولهم غالباً. كثر هؤلاء لأنهم اكتشفوا فجأة أنه يمكنهم الحصول على لقب فنان بنكتهم السامجة والسوقية في الملاحق والاستراحات والشوارع المشبوهة.
هذا الصبي، من حيث عقله وحضوره، إذ لعله جاوز العشرين، الذي أرجح بأنه لم يتعدى العشرين أو يدور في فلكه، اختار عبارات يبدو أنها شائعة في بيئته ومجتمعه القريب. لربما قال المرء بأنه لم يعرف أن البيئة في الرياض مختلفة إجمالاً، لكنه تم تنبيهه من قبل أحد الحضور، الذي يتواجد به أطفال، بأن ينتقي مفرداته. كان أحد الحضور الكبار هو من نبهه بأدب، ونبهه إلى وجود أطفال. الصبي المدلل لم يتقبل الأمر، وبدأ يقل أدبه ويصر على ألفاظه، ويستفز الرجل ويسخر منه، وقد شجعته أصوات شابة من الحضور، ممن يشابهونه بالتربية والسفاهة، مع أني لست أدري إن كان قد تلقى أي شكل من التربية في حياته. المؤسف أنه قال للناس لاحقاً، مما قال، بأن لا ينسوا وصية الرسول، عليه الصلاة والسلام، بأهل المدينة المنورة!! لا أدري إن كان من المدينة فعلاً، رغم أني لا أرجح ذلك، فليس كل من سكن المدينة هو فعلاً من المدينة، وإن قضى عقود وحصل على الجنسية. المدينة المنورة مدينة عربية، وأهلها معروفون. وبأي حال، لا يجوز لأهل المدينة ما لا يجوز لغيرهم، ولا يمكن لأحد أن يفخر بهذه الوقاحة والسوقية، ويتعذر بأنه من المدينة.
كانت ردة الفعل على الانترنت قاصمة. ورغم أني كنت أشعر بالقرف من هذا الصبي، إلا أني أشفقت عليه لسبب واحد؛ لقد استمر باستثارة الناس بمحاولة تبرير ما قام به، وكان يتحدث بغباء غير عادي، جهل عجيب وانفصال عن الواقع، سطحية لا مجال لعدم ملاحظتها. تساءلت بتعجب وضيق؛ أين أهله؟ ألا يوجد شخص يخبره بأن يصمت؟ يوجد الكثير من السفهاء على الانترنت، لكن من النادر أن يصلوا إلى هذا الحد، خصوصاً أنه كان من الواضح أن هذا الشاب لا ينطلق من لؤم أو مبدأ ولو كان خاطئاً، إنه فقط سفيه مسكين. هنا يأتي دور الأهل على ما أعتقد، كان يجب أن يتصرف أحد ما، أن يتدخل أحد من أهله ويصحح الأمر أو يوقفه عند حد. هل كان أهله مؤيدين لما قام به؟ تلك مصيبة أخرى.
قدم اعتذار سامج وبارد، بعدما أساء لنفسه كثيراً، وقيل لي بأنه برر الخطأ بأنه لم يعلم بأن أهل الرياض لا يتقبلون، وأن الصحراء أثرت عليهم (يعني بدو!). ياله من عنصري وقح! لكن هكذا يتصرفون أشكاله العنصريين من هناك بالعادة. إنه لم يفهم خطأه، ويعلقه على خلفية الناس حسبما يفهمها، رغم أن بعض الصبيان المحسوبين علينا أيدوه وشجعوه على المسرح حتى تمادى، رغم اعتراض الآخرين في نفس المكان، في حين شجب ما قام به بعض الناس من الحجاز على الانترنت. إنه منفصل عن الواقع، معبأ بالكراهية.
إن نسبة لا يستهان بها ممن وقفوا ضده كانوا من الحجاز، بل إني سمعت أحدهم في التسجيل يقول له بلهجة حجازية: طيب أهدا أهدا!. وفي الانترنت اشتكى حجازي من عدم قدرتهم في تلك المنطقة على الخروج والاستمتاع بوقتهم دون أن ينغص عليهم مثل هذا الشاب التافه، داعياً الناس إلى عدم السكوت. وآخرين عبروا عن خجلهم لكونه من المدينة المنورة. كما أن الكثير من أهل المناطق الأخرى شجبوا ما قام به. لا زال المجتمع على جانب كبير من المحافظة رغم كل شيء.

هذا المجال الجديد للشباب غير الموهوب بغير التجريح والسخرية وقلة الأدب أمر مستجد، أن يلقى هذا التمجيد والشهرة والمتابعة لهو أمر مخل بالثقافة على نحو خطير. هذا الشاب كان لسوء حظه قد أخطأ على مسرح عام بحضور أطفال، لكن غيره ممن هم أسوأ يملأون يوتيوب بهذا الفن الهابط وما شابهه سوقية ووضاعة ولؤم، كما يملأه الأطفال مشاهدة. يحظى هؤلاء بشهرة كبيرة، وخروج عن مجال المراقبة والانتقاد، بل ربما يحظون بالتشجيع والتغاضي ’لأن أحد ما نجح أخيراً بالوصول إلى الشهرة على الانترنت’. ينطوي هذا الفن، إلى جانب السوقية والهبوط، على تحطيم وقسوة لا نقدرها بطبيعتنا، لكن شأنه شأن الكثير الوارد عن الثقافة الغربية، بدأنا نتقبله وكأنه الأمر الصحيح، لأنهم يقومون به هناك ويتقبلونه. لسنا أمريكان، ماذا سنتقبل بعد هذا أيضاَ؟.

لا زال التلفزيون يخلو من هذه القسوة والنذالة إلى حد بعيد، عكس التلفزيونات الغربية وبرامجها، لكني أخشى أن ننحدر إلى ذاك المستوى طالما الناس يحبون هذه الأشكال هنا ولا يرون المشكلة فيما يقومون به من تجريح وسوقية، وفي انعدام مواهبهم وقدراتهم.
كان هذا الصبي غير محظوظ فقط في المكان والمناسبة. لكن من هم مثله كثر، رغم أنهم قد يكونون أكثر ذكاء. لا يجب على الناس تدليل أبنائهم والتغاضي عن ازدرائهم للآخرين على النحو الذي ظهر به هذا الولد. كان مدللاً أكثر من اللازم بوضوح، ولم يبدو وكأنه عقلياً يواكب عمره. كان من الخطأ إرساله إلى مناسبة كهذه.

لكن هذا شاب، أرجو من الله أن يصلحه رغم كل شيء. لكن ما بالك بمن اشتعل رأسه شيباً؟.
هذا رجل أحمق اسمه محمد حمزة، ليس الممثل المحترم المشهور، وإن كان الاثنين ممن وفدوا للحجاز من الخارج على ما يبدو. كتب على تويتر قبل أيام ساخراً بعنصرية من أهل نجد والشمال والجنوب، أي حيث يتركز العرب الأقحاح، الأحق منه في هذه الأرض، مدعياً بأن الناس كانوا يعملون صبياناً لدى أهل الحجاز، ولما ’شبعوا’، وكأنما الرزق من عنده، صاروا يقولون على أهل الحجاز بقايا حجاج. بالطبع، غضب الناس غضبة رجل واحد، إلا أنه وجد من يسانده ممن هم على شاكلته. الموقف الأجمل كان من صحيفة مكة، حيث يكتب هذا الخائب، حيث أوقفته عن الكتابة فيها مباشرة.

بالواقع، لا أحد ينكر هذا الأمر، إنه أمر مضحك أن يأتي بهذا القول على هذا النحو المتعالي والحاقد ثم ينتقد ما يعتبره عنصرية، مع أنه واقع بنفس قدر واقع أهل المناطق من أهل الجزيرة العربية الأصليين ضمن السياق التاريخي الذي يتحدث عنه. لعله لا يدري أن أهل نجد اشتغلوا في الهند والشام والعراق ومصر وحول الخليج، مثل والدي رأف الله بحاله، وهو مما نحكي قصصه بمجالسنا، وبعض الأسر تحتفظ بعلاقات أسرية مع بعض الأهالي الذين بقوا في الخارج مثل الخليج والهند، رغم أني لا أعتقد ولم أسمع أن هناك من ذهب للإشتغال في الحجاز، لأنه كان بائس الوضع مثل غيره، لولا التكيات والصدقات؛ كان الناس يذهبون للحج والتجارة مثل غيرهم. هذا، أي ذهاب الأجداد إلى الخارج للعمل، واقع لا أرى فيه أي عيب، فنحن لم نتنازل عن أصلنا وننظر إليه كأنه عار مثله ومن لف لفه، ولم ندعوا الناس إلى تجاهل التاريخ والواقع، مثله وأشكاله كذلك، لذا أعتقد أن أهل الحجاز من غير الأصليين يجب أن لا يتحسسوا حينما يقال بأنهم غير أصليين، لأن هذا هو الواقع، هم ليسوا من هنا أساساً، والحجاز برمته أرض عربية لأهلها، فُرض عليها التغيير الديموغرافي على يد الترك بالمقام الأول.

العنصرية عنصرية أياً كان مصدرها، حينما يخرج التعبير عن سياق الإنصاف والواقع ويدخل في الانتقاص من الآخرين واحتقارهم، وهم أصحاب الحق والمكان، وليست فقط عنصرية حينما لا تعجبنا أو تصدر عن أحد معين، كالعرب الأقحاح من أهل الجزيرة؛ نحن. إن الشعور بالنقص لدى غير الأصليين هؤلاء ليس غلطتنا، وتمجيدهم كما يريدون لن يصبح واقعاً.

أما بالنسبة للثقافة التي حصرها بالحجاز، فبالواقع كانت الثقافة موجودة في مختلف مواقع الجزيرة العربية وليست في الحجاز فقط، كل منطقة ضمن ظروفها، وإن كان في الحجاز ثقافة عميقة إن كان هذا ما يريد أن يقول، فلم يجلبها من يُسمون مخلفات الحجاج، بل أهل الحجاز الأصليين، أبناء عمومتنا العرب الأقحاح، مثلهم مثل أشقائهم في باقي المناطق. لا حاجة لإنتقاص أهل الجزيرة العربية كأناس، عيب.

بالطبع، شعر هذا النذل محمد حمزة بالحصار النفسي والخطأ القميء الذي قام به، فقدم اعتذاره بعدما حاول سوق المبررات بصفاقة وتخبط. ولم يرضى الناس، ثم حذف كلامه الأول، ويبدو أن هذا هدّأ الموضوع، رغم أنه ما كان يجب أن يهدأ، لأنه أعاد نشر وقاحة وعنصرية امرأة غير حجازية الأصل، أي مثله، اسمها السنوسي، ولم يحذف هذه الإعادات. وبالطبع، نشر ما يؤيد كلامه بطريقة غير مباشرة على نحو أن الناس لا يتقبلون الحقيقة.
المضحك أن هذه السنوسي، تقول بأنه لم يوجد ثقافة في غير الحجاز سوى في أماكن قليلة، كالقصيم بسبب التجارة، ’على حد علمها’. لا يبدو أنها تعلم، وليت من لا يعلم يختار السكوت. إنها امرأة تافهة، لكن ماذا بوسع المرء أن يقول؛ الطيور على أشكالها تقع.

وهكذا، يرى المرء بأن من يدّعون تعرضهم للعنصرية إنما يستغلون إدعاؤهم هذا بتوجيه الإساءات والتجريح حتى لو لم يتعرض إليهم أحد. وحينما يرد الناس يحاولون إظهار بأن العنصرية في الردود فقط. إنها ازدواجية خليقة بطباعهم اللئيمة.

يقول الناس بأن هذا الكاتب كثيراً ما وجه كراهيته إلى أهل نجد على وجه الخصوص. لكن من الجيد أنه أساء التقدير وبين ازدراؤه لأهل الجنوب والشمال كذلك هذه المرة، ربما اختار هذا ليعطي الانطباع بالعدالة!، أقول من الجيد أنه أساء على هذا النحو لأنه بالواقع يكره أي شخص ينتمي حق الإنتماء إلى تراب هذه الأرض المصطفاة. وأتمنى من الله أن يكون في هذا نفعاً، ليدرك أهل الجنوب والشمال ونجد أنهم بالنهاية لا يختلفون، إنهم واحد، الأصول واحدة، والمبادئ واحدة، والجينات واحدة. فرب ضارة نافعة.






اتجهت إلى صديقي همام من الصين، عبر برنامج المحادثة بالجوال، وأرسلت أسأله عن وجود معاهد في بكين، حيث يعيش، تعلم الرسم الصيني التقليدي. إني شغوف بهذا الفن؛ أجد رسومهم التقليدية، القديمة والجديدة، بأسلوبهم الهش الرقيق، الأقرب إلى المجازية، رسوم تخاطب القلب والروح. تمنيت لو تعلمت شيء منها. إني لست موهوباً بالرسم، كنت أُعد كذلك قياساً إلى عمري قديماً، لكن لم تكن موهبة حقيقية على ما يبدو. اشتريت كتاباً يعلم الرسم في الجامعة، فقال أخي بأنها موهبة إن لم تكن لدي فلن يعلمني الكتاب. لست مقتنع بقوله، الذي أغاضني حينها، لكني فهمت أن بعض الأمور صعبة، ويحتاج المرء فيها إلى مساعدة. لست أطمح بأن أصبح رساماً، لكن هذا لا يعني أن لا أرسم، مثلما أغني وأنا لا أجيد الغناء، بصوت غير جميل، فلست أحاول خوض المسارح أو تسجيل أغانٍ حقيقية، وهكذا، أحب بعض الأمور، لست أتخيل بأني سأجيدها تماماً، لكن لا يمنع أن أحبها وأهتم وأحاول وأستمتع. دخلت دورة الخط لحبي الخط، لم أصبح خطاطاً، لكن خطي تحسن، واستمتعت بوقتي، وأنوي إعادة التجربة إن شاء الله. كما أحب لو كنت أعزف على آلة معينة، حتى لو لم أكن مبدعاً، سيكفيني أن أخرج بلحن بسيط وأستمتع بالأمر.
رد همام بأنه سعيد بأني أحب هذا الأسلوب بالرسم، وأنه يوجد مدارس ومعاهد متخصصة. وسأل إن كنت أريد أن آخذ الدورات في بكين؟ قلت بأن هذه أمنية قلبية، وربما يوماً ما تتحقق، رغم أني غير موهوب. قال بأنها أمنية جميلة، وأنه متأكد بأني موهوب بالرسم لأني أنيق ومتحمس للفن والأشياء الجميلة. قلت بأني لست متأكداً، وشكرته بإمتنان. ضحك حالفاً بأن كلامه من أعماق قلبه. شكرته ودعوت له، وسألت عن أمنياته هو؟ إنه أكثر ذكاء مني، فهو يريد الاستقلال المالي أولاً، ثم سيحقق امنياته لأنه سيستطيع حينئذ. من بين أمنياته، التجول حول العالم، وكتابة رواية. اقترحت بأن يبدأ بكتابة رواية، وأن هذا ربما ساعده في استقلاله المالي. جاملني بقوله أنها فكرة جيدة. لكني أتخيل بأنه لو قدر للرواية أن تشد الانتباه في الصين، فسيكون المرء محظوظاً بصدق إذا ما اهتم الكثيرين بقراءتها، وأتصور بأن القراء هناك ليسوا بقلّه.
لو كنت أتحدث اللغة الصينية، أعتقد بأني سأحاول الحصول منه على حقوق ترجمة روايته.








ألا ليت قصائد ما كُتبت…
وأفكار ما خَطرت…
وأقدار مرت من جوارنا…
وما مستنا…



سعد الحوشان