سِجل المدونة

الاثنين، 27 ديسمبر 2010

إلى من يحكم على النرد الكروي (أحداث كثيرة،شوكولاتة غانا،جهاز،محمدين،ألماني)

بسم الله الرحمن الرحيم












أخيراً توصلت في ساعة إلهام إلى ما سعيت لأجله منذ زمن طويل، وإن يكن بتقطع. ألهمني الله بضعة أسماء اقتنعت بأن أسوأها حتى سيكون ملائما للرواية، وأنا الآن أتخير الأفضل من بينها، فكلها جيدة إلى حد بعيد.
بعد ذلك سأمرر الرواية بآخر عملية تنقيح ومراجعة، ولا أتصور بأن هذا سيستغرق وقتاً طويلاً، ثم سأعمل على النشر إن شاء الله.
كيف توصلت إلى الإلهام؟ كان في ساعة يأس تقريباً. دعوت الله أكثر من مرة ليلهمني. خطر في بالي مراجعة عناوين تدويناتي، وهي فكرة خطرت من قبل ولم آخذها بالجدية الكاملة، ولكنها أفلحت. أعتقد بأني أحياناً آتي بعناوين جيدة للتدوينات، فيما عجزت عن الإتيان بعنوان جيد للرواية. اخترت بعض عناوين التدوينات كما هي، وبعضها استلهمت منها أفكاراً لعناوين تلائم الرواية. فيما استقيت البعض الآخر من حالة الإلهام التي أصابتني بها العناوين في المدونة، وإن لم يكن لها علاقة مباشرة. تشاورت مع اختي الكبرى بخصوص العنوان الأفضل، وسأستشيرها على ما أعتقد مرة أخرى. أنا سعيد بالأمر.






اقتربت من إتمام الرواية التي أقرأ، رواية الورثة. من الصعب على شيء جميل وراقي إلى هذا الحد ان يفسد الآن، لذلك أجد نفسي واثق من أن الكتاب جميل جداً حتى قبل أن انهيه. كما قلت سابقاً، هي تدور حول الإنسان الذي انقرض، النياندرثال، فصيلة أخرى كانت موجودة من الناس، ولكنها ليست بشر، أي ليست بالواقع من أبناء آدم، لكنهم آخرين. وهم شيء حقيقي، هياكلهم توجد في بعض أماكن العالم، كفلسطين وأوروبا وبعض آسيا. لم أعلم عن وجود كائنات واعية عاشت فوق الأرض خلافنا إلا في السنوات الأخيرة، باستثناء الجن. تكلم فهد الأحمدي في زاويته عنهم بضع مرات، وقد كان الأمر مثير حقاً. صار لدي فضول حولهم منذ ذلك الوقت. بالطبع، لم يعد لهم وجود منذ آلاف السنين، إلا إن كانوا من واجه أحمد بن فضلان في اسكندنافيا منهم. والله أعلم.
هم عموماً عاشوا بنفس الفترة التي عاش فيها الأوادم، وربما حصل بعض الاتصال، لكن على الأغلب أن تلك الفترة إن وجدت فهي في نهاية وجودهم، قبل الانقراض، على حد علمي.
عموماً، تدور الرواية حول بضعة أفراد منهم، وتصورهم كمجموعة بدائية جداً، تتكلم بصورة غريبة وتعبر بطريقة شديدة البساطة والبدائية، وهذا جزء من جمال الرواية، أسلوبهم البسيط، اللغز، بالتعبير. إنه أسلوب يثير التفكر، ويعمل الخيال، مما يجعلها رواية ذكية في كل المقاييس، وقد تكون صعبة الفهم في بعض اللحظات، لأسباب مختلفة. هذه المجموعة الصغيرة تجمع أفراد متحابون، من أعمار متباينة، عددهم 8، ويبدو أنهم آخر من بقي من جنسهم، إذ لا علم لهم بأحد آخر. وهم مسالمون، لا يقتلون حتى الحيوانات التي تؤكل. يصف الكاتب هئيتهم فتظهر عجيبة، ربما حتى مخيفة، لكن هذا ما كانوا عليه، فجماجمهم الموجودة غريبة التكوين. وهم عراة، ولا يبدو أن لهم نظام أخلاقي في التناسل. يوجد شيخ وعجوز من بينهم، وهم الأعلى شئناً والأكثر حكمة، وطفلة وطفل رضيع، وشابين وفتاتين، ولكن يشير الكاتب عرضاً بضع مرات، وكأنما الأمر أكثر الأمور طبيعية على الأرض، أن الجنس عشوائي بينهم، ولا يبدو أنه الذكور يدركون ابوتهم لأحد من الأطفال. حتى أن أحدهم يعتقد، من صميم إيمانه إذ لهم شكل من الدين، أن النساء أعلى شأناً لأنهم هن من يأتي بالأطفال، بينما الرجال لا فائدة منهم ولا دور في الأمر. إنها برائة مروعة، ومثيرة للشفقة. ورغم برائة الجميع، إلا أن من ترتكز عليه القصة هو من يذهب إلى أقصى حدود البرائة والسذاجة، حتى بالنسبة إليهم، حتى يتسائل المرء إن كان مجنوناً أو يعاني من نوع من التخلف.
إنهم يتنقلون بين مكانين، حسب الفصول، تبدأ الرواية وهم عائدون إلى غار في الغابة، بعد الشتاء الذي قضوه في كهف على الشاطئ. يمرض قائدهم المسن بسبب وقوعه في الماء. ويتدهور بسرعة، فيبدو أنه سيموت. في نفس الوقت، يفقد الشاب الأكثر تعقلاً، بينما هو يجمع الحطب مع الفتاة التي ترضع الطفل. وأمرهم مذهل من حيث التعامل مع الأطفال، إن كل النساء على ما يبدو امهات، وإن كانت إحداهن فقط هي التي يمكنها الإرضاع، ولكنهن يتشاركن حمل الصغير بشكل ما، والاهتمام به، ولا تدري أيهن ام الطفلة الكبيرة.
فقدان الشاب الغامض والبحث عنه، والعناية والصلاة لأجل شفاء الشيخ، جميعها تتم مع شعور الشاب الساذج بأن هناك أحد آخر. والقرائن تدل على أن الشاب اختفى وهو يلحق شخص آخر. لكنهم لا يصدقون، إذ لا يوجد ناس غيرهم على وجه البسيطة. يتأكد الأمر لاحقاً، يوجد بشر، أوادم، مثلنا، في الجوار، وهم بالفعل المسئولون عن اختفاء ها، الشاب الآخر. وجودهم الغريب والذي يتكشف على نحو غامض في ظل اختبائهم، يكاد أن يقود لوك، البطل، إلى الجنون. يحاول الوصول إلى حيث يقيمون، ليبحث عن صاحبه، ولكنهم يحاولون قتله بسهم. المؤلم أنه غير مدرك لهذه المحاولة، فهو لا يدري ما السهم، ويعتقد أنهم أعطوه إياه. أشكالهم تخيفه، بأجسادهم المغطاة بالجلد ووجوههم الغريبة، والجلد الذي يخلعونه(لبس يغطي عوراتهم). تدور العديد من الاحداث، الرواية مزحومة بالأحداث المثيرة والمؤثرة في كل مراحلها.
إن أكثر ما يؤلم هو برائة هذا الجنس في الرواية، مقابل قسوة الإنسان وعبثيته. وفي دائرة أضيق، يتألم القارئ لبرائة لوك، التي تتطلب المراعاة حتى من الآخرين من أمثاله، البريئون والبسطاء فوق الوصف. حتى يتخيل المرء بأنه طفل بينهم. وفي وقت لا يتبقى فيه غير لوك من الذكور، يتوقعون منه أكثر مما يستطيع، على نحو يثير الرثاء والشفقة. نسوة يائسات، وشاب لا يقل مسكنه. 
في أحد أحداث الرواية، يمكث مع فا، الشابة الأقرب مودة إليه، ويراقبان من فوق شجرة ضخمة مجوفة قبيلة البشر، التي اختطفت بعض عائلتهم. إنهم لا يثورون حتى، وبالكاد ينعون. ما يجري فوق مستوى إدراكهم. لكن في لحظة معينة، وبينما هو نائم بينما فا تراقب، توقظه الفتاة، وهي مأزومة، ظل مستلقياً ينظر إليها، ولكن أنفاسها تتسارع وهي تنظر إلى شيء يقوم به البشر. تبدو مأزومة، وتبدأ بالبكاء المكتوم، المصدوم، الفاجع، يجلس فتلقي برأسها على صدره وهي تنتفض باكية، ثم ترفع وتدفن رأسه في صدرها حتى لا يرى ما ترى، يحاول الرؤية، فلا يرى سوى فكها وعينها التي امتلأت محاجرها الغائرة، كما الجميع منهم، بالدمع. كان البشر يقتلون أحد الأطفال ويأكلونه.
بالطبع، لا أستطيع وصف الموقف كما وصفه المؤلف، لكن يا الله، كم الأمر مؤلم ومؤثر.
قد لا يفهم القارئ كل ما يدور، ويصعب أحياناً حتى استيعاب وصف المؤلف للامور. الرواية ثقيلة، رغم أنها غير طويلة، فلا أدري هل هذه هي المشكلة، أم المشكلة في الترجمة، التي أتصور بأنها على ما يرام. لكن الرواية في أسوأ الأحوال جميلة فوق الوصف، جميلة جداً، ونادرة. لم أقرأ شيء في هذا الجمال على ما أتذكر منذ أن قرأت تيان آن مين، أو باب السلام السماوي. ولعل هذه، الورثة، أفضل بسبب عناصر عديدة، وإن لم ينقص هذا من جمال الأخرى شيئاً.
كنت قد أعجبت على نحو متوسط برواية هذا الكاتب الأخرى، التي اسمها سيد الذباب. ثم قرأت روايته الأخرى، سقوط حر، ووجدتها مضيعة للوقت، وجدتها قبيحة ولم تعجبني أبداً. لكن هذه الرواية مختلفة، إنها جوهرة.
اسم الكاتب وليم قولدنق.


خيل إلي اليوم أني قد أكون من هذا الصنف من المخلوقات!. في بعض الثقافات الأكثر اطلاعاً على هذه المكتشفات، ينعتون بعضهم بالنياندرثال حينما يريدون وصف الغباء المطبق والبطء، والدمامة كذلك. لكن من يدري كيف كانوا بالضبط، ومن يدري هل كانوا جميعهم متشابهون، جميعهم بدائيون. أنا بدائي عموماً، بعض الشيء. أشعر هكذا أحياناً، وأخاف أن يدرون، ويحاصرونني لدراستي، لذلك أغلف نفسي بغلالة من الحداثة، التي ما ان يلتفت إليها أحد حتى يشيح النظر، فليست شيئاً غريباً، الكل متمدن أصلاً.
مدونة نياندرثال؛ يجب أن يعتبر نفسه محظوظاً من يقرأها، لكنت اعتبرت نفسي محظوظاً لو كنت في مكانه. نياندرثال سعودي، هكذا يضفى البريق على الأشياء هذه الأيام، مثل قولهم: روائي سعودي، مثقف سعودي، عالم سعودي (شئون دنيويه طبعاً)، أضف كلمة سعودي إلى كل شيء يحسبه الناس جيداً وجديراً بعالم آخر، فتلفت الانتباه! وكأنما من الغريب أن يكون في السعوديين روائيين وخلافهم. وحسب فهمي، أشعر بالأسف لوجود من يسمون بالمثقفين لدينا، فهذه كلمة لا تشعرني بالارتياح، ولكن هذا أمر يطول الحكي حوله. أحياناً أجد نفسي رغم كرهي لها أستخدمها عفوياً، ولكن، بت أنتبه أسرع في السنوات الأخيرة.
بيد أني أتفهم كون اكتشافي، لو كنت بالفعل كذلك، ليحدث دوياً مضاعفاً، فلم يعرف عن النياندرثال التواجد في جزيرة العرب، ناهيك عن السعودية. هكذا؛ قولنا نياندرثال سعودي أجدر بالإهتمام والفخر من قولنا: مثقف-روائي-دكتور-أيا كان- سعودي. فهؤلاء لكثرتهم، وادعاء الكل أنه ينتمي إليهم، بات أمرهم يثير الغثيان، مع بعض الاستثناءات طبعاً، باستثناء الدكاترة من هذه الاسثناءات، طبعاً.


ها أنا أجر القديم تلو القديم. فلا شيء جديد هنا، فأنا أتخيل أني كل شيء كان وانتهى، معمر إلى هذا الحد...
إنكاويون، مورسكيون، هنود حمر، أحياء، طيبون، وهلم جرا. أرشيف قديم، متبدل، ينقل من طريقة إلى طريقة، بعضه مدمر، بعضه مجهول، لكن أكثره أسيء فهمه، أو لم يفهم من الأساس. على ورق البردي، والورق العادي، مجدول في حبال، ومطبوع في كتب، ومنقوش على صخور، ومزخرف على جدران، منقول بالمشافهة، ممثل في تماثيل، وفوق كل شيء، مضمر ومحسوس في ضمير.
على أن البعض قد لا يوافق بأني طيب، بقدر ما قد يوافق بأني أي شيء آخر، ربما.
أو لعل هذا؛ كله، أو أفضل ما حوى منه؛ هو ما أحب أن أكون.








اليوم كان الثاني من عودتي للدراسة، في المادة الثانية. المادة أكثر إثارة للاهتمام، المدرس أكثر جدية، لكنه بارد جداً، وصوته هادئ وبنبرة واحدة، وغير مثير للاهتمام عموماً. لكني لم أقلق كثيراً من عدم الفهم. أعتقد أني سأفهم حينما أقرأ، بالإضافة إلى أني عجزت عن التركيز، وهو الأمر الذي بدأ يتدهور لدي منذ بداية احباطي في المادة السابقة. فكرة أن لا أكمل صارت أكثر قبولاً، لكني أقاوم؛ وإن يكن من منطلق المبدأ، وليس الرغبة.
دخلت متأخراً أمس، سلمت، ورمقتني زميلة "دافورة" ما شاء الله بنظرة غريبة، وكأنما تصورت بأني لن أعود. هي امرأة كبيرة، ومتوقدة الذكاء ما شاء الله، حجازية. ابتسم لي زميل آخر أو اثنين، وجلست. حينما خرجنا لأول استراحة، وللصلاة، سلمت على أكثرهم مودة تجاهي، وهو شخص موهوب بوضوح بالرسم والخط ما شاء الله، وقد أرسل لنا معايدة رسمها في العيد الفائت. لكني أعلم بأنه من فئتي في المادة الفائتة، لم يكن يعرف شيئاً. قال بأنه سعيد بعودتي. سلمت على البعض حينما قابلتهم. وسؤلت عن حالي. لاحقاً، سلمت على الطبيب، وهو رجل ذو ملامح سورية، أمه سورية على الأغلب، ولهجة حجازية، واسم نجدي. سألني لماذا حذفت المادة، سألني بأسف. وأضاف بأن الكل نجح. أخبرته بأنه لم يكن همي النجاح، حيث أنني لم أتعلم أي شيء، وأساساً لم يدرسنا ما كان يجب أن ندرسه، وعليه، لم يكن للأمر فائدة. بالإضافة إلى أني لم أكن لأدفع الرسوم العالية على شيء لم أستفد منه. وافقني بتأمل، وقال بأنه لاحظ هذا بالفعل. نجح الجميع، وقد أخبرني زميلي الرسام وصديقه بأنهم نجحا بعلامة ج مترفع. لم يكن هذا عدلاً، لماذا يقع على أي أحد من الطلاب اللوم في حين أن المدرس لم يؤدي ما عليه. أخبرني طالب آخر بأنه استعان بمحاسب ليقوم بالمشروع. ماذا بيده غير هذا؟ كان الأمر غير منطقي. شعرت بحزن أن الناس اضطروا إلى هذه الأساليب الملتوية. قال لي الرسام لاحقاً، بأنه أراد  أن "يطب في بطني" لأني حذفت المادة، فقد شعر بالقهر، فهاهم نجحوا بالنهاية وإن لم يستفيدوا أو يفهموا. بعد نقاش، يبدو أنه اقتنع برؤيتي، لكنه احتفظ برؤيته.


أجد نفسي أقل حماساً، وأكثر تأملاً. لم أعد أتوتر، لأني لم أعد أهتم تماماً، فقد صدمت نفسي أكثر من مرة؛ مرتين لأني تأخرت كثيراً وكنت في السابق من أول الحاضرين إن لم أكن أولهم، والأخرى أني شاورت نفسي اليوم على نحو عفوي، هل أذهب أم لا؟ وقع التشكك في نفسي موقع سيء.
تقول أختي الكبرى بحزم أن الكثير من الناس بدأوا مشاريعهم ونجحوا بدون هذه البرامج، وأنه إن لم أرتح فعلي أن أتوقف. المشكلة أني لدي تصورات، لكن يبدو أنها أكبر مني.








أتخيل، لو أصبحت غنياً، فماذا سآكل؟ ولو أصبحت فقيراً، فماذا سآكل؟ المضحك أني أتخيل أن ما سآكله في كلا الحالتين سيكون صحياً، أكثر مما آكله الآن. والحمد لله على كل حال. على الأقل، معظم أكلي الآن أكثر صحية من السابق، إن استثنينا إدماني على الكولا.
يوجد شخص جميل حقاً، بكل المقاييس، جميل الخلقة والأخلاق. كنت قد التقيته قبل زمن طويل نسبياً في برقر كنق، حيث يعمل. هو شاب مصري صغير السن، شديد البراءة. كان قد انتقل بعد فترة وجيزة إلى فرع آخر، فجأة. وفجأة، عاد قبل أيام. حينما رأيته وأنا أدخل أُخذت، بينما ابتسم هو، وهو يخدم زبوناً، ومد يده لي مصافحاً، وأنا بعيد. من الناس القلائل الذين أحبهم قبل أن أحصل على أسباب كثيرة، مثل طارق، الصديق الهندي في الجامعة. هو مجامل جداً، يخجلني بلطافته، وأخاف حتى أن يتضرر عمله بسبب طيبته الفائقة معي. الجيد في الأمر أنه يرتاح في هذا الفرع المليء بالطيبين (كل الموظفين في هذا الفرع رائعين).
اليوم أعطاني نصيحة، فيما يخص غذائي. لم أعد صدقاً آكل كثيراً من المطعم، نادراً ما أطلب شيء حقيقي للأكل رغم حضوري تقريباً كل يوم. حينما أطلب، يكون هذا شيء خفيف، كأصابع الجبن، أو أصابع لحم الدجاج، أو فطيرة تفاح، أشياء جانبية خفيفة، أما الثابت فهو الكولا. وهذا أمر كنت قد صممت على أن يكون ديدني. لكنه يعتقد بأنه علي أن آكل أشياء صحية، أن آكل الخضروات، وهو ما لا يحصل كثيراً للأسف. إني أتوق إلى الطعام الصحي، وأحصل على بعض منه في المنزل، لكن الظروف لا تسمح بالحصول على المزيد.






قبل بضع ساعات كنت مع الدكتور الألماني الكبير، وقد تركت الجامعة اليوم، لم أذهب. فوجئ بالأمر، وتناقشنا حوله. وجدت أني محبط جداً حينما حان وقت الذهاب إلى الجامعة، وكان علي أن أجبر نفسي بالقوة على الذهاب.
المهم أننا تحدثنا كثيراً كالعادة، لكن ليس بما يكفي طبعاً. تناقشنا حول عناوين الرواية المقترحة.  سألني حول ماذا تدور الرواية بعدما قرأت الأسماء على مسامعه، سأل: هل تدور حول الصداقة؟ قلت نعم، الصداقة، ثم أعقبت: وسوء الفهم.
وجدت أنه يوافقني بإعجابي بعنوان مختلف، غريب، وهو عنوان لم يعجب أختي. أعجبته كثيراً الفلسفة خلف العنوان، أو طبيعة الأسطورة التي يحويها، والمقصد من الأمر في العنوان، بينما تعتقد أختي بأن الأسم غريب، وقد لا يجذب، وأن الناس قد لا يفهمون المعنى. لكن هذا ما أعجبني، أريد الناس الذين ليسوا على اطلاع على معنى الاسم أن يفهموه بعدما ينهون الرواية، أن يبحثوا في الأمر ويفكروا بأن الإشارة في العنوان ذكية أو أن يشعروا بأنهم أذكياء لفهمهم أخيراً. هذا العنوان يعنى بكائن اسطوري، من صميم ثقافتنا، ليس له ذكر في الرواية، لكن جانب من الرواية، أو حتى الرواية كلها، تشبه دورة حياته.
لا زلت لا أدري، لكني سعيد بأن الخيارات محدودة. كما أن الدكتور أعجب بعنوان آخر كان قد أعجب أختي كثيراً، وهذا يضيق الخيارات قليلاً.


طلب مني أن أقص عليه الرواية. طبعاً قصصتها دون إطالة كبيرة، وأتيت على بعض التفاصيل التي قد تهمه. أخبرته عن ذكر دكتور ألماني في الرواية، حيث الكل يكرهه، وأني استلهمته من دكتور حقيقي في الكلية وانطباعي عنه، حينما كنت طالباً. ضحك، وسألني أكثر عن الدكتور الألماني، الذي كان يتصرف بغرابة معي لبعض الوقت. المضحك أني أنا فوجئت بتعقيد الرواية النسبي وحبكتها غير البسيطة تماماً، وأنا أقص. بدت معقدة، و ربما أفضل مما هي عليه بالواقع، وأعتقد أنها أعجبته كثيراً، لعلي إذاً أسجلها مختصرة بصوتي فقط وأنشرها هكذا؟. تخيل.
شعرت بالاهتمام بروايتي بعدما قصصتها أكثر، وقد ارتفعت معنوياتي برؤية تركيزه وتعابير وجهه. لم أخبره عن النهاية، لكنه سأل عنها، بابتسامة رقيقة خجلة، مدركاً أني تركتها عنوة. لست أرفض له طلباً، كما أنه لن يتمكن من قراءتها طبعاً. أخبرته بالنهاية على نحو مختصر، وبدى عليه الإعجاب والذهول، وتمكن مباشرة من الربط بين الفكرة فيها ومغزى العنوان الأسطوري المقترح، مما قوى فرصة العنوان، بعدما كانت أختي تعترض عليه. وصف الحبكة أنها معقدة وجميلة.


أريته المدونة، وحكيت له عن بعض الأمور، وأخبرته بأني أحكي عنه كثيراً. 


اشتريت أمس حافظة صغيرة، لنعطيه بها الطعام الذي أود أن يجربه. وكانت محاسن الصدف اليوم، أن طبخت امي جريش، وقد اكتشفت هذا لما نزلت لأذهب إلى الدكتور، ووجدت الحافظات الممتلئة تنتظر التوزيع، شيء للعشاء، وشيء ليرسل إلى الجيران سعداء الحظ. أنا لا أحب الجريش بالعادة، باسثناء حالات خاصة يضاف بها إليه لحم الدجاج. قررت أن أتذوق (لم تكن أمي بالمكان)، وجدته أفضل ما تذوقت من الأكلة، وقد استوى لحم الدجاج ولان على أجمل ما يكون، لم يكن هناك مجال لتركه دون أخذ حصة منه للدكتور. أخبرت أمي، وأوضحت أنها اقترحت علي اليوم لما تكلمنا في الظهر بالهاتف فرفضت، كنت قد نسيت الاقتراح. أخبرتها بأني لم أعلم بأنه سيكون جيداً هكذا، أنبتني قائلة: وأمك تسوي شي مهوب زين؟!. غرفت للدكتور شيء منه، رفضتُ أن توضع التوابل والبصل في الأعلى، وطلبت الاكتفاء بالسمن فقط. للأسف، لم يكفي الوقت للأخذ من السمن الذي تصنعه أمي بنفسها من الحليب الطازج الذي يأتينا، لأنه في الثلاجات الخارجية وإذابته ستأخرني وأنا متأخر اصلاً. في المرة القادمة إن شاء الله. عرفت أن الدكتور كان يريد البصل المطهو بالأعلى، ولم تنجح شروحي بأنه غير جيد، وأني لا أحبه فافترضت أنه لن يحبه. في المرة القادمة إذن لن أتدخل.


في النهاية، سألني بلطف إن كان لدي ما أريد أن أحكي عنه أيضاً؟ كنا قد أطلنا المكوث. فكرت قليلاً، ثم قلت: لا، ليس بعد الآن. ظنني جُرحت، لكني أسأت التعبير فقط، وأخبرني بأني حساس جداً وهو يبتسم. لكني أخبرته ضاحكاً بأني لم أقصد ما فهم، إنما لا يحضرني شيء لأقوله فقط.
كان قد أحضر هدايا لأهلي من ألمانيا، أعطاني إياها قبل أن نودع بعضنا. ثم مضيت إلى محلات ألعاب الفيديو، أبحث عن لعبة جديدة. بعد اتصال على محل، عرفت أنها موجودة لديه قبل أن أزوره، فقد أحبطت لأني لم أجدها لدى المحلات الأخرى، فأسرعت إليه قبل أن يقفل. ظللت أفكر، وأسترجع ما قلناه أنا والدكتور وما حكينا به. تذكرت قوله لي، وتعبير وجهه، حينما سألني إن كان لدي ما أريد أن أحكي عنه، قبل أن يطلب أن نمضي. في تلك اللحظة التي تكلم بها؛ لم أشعر بالمراعاة، وكأنها أكثر شيء طبيعي يمكن أن يحصل، على الرغم أنه أمر لم يحدث من قبل، لم يهتم أحد من قبل. شعرت بحرارة في عيناي وأنا أستشعر الأمر أخيراً، وأستوعبه، كبحت دموعي، التي دفعها التأثر العميق في قلبي.






لا زلت غير قادر على الدراسة، غير قادر على القراءة بتواصل. هل لأني منقطع منذ زمن بعيد عن الدراسة؟ لكن الجميع منقطعون. الدكتور الألماني لا يريدني أن أتوقف الآن، كذلك أختي الأصغر في العصابة.


سأحاول هذا الأسبوع أن أرتب وقتي على نحو أفضل، لا أريد أن ألوم نفسي لو توقفت عن إكمال برنامج الماجستير. سأجد وقت للهوايات والعادات اليومية (الكولا، الجريدة) والعمل على المشروع والواجب، إن شاء الله. لكن، هل سأعرف كيف أعمل هذه الأشياء؟ إن ثقتي في نفسي فيما يخص البرنامج في الحظيظ.








حدث أمر محرج أمس في القاعة. لا أدري ما علة جوالي مؤخراً، صار يأتي بحركات غريبة. أعاد تشغيل نفسه أمس، للمرة الثانية مؤخراً، وقد غير وضعية "صامت"، وصار يصدر صوتاً، دون أن أدري. فوجئت برنين رسالة، فلاحظ الدكتور وقال موجها كلامه لي بأنه يرجو أن يغلق الجميع أجهزتهم لأنه أمر يزعجه ويقضى على تركيزه، اعتذرت، وأنا ناقم على الجهاز، وأصمتّه. كان طالب آخر يرن جواله طوال الوقت فيخرج لتكلم، لكنه بالتأكيد أخبر الدكتور مسبقاً بأنه ينتظر مكالمة مهمة، لأنه لم يقل له شيئاً، لكن ربما أزعجه الأمر لتكراره، ولكنه لم يستطع قول شيء، فأوقع انفعاله على رأسي. لا بأس، ماذا بوسع المرء أن يفعل. 
الدكتور هذا، بارد جداً، وصوته خافت. لكن يبدو لي أنه ذكي جداً، وبشخصية قوية وفطينة. لكن مثل هؤلاء الأوادم، المميزين بطريقة عادية، أعني أنهم أناس عاديون، ازدادوا متميزاً لكنهم عاديون في النهاية، لا يثيرون اهتمامي كثيراً.
عرفت بعض الأذكياء على نحو استثنائي، لكن لسبب ما أشعر بأن شخصياتهم عادية، وعلى جانب سخيف من الاستقرار والانسجام الظاهري، مملين. الاستقرار جميل، والاتزان أجمل، لكن بعض الناس يساورك الشك أنهم يعون هذه الميزة، فيقضون بحزم على أي إشارة إنسانية تشير إلى نقصهم الطبيعي.
يشبه راشد الماجد على فكرة، جداً. كليهما يذكراني بالقطط العادية، وليست الغالية في المحلات. لكن كليهما بشخصيات ذكية وقوية؛ مثل أقوى قط في الحارة، وعاديون بشكل ما، محدودون جداً، رغم نجاحهم، مثل أقوى قط في الحارة أيضاً، فهو قط في النهاية.
أحياناً، تعجبني ثقته بنفسه، وتحديده الواضح للعلاقة والتعامل.








أمس، كنت في كلية الآداب ككل يوم، متجه للخروج بعد صلاة الظهر، حينما بحثت عن منديل في جيبي، ولم أجد. كنت أمر بقرب د.كيف، حينما وصلت إلى طاولة الخدمة، التي تحتوي على الإضافات المعهودة للقهوة، السكر، الفانيلا والقرفة، وخلافه من الأدوات، مصاصات، ملاعق تحريك، أغطيه، والأهم؛ مناديل. رأيت الموظف، فلبيني، يقف على مبعدة. ذهبت إليه، وقد كان ينظف طاولات، واستأذنته أن آخذ منديلاً. فكرت بأني لم أشتري من قهوتهم، ولم أكن لأتذوق الفانيلا مثلاً، وهي مجرد بودرة، أو آخذ ملعقة بلاستيك، إذا فالمنديل لا يختلف. التفت إلي وقال بالتأكيد، خذ. وسار معي حتى الطاولة، ودعاني لآخذ منديلاً، ثم قال بأني شخص جيد، لأني سألته أولاً، قالها بلهجة مشحونة، وبدا لي أنهم يعانون من أخذ الناس لأغراض الطاولة حتى لو لم يشتروا. قلت له شكراً، ولكنه شكرني رداً على شكري، بلهجة لا تقل تأثراً ووضوح عن البداية.
الآن، سأوقف مقاطعتي لهذا المقهى لمرة واحدة، لأشتري من هذا الرجل إن رأيته لاحقاً يبيع. أنا لا أحب هذا المقهى لأسباب عديدة، لكن قاطعته بعدما وجدت أنه يوظف شباب وقحون، من طلاب الجامعة، ولا يستمع أو يجيب شكاوى الناس. ولم يكن الأمر صعباً، لأني لم أحبه أبداً ابتداءً.






أمس، فكرت بأني ربما أعاني من علة جسمية تتسبب في عدم قدرتي على التركيز في الدروس، أو الرغبة في المذاكرة. ربما نقص فيتامين أو شيء. أنا آكل منذ زمن بعيد فيتامينات. حتى وقت قريب آكل حبوب ديناميزان، ثم دلتني أختي على سنتروم، وهو أفضل وأرخص، أقل من ربع السعر. الأول إيطالي والثاني أمريكي. أوقفت حبوب الحديد لفترة، وكانوا كثيراً ما يخبرونني بنقص الهيموقلوبين في دمي حينما أذهب للتبرع، وغالباً ما أرفض بعد الفحص لهذا السبب. قررت أمس العودة إليها، وشراء حبوب زيت السمك، لعل وضعي يتحسن، فأنا مؤخراً صرت أتعب وأشعر بالإجهاد أكثر من العادة، إلى درجة صعوبة وصولي في الوقت المحدد إلى العمل. لكن هذا دافع ثانوي. يوجد دافعين أساسيين؛ لم أذهب إلى المستشفى لإنجاز أمور أمي وملحقاتها (النسل) منذ فترة، وصرت أشعر بالإرهاق لمجرد التفكير في الأمر، على غير العادة. حتى مواعيد أمي الأخيرة لم أسجلها في التقويم. وهذا أمر خطير. كنت قد شكوت ذات مرة، وتسائلت إن كان يجب أن أحصل على حقن جلوكوز؟. والدافع الثاني؛ الدراسة، يجب أن أدرس، يجب أن أستعيد حيويتي لأحاول كما يجب، قبل أن أقرر البقاء أو المغادرة.
أكلت اليوم حبوب زيت السمك بعد الإفطار، وأهميتها تكمن في فيتامين اوميقا3 الضروري جداً، والذي لا يوجد في غير السمك وبعض المكسرات. هل أنا واهم؟ أو ما يسمونه: البلاسيبو؟ أشعر بتحسن غير عادي، منذ أول مرة. تمكنت من التركيز بنسبة 70% اليوم في المحاضرة، وأموري سارت على نحو أفضل. غداً سآكل أخرى إن شاء الله.






أتصلت على مديري اليوم، في استراحة قصيرة من المحاضرة. أخبرته بأني أود أن آخذ الأسبوع هذا إجازة، لأجل أسباب دراسية، المشروع والواجبات وخلافه. لم يناقش، إنما أبدى حماساً، وقال بأن دراستي أهم، وقال بأن العمل غير مزحوم هذه الأيام أصلاً. لو لم يكن مديري، وكان المدراء يباعون في سوق المدراء، لاشتريته، ولو بالتقسيط. أتذكر حينما انتقلت إلى الوزارة، كنت أتمنى أن آخذه معي.
مديري الثانوي، كان متعاوناً أيضاً، جداً. الأول هو ابو عمر، المدير للقسم، أما الثاني فهو مدير الوحدة التي أنتمي إليها.






مفاجئة قوية، قوية جداً. لا زال الأمر غير مؤكد، لكن أتمنى أن يجعله الله كذلك. استلمت رسالة من قوقل، تعرض حصولي على جهاز لابتوب بنظام تشغيلهم الجديد: كروم. هو نظام تشغيل مثل وندوز وابل، لكنه أبسط، يعتمد على متصفح قوقل الشهير كروم ويشبهه. منذ أن أعلن عنه وأنا أنتظره بفارغ الصبر، وأتتبع أخباره، حتى أني مشترك في أخباره على أخبار قوقل، أدخل كل يوم لأرى الجديد. في مدونته الرسمية، سجلت قبل فترة طويلة بريدي لأحصل على آخر الأخبار عن النظام عبر البريد. منذ أن سجلت لم أحصل على أي خبر جديد، وبدا الأمر غريباً. حتى وصلتني تلك الرسالة. تشترط بريد في أمريكا، وهذا وجدته لدى أخي المشترك في أرامكس، وأن يكون عمر المرء أكبر من 18 سنة، وهذا شرط تعجيزي (هاها). بعد التسجيل وإجابة بعض الأسئلة، والتعهد باعتماد جهازهم بشكل أساسي وإطلاعهم على ملاحظاتي، قيل لي بأنهم سيخبرونني بأقرب ما يمكن عن فرصة حصولي على واحد. يا رب يا رب. لو لم أحصل عليه، سأضطر للإنتظار سبعة أشهر على الأقل، وبالتأكيد أكثر حتى يصلنا هنا.
يبدو أني لن أحصل عليه.


لا، حصلت عليه. لم يخبروني بالبريد كما وعدوا بأنهم سيعطونني إياه، أو العكس، لكنهم أرسلوه، وكانت مفاجئة رائعة جداً. لم أعمل عليه حتى الآن، لكني شغلته قليلاً، ووجدت أنه يحتوي اللغة العربية كخيار في الإعدادات، لكن الحروف منفصلة، وإن يكن بترتيب صحيح. الجهاز شديد الأناقة، جميل جداً. بسيط، أسطحه غير صقيله، ويعطي الانطباع بشكل ما بالتأثر بتصاميم آبل. لكن لا يوجد عليه أي اسم أو شعار، لأنه تجريبي.










بدأت العمل على المشروع رسمياً البارحة. لم أفعل الكثير مادياً، لكني بحثت عن معلومات مهمة ووجدتها، اطلعت أكثر على الأمر لوقت ليس بالقصير، وكتبت تقديم صغير للمسودة.
في نفس الوقت، كنت قد التقيت الدكتور الألماني أمس، اتفقنا على اللقاء في الساعة الثامنة، وأخبرني مسبقاً بأننا قد لانطيل المكوث لأن لديه الكثير من العمل لذلك اليوم. لكن ما حدث هو أننا أطلنا المكوث بالفعل، وأضعت وقته كثيراً، سعدت بالأمر، فأنا أشعر بأنه يرهق نفسه بالعمل طوال الوقت والسفر هنا وهناك. كما أنه بدا لي وكأنه راغب بالبقاء أكثر وأكثر، رغم اقتراحي في مرحلة ما أن نغادر لأجل عمله.
كان جريش أمي قد أعجبه كثيراً، لكنه لم يعرف كيف يصنفه، أي نوع من الطعام هو. وقد أحضرت إليه شوكولاته هذه المرة من نوعين، نوع جديد في السوق بتعليب فاخر وطعم رائع، صناعة شركة لوتّي الكورية التي أقدر كثيراً، والأخرى شوكولاته أنيقة ورائعة صنعتها أختي في إبداع جديد.
تكلمنا حول مختلف الأمور، أموري وأموره. كلمني عن مشروع نشاط خيري يريد العمل عليه هنا. وسألني عن التفاصيل التي أعرف فيما يخص هذا الامر لدينا. تصادف أني متطوع في الجمعية التي تختص في هذا الشأن، حيث كانوا يرسلون إلي من وقت إلى آخر نصوص لأترجمها لهم وأعيدها، رغم أنهم توقفوا منذ فترة طويلة بشكل غريب، مباشرة بعد رسالة رقيقة ولطيفة تهنئني بالعيد من مسئول هناك، لم أقابله أبداً. أخبرته بهذا، وأني يمكنني التواصل معهم والحصول على المعلومات التي يريد. فرح جداً، كانت مفاجئة سارة له. تبرز لي فوائد غير متوقعة أحياناً، تكافئ مجهوده في لقائي بعض الشيء.


تكلمنا حول المشروع المطلوب في دراستي، واطلع على الأمور المطلوبة، وشجعني على الأمر. طرحت فكرتي، عن ماذا سأكتب المشروع، وأعجبته، كان بالواقع قد توقع هذا مسبقاً، نظراً إلى أنه يعرف بماذا أهتم، وماذا أريد أن أصنع. شرح لي بعض الامور على ورقة، أمور تختص في الإدارة وتوزيع المهام، كان الأمر مذهلاً جداً. ولكن حينما بدأ في شرح أمر آخر، لم أتمكن من الاستيعاب، رغم أنه بدا مثيراً للاهتمام. أخبرني بأن الكثير من الناس لا يعرفون كيف يدرسون هذا الأمر، وطلبت منه أن يشرحه لي في جلسة مخصصة. فقال بأني يجب أن أدفع له ألف ريال إذاً، كما أدفع للجامعة. ضحكت، كنت أعلم بأنه غير جاد، فضحك هو، وقال بأنه يمزح، وسيشرح لي الكثير من الأشياء، ويساعدني في كل ما أحتاج إليه.


حكى لي عن النشاط الخيري، وهو يريد أن يؤديه كما يؤدى في ألمانيا، لكني استنكرت ورفضت الفكرة. لأنها لن تكون ناجحة إطلاقاً هنا، بسبب الفوارق الثقافية. واقترحت عليه أمر آخر، ضحك، وأعجبه جداً، وتناقشنا في رؤيتي للأمر مطولاً. ثم عاد وسأل إذا كنت أعتقد إذاً أن ما يقومون به في ألمانيا لن ينجح هنا؟ أخبرته بأنه لن ينجح، وكنت قد شرحت الأسباب واقتنع، لكني اقترحت، طالما يبدو قلبه معلق في الأمر، أن يدمج الفكرتين، حيث سيحمل الأمر رمزاً أكبر، يجمع بين الحداثة والتقليد، يسيران جنباً إلى جنب. نظر إلي قليلاً، ثم ضحك بسعادة، كمن لا يصدق، وقال بأنها فكرة رائعة جداً.


حكينا عن أمور أخرى كثيرة، وقصصت عليه قصص قديمة، كانت تؤثر بي كثيراً، قصص من حياتي. وجدت أني لا خلاف لدي بالبوح بأسرار كنت أحتفظ بها لنفسي، لماذا أحتفظ بها لنفسي، وكأنها كنز؟ ولأجل من؟ لأجل أناس لن أخطر في بالهم مرة أخرى، وإن رأوني وتذكروني، فسيصدون سريعاً حتى لا آتي للسلام، ولو ألقيت بالسلام مسامعهم، فلن يردون.
ثم حكيت عن أحداث جرت في الكلية، حينما كنت طالباً، جرنا لهذا شعوري بالأسى على ابن أخي، الذي لم يحصل على المنحة في كندا. أخبرته بما أخبرني به ابن أخي، عن شخص جاء إلى كندا بعده، وأرسل أوراقه حالما وصل إلى شخص يعرفه عمه في الملحقية الثقافية، وفي اليوم التالي وصله القبول والضم إلى البعثة، رغم أن ابن أخي درجاته أفضل، بل هي ممتازة، وهو جاد وطرق كل الطرق.
قال ابن أخي بأنه احتاج المساعدة لدراسة الرياضيات لفترة محددة، لكن الملحق الثقافي اللئيم رفض المساعدة، وكالعادة، يلقي اللوم على القرارات، التي لا تشمل بوضوح بعض الناس. اخبرت ابن أخي أن الملحق كذاب. كما ذهب إلى جامعة، وأطلعها على أوراقه، فأخبرته الموظفة بأن درجاته ممتازة أصلاً، ولن يحتاج حتى إلى دراسة الرياضيات لديهم، لكنهم سيسجلونه في كلية الآداب، وبعد مستوى واحد سيحولونه إلى التخصص الذي يريد، وهو تخصص مطلوب. لكن الملحقية رفضت أيضاً. الشكوى لله. أتمنى له مستقبل أفضل حينما يعود. 


حكيت للدكتور الألماني عن أحداث قديمه، تبادل الإهانات، بفواصل زمنية طويلة. قلت بأني ألقيت على مسامع أحدهم ربما أقسى إهانة سمعها. سألني الدكتور: ما هي؟ قلت: بأني "لا أريد أن أقولها، لكنه بالواقع كان قد أهانني بنفس الطريقة في وقت سابق، وفي حين أني لم أتخلى عنه بعد الإهانة، لم يحدث العكس".
لكن الأمر لم يعد يسوئني، إنه مجرد حكاية، سر لم أعد أدري لماذا هو سر، مثلما حينما نفتش في الأوراق القديمة، ونتسائل لماذا احتفظنا ببعضها؟ لأي سبب؟ وقد نعرف السبب القديم، لكن هل لا يزال وجيهاً؟. في حين أن الخزانة لم تعد تحتمل المزيد من الأوراق، يجب التخلص من شيء، لا سيما إذا لم نعد نعرف فائدته، أو نعلم بأنه لم يعد له قيمة، أو حتى لم يكن له قيمة، لكننا أملنا.
إننا أكبر، إننا أعرف، وإننا أرضى.
فكر قليلاً، وقال بأن حياتي غريبة، وأني أذكره بالامير الصغير، القصة المشهورة. سألني إن كنت أعرفها؟ فقلت بأنه الصبي الذي يتصيد النجوم، ويسافر عبر الكواكب. قال بأني أسلك الحياة الصعبة بطريقة غريبة ومختلفة، مثل الأمير، لا ترضيني الأمور الدارجة، والإجابات الغريبة، أقول الأمور كما هي، بشكل مباشر، وأواجه. قلت بأن الأمير الصغير أسعد حظاً، إنه يسافر ويرى مختلف الأماكن ويبحث، وحتى حينما لا يعجبه شيء، لديه كوكبه الصغير ليعود إليه، وإن لم يكن كوكباً جيداً، لكنه له، موطنه.


تكلمنا حول رؤيتي للناس القساة، والذين لا يريدون للآخرين العيش باستقلالية، الفرديناندات، والإزابيلات. أخبرته عن فلسفتي في الأمر. أفهم أن هناك أمور لا يجب المساس بها، لكن ليس هذا الإشكال، ولا يتعلق الأمر بالدين، إنه أوسع، يتعلق بكل شيء. ويبدو أن الكل تقريباً أصبح هكذا. يصعب العيش، في حين يريدك كل فرد أن تنظر للأمور كما ينظر إليها، تصدق ما يصدق، وترتاب بما يرتاب به، ينتقد فيك كل شيء، ويريد أن يشكلك كما يريد. قال بأن هذا لابد أنه يشعرني بالوحدة. أخبرته بأن الوحدة ليست شيء جديد، فربما أنا بطبيعتي وحيد، ولم تعد الوحدة مؤخراً بسوء ما كانت عليه، إذ أني  صرت ألقاه مرة في الاسبوع، لكن، الامر مثير لليأس والعزله، وصعوبة العيش، والأسف.

لكن هل العزلة امر سيء دائما؟ حينما اتذكر صديق لي، ورؤيته الدونية للناس، حتى لطريقتهم بالكلام، حبه للجدل واعتقاده دائما بصحة رأيه. اجد ان العزلة افضل؛ فلم يكن وجوده يبدد الوحدة. كان وجوده محطما.



حكى لي عن أمر مهم، يتضمن دولة أفريقية، غانا، فوجئت، وأخبرته بأن الشوكولاته الكورية، التي أحضرتها له، إسمها غانا. فوجئ بدوره، وابتسم للصدفة العجيبة، وقال بأنه ربما يقدمها للناس عند مناقشة الأمر، وتحدث عن غرابة الصدفة. أخبرته بأن الصدف الغريبة تجري مع من يكون معي كثيراً، وقد أحقق حسن الحظ لمن أمامي، لكن ليس لنفسي. أخبرته عن تعليقات أصدقاء، أو كانوا، حول هذه النقطة، غرابة الأحداث معي.




مضينا لاحقاً، بعد مضي وقت طويل على مكوثنا، وسألني نفس السؤال: هل بقي لدي ما أحب أن أحكي عنه؟.




في اليوم التالي، استيقظت مبكراً نسبياً، كان الأحد. استيقظت التاسعة، وقد كان الأسبوع إجازة. خرجت إلى المستشفى، لتجهيز مواعيد، والحصول على أدوية من الصيدلية. وبعد ذلك ذهبت إلى العمل في الجامعة، بجانب المستشفى، لأقدم طلب الإجازة. خيرني مديري الثانوي بين القدوم السبت للتقدم بالطلب أم أن أقدمه بعد عودتي من الإجازة، لا فرق. بينما  مديري الأكبر كان يفضل أن آتي يوم السبت. قررت أن لا أذهب السبت، بعدما اكتشفت أن لدى أمي مواعيد في يومين من الأسبوع، وأني يجب أن أذهب في يوم منفصل لأخذ الأدوية وتجهيز المواعيد، وهكذا لو ذهبت السبت لكنت كمن لم يحصل على إجازة حقيقية.  في العمل، كانت مفاجئة أن حضرت بدون غترة. سمعت تعليقات كثيرة. أبو محمد جاملني قائلاً بأن شكلي هكذا أفضل بكثير. كدت أن أقول هذا لأني لا أعرف كيف ألبس الغترة جيداً مثل البقية. عموماً، طُلبت للترجمة قبل أن أكمل تعبئة نموذج الإجازة. بعدما فرغت، جهزت الامور ومضيت. كنت أحمل حقيبتي الصغيرة، وبها أوراقي، كنت أفكر بأني قد أرغب بالعمل في مكتبة الجامعة لو سمح الوقت. لكن لما كان تأخيري كبيراً، قررت الذهاب إلى الجمعية الخيرية، للتفاهم بشأن نشاط الدكتور الألماني المقترح.


هناك، طلب مني موظف الأمن الانتظار، بعدما أخبرته بأني أريد مقابلة مدير الجمعية، وأن يخبره باسمي، لعله يتذكرني. بعد مضي بعض الوقت. قال بأن المدير طلب أن تصعد، رغم أنه لا يتذكرك. كان رجل الأمن كبير في السن، لطيف، ولكنه يلتفت إلي كل لحظة وأخرى ويتأملني ثم يبتسم، بدا الأمر غريباً.
حينما دخلنا المكتب، حتى أنا لم أعرف المدير الذي أحضرني إليه. إنه ليس ذلك الرجل الذي جالسته وكلمته قبل زمن طويل. لعله انتقل؟ عرّف عن نفسه، وأصابني الذهول. لهم نفس الاسم الأخير. هل نسيت الاسم الأول؟ إنه ليس الشخص نفسه بالتأكيد. عموماً لن أضيع وقته، لأقل ما لدي. حكيت، وقد كان مهذباً، واستمع إلي جيداً. لكني لم أكن متأكداً أنه ينظر إلى ما أقول بعين الجدية. ألماني، جمعية من ألمانيا، دراجات؟!. فجأة، دخل شخص آخر، وكان المدير الذي أعرفه. حياني بذوق واهتمام، وجاملني. وعرّف المدير الآخر، الذي يهتم بشأن مختلف في الجمعية، بي؛ المترجم الذي يرسلون إليه نصوصاً. وفي سياق التعريف، قال بأني غاضب عليه. عرفت مباشرة عن ماذا كان يتحدث. لقد أرسلت إليه ذات مرة رسالة، وهو من متابعيني على قوقل بز، أو صدى قوقل إن شئتم. أقول أرسلت إليه أسأله: لماذا يستخدم صورتي الرمزية؟ وهي الأفاتار الذي ترونه كصورتي الشخصية أعلى هذه المدونة، وأستخدمه طبيعياً في كل خدمات قوقل. لم أكن أعرف من هو، وأنا بطبيعتي شكاك على الانترنت تجاه من لا أعرف. لوجود شخص مهووس أثق بأنه يتذكرني كل فترة ليحاول لفت انتباهي. اعتذر في تلك المرة وأزال الصورة، لم يكن يعلم أنها خاصة بي. هذا ما حكاه لزميله المدير الآخر. شرحت له الحقيقة؛ لم أكن أعرف من هو، وقد كنت قلقاً ومنزعجاً، لظني بأنه شخص آخر، "البثر" كما وصفته له (البثر هو من يجمع بين ثقل الظل والوجود وبطء الفهم والتذاكي). فهم الأمر. لقد عانيت كثيراً في مسألة على الانترنت، وهذا يجعلني شديد الحساسية تجاه من لا أعرف أو لا أجد له تعريفاً أو مرجع واقعي أو كافي.
فاجئني بأنه يتابع مدونتي. كنت أفترض بأنه طالما مشترك لدي في صدى قوقل، فإن إعلامي المشتركين عن تدويناتي الجديدة لا بد أنه يصله، لكن لم أفترض بصراحة أن أحد يقرأ بالفعل. شجعني وجاملني حولها بذوق.
شرحت له السبب الذي أتى بي، وعلى ذكر الألماني، تساءل إذا ما كان صاحبي الذي أتحدث عنه في المدونة؟ كانت مفاجئة أنه يتذكر هذه التفاصيل، مما سرني. أخبرته أنه هو. تجاوب معي بأحسن طريقة ممكنة، وناقش معي الأمر بطريقة جيدة سأنقلها للدكتور الألماني، وأعطاني الإحصائيات التي أحتاج، مع وعد بإعلامي حالما يحصلون على إصدار جديد منها.
كانت زيارة موفقة. 
أخبرت الدكتور الألماني مباشرة برسالة على البريد. وأخبرته بأنه صار مشهوراً، إذ يعرف عنه مدير الجمعية. رد بأنه سعيد بالأمر، وقال بأنه أمره إذا صار في يدي، فسيحبونه الناس ويكرهونه حسب ما أكتب عنه. رددت بأني لا أتخيل بأن هناك من يكرهه.








من أسوأ ما مر علي هو حيرتي الآن، هل أكمل أم لا، هل ألوم نفسي أم لا. هل التوقف الآن أفضل حقاً. هل لو صبرت ستسير الأمور على ما يرام أم سأتعب أكثر. إني قلق جداً، ومتعب جداً.
صدمت نفسي اليوم، وأنا أتمنى أن لدي صديق يقنعني بأن لا أكمل، في حين أني لا أريد أن أخيب ظن الدكتور الألماني.


في نهاية الأسبوع الفائت، بعدما سلمت مسودة المشروع، وجهزت عرض الباوربوينت، كان الوقت قد حان ليعرض الجميع مشاريعهم. لسوء الحظ، كانت المرأة الحجازية الذكية هي أول من عرض عمله. أعتبر هذه غلطة الدكتور، لو كنت في مكانه لتركت عرض مشروعها للنهاية، ولكني كنت أتوقع هذه الغلطة. لماذا هي غلطة؟ لأنها ستجعل الجميع يحتقرون مجهودهم، وستجعل كل عمل آخر يبدو تافهاً. فهي متوقدة الذكاء ما شاء الله، إلى درجة أني أتسائل، متى يمكنها أن تتعلم كل هذا وتقوم بكل المتطلبات؟ على الأغلب أنها أم، وهي تعمل وتخرج من العمل في آخر النهار.
لحسن الحظ، كان الطبيب بعدها، وبعد نهاية عرضه شعرت بأن وضعي ليس بذلك السوء. وبالواقع، لم تكن فكرتها فريدة أو مميزة، بقدر ما كانت الشمولية في عرضها والإتقان مذهلاً. توالت بضعة عروض، شعرت بأن أموري جيدة عموماً. لكني سأعرض في اليوم التالي، لأني سأضيف إلى عرضي بعض ما ينقصه، شريحتين.
في الصباح التالي، وقد كنت في العمل، أضفت ما أحتاج إليه. نظرت إلى العرض، فوجدته مقبول جداً. الفكرة جيدة، أعجبتني، ليست تقليدية تماماً هنا. لكني ظللت أتعذب؛ وماذا بعد؟ هل أريد أن أكمل أم لا؟ لا يتعلق الأمر باليوم، لكن البرنامج كله، هل أريد أن أكمله أم لا؟ هل أضيع المزيد من الوقت، أم أختصر وأتوقف؟ كان رأيي يتقلب بسرعة كبيرة، وهو أمر لا أتذكر بأنه حدث. شعرت بالألم لهذا، والإرهاق. حتى بدأت أشعر بألم في صدري. وقفت، وذهبت إلى مكتب زميلي الملتزم الكبير، بلحيته الكبيرة، الذي كانت علاقتي به لفترة طويلة الآن مهمشة من طرفي، ويتخلل هذا شد وجذب، أحداث صغيرة، مزحات أحياناً، بيد أن تسلطت عليه مؤخراً بكثرة الإنتقاد والسخرية، وكأنما أفرغ ما كان يفعله، أو "أفش خلقي" منه. مع أن هذا وبشكل غريب يطربه، حتى أنه يستثيرني لأوبخه أو أسخر منه فيضحك وينبسط. وقد يتسائل حينما أفرغ إذا ما كنت مرتاحاً الآن وسامحته؟. عموماً، في تلك اللحظة، وجدت نفسي أتوجه إليه تلقائياً، دون تفكير بالأمر، ودون أن أدري في تلك اللحظة لماذا اخترته، إذ فكرت أن أستشيره قبل أن أغادر العمل، ولم يبقى سوا دقائق. سألته إذا ما كان مشغولاً؟ فقال: قليلاً. ثم فطن ونظر إلي، وكأنما دهش. قلت لا بأس، ولما ابتعدت لأمضي دعاني أن أعود، ولكني أخبرته بأني لا أريد شيئا بالواقع، إلا أنه أصر، لم أعد مع ذلك. لاحقني صوته يناديني بتدليل كما يفعل بعض المرات، في البداية: "سعودة!!" ثم بعد ذلك: "سعودي"!! تعال!. تسائلت وأنا أبتعد هارباً بسرعة؛ لماذا يناديني دائماً وكأني صبي صغير؟!.


حينما خرجت من العمل، كنت أفكر بأني سأكمل. في السيارة، فكرت؛ لماذا أرغم نفسي؟، هل انتهت كل الفرص الأخرى؟ حتى لو لم يتعلق الأمر بالأعمال. ترددي، وسوء حظي مع البرنامج كانا أكثر مما أريد، أكثر مما يجب. هل أنا مضطر لجر نفسي ومتابعة تجربة لم تعد تشعرني بالرضا أو الاقتناع. قررت حسم الأمر، وقررت التوقف. لا أخفي بأني شعرت بالاكتئاب حينما حسمت أمري، إلا أني شعرت بالراحة. إن الأمر أشبه بالتأكد من وفاة عزيز مفقود، أن تعلم أنه توفي خيراً من أن لا تعلم ما حل به أو على أي أرض يكون. أخبرت أمي في المنزل، وحققت معي لمعرفة السبب، وقد افترضت أن أحد جرحني. "لماذا يجب أن يجرحني أحد؟!." ثم طلبت مني أن آكل شيئا وأنام. أرسلت إلى أخواتي، قائلاً بأني قررت ترك البرنامج، وأني سأنام الآن، حتى لا يتصلن، فقد كنت أشعر بانقباض شديد.
لم أذهب لعرض عملي في ذلك اليوم، وكان آخر فرصة لعرضه.


لاحقاً، استلمت رسالة موجهة إلى مجموعتنا، أرسلها الطبيب، يعتذر فيها من الناس الذين عرضوا مشاريعهم ولكنه أزعجهم بأسئلته. ويعرض التوسط لمن لم يحضروا لعرض أعمالهم. لم أكن الغائب الوحيد. أرسلت إليه وإلى الجميع أشكره على موقفه، وأوضح بأني لن أواصل معهم.








يوجد لدي اثنين أحب أن أتكلم عنهما دائما هنا، اسمهم محمد، الاثنين. ابناء أختيّ. أحبهم إلى أقصى حد. ويعجبني تفاعلهم مع بعضهم، ومعي. الكوري لا يهابني كثيراً، ويميل إلى ضربي حينما لا يعجبه شيء، ودعاني مرة: "الحبل" يعني الخبل. منقاوي ملسون، لكن قلبه أطيب عموماً. كان الكوري يضربني لسبب نسيته، لما لاحظ منقاوي ما يجري قال للكوري موبخاً ومعترضاً: "هيه أنت لا تطقه!!"، ثم مسح على مكان الضربات، ركبتي. حاجبيه الصغيرين كانا مقطبين على نحو طريف.
هذه صور التقطتها لهم:




ملوك وجيش

الأولاد الصغار دائما أفضل من البنات.










نوعية من الناس، تذهلني في كل مرة أرى آخر ما تفتقت عنه عقولها من سخافة واستخفاف بمشاكل الآخرين وحياتهم. يصعب على المرء منهم الاعتراف بأن لدى الآخرين مشكلة أو معاناة، فبرأيهم؛ مشاكل الآخرين هي من نسج خيالهم دائماً. تجده يهون من الأمر، يريد أن يقنع الآخر بأنه ليس لديه مشكلة، وأن معاناته غير حقيقية، أنه يحتاج فقط إلى أن يغير زاوية نظره، دائماً، ليرى أن المشكلة بالواقع سبب للسعادة والاحتفال. يقترح هذا بثقة كاملة، يصعب أن أتخيل أنها من الممكن أن تترافق مع مراعاة حقيقية وشعور صادق. وكأنما يريد للمرء أن يهرب من الأمر الواقع ليفرض رغماً عن أنفه واقع بديل من خياله، وكأن الله لم يقل بأن الإنسان خلق في كَبَد. ذلك لأن هذا الناصح لا يستوعب أكثر من نفسه، إن معاناة الآخرين كثيرة عليه. وهذا عموماً من أعراض هوس الكمال، إنه يتظاهر بالكمال، بل يصدق ذلك. إن حياته مثالية وردية، خالية من الشوائب، لطيفة ومليئة بالضحكات والجمال، أو كما يريد أن للآخرين أن يروا، أن يروا أنه يعرف كيف يديرها جيداً، لأنه يفهم الدنيا كما لا يفهمها ملايين البشر، في حين أنه ليس أكثر من جبان، وأكثر من ذلك؛ مخادع للناس، ولنفسه. يتدثر بحسن النية، في حين أنه قصير نظر وضعيف بصيرة. وهو يسحر الآخرين بالواقع بهذه الطريقة، يحسبونه صادقاً، لديه ما يفتقدون، فيريدون الاقتراب منه، والبقاء بقربه، وقد صارت هذه حيلة لكسب إعجاب اليائسين، قليلي الخبرة. لكن، يحدث أحياناً أن يكتشف أحدهم زيف الإدعاء، والمرض المقزز الذي يعيشه هذا المدعي المتظاهر بالكمال، الذي لن يتورع مع الوقت عن إدارة حياة الناس نيابة عنهم، وإفسادها بقناعاته البائخة، واستغلالهم كذلك حينما يعجب بهم بالمقابل، بعدما يسيطر عليهم، حيث يبدأ باستنزافهم بشكل ما.
ليس في حياتي الآن مثل هذه الأشكال، لكني عرفتهم في وقت مضى، هؤلاء المتظاهرون بالكمال والطيبة اللا نهائية، وصرت أميزهم بسرعة، برائحتهم التي تزكم الأنف. أراهم يكتبون في مدونات، ويتكلمون في التلفاز، وفي الطرقات، والأماكن، والمجالس. هم مبعثرون هنا وهناك، وأتصور بأنهم يعرفون بعضهم بالسليقة، فلا يتقاربون، إذ ما الجدوى من التقارب بين اثنين أوراقهم مكشوفة.










كنت قد تكلمت من قبل عن دكتور بريطاني لبناني، وهو يرفض التحدث بالعربية معي على نحو غريب، ويقول بأنه يعبر ويتعامل على نحو أفضل باللغة الانقليزية.
قبل الحج، كان قد جاء بعائلته، وبدأ إجراءات إقامتهم القانونية. كان مستعجلاً، ليتمكن من الذهاب بهم للحج، لكن الموسم كان مزحوماً بطبيعة الحال، وكان يصعب تخيل أنه سيتمكن من ذلك.
المهم أنه كان يتخيل بأني سأستطيع مساعدته في الأمر أكثر مما يمكنني بالواقع. لكني ليس بيدي شيء في الحقيقة. كل ما في يدي هو متابعة أمره، فلا يمكنني مثلاً جعل معاملته تسبق كل الناس الذين لديهم أسبابهم أيضاً للاستعجال. بالإضافة، بعضهم أعرفهم منذ زمن طويل، وليس مؤخراً تعرفت عليهم.
كنت أتمنى من كل قلبي أن تسير أموره بسرعة، واهتميت كثيراً بأن تأخذ إجراءاته مجراها دون تأخير.
مع ذلك، لم تسر الأمور كما أراد. لاحظت انقلاباً في تعامله، انقلاب مفاجئ. هل كان يتخيل بأني سأكون واسطته هنا؟. شيء مؤسف أن يفكر الناس بهذه الطريقة، وأن يتوقعوا من الآخرين أكثر مما يستطيعون. بعد فترة اتصل، وبدا على صوته الجمود. أخبرته دون أن يسأل بأني قمت بكل ما أقدر عليه، لكن الموسم مزحوم أصلاً، وأبنائه وصلوا متأخرين، ورغم المتابعة والسؤال وحث الإجراءات على التقدم، لم يتم الأمر. هكذا شرحت. لكني بالواقع لم أكن أبحث عن رضاه، كنت أريد أن يفهم بأني لم أهمل طلبه ومتابعته معي، أما أنا فقد شعرت بأن صداقته لم تعد تلزم كثيراً، ولكن هذا لن يجعل منه عدواً أو شخصاً كريهاً بالطبع.
عموماً، بدا لاحقاً أنه استشعر سوء ردة فعله، وربما لا زال يحملني بعض الخطأ مع ذلك. جاء وحاول التحدث بودية. أنا عموماً تصرفت وكأن شيئا لم يكن. لا يزال يبدي اهتمامه بحياتي، ولو ظاهرياً، ويعرض أن نجلس معاً لنتكلم عن مستقبلي، وهو يحب أن يعرض هذه الخدمة. لكني أعلم بأن الودية الشخصية السابقة قد زالت في الوقت الراهن. أنا خاب ظني بصراحة، خاب كثيراً حينما لم يقدر في البداية أني قمت بكل ما أستطيع، وخاب أكثر حينما رأيت أنه يساوم على الأمر بمستوى صداقتنا.
ما باليد حيلة، الناس هكذا.










جائني عرض محرج اليوم. إنه رجل طيب، باكستاني، يريد أن يأخذني معه إلى دورة في العلاقات العامة ومهارات الإتصال، وهي دورة يقول بأنه يحظرها منذ زمن طويل. وهي ليست دورة كما فهمت من شرحه بقدر ما هي مجلس دوري للنقاش. يقول بأنه يريدني أن آتي كضيف في الجلسة، لأنه يعتقد بأني مثالي في الأمر. كما أن لغتي تؤهلني للحضور. 
لا بأس لدي بالحضور، بل قد أرغب بشدة، لكن ما يقلقني هو أني لا أعرف الرجل جيداً، مما يخجلني، حتى أني نسيت اسمه. أنا أتعامل مع الكثير من الناس هنا.










كنت قد توترت قبل أمس بشدة، لمواجهتي لموقف سيء في مدونة فتاة أحترمها كثيراً. شاب الأمر سوء فهم كثير، ولكن لو ظل الأمر يدور بيني وبينها فقط لكانت الأمور لم تسوء إلى ذلك الحد. لكن تدخل شخص على جانب كبير من التظاهر والافتعال فاقم من سوء الأمر في نظري. لا يهمني افتعاله الذي أراه في ردوده في بضعة مدونات اطلعت عليها، سوا أني أشعر بالشفقة على المدونين الذين يضطرون للتعامل مع استملاحه لنفسه. ما يفعله حينما يريد التعليق هو أن ينظر إلى ما يحاول المدون إيصاله، ثم يستهل بالمديح المبتذل وغير المريح، ثم يكتب شيئاً يتعلق بالمضمون أو يحاكيه، كأن يؤلف مثلاً في تعليقه قصيدة بأبيات ضعف القصيدة المذكورة في التدوينة الأصلية، في محاولة للتفوق ربما على مضمون التدوينة نفسها أو أداء المدون، ثم يقفل التعليق بإكمال ابتذاله واستحثاثه للشكر والإعجاب والمديح. وهو لا يملك مدونة، مما يحير أصحاب العقول اللبيبة في شأنه، فالتكلف والكتابة بهذا المجهود والترتيب في التعليق على عمل الآخرين يجدر به أن يوضع في مدونة، حتى ولو كان المضمون فاشلاً، فأنا لا أقرأ التفاصيل، لكنه يبذل جهداً بوضوح، حتى يخيل إلي بأنه برنامج سبام، متعب ومضيع للوقت، وليس شخص حقيقي. لكن يبدو أن مشكلته هي أنه يعلم بأن حضوره ثقيل، وربما لن يجد التجاوب الذي يفرضه على المدونين بالإحراج والاستجداء المبطن المؤسف. أعلم أنه يعرف مدونتي، وقد وجدت الأمر مضحكاً جداً حينما فكرت بالأمر أمس؛ فلماذا لا يحاول الرد علي بنفس الطريقة التي يحرج بها الآخرين؟ السبب ببساطة هو أنه لا يمكنه كتابة ضعف نصوص طويلة كنصوصي في تعليق أو تعليقين، كما أن أفكاره ستتشتت، فليس من أذكى من ستقابلون عموماً، أو هكذا يبدو لي. هذا الأمر يسلب جاذبيتي في نظره بوضوح، وربما لطبيعتي دور في الأمر، حيث أني لا أحب المتملقين، وربما عرف بهذا بطريقة ما.
عموماً، عودة لتلك الفتاة، هي فتاة ملتزمة، مطوعة، تكتب تدوينات بعضها يمكنني المشاركة فيه، وبعضها أجده أكثر تشدداً وأقسى حكماً مما يطيق ذوقي. لكني في كل الأحوال أحترمها جداً. كما أجدها لطيفة رقيقة الحاشية، بما يجعلني أشارك مطمئنا بالعادة إلى أن التقاء رؤانا أكثر وضوحاً من اختلافها، أو هذا ما أحاول البحث فيه. ما حدث في آخر مرة أنها ردت علي بطريقة لم تعجبني ولم أتعودها منها. وجدتها ساخرة، وعلى هذا اتخذت موقفاً في ردودي، وأوضحت ما أراه في وضوح. لكنها ردت مقسمة بأنها لم تقصد السخرية. صعب علي الاقتناع، ولكنها ربما أسائت التعبير، لهذا لا بأس، لكن ما كان ليس عليه خلاف أنها أسائت فهم نقاطي على أسوأ ما يمكن. وقد شرحت لها وأوضحت ما ظننت أنها لم تفهمه، بلهجة باردة، لأني لم أحتمل سوء الظن، كما أني لم أحب السخرية والاستخفاف، حتى لو أقسمت بخلاف هذا.
انتهى الأمر معها بأن أوقفت هي النقاش بطريقة مهذبة، ولا أدري هل فهمت قصدي أم لا، لكن إن لم تفهم بعد كل ذلك الشرح، فهذه مصيبة.


أما الشخص المزعج، فقد أنبني على أسلوبي من أول رد كتبته، لأني استخدمت كلمات: حقراء، أنذال، الحقارة، المسئولين السعوديين. هذه الكلمات اعتبَرها من السفاسف، وأراد أن يتفلسف، فإن لم يكن قادراً على الرد في مدونتي والتدلل علي، فليستفد من وجودي بطريقة أخرى، ليظهر بمظهر البريء المهذب، أو الطفل كما يدعو نفسه. بدا الأمر مقرفاً، فأنا مضطر للرد عليه، وردي مهما حاولت تبسيطه وتجنب جرح مشاعره من خلاله لن يكون رقيقاً، وقد حاولت، في حين أنه لم يكن لطيفاً في رده، واتجه إلى الهجوم والتوبيخ ومحاولة إحراجي، رغم أنه لم ينسى، رغم شجبه واستنكاره، أن يحاول استدرار عطفي ومديحي بتوصيفه لنفسه في نهاية الرد بأنه أخي الأصغر واني استاذه، وأنها مسألة محبة، وأشياء مقولبة يستخدمها مع الكل مع الأسف، واعتذاره نيابة عني عن أسلوبي!.
لم أعطه أكبر من حجمه في الرد، لأنه يحتاج إلى موقف مختلف في رأيي عما يواجه بالعادة، حتى يعيد النظر بالمسرحيات المؤسفة التي يحدثها وجوده. أوضحت أن هذا أسلوبي الذي لم يخرج عن الأدب، أعجبه أم يعجبه، فليس بالأسلوب البذيء ولا المتملق. وحكيت عن نوعية النقاش الذي أسعى إليه. وأخبرته بأني لم أتوقع منه فهم أفضل خارج إطار تصيد الإعجاب والمديح. ومن هذه العبارة الأخيرة أتمنى أن يتعلم درساً، أنه يجب أن يتخذ موقفاً تجاه نفسه وأسلوبه. فهو بالواقع، وعلى الأغلب أنه لا يعلم، يتطفل على الناس فكرياً ومعنوياً، وهذا أمر سيء يجب أن يوقفه لمصلحته الخاصة.


لا أعتقد بأنه يقرأ ما أكتب، فيبدو أنه لا يجد جدوى من كتابة تعليق أكثر مما أكتب بحوالي الضعف، فلو فعل هذا فلن أنصحه بوضعه في مدونة، إنما أن ينشر كتاباً.
رغم أني لم أجده مريحاً حتى حينما كنت أطلع بسرعة وباختصار على شكل تعليقاته، إلا أني أعتقد بأنه ربما يعاني من مشكلة، لو زالت، وانتبه إلى ما يحتاج إلى قوله، فستكون أموره أفضل.


ما ندمت عليه؟ شيء واحد فقط؛ لقد أوحيت بأن رأيي عنها، الفتاة، تغير، وما كان يجب علي ذلك. فالكل يخطئ.


في قصة مشابهة، أتذكر فتاة توجهت بالنصح إلى فتاة أخرى وضعت صورة غريبة في منتدى. وقد كانت الفتاة التي وضعت الصورة قد اغترت بنفسها، وحسبت أنها أذكى الناس وأكثرهم ثقافة، وأطيبهم. كانت تعامل كل الأعضاء المشهورين، أو من يهتم لهم المشهورون، بلطف مفتعل ومبالغ فيه، وتحاول كسب الإعجاب بكل طريقة. ردت على الفتاة الناصحة مبينة وجهة نظرها حول الصورة، ولكنها ردت بسخرية، واستخفاف لا يتماشى مع جدية الفتاة الناصحة وتجرد نصيحتها. كانت الفتاة الناصحة قد حذرت من نشر الصورة ببساطة، وكانت وجهة نظر، لكنها بعد الاستخفاف بها انقلب اسلوبها، وأصبحت شديدة الحدة، لأنها لم تتوقع الاستخفاف بوجهة نظرها رغم حسن نواياها. ولم تصمت حتى سببت الإحراج لتلك الفتاة الغبية. 
كان من الممكن أن يسير الأمر على ما يرام لو ردت صاحبة الصورة بنفس مستوى تلك الفتاة من الجدية، حتى لو لم تحذف الصورة.


أنا وجدت نفسي في نفس الموقف مع اختلاف المعطيات، لم تتم محادثتي بنفس المستوى من الجدية، وشكك بنواياي، وهو أمر يجب أن تكون حذراً تجاهه، خصوصاً حينما يكتب مخاطبك باسمه الحقيقي، مثلما أكتب أنا.
مع ذلك، تجنبت جرح الفتاة بأقصى ما أستطيع. أما الشاب، فرغم أني عدلت في ردي كثيراً حتى لا أحطمه أو أجرحه بشدة، إلا انه احتاج بعض القسوة ليتعلم، ويرى حقيقته من وجهة نظر آخرين، سواء اعتقد أنهم مصيبون أم لا. وحينما أفكر بالأمر، هو سعى للحصول على إساءات أقوى وأكثر بنفسه، حينما هاجمني بذلك الأسلوب الرديء، لكن مع ذلك، كل يمثل نفسه، ومستوى تفكيره.








أضفت إضافة جديدة إلى العمود الجانبي على جانب المدونة. مساحة جديدة خاصة بالمشتركين في المدونة، المتابعين. لا أتخيل بأنه لديهم ما يقولوه، لكنها موجودة في حال أرادوا التعبيرعن شيء بشكل عام لا يستوجب المراسلة أو يتعلق بالتعليق على تدوينة. يمكنهم التحدث عن أي شيء، أو إخبار الناس بمدوناتهم.








الوصول إلى أشياء قديمة، كانت فقط تخطر في أفكارنا من وقت إلى آخر دون أن نجد لها أثراً، أو أن يكون لدينا أمل بالوصول إليها مجدداً. إني أحكي عن نظارة، لكن هذا شيء مهم أيضاً، فأنا أحبها جداً.
اشتريتها قبل سنوات طويلة، ربما في بداياتي في الجامعة. كنت أحتاج إلى نظارة جديدة، ورأيت هذه في إعلان في الجريدة، ماركة فاني، فأعجبتني بشدة. إطارها البني اللامع الكلاسيكي بدا لي فاتناً. لم أفكر في ذلك الوقت بملائمة النظارة لوجهي. لم تكن رخيصة تماماً أيضاً، وهبتني أختي المال لشراءها، ولم أتردد كثيراً.
حينما اشتريتها، قيل لي كثيراً بأنها لا تلائم وجهي. لم أقتنع، لكن لعلها كذلك، ما الفرق؟ هكذا فكرت، لأني كنت معجب بها بشدة، كنت أفكر بأنها تمثل شخصيتي بشكل ما وتوضح معالمها كما توضح رؤيتي الضعيفة.
يبدو أني تخليت عنها، لكن بعد فترة طويلة، وليس لأجل نظارة أخرى، لكن لأجل العدسات، التي لا زلت أستخدمها بشكل رئيسي. العدسات أكثر عمليه، وأكثر وضوح في الرؤية، وتشعر المرء بأنه طبيعي أكثر. وبعد وقت يختلف من شخص إلى آخر من لبسها، سيسعد المرء بعودة عينيه إلى شكلهما الطبيعي، بإختفاء الهالات والتقعر حولهما، واللمعان أحياناً.
سرعان ما افتقدت نظارتي مع ذلك، حيث لا أنام بالعدسات، ويجب أن ألبس شيئاً قبل النوم لأقرأ. لكن يبدو أني أضعتها، لسنوات طويلة.
كلما تذكرتها شعرت بألم. يمكنني شراء نظارة أكثر حداثة، وقد اشتريت، وقيل بأنها جميلة وملائمة لوجهي، لكني ظللت أحن لتلك النظارة التي لا أتذكر بأنها أعجبت أحد سواي. يستخسر المرء الأشياء الأثيرة، التي يحسب بأنه لن يتمكن من شراء مثلها مرة أخرى. هل ينطبق هذا على الناس؟ من أضعناهم، ثم لم نجد مثلهم؟. لا، لا أعتقد، ليس عموماً.
قبل فترة قصيرة، كنت أجمع أغراضي الكثيرة من غرفتي الثانية، التي تركتها للملابس والعناية الشخصية، تجميع الأشياء. كانت غرفتي الأصلية، وهي غرفة في سطح المنزل، ملحق بها حمام. تطلعت إلى الكثير من التذكارات القديمة التي أحتفظ بها، لكن لم يكن الأمر مميزاً جداً، لأني أفعل هذا من وقت إلى آخر. لكن الحدث الذي أبهجني هو أني وجدت النظارة مصادفة. لا يمكنني وصف سعادتي. كان هذا قبل وقت، ولم ألبسها، لأني لم أخرج من المنزل بنظارة. لكن لأني قررت اليوم لبس نظارة، أخرجتها. هاهي صورتها:













كان اليوم جميلاً، وهو الخميس. منذ متى لم أقل عن يوم أنه جميل، بأكمله؟.
لم يكن هناك خطة، فلم أكن أتوقع أن أقابل الدكتور الألماني. ظننت أنه ستفرغ لإصلاح سيارته. لكنه اتصل بي، فذهبت إليه. قال أنه سيستغلني اليوم، وهو مبتسم. خرجنا للسوق القريب، واشترينا أغراض لمنزله، ونحن نتكلم حول الأمور، ونبحث عن الأشياء التي يريد. ثم ذهبنا إلى مركز لصيانة سيارته لنرى ماذا يمكننا أن نفعل. ثم إلى سوق إلكترونيات. ثم إلى المقهى الذي نجلس فيه بالعادة. قبل أن نصل إلى المقهى، فتح موضوعاً بدا لي أنه كان يتحرق إلى فتحه منذ البداية، وربما انتظرني لأفتحه. قال: إذن، لماذا تركت البرنامج؟ لا أزال في حيرة من أمري، لماذا تركته بالضبط؟ أعرف لماذا، لكن، ما الكلمات التي تشرح الأمر على أفضل نحو؟ فهي جملة من الأسباب غير العملية عموماً. "لم أشعر بالإرتياح، بدأت بفقد قدرتي على التركيز بشدة" قال بأن هذا يحدث، لكن كان يجب أن أصبر، على الأقل حتى تبدأ الدروس الأساسية على أيدي المدرسين الغربيين. قلت بأني لم أستطع الانسجام مع الآخرين في المجموعة، فقال ما الغريب في هذا، أن عموماً لا تنسجم مع المجتمع هنا، فأنت مختلف بكذا وكذا، لهذا لم يكن عليك النظر في هذا السبب. أخبرته بأن الأمر أصبح يتعلق بجر نفسي مرغماً إلى الدروس، وأني لم أكن اؤدي جيداً، وربما كنت سأنجح، ولكن سيكون هذا بالكاد، ولا أرى فائدة لهذا. قال ما يريد قوله؛ قال بأني هربت. قلت بأني هربت فعلاً. إني لا أرى مشكلة في الأمر، يمكنني تصحيح الأمور على نحو أفضل لاحقاً، لكنه هو قوي، ولا يحب الفرار، على أنه يعلم بأني لست قوياً مثله. سألني ما هي خطتي الآن؟ قلت بأني أريد أقوم بشيء مختلف لبعض الوقت، كدراسة لغة أخرى، حتى أصبح أقوى للبحث في الأمر المهم لاحقاً. قال بأن دراسة لغة قد تلائمني أكثر. قلت لا، إني لا أهتم، إني أريد أن أشغل نفسي فقط، فما أريد تعلمه هو الأعمال. بدا الأمر محيراً بالنسبة إليه.
أريته عرض المشروع، وجده مقبولاً، أعجبته جوانب ووجد ما لم يكن كافياً كذلك. قال بأنها خسارة أني لم أقدمه. تسائل لماذا لم أقدمه ثم أتوقف عن الحضور؟ إذ أخبرته بأني قررت التوقف مباشرة تقريباً بعدما انهيت العمل على العرض. قلت: ما الفائدة؟.


سألني إن كنت قد كتبت قصائد جديدة؟ سألني المرة الفائتة نفس السؤال، قلت بأني كتبت اثنتين، لكني لم أترجمها له بعد.


أريته صور التقطتها في القصيم قبل سنوات، وأعجبته. أريته صورة المزرعة حيث تربت أمي، وانبهر بما رأى. أخبرته بأن المزرعة مهملة الآن على حد علمي. سألني إن لم يكن ممكناً لي أن أعتني بها؟ مستحيل طبعاً، إنها ليست لنا. قال بأني لو حصلت على مزرعة صغيرة، وانفردت بها لأكتب، واستأجرت رجلاً قوياً ليساعدني بالاعتناء بها، لكان أمراً جيداً. أخبرته بأن هذا يخطر في بالي أحيان كثيرة، لكنه مستحيل.


حكينا عن البلدان الأخرى. والشعوب هنا. قلت بأني أود أن أسافر معه. أثار هذا اهتمامه، وقال بأنه سيكون أمراً جيداً، ثم تسائل؛ إلى أين أود الذهاب؟. قلت: النرويج. دخلنا في نقاش حول الأمر.
أود الذهاب إلى النرويج لأنه يحب الذهاب إليها، هذا سيكون عادلاً.


قادنا الحديث حول النرويج إلى صديقه النرويجي، معتل الصحة الآن. وهو رجل طموح وذكي جداً. يسوق إختراعات صديقه، وهي اختراعات مبتكرة جداً. وهو يهتم عموماً بشأن تسويق الطاقة وتقنياتها. قال بأنه يبحث الآن ويعمل على تسويق السيارات الكهربائية. هذه السيارات تثيراهتمامي جداً، وأتابع شئونها بقدر الإمكان، خصوصاً من الشركات غير المعروفة، الشركات التي تتخصص بهذا الضرب من المواصلات الصديقة للبيئة. قال بأنه أوصاه بأن ينظر هنا إن كان هناك اهتمام بالسيارات الكهربائية، ولو على المستوى البحثي. قلت للدكتور بأن هذا لن ينجح هنا، لن يجد أحداً مهتماً. تسائل لماذا؟ قلت بأن لا أحد يهتم بالبيئة هنا، كما أن النفط رخيص ليفكروا بالطاقة البديلة. قال بأن هذا لن يدوم، قلت نعم، لكنهم لا يفكرون على المدى البعيد، وهو أمر لا حيلة للمرء فيه.




قادنا هذا إلى الحديث عن حوادث السيارات. حكيت له عن حادث سيارة شنيع مررت به، لكن لم يكن هو المهم، إنما ما جرى بعده؛ قصتي مع رجل نبيل، حيث حكيت له هذه القصة؛


تبدأ القصة بعدما اصطدمت بقوة بسيارة شركة، وفي حين أنه لم يتوفى أحد ولله الحمد، إلا أن السيارات تضررت بشدة، وربما لم تعد صالحة للاستعمال في حالتها، حتى أن سيارتهم انقلبت على جانبها. ثم اضطررت للذهاب إلى الشركة، لمقابلة مديرها، ولم أكن أريد أن أفعل هذا، لكنها كانت الحاجة، فقد كانت أوضاعنا المادية سيئة إلى حد بعيد وصعبة في ذلك الوقت، وكان يجب علي تقليل الأضرار إلى أقصى حد، فقد كنت مجرد طالب في الجامعة. كان إما أن أذهب أنا، أو سيذهب والدي، فلا مفر.
لكن، لماذا أعيد كتابة القصة؟ فهي موجودة لدي في أرشيف مدونتي القديمة، التي لم يعد لها وجود على الشبكة. لذا، سأقتبسها منذ دخولي إلى الشركة:


"سألت هناك، عن أبو باسل، فهكذا هم يسمون مدير الشركة، سألت إذا ما كان سعودياً؟ قيل لي بأنه سعودي، شعرت ببعض السكينة، فهذا سيزيد فرصة تفهمه كما تخيلت حينها، أو كما أحببت أن آمل. دخلت على الرجل، فوجدته رجل كبير بالسن والحجم، أبيض، ذو ملامح شامية، و صوت رنان مرح واثق عفوي. ولكنه كان مستعداً لي، كنت أنا لأكون مستعدا لشاب يريد استعطافي في حق من حقوقي، اكتشفت حينما تكلم أنه سوري الأصل، سعودي الجنسية فقط. كان يناورني، وما كنت في حال من يناور، كنت متعبا ومكسور النفس، كفاني مذلة كما كنت أشعر؛ أن أستعطف أحدهم في حق من حقوقه، أن لا أستطيع أن أسدد حقوقه دون أراه أو أعرف شكله، أن لا أكون آمناً إلى هذا الحد. لاحظ الرجل ملاحظة غريبة، او بدت غريبة رغم أنها منطقية بعد كل هذه المدة من التفكير بالأمر وتقليبه، لاحظ قائلا بأني أبدو كئيباً، محزوناً، متعباً، هزيلاً. طلب من موظفه أن يحضر لي كأسا من اللبن ليقيم به أودي على ما يبدو، فلا أتذكر أني أكلت شيئا يقيمه منذ الحادث، ولكني رغبت عن اللبن ورفضت شربه، لم أكن أريد أي شيء، كنت أريد أن أخرج، و أنا أفكر بقهر وحزن في اضطراري إلى اللجوء إلى هذا الموقف، وإلى قول والدي الصريح بأننا حقا نحتاج إلى التجربة، لأننا لا نستطيع، أبدا لا نستطيع، حتى على سيارتي وحدها قد لا نستطيع. قال لي ليقنعني، بلا اهتمام كبير، او وكأنه يقنع طفلاً، بأن أحداً لم يمت بالحادث، وهكذا كفاني الله شر الدية. لما قال هذا، يأست حقاً، و سألته ان يتنازل على الأقل عن بعض المبلغ. لم أكن أستطيع أن أعود بكل هذه الخسارة إلى أهلي، الذين بالكاد، وربما بالديون، استطاعوا شراء هذه السيارة لي، وهي الأرخص بين سيارات إخواني التي شريت مؤخرا في السنين الأخيرة. كان ذلك الإنسان حتى تلك اللحظة يعاملني برقة، وطيبة، وبدون إهانة، ولكنه كان لا يرى حجم مأساتي بوضوح. تعجب من طلبي الأخير، وتعجب من تأثري ومثابرتي أكثر، وكنت بالكاد أكبت انفعالي العاطفي في نفسي، نظر إلي متعجباً فصددت عنه، فقال: أنا لا أدري لماذا أنت متأثر هكذا، هي مجرد سيارة، حديد، تتعوض. فالتفت إليه ونظرت شاعرا بأن هناك ما يقال من عيني، حينما ينطق القلب رغما عنا، حينما يفيض الحكي فلا يستوعبه الصدر، قلت بصدق يعلم الله قدره: أنا لا تهمني السيارة. ثم صددت وانا لم أعد أستطيع كبت انفعالي أكثر. يبدو أنه لاحظ هذا بشكل ما، كنت أزداد بؤسا وذبولاً في كل دقيقة من المماطلة و المذلة. رد بسرعة وقال: إذا ماذا يهمك؟ التفت إليه وفتحت فمي، ولم أستطع الكلام، لأن دموعي ملأت مآقي. عدت فصددت، ثم التفت مرة أخرى و فتحت فمي، ولم أستطع نطق شيء، لقد ضاع صوتي حقاً، و فاضت دموعي أكثر، فصددت، فحثني لأتكلم، التفت مرة أخرى، ففغرت فمي وفاضت دموعي أكثر و إن لم تنحدر حتى الآن على خدي و لكنها غشت رؤيتي بشدة، كنت بالكاد أحفظها، ولكني قاومت الصدود، أغلقت فمي وفتحته مرة أخرى، و أنا أعي بكامل إدراكي كم كان موقفي مهيناً، و أشعر بالحاجة التي دفعتني للوقوف فيه، حثني الرجل بتعاطف عظيم، و بصبر لا يدل إلا على أن قلبه ليس كالقلوب الأخرى. تحدثت أخيراً، وقلت بأني أتعبت أهلي كثيرا في السابق، ولا أريد أن أتعبهم أكثر. ثم صددت، فهتف الرجل بلهجته السورية: يا حبيب قلبي!. شرط تنازله لي بعد ذلك، بشربي لكأس اللبن، فتجرعته بسرعة. كنت أقوم بهذا من أجل أهلي، هذا ما أقوله، حينما تؤلمني المهانة.

لم ينتهي الأمر عند هذا الحد، ولكنه أرسل أحد موظفيه ليلحقني عندما ركبت السيارة مع أخي، و يعطيني ورقة أصرف بموجبها من صندوق الشركة ألفي ريال كمساعدة. رفضت أخذها، ولكنه أصر على إعطائي ذلك الموظف. شعرت بتردد، اعتقد بأنكم تتفهمونه. في البيت علم أبي من أخي بأمر الورقة، فقال أبي بأنها عون كبير، وقد كانت فعلا عون بعد عون الله. لم أشأ صرفها، ولكن تم الضغط علي، فذهبت من الغد وشكرت الرجل وصرفتها، و أنا أضمر سدادها. كنت في ذلك الوقت في الكلية. وظللت أجمع من مكافئاتي الجامعية مما لا أستخدمه في الضروريات الألفي ريال ومن فوقها ثمن لهدية. حرمت نفسي من الكثير من هواياتي ورغباتي ولكني لم أكن مقتنعاً بأني أقوم بما يكفي حتى اليوم. مرت سنة حتى جمعت مبلغ جيد، اشتريت هدية بأفضل ما أستطيع ولكنها ظلت تافهة أمام مشاعري، و غلفتها.

ذهبت إليه، وعرفني وفرح بي، ولاحظ بأني بصحة جيدة، أفضل من السابق بكثير، هذا قبل أن تحل مصيبة أخرى... ولكن هذه حكاية أخرى... لاحظ بأني بصحة جيدة، امتدحني وهو يأخذ الكيس الأنيق والهدية تطل منه مغلفة. صمت قليلاً ونظر إلي، و كان ينظر وكأنه سيقول ملاحظة حقيقية، وقال بأني وفي. سألني من أين أنا بالأصل؟ القصيم... و سألني متى سأتخرج؟ وكانت مدة جيدة قبل أن أتخرج. فقال بأنه سيستقبل أي شخص أرسله ليتوظف لديه، ولكني لم أرسل أحدا. ودعتهم بحماقة، وكنت خجلاً جدا، بعد أن عرفني على أحد أبنائه، الذين يقاربونني بالعمر كما أقدر ولكن يفوقونني بأضعاف بالبنية والصحة ما شاء الله، كنت أبدو ولدا أمامهم.


دسست في الهدية قبل التغليف المظروف الذي يحوي الألفي ريال، لعلمي بأنه لن يقبلها لو مددتها، و معها رسالة صادقة توخيت بها مطابقتها لمشاعري، لا زلت أحتفظ بنصها، و هاهو:


بسم الله الرحمن الرحيم

السلام عليكم و رحمة الله وبركاته

المحترم أبو باسل

لقد كانت الألفي ريال التي أعطيتني عون كبير لي، رغم أني لم ارد أخذها إلا أن أبي أصر لسوء الأحوال المادية آنذاك. فأخذتها مرغماً...

إعتبرت ما أعطيتني ديناً. أجهدت لأجمعه و إن لم أحرم نفسي إلى الحد المطلوب في سبيل جمعه للأسف. وعلى أي حال، هأنذا أرده لك.

ورغم ذلك، يبقى دينك علي أكبر، أكبر من تنازلك عن إصلاحي للسيارة. فأنا لا أتذكر بأني حظيت بمثل تعاملك ولا تعاطفك معي. وقد أثر هذا بي أعظم تأثير، لدرجة لم أعد أعلم إذا كنت أملك نفسي أم لا. لأني بالحقيقة لا أسدد دينك بهذا المبلغ والهدية التافهة، وهي أفضل ما استطعت. لكنت اشتريت عميق تقديري فقط بمسامحتي عن ما حصل. وهذا كثير علي.

سأدعو لك الله ما حييت لأنك عاملتني كما لم يعاملني أحد.

جزاك الله خيراً.

سعد


( آسف على سوء الخط والتأخير)"

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
انتهت القصة.

خلال قصي القصة عليه، كان الدكتور ينظر إلي طوال الوقت بتركيز، وتعبير غريب على وجهه، ساكن، وعميق. حينما فرغت، قال بصوت غريب بأنها قصة قوية. ثم صمت، وقلب نظره بتأمل إلى جهة بعيدة في المقهى. بينما تأملت أنا وجهه. هو رجل أوروبي الشكل بأكثر الطرق وضوحاً، ففي حين أني أرى الكثير من الأوروبيين، إلا أني لا أرى بالعادة أناس بشرتهم حمراء إلى هذا الحد مثله، وشعره كذلك أشقر، حتى حواجبه وشعر يديه. بدا أن وجهه تبدل على نحو غريب. مضى وقت من الصمت، ثم لاحظت بأن وجهه بدأ يحمر أكثر، بسرعة، وبشدة، حتى أصبح قانياً أمام عيناي، وغشت عينيه لمعة عجيبة، لم تكن دموعاً، لكنها لمعة براقة. قلقت بشدة فهتفت: دكتور! لقد أصبح وجهك شديد الحمرة!. قال بهدوء ليطمئنني: نعم، إن السبب هو القصة، فهي قوية، أثرت بي.

قلت بأن أبو باسل هو أطيب من عاملني في حياتي، لم يعاملني أحد قبله بهذا التعاطف، وهذه الرقة والطيبة. ولكن الآن هو أيضاً موجود، ربما هما بنفس المستوى لدي، كليهما عاملاني كما لم يعاملني أحد.
أخبرته بأني لا زلت أدعو لأبو باسل في صلاتي.



تكلمنا بعد ذلك عن أمور مختلفة. عائلته، الطرائف في ألمانيا وهنا. أخبرني بأنه ذهب مع شاب بدوي طيب معنا في العمل إلى البرية، حيث الماشية. قال بأنه استمتع كثيراً، وقال بأنه لو كان المكان فقط في القصيم، ليكون هناك زرع وأشجار، إذ زار القصيم مؤخراً، ويبدو أنه أعجبه. قلت بأن هذا غير وارد، فالبدو يهتمون بالماشية، حتى لو كانوا في القصيم، ولا يهتمون بالزرع عموماً. قال بأنه لاحظ هذا، وأنه يجده أمر عجيب، ويجد دلائل عدم اهتمامهم بالاستقرار واضحة في الغرف الخشبية القبيحة التي يركبونها قرب الماشية كيفما اتفق، دون اهتمام بشكلها.


غادرنا المكان، وحينما وصلنا إلى بيته وجدنا الباب مفتوحاً. شعرت بالقلق، ولكنه قال بأنه لا بد أنه أحد جاء ليسقى النباتات. أصريت على النزول معه، وقلت بأنه ربما شخص لا يعرفه، أو لص. ضحك، وقال بأنه يمكنه أن يتغلب على ثلاثة لصوص، قلت ربما كانوا أربعة. ضحك، ثم ازددت شعوراً بأنه يعرف على الأغلب من في الداخل، فهدأ قلقي، ربما لا يعرفه بالاسم، لكنه على الأغلب من طرف صاحب البيت ليسقي نباتته.

في اليوم التالي، التقينا بعد صلاة العشاء، لنكمل ما بقي أمس. كان لقاء قصير، لكنه ممتع جداً. لديه أشرطة قرآن يريد أن يسمعها، وهي تحتوي على ترجمة حسبما فهمت. لكن، ليس لديه مسجل. في محل الكترونيات، لم أشجعه كثيراً، لأن المسجلات غالية جداً لديهم، وهو لن يستخدمها كثيراً. اقترح عامل المحل مسجل أرخص، وقال بأنه بـ80 ريال. اقتنع الدكتور، لكني أصريت على الذهاب إلى مكان آخر، فإن لم نجد أفضل، نعود. لم أشعر بالارتياح للصفقة. سمع كلامي الدكتور، مع أني شعرت بأنه كان يريد شراء الجهاز لأن شكله وسعره أعجباه. المحل في أسواق الجزيرة. دخلنا داخل السوق، وذهبت إلى قسم الالكترونيات، وجدت له نفس المسجل تماماً، بـ 53 ريال. أمر مؤسف، كيف يبالغ الناس بأسعارهم، بلا خوف من الله.
حينما أنجزنا كل جئنا لأجله، حان وقت العودة إلى المنزل. في الطريق، أخرج من جيبه شيء صغير وهو يقول: لقد أتيت لك بشيء، هل أريتك هذا؟ وأراني نرد كروي عجيب. تناولته من يده ضاحكاً. أخبرته بأني بالأمس فقط كنت أتخيل بأني أضع نرد في كرة زجاجية، فلا يستطيع أحد استخدامه، سيكون شيء ممتعاً. ضحك. من أين أتيت به؟ سألت. قال بأنه اشتراه من متحف فيزيائي في ألمانيا. قال بأني يمكن أن ألاعب به أبناء أخواني الصغار، فهو نرد حقيقي وقابل للاستعمال. تساءلت إذا ما كان لي؟ أنا لا آخذ الأشياء المقدمة بهذا الشكل حتى أتأكد، وإن بدا بأنها لي.


نرد كروي، شيء لا يتصور المرء أنه قد يعمل كما يعمل أي نرد مكعب، لكنه يعمل بالواقع. ألا تمر حالات كهذه في حياتنا، نحسب فيها بأن أمور لن تكون كما نريد أو نتوقع لأنها فقط لا تشبه تصورنا عن صحة المنطق، لكنها تعمل بالواقع، وفقاً لمنطق مختلف، لكنه منطق كذلك. كم من قرار اتخذناه، وتخلينا عن أمور، لأنها كالنرد الكروي، لن نعرف أنها مفيدة من شكلها، لكن حينما نجربها، سنعرف. كم من الناس تخلوا عنا، لأنهم لم يجربونا. أعرف بأني نرد كروي، تناولتني يد خرقاء غير فطينة، وقذفت بي بعيداً.


 شكرته، وأعطيته شيء جئت به أيضاً، كيس شاي البابونج بالفانيلا والعسل، الذي كتبت عنه في آخر مرة. قال بأنه سيشربه وهو يسمع القرآن الليلة، هو يحب هذه الأشياء، مثلي. 


حكيت له: "رأيت حلما في الأسبوع الفائت، ظهرت أنت في معظمه." ثم حكيت الحلم؛ حيث أني وجدته وقد استعد للمغادرة إلى ألمانيا على الأغلب، في إجازة قصيرة، ولكنه أخبرني بأن ساعته تكسرت، وأنه عاجز عن إيجاد قطعها التي انتثرت على الأرض، ليعيدها إلى بلاده ويصلحها. جلست أنا على الأرض، ووجدت القطع التي عجز عن إيجادها، كانت قطع صغيرة، وقد ذهلت بأن أغلبها كان من الذهب. جمعتها وأعطيتها إياه، فرح بذلك، وأراني إطار الساعة، فوجئت بأن العلبة من الذهب، أخبرني بأنها ساعة ذهبية غالية، تكلف حوالي 50 ألف ريال، والآن سيأخذها ليصلحها من جديد. هذا كان الحلم. قال باسماً أني إذا ساعدته أيضاً في الحلم. قلت بأني أعتقد أن للحلم معنى، قد يعني وقتاً ذهبياً. تفكر وقال بأنها فكرة جميلة جداً، وأنه بالفعل ينتظر أوقاتاً ذهبية ويريدها. قال بأنه يعيش جزءا من الأمر، إنه يقوم بشيء لطالما أراده، ويريد أن يحقق أشياء أخرى، إنها قطع باتت تتشكل وتتواجد مؤخراً، عمله الآن، وما ينوي القيام به لاحقاً. قلت بأن القطع تتواجد، ولكنه يحتاج إلى من يجمعها له. ضحك، وقال وأنت ستساعدني في هذا. ثم مضى، وهو يخبرني بأنه سيستمع للقرآن الليلة.


ونسيت إعطاءه كتاب الجمعية الخيرية. 




سعد الحوشان

الأربعاء، 24 نوفمبر 2010

فرديناندات، وإزابيلات (أحداث،أفكار،ألماني،شكر،مشروب)

بسم الله الرحمن الرحيم






ماذا بوسع المرء أن يفعل أحياناً، حينما تتسارع الأحداث وتكثر المشاغل إلى درجة أنه لا يملك الوقت لإعادة النظر؟ماذا يفعل إذا كان لديه شك في خضم هذا التسارع حول صحة مساره؟ما يفعله هو أن يوقف الأمور، فلا جدوى منها إن لم تكن على المسار الصحيح، ولا قيمة للإنجاز إن لم يتمخض عن فائدة.
هذا ما جرى معي مؤخراً، في الجامعة حيث بدأت دراسة الماجستيركانت الأمور تسير على نحو غير منطقي، ولأني أثق بالمنطق لدي عموماً، لم أقبل بما يجري.
كان المدرس يزيد الأمور صعوبة، وكان الأمر يبدو لي وكأنه يعطينا أشياء أفترض أن طلاب البكالوريوس يفنون سنواتهم للتمكن منها، في حين يعطينا إياها في ظرف أسابيع، من كل أسبوع يومينوليت المشكلة توقفت عند هذا الحد، وليت هذا أسوأ جوانبها.

كان من الواضح أنه غير مستوعب أننا لا ندرس لنصبح محاسبين، في خضم إعجابه وافتتانه في تخصصه، وفي نفسه إن جاز لي القولولا أدري كيف تغيب الحقيقة عن مرء يدرس طلاب في برنامج الماجستير "التنفيذيلإدارة الأعمالنحن ندرس في هذا البرنامج لنصبح صانعي قرار في مجال الأعمال، لا لنصبح مدققين، لا لنصبح محاسبين، أو اقتصاديين، نحن ببساطة نستقرئ النتائج التي يخرج بها القوم الآخرين لنبني على أساسها الخطط والقراراتلهذا شككت منذ البداية بأن الأمر ليس على ما يراملكن، هل يكفي هذا لأتقدم وأقول شيئاً؟وقد كنت مصيباً حينما تسائلت هكذا وصمت، وسآتي على ذكر ذلك لاحقاً.

مدرسنا شخص يريد أن ينكت ويضحك ويصعب الأمور طوال الوقت، ويريد أن يطلعنا على أمور دقيقة لا تحتملها أيام متفرقة، ناهيك عن أنها غير ضروريةوهو سعودي، وبمستوى ذكائه، ودراميته، فهو مؤهل جداً ليصبح دكتور سعودي بعد فترة، ولو كان حاله أفضل، لما رشحته ليصبح دكتوراً، لكنه عقم التفكير وسقمه.
لم يكن لدي خلاف أن يهملني إلى حد بعيد، ولم يكن لدي خلاف أن يركز اهتمامه على اثنين يفهمان المادة جيداً لخبراتهم العملية، فيما يهمل من لا يفهمون إلى حد بعيد، لم يكن لدي خلاف حول هذا لأني على عكسه، كنت أدرك أن الوقت قصير، ولا مجال لإضاعته إن كان هناك أمل بالاستفادةلكن، لما فقدت الأمل، وصار الأمر لا يسكت عنه... سآتي على ذكر هذا لاحقاً.

كلما تقدمنا بسرعة، كلما شعرت بالضياع أكثر، وسمعت الإحتجاجات من كثر، فيما رأيت الإلتواءات من آخرين لا يهمهم أن يفهمون جيداً بقدر ما يهمهم أن تمضي الأمور كيفما اتفق ليصلوا إلى المادة التالية.

حدث أن دخل قبل أسبوع دكتور من المغرب العربي إلى قاعتنا، وهو مسئول عن أحد المواد التحضيرية كذلكحينما دخل أصيب بصدمة حينما رأى ما يعلمنا إياه مدرسنا، واحتج، مخفياً ذهوله وعدم موافقته خلف المزاح الثقيل والصياحقال بأننا ندرس أشياء لا حاجة لنا بها، وأننا أصلاً ليس لدينا الوقت لذلك، ولن يكفينا لنفهم، وأشياء من هذا القبيلكان موقف محرج جداً لمدرسناوقد اتضح أن نفسيته تأثرت.
أما أنا، فبدا لي أن أفكاري قد قيلت على لسانٍ آخر.


في اليوم التالي، ذهبت إلى وكيل العمادة حيث أعمل في الصباح، لأرى إن كان بوسعه توجيهي ودعمي لأسباب الحصول على منحة من الجامعةطبعاً، لم يبدي رغبة بالمساعدة (سعودي على فكرة)، ولكنه أُخذ ما قلته، أني أدرس في برنامج للماجستير التنفيذي، وأبدى معارضته لخياري، شارحاً أسبابهإنه يرى أن أدخل ماجستير عادي، وليس تنفيذي، لأن التنفيذي غير مصمم لي بالأساس، وسأكون الحلقة الأضعف في الدراسة لكوني لست تنفيذياً بالواقع، لست مديراًوقال بأن البرنامج أصلاً غير معتد به أكاديمياً إلى حد بعيد، فالجامعات غالباً لن تقبل بك لتكمل الدكتوراة حينما تنهيهطبعاً أنا لا أخطط للحصول على لقب دكتور سعوديحماني الله وإياكم، لكن يهمني أن يكون خياري معتداً به.
تكلم كثيراًوكرر وجهات نظره، وحتى أنه بدا غير مشجعاً لدراستي للماجستير من أساسهخرجت من عنده مثقل القلبلم أكن أصلاً أتوقع أن تدعمني الجامعة، لكني أردت المحاولة، وإلا فإني سأمول نفسي، لكن ما قاله كان له وقع قويخصوصاً أن مدرسنا سألنا قبل أيام من يريد أن يكمل الدكتوراة؟ ، لم أرفع يدي بالطبع، لكنه قال بأن الجامعة ستدعم من يريد حينما ننهي البرنامج...
هو يعرف الكثير، أو يحسب ذلك، بالنسبة لشخص جديد على البرنامج والجامعةهذه أول مرة يدرس فيها أناس في الماجستير.

شاورت الدكتور الألماني، وبدا مصدوماً مثليرغم خبرته، إلا أنه لم يواجه تناقضاً كهذااتفقنا على أن أقابل رئيس البرنامج، وكانت نصيحة اختي الكبرى تصب في نفس الاتجاهوكان أن اتفقت مع الرجل عبر البريد على أن أراه قريباًذهبت إلى الجامعة في الوقت المحدد، واستقبلني بلطف شديدهو أيضاً دكتور سعودي، وكلهم عموماً لطفاء حينما يعملون في القطاع الخاص، أي حينما تأتي الأموال من الناس مباشرةيمكنك أن ترى هذا حتى في المستشفيات الخاصة، إنهم لا يتجرئون هناك على جرح المرضى أو السخرية منهموقد يكون الطبيب السعودي حتى يعمل في مستشفى حكومي وأهلي بنفس الوقت، وتجد لديه شخصيتين نقيضتين في المنشأتين.
عموماً قدرت لطفهحكيت عن الشق الأول من مخاوفي؛ هل البرنامج مصمم لأمثالي أم لا؟حاول إقناعي بأنه مصمم لأمثالي بالضبط، وأنه لن يقبل الناس الذين لديهم بالفعل مؤهل لإدارة الأعمال، وأني لن أكون الحلقة الأضعف، وكل هذه النقاط الثلاث عكس تماماً ما قاله دكتور الجامعةوصف دكتور الجامعة بأنه (ما عندُه سالفه). عموماً، كل الدكاترة العرب يصفون بعضهم بنفس الوصف، فلم يكن الأمر جديداً علي أو صادماً، ولم آخذه بجدية كذلك.
جئنا للشق الثاني؛ هل ما ندرسه بالمحاسبة هو المادة الملائمة أم لا؟، وأخبرته بحكاية الدكتور المغربيقال بطريقة لم أخطئ ما خلفها، قال بأن مدرسنا على حق والدكتور المغربي مخطئادركت في تلك اللحظة من عدة أعراض بأنه يكذب، دون أن يرغب حقاً بالكذب، لكنه يكذب لأنه لم يجد خياراً، فهو يريد أن يجنب زميله الجديد الإحراج، فضلاً عن تجنيب برنامجه التساؤلات والشكبدا لي واضحاً أن أحد ما أطلعه على ما جرى، فقد كانت الإجابة جاهزة، قيلت حتى قبل أن أكمل ما قاله المغربي.
الأعراض لمن يتساءلإبتسامة تريد بث الثقة، لكنها لم تصدر عن ثقة، ونبرة واثقة غير طبيعية ومختلفة عن العفوية السابقة، وتصلب بالرقبة ومحدودية في حركة الرأس، وكأنه يمثل دوراً يخاف أن يخطئ فيه.
ثم تكلم عن سهولة المحاسبة، وبدأ يشرح لي على ورقة ما أشكل علي.
تحدث عن توجه البرنامج، وأنه يعد الناس للعمل، لكنه "لايعدهم لإكمال الدراسة للدكتوراةاستوقفته قائلاً بأن المدرس فلان وعد الطلاب بأن الجامعة ستساعدهم في هذا الأمر إن رغبوا!! ضحك مخفياً توتره، وقال بأنه لا يستطيع تكميم أفواه الناس، لكن ما يقوله هو الصحيحكان وجودي مزعجاً حقاً، لكنه تحملني جيداً، بل ذهب إلى مجاملتي وتشجيعي بأقصى ما يستطيع، موضحاً بأن الأمر لا يتعلق بخسارة طالب واحد (اعتقد ان طالبين قد تركا البرنامج بالفعل). أوضح بأنه متعاطف مع مرحلة التشكك التي أمر بها.
ثم ذكر لي معترفاً بأنه ما كان يجب أن ندرس المحاسبة كأول مادة، لكن البداية تأخرت، وحدث خلط في الخطة. هذا شيء سيء.
عموماً كان لطيفاً جداً، وواسع البال، وهذا أمر قدرته كثيراً، بغض النظر عن السبب.
ما توصلنا إليه؟ قال مقترحاً أن أبقى في البرنامج للمواد التحضيرية على الأقل، وأرى إن كانت أموري ستسير على ما يرام فأكمل، أو أحصل على شهادة دبلوم تفيدني كثيراً عند البدء في برنامج آخر.

لو غيرت رأيي، فلن أنتظر الدبلوم، لكنه كان اقتراح معقولاً لينتج صياغتي الخاصة بالأمرلماذا لا أدرس أكثر قليلاً، وينفس الوقت أقرر وأرى وأبحث؟.
خرجت بنية الإكمال، وانتظرت المحاضرة القادمة بعد أيام، بالدراسة كل يوم خارج المنزل. الأمر قابل للفهم، لكنه كثيف ويحتاج إلى وقت، فحتى لو استوعبته نظرياً، فلن تستطيع التطبيق بشكل جيد سريعاً، لأنك يجب أن تكون واعياً لاعتبارات كثيرة حسب فهمي. علمت بأن المحاسبة قد يكون لها وجه ممتع، قد يكون هذا ممكناً، لكن هذا المدرس جعلني أكرهها كره ماحق. سوء تدبيره كان لا يغتفر. يقول أن الكتاب غير ضروري طالما معنا الملازم التي يوزعها بالإضافة إلى شرائح العرض، ثم يعطينا واجبات من الكتاب. لا ندري إلى ماذا نرجع بالضبط.


جاء الخميس، وعرفت بأنه من الإستحالة أن يتحسن وضعي قريباً. وفي يوم الجمعة، فاجئنا بأنه قرر أن يكون يوم السبت اختبارنا النصفي... وهو يقول بأنه قرر هذا لأنه فهم أن الإدارة تتوقع منه إعطائنا اختبار نصفي، أي أنه ينقذ نفسه فقط، والطوفان من بعده. قال بأن الاختبار سيكون بالكتاب المفتوح، أي أننا سيمكننا الإطلاع على الكتاب كما نشاء.  كما قرر أن نؤدي عرض تقديمي لما أنجزناه من المشروع المطلوب (!!)، وذلك لأنه اكتشف أيضاً بأنهم يريدون هذا فجأة. أصبت بإحباط شديد، لا أستطيع العمل هكذا، لماذا نحن دائما هكذا، نتكلم في آخر لحظة، لنحصل على نتائج كيفما اتفق. حينما جئت إلى الاختبار، كنت محبطاً جداً. أدرك هذا بطريقة ما، وأظهر اهتماماً مفاجئاً بي. أعطاني كتابه، إذ نسيت كتابي في السيارة، وحاول مساعدتي في الإختبار، وذهب إلى حد أنه مازحني، وربت على كتفي. استغربت جداً، لكن الإحباط لم يترك لي الوقت لأفكر. حينما أردت أن أمضي، سألته إن كان يريدني أن أترك الورقة مع الكتاب على طاولته، إذ كان يجلس في الخلف، ولكنه ناداني لأنه يريد رؤية أدائي. امتدح أدائي مشجعاً، ولكني أعرف نفسي، حتى أني لم احل كل شيء، بدا الأمر سخيفاً، إني أقوم بأشياء لا أفهمها، اخمن من الكتاب ما يشبه السؤال وأحاول تقليده فقط، وحتى هذا لم أتمكن منه. وقد أخبرته بأني لم أحل كل شيء، ولكنه أصر بأن حلي جيد. إلا أني قلت باحباط وعدم رضا بأن وضعي غير مضبوط، وتوجهت للخروج. ناداني باسمي، وسألني إن كان هذا اسمي بالفعل؛ سعد. كان دائما يناديني أخلاقيات باللغة الانقليزية، من باب السخرية.
طلب مني أن أرسل إليه الواجبات. وكانت الواجبات مصدر إحباط آخر. عملت عليها كل يوم، وبقدراتي العقلية أحتاج إلى قراءة مستفيضة لأفهم، ولم يكن هناك وقت يكفي. حللت بعضها، وأنا أفكر بأني لا أريد حتى نجاحاً جيداً، أريد فقط أن أرى المادة التالية.


جاء الخميس التالي، وأبدا المدرس اهتمام كبير بأمري، إلى حد صدمني في البداية. أعلم بأني لست الوحيد الذي كان أداءه مثل وجهه في الامتحان. مع ذلك، بدا اهتمامه أكبر مما يمكنني أن أتخيل، وبدا أنه لديه الاستعداد ليهمل المفضلين لديه قليلاً ليركز علي. بالبداية ذهلت، وكان لدي الوقت لأذهل، ثم شعرت بالضيق والحنق، وكان لدي الوقت لذلك أيضاً. لم يعجبني أنه التفت إلي متأخراً، كنموذج لطالب يحتاج إلى المساعدة أكثر من المتميزين أصلاً. ولم يعجبني حتى اهتمامه ووديته، لم أشعر بالارتياح تجاهه، وكان يسوئني أنه يبدي تجاهي اهتمام يجب أن أشكره وأمتن له، في حين أني لا أقدر أسلوبه وبعض مواقفه التي حكاها، مثل إهماله ترجمة جزء من شكوى طالب بكالوريوس إلى مسئول أمريكي في الجامعة؛ لأن الشكوى قد توقعه في الإحراج لأنه السبب بالمشكلة، ويضحك أيضاً على فعلته البعيدة عن الأمانة، فقد أساء بهذا إلى الطالب والمسئول الأمريكي بنفس القدر، ومنع شخص آخر من أداء الأمانة على الوجه الذي يجب. ومواقف أخرى. كل هذا جعلني لا أريد منه اهتماماً ولا تقديراً، فضلاً عن أني أعلم بأنه لم يكن يرتاح إلي حينما حضرت في البداية، وأنا كذلك لم أرتح إليه. بالإضافة، بماذا سينفع الاهتمام الآن بعدما ضاع الوقت؟.
قال بأننا لن نخرج حتى أجيب على سؤال معين، لأنه لا يريدني أن أخرج قبل أن أفهم. هل سأفهم المنهج كاملاً الآن؟. لم يعجبني الأمر. جاء للجلوس إلى جانبي لتشجيعي، بطريقة نكتيه كالعادة. فهو لا يكف عن التنكيت على نحو مزعج حقاً.
قال وهو أمامي، وهو ينظر إلي بشكل خاطف، قال ضمن سياق معين، بأن هذا البرنامج لم يكن يفترض أن يقبل فيه غير التنفيذيين، سألته إن كان هذا صحيحاً؟ فقال بأنه كذلك. كان يريدني أن أعلم هذا. مما أحبطني جداً.

من الذي يكذب الآن؟ هذا؟ أم رئيس البرنامج؟ صدقاً لم أعد أدري ماذا أفعل.

حالما انتهت المحاضرة كنت أول من غادر، دون أن أهتم بما قد يقال. مضيت.

في اليوم التالي، الجمعة، كنت محبطاً جداً، وقد بدأ الأمر يصبح ضاغطاً. فهاقد اقترب تقديم عروض عن مشاريعنا، والكل لم يقم بشيء، ربما باستثناء واحد كتوم. جئت باكراً حسب اتفاق المجموعة لنناقش ما سنقوم به في المشروع. انتهى الأمر بأن أنجز مشروعاً لطالب يستغل الآخرين بوضوح (يمكنكم التخمين ما هي مهنته). ربما استفاد البعض، أما أنا فلم أستفد، وقد تخليت عن التركيز باكراً بعدما يئست.


بينما أنا جالس، داهمتني ذكرى مهمة؛ إن أحد إداريي البرنامج أخبرني بأن بعض الطلاب قد يضطرون لعدم الانخراط في بعض المواد حسب الخطة بسبب ظروفهم، ويدرسون المواد التالية لها، ثم ينتظرون ما فاتهم من مواد لينزل مجدداً فيدرسوهكانت فكرة وكأنما نزلت من السماءحينما سمعت هذا من الرجل، لم أهتم كثيراً، بدا لي وكأنه شيء قد أفكر به حينما اكون مضطراً، وتخيلت أنه لن يكون قبل المواد الأساسيةسيطرت علي طاقة كبيرة، ولم أستطع البقاء في مكاني، فخرجت من القاعة باحثاً عن الإداريين لأناقش الأمر، لأحذف هذه المادة وأدرس المادة التاليةلم أجدهم، خرجت لمرات كثيرة، لم أجد أحداًأخبرني الفني الفلبيني اللطيف بأنهم سيحضرون، لكن ربما تأخرواعدت إلى القاعة، ومر بعض الوقت فظهر المدرسكنا نتوقع بأنه سيرسل مدرس آخر ليحل بعض المسائل معنا، لكن يبدو أنه مشوش جداً، ولا يستطيع الترتيب لمثل هذه الأمورحينما دخل وتكلم قليلاً بلا معنى، سألني عن حالي بطريقة غريبة، مظلمة إن كان للتعبير أن يوحي، أشرت بأنه لا بأس به، ثم أعقب وهو بقربي بأن حالي ربما سيكون أفضل لو لم يكن قريباً، فلعلها مسألة "كيمستري" لا يتوافق بيننا، بعدما قال هذا التعليق الطفولي، مضى ليجعل منه ذكياً، ثم تدخلت شوجي قائلة.... لحظة، عفواً، حسبت أنني أقص مسلسل كويتيأي دراما سخيفة، أي خروج عن النص!!.
بالتأكيد هو من الناس الذين يتخيلون بأنهم لو قالوا أي شيء بنبرة صوتية معينة ثم ابتعدوا فإن ما قالوه سيبدو مؤثرا مهما كان سخيفاهذا تفكير طفوليلم أحاول أن ابدي أي ردة فعل لاحقا، فلم أرد أن تحتسب هذه الدراما السخيفة وغير الناضجة علي أيضالم تكن لا المعرفة ولا طبيعة العلاقة تحتمل أي من هذابعد هذا الفاصل المسرحي البائخ، الذي اثق بانه كان ليصبح ملحمة لو كنت سأراه لشهر آخر، تجاهلني بقدر الإمكان، ولم أسع أنا لانتباهه أصلاشعرت بأن الأمر مضحك رغم إحباطيهل يلوم هذا الشخص نفسه على أي شيء إطلاقاً؟.

مر الوقت وهو يشرح ويضمن أشياء جديدة معقدة قبل الامتحان بأقصى ما يستطيعبينما أخرجت النتبوك، حيث احضره معي مثل الاخرين، وبدأت بإعادة الرد على معاذ في التدوينة السابقة، حيث ضاع مجهودي مرتين من قبل دون أن ينشر.فجر مفاجئة جديدة، يريد أن يكتب الجميع الدرجة المتوقعة مع اسمائهمفإن اصاب توقعهم لأنفسهم الحقيقة، فسيمنح المصيب خمسة درجات. هذه الدرجات الخمس قد تؤدي إلى النجاح فيما لو كتبت، فرضاً، أني أتوقع الرسوب، صح؟. مع ذلك، لا أتصور أساساً أن أحد سيرسب، لن يسمحوا بهذا. لقد كان خطأهم أن بدأنا بهذه المادة، وأن أعطوها لهذا المدرس، دون منهج محدد، وهو لن يسبب الإحراج لنفسه ويعرضها للمسائلة أكثر. خصوصاً أن كونه سعودي، فهو معقود عليه آمال إدارية. بالإضافة، ماذا تعلمت؟ هل سيفيد النجاح بشيء وأنا لا أعرف ما يجب أن أعرفه عن المحاسبة؟ هل هذه المادة التي سأدفع لأجلها أكثر من 14000 ريال أفادتني فعلياً بشيء؟ إني لم آتي للنجاح على الورق فقط، فلدي ما أريد القيام به بعد التخرج، ولا فائدة من الورقة في ذلك الحين لو لم أكن كفئاً. قاطع المدرس حبل أفكاري، وهو يجمع الأوراق من الناس، سائلاً؛ هل كتبت شيئاً؟ قلت ليس حتى الآن. استعجلني قائلاً بكل خبث واستفزاز: "هل ستعطيني إياها؟ أم لا تريد؟"
ماذا كان يريد بهذا الإقتراح؟ هل يريدني أن أستجديه بعض الوقت؟ أو أكتب أي شيء وأعطيه؟ أعتقد أنه أراد الأول، أو أراد أن يبين عدم مبالاته، بعد اليوم الفائت الحافل بالـ"مبالاة". لا يهم هو الآن، فكرت بسرعة بما أريد بالفعل؛ قلت: لا، لا أريد. قلت هذا وأنا أثني الورقة وأدخلها حقيبتي، دون أن أضيع وقتاً. مضى.

حالما انتهت المحاضرة؛ خرجت قبل الجميع، دون مبالاة بما قد يضيف من درر. وفيما أنا أمشي تجاه البهو الصغير والأنيق بما يكفي، رأيت أحد الإداريين، الذي لتوي أرسلت إليه رسالة وأنا في المحاضرة، أسأله عن الإجراء المتبع لما أنوي. قال أنه لم يقرأ الرسالة بعد، وشرح لي عواقب ما أقوم به، وهي تتعلق بضياع الوقت فقط. الوقت مهم، لكنه يصبح بلا قيمة حينما يمضي ونحن في المسار الخاطئ، يصبح ضائعاً مهما كان المجهود الذي بذلناه. أخبرته بأني لا خلاف لدي. طلب مني أن أرسل إذا إلى مدير البرنامج، ذلك الدكتور السعودي اللطيف جداً، أو كما كان في تلك المقابلة. أرسلت قائلاً بأني أريد لبدايتي الحقيقية أن تكون في المادة القادمة، وأني كلمت الإداري فلان، وشرح لي عواقب خياري، ولا بأس لدي. وقلت بأني آمل دراسة المادة في الدورة القادمة لطرحها، مع مدرس آخر. مع درس آخر؟ كان يجب أن أقول هذا، هناك خلل لديهم. لم يجب بالسرعة التي توقعت، مما جعلني أتصل بالإداريين، ونصحني من رد بعدم الحذف، وأني سأنجح وأعوض بالدرجات لاحقاً. أخبرته بأني لم أتعلم شيئاً من هذه المادة، ولا يمكنني الخروج منها هكذا، ولا يمكنني القيام بما ليس لي به قناعة. قال بأنه سيسأل الدكتور عن الأمر حينما يراه، وهذا ما أردته. جائني الجواب لاحقاً بأنه يمكنني ذلك. كنت شاكراً بأنه لم يعقد الأمر، ولم يطيله، كان تصرف حكيم منه. شكرته، مع توجيه الرد كذلك إلى الإداري الرئيسي تحت تصرفه، ليقوم بما يلزم. كان الإداري قد نصحني قبل أن اوجه الرسالة إلى الدكتور أن أوجهها كذلك إلى المدرس، ولكني لم أفعل، فهذه الشئون إدارية، وعلاقتي به أكاديمية، وهم من يخطره بأن أحد طلابه لم يعد محتسباً عليه.


وهاقد قمت بما ارتحت إليه. غداً الامتحان النهائي، ثم بعد ذلك عليهم العمل على مشروع، وهذا ترتيب غريب في رأيي، وربما ينطوي على بعض الازدواجية، التي لم تكن لتثير شكي لو كان المشروع قبل الامتحان.

الآن، يبقى علي التأكد من صحة مساري على نحو أفضل، بقدر الإمكان.





يا الله، لقد قمت اليوم بأغبى تصرف ممكن. رأيت طالب أجنبي، من طلاب اللغة العربية على ما يبدو، يرتدي ثوباً غريباً، جميلاً فوق الوصف، رغم غرابته وبساطته بنفس الوقت. كنت أمشي تجاه سيارتي، متوجها إلى الساحة المواجهة للجامع في جامعة الملك سعود، حيث أعمل. لم أستطع مقاومة فضولي، وكان هذا قبل أن ألحظ بأنه يحمل حقيبة مثل التي اشتريت مؤخراً، فشعرت بأن هناك توافق فعلي بالذوق. لكن الثوب؟ من أين جاء به؟ ولماذا هو غريب هكذا؟ يجمع بين الكرته الباكستانية والثوب السعودي، بقماش كحلي جميل للثوب والبنطال. لحقته، واستوقفته، وسلمت عليه، وسألته عن الثوب. فرح، وأجاب تساؤلاتي، لقد صممه بنفسه، وهو أمريكي، وكلف أحدهم بخياطته في باكستان. ابديت اعجابي الشديد، واقترح أن أفصل مثله هنا فالخياطين كثر. ماذا قلت؟ قلت بأني لا أستطيع لأني لو لبسته سيضحكون علي!!. بالطبع، كنت أقصد كسعودي، لن يتقبل السعوديين هذا، في حين يريد الكثيرين رؤية شكلي كيف يبدو بالملابس الغربية التي لا أفضل، إلا أنهم سيضحكون لو لبست هذا كسعودي، أما هو كأجنبي، فالأمر مختلف. لكني لم أعبر هكذا. ما أغباني. اتمنى أن أراه لاحقاً لأشرح له هذا، فقد تبدل وجهه حينما تكلمت هكذا.







كنت مع الدكتور الألماني قبل فترة، أقرأ له بعض قصائدي، التي ترجمتها لأجله. كان هناك رجل سوري في المقهى، يمر من خلفنا من وقت لآخر، فينظر إلى شعر الدكتور من الخلف بطريقة مركزة وغريبة. أضحكني الأمر بعدما تكرر، وأخبرت الدكتور، ضحك بدوره. قلت لابد انه معجب بشعرك. شعر الدكتور كثيف، طويل إلى حد ما، لكن ليس جداً، يغطي اذنيه فقط، ولونه ذهبي غامق تقريباً أو شيء من هذا القبيل. وشعره جميل جداً ولافت. رد بأن شعره ليس أجمل من شعري، فشعري كأنه شعر "هندي". ضحكت، وقلت بأن شعري ليس جميل لا كشعر الهنود ولا كشعره. لكنه أصر على رأيه. شرحت له بأن شعري ربما يبدو جميلاً حسب مقاييس قديمة، لكن الآن، يفضل الناس الشعر الأخف والأكثر استرسالاً، لهذا يستخدمون الكيماويات لتعديله. بدا عليه التعجب.

فارسي، والآن شعر هندي، يبدو أننا نتوغل شرقاً في كل مرة. سنصل إلى الفلبين ربما، ثم سيكون مفترق طرق، إما سأصعد إلى كوريا شمالاً، أو سأنزل إلى استراليا وأتوغل، لأصبح بالنهاية بولونيزياً. لكن، لو أكملت الرحلة، أتمنى أن أكون هندي أحمر، من البيرو أو البرازيل، أو أي ناحية في تلك القارة الجميلة. لكن، لو أكملت بعد كوريا، سنكون مرتفعين قليلاً، لذا أتمنى أن تكون الخطوة المقبلة المكسيك، يمكنني أن أكون ازتيكي من هناك، إن لم أكن من أمريكا الجنوبية. سأكون مزارعاً، أريد أعمل وأزرع الفانيلا. أن أقف في لحظات معينة حينما أرى النسائم مقبلة من بعيد، باهتزاز زهور الفانيلا البيضاء، أن أقف وأترك عملي، لأترك النسائم بما تحمل من ريح الفانيلا تغطيني وتغشاني، وتملأ صدري.




إذاً رحل ابن أخي إلى كندا، ابن أخي الذي يتهم بأنه الأقرب شبهاً إلي، في حين أنه بالواقع بهي الطلعة.
سيبقى هناك مبدأياً لشهرين ربما، وسيحاول الإلتحاق ببعثة. أتمنى من كل قلبي أن يتمكن من ذلك، لكني أخاف عليه من أمر. ففي حين أني غير مقتنع بأنه يشبهني كما يقال، فهو كما قلت شاب وسيم، إلا أني أخاف أن يكون حظه يشبه حظي. الحظ وراثة كما تعلمون؛ أنا لا أشبه أمي، لكن حظي كحظها تماماً، إنها مورثة يجب أن تعزل.

الأمر المضحك هو أنه كان في كلية اللغات والترجمة، الكلية التي تخرجت بها. حينما أراد الدراسة فيها، شعرت بقلق شديد لعدة أسباب. كان يريد دراسة اللغة بشدة، في حين أن أموري سارت على ما يرام ولله الحمد، وأتصور أن أي خريج للغة الإنقليزية حالياً لديه فرصة قوية بالتوظيف؛ إلا أني أعتقد دائماً بأن الزمن لو عاد إلى الوراء، لربما اخترت دراسة شيء آخر، وتعلمت اللغة على نحو جانبي. أشعر بأن تكلم لغة والترجمة عبرها مهارة غير كافية بالنسبة إلي. بالطبع؛ أحمد الله على أن لدي موهبة متوسطة الإتقان، غير تخصصي باللغة الإنقليزية، وهو ليس موهبة، لكن، لا يعمل الناس هنا حسب مواهبهم التي يحبون، مع الأسف. لن أحوز المهنة التي أتمناها بشكل مباشر أبداً.
لكني لست ابن أخي، وهذا جعلني أتجنب هذا الهذر على مسامعه، حتى لا أفت من عزيمته.
هذا جانب، أما الجانب الآخر، فقد كان يتعلق بالدكاترة هناك في الكلية، او بعضهم. ربما يتعرف عليه دكتور أو اثنين ممن أرفض السلام عليهم الآن، أو كان لي معهم إشكالات، بعضها على مستوى عالٍ من التعقيد، فكنت أخاف عليه من ردود فعلهم، فالدم، وهو الشبه الإنطباعي، وليس الفعلي، يجمع بيننا بما لا تخطئه العين.

لكن، رحل أسوأ مخاوفي من الكلية، وبهذا اطمئنيت على ابن أخي أكثر.
بيد أن ابن اخي على ما يبدو مصر على جعلي أقلق، باختياره كندا. إني أشجعه، ولا أذكر أي من هذا على مسامعه، لكني في دواخلي أخاف كثيراً أن يخيب ظنه، وهو لا يستحق ذلك، ولا علاقة لحظي هذه المرة بالأمر، أو بأحد قد يراني أرمقه من خلال عيني ابن أخي، فالمكان مزدحم، لكني أخاف أن لا يلتحق بالبعثة، أخاف أن يخيب ظنه ويعود سائماً من الأمر.
هو لا يستحق ذلك، وليس هذا من وجهة نظري كعم، لكن عملياً؛ هو موهوب ومؤهل جيداً، وعاقل وطموح.
إني أرجو من الله أن يساعده، وييسر أموره. رغم أنه لا يخطر في بالي طوال الوقت وهو هنا، إلا أن وجوده بعيداً وحده يجعله يمرق في ذهني طوال الوقت، رائحاً وراجعاً، مثيراً التساؤلات والشعور بالعجز عن المساعدة الحقيقية.
أمي تدعو له كثيراً، أتمنى أن يسمع لها الله، فهي عبدة مخلصة أحسبها، وحسيبها الله.



التقيت الدكتور الألماني قبل قليل، سيسافر في إجازة الحج إلى ألمانيا. تناقشنا حول العديد من الأمور، وبدأنا بأمر تعليمي إذ كان يريد أن يعرف ماذا حصل في الجامعة بالتفصيل، وكان جاداً في الأمر. شعر بالأسف كثيراً على الحال، ولكنه دعم موقفي الرافض للنجاح غير الحقيقي. أبدى ندمه لأنه لم يفطن إلى مساعدتي، وكرر الامر كثيراً، بطريقة جعلتني أشعر بأنه لا يعتذر مني، لكنه يؤنب نفسه. وجد الأمر تعيساً جداً ومحبطاً. أخبرته بأن لا يحزن، فلم يكن الأمر ليفيد، فالمدة كانت قصيرة، وحتى لو حاول تعليمي، لم يكن هذا ليساعد، فأنا بطيء التعلم.

تكلمنا عن الدكاترة السعوديين، حينما أتى على ذكر دكتور سعودي سيقابله غداً، وهو يقول بأنه لطيف. أخبرته بأن الكل يريد أن يكون لطيفاً معه. ولو رآني هذا الدكتور السعودي معه، لتلطف لي إلى أقصى حد حتى ينال إعجابه، لكن لو رآني لوحدي، أو رأى طالب من طلابه، أو أي شخص يعتقد أنه دونه في المستوى، فلن يكون هذا هو الحال (وقد حدث هذا من قبل، لكني لا أدري إن كان يعني نفس الدكتور). حاول أن يقنعني بطيبة هذا الدكتور، لكني أوضحت له وجهة نظري. أخبرته بأني أعتقد أنه هنا، دوناً عن أي مكان آخر، لا ينجح غير القساة والأنذال، إن الحظ الحسن حليفهم. أعطيته أمثلة. لكنه قال مواسياً: ولكن، حظك أنت حسن أيضاً، أنت جميل الشكل، وذكي، وعقلك يعمل جيداً، وتفهم الناس، وتجيد التعبير. أخبرته بأني أعترف بحظي الجيد، من حيث أني غير مريض، ولدي منزل، ولا أجوع. أما الأمور الأخرى، فهو يقولها لأنه لطيف، قد يقول هذا لأي أحد حتى يشعره بالتحسن، ولكني راض بحظي. قطب حاجبيه وهو يتفكر، ناظراً كعادته إلى أي شيء آخر، وقال: لقد قلتَ هذا سالفاً، لكن هذا غير حقيقي، إني لن أقول شيئاً لا أعتقده. إني لدي أطفال كثر، وتلاميذ وأصدقاء كثر، فيهم الكثير من الأذكياء وحسنو المظهر، وفيهم خلاف ذلك، لكني لا أقول هذا لكل أحد، ولا يخطر في بالي من الأساس بغير سياق وواقع مقنع.

يسيء فهمي في بعض اللحظات، لكنه يعطيني الفرصة لأشرح موقفي. قد ينتقدني، لكنه يستمع إلى مبرراتي ويناقشها.

كان غير مقتنع في تلك الليلة أني على ما يرام، وظل يتسائل إذا ما كنت حزيناً، أو لم أرغب باللقاء في ذلك الوقت. لكني كنت سعيداً جداً، عدى أني مرهق إذ لم أغادر العمل بالوقت المتوقع لأتواصل مع طبيب أمي عن قرب، ومشغول البال، فقد رتبت لإعطائه بعض الأشياء في نهاية الأسبوع، حينما يحضرن أخواتي ويعددنها، لكننا التقينا قبل ذلك، في يوم الثلاثاء. أخبرته بالأمر، واحتج بأني أعطيه وأهلي الأشياء باستمرار، وأنه لا يدري كيف يرد لنا الجميل. أخبرته بأني لا أعطيه شيء بالواقع، فهو يستحق أكثر، فلا أحد يعاملني بالعادة كما يعاملني هو، كما أن أهلي يحبون من أحب، ومن النادر أن أحب أحداً إلى هذا الحد.
في لحظات معينة، كان يبدو عليه إحباط، ويتحدث وكأنما يتحدث إلى نفسه، وهو يقول: ولكن حياتك بائسة. أخبره بأني تحسنت كثيراً مؤخراً. فيقول بأنه يتمنى ذلك، لكنه يعتقد بأن لدي كبرياء، يجعلني أقول بأني على ما يرام حتى لو كنت أغرق. أخبرته بأن هذا الكبرياء ليس لدي، حيث أني حينما أتحسن فإني أعترف بهذا وأراه، وأنا أدرك جيداً أن حياتي ظلت ثابتة على حال واحد لفترة طويلة بالسابق، لكني أعرف أني مؤخراً تحسنت كثيراً. قال: لكني أتحداك أن تتحسن أكثر!. فوجئت، فقلت: لكن يجب أن تمد لي يد العون، لا أن تتحداني. ضحك بشدة. وقال مفهماً إياي بأن التحدي بين الأصدقاء يعني بالواقع مد يد العون.
أصدقاء؟.
حكيت له الكثير من القصص الغريبة والحقيقية التي لي بها صلة بشكل ما، وبدا مذهولاً، لكن في النهاية حزن، وقال وكأنما يخاطب نفسه مرة أخرى: ولكنها قصص مأساوية، مأساوية جداً.
مكثنا كثيراً، لكن كالعادة، كانت كخمس دقائق، كحلم مطمئن في غفوة نعسان، جلس ليستريح على كرسي، ليواصل المسير لاحقاً.
حينما طلبنا الحساب، أصر على الدفع، أصر بشدة، لكني نهيته، وذكرته بأنه آخر من دفع. قال بأنه لا يشعر بأن تركي أدفع أمر صحيح، فهو كبير، وأنا كحفيد له، وأحضر له الكثير من الأشياء الرائعة. ضحكت، وذكرته بأني لست صغيراً إلى هذا الحد، وهو ليس كبير إلى هذا الحد كذلك. قال بأني فقط ذو روح معمرة، فأخبرته بأن عمري أيضاً ليس بقليل. فوجئنا بأن الحساب كان مثل عمري.

خرجنا، ونحن نتناقش حول شتى الأمور. كان سيسافر صباح اليوم الثاني من ذلك اليوم، أي أن الغد هو يومه الأخير. وكان يحمل هم الاستيقاظ باكراً في الفجر، أخبرته أني سأوقظه. اتفقت معه على الوقت الذي سأحضر به إليه الأشياء. كان يخطط لشراء تمر لعائلته، فهم يعشقونه بشدة. يحضر لهم هو من المحلات الفارهة، وسألني من أين نشتريه نحن؟ نحن في وفرة ولله الحمد، نشتري بعضه، ونتلقى بعضه هدايا من مختلف الأقارب والناس من القصيم. شرحت له ما نصنع ببعضه في منزلنا، الكنز الموسمي، حينما نجمع التمر في أكياس ونعجنه مع بهارات أحياناً مثل الكمون ونتركه تحت وزن ثقيل لفترة طويلة، يسيل معها الدبس أحيانا إلى خارج الكيس. أخبرته أن والدي إما يشتريه من القصيم، أو من أماكن شعبية هنا، ولكننا لا نشتري من المحلات التي يشترون منها، أقصد الاجانب عموماً. بدا الأمر شديد التعقيد إليه.
في اليوم التالي، اتصلت لأتفق معه على إيصالي إليه بعض الأغراض التي سيأخذها إلى ألمانيا؛ فطائر تفاح وتمور ببقل(إقط) ومعمول وحبق مجفف من حديقة أختي، كله بالواقع من صنع أخواتي. كان قد خرج متأخراً جداً من العمل، ويبدو مرهقاً، وسألته إن كان اشترى التمر؟ قال بأنه لم يشتره، فأخبرته بأني سأحضر إليه مما لدينا. لم يعرف ماذا يقول. بدا لي أني أنقذته بشكل ما، ولكنه بنفس الوقت خجل جداً من الأمر. لو اطلع على ثلاجات التمور لدينا، لما خجل، ولله الحمد. اقترحت اختي آن آخذ مكنوز منيفي، من نوعية ممتازةجداً، وعلبتين من أفضل ما لدينا من السكري اختارتها أمي. هن يعلمن بأني أفرح حينما أعطيه، ويساعدنني.
ذهبت إليه، وعرفني بصديقه، قبل أن يذهب الصديق. الدكتور سيارته متعطلة، ويجد صعوبة بالمواصلات مؤخراً. تكلمنا قليلاً، وأعطيته الأغراض، فرح كثيراً بتنوع الأشياء، خصوصاً التمور على ما يبدو. وأعطاني علبة صغيرة، لم أرى مثلها من قبل، تحتوي على شوكولاته، وقال بأن أعطيها لأمي وأشكرها. لاحظ بأني أبدو أفضل من الأمس، فقلت ربما لأن أخواتي مجتمعات بالمنزل.
في المنزل، أعطتني أمي العلبة (هه هه). لكن أختي فتحتها،كانت شوكولاته غامقة، على بعض المرارة، لونها غريب، تغلف لوزات كطبقة رقيقة، وكانت فائقة اللذة. تصنع في اسبانيا.




تتسائل أحياناً كيف يمكن لبعض الناس أن يعيشوا لحظات ممتدة من نكران الواقع، قد تغطي طول حياتهم، ويتمنون أشياء غير منطقية، ومن المفترض حتى أن لا يجرءوا على تمنيها في ظل ظروفهم. مثل رجل ضل طريقه في الصحراء لأيام دون أن يكون معه شيء، أتراه يتمنى أن يشرب قهوة مثلاً؟ بالطبع، سيريد أن يشرب الماء، فحياته على المحك.
يجرؤ البعض باستمرار على تمني "عودة" اسبانيا إلى "الحكم الإسلامي". يريدونها أن تعود إلى أندلسهم الجميلة، المليئة بالنعيم، في ذاكرتهم الجماعية
يبدو لي وكأنهم مغيبون عن الواقع. لا يجب أن يفكر المرء كيف تعود اسبانيا إلى الحكم الإسلامي، إنما يجب أن يفكر كيف لا نتحول نحن إلى اسبانيا. فالقوي هو من يحول الضعيف. ولم يحصل المسلمين ولا غيرهم على شيء قبل أن يعملوا على إصلاح أمورهم وأنفسهم.
كما لم تكن الأندلس أندلس قبل حضور المسلمين وإعمارها بالشكل الذي يتوصفه الجميع في ذلك الزمان وهذا.

أجد أكثر من يتحدثون عن الأمر هم أكثر الناس سذاجة، وأقلهم إبداعاً ومواهب. يريدون أن يزورون اسبانيا دائماً، هذه امنيتهم، ليروا الأجداد ماذا صنعوا هناك، يريدون أن يستمتعوا بأبنية وآثار لم تعد ملكهم، في حين أنهم يجب أن يبكوا عليها. أشعر دائماً بأني لا أريد الذهاب إلى أسبانيا، أتسائل إن كان قلبي سيتحمل. ليس أني أتوق بشدة أن تعود لنا، بل لست أتوق لذلك أبداً، فهناك أمور أكثر أهمية وإلحاح بكثير، مثل بلدنا وأنفسنا. فلست أفكر بشيء لم أعمل لأجله. إن ما لا أتحمله هو ذكريات المعذبين هناك، المسلمين الذين أجرمت بحقهم محاكم التفتيش، أكثر مما أفكر بأبنية استولى عليها الآخرين. ليست الأبنية هي الأكثر أهمية، إن الأكثر أهمية هو المأساة بكاملها، القصة كاملة.

لكني تعديت مرحلة القلق على الحال. إني لا أرى نفسي مقياس للمجتمع وحاله، لا أرى نفسي نموذجاً عنه، أحدنا تغير. إني أراقب المجتمع، ولا أخاف أن يتحول إلى اسبانيا، لأنه تحول بالفعل، تحول إلى اسبانيا في أبشع أوقاتها. أعيش في مجتمع يعج بالفرديناندات والإزابيلات، حيث محاكم التفتيش تحيط بي في كل مكان، تتابعني بأعينها وأذانها، تظن بي الظنون، وتحاكمني، وتعاقبني، وتعزلني، وتجبرني.
لم يعد هناك بالواقع فئتين، فما بقي من فئتي هم قلة بحيث لا يعتبرون فئة، إذ تحول معظمهم إلى فرديناندات، وإزابيلات. أعتقد بأني مورسكي معرض دائما ومطارد من محاكم تفتيش من نوع آخر، ولكنها محاكم تفتيش بطبيعة الحال، تختلف عن محاكم اسبانيا بأنها لا هرمية فيها، فالجميع فيها ملوك، ولهم محاكمهم الخاصة التي لا ترحم.
لقد احتلوا أنفسهم، وطردوها، حينما طردوا صدق إيمانهم، وفهمهم الصحيح له، ومنطقهم، وتحضرهم النابع من أساس ومبرر. طردوا أنفسهم وأحللوا اؤلائك القوم مكانها، بكل تعصبهم وحقدهم، من حيث لم يعلموا.
سأظل أسير، وأنا أعلم أنه مثلما الآخرين تحولوا إلى اؤلائك الملكين الجائرين، إنما كنت أنا دائماً مورسكي محاكم باستمرار، ومحكوم باستمرار.
قلت هذا في وقت سابق، لكن، لا تكف الإحتجاجات الصامتة، المتولدة من المراقبة والترقب القلق، تتوالد.

يجب أن نحرر أنفسنا أولاً، يجب أن نوجد أندلس في داخلنا، قبل أن نفكر بإيجادها في أي مكان آخر.





اليوم، أخذت أختيّ إلى سوق الرياض قاليري، لدخول محل واحد، بازار نسائي، والخروج سريعاً (سريعاً = بعد دخول خمس محلات أخرى). بينما تصف سيارات الناس في طابور أمام المدخل، كان يأتي بعض الناس، أجانب وسعوديين، ويزاحمون في المقدمة حتى يدخلوا قبل الجميع بلا انتظار. كان هنا شاب جاء إلى جواري، بسيارته الكامري، وأراد إرغامي على إفساح الطريق له. سيارتي الحبيبة، الصغيرة كمكنسة كهربائية حديثة، تغري في شوارعنا على الظلم والعدوان والتضييق. إن خيار غريب كخياري في سيارتي الجيدة المحدودبة أمر لا يدعو إلى احترام الناس هنا بالضرورة. عاندت، واستمريت أسير حتى احتكت سيارتينا بشدة. فتحت زجاجة سيارتي، بينما ابتعد هو فزعاً ليفسح لي الطريق للمرور، وقد خاف. رأيته يؤشر بيده لي لأتقدم. ثم فتح زجاجة سيارته على نحو يسير وسألني: وش فيك؟. (!!) سألته: وش فيني؟ يعني الناس اللي صافين هذولا كلهم ما ملوا عينك؟. كررت السؤال وهو يتظاهر بأنه لا يسمع، ويدعوني للتقدم بحيادية وخضوع. لما يئست، ختمت بقولي: كل تبن. ومضيت. فقدت أعصابي. احتجت أحد أختيّ: يوه يا سعد!! وكأنما بالغت. لقد حك سيارتي!! وها أنا أتركه يذهب بلا عقاب لضيق الوقت، وهو حتى لم يعتذر




فوجئت أمس (قرب العيد) برسالة من مدرس المحاسبة في الجامعة؛ تدعوني للتواصل معه فيما يخص تقدمي في الماجستير. لا أخفي بأني استغربت كثيراً، كما شعرت بالقلق. لماذا أقلق؟ لأن الأمر لم يبدو طبيعياً، فليس شأنه ما اتفقت عليه مع مدير البرنامج، وهو مدرس وإداري أدنى شأناً. كما قلقت مما قد يجري من دراما، فأنا صدقاً لا أحب الدراما، ولا أرى لها داعياً.
تذكرت رسالة مثل هذه، من مدير منتدى أكاديمي، أو كان مديره وباعه، ومع ذلك ظل يتصرف كالمدير. في ذلك الحين رفضت إرسال رقمي، وسألته أن يقول ما يريد عبر البريد، أو يعطيني رقمه لأتصل. كنت غاضب منهم ومقروف إلى درجة أني لم أرد أن أتبع أي مقترح منهم قبل أن أعدل عليه.
لكن الحال اختلاف، وما كنت أقوم به كان شكل من الدراما دون أن أدري، لا يليق أن أقوم به الآن بعد هذا العمر.
أرسلت للمدرس، أسأله إرسال رقمه لأتصل فيه، أو أن يتصل بي على رقمي الذي زودته به في الرسالة. بالطبع، أعلم بأنه لن يرسل رقمه لأتصل بعدما يحصل على رقمي، لكنه كان طلب من باب التهذيب.

لم يطل الوقت حتى اتصل، لكني لم أجب، إذ كنت أقف أمام الخباز، حيث أني ذهبت بدلاً عن والدي ذلك اليوم. فكرت بأني سأتصل حالما أعود إلى المنزل، بعيداً عن إزعاج الشارع. لكن سرعان ما وصلتني رسالة عبر البريد الالكتروني قبل أن أصل المنزل. يقول في الرسالة بأنه اتصل ولم يحصل على إجابة، ويطلب أن أتصل على رقمه، وكتبه. هل ظن أني لم أجب لأني لم أعرف الرقم؟ تخيل. كم هو عجول.
حالما دخلت المنزل وتركت الخبز في المطبخ صعدت واتصلت. أجاب بصوت يقطر ود ولطف. سألني بقلق لماذا لم آتي إلى الامتحان النهائي؟ سألته إن كان لا يعلم بأني تركت المادة وسأبدأ من التالية؟. قال بأنه لم يصله شيء. أخبرته بأنه استلم رسالة من زميلي تخبره بذلك (زميل جنوبي، يحبون أصلحهم الله إفتعال المواقف غير الضرورية). لم يجدر بي محاصرته هكذا، وصدقاً لم أقصد والله إحراجه، لكني غبي. أجاب بسرعة بأنه استلمها، إنما لم يستلم من الإدارة رسالة رسمية، وبدا أنه محرج قليلاً، أو متوتر. سأل إن كنت قد كتبت خطاب رسمي للإدارة في هذا الشأن؟ أخبرته بأني راسلتهم عبر البريد. فقال بأن هذا جيد، حتى لا أواجه مشاكل حينما أدرس المادة للمرة الثانية. كان يظهر حسن نيته، وقد قدرت هذا كثيراً. ثم قال بوضوح مقصود، وبطريقة من أعد لهذا القول، بأنه يتمنى لي التوفيق في ذلك الحين، مع مدرس أفضل منه، ثم أطلق ضحكته البحوحة المرحة. لم أرد أن أنافقه، فقلت فقط: جزاك الله خير. ماذا بوسعي أن أقول أفضل من هذا؟ بوسعي أن أواسيه وأدعي أسباب أخرى، لكن ليس هذا ما يجب القيام به. تمنى لي التوفيق وأغلقنا السماعة.
لم يكن أمر مهم إذاً. كان يريد ربما أن يظهر حسن نواياه فقط، أو أن يلقي بتلك العبارة االأخيرة، حول جودته كمدرس. أفهم إظهار حسن النوايا، لكن لماذا قال العبارة الأخيرة؟ هل هو مجروح لحذفي للمادة؟ لكن طالبين أو ثلاثة تخلوا قبلي عن المادة. كما أني لم أحاول أن أفتعل أي شيء أمامه فيما يخص الأمر، ولم أحتج عليه لا كشخص ولا كمعلم بقدر ما احتجيت على نوعية المنهج والمدة الممنوحة للناس وليس أمامه حتى، إنما اتخذت الدرب الرسمي، بطريقة رسمية. لم أحاول إستفزازه بأي شكل على الإطلاق، حيث لم يغب عن بالي أني إنما جئت للتعلم، لا لتكوين الصداقات أو العداوات، ولا لتضييع الوقت على المواقف الجانبية، كما لم أنسى أني أتخصص في إدارة الأعمال، لا في الدراما المسرحية.
ورغم أني غير مجروح بأي شكل، إنما خائب الظن من التجربة، أعتقد أنه كان يجدر بي أنا أن أكون الطرف المجروح، إن كان يحق لأي أحد أن يكون الضحية. فأنا من أُهملت، وأنا من أوحي لي بقصد أن المكان ليس لي دوناً عن غيري، وأنا من قيل لي بلا سبب ولا مبرر عن قصة الكيمستري المفقود.

كان الدكتور الألماني غاضباً، ويشعر بالمرارة حينما أخبرته عن الأحداث الغريبة التي مررت بها، وكان ينعتهم بالغباء. كان أكثر ما فاجئه شخصنة التجربة إلى هذا الحد مع هذا المدرس. أخبرته بأن لا يغضب، فالأمر كان ميؤس منه منذ البداية، وأني سأرى فرصتي مرة أخرى (إن شاء الله). لم يخفف هذا من ندمه، إذ كان يلوم نفسه أيضاً، لأنه لم يفطن لتدريسي وتبسيط الأمور لي، كما قلت سابقاً. أخبرته بأن هذا حتى لم يكن ليجدي، فأنا أصلاً بطيء التعلم، والوقت لم يكن يسمح، كما أنه مشغول جداً. حاول خلال جلستنا أن يشرح لي المادة بطريقته، بالإستعاضة بأمور حياتية تهمني، بدلاً عن اللغة الرسمية والجافة للمادة. شعرت أني استوعبت الفكرة.

إذاً، لماذا دائما تستمر معي الدراما أطول من العادة؟ رغم سلبيتي فيها؟. كان صديق لي في زمن غابر يقول بأنه يتمنى لو كان في مكاني، مع كل هذه الأحداث والأوادم الغرباء في طريقي. أما آخر فكان يقول بأن مجرد وجودي معه يأتي بأشياء غير متوقعة خلال ذلك الوقت. أما ثالث، فكان يكتفي بالضحك، وقول: حياتك غريبة.
لكني أعتقد أنها تجري لكل أحد. ربما أنا أجيد عرضها فقط.





كما توقعت، رفضت أمي هديتي، العقد الجميل، لأنها غريبة وثقيلة.
وليس كما توقعت، لم أستطع إقناعها بلبسها ولو لمرة واحدة. 
شعرت بالاكتئاب، لكنه بالواقع كان ممزوجاً بنوع من السعادة والرضا. لست أخفيكم أن أمي كثيراً ما "تكسحني" (تكسح= تكسف لدى المصريين، ترفض على نحو غير متوقع ومحرج). لكني أشعر بالرضا لأني الوحيد الذي تتجرأ على رد طلباته وتوبيخه دون الخوف من جرحه، أو خسارة حبه، ولو للحظة. لهذا تكون واضحة وغير مجاملة كثيراً من هذه النواحي، لأنها تعلم أن حبي لها لا نهائي وبلا شروط، وأنه لن يتوقف، وأني لن أجرح مشاعرها بالمقابل أو اؤذيها لأرغمها على شيء، لأشعر أنا بالرضا. في حين تقبل وتجامل إخواني الآخرين كثيراً، حتى لو لم ترغب بما يأتون به، حينما يأتون بشيء، أو يعرضون شيئاً، لأنهم مختلفين. أشعر بقوة بأنه لو أحدهم أعطاها هذا العقد، لما رفضت، وهذا يشعرني بالسعادة، أني متوصل إلى حقيقة غير مفهومة للآخرين، أو أبعد من مستوى إدراكهم، أني أحضى بهذه المعاملة القلبية.

أعتقد أن العقد سيئول إلى إحدى أخواتي.



أتسائل إن كان مديري قد تذكر أن يسقي نبتتي مرة أخرى؟ أخشى أن تموت.

لا، لم يقصر هو وزميل آخر، جزاهم الله خيراً. فوجئت بناصر (النبتة) وقد نبت شعره على أفضل نحو.








حقيقة مرة، حتمية، يجب أن أواجهها لمرات يعلم الله وحده كم ستكون. إني لن أرى أناس غالين على قلبي مرة أخرى، وعددهم يزداد، أحياناً على حين غره. 
فكرت بهذا حينما علمت بأن صديقي الصيني الدكتور غادر السعودية، ولن يعود على الأغلب، بلا وداع حقيقي أو توضيح، فقط هدية مترفة في آخر مرة رأيته فيها. مر وقت الآن على مغادرته، وقت طويل. ولم أعلم إلا بعد ذهابه بفترة طويلة أنه لن يعود، عن طريق الصديق الصيني الآخر. لماذا لم يخبرني؟ لا أدري، فقط أتذكر نظرته حينما وقف يشيعني بنظرته، وقبل ذلك لطفه البالغ معي قبل أن أركب السيارة مغادراً، مديحه، تقديره ومحبته.
هؤلاء الناس الغرباء، الذين لم أرهم كثيراً بالمقارنة، قدروني كثيراً وقدرتهم، أكثر ممن أراهم كل يوم. أحببتهم من قلبي.
ما باليد حيلة.
حينما راسلته مستفسراً، فهمت أن نيته كانت هكذا مسبقاً، فهمت دون أن يقولها صراحة، أنه لم ينوي أن يودعني. ودعني بقلبه فقط، اعلم هذا، لم أنسى نظرته. إن الصداقة الحقيقية صداقة القلوب.
حكى لي أنه قص لأهله وأصدقائه عني، وأنه يعتبرني أفضل أصدقائه. قال بأنه بالنسبة للصينيين، أفضل الأصدقاء هم أصدقاء لبقية العمر. وقال بأنه يرى بأن السعودية تمتلئ أملاً مما يراه من أسلوب حياتي ومواقفي، لأنهم في الصين يقولون لترى مستقبل بلد انظر إلى شبابه. أخبرته بأني محظوظ بصداقته، وغير قادر على وصف شعوري ورؤيتي له.


الدكتور التركي، الذي حكيت عنه قبل زمن طويل، وجذبت قصة دعوته لي للإفطار مع عائلته اهتمام بعض قراء المدونة، هو الآخر سيرحل. رحل قبل فترة، ولم أتوقع أن يعود، لكنه عاد فجئة، قال بأنه سيسوي بعض الأمور، خصوصاً أمر كفالتي له، ولم يكن يحتاج القيام بهذا، لكنه خاف أن أتورط لأنه لا يدري.
قال معتذراً بأنه كان ينوي أن يحضر لي حلوى من اسطنبول، ولكن رحيله منها جاء فجئة. أخبرته بأنه لا يحتاج أن يحضر شيئاً، فهو حلواي. ضحك واحتضنني. لكني لا أدري، هل سيغادر هو الآخر بلا وداع؟.








صرت الآن أستخدم مودم الكونيكت حينما أكون خارج المنزل. اكتشفت مؤخراً بأني أواجه مشكلة في التنسيق بين النصوص التي أكتبها بدون انترنت والمخزنة على الانترنت. حيث تبقى النصوص التي أكتبها بدون اتصال على جهاز النتبوك، الذي آخذه إلى برقركنق. ثم أفاجئ حينما أجد أريد الكتابة في العمل في وقت الفراغ أن النصوص على الشبكة قديمة. بالبداية أردت الاستفادة من شركة موبايلي، واستخراج شريحة أخرى على نفس رقمي، لكني وجدتهم لا يوفرونها إلا في الفروع الكبرى، وغالباً ما تكون شديدة الازحام، مع اني قررت الانتظار مرة، لأفاجئ بالموظف يخبرني بأن النظام متعطل، دون أن يعلنون بذلك مسبقاً. في الاتصالات يوجد عرض لأصحاب باقات جود، تحصل على شريحة بـ50 ريال شهرياً تضاف إلى الفاتورة، وتعمل بحدود قيقا واحدة في الشهر. أساساً خارج المنزل لا أتصفح، إنما أكتب فقط وربما أطلع على البريد، فهذه أكثر من كافية على ما أعتقد.









لا أحب شرب الشاي أو القهوة في الوضع المعتاد. لا أشرب الشاي طوعاً إلا حينما أكون شديد النعاس وقت العمل، وقد يحصل أن أضطر لذلك كل يوم في الأيام التي لا يكون فيها نومي على ما يرام.  لكن ما أحبه فعلاً هو تجريب المشروبات الاخرى، حتى لو كانت شاي من نوع آخر. لفترة قديمة عشقت الشاي الأخضر، وصرت أشربه وقت الامتحانات، حتى شعرت ذات مرة بألم في كليتيّ، فتركته. لا أمانع أن أشربه الآن، لكني لا أشعر بأنه ضروري. بالنسبة لي، المشروبات تكون أفضل قبل النوم، أو وقت الاحباط أو التوتر لأي سبب. اكتشفت بعض المشروبات التي تساعد في هذه الظروف. هناك مشروب القنسنق، يأتي بظروف صغيرة، وهو ذو طعم غريب، لكني أحبه، ويؤثر كثيراً على أعصابي المشدودة، أحبه قبل النوم خصوصاً، مع العسل الجيد، مثل عسل نكتافلور الأكاسيا. اشتريت البابونج أكثر من مرة في الفترة الفائتة، بعدما علمت عن فوائده للجهاز التنفسي. جربت نوع من ماركة محلية لكن يعبأ بأسبانيا، بصراحة لم يعجبني. جربت نوع أمريكي، يعبأ هناك، وقد كان قوي المفعول. هو أيضاً أجد له تأثير مريح ومرخ للأعصاب. كما أني حينما أعانيا من ضيق التنفس أو الكحة أو الزكام، أجد مفعوله سريع وقوي وممتد إلى درجة أني صرت ألجأ إليه بسرعة. 
بالطبع، لي تجربة مع شاي بالفانيلا، ولم تكن موفقة. كانت رائحته فقط جيدة، لكني لم أشتره لأتعطر به.
أما آخر المشروبات الساخنة التي أحب، فقد اكتشفته مؤخراً وتهت في حبه. هو من شركة أمريكية قديمة اسمها سلستيال، لكنها مؤخراً فقط طرحت منتجاتها هنا، أعتقد عن طريق استيراد التميمي. المشروب يتكون من البابونج، والفانيلا، والعسل، وقشر البرتقال. يأتي على شكل أكياس من أكياس الشاي للكوب الواحد، بدون سلك للتعليق خارج الكوب. له طعم فريد، وأتصور أن للفانيلا دور كبير بجعله مرخي للأعصاب أكثر حتى من البابونج الآخر، الذي يأتي أيضاً بنفس الطريقة.

علب هذه الشركة أنيقة وملونة، وتأتي غالباً برسومات جميلة، بشخصيات حيوانية مع نباتات تمثل أجواء الشاي الخاص من كل نوع. لكن الغريب أن النوع الذي أشتريه يخلو غلافه من هذه الشخصيات الخيالية دوناً عن غيره، كما أن سعره أعلى بكثير.
الآن نحن قرب الشتاء، وفي تغير الاجواء الآن، أنصحكم بتجربته.










أحب أن أشكر أشخاص مميزين، وقلوبهم كبيرة، قد عبروا في التدوينة المؤسفة السابقة عن اهتمامهم وتضامنهم الصادق، تضامنهم الذي مر عبر مخالفتي وجهة النظر، بصدق نواياهم.
أشكر الأخ مورفين، وأخبره بأني قدرت كثيراً اهتمامه، وقدرت وجهة نظره إلى أقصى حد. وأني أريده أن يعلم أن سبب نشر تعليقاته بشكل مختلف هو أن مدونته المميزة جداً حوت صوراً قد لا أحب أن يراها أبناء إخواني الذين قد يعرجون على مدونتي، ومن في عمرهم، والفتيات. هذا هو السبب، ولكني أرى أن مدونته مميزة.
كما أشكر الأخت استثناء، رغم أني توقعت مسبقاً وجهة نظرها، وتوقعت منها هذا النوع من التدخل وصدق النصيحة. هي عند حسن الظن.
أما بلو، فلا شكر لك هذه المرة. قدرت بصدق عاطفتك الجياشة، لكن نصيحتك جائت على جانب من القسوة ومليئة بالولولة. لا زلت أقدر صدق نواياك، وأنتظر نصيحتك حينما أتشاجر مع مغربية أخرى، وسأقدرها على نحو أفضل إن شاء الله.








قبل فترة اشتريت 3 كتب، جلها كانت فاشلة إلى حد بعيد، الله لا يخسر. أحدها كان قصة طفولية سخيفة، توقعتها أعمق. والآخر رواية فرنسية عن شيخ فيتنامي في أمريكا، وقد كانت أفضل الأسوأ، لكنها غريبة أطوار، وثقيلة ظل، لكن نهايتها مفاجئة وجيدة إلى حد ما، وإن لم تشفع لها، كما أن النهاية ليست بمستوى نهاية :رؤى لوكريثيا، التي تحدثت عنها سابقاً هنا. أما الأخرى فكانت رواية لكاتب صيني، يقول الكتاب أنه يعتبر من أعظم رواتهم، لكن لقبحها وافتعالها وسخافتها لم أستطع إكمال نصفها. كنت آمل بتجربة كقراءة كتاب تيان آن مين، أو بلزاك والخياطة الصينية الصغيرة.


اشتريت أمس كتاب مثير للاهتمام. هو لويليم قولندق، مؤلف سيد الذباب، وهي رواية جميلة ومميزة. قرأت قبل فترة ليست بالقصيرة رواية أخرى له، اسمها سقوط حر، لكنها كانت سيئة برأيي. أما كتاب أمس، فقد اشتريته بعدما احترت بشدة، وقضيت وقت طويل في مكتبة الكتاب. وجدته مصادفة، وهو كتاب صغير وعتيق، وأخذته مباشرة. تدور الأحداث في زمن سحيق، حول شخصيات من إنسان النيانديرثال القديم. مثيرة للاهتمام جداً حتى الآن، بغرابة أطوارها وجمال ودقة التوصيف فيها. لكن يجب أن أنهيها أولاً لأحكم.








لدي أفكار لمشاريع جيدة وغير مكلفة على الانترنت. لكن المشكلة تتعلق بالجانب التقني. أحتاج إلى شخص متمكن من التعديل على الأكواد الموجودة بالفعل، فيما سأتولى أنا التسويق والتمويل. كنت أفكر بصديقي سيد، الهندي في الجامعة، فقد كان يريد العمل بمشاريع كهذه، لكن الآن وابنه وزوجته عنده، لا أتصور بأنه يملك الوقت، كما أني لا أعتقد أنه سيأخذ الأمر بجدية معي. مع ذلك، أحتاج إلى شخص من نوعيته، مرن وأمين وسهل التعامل، كما يفتقر إلى معرفة اللغة العربية كي يكون لي دور في الأمر، وأكون ضرورياً. أما لو تعاملت مع سعودي، فأتصور بأنه قد يسرق الأفكار، وربما لن يحتاج إلى تمويلي. أما العرب، فمزاجي لا يحتمل أي دراما أكثر مما لدي. أتذكر مدون سوري، كان يعمل إدارياً في خدمة تدوين سعودية، لسبب ما كان يفتعل دراما عجيبة معي، ولا تمر الأمور برسمية، وكأني لست عميل، إنما درويش. تركتهم قبل وقت طويل جداً. أمر مضحك أن مدونتي كانت تسبب مشاكل تقنية لهم بسبب طول النصوص. الآن تحولوا إلى الوردبرس، ولم أستطع الدخول إلى حسابي القديم، على الأقل لأصل إلى الصور التي أخزنها هناك.







يوجد الكثير للقيام به في الفترة القادمة. مواعيد لم تسوى مع المستشفى، ومواعيد سويت وتنتظر الحظور، وأشياء من هذا القبيل، لكنها أمور أعرفها. إني قلق من إكمال الدراسة في البرنامج بصدق. لا أستطيع التفكير بما سيكون عليه الحال، هل سأكمل أم لا. فكرت بأني لو لم أكمل، فسأحاول تعلم لغة أخرى بجدية، لأستثمر الوقت بشيء. لقد بدأت أخطط لما سأفعل حتى قبل أن أقرر ترك البرنامج، وهذا ما صدمني وأقلقني أكثر.





سعد الحوشان