سِجل المدونة

الثلاثاء، 28 يوليو 2009

ابتسامة السكرتيريزا(أحداث،أفكار،شيء من قصة)

بسم الله الرحمن الرحيم








ما أصغر الأشياء التي تستجلب الذكريات الكبيرة. قد تبدو أحياناً أشياء غير منطقية، ولكن، لها معنى في منطق عقلي لا يشرح. صوت غريب، ضحكة، كلمة لا علاقة لها بالذكرى، ولكن بشكل ما تستدعيها. إن نصف حياتي اليومية ذكريات، أو أكثر. إن اختفاء الناس الذين يعطون للأماكن معانيها، لا يثنيني عن زيارتها.



كنت اليوم في مصلى كلية الآداب. وقد أحضرت معي قارورة الماء، في جرابها القماشي الذي أستعمله كي لا تسخن. لم يكن من أشيائي حتى وقت قريب. في المدخل، دليت القارورة إلى جانب العمود ووضعتها. تذكرت تركي كل يوم للقارورة بجانب ذات العمود، بنفس الطريقة. ورغم مرور الكثيرين، إلا أنها لا تمس. فكرت بالصعود إلى الأعلى، حيث كانت الصولات والجولات، ولكن في الأعلى، سيكون الأمر أشد وطأة على النفس. لقد ذهبت اللغات، ولكن بقي المصلى، مصلى. وفي الأعلى، لم يعد مكان اللغات، صار مكان كلية غريبة، تعنى بالسياحة والآثار... آثار ماذا؟ أنا آثار، يمكنهم أن يَدرسوني ويُدرسوني، هل تبقى مني شيء؟.









كنت قد بدأت قصة، أردت نشرها هنا. وهي ليست الأولى، ومثل سابقتها، ليست مجرد قصة قصيرة، ومثل سابقتها، صارت في النهاية قصة مبتسرة، يتساءل المرء هل يصلى عليها قبل دفنها؟ عموماً، لا أشعر بعاطفة كبيرة تجاه هذه القصة، ربما لأنها في أمر لا يعنيني، ولا يشكل بالنسبة لي هماً. هي، ويا للعجب، وبالنظر للكاتب، تعنى بالشغف بالسيارات.

عموماً، هذا ما كتبته منها، ولا أنوي إكمالها.

إسمها: سوبارو502



بسم الله الرحمن الرحيم





لم تكن السرعة، ولا فن القيادة، هي أكبر همومه الحياتية، ولكنها كانت موهبة، وكانت تشبع رغبته بالانجاز بشكل ما. لم يحصر حياته عليها، رغم ما يتخيله الناظر إلى حياته المهنية إن جاز القول. هل يمكننا أن ندعو شيء لا يتكسب المرء منه مهنة؟ إن المؤلفون هنا لا يكسبون من كتابتهم شيئا، ولهم وظائف أخرى غير التأليف، وعليه، لا نسمي التأليف مهنتهم. رغم ذلك، يكسب المؤلفون في العالم من الكتابة، ويعتاشون منها، وقد يثرون من خلفها كذلك، ولهذا يدعونها مهنتهم. إن الأمر يتشابه، الكل يقوم بنفس الشيء، ولكن، من يقرر مهنية الشيء وفائدته هو المجتمع. إنه كالمؤلف، بجرة إطارات السوبارو في الطريق، وكل مؤلفاته كتبت على شوارع الرياض. لقد يسرت له بشكل عجيب كل أسباب ممارسة هوايته. فهو شجاع لا يهاب، وواثق لا يهتز، وله أصدقاء، ليسوا نافذون تماماً، ولكنهم يستقبلونه حين تسوء الأمور، وهي تسوء في لحظات، في كل مرة تقريباً. إنه لا يخاف الشرطة ولا المرور، الذين اتفقا على مطاردته، فهم ليسوا بند له، لا أحد يقود سيارة هو ند له، وهو لا يبحث أصلاً عن منافسين.


لا أحد يعرف إسمه من معجبيه، ولا حتى شكل وجهه. وقد حضهم بإلهامه أن يبدعو بدورهم، أو يحاولوا على الأقل، كما تقرأون هنا. راح بعضهم يرسم صور متخيلة له، والبعض يؤلف القصائد، والبعض ينسج القصص، وآخرين يحترفون الشائعات والتشويه والإهانة. وحينما تقول بأن لديه معجبين، فأنت لا تتحدث عن نوعية الإعجاب المألوفة في عالم السيارات هنا. فمن جهة، هو مختلف، فهو غير مفحط، وغير باحث عن الشهرة لذاته، ومن جهة أخرى، أصبح هذا الإنسان ظاهرة في المجتمع، يهتم الجميع السائم باخبارها وتمردها. إن الجرائد تبحث عنه، وتنتقد الأمن بسببه، وتدرس تداعيات ظاهرته الإجتماعية، وقد أثار وجوده ومواقفه جدلاً مشتعلاً، وذكر في خطب الجمعة، وحكت عنه جريدة اللوموند وهي تناقش ظاهرة عشق السيارات لدى السعوديون. يسمونه الناس صاحب السوبارو، ولكن اسمه ببساطة: سليمان، وهو ما لا يعرفونه.




كان سليمان في الثامنة والعشرين من عمره، ولكنه يبدو أصغر أحياناً. تخرج من الجامعة، فكانت معونة أهله له هي شراء سيارة جديدة. ولأنه توظف سريعاً، قرر شراء سيارة مختلفة، ولو كانت غالية، بحيث يدفع جزء من معونة أهله، والجزء الآخر يقترضه من المصرف. المهم أن يحصل على ما يريد، ليس أقل ولا أكثر. ولكن، ماذا يريد؟ احتار كثيراً في الأمر، لم يرد تويوتا ولا فورد، ولا نيسان. كان تفكيره يرتكز على سيارة أوروبية مرفهة وجميلة، ذات شكل غير مألوف. توجه إلى سيات، كانت سياراتها جميلة حقاً، ولكنها من الداخل غير مرفهة، كما أنه خاف من توفر قطع الغيار، وعلم أن قطع الغيار والصيانة ستكون مشكلته وتضحيته إذا ما اختار سيارة أوروبية. إذا لتكن ستروين. كانت سيارات جميلة تلك السيارات، أنيقة جداً، وذات مميزات مذهلة من الداخل والخارج. ولكن، لاحظ بأنه على الطريق، يزول الانطباع الذي تتركه الستروين على المشاهد حالما تختفي السيارة عن ناظريه لسبب مجهول. كان يريد لفت الانتباه ولا يخجل من هذا، لأنه يريد لفت الانتباه بشكل مختلف عن رؤية المجتمع للفت الانتباه، كان يريد أن يعطي انطباع عن شخصيته بلفته للانتباه، لا عن ثروته أو سطحيته. لا أمل من فولكس ويجن، فهي جامدة ومملة، ليس كما كانت. كانت هناك فيات، ولكنها لا تباع هنا للأسف. ميني كوبر جميلة، ولكنها انتشرت، وفضلاً عن انتشارها، كان مقتنوها هنا مشكلة، فهم قوم مشبوهون، ومما زاد الطين بله، إنه يكره البريطانيين. ساب السويدية جديرة بالاهتمام، اجدر من فولفو الأشهر. مع ذلك، كان ساب تعاني من مشاكلة كشركة، وبدت سياراتها حينما دقق فيها النظر مترهلة، تكاد أن تتفكك، ولم يحب أن يتأكد، فطالما تركت لديه هذا الانطباع، فلا يهم ما تتركه في نفوس الناس. رينو؟ سيارات جميلة، بعضها يبدو رخيصاُ على نحو مفرط، ولكن كانت سياراتها المتوسطة مبدعة حقاً، خصوصاً لاجونا، حملت الطابع الفرنسي المتقن والمرهف في الأمور، ليس بالغ الرهافة، ولكنه واقعي الرهافة، ويدخل القلب هكذا، وهو لا يبدو مفتعلاً، لا يختلف عن باقي صنعة الفرنسيون وطابعها الجميل. لم تكن السيارة منتشرة كثيراً، واطلع على بعض الانطباعات التي امتدحتها. وحينما يراها متوقفة، كان ينتظر أصحابها ليخبروه عنها، وقد وجدهم جميعاً لطفاء على نحو غريب وموحد، ولا عجب، فهم كلهم لبنانيون. إنهم يسرقون البريق هكذا، لرجل سعودي يشتري سيارة مميزة، كما قد يسرق السعودي البريق من لبناني، حينما يحاول الأخير شراء شراء لاندكروزر أو شاص. كانت خسارة، ولكن، لم يجد خياراً.
 
انتهت، أو انتهى ما قدر لها من طول.
 


 
جائني موظف مصري، وسألني إن كنت أخ المهندس فلان؟. أخبرته بأننا لسنا أقارب. أنا أعرف الاسم جيداً، وقد شد الشخص انتباهي كثيراً لحضوره المكثف في رسالة الجامعة، وربما جريدة الرياض، ولكني نسيت شكله، أو لم أشعر بالتمييز بينه وبين موظف بارز في الجريدة. رأيته بعد قليل، وقال بأني أخ المهندس فلان، ولكني لا أريد أن أقول. أقسمت له بأننا لسنا أقارب. وفي تلك اللحظة، كنت قد ولجت الانترنت وبحثت في موضوع هذا الفلان، ووجدت عدد مهول من الروابط لأجله، ولكني بحثت بالصور ووجدت كذلك العديد منها، ولم أجد شبه حقيقي بيني وبينه. ربما لنا نفس الدرجة اللونية، وحتى هذا أشك فيه. تكلم لي عن الرجل، وأنه شخص طيب ورائع، وأنه صديقه. قلت: طيب، قل له اخوك بالشبه يسلم عليك. حينما أراد أن يذهب سألني عن اسمي. قلت سعد. قال الفلان؟ قلت لا، الحوشان. إن الشبه قد يكون انطباعياً أحياناً، وهذا ما لا يدركه الكثير من الناس، وأحياناً يدركون قضاياه مع الوقت. من يدري، لعلنا نتشابه بشكل ما. بالواقع، الشبه الانطباعي من أكثر الأشياء التي تثير اهتمامي.











حصلت مفاجئة حلوة اليوم. لقد جاء مديري الدكتور العزيز السابق، أقصد مديري في الوزارة قبل أن أعود إلى مكاني. جاء إلى عمادتنا ليحصل على ورقة، وبنفس الوقت ليأخذ تلك الورقة التي تكفلت بمتابعتها حتى انتهت من أجله.سلمت عليه مصافحة، وسألنا بعضنا عن الحال. ذهبت إلى مكتبي الخالي لأحضر له ورقته. كان يقف في مدخل الاستقبال، قريباً من مكتب مديري العزيز الحالي. فوقفت بباب مكتب مديري قبل أن أعطيه ورقته، وأخبرته بأن مديري الدكتور في الوزارة هنا، وأني أود لو سلم عليه. ابتسم مديري وخرج من مكتبه. وتصافح الرجلان، وتبادلا المجاملات. وقال مديري في الوزارة أني كنت من خيرة موظفيهم، ولكني رفضت البقاء. رد مديري الحالي بأنهم يعرفونني من قبل، وامتدحني. بعد السؤال عن الحال والتعارف، ودعنا مديري السابق، ومضى. نظرت إليه وهو يمضي. خطر في بالي الدكتور المشرف، هذاك، لن يحضر أبداً إلى هنا. أعتقد بأني لن أراه أبداً. كم هذا مؤسف، رغم أني لم أعرفه بقدر ما عرفت مديري الدكتور المباشر.








أحاول تنسيق أمري لإكمال دراستي، ولكن الوضع أعقد مما توقعت. إني لدي شروطي ومتطلباتي، لأني حريص على الأمر وشغوف به. لا أستطيع الإكمال في جامعتي، الملك سعود، لأني لا أعتقد بجودة مستواها، خصوصاً مع عميد إدارة الأعمال الحالي. ولا مانع لدي عن الدراسة في جامعة أهلية هنا، بل هذا ما أفضل في ظل الظروف. ولكن، ليس في جامعة الأمير سلطان. أما جامعة اليمامة، فيبدو أنها تعطي برنامج مختلف في ماجستير إدارة الأعمال، يستهدف من يعملون بهذا الحقل بالفعل على ما يبدو. جامعة دار العلوم الجديدة، التي راسلت مديرها الغريب عبر موقعه، أخبروني اليوم في الهاتف أن البرنامج قد يبدأ بعد سنة... وكانوا قد أهملوا رسائلي إليهم عبر البريد، مما أعطاني تصور مختلف عنهم. أنا متحمس للدراسة هناك، فقد يدرسني مديرها مادة، حيث أن تخصصه يناسب ميولي بشدة، وربما هو ما أريد دراسته بالفعل، ولكنه غير موجود في السعودية على شكل ماجستير للأسف. صحيح أن شخصية هذا المدير،،، لا أدري، ولكن لا يهمني، أعتقد بأنه سيكون مفيداً، حيث أن موقعه مفيد. الراجحي سيبدأ جامعته في العام المقبل، ولا أتصور بأنه سيقدم الماجستير في أول سنة، رغم أنه يولي عناية خاصة إلى جامعته على ما يبدو. هي بالقصيم، البكيرية، وربما أمكن تنسيق حضور الطلاب من مناطق أخرى كما يجري في البحرين. لا يمكنني الدراسة بالخارج، وهذا ما يصعب على بعض الناس فهمه. جاء اليوم دكتور جنسيته استرالية وأصوله باكستانية، وهو ودود جداً، ومتحمس لإعطائي فكرة عن الدراسة في استراليا، سمعت لشرحه، وأخبرته بأني لا أستطيع الخروج للدراسة على الأغلب الأعم. ولكن، هذا لم يقلل من اهتمامه بالمساعدة وعرض الخبرات والاستشارة من أجلي حتى. لو فكرت بالدراسة في أحد دول الخليج، ولو كان هذا ممكناً من حيث تقسيم الوقت كالانتساب، سأواجه صعوبة كبيرة بالمصاريف. وإلا، فإنه يوجد تخصص آخر يهمني جداً في جامعة زايد في الامارات.
برنامج اليمامة حتى مرهق مادياً، لكن لا بأس إن كان على دفعات معقولة.








كنت أسعى في أمر يخص أخي الكبير في الجامعة، وكان الأمر قد تأخر كثيراً. ومع الكثير من التردد، شارف الأمر على نهايته أخيراً في مكتب مدير الجامعة. هناك، يوجد موظف شهير، وهو آمر ناهي في المكان. كنت قد كلمته عدة مرات سابقاً، حينما رفعت شكوى لم يجري عليها شيء، بطبيعة الحال، إلى مدير الجامعة، بخصوص دكتورين خسيسين. وبشكل غريب، كان هذا الموظف كثيراً ما يصمت حينما أدخل عليه، وأقول ما لدي بهدوء، ويتأملني "برواقة" ثم يبتسم ابتسامة مفاجئة، واسعة، ليست لي بشكل واضح، وكأنما هي علي، جريئة وكأني حتى لا أراه، رغم أني لا أستطيع أن أضع يدي على ما يضحكه. حينما دخلت في آخر مرة منذ أيام، كلمته عن معاملة أخي، وبدا أنه غير متأكد من شيء سوا أنه وقعها من المدير، ولكن لا يدري أين أودعها أو لمن أعطاها. كنت أكلمه بهدوء أكثر من المعتاد، إذ كان نفسي مقطوعاً أصلاً لأني كنت أجري تقريباً، وحاولت أن لا أبين إنقطاع نفسي. لم يبدو أنه لاحظ. ولكن بعد لحظة، سكت وتأملني بشكل غريب، ولأني أعلم، انتظرت الابتسامة الغريبة الواسعة، فحدثت. تساءلت بنفسي، ما الطريف الذي يجده بي؟ حيث يبدو أنه كلما رآني وكأنما قرأ نكتة، رغم محاولتي الظهور بأقصى ما أستطيع من رسمية. فاجئني بسؤاله، إن كنت أعمل معهم؟ أخبرته بأني أعمل معهم، ولكن ليس في القسم الذي أرسلني لسؤاله. أعادني للقسم، ثم أعادني القسم إليه. أخبرته بأن المعاملة لم تأتي إليهم. وقف ليبحث بالأدراج، ولكنه ما لبث إلا أن توقف فجأة، والتفت يتأملني، لا يتواصل بصرياً، ولكن ينظر إلي وكأني جماد، ثم عاد وابتسم تلك الابتسامة اللغز. سألني في أي قسم أعمل؟ أخبرته بأني مترجم في القسم الفلاني. بحث عن المعاملة فوجدها على المكتب تحت معاملة أخرى. مدها إلي وطلب مني إعطاءها للموظف بالخارج ليعطيها رقماً. شكرته وخرجت من مكتبه. ولكنه لحق بي، أو خرج معي على الأصح، وأخذ المعاملة مني ودخل بها على موظفين تحته، ولما منحوها رقماً خرج وأعطاني إياها، ثم تردد، أخبرته بأني أريد صورة فقط، فقال بأن هذا ممنوع، وأخذها مني. لم أعترض. غير رأيه، وطلب مني أنه أعده أن لا أصورها إلا إذا سمح لي القسم المعني، فوعدته. مشى إلى جانبي قليلاً ومعه المعاملة، ثم توقف ونظر إلي. توقفت وعلمت بأنه يريد أن يقرأ النكتة مرة أخرى. توقفت بهدوء وصمت، وتركته يتأمل ملئ عينيه، نظر إلى وجهي ودارت عينيه فيه، ولم أشعر بالضيق، فعلى الأقل، يبدو حسن النية من جهة أنه ليس من النوع الذي قد يخرج السخرية خارج نفسه. لما اكتفى، ابتسم بقوة وكأني لا أراه، وأعطاني المعاملة ثم مشى. وفي طريقي للخروج مشى معي وقال بأنه يتعامل معي بالثقة، فيجب أن لا أصور المعاملة، أكدت له أني لن أفعل بدون اذن القسم المعني، وكاد أن يخرج معي من القسم لولا أنه انتبه فجأة وعاد أدراجه من عند الباب. في كل مرة كان هذا هو الوضع معه. لا أحد بالعادة يجد شكلي طريفاً، أو يبتسم بهذه الفجاجة، فلا موقف يذكر قد حصل لأقول بأنه ما يضحكه. كذلك، أتصور بأنه في كل مرة، يحسب بأنه لأول مرة يراني. ومن يعمل في مكتب مدير الجامعة أو الوزير، لا يتذكر الناس.
ذكرني هذا الرجل بابتسامات شخص عزيز، كنت في نزاع معه في لحظة من تاريخي، وكان يصمت بعدما يقول شيئاً، ويتأمل كياني المهزوز، الغاضب، المحترق، ثم يبتسم بغرابة، وكأنما يرد باله فكرة لا يريد أن يفصح عنها، فكرة لا تتعلق بالنزاع، وكأنما في لحظات ابتسامه، يناقش موضوع آخر يخصني بصمت، موضوع عني، ولكن لن أعرف ما هو أبداً. كم كنت مثيراً للشفقة والازدراء في نفس الوقت، في ذلك اليوم...





إني أجمع المال حالياً وأخطط للسفر في شهر اكتوبر أو نوفمبر مع أمي. في بلاد العالم المشهورة يكون الوقت شتاء في ذلك الحين، ولكني أخطط، إن كتب الله، أن أذهب بأمي إلى نيوزيلاندا. وهي تقع في جنوب الكرة الأرضية، حيث يكون الفصل في ذلك التاريخ ربيعاً. نيوزيلاندا بلد جميل، في نهاية العالم شرقاً، بعد استراليا. سمعت بأن أهله طيبون، حسن تعاملهم مع الناس. وقد قال لي شخص استرالي بأنه يلائمني كشخص، فهو بسيط وجميل وهادئ، وأنا أحب الهدوء. أمي تحتاج إلى السفر إلى مكان كهذا برأيي. لا أود أن أتنقل بها إلى العديد من الأماكن هناك. ربما نكتفي بجولة بقطار الترانزالبين، وهو شهر عالمياً بسبب المناظر التي يمر بها، ثم نستقر في مكان أخضر وريفي، حيث نتمشى فقط بالسهول، ونرى الأغنام التي نحب. المشكلة الكبرى في الأمر هي موافقة أمي. التي تسايرني، وتشد وترخي في الأمر، وكأنما تود خداعي في النهاية كالعادة، وتقول لا بطريقتها الأوبرالية. ساعتها، سأحزن حقاً. إنها أمنية أن نسافر معاً لوحدنا، أنا وأمي. ما أجمل مجالستها، ما أجمل حكيها، وكيف سيكون بلا مقاطعة، وبلا هم، وبلا حظ سيء ومنكدين.
لماذا نيوزيلاندا؟ رأيت الكثير من الصور عنها، وقرأت الكثير عنها، بالإضافة، حينما كنت صغيراً، كنت أرى دعاية لحليب من نيوزيلندا، حينما ينهمر المطر على الأرض الخضراء، والحيوانات ترعى، ورجل يبتسم بهدوء وسعادة وهو ينظر إلى السماء. كانت الأرض خضراء، تميل إلى السواد. قبل سنوات، وضعت عرضاً للمراسلة في موقع للتواصل. وردتني رسالة اهتمام من امرأة يابانية في أربعيناتها. تواصلنا بالرسائل، وقد كانت متحفظة، ولكن مهتمة جداً بالتعرف على ثقافتنا. كان الأمر ممتعاً، حيث كانت امرأة محترمة، محتشمة في كلامها، راقية باهتماماتها. وكان من ضمن اهتماماتها السفر. طافت العالم. سألتها ذات مرة، لو أردت رؤية الطبيعة الجميلة، أين أذهب؟ قالت؛ إذا أردت الطبيعة الجميلة، اذهب إلى أحد بلدين، إما سويسرا، أو كندا. سويسرا شهيرة بجبال الألب، وطيب العيش. ولكن كندا؟ كان شيء جديد علي، لم أحسب بأنها استثنائية تلك البلاد. كنت أفكر بأنها تشبه أمريكا. أنا أثق برأي تلك المرأة، وكانت تضع كندا في صف سويسرا. في كندا، يوجد فرصة لرؤية الطيور الطنانة، الثيران الأمريكية، والحوت القاتل، المسمى الأوركا. وهذه كلها حيوانات أحبها جداً. ولكن، لا يساوي الأمر التعب لأخذ والدتي إلى هناك، خصوصاً إجراءات الفيزا، والتوقيت السيء، حيث سيكون هناك فصل الشتاء، وتكاليف المعيشة، وكذلك، لا أدري... إن الذهاب إلى هناك لا يشعرني بالراحة حالياً. أحياناً أتمنى لو كنت قد سألت تلك المرأة عن نيوزيلاندا، ولكن، لم تكن هذه البلاد تخطر على بالي أبداً.


زميلي في الكلية، وفي الجامعة كموظف الآن، أخبرني بأن شخص أجنبي اصطدم بخلفية السيارة التي يقودها. وكان الخطأ على الأجنبي، وهو سوري. كنا نمشي في ممشى الملك عبدالله، لأول مرة أمشي معه، حيث كان الوعد الذي تأجل كثيراً هو اللقاء لأساعده ببعض أمور حاسبه الجديد. أخبرني بأنه سيسامح السوري، وسيعيد إليه الرهن. اتفق مع السوري على الحضور هناك في الممشى، وأخبرني بأن السوري يعمل في الحميضي، وهي سلسلة محلات شهيرة تختص بالساعات الأصلية والغالية. أخبره السوري بأن يتصل عليه متى جاءوا أهله إلى المحل، ليقدم خصومات ضخمة لهم كرد للمعروف، وأشار إلي مازحاً وقال: وأنت كمان. حينما ذهب السوري، تذكرت فجأة تلك الساعة الأمنية، كونينو لمبورقيني، وأنيت بأسى حينما لم أسأله عنها، فربما تدبر لي خصم جيد لهذه الساعة الغالية. كانت تكلف حوالي 4000 ريال. وجدت من يستوردها ويبيعها بلا ضمان بحوالي ثلث السعر أو أقل، ولكن فضلاً عن أنه لم يجلب اللون الرياضي الأحمر كما في الصورة، وهو ما لا يمكن أن آخذ غيره، كانت قد انتهت من عنده حينما اتصلت. لست أحب الساعات التي تعمل بشكل تقليدي بالعادة، ولكن هذه،،،""










كان زميلي بالعمل يحكي لي عن أنشطته بالانترنت. وماذا يسمي نفسه مؤقتاً في المحادثات. يسمي نفسه: ملح وفلفل، أو شيء من هذا القبيل. خطر في بالي مباشرة تسمية المدونة. كانت فكرته ملهمة. فكرت باسم على نفس النمط، ولكنه يعبر عن فكرة، لأطلقه على مدونتي. وجدت: خبز وجبن. قد يبدو عنواناً سخيفاً، ولكن تقع خلفه فلسفة. إني كنت أفكر دائما، بشكل مجازي، بأن الراتب سيكفي طالما يبقي الخبز والجبن في المنزل. والخبز والجبن سيكفيان المرء ليعيش كذلك، رغم بساطتهما. أما لماذا خبز وجبن، وليس خبز فقط؟ فلسبب قد لا يهضمه الكثيرين، أو أكثر من سبب. في القديم، كان الناس يأكلون الخبز، كمصدر وحيد غالباً للعيش، وإن كان مخلوطاً بمكونات مختلفة، ولكنه يظل خبزاً، ولكن، هذا غير عصري، فلا أحد يعيش حالياً على الخبز وحده، فحينما يريد أن يعبر أحدهم عن الكفاف، فإنه يعبر عنه بالخبز والجبن، وعليه، الخبز والجبن أصدق لعصرنا، لمجرد لعيش وكما أقول دائماً، أنا عايش، رغم كل شيء، للأفضل أو للأسوأ. بالإضافة إلى أن ذكر الخبز وحده كعنوان يشبه التظاهر، لا أدري كيف أعرف التحذلق تماماً رغم أني أعتقد بأني أفهمه، ولكن، أعتقد بأن تسمية المدونة: خبز، سيكون مثال على التحذلق، عكس: خبز وجبن، لأن التسمية الأخيرة لا تخلو من سخف، وأبعادها خفية على من لا يفكر. كما أني أحب الجبن جداً، والخبز بطبيعة الحال لا غنى عنه. للأسف أني لم أعد آكل هذا الطعم منذ فترة طويلة، رغم اشتهائي له.
سأفكر كثيراً بهذا العنوان، والاحتمال الأكبر أني سأطلقه على المدونة. وهذا يعطيني أمل بإيجاد عنوان للرواية، وهو موضوع يؤرقني أكثر من عنوان المدونة بكثير. فالعنوان الذي خلصت إليه لم يقنعني.











أقرأ حالياً رواية: عزازيل. كما ذكرت في مدونتي المصغرة. وهي رواية نالت جائزة الرواية العربية التي أقيمت مسابقتها في أبو ظبي قبل فترة. لست أحب قراءة ما يكتبه العرب، وفي كل مرة أعطيهم فرصة، يخيب ظني وأندم على الوقت الذي ضاع. هذه المرة، حينما رأيت الكتاب في جرير، فكرت بأن أعطيهم فرصة طالما احتفلوا بهذا الكتاب، بالإضافة إلى أني لم أتوقع نزوله بسرعة. اشتريت الكتاب، ووجدته جيداً حتى الآن على الأقل. لا أريد أن أحكم وأتحدث أكثر قبل إنهاء الكتاب، ولم يبق الكثير عموماً.










الصورة في قمة الموضوع، هي صورة ثريا مما يعلق بسقوف الجامعة، يفترض بأن تبدو عصرية، ولكنها بصراحة غريبة، وليست جميلة جداً. مع ذلك، أحبها. التقطتها من فوق الجسر المؤدي إلى كلية السياحة والآثار، حيث سادت ذات يوم كلية اللغات والترجمة، حيث تخرجت، وجرت أمور كثيرة. عدلتها كذلك. التعديل ممتع.








سعد الحوشان

الجمعة، 24 يوليو 2009

أفكار طنانة حول رأسي(طيور،أحداث،أفكار)

بسم الله الرحمن الرحيم


















حينما يقول المرء: فن. ماذا بالضبط يمر في ذهن المستمع؟ للأسف، حصر الفن لدينا في شيئين، أحدهما رديء في معظمه، والآخر بشكل مناقض أمر إيجابي. حينما نقول فنانين فإننا غالباً ما نتخيل الناس الساقطين في عالمنا. ولكن حينما يتقن أحدهم حرفة معينة، أو يكون موهوباً على نحو استثنائي في أمر ما، مثل الخط العربي، فإننا نقول بأنه فنان فيه.
نحن لا نسمي الأناشيد الإسلامية فناً، ولكن نسمي الزخرفة الإسلامية فناً. الفرق هو أننا لا نريد أن يقارن الناس بين الأناشيد، وما صار يدعى فناً، وإن لم يكن كله فن، ألا وهو الأغاني. لقد سقطت الأغاني العربية سقطة موجعة، وهي في تدهور وضياع هوية. ورغم أن الأناشيد الإسلامية ذات هوية واضحة، إلا أنها لم تتطور، ويمكنني القول بأنها كذلك في تراجع شديد. ولاعجب، فما الذي يتقدم أصلاً لدينا، والحصر غير المبرر لموضوعات الأناشيد يسيء لها بشدة، كذلك، نوعية الأصوات عموماً واللحن غير المؤثر مع بعض الحالات الاستثنائية. كانت الأناشيد من قبل تبحث عن الكلمات المؤلمة المروعة، والأداء المنتحب بفجاجة، ولما تطور الوضع قليلاً، صارت الأمور سطحية مع الأسف، يضاف إلى هذا الأداء السيئ بالكلمات العامية، والموضوعات السخيفة المقصية للناس. سمعت ذات مرة انشودة تحث على لبس الثوب، وعدم لبس الجينز مثل النساء، ممثلين بذلك بأن كل من يلبس الجينز هو في دائرة الشك في هويته الجنسية أو النفسية، وكأننا لا نرى بأن الشعوب الشقيقة تلبس الجينز كل يوم كلباس عادي وطني. وفي هذا إقصاء ضيق الأفق لكل من يلبس الجينز، وخلق شقاق سخيف، بعقليات لا ترجو منها خيراً في الصعود بهذا الفن الذي يفترض بأن يكون راقياً، ولكنه هابط بأكثر من وجه. إنه لا يخاطب كافة الناس، ولا حتى المطلعين منهم، لقد صار يحتاج إلى وقفة حتى لا يصبح سوقياً. ما أحيا الأمل في نفسي، هو أني بينما أشاهد مسلسل أجنبي(الياباني مرة أخرى)، كانت موسيقى الخلفية عبارة عن اوركسترا، وكورال ضاج جميل، ومقاطع أوبرالية. في لحظات معينة، صفى الصوت على مجرد رجل يلقي لحناً اوبرالياً بصوته، وذلك اللحن الخالي من الموسيقى، أعاد إلى ذهني الأناشيد الإسلامية مباشرة، إنها تتشابه، مع فارق الرقي. لدينا الأساس لتأسيس فن عالمي غير محصور بفئة معينة، تاريخه جيد ونظيف إلى حد بعيد، فيمكن أن يصبح حكراً على الكلمات والأفكار النظيفة، وإن لم تكن بالضرورة دينية، فالمواضيع الحياتية مهمة كذلك. إن الأناشيد تحتاج إلى إعادة نظر كاملة وتأهيل لتصبح أداة حضارية حقيقية يفخر بها الناس، لا يتجاهلونها كما يحدث الآن. أنا أرى أن لدينا العديد من الملحنين الغنائيين المتفوقين، وبعضهم أكاديمي بالموسيقى، لماذا لا يقسم مجهودهم، ويخصص بعض منه لشيء بهذا النبل؟ فهم مسلمين بالنهاية، والإقصاء بحقهم لا يمكن أن يكون أفضل من كسبهم والاستفادة من خبراتهم. تخيل مسرحيات إنشادية، تحكي معارك المسلمين الملحمية، أو قصصهم الشهيرة ذات المعنى والتأثير العميق؛ فن شبيه بالأوبرا ولكنه إسلامي الطابع. هؤلاء الملحنين سيحدثون الوضع ويكونون حلقة وصل بين الحداثة والأصالة، ولا يمكن بطبيعة الحال التعاون مع أي ملحن. تعاون هذه الأيام الشيخ الذي لا أحبه عائض القرني مع محمد عبده، ولم أرى اعتراضاً كبيراً. أنا أساس لا أرتاح إليه وأجده شخص مغرور، خصوصاً حينما يمنح الجوائز لمن يجاريه، رغم أن جودة قصيدته التي كتبها لمحمد عبده لا ترتقي حسب المختصين بالأمر. 









يبدو أني سأبدأ بالتأخر رغم أن تدويناتي صارت أقصر مؤخراً. حيث أني أنشغل كثيراً في العمل، وحينما أفرغ لم يتم جلب كمبيوتر خاص بي، والكمبيوتر المتاح سيء جداً فضلاً عن المقاطعات. ولكن الوضع ممتع في العمل (باستثناء الترجمة لضيف ثقيل على الجامعة يوم الثلاثاء الفائت، وسيأتي الإربعاء هذا أيضاً، الله يعين).









بعد أن أتميت تقريباً 3 أسابيع في الجامعة، لا زال لدي مستحقات غير قليلة في الوزارة حيث كنت أعمل. كانت معي بطاقة الدكتور المشرف، فاتصلت على المكتب. رد مدير المكتب، وهو رجل طيب إلى أقصى الحدود، وهو بدوي كذلك. سلمنا وتكلمنا، وسألت عن الزملاء. تذكرت بأني نسيت أحدهم بهدية حينما أحضرت لجميع المهمين، يا للغباء من طرفي. سألته عن الدكتور المشرف، وقال بأنه بخير. لم أجرؤ على السؤال عنه أمام الدكتور الذي كان مديري هناك، حيث أني حساس من أن ينقل سؤالي إليه، فيحسب أن هذه هي نيتي. أعلم بأني أحمل الأمور أكثر مما تحتمل، ولكن الواقع هو أني لا أفعل هذا مع الآخرين، أعني أنه لو كان شخص آخر عادي، لربما أرسلت إليه سلامي، ولكن لأنه مميز لدي لسبب مجهول، أصبحت حساساً تجاه ما قد يفهمه عني. فلست أريده أن يتخيل مثلاً أني أنافقه، خصوصاً أني أهديته هدية، وأنا أعلم أن بعض الناس حينما يهدون الآخرين شيئا فإنهم يبيتون في أدمغتهم أن هذه الهدية هي شفاعة لأي شيء كان، وقد يكون شيء طيب النية كأن تكون شفاعة للسلام، ولكن، لا يجب أن يكون هذا هو معنى الهدية، على الأقل، ليس مع كل الناس. ترددت بالمكالمة وأنا أفكر، هل أرسل سلامي؟ فمر بخاطري صورته، وهو يجيب عن سلامي المنقول، وعلى وجهه علامة استغراب، أو في أفضل الأحوال، يجيب بلا مبالاة. حينما أبالي بأحد، فنفسي تريد المثل أو بعضه، وحينما لا يكون للمثل مجال، فلا أخاطر. ربما لو مررت عليهم في العمل يوماً ما، ووجدته غير مشغول، سيسعدني جداً أن أدخل عليه، وأسلم، وأخرج. لو كان عمره أصغر، لحرصت على كسبه صديقاً. للأسف أن الأوقات غير متوافقة، فأنا معجب به إلى هذا الحد. ولكن، للمرء أن يعجب بمن يريد، فهو لا بد مفارقه. شخصيته الجدية واعية، إن أكثر الجديين هنا يحسبون أن امتلاكهم لصفة الجدية تحتم عليهم الميل إلى الصلف والقسوة. كان هذا الفهم الخاطئ ظاهر على شخص عزيز آخر، تجربتي معه تعلمت منها الكثير.












حينما حجيت العام الفائت، كانت تجربة متعبة وليست على أكمل وجه بسبب الحملة السيئة، حملة الجميعة. لدرجة أني أحسب بأني أود أن أرتاح لعشر سنوات قبل أن أكرر التجربة، بسبب سوء الحملة التي استنزفتني. ولكن في الحج، تعرفت على أناس رائعين حقاً. ومررت بتجارب على مرارتها، مثل حينما أهملتنا الحملة في مزدلفة، إلا أنها وضعتني بمواقف تمخضت، ولو بعد حين، عن حظ حسن. في مزدلفة، أنزلتنا الحملة كشحاذين بدون أي تجهيز، وهربَت. لم يوجد مكان لنجلس فيه، أو حتى نستأجر أو نشتري طعام جيد، والأهم، لا مكان للراحة أو النوم. بطبيعة الحال، كان المكان مزدحماً إلى حد لا يصدق. وقد تبرع بدو كويتيين بتركنا نجلس على سجادة لهم، سرعان ما سألوا إن كنا مغادرين ليطووا السجادة حالما وقفنا. ذهبت أنا وصاحبي من الحملة نهيم على وجوهنا، وهو مع أنه إنسان في قمة الطيبة، إلا أن عمره صغير وعلى جانب من... كيف أسميها؟ على جانب من الطفاقة، وقد وتر أعصابي في تلك الليلة كثيراً، ولكني أحببته بعدها كثيراً. المهم أننا ونحن نهيم، وجدنا رجل سعودي، مطوع. يجلس على فرش كبير، ومعه شخص شديد بياض البشرة. سمح لنا بالجلوس معهم. وكان كريماً ولطيفاً معنا. عرفنا بأن الرجل الآخر هو حاج عراقي، ضيف مثلنا على هذا الرجل السعودي الملتزم. بعد قليل، نام صاحبي من الارهاق، بينما تسامرنا أنا وهذا الرجل الطيب. كان من القصيم، مثلي، وكان أيضاً دوسري، مما يجعلنا أبناء عمومة. ناقشنا أمور كثيرة، عن القبائل والانتماءات، وعن الزواج وهذه الأمور. وأمور أخرى لا أتذكرها. كان العراقي حينما يكون متواجداً يشارك بما يعرف، وقد كان طيباً في تعامله، ولكنه يضمر كراهية للواهبية كما فهمت، ولا يعتبر أن من يسميهم واهبيين هم حنبليين بالأساس. مما جعلني أنفر منه. أنا لا أعتقد بأننا وهابيين كما يقولون، إننا فقط نطبق ما نراه صحيحاً دون تعصب لأحد. وقد غاضني أسلوبه الأجنبي السخيف المقفل وضيق الأفق حيال هذه النقطة، ولكن بالمقابل، كان الرجل الملتزم بارد وغير مهتم حقاً. ولكن في معظم الوقت، لم يكن هناك غيري وغير الملتزم، حيث كنا نتحدث كثيراً، وقد خفف الأمر علي كثيراً رغم أني لم أنم. هو من بريدة، وشديد العفوية، وشديد التهذيب مع ذلك، رقيق ولا يحب جرح الآخرين. تبادلنا الأرقام. واتصلت به لما عدت إلى الرياض مرة واحدة.












أمس تقريباً، وصلتني رسالتين في الانترنت، إحداهما عن طريق منتدى كنت أشارك فيه بإسمي الحقيقي، والأخرى عن طريق تعليق بالمدونة، من نفس الشخص الذي يدعو نفسه أبو عبدالرحمن. يريد أن أراسله من خلال بريدي، ولما راسلته، طلب مني الاتصال على جواله أو إرسال جوالي إليه! لم يوضح شيء عن نفسه، وبما أن أحد الرسائل جاءت عن طريق المنتدى، تخيلت بأنه ربما أحد زملائي في الكلية؟ أو ربما أحد طلاب اللغة الفرنسية الذين لم أكن على وفاق معهم، ولا زال لديه ما يقول؟ فهذا شيء متوقع، يبدو أن الكل بقي لديه أشياء يقولها، عداي. سألته من يكون، وأعطاني توضيحاً،،، غير واضح. سأل إن كنت سعد من المذنب؟ وأنه فلان المطوع. لم أفهم، ولكني شككت بأنه شخص أعرفه جيداً، نويت الاتصال به في اليوم التالي. ولكن لما شغلت المسنجر، دخل وكلمني هذا الشخص، وكان يعتقد بأني عرفته. لم أكن متأكداً، فسألته إن كان صاحب الحج؟ فقال بأنه هو...!! كان من الواضح أنه بحث عني، عن أسمي في الانترنت، فتوصل إلى ما يتعلق بي، المنتدى وهذه المدونة!! لقد تكبد العناء ليتواصل معي، لقد تكبدت العناء لأتواصل مع آخرين، ولكن لم يسبق لأحد أن اكترث لأمري إلى هذا الحد، أن بحث عني يريد التواصل معي قبل هذا الشخص. تأثرت كثيراً باهتمامه، وكان تواصله من أسعد الأمور على الإطلاق التي جرت لي منذ وقت طويل. عرفت سعادة نادرة وأنا أحادثه، رغم أن وقته كان ضيقاً. حقاً يا ابو عبدالرحمن، لقد أدخلت البهجة إلى قلبي الراكد، وهذا معروف كبير جداً لا أدري إن كنت أقوى على رده.











الاسبوع الفائت، كلمني أحد قياديي قسم مجاور من نفس عمادتنا، عن رغبته بانتقالي إلى قسمهم. قائلاً بأنهم يحتاجونني بقربهم، وأن في قسمنا شخص آخر يتحدث اللغة الانجليزية. أخبرته بأني أخدم العمادة كاملة كما كنت دائماً، وحالما يطلبوني إليهم فسأكون عندهم كما جرت العادة، وقد أحضرني لهم في تلك اللحظة عمل لهم على أي حال، كما أن الشخص الآخر مسكين، فهو ليس بمترجم بالأساس ويقوم بأعمال فوق طاقته، فضلاً عن حاجتهم المستمرة لي هناك بحكم كثرة الأجانب المراجعين. ناقش الفكرة معي، ولكني بينت أن وجودي هناك أجدى. الغريب هو أن قسمنا وقسمهم لا يفصله جدار حتى، ويمكنهم دائما استدعائي، والأغلب أني أحضر إليهم مع الراجعين للترجمة دون استدعاء حتى. أخبرت مديري ونحن نتكلم بأمور عملي بمقترحهم وردي عليهم، ولم أعلم بأن الأمر سيستفزه تجاههم، إذ قال بصلف ونظرة غاضبة: قل له(يقصد الشخص من القسم الآخر) يروح يحج قبل الزحمه..." صمت. ثم شرح عن حاجتهم الماسة لي هنا، فسارعت بالتوضيح بأني فقط أتكلم، ولا أنوي ترك إدارته بأي وقت. في وقت لاحق، قال لي شخص مماثل في قسم آخر نفس الكلام، ولكني لم أخبر المدير هذه المرة.











ما أكثر ما يسألني الناس عن الزواج... حسناً، بالواقع، الأمر ليس كثير بالمعنى الدقيق، ولكنه كثير علي. إن الأمر ليس تأجيلاً، ولكنه عدم استعجال. لست من النوع الذي سأقول لأهلي: أريد فتاة هكذا وهكذا صفاتها، ابحثوا لي عن واحدة. وبطبيعة الحال، لا أستطيع اختيار فتاة ثم التعرف عليها أو العكس. الوضع معقد، ولكنه عندي بسيط. أعرف أنه في مجتمعنا، حينما يتزوج المرء فإنه يتزوج العائلة بأكملها. إني أبحث عن العائلة قبل الفتاة. أعلم بأن هناك فتيات رائعات وملائمات لي ولكنهن ينتمين إلى عوائل صعبة أو مزعجة، ولكني لا أستخسر الأمر، فهذه العوائل مهما بدا الأمر جيداً بين الزوجين، إلا أنها تفسده، كما أن المرء يجب أن يختار أخوال جيدون لأبناءه. إني أبحث عن أناس أرتاح إليهم كعائلة، أناس صحيين، سويين، أذكياء وطيبين، وغير منحلين أو متحررين كما يقولون، كما يجب أن لا يكونو متشددين كذلك. أود التعرف على العائلة أولاً بشكل جيد، ثم معرفة المزيد عن الفتاة. ولكن، من يعلم أين النصيب وكيف يكون.

أنا لست بمستعجل على الزواج، لدي ما أقوم به حالياً، ولكني لست أؤجل الأمر كذلك، فحالما أعرف بأن هذه الفرصة المناسبة، هؤلاء الناس الطيبين، فلن أضيع الوقت قبل الخطبة. الخطبة يجب أن تطول قليلاً بالنسبة لي. كذلك، أحب أن أتعرف على ناس جدد، ليسو أقارب أو معارف قدماء. أحب أن أربط عائلة جديدة بعائلتنا. كما أن هذا صحي أكثر للأبناء. كذلك أوصى الرسول عليه الصلاة والسلام بالتعارف في هذه الأمور.







الفيديو أدناه تصاحبه موسيقى، لمن لا يحب؛ يخفض الصوت ويشاهد:


هذه الطيور الطنانة من أحب الحيوانات إلى قلبي، رغم أني لم أرها على الطبيعة. أمنيتي أن أراها، ولكن لا أتخيل بأنها أمنية ستتحقق. تتواجد هذه الطيور في قارتي أمريكا الجنوبية والشمالية. لا تعيش في كل المناطق، فهي تحتاج إلى درجات معينة من الحرارة والرطوبة. توجد في كاليفورنيا في أمريكا وفي شمالها، أعتقد مينيسوتا، وفي كندا كذلك. وهي تعيش على رحيق الأزهار، أو على الماء المحلى من صنع البشر. ولأن حركة أجنحتها سريعة جداً، تحتاج إلى الطاقة بشكل كبير، بحيث أنها توفرها لتعيش، فلا تتحرك للطيران إلا في ظروف معينة، كالبحث عن الرزق. فهي لا تطير أو تتحرك أكثر من ساعة في اليوم في الأوضاع الطبيعية على حد علمي، بينما تقضي بقية اليوم بالجلوس والتأمل. لا يربيها الناس في بيوتهم رغم أنها أليفة بالنسبة للبشر، فهي لا تهابهم وقد تشرب من أيديهم دون سابق معرفة. ولكنها تحتاج إلى بيئة وعناية صعبة التوفير. إن مشاهدة حيوانات غير مألوفة، مختلفة وغير عادية، من الأمور المقوية للإيمان برأيي. سبحان الخالق المتقن. منذ أن كنت صغيراً وأنا أعشق هذه الطيور، وأتمنى لمسها. أتذكر برنامج عرض بالتلفزيون عنها، افتتنت بها كما لم أفتتن بأي حيوان حينما كنت صغيراً، ربما مثل فتنتي بالفراشات. القاسم المشترك على ما أعتقد هو الألوان الجميلة، ولكن الطيور الطنانة أكثر اثارة للاهتمام من الفراشات.









كنا نعمل في غرفة الاجتماعات الخاصة بالعمادة. كنا أربعة، المدير، واثنين من الزملاء، بالإضافة إلي طبعاً. نفرز أوراق وندمجها، وهي تخص كل موظف تقريباً بالعمادة، أو معظمهم، والموظفات كذلك. جاء دور إدارتنا، ووصلنا إلى ورقة أبو محمد، وهو زميلنا المحبوب، في إجازة الآن. تنهدت وقلت وأنا أمد ورقته بعدما وجدتها: من غير شر يا ابو محمد. قال المدير بصدق: اي والله من غير شر،،، حبيب أبو محمد. بعد ورقة أبو محمد، اكتشفنا أن الدور جاء على ورقة زميلنا الآخر. قلت: خلق وفرق وجايين وبرى بعض. قال مديري: إهااااهههههه إه إه إه. صمت قليلاً، ثم أضاف بصوت أخفت: إه إه إه. هكذا يضحك هو، وأنا أميز ضحكه الحقيقي من مجاملته، كان يضحك حقاً، فالزميل الأخير صعب المراس، ولسانه سيء جداً، يخطيء على هذا وذاك بلا حساب، يتدخل بما لا يعنيه، يجرح الناس لا يردعه شيء. رغم أنه يبدو عليه الندم لاحقاً، فقط إذا ما رد عليه الشخص المقابل وحاول إيقافه عند حده، ولكن المشكلة أن لا أحد يحاول إلا فيما ندر... هداه الله. خسارة أن أبو محمد سيتقاعد بعد سنة... خسارة. أتمنى أن يمددوا له بشكل ما، يا رب.








يوم الثلاثاء، جاء رجل استرالي إلى قسمنا، وهو يعمل في كلية اللغات والترجمة. مسلم. وكان زميلي قد حرصني أن أحضره له إذا جاء. حينما أنهينا أعماله، سألته إن كان قابل زميلي؟ فهو يسأل عنه باستمرار، وهو يعرفه. حينما وصلنا زميلي، طلب جوازه ليأخذ منه صورة. لما أعطاه، احتجزه لديه!! قائلاً بأن هذا الرجل قام بإجراء غير قانوني، سمحنا به عن طريق الخطأ، والآن يجب تصحيحه. كان الرجل الاسترالي سيسافر قريباً، ويعود قريباً، فقط سيوصل زوجته لأنها مريضة ويخاف عليها. فوجئت بما قام به زميلي، كنت أعرف عن مشكلة الإجراء، ولكن لم أعرف أن جوازه سيحتجز. الرجل لم يكن يعلم بأن هناك خطأ بما قام به. ولكنه وقع في ورطة، فيجب أن ينتظر عودة زميل كفله هو، والوقت لا يتحمل. حاولت مساعدته. وبحث عن أي طريقة. ذهبنا إلى مديري. لم يكن بيده حيلة. طلب منه أن يجد من يكفله قبل أن يسافر. كان هذا صعباً، فهو بلا أصدقاء هنا باستثناء صديقة المسافر، وكفالته لا تصلح لأنه مسافر. اتصل على مدير قسمهم في كلية اللغات، ولكنه رفض كفالته لأنها مسئولية لا يتحملها. تعب الرجل وكاد أن يبكي. لاحظت أن وجهه تغير، اسود. ثم لم يعد قادر على الوقوف. فكرت بأن الأمر وصل حده، فإن لم يجد من يكفله، فسأكفله أنا. فهو سيعود بالتأكيد، حيث يملك سيارة هنا يجب أن يتصرف بها، ولو لم يعد، فالشكوى لله، سأحسن الظن فيه وسأكفله. جلس وأحضرت له ماء، وعلمت بأنه يعاني من مشكلة في قلبه، ويأخذ دواء لأجله، ويعاني من مرض السكري كذلك. خرج المدير من المكتب بعدما حاول إقناعه بطلب الإسعاف، ولكن الاسترالي رفض. لحقت بالمدير، وطلبت منه أن يعطي هذا الرجل استثناء، فهو لن يجد من يكفله، وهو متعب ومريض، وزوجته مريضة. قلت: تخيل لو خرج من هنا، وأصيب بشيء، مات ربما، كيف سيكون موقفنا؟. قال مديري بعصبية: ماذا أفعل؟ ماذا تقترح؟ أنا: لا أدري، ربما نكلم لأجله العميد؟ العميد يستطيع أن يستثنيه. أياً كان الحل، يجب أن نساعده". فكر مديري ملياً. ووقفت أنتظر، وزميلي الملتزم الكبير معنا. ثم قال: أعطه جوازه. فرحت جداً. وذهبت إلى الرجل أبشره. ولكن تعبه لم يترك له فرصة ليفرح بشدة. شكر المدير ونزلت معه، فلم تكن حاله تسمح بتركه. نزلنا وتركته يجلس على حافة الحوض في البهو. وذهبت لشراء عصير محلى له، وإحضار أكياس سكر الشاي. شرب ومص السكر. وصار يكلمني عن خيبة ظنه بالمكان. كان حزيناً جداً لتجربته هنا. فقد توقع عكس ما وجد. توقع مجتمع مسلم متسامح، كان يريد أن يربي أبناءه في بيئة إسلامية. ولكنه وجد الناس منعزلين، لا أحد يكترث لأمر الآخر. الجيران لا يزورونه ولا يدعونه للزيارة. وزوجته تعبت من نظرة قريناتها الدونية لها. كانت سنة صعبة وقد شعر بأنه جنى على أبناءه بإحضارهم إلى هنا. هو يعلم بأن ليس الكل هكذا. ولكنه يأسف على تجربته. أخبرته بأنه يسكن في حي غير مريح. كنت أسكن هناك، ولم نعرف طعم الجيرة الحقيقية حتى انتقلنا منه. أخبرني بأنه حزين على ابتعاده عن أمه، فليست هي من يحتاجه، إنما هو من يحتاجها، حتى لو كان متزوجاً وأنجب أبناء. حكى عنها وعن تضحياتها. تمنيت رؤية أمه. قال بأنه يعتقد بأني إنسان جيد، وبين أسفه لأنه لم يقابلني قبل الآن، حينما أوشك على ترك البلاد. شعرت بالأسف لما يشعر به. وشعرت بالأسف على خيبة ظنه الشديدة والحقيقية، الخالية من الحقد. كان لا يستحق ما جرى. كان قد شعر بالغبن لأن زميلي أخذ جوازه بالخدعة، ثم بعد قليل حينما أذن للصلاة استأذن ليصلي، قال بأن الكذب ليس أخلاق إسلامية. تلكمنا كثيراً. وفي النهاية رفض أن أوصله إلى المنزل. وخفت أن اؤذية لو سحبته أكثر. اتصل لاحقاً ليطمئني بأنه وصل وتناول علاجه.
إن الكثير من الناس يأتون إلينا بتوقعات مختلفة وفوق الواقع. ورغم أنك لو سألتهم قبل أن يأتون لقالوا لك: لا، السعوديين بالتأكيد ليسو كالصحابة. إلا أن هذا ما يتوقعونه صدقاً. إنهم لا يكفيهم أبسط الأيمان؛ المساجد المنتشرة وكثرة الملتزمين والحجاب وإغلاق المحلات للصلاة ووجود المقدسات. إنهم يريدون ما يحتاج إلى وقت ومثابرة وقد لا ينجح. وبالواقع، تجد الغربيين الكفار هنا أكثر سعادة من الغربيين المسلمين، لأن توقعاتهم واقعية. فكثير منهم يعشق بلادنا أيما عشق، ويحب أهلها، وينقل إنطباعات جميلة عنها في الخارج. خصوصاً من يأتون مع عوئل من الغربيين المسلمين، تجدهم يواجهون ضغوط من زوجاتهم، وهذا ما حصل مع عائلتين عرفتها في الجامعة. ولا يعني كل هذا بأننا كسعوديين لا نخطئ، فنحن لا نعطيهم فرصة كافية، ولا نستقبلهم بالقدر المطلوب في حياتنا. ربما لسوء تجاربنا مع الأجانب بشكل عام.




يوجد استرالي آخر بالمقابل، ملتزم، لحيته ضخمة طويلة. ولكن كم أكرهه. إنه لا يشكر أبداً، ويتعامل بتكبر وفوقية. ولا يسلم إلا إذا احتاج شيئا. وحينما جاء لأول مرة للجامعة، كنت أنا معه. وقد بدا لي وكأنه لا يرى غير الملتزمين أمثاله، ذوي اللحى الطويلة. بحيث لا يشكر إلا هم، ويسلم عليهم بحماس ويستعرض نفسه، وكأنما يريدهم أن يفرحوا به ويتركوا أعمالهم للتعرف عليه. وهذا ما لم يحصل. أليس إسلامه له؟ يتساءل المرء. وهو فوق كل شيء مزعج، وغبي لا يفهم، ومتكبر. سألني ذات مرة لماذا الناس هنا صلفين قليلاً، شعرت بأنه لا يستحق أفضل من هذا. صرت أندم على بذل مجهود أكثر من المطلوب لمساعدته. فزميلي الملتزم الصغير يشكو منه، ومديري حتى. وقد تسبب لنا بإحراج رغم أننا بذلنا المستحيل لمساعدته. لم أعلم إلا لاحقاً، وأنا أخبر مديري بأنه لم يستحق المساعدة، فأخبرني مديري بأنه ذهب إلى الوكلاء السعوديين، وهم أشخاص متبطلون في العمادة، وتسبب بإحراج لنا، وكان الوكلاء يتكلمان معاً بالانجليزية حتى لا يفهمهم مديري، مما أغضبه جداً. ماذا يتوقع المرء من دكاترة سعوديين، لا وتخصص إنساني بعد، فكليهم تخصصهم بالإدارة. أرجو أن لا يعود هذا البغيض أبداً.








كان ذلك اليوم، الثلاثاء، مرهقاً جداً جداً. حيث ذهبت إلى البنك لأحدث معلوماتي، حتى لا توقف بطاقتي الائتمانية "الكذبية". فهي كذبية لأنها لا تعمل كالبطاقات الائتمانية العادية. حيث أنها مسبقة الدفع، اعبئها بالمال عن طريق البنك، فيكون هذا المال برصيدي لأشتري به وأستفيد من مميزات البطاقة، وهدفي الرئيسي منها للشراء عبر الانترنت. وقد اشتريت بها كثيراً، وهي رائعة، خصوصاً لمن لا يريد الربا مثلاً، أو يخاف الإدمان عليها، أو يخاف سرقتها(لا أخاف)، أو لا يريد استخراج بطاقة ائتمانية إسلامية، ولكنها برأيي كفرية من حيث لصوصية البنوك في الاشتراك الشهري. ولكن استخرجتها من بنك سيء، حيث حسبت أنه الوحيد الذي يوفرها، وعلمت لاحقاً أن البريطاني يوفرها كذلك. البنك هو الأهلي، الذي صرت أحب أن أدعوه: بقالة بامحفوظ. حيث التعامل السيء، والموظفين الجهلة بإجراءات بنكهم ومنتجاته. العجيب هو أن الموظفين الذين يجيبون على الهاتف، وكلهم حجز، رائعين ومهذبين عكس الذين يعملون بالفروع، بينما موظفي البنك الفرنسي في الفروع رائعين إلى أقصى حد، ولكن من يجيبوك على التيليفون يجمعون بين الغباء والوقاحة والنذالة. في فرعي الذي أتعامل معه في حينا، قالوا بأن تحديث البيانات لبطاقة ائتمانية لا يتم إلا في فرع التمويل في خريص، مع العلم أني أعيش قرب جامعة الملك سعود. ولما اتصلت بخدمة العملاء لأسئلهم عن مكان أقرب طلبوا مني العودة والاتصال بهم مباشرة وأنا في الفرع. أخبرتهم بأني لا أستطيع الاستئذان مرتين من عملي. في الغد عدت واتصلت، قيل لي بالفرع أن النماذج منتهية لديهم!! وطلب مني الذهاب إلى فرع آخر. وهكذا قالوا بالتيليفون إنما بطريقة أكثر أدباً. في الفرع الآخر أخذت رقماً. وكان 805. مع العلم أنه لم يوجد غيري، والذي تجري خدمته لدى الموظف الوحيد لخدمة العملاء في الفرع الذي يحتل عمارة كاملة أمام سوق العويس في طريق الملك فهد. انتظرت لوقت طويل، قدره بنصف ساعة. جاء لاحقاً رجلين وحصلا على رقم. حينما خرج العميل من عند الموظف، تغير رقم الشاشة، يفترض أن يظهر رقمي بأني الثاني، ولكنه أظهر: 400!! فقفز الرجلين بحماس لأنه رقمهما. فذهبت معهما، وأخبرت الموظف بأني جئت قبلهما، ومع ذلك لم يتم إظهار رقمي، فهذا دوري بالواقع. قال بأن هذا ما أظهرته المكينة، رقمهما، فقلت بغضب، إذاً أنتم تستعملون أجهزة فاسدة؟ أم ليس لديكم منطق؟ أنت تعلم والكل يعلم بأني الثاني، والآن تقول لي المكينة؟ هل لديكم منطق هنا؟ ارتبك الموظف، وقال بأن هذا ما أظهره الجهاز، وأن الأمر لن يطول ومن هذا القبيل، فقلت بغضب وقد بدأت أن أفقد السيطرة على نفسي، فصرت أنتفض: يعني، تبونن،، أمرح عندكم الليلة؟ يمكن يجي دوري بكرى؟ مرتين تطلعونن من العمل، والحين، تبي تخلين أجلس عندكم أكثر؟... كدت أن أطلب المدير، فقط لأصنع مشكلة في الفرع، لأني أعلم بأن مدراء البنوك والمحلات الخاصة لا فائدة منهم، ولكنه قال بسرعة بأنه سيخدمني بلا رقم الآن، فقط أنتظره قليلاً. لم يستحق الأمر كل هذا التأخير، لو وفروا النماذج لاختصروا الكثير من الوقت. بنك سخيف إلى أقصى الحدود.






أتمنى دائماً أن أعرف من المسئول عن قفل الباب، ذلك الباب المؤدي إلى الشرفة، في مصلى كلية الآداب، وكلية اللغات سابقاً. هناك، حيث لي العديد من الذكريات المربوطة، صرت أتطلع إليه الآن من خلف الزجاج. لا أنسى وقوفي هناك بعد الصلاة وتأملي للنخلات المتمايلات بسكينة، في مدخل الكلية، أو الاستمتاع بالهواء ورائحة المطر، مطمئنا بوجود المصلى الذي أحبه كملجأي خلفي. لا أنسى وقوفي مع صديقي في تلك الأيام، وتناول الكعك الذي آتي به معي، ونحن ننظر للنخيل والناس ونتكلم بعد الصلاة، كوقت معلوم. لا أنسى صدمتي ورجائي، حينما هززت الباب عدة مرات فعلمت بأنه مقفل، رجوت أن أجده مفتوحاً في مرة أخرى. ولكن، بعض الأمور حينما تقفل، تصبح هكذا فقط، يصبح الباب جزء من الجدار.
الصورة في قمة الموضوع مأخوذة من الأسر.






سعد الحوشان

الجمعة، 17 يوليو 2009

الأحقية (أحداث،أفكار)

بسم الله الرحمن الرحيم










من يقرأ ما أكتب في العادة يعرف بأني لا أتكلم كثيراً عن مآسي الشعوب الإسلامية. إن الكلام حولها كثير، وكشأن العديد من الموضوعات، يمكن أن يتحدث المرء ولا يصمت أبداً، ولكن، ما الفائدة؟ هذا ما كان يجعلني لا أتكلم كثيراً، إني يائس، وأشعر بقلة الحيلة في هذه الموضوعات. ولكن إذا انتفى اليأس، فإني لا أجد غضاضة في التحدث في الأمر، وهذا ما أجده في نفسي تجاه قضية مهمة مهملة. إن الأمر يتعلق بالمسلمين الإيغور.
لن يجدي التحدث عن الإضطهاد الذي يتعرضون له مطولاً، وتأجيج المشاعر بتعداد المآسي في كل مكان. إن الأمر يجب أن يكون في رأيي هو بحث ما يجب أن نقوم به، وعلى أي أساس نستند، ومن أي مبدأ ننطلق. من المؤسف أن الدول الإسلامية إتجهت إلى تجاهل المشاكل البعيدة عنها، فمن لا يؤمن بالقومية منها، أو يؤمن بها بشدة، تجده صار يجدها الدرب الأسهل مسلكاً لراحته. ولكن، من قال أننا خلقنا لنرتاح؟. هنا في السعودية، كل العالم الإسلامي يتطلع إلينا وإلى مواقفنا، وينظر إلينا نظرة بنوية، او هكذا كان. ولكن، دعنا مما خسرناه، إن ما نوجهه أهم.
لا خلاف على أن الصين دولة صديقة لنا، برغم اختلاف الكثير من القيم بيننا وبينها، إلا أننا نلتقي في قيم أخرى. وعلاقتنا بها لم تكن أفضل في أي وقت مضى. لقد قدروا مساعدتنا حينما ضربهم الزلزال العام الفائت بشكل فاجئنا بصدق، حيث لم نتعود التقدير على عطاءنا من الدول الإسلامية التي نمنحها بلا حساب، بل ربما انقلب العطاء وبالاً علينا في الوضع المعتاد. وحينما جاء رئيسهم لزيارتنا كانت زيارته شديدة الودية، ومعبرة بقوة عن الرغبة في تعميق الصداقة، حيث أن المصالح المشتركة لا تخفى على عين، على كافة الأصعدة، التجارية والاستراتيجية، وحتى على مستوى قيادية دولتنا الدينية. أحضر معه أطفال العوائل المتضررة من الزلزال، وبين تقدير الشعب الصيني للمساعدة. ولم يجانب الحقيقة في رأيي، فما سمعته وقرأته يوضح بأن الصينيين في تلك الأوقات أظهروا حفاوة غير عادية بالسعوديين، على المستوى الشعبي.
الآن، لا يمكننا أن نجعل الصداقة عائقاً أمام رؤيتنا للأمور على حقيقتها، كما أننا لسنا بمضطرين لخسارتها. أعتقد بأن صداقتنا الخاصة مع الصين هي ميزة يجب أن نستغلها، فلا يمكن أن يتخيل الصينيون تحدث حكومتنا معهم بخصوص المسلمين هناك إملاء لرغبات أو تدخل غير مفهوم، فمن الواضح أننا لسنا بهذا المستوى من التأثير العالمي لنفهم بشكل خاطئ، كما أن الصين تعلم جيداً بزعامتنا الإسلامية، وهذا مبرر، وأتخيل بأن أحد أسباب التقارب هو هذه الزعامة. كما أن تدخلنا، رغم أنه قد يوتر الصينيين، إلا أنه قد ينفعهم في النهاية لمصالحة الأعراق هناك، وسيساعد إخواننا هناك ويجبر معاناتهم إلى حد كبير. وبالمقابل، سيكون السكوت وصمة عار، وتراجع أكبر وتدني في المكانة، كما أنه يلغي الضمير الذي نتمتع به على كافة المستويات، ولكن لعل الشجاعة صارت تنقصنا مؤخراً. رغم أنه لا شيء مخيف في الأمر برأيي.

إن التجاهل والصمت وعدم المحاولة على الأقل ينال من سمعتنا وصورتنا المهزوزة في العالم الإسلامي، وفي الضمير الشعبي المعذب. إن تدخلنا لن يساعد إخواننا فقط، وإنما سيساعدنا امام الناس وأمام أانفسنا، فأمام الناس لا يستحق الأمر عناء شرح الفوائد، ولكن أمام أنفسنا، سنستفيد الثقة بالذات والشعور بالفائدة، وأننا لم نهمل ولم نتخلى عن مسئولياتنا. وأهم الفوائد المجنية بطبيعة الحال، هي مرضاة الله سبحانه وتعالى.

لا يمكننا الاستماع للعالم حينما يقولون بأنه شأن داخلي، فلم يكن الأمر شأناً داخلياً حينما أدبت روسيا جورجيا، أو حينما ثار العالم من أجل جزر الملوك الاندونيسية لأن أهلها نصارى، أو في تدخلهم في هندوراس وهو مجرد إنقلاب لم تفقد فيه أرواح، بينما في أوروميتشي يموت الناس ويتعرضون للمضايقة منذ زمن بعيد. يجب التدخل بطريقة ملائمة، واستغلال العلاقة الطيبة مع الصين. فإن لم نستفد منها الآن، متى سنستفيد؟.

إن خيبة ظن المسلمين هناك بنا لتقطع نياط القلب حقاً. وحتى في أوقات السلم، لا أعتقد بأن مسئوليتنا تتوقف عند استقبال الحجاج، يجب أن نتساءل كذلك، لماذا بعضهم لا يأتي؟ هل المصاعب التي يواجهونها للقدوم طبيعية أم لا؟ في حالة المسلمين الايغور في الصين، المصاعب ليست طبيعية وتحتاج إلى نقاش.

يمكننا أن نسهل الأمور حتى على الحكومة الصينية حينما نتدخل، يمكننا إن ساهمنا بالحوار وإصلاح الأوضاع أن نحيد بعض المعارضين، أو أن نقلل من حدة معارضتهم. وجهت زعيمة الايغور المنفية، ربيعة، نداء باكياً إلى الدول الإسلامية. لا أعتقد أنه يجب أن نتجاهل وجود هذه المرأة لأن الصين تعتبرها عدوة، فهي في النهاية أقرب إلينا. ربما حتى ساهمنا في حوار بين الطرفين.

لا أحب السلبية التي نعيشها. يجب أن لا يكون كل ما نقدمه هو بذل المال، أو المصالحة بين الفلسطينيين، التي تفقد قيمتها حالما يأخذون المال ويعودون إلى ديارهم، يجب أن نتوجه إلى أبعد، وإلى أمور تتطلب شجاعة أكبر، فهي أجدى وأكثر مدعاة للإحترام.








كان هذا الاسبوع كثير الأشغال في العمل. ورغم أني أشعر بالإرهاق في أحيان كثيرة، إلا أن الأمر مرضي وبهيج بشكل عام. قبل يومين صادفت شخصين لم أتوقعهما في يوم واحد. بينما كنت أعمل، شاهدت الدكتور الاستغلالي في الوزارة يمر أمام مكتبنا، اتضح لي أنه رآني، فعاد. كنت أرجو أن لا يعود. وأشعر بأنه هو نفسه لا يتمنى أنه رآني، ولكن حينما رآني فإن له طبيعة وصورة لا يحب أن يغيرها في أذهان الناس. سلم علي وسألني إن كنت انتقلت. وسأل إن كان مديري هو فلان؟ قلت نعم. للمصادفة، كان مديري يستخدم آلة التصوير أمامنا، سألني عن اسم عائلته وناداه. سلم عليه سلام حميم ينم عن سابق معرفة. ثم كلمه عني، يمتدحني وأنا أشعر بأنه لا يرغب حقاً. وأعطى كذبة أغضبتني. قال بأني عملت سكرتيراً له، وكرر الأمر. لم أعمل سكرتيراً له، ويبدو أنه لا يفهم معنى سكرتير، فكل موظف سكرتير بالنسبة له على ما يبدو. عملت مع الدكتور الطيب الآخر سكرتير، لكن ليس معه. حينما ذهب أخبرت مديري بأنه يكذب، وانه من أسباب بغضي لذلك المكان. سألته إن كان يعرفه؟ قال بأنه لا يعرفه، ربما بالشكل فقط ولم يبدو واثقاً. ولكنه يخدم الكثير من الناس في الجامعة مديري، وهو مشهور بالمحيط فالكثيرين يعرفونه. أصابني اكتئاب بعد رؤيته. وأخبرت مديري لاحقاً بذلك، فقال بأن لا أشعر هكذا، فلا يجب أن أحمل كل شيء في نفسي، فهكذا سأتعب كثيراً، فكرت في نفسي: معد يمدي. قال بأن المثاليات تتعبني كثيراً، ولكن يجب أن أتقبل الأمور ولا أشغل نفسي بها. جاء وقتي المفضل من كل يوم،،، وذهبت إلى كلية... الآداب... لقد أصبحت الآداب الآن. ذهبت للصلاة هناك. بعد الصلاة، من رأيت؟ رأيت مديري الطيب في الوزارة. صدفة غريبة أن أرى الاثنين النقيضين في نفس اليوم. سلمت عليه. وكان ودوداً. كانت لديه ورقة تحتاج إلى متابعة في مكان عملي، تكفلت بالأمر. حينما عدت سألت مديري إن كان يعرفه؟ ولكنه لا يعرفه على ما يبدو. خسارة. عموماً، الدكتور حتى للمصادفة لا يعرف مديري. لو التقيا أعتقد بأنهم سيكنون التقدير لبعضهم البعض.







تذكرت شيء وأنا في العمل. في وقت قديم، قبل أن أنتقل من الجامعة وأعود الآن. لاحظت ملاحظة غريبة. غير منطقية، سخيفة، لا معنى لها، ولكنها تحدث. يوجد في المبنى حيث أعمل 4 مصاعد أساسية، متقابلة، اثنين يقابلان اثنين، وفي معظم المرات، في 90% من المرات أو أكثر، حينما أكون أنتظر وصول أحدها لأصعد إلى عملي، يفتح الباب الذي أقف بقربه، وليس أي باب آخر. كنت ألعب هذه اللعبة فأنتقي باباً وأقف أمامه، فيفتح. بدى الأمر مضحكاً. أخبرت صديقي الملتزم الصغير بالأمر، واختبرناه معاً وأريته. هذا كان قبل وقت طويل. حينما غادرت المكان نسيت الأمر. تذكرته مصادفة ونحن ذاهبين إلى حفل سخيف، كل العمادة مدعوة إليه. حينما وقفت وبعض الزملاء، حيث كنت ساهماً أمام باب لوحدي وهم أمام آخر، فتحت الباب أمامي، فتذكرت. حينما دخلنا، أخبرت زميلي بأن يقف دائماً قربي، فالباب الذي أقف عنده سيفتح أولاً. تعجب مما أقول. مضينا إلى المبنى الآخر، حيث يوجد مصعدان، سهمت بالتفكير ونسيت الأمر، فتحت الباب ودخلنا، فجأة قال زميلي: سعد أنت صادق!!. لقد فتح الباب الذي أقف بقربه.






اليوم كان مرهقاً إلى أقصى حد، عملت باتصال من ما قبل العاشرة صباحاً حتى الخامسة عصراً. أمشي وأترجم لشخص مهم. يا للملل والتعب. خصوصاً أن هذا الشخص غير مثير للاهتمام، كما أنه رغم أدبه إلا أنه يبدو مغروراً. ولكن في نهاية اليوم، دخلنا أنا وهو ومديري وشخص آخر إلى القسم النسوي، وهو مكان لم أدخله من قبل. كان خالياً طبعاً، وقد غادرن كل الموظفات قبل ساعات. كان المكان مختلفاً. رغم أن الترتيب متشابه مع مكاتب الرجال الجديدة، ذات نوعية القواطع، إلا أنها حوت لمسة غريبة مفقودة لدى مكاتبنا. كان المكان يعبق برائحة عطرية بديعة، والمكان مشرق بضوء الشمس(عكس الرجال، فهم لا يحبونه في قسمنا، سخفاء) كذلك، كانت الممرات أوسع والتوزيع أفضل بكثير، علمت لاحقاً بأنه تصميم مديري للأمور، حيث لم يتح له تصميم قسمنا كما يشاء لفرض بعض الأمور عليه، بينما بقية الأقسام فكانت مليئة بالاحتجاج والطلبات الخاصة مما أفسد كل شيء. والأمر الآخر كان ترتيب المكاتب الممتاز، والنظافة لكل شيء، والتزيين اللطيف للمكاتب. كتعليق صور الأطفال والورود والأشياء الأنثوية الأخرى، أضحكتني بعض المشاهد، رأيت على مكتب كريم خاص للبشرة، ومعطرات للجو، وشاهدت على أكثر من مكتب معقمات للأيدي(أحب هذه المعقمات) كما وجدت كباسة توست كهربائية، وطاولة مجهزة للماء والشاي، يا للظرف.







كنت أشاهد قبل أيام الحلقات الخاصة من المسلسل الياباني الذي تحدثت عنه سابقاً، ملكة الفصل الدراسي (جرب البحث في جانب المدونة). الحلقات الخاصة كانت طويلة جداً، وأعجبتني الكثير من الأمور فيها.
في جزء من الحلقة الأولى، يروي المسلسل حكاية طالبة ابتدائية فاقدة للثقة بالنفس إلى حد بعيد، أو ربما فقط وحيدة. تعجب كثيراً بالمدرسة بطلة الحلقات الخاصة، وشخصية رئيسية في المسلسل. وتبدأ الطفلة بالتطلب، ومحاولة احتكار حب المعلمة، والحصول على اهتمامها أكثر مما يحصل عليه زملائها. يسوء الوضع في ظل محاولة المعلمة اللطيفة إقناع الطالبة بأن هذا ليس عدلاً بالنسبة للبقية. حاولت عدم جرح الطفلة، ولكن الطفلة عانت من خلل ما، عدم اتزان. تبدأ الطفلة المقهورة بالتجني على مدرستها، وحصارها نفسياً، وتتسبب بمشكلة كبيرة لها، تنهي حياتها المهنية. هذا الشعور ليس حكراً على الأطفال. هذه الرغبة، والشعور بالاستحقاق هي أمر يحدث في كافة مراحل العمر، يحدث لأناس حتى لم يُعرفوا به أحياناً في مراحل معينة. لقد حدث لي. حينما يظن المرء بأنه أجدر من الآخرين بمحبة أو بتفضيل أو بصداقة، أو حتى على المستوى المهني، إنه أمر ينتهي دوماً على نحو مأساوي. يظن المرء نفسه أنه يبذل أكثر من الآخرين، وقد يكون هذا صحيحاً، ويظن الآخرين غير راغبين بما يرغب به حتى، فيظن هذا نوع من الفضل وزيادة في الفرصة. هذا خطأ كبير. يمكنني أن أرى أحياناً في العمل زملاء يعيشون نفس الحالة. في الجانب المهني، رأيت في الوزارة شخص يرغب بشدة في أن يصبح مديراً، وكان يحاول أن يبذل، ولكن بطريقة خاطئة، وثقته بجدارته كانت هي ما يقف في طريقه برأيي، فالثقة الزائدة رديفة للافتعال دائماً. كذلك، رأيت في عملي الحالي من يظن نفسه أجدر مثلاً باهتمام مديره الشخصي، حيث يعنيه هذا الأمر جداً، ويجد في أي معاملة خاصة لأحد زملائه عدم إنصاف، دون أن يفكر ويقارن بين نوعية بذلهم وبذله، إن وجد. كذلك، رأيت على مر السنين أشخاص ظنوا لمجرد رغبتهم أنهم جديرون بمحبة أحدهم، جديرون بصداقة آخر، جديرون بتقدير خاص من آخر، ولم أرى نهاية سعيدة.








لا يجب أن ترتبط الأماكن بأصحابها، وحتى العكس، ذلك إن يكن في أذهانهم، أم في أذهاننا كمراقبين. إذ أن الأماكن كثيراً ما عمرت أكثر من أصحابها بكثير. فكرت بشيء مشابه في عملي السابق. كنت أكتب وحيداً واقفاً أمام مكتب زميلي، وكان مكتب الدكتور المشرف مشرع الباب، بينما هو مسافر إلى الخارج. سمعت صوتاً فنظرت نظرة موجزة وعدت أنظر إلى ورقتي بسرعة، ولكني فطنت، ظننت أني رأيت الدكتور يجلس على مكتبه كالعادة، ويكتب. رفعت رأسي ثانية، ولم أجد أحداً بالمكتب. سهمت أفكر؛ كم من مكاتب ستخلو وتُشغر، وتخلو وتُشغر...






من هذا المطل علي في إنعكاس زجاج المقهى؟ إنه أنا. ولكن، لا عجب أن أتساءل، فأحياناً أشعر بأني أتغير باستمرار، باضطراد غير طبيعي. عموماً، كثيراً ما اعتمدت على الزجاج لمراقبة ما لا أستطيع مشاهدته مباشرة، أو على الأسطح الصقيلة، فأنا شديد الوعي بهذه المواد من حولي. إن بعض ذكرياتي العزيزة، مطبوعة على سطح صقيل، لم يقدر لي أن أحفظها كاملة بأم عيني. لا يفطن الناس عموماً لهذا النوع من التطلع والمتابعة. كان بإمكاني مراقبة أشخاص لا يشعرونني بالراحة، ومتابعة أشخاص مختلفين. يمكنني أن أنظر إلى نفسي ولا أدري من أصدق من الناس، من يقول بأني تغيرت، ومن يقول بأني لم أتغير.








يداهمني شعور قوي أحياناً، بأن هناك خطأ ما بي. هل تعرفون تلك الأجنة التي تولد مشوهة؟ أو تعاني من نقص حيوي لا يعوض؟ هذه الأجنة غالباً لا تعيش طويلاً، إن عاشت بعد الولادة، فهي تموت بعد وقت قصير. أشعر أحياناً بأني ولدت بنقص كهذا، ولا يمكنني أن أعمر طويلاً، وكأني عشت أكثر من اللازم، ليس كما يجب أو يُتوقع. نقص يقلل كفائتي بشكل ما، نقص حقيقي، ولكنه غير منظور. لا أستطيع أن أضع يدي عليه، ولكني أشعر بوجوده، وإن كنت لا أعرف طبيعته. ولكني أتخيل بأني ربما سأتعرف عليه في لحظة تجلي، لا أشعر بأن هناك من يمكنه تشخيصه غيري.





أعطاني صديق من الهند يعمل في الجامعة هدية جميلة، أحضرها لي من هناك، وقد تجشم العناء لأجلي، فهي مصنعة على شكل اسمي. كما ترون في الأعلى. جميلة جداً. شكراً جليل.





لقد دخلت مرحلة تقشفية منذ فترة. إني أخطط لجمع بعض المال لأسافر إن شاء الله بعد رمضان مع أمي، هذا إن وافقت، إن لم توافق، سأتحطم حقاً. لا يوجد الكثير من المغريات في حياتي، فأنا لم أكن مُكلِّفاً فيما أحسب حينما كان يُصرف علي، ولا حتى بعدما بدأت أصرف على نفسي. ولكني أحب أن أقتني من وقت إلى آخر شيء مميز، شيء غير عادي بشكل ما (ساعات الإل إي دي). الآن، وجدت نفسي أريد شراء ساعة، ليس من اليابان هذه المرة، ولكن من أمريكا. وهي تعمل بالحبر الإلكتروني. قبل فترة انتهت البضاعة من الموقع، ولكن عادت مرة أخرى. ستكلفني الكثير، وهذه مشكلة، ولكني حقاً أرغبها. ستكلفني حوالي 750 ريال.





أحلى طقم بالعالم... كنا في زيارة معالج في هذه الصورة، لم أستطع أن أقاوم التصوير. من النادر أن أتمكن من تصويرهما معاً، فدائما ما يفسدان الصورة.
كان هذا الأسبوع طويلاً ومليء بالعمل، والاربعاء والخميس كذلك مليئان بالمشاوير والعمل على أجهزة الأهل. لهذا تأخرت. لدي موضوعات أود التطرق إليها. ولكن، ربما في المرة القادمة.




سعد الحوشان

الخميس، 9 يوليو 2009

قصيمي يبدو من طيبة (أحداث،وأفكار،وفيديو)

بسم الله الرحمن الرحيم














كما في التدوينة السابقة، سيكون الأمر هنا مزيج بين ما كتب في التدوينة الضائعة، والأحداث المستجدة.




يقال بأن حب الاستئثار عريزة إنسانية. ولكن، هل يمكن التذرع بالغريزة حينما يتعدى الأمر حده؟. لو كان الأمر لا حد له، لما اصطلح الناس على وجود الأنانية. للأنانية أشكال كثيرة، وهي أمر لا ينجو منه المرء ما لم يكن واعياً، يناقش نفسه بخياراته وقراراته التي تؤثر على الناس. يوجد على أي حال من هم بطبيعتهم محبين للسيطرة والاستئثار بالأمور، محبين لحاجة الناس إليهم، ليس لنيل ما يريدونه بالمقابل، ولكن لمجرد إشباع غرور معين. هؤلاء غالباً لا تقع أيديهم سوى على احتكار معلومة مثلاً، أو صلاحية، شيء غير ملموس. وربما يردعهم ضميرهم عن احتكار أمور أكثر أهمية وضرورة للناس، وهذا أمر جيد، ولكن، قد لا يردعهم كذلك، فلا يؤمن جانبهم تماماً إذا ما علم عنهم هذا الطبع بإجماله.
واجهت أمثلة عديدة على هذه الصفة. شخصيات هكذا تركيبتها، وغالباً ما رديت هذا إلى أسباب تربوية. واجهت هذه الشخصيات كطفل وكراشد. ولكن التمثيل بالأطفال في هذا الموضوع قد يكون أكثر شفافية لإيضاح المسألة على نحو مجرد. ولكن، ما الذي جاء بالموضوع إلى هنا بالمقام الأول؟ حدث هذا حينما شاهدت فيديو على موقع ساكورا المملكة، وهي مجموعة مهتمة بالتبادل الثقافي مع اليابان. الفيديو يشرح طريقة عمل طائر من ورق، بأسلوب الاوريقامي الياباني، وهو اسلوب مبتكر لتسفيط الورق. هذا الطائر، الذي يرفرف بجناحية حينما تشده من نهايتي جسده، كنت أتمنى صنعه منذ أن كنت في الابتدائية، حينما جاء صديقي بواحد مثله، تعلم كيف يصنعه من قريبه، ورفض أن يخبر أحد كيف يصنعه أو يصنعه أمامهم، بحجة أن قريبه حذره من ذلك حتى "لا تنتشر الطريقة". ولكن، كانت تنشئة صديقي هذا لا تحتاج إلى تحذير من هذا النوع، لقد كان يكتم معلومات أقل أهمية من هذه الصنعة الضرورية لطفولتنا. حدث أن جاء مدرس فلسطيني إلى الفصل ورأى هذا الطائر، وقد كان الفلسطيني دنيء النفس، يطمع بكل شيء، ويريد الحصول من الأطفال على ما يستطيع، مع عدم نسيان تحطيمهم وإفقادهم الثقة في جنسيتهم. طلب المدرس من الطالب صنع اثنين أو ثلاثة لأبناءه. ولكن الطالب طلب بالمقابل توفير بيئة سرية لتنفيذ المهمة في الفصل، أي أن يقف أمامه أحد ويغطيه دون أن ينظر. تبرع العديدين، ولكنه اختارني لسببين، لعلمه بأني لن أنظر إلى ما يفعل، ولأني صديقه الأقرب. غطيته دون أن أنظر، وتم صنع الطيور الجميلة، وأنا أتمنى الحصول على أحدها. هذا الصديق عموماً كانت تربيته تتم على أساس أنه أفضل من الآخرين، ورغم أن أهله متدينين، إلا أني لاحظت أن البيئة المتدينة عالية التعليم هي ما كان يفرز مثل هذه الشخصية للأسف، فلم يكن هو المثال الوحيد أمامي في ذلك السن، وسأذكر المثال الآخر قريباً. كان هذا الصديق غير محبوب تماماً من الآخرين، وربما كنت صديقه الوحيد مع استثناء حالة أو حالتين ليستا بقربي إليه، ولطالما أعدت عدم محبة الناس له عموماً وفرحهم بهفواته إلى شعوره بالتفوق وأنانيته التي يجد لها دائما ذرائع أخلاقية، ولم أكن لأعبر عن الأمر بهذه الطريقة بالطبع، ولكن وجهة نظري ليست مختلفة أبداً عن وجهة نظري في ذلك الحين، كان الأمر واضحاً. كان دائماً الأول على المدرسة، ولم يكن لي مطمع بهذه الوجاهة، ولكني لم أحب أبداً هاجسه بأن ينافسه أحد أو يتفوق عليه. حدث ذات مرة أن ارتفعت درجة أحدهم فصارت كدرجته، فصار مهدداً بمشاركة ذلك الطفل له لقب الأول على المدرسة، أو أن يكون هو الثاني في أسوأ الأحوال. حدث هذا حينما رفع مدرس درجة هذا الطالب نصف درجة أو شيء من هذا القبيل، ولم يكن هناك مجال لرفع درجة صديقي لأنها كاملة على ما أتذكر، فأقام الدنيا على الأمر، وطلب من المدرس أن يلغي زيادة ذلك الطفل بإلحاح، ولم يستجب المدرس، ولا أدري لماذا لم يتفاهم معه المدرس ويشرح له سوء موقفه، ولكن المدرسين لم يكونوا مربين حقاً. لحق بالمدرس يلح عليه والمدرس يرفض بهدوء، ثم عاد لاحقاً وهو سعيد، إذ أقنع المدرس ولا أدري كيف. وكاد الطالب الآخر المسكين يموت غيضاً لهذا اللؤم، وشعرت حينها بأن مصادقة هذا الطفل هي أمر سيء، ولكني لم أكف عن مصادقته في ذلك الوقت. وكان يحب خدمة الناس له، رغم أنه لا يقدم شيء بالحقيقة بالمقابل، يحب الاستفادة مما يستطيعون القيام به ولا يستطيع هو. ربما ضاعف من سوء وضعه كونه شديد البدانة، فربما أشعره هذا بنقص يريد ملئه، فقد كان كثيراً ما يشكو بدانته ويعزوها إلى أسباب خارج إرادته، إلى الغدد بشكل عام، ولكن لا شك بأنه كان طفل أكول جداً. أتذكر حقده على زميل لنا في الصف الرابع الابتدائي، حينما أحضر الاثنين صحف، وكان الاثنين وعائلتيهم موهوبين بحسن الخط. صحيفة الطفل الآخر كانت أجمل بكثير، وأكثر إتقان بلا شك، وأجمل زخرفة. حاول صديقي هذا أن يقنع المدرس بالعكس، ووقف أمام صحيفة زميلنا يشير إلى غلطات فيها، غلطات غير موجودة، رفض المدرس كلامه دون أن يعطيه جديه، وضربه ضربة خفيفة لا مبالية، وربما كانت أول مرة يتعرض فيها إلى هذا الأمر. فكان الأمر كثير عليه، أحدهم أتى بشيء أفضل مما قدم أهله بمراحل، ثم يحرجه المدرس برفض إنتقاصاته لعمل زميله. بعد ذلك أفرحنا المدرس بإقتراح أخذنا إلى مكتبة المدرسة، وكان شيء نحب القيام به، فمن لا يقرأ يرسم أو يتكلم مع الآخرين، أو يتصفح مجموعة من الصبية كتاب واحد ويعلقون على ما به، ويتخلل الأمر نكات ومرح كثير، ولكن رفض صديقي الذهاب إلى المكتبة، وقال للمدرس أنه يفضل البقاء بالفصل، فسمح له المدرس، لاحظت بأنه ليس على ما يرام، فطلبت من المدرس البقاء أيضاً فوافق كذلك. خرج الصف الرابع بأكمله من الفصل ولم يبقى غيرنا، التفت إلي بشدة وسألني بعصبية لماذا بقيت؟ أخبرته بتعاطف بأني أود البقاء معه. طفرت الدموع من عينيه. شعرت بشفقة كبيرة تجاهه. ثم صار يذم صحيفة زميلنا الآخر، وقد كان زميلنا هذا صبي مسالم طيب، ويذم من كتبها وزخرفها، وهي أخته، ويذم المدرس ذماً شديداً. تعاطفت معه لأنه صديقي، واستمعت إليه بصمت، وحاولت أن أبين بأن المدرس لم يقصد إهانته حينما انتهى، فقد كان مدرساً محبوباً جداً، ولكنه رفض أعذاري. مع الوقت أصبحت أقل تحملاً لصفاته، ثم افترقت عنه بلا ندم في بداية المتوسطة. حاول أن يصالحني، وأرسل إلي أصدقاء ليقولوا بأنه فقط يريد إطاعة كلام النبي صلى الله عليه وسلم، أن الأصدقاء لا يفترقون أكثر من ثلاثة أيام، ولكن رفضت مطلقاً، وقد كنت أعلم بأنها كانت مجرد ذريعة، فلم تكن توجيهات النبي صلى الله عليه وسلم تردعه عن أمور كثيرة فوق احتمالي. علمت لاحقاً بأنه حقد علي لفترة من الوقت، وقيل لي بأنه يقول بأني أنتظر اعتذاره وأنه لن يفعل هذا أبداً، ولكني لم أكن أنتظر اعتذاره، وكنت قد نسيت أمره بسرعة لأني كنت قد مللت منه حقاً، ولم يعد يهمني مطلقاً. فقد كان يلقي بغلطاته على عاتق الناس دائماً، وحينما يقصر يتهم الناس بالإزعاج وقلة الصبر. حيث أتذكر بأنه كان وسيطاً لتبادل أشرطة ألعاب بيني وبين أقاربه بشكل مؤقت، فوزعوا أشرطتي على أناس كثيرين، وهو ما لم يُفترض أن يقوموا به، فصعبت استعادتها، ولكني لم أوافق على ترك أشرطتي، وهي جيدة عكس أشرطتهم التي خدعوني بها، حتى تم جمعها وقد تم تشويه بعضها، وردها صديقي إلي بقلة أدب عجيبة، وقال بأن أهله لاموني(لاموني أنا، صاحب الأشرطة التي أضاعوها أقاربهم) على ما جرى، وأخبروه أن لا يتعامل معي بمثل هذه الأمور مرة أخرى. هكذا هي تربيتهم.
رأيته بعد سنوات، أو، قبل سنوات، ربما سنة، ربما اثنتين، رأيته بما هو جدير به، لقد رأيته بملابس طلاب كلية الطب. يمشي وحيداً، بلحية غير مرتبة، ووجه دهني، وجسد مترهل حيث أنه لم يعد بديناً بشكل مَرَضي كما كان. كان يمشي وحيداً، ساهماً، مبتسماً وكأنما هناك ما يشغل تفكيره. ولم يكن معه أحد. سألتني أختي لماذا لم أسلم عليه؟. لم أشعر برغبة.

لم يكن هو المثال الوحيد. ولكن، ما عساي أن أقول.
الآن حينما أفكر بالأمر، لا يمكنك أن تتوقع من بعض العوائل أفضل من هذا الإنتاج. قد تكون عوائل متعلمة، غنية، مثقفة، ولكن يوجد عقد لا مناص منها، يوجد أخطاء في التربية، قد لا تكون أخطأ في رأي البعض السعيد بها، مثلما أن الطيبة تعتبر غباء لدى البعض، رغم أن الكلمتين لا تمتان لبعضهما بصلة، واعتقادهم هذا في نظر آخرين أكثر تقديراً للطيبة، هو إعتقاد خاطئ. إنهم يعتقدون أن الكبر وتزكية الذات على حساب الآخرين، هي عين الفضيلة.
ماذا جرنا إلى كل هذه التشعبات؟.
هذا فيديو الاوريجامي(صناعة الطائر):


حينما يصنع أحدكم هذا، ربما تذكرني حينما ينظر إليه. غني عن القول أني صنعت واحداً صغيراً من فاتورة ورق حراري، أضعه فوق الرف فوق سريري.
مع الشكر لساكورا المملكة على الفيديو.





العمل في الجامعة مليء بالحيوية، ولكن نظامهم تغير كثيراً منذ أن غادرت، وصارت الأمور بالنسبة لي غير واضحة تماماً. ولكن، سعدت بسعادة الناس برؤيتي، سعدت حقاً، فأنا لم أتوقع هذا التقدير منهم، خصوصاً المراجعين الدائمين. سلم علي العديد من الناس، وأظهروا فرحهم بوجودي. وقيل لي أن العديدين سألوا عني. لم أخبر أعز أصدقائي الأجانب هناك عن مجيئي، أردت أن أفاجئهم، وما أسرع ما التقيتهم، فهذا موسم السفر وبالتأكيد سيأتون إلى قسمنا. سيد اخذني بالأحضان كما هي عادة أهل السند، بينما حال بيننا أنا وطارق مكتب الاستقبال. بينما الاندونيسيين كما كانوا دائما أكثر رغبة في الامتزاج بالمجتمع، حيث أن العديد منهم، وهم كثرة كاثرة حقاً، قد سلم علي بالطريقة السعودية، خد بخد، الفلبينيين كعادتهم، مهما كانت العلاقة بسيطة فإنهم لا ينسون، ويقدرون المعروف بشدة، أما معارفي من الغربيين، فلم ألتقي بهم بعد. أما العرب، فعلاقاتي بهم محدودة، وغالباً ما أحاول تحجيمها، طبعا باستثناء السعوديين.
كان لدى الدكاترة الباكستانيين تعبير كثيراً ما يستخدمونه، غير عابئين بالمحذور الديني، وهو قولهم للمرء أنه ملاك، سمعتها أكثر من مرة في يوم واحد، ربما 3 مرات. سمعت أحدهم وهو يخبر الآخر بأني أساعدهم كثيراً، وأني ملاك "القسم". رد الآخر، الذي يبدو متضايقاً من ضياع أوراق له، بأني أبدو لطيفاً. لم يجدوها الزملاء رغم البحث الطويل، وأعذرهم لكثرة المراجعين وصعوبة عملهم. لحسن الحظ، وجدت أوراقه، فرحت بأنني وجدتها، فقد بدا بائساً حقاً، وهو جديد على المكان، كان هذا أمس. قال لي اليوم بأني مهذب وأنه معجب بي، ثم سأل إن كنت من المدينة المنورة؟ وهكذا هم الأجانب عموماً، لا أدري لماذا يحسبونني من المدينة المنورة، وقد شاعت شائعة ذات مرة بينهم بأني من المدينة أصلاً، واضطررت لتصحيح المعلومة كثيراً، فهم فضوليون ويسألون عن الأمر، إما للسؤال، أو ليخبرونني بأنهم يعلمون. وقد بدأ الأمر لا يعجبني، فأنا على غير اتفاق مع أهل الحجاز في بعض الأمور على وجه العموم. سألته اليوم لماذا يعتقد بأني من أهل المدينة؟ قال لأني طيب ومؤدب وتعاملي حسن، و... لشكلي الذي يشبههم (!!) ولا زلت لا أدري لماذا يرى الأجانب أن شكلي مدني، بينما أتصور بأن كلمة القصيم تكاد أن تطبع على جبهتي. أخبرته بأني لست من هناك، وأنا أتفكر بكلامه الذي سمعت مثله من قبل، من آخرين لا يحتمل بأنه التقاهم، وقد صححت معلوماتهم منذ زمن بعيد. سألني من أين أنا إذاً؟ أخبرته بأني من القصيم. صمت متفكراً. لا أعتقد بأنهم يعرفون عن القصيم سوى شهرته بالتمور، التي يحاصرونني بها رغم قلة خبرتي. تجنب الإهانة بقدر الإمكان، ولكن لم يكن هناك مناص، ولم أعد أستطيع التظاهر بالغضب، فأنا أرى صدقهم في بعض الحالات، إذ قال بأن الآخرين قساة، لهذا يعتقد بأني مختلف. حاولت جعله يعيد النظر، قلت بأن هذا ربما بسبب حاجز اللغة، فهم طيبون بالواقع. قال ربما. وصمت متفكراً، ثم بدا وكأنه لا يستطيع الصبر، ولا يتحمل نكراني، إذ قال بأن هناك مجموعة شديدة القسوة، إنها أقلية، ولكنها موجودة. لم أستطع تكذيبه، بالواقع، إنها ليست أقلية في مكان عملنا، تجاه الأجانب عموما. قلت مرقعاً مرة أخرى، بأنه يمكنه أن يعزو هذا إلى ضعف تعليمهم ربما. أنا نفسي غير مقتنع بأن ضعف التعليم عذر للقسوة والتعامل السيء، ولكنه دكتور، فهذه الأعذار تجدي معه. قال بأنه ربما هذا هو الحال.
وبالحقيقة، الكثير من الناس في العمادة لطفاء بالأصل، ولكنهم غير خبراء بحسن التعامل، خصوصاً مع ثقافات مختلفة، وغير مقدرين لشعورهم. أحياناً يتعاطفون ويتعاونون، ولكن يظل تعاملهم مصبوغ ببلادة في الشعور. مثلاً، قد يتكلم باللغة العربية بطريقة من الواضح أنها غاضبة ومنتقدة، أو قد يرفع صوته قليلاً ويتكلم بجلافة، أو يسحب أوراق بجلافة، أو يخبرهم بعدم مراجعته مرة أخرى. أنا أرى أن توفر العمادة دورات بالتعامل لمنسوبيها، فهذا الذي سيجعلها أقرب لما يصبون إليه، مما قد يحققه وضع مكاتب بقواطع، بارتشنز، هي محل اعتراض الغالبية.

لفت انتباهي دكتور مصري، قال بأنه كان يفكر بي قبل يومين، يفكر في أين ذهبت؟ بدا الأمر لي مألوفاً، ألا نفكر هكذا أحياناً في أناس لا نعرفهم؟ نراهم فقط؟ فأنا لا أعرف اسمه حتى.






بشكل غريب، لاحظت أن زيارات المدونة قفزت فجأة، معدلها ازداد. شعرت بأنه يمكنني أن أعزو هذا إلى أكثر من سبب. ربما ينتظر أحدهم شيئا؟ أو ربما صغر حجم التدوينات بالمقارنة صار أكثر قبولاً؟ أو ربما وجد المدونة أحدهم، وصار يدخل أكثر من مرة يقرأ التدوينات السابقة؟ أو أن أحدهم يريد أن يسعد قلبي شفقة حينما قلت بأن زيادة العداد تسعدني؟.
أما عداد الزوار الحاليين للمدونة، الذي لونه أزرق، فسأحذفه الآن. لا أرى منه فائدة. فنادراً ما أرى أن هناك شخص آخر في المدونة في نفس الوقت. أما أماكن الزوار، فما يكون منها من خارج الخليج يبدو لي وكأنه وصل بالخطأ وسرعان ما سيخرج. فما عسى شخص من أمريكا أو ماليزيا أو أوروبا يريد من مدونتي؟ قد يكون عربي، ولكني لا أتصور، ولا أهتم في هذه المرحلة.





الصورة أعلى الموضوع التقطتها اليوم في بهو الجامعة الحبيبة. يمكنكم رؤية النوافير الجميلة في الخلفية، وهي علامة فارقة داخل البهو. أجريت تعديلات عديدة على الصورة من خلال موقع بكنك، المذكور بوصلة في عمود المدونة على اليمين. أحاول أتفنن.







سعد الحوشان