بسم الله الرحمن الرحيم
صمت كئيب، على لذته العصية…
يشبه موسيقى مُطربة حزينة...
تعزف نبضات قُليبي برِقة…
أتساءل…
هل أرجو لقاء المشاعر بالمحبة…
أم لهذا الصمت أن يدوم…
حتى أوقن بحقيقة الفراق المرة…
فأندم على ما لا حيلة لي به كل يوم…
وأحلم به بعيداً مستحيلاً كل ليلة...
وجدت نفسي في موقف فقد طعم الغرابة والاستثنائية لكثرة مروري بمثله. لا يكون بذاته قصة خاصة، بقدر ما يعيد ويكرر قصص تشبهه، نفس المعنى في النهاية، ونفس القيمة؛ صفر.
كثيراً ما وجدت نفسي مغضوباً علي في حين كان يجب أن أغضب أنا، ولكن لأني لم أختر الغضب غُضب علي!، أو فقدت أهميتي على الأقل. يحدث أن يرتكب أحدهم خطأ في حقك، وسواء رددت الخطأ، أو حتى تجاهلته، وتصرفت وكأنه لم يكن، فسيتم عقابك بأي حال.
ومع ذلك، يتبين مع الوقت أن أي تقدير كنت قد نلته، وأي حجم أُعطيت إياه، كان أمر لحظي لا أكثر، ربما كان الأمر يتعلق بجدواي من نواحٍ معينة تبين أنها محدودة مع الوقت، أو أن الفضول قد أُشبع ففقدت قيمتي.
في مرات أخرى، يُرتكب الخطأ بحقي، وحين يثبت، لا أجد إعتذاراً، إنما أجد شخص محطم أمامي، مجروح وقد جر عليه خطأه علي، وشعوري بذلك الخطأ، كل أسى الدنيا، فيتوجب علي أنا جبر خاطره، وتصحيح الأمر بنفسي، والإعتذار كذلك في بعض الأحوال.
وفي مرات أخرى، بأحوال أحسن، يحدث أمر ما، خطأ جسيم في حقي، وحينما يتم التواصل، ألاحظ مباشرة جس النبض، والإستعداد لأخذ دور الضحية والمجروح، في حال لم أعبر أنا عن غضب أو عتب!. وهذا الموقف المُغضب، بات أشبه بنكتة لكثرة تكراره علي. بيد أني حينما أعتب، يتم الإعتذار لي بالعادة، وهذه ميزة على الأقل لدى هذه النوعية من الناس، بصراحة ولإحقاق الحق.
وفي مرات لا تقل اعتباطية عن المرات الموصوفة في الأعلى؛ يتم استفزازي، وربما جرحي، وفي حين أني أتقبل الأسف في لحظته حينما يحدث، كما في مرة قريبة، دون رد الإهانة، وأعبر عن عدم الغضب والأخذ في الاعتبار، أجد أنه قد اُستغني عني، وتم اتخاذ قرار تجاهل محاولاتي للتواصل، وكأني أنا من أخطأ. بيد أني لا أطيل المحاولة، أو السؤال عن السبب؛ إنها مشكلة مثل هؤلاء الأشخاص وليست مشكلتي. ربما سأسأل وأهتم، حينما يكون للشخص المقابل، على اعتباطية موقفه، أهمية كبيرة في نفسي، لكن ما بال حتى من بالكاد أعرفهم يسبغون على أنفسهم هذه الأهمية. أعتقد أن الأمر ينطوي على فهم خاطئ لطبيعة العلاقة؛ إنهم يعرفونني أكثر بكثير مما أعرفهم، بسبب هذه المدونة في أغلب الظن، ولم يُتيحوا لي معرفتهم أكثر، لأنهم لا يعون هذا الإشكال، ولا يعون أني لا أستوعبهم كما يستوعبوني، الأمر يحتاج إلى وقت.
وبالواقع، وخلاصته؛ لو كنت اختار المبادرة بالغضب والقطيعة عند حدوث خطأ في حقي، لربما وجدت اعتذاراً أكثر صدقاً من البعض، وهذا في أحسن الأحوال وأندرها، وفي الإشكالات الأقل جدية وليس كلها حتى، لسبب وحيد؛ أن الناس لا يريدون أن يشعروا بأنهم فقدو أهميتهم، وأن الإستغناء عنهم ممكن، في حين أن استغنائهم عن الآخرين بسهولة يعزز ثقتهم بأنفسهم، لهذا؛ لا تتعجب حينما يتم الإستغناء عنك، في حين كان الخطأ في حقك؛ فهكذا يتخيلون أن كرامتهم حُفظت عن الإعتذار، في ثقافة تجد في تقديم الإعتذار إهانة للأسف، وفي ترك الناس مجروحون خلف المرء تعزيز للثقة بالنفس والقوة.
هذه العلاقات غير الواضحة، يتبين في وقت متأخر بأنها براغماتية في صميمها، حتى على المستوى المعنوي.
كثرت الإتصالات مؤخراً من أشخاص يدعون أنهم يمثلون شركات استثمارية، ودائماً، دائماً يكونون من عرب الشمال. وقد جربت معاودة الإتصال على بعض الأرقام، ووجدت أن الرقم يوصلني بتسجيل صوتي لشركة حقيقية على ما يبدو. لا ينفي هذا أنها تبدو كمحاولات للنصب مع ذلك. غالباً ما أخبرهم مباشرة بأني غير مهتم وأشكرهم على الإتصال، وينهون المكالمة بتهذيب. بعضهم يحاول إقناعي بالإنصات قليلاً على الأقل. لكن حدث ان اتصل أحدهم، سوري على ما يبدو، وحالما قلت بأني ليس لدي اهتمام وشكرته، أغلق الخط بوجهي هكذا. اتصلت بالرقم عدة مرات، والتسجيل يجيب ولا يجيب غيره، حتى أجابت فتاة سورية على ما يبدو كذلك، وطلبت منها تحويلي إلى الشخص الوقح، إذ كان قد قال اسمه؛ زين مع الأسف. أخبرته بأنه أغلق الخط بوجهي حالما قلت بأني غير مهتم، وأن هذا تصرف صفيق. قال بضيق، وقوة موقف تنم عن وقاحة غير عادية، بأن الخط انقطع، وأن الكثير من العملاء يتصلون بعدما ينقطع الخط. قلت بأنه أمر مشبوه أن لا ينقطع الخط سوى بعدما قلت بأني غير مهتم، دون أن ينقطع الآن. كرر إدعاءه بقوة أكبر وتحدٍ بأن الخط انقطع. قلت إن لم يكن إنقطع بالفعل، فهذه قلة تربية، وافقني، وقد فوجئ وبدت على صوته الصدمة والخضوع، فأنهيت المكالمة. قوة الشكيبة هذه رغم الخطأ والوقاحة البينة تستفزني كثيراً. بعد دقائق وردني اتصال آخر من الرقم، وأغلقت السماعة، دون أن افكر حتى بالرد. إني لا أعرف كيف يعرفون اسمي حتى. لا شك أن أرقامنا تباع على هؤلاء النصابين بالجملة. استمرت الإتصالات تأتي من الرقم على مدى أيام، لمدة أسبوع.
رفعت شكوى على هيئة الإتصالات، بسبب هذه المكالمات والرسائل التي لا تنقطع. لن يقوموا بشيء بكل تأكيد، لكن أرجو أن تتكرر الشكوى على نفس الأرقام حتى تتضح الصورة. بيد أني أشك أن الناس عموماً، مهما انزعجوا، يتقدمون بشكاوى للهيئة حينما لا يتعلق الأمر بالفواتير، أو التحرشات.
ونفس الخطأ تكرر...
إنهار الأمل والكبرياء...
والقلب طُرد ولكن لم يتحرر...
سُقيت الأمل قسراً...
ولما ارتوى قلبي قُذف ليتكسر...
لم أُترك وشأني...
شِيء لي أن أتأثر...
ولما استسلمت واقبلتُ على الهوى...
فإذا به سراب...
فإذا بالحاجة لي تنتهي…
فإذا بي كسقط المتاع...
أُترك حالما أتعثر...
فكرت مؤخراً؛ ماذا لو تفائلت؟، ماذا لو أملت بأن أمر جيد سيحدث؟. لكن الأمور الجيدة لا تحدث هكذا على ما أعتقد. إنها تحتاج إلى كثير من الحظ، والظروف المهيئة.
قبول المجاملات، أمر صعب على الكثير من الناس، ويبدو أنهم لا يفهمون ما معنى المجاملة فعلاً وما المغزى منها. هذا يزعجني كثيراً، إذ أنه يفاجئني على نحو محرج في بعض الأحيان. إنس تقديم الهدايا للناس، الكثير منهم على الأقل، فهم لا يتقبلون الأمر ببساطة، إنما يواجهونه بحماقة لا توصف ورفض من يخشى على حياته أحياناً. كما أنه عليك أن تكون حذراً حينما تريد أن تلقي بمجاملة من باب رفع المعنويات. ياله من أمر سقيم محبط.
غالباً ما أجد نفسي أسير وحيداً، أو أجلس وحيداً، دون أن أتساءل، لماذا؟. لكني حينما أتساءل، غالباً ما أتذكر أن الوحدة خير من بعض أشكال الرفقة، فأحمد الله.
كان هناك رفقة تستحق، ولعل هناك رفقة تستحق العناء في قادم الأيام.
تظل القلوب مع ذلك تضطرب…
يأبى الكبرياء، فحتى نظرة لا نسترق…
نتسابق بصمت ونحن من الفراق نقترب…
وكأننا لا نبالي، وكأن قلوبنا لا ترق…
وكأن الحنين بين حنايانا لا يلتهب…
أتمنى الذهاب منذ فترة إلى محل يبيع شاي الفقاقيع، أو الكريات إن وصفته على نحو دقيق بغض النظر عن اسمه. وهو لا يجب أن يكون شاياً في كل الأحوال كذلك، حيث يوجد خيارات أخرى. لم يكن يباع على حد علمي إلا في مقهى واحد في الرياض، بشكله الأصلي، شاي بالحليب.
لكني لم أعد أطيق الذهاب إلى تلك الأماكن وحيداً، لم أعد أطيق الذهاب إلى المقاهي والمطاعم وحيداً، إلا اللهم بعض الفروع الفارغة لمطاعم الوجبات السريعة لشرب شيء خفيف والقراءة والكتابة. لابد من وجود ما يشغلني حينما أجلس، وحينما يكثر وجود الناس والمجموعات أشعر بالتشتت والسأم. لم تعد المقاهي تصلح لي، حيث لم يعد هناك من يجيء معي أو يقابلني هناك. بالواقع، أمور كثيرة لم تعد تصلح لي، لقد صرت أسأم من نفسي منذ فترة طويلة، سوى حينما أقرأ وأكتب، ولكن؛ هكذا أنسى نفسي.
هذا مسجد جميل، اكتشفته في الحي المجاور.
تفقد بعض الأمور معانيها، أو الجزء الأكبر من هذه المعاني، مع مرور الوقت، والتقدم بالعمر. بيد أنه ليس الكل يشاركني هذا الشعور، وإن شاركني قديماً في حدث جمعنا وأفرز لكلينا معانٍ، اختلفت أم تماثلت، أو ربما كان هذا الشخص هو المعنى بذاته، وكنت أنا في نظره معنىً مجسد.
أحياناً، وليس دائماً، أجد أن العداء والنفور لم يعد له معنى أو داعٍ، وربما حتى الصداقة والاهتمام لم يعد لها معنىً بنفس القدر، وأن الأجدى هو مجرد السلام، واحترام المعرفة، إعتماداً على ما جرى سابقاً، ورؤيتي له، وللطرف الآخر.
مع ذلك، أجد أن الشخص الآخر قد لا ينظر للأمر من نفس الزاوية، مهما تقادم سوء الفهم والاصطدام الذي جمعنا، أو تقادمت معرفتنا ببعضنا، إن كان الانطباع غير مبني على حدث محدد، وليس على علاقة طويلة.
لا أستغرب هذا، ولا استنكره، فالناس يختلفون، وما لا أرى له داعٍ قد يمثل للآخرين حداً فاصلاً بين السكينة والقلق. جرحني هذا أم لم يجرحني، لا يغير هذا من الأمر شيئًا؛ إنها الحياة، وما باليد حيلة، حتى لو أراد المرء الحد الأدنى من السلام والتسامح مع البعض، قد لا يحصل عليه، ناهيك عن مجرد فرصة أخرى؛ وهذا أمر لا أتذكر آخر مرة طمعت به أو عولت عليه، حيث أني أفقد الأمل ببساطة من إصلاح الأمور تماماً.
كنت قد عبرت مؤخراً بشخص جمعتني به مشاكل، لعلها الأكبر في حياتي، لم أره منذ سنوات طويلة. وكنت قد بادرته بالسلام في آخر مرة رأيته فيها، بعد تجاهل تام بين طرفينا لسنوات ونحن نلتقي مصادفة. بيد أني كنت أراه خلال تلك السنوات والصُدف، ينظر إلي حينما يحسب بأني لا أراه، أراه في إنعكاسات الأسطح الصقيلة، كما كنت أتوقع منه، على أني لم أستطع تعبير نظراته المسترقة تلك؛ خلا أني رجحت أنها كراهية أو هَم. في حينها، خلال تلك المبادرة القديمة الأخيرة، بدا عليه ضيق واضح من مبادرتي، ولم أره بعدها، حتى مؤخراً.
أقول عبرت به أخيراً، ولم أكن قد رأيته منذ سنوات، بينما كنت أسير، وأحادث أهلي بالهاتف. لم يكن الأمر مفاجِئ لي تماماً، فقد توقعت تواجده خلال هذه الفترة وأني قد أصادفه في وقت ما، بعد أخبار سمعتها. لكنه جفل حينما رآني لوهلة، وكاد أن يتوقف، وكأنه سيسلم، إلا أنه تابع طريقه، وأنا أمر من جانبه، وكنت قد ودعت أهلي حينما لاحظت تأهبه القصير هذا، إذ حسبته يريد السلام علي، رغم أنه أكمل طريقه بالفعل. كنا قد ابتعدنا قليلاً، مجرد خطوتين أو ثلاث، حينما التفت إليه وقد أنهيت المكالمة، والتفت هو بذات الوقت وصافحته؛ لعله كان أبرد سلام مر بي. فهمت مباشرة أنه حسبني شخص آخر حينما جفل، وأنه استمر بمسيره حينما أدرك من أنا؛ لابد أن كثرة المسلّمين عليه قد شوشت تفكيره.
هل ندمت على التوقف والسلام رغم تجاوزه لي؟ ندمت بلا شك؛ لقد جربت أن أبادر من قبل، وعرفت موقفه، ورغم أني لم أبادر فعلاً هذه المرة، إلا أني ندمت ولمت نفسي على حرصي واستجابتي غير المتأنية؛ ليس هذا من شيمي، كما أنه لم يعد يعنيني. هل جرحني الأمر؟، لا أعلم، أين سأجد الجرح؟ أي جرح هو؟ إني لا أشعر بألم فوق المألوف والمعتاد، واليومي. أقول ندمت؛ أي وكأني أقول أني تعلمت الدرس، أو أرجو ذلك، ولا أكذب إن قلت بأني أسفت على نفسي، وضاق صدري.
خلافاً لهذا، لا زلت أسير وحدي في طريقي ذاك كل يوم، أحدث أمي ذاهباً للصلاة، وأتصل أحياناً مسلماً على إحدى أخواتي عائد منها حينما أرغب بذلك، أراقب النافورة ذاهباً، وأتأمل الأفق بين المباني عائداً، من ذات الطريق؛ دائماً أتطلع يميناً. لم يعد هناك جدوى من الأسف، أو التساؤل؛ ماذا لو كان؟ فما كان قد كان، ولم يعد هناك ما يُنتظر، ولم تعد الأمور المهمة تحدث، أو لم يعد ما يحدث ويستجد مهماً.
الطِيب والتطيُّب، أمور تثير إهتمامي بشدة، رغم كوني غير ضليع بما يكفي في أمرها. كان يكفيني سابقاً أن أحب رائحة لأحب أن أصبغ نفسي بها، ولم يتغير الأمر جوهرياً، لا زالت الفانيلا حاجة أساسية وفارقة في اختياراتي في معظم الأحيان. مع ذلك، أعتقد أن حكم العمر صار يحتم إضفاء تعقيد أكبر واتزان أكثر لما أريد أن يكون رائحتي، رغم أن الفلسفة الأساسية لم تتغير؛ لا زلت أحب أن أتطيب بما يمكنني أن أردّه إلى أصله، مع ضرورة وجود الفانيلا في الرائحة بقدر الإمكان. لا أحب العطور الحادة التي لا يدري المرء مما تتكون، كمعظم العطور الأوروبية الدارجة والمحبوبة هنا، وهي حتى لو كانت مخلوطة من مواد وزيوت طبيعية، لا أحب تسميتها سوى بالعطور الكيميائية المصنعة، لا أشعر بأنها طبيعية.
لا زالت الفانيلا الصافية لها القدر الأكبر في نفسي، ولا زلت لا أقاوم البحث عنها والتطيب بها صافية دون إضافات، لكني أحاول أن أكون أكثر اتزاناً في الأمر، والإحتفاظ بخيارات أكثر وإن داخلتها كلها تقريباً الفانيلا.
نادراً ما أحب عطراً لم أختره بنفسي، لكن يبدو أن ذوقي بات على جانب من الوضوح؛ إذ قبل فترة ليست بالقصيرة أهداني أحدهم عطر مخلوط بين الفانيلا والورد، وكان اختيار موفق، فأنا أحب الفانيلا والورد كثيراً. لكن ما أثار فضولي هو عطر أهدي إلي مصنوع من زهر الباتشولي، وهو زهر هندي كنت أسمع عنه لكني لا أعرفه. رائحته تذكر المرء بالعود على نحو غريب، إلى درجة أن شقيقي ظنه عوداً حينما اختاره ليتطيب به، ولم أصحح المعلومة (كنت أريد أن أنام).
لكن أن أشتري بنفسي عطر أرضى عنه، لم يحدث منذ أن اشتريت لنفسي عطر برائحة الكولا قبل فترة طويلة الآن. كنت قد كفيت منذ زمن بعيد عن شراء عطر الفانيلا الذي كنت أستخدمه منذ أيام الجامعة، لارتفاع سعره على نحو غير مبرر. وجدت بعد ذلك زيت فانيلا من محل عطورات رائع، ولم يكن رخيصاً، أغلى حتى من العطر السابق بفارق كبير، لكنه أفضل كذلك. لكن المحل الفريد من نوعه أغلق بعد كفاح واضح للنجاح، مع الأسف. كدت أن أفقد الأمل في أمر الفانيلا الصافية، فلم أعد أتقبل العودة إلى عطري الأول بعدما جربت الزيت. ظلت خياراتي محصورة بين الفانيلا بالورد، والباتشولي، والكولا.
لكن في نهاية رمضان، اكتشفت محل بينما كنت ذاهب لتجديد تأمين سيارتي (الأمر الذي لم يحدث). يقع مكتب شركة التأمين التي تعاملت معها سابقاً في مجمع العزيزية بنده، على تقاطع طريق مكة مع التخصصي. داخل المجمع عند سوق بنده، توجد محلات لأشياء مختلفة. لا أدري ما الذي شدني إلى محل محدد ذو تجهيزات داكنة، اسمه عن الإنقليزية العيون السود، لكني دخلت، واهتم البائع السوري الشاب بأمري كثيراً. لم أكن أنوي شراء شيء بالضرورة، كنت أريد أن أرى فقط. لديهم طريقة مثيرة للإهتمام، يضيفون الزيوت الأساسية إلى قوارير عطور الرش الجاهزة، بعضها وليس كلها، فتصبح النتيجة معززة بشكل ما، يعتمد على العطر. سألت عن الفانيلا، وأنا لا آمل الكثير، ولم يبهرني شيء فيما يخص ما أريد. أخذت ورقة مضمخة بعطر أثار اهتمامي، ووعدت الرجل، بعد قضاء وقت طويل في المحل، لأنه أراد أن يريني الكثير، أني سأفكر بأمر العطر. دخلت بندة لأشتري بعض الأغراض للمنزل، ووجدت أن الرائحة قد أصبحت بديعة بعدما بردت، فعدت واشتريت قارورة لأمي. في المنزل، رغبن أخواتي بنفس العطر، فكان يجب أن أعود لاحقاً لشراء ثلاث قوارير أخرى، وفواحة مائية لإحداهن. فعدت بعد فترة، ووجدت صبي سوري، وكان لطيفاً كالسابق. لكن سرعان ما ظهر صاحبي السابق ليستلم العمل، وقد أبدى فرحاً كبيراً بي، رغم أني لم أشترِ سوى قارورة سابقاً (وبعد طلعة الروح). كان الصبي قد خلط وأعد لي ثلاث قوارير من العطر المرغوب بالمنزل، وقد اخترت لنفسي عطر بالفانيلا على جانب من المعقولية، وفواحة وعطرها الأساسي. أراد الشاب السوري الذي باعني العطر القديم أن يعرض علي عطور أخرى، ولا أدري لماذا لم يعرضها من قبل، لأنها أفضل ما لديهم على ما يبدو. اقترح علي اثنين في البداية، لمعرفته بحبي للفانيلا، لكن يبدو أن تلك المجموعة المميزة، المغلفة قواريرها بما يشبه الألمونيوم، تحتوي الفانيلا بشكل أو بآخر في معظمها. كان يرش العطر، ويسألني، وكأنه يطرح أحجية، وينتظر الرد مبتسماً باهتمام، عما أشم. كنت مسحوراً بتلك المجموعة، وهو أمر لم يحدث منذ زمن طويل الآن. كنت أخبره بما أعتقد أن العطر يحوي من مكونات بناء على ما أشم، وكانت تخميناتي صحيحة، فقد كانت الروائح طبيعية إلى حد بعيد، معقدة لكن واضحة الطبقات والمكونات، وذات أمزجة سهلة ممتنعة، سهلة التفكيك والإعادة إلى الأصل، لكن ذكية. أعتقد أنه وجد في الأمر لعبة، لأنه صار يعرض علي كل عطر ويسألني أن أخمن. عرفت لاحقاً أنه يوجد كتالوج صغير يحوي مكونات كل عطر، ويبدو أنه يحفظه إلى حد ما، ويطابق بينه وبين ما أقول. عرفت بأني سأشتري من المجموعة بكل تأكيد، لكن كان الإختيار صعباً. بعد عدة زيارات، اشتريت مجموعة جيدة لنفسي (أخذت أمي أحدها لتعطيه الخادمة)، وبعض الهدايا لرحلة للقصيم.
حضرت مناسبة كبيرة، لمجرد تكريم الداعي. لم يكن هناك حافز آخر؛ لن يرافقني شخص أتبادل معه أطراف الحديث، ويشغلني عن الملل لوحدي هناك، عكس بضع مرات عبر السنين القليلة الفائتة.
لم يعني هذا أني لن أرى أحد أعرفه بين الضيوف، كنت أعلم بأني سأرى آخرين، لكني لم أتوقع التجاهل الذي ووجهت به.
لم أعد أتأثر بالحجم الذي كنت أتأثر به، لكني لا زلت أتأثر، وأشعر بالجرح أحياناً. الشعور بأنك خفي، غير ملحوظ، هو شعور قابض للنفس، يبعث على الأسف والشعور بالوحدة، والتساؤل عن السبب، ومدى الاستحقاق.
نتوقع التجاهل من البعض، لكنه يفاجئنا من آخرين. فكرت؛ هل التفسير لتجاهل من ليس لديه سبب للتجاهل، جاء لأنه مع الآخرين؟ لا حاجة له بصحبة؟ أو فقط لأن المرء يتأثر بالجماعة التي يرافقها في اللحظة، ويقوم بما يقومون به لا شعورياً؟. بيد أن أحدهم، أوسعهم صدراً وأكرمهم خلقاً، صافحني بخفة وتردد، مشيراً بيده على نحو غامض وسريع وهو يمضي من أمامي، وكأنه يدعوني للقدوم. جلسوا قريباً، جلسوا مقابلي، فقط بعيداً بما يكفي لاستثنائي من المجموعة. تساءلت، ما داموا سيفعلون هذا، لماذا لم يجلسوا في جهة أخرى في القاعة الكبيرة، ولو لتفادي أي إحراج.
كان هناك من انقطعت معه العلاقة، فأفهم عدم سلامه، وهناك من لا يريد أن يسلم بوضوح، وربما أراد توجيه إهانة، هذا أمر لا يخفى علي، لكن، ماذا عمن يسلم بالعادة؟، ومن ليس لديه سبب لعدم السلام؟، ومن يأتي طالباً الخدمات حينما يحتاج إلى شيء؟.
ها قد أغلق المقهى قرب المكتب، وقد كنت أزوره للحصول على القهوة المالحة حينما أشتهيها (قهوة بالكاراميل المملح). لكن لحسن الحظ، يبدو أن سيفتح غير بعيد عن المنزل، وإلى جانب المكان الذي أزوره كل ليلة تقريباً.
اشتريت قبل فترة بسيطة سماعات بلوتوث، لها طريقة مميزة وغير معتادة في إيصال الصوت. كنت قد قرأت عن هذه التقنية قبل وقت طويل، وعلمت ببيعها، لكني لم أكن متحمساً تماماً قبل الآن.
الفكرة هي أن السماعات تنقل الصوت عبر عظم الفك، وليس عبر الأذن، لذا تظل الأذن مكشوفة، وفي حال كان الصوت معقول الإرتفاع، لا يفقد المرء الصلة في محيطة، فيسمع من خلال أذنه ما حوله، فلا ينفصل عن الواقع، في حال مثلاً كان يقود السيار فيسمع تزمير السيارات الأخرى.
أما نوعية الصوت، فهذه الطريقة بالسماع عجيبة، تعطي إحساس غريب، وكأن الصوت في رأسك إلى حد بعيد. موقع السماعات هو قبل الأذن، على مفصل الفك تقريباً، ويصل بين السماعتين طوق يثبتها في مكانها، يدور خلف الرأس، وليس أعلاه لحسن الحظ، وإلا لما اشتريتها.
تباع في جرير، وفي أماكن أخرى، ايمول للبريد السعودي مثلاً. لكني طلبتها من أمريكا لأنه لا يتوفر لدينا سوى اللون الأسود من الموديل الذي طلبت، بينما أردت اللون الأخضر الزيتي المعدني. هي مصنوعة من البلاستيك.
الصوت رائع جداً، سوى أن الصوت يجب خفضه قليلاً في حال المكالمات، ولا أدري لماذا، لكنه يظل صاف وواضح جداً مع ذلك، ويسمع الطرف الآخر المكالمات بوضوح شديد، حتى مع وجودك في الخارج، ووجود الهواء، وهذا الأمر أذهلني، لا بد أن عزل الأصوات الأخرى ممتاز جداً، أكثر من سماعتي الأخرى.
أما الموسيقى، فهي رائعة جداً بالسماعات، أروع مما توقعت بكثير، كأنها تجربة جديدة، ولا أحب أن أسمع بسماعات أخرى الآن، على أني نادراً مع أسمعها من جوالي قبل الآن بصراحة.
أما عيبها الكبير، الذي قد يجعلني أتوقف عن استخدامها، هو صداع غريب صارت تسببه لي حينما أرتديها دون استخدام، مؤخراً فقط، أي أني حينما أستخدمها بسماع الموسيقى لا بأس بالأمر، لكن في حال وضعها فقط في انتظار مكالمة مثلاً لوقت طويل نوعاً ما، يصيبني صداع مختلف عما أعرف. لا أدري لماذا لا يصيبني خلال المكالمات أو سماع الموسيقى.
إسم الشركة آفترشوكز Aftershokz. وهذا الموديل بلوز إس٢.
كنت في مناسبة صغيرة قبل أيام، وكان كل شيء على ما يرام، إلا أنه وقع موقف محرج، تم توجيه تعليق جارح إلى حد ما إلي، دون سبب، فقط لأن شخص ما توتر، بينما كنت أحاول تهدئة الأمر. لم أجب، اتخذت الصمت، لكني بعد المناسبة بساعات اتصلت، وسألت عن سبب التعليق؟، اعتذر كثيراً، وقال بأنه لم يقصد الإساءة، إنما خاف أن يزداد توتره ولم يحسن التعامل مع الموقف. كرر اعتذاره، مبدياً ندمه. لم يطل الأمر، وعدنا نتحدث عن أمور مضحكة جرت خلال المناسبة.
ما المشكلة في الإعتذار حينما يخطئ المرء؟. أمر قد يتفق الجميع على أهميته، لكن لا أحد يقوم به، ومن يقوم به لا يقوم به كما يجب، وبعضهم يفعل ذلك وكأنه يصنع معروفاً، يمكنه إعادة النظر به لاحقاً، فيغضب هو (!!)، أو يفعل هذا وهو يسوق مبررات لا تجعله يبدو على خطأ، إن لم يضحك وكأن الأمر نكتة.
زرت القصيم مؤخراً، وذلك للتسرية عن والدتي وتغيير الأجواء عليها. كانت زيارة موفقة إلى حد ما، آتت بعض ثمارها. لسبب ما، تعبت والدتي جسدياً، أكثر من مرة، خصوصاً في الركب والأقدام. لكن مع ذلك، كان هذا أفضل من البقاء في الرياض بالنسبة إليها. إنها تكون بحال أفضل هناك. أنا أكون بالعادة بحال أفضل، لكني لا أدري ماذا جرى لي هذه المرة. لكن على الأقل، لم أذهب وأنا أرجو الاستمتاع بوقتي.
ربما كان أفضل ما قمت به هو زيارة خالي البعيد، الذي زرته قبل سنوات في زيارتي الأولى الطويلة إلى القصيم، حينما كان الغرض هو علاج أمي لدى الطبيب الألماني. فرح بي أكثر مما أستحق بكثير.
لم أعد أفتح قلبي لأحد، ولكن حتى حينما أساير أحد ممن يبدي اهتماماً، تتأكد لي صحة قراري، ذلك أنه سرعان ما يأتي بحماقة، ويبتعد مولياً. ورغم أني لم أعد أشعر بالجرح في هذه الأحوال، لأن الشخص المقابل لم يصبر ليكتسب أهمية قبل أن يبتعد غالباً، إلا أني أشعر بالأسف. ورغم هذا، تكون المشكلة الحقيقية هي أن الحمقى بعد ذهابهم يحدثون امواجاً يصل مداها إلى أبعد مما يتخيل المرء، ذلك أنهم بلا رادع حقيقي مهما تحاذقوا وتصنعوا العمق، فالمرء يرى نتاج أخطائهم ما ينفك سوى لتلحقه موجة أخرى من الحماقات، وأقول موجة لأنهم يحدثون الضرر عن بعد هذه المرة، بعدما يبتعدون وينقطعون، بما يصورون للناس عنك وعما حصل خلافاً للواقع، أو طبقاً لفهم سقيم؛ إن خلا من خبث فهو لن يخلو من غباء، ناهيك عن سهولة الغيبة والحكم.
ما الحل؟، أنا أسأل. حينما لا تكون الانتقائية مجدية، أو غير ممكنة، ماذا بوسع المرء أن يفعل؟، هل يصد الناس ويتفاداهم؟. ليس بوسعي سوى تقدير أي اهتمام بالغ يبديه أي أحد بإصرار، مهما تنبأت بما سيكون، ومهما لازمت الحذر، لا بد من وقوع الضرر حينما تحضر الحماقة. ليس بمقدوري سوى إبقاء العلاقة بحجم معين مع من يبدون لي، رغم اهتمامهم وصفاء نواياهم، على جانب من الحماقة، للحد من الضرر اللاحق الذي سيحدث دون شك من مثل هذه النوعية من الناس. لابد من التحجيم؛ إقفال القلب، وتسطيح العلاقة إلى حد يجعلها مقبولة، ومحدودة الضرر حينما تتدهور.
فكرت أحياناً، خلال بعض هذه التجارب، بأني بمرور الوقت سيمكنني تصحيح بعض الخلل الواضح والخطير بإسداء النصائح والنقاش، لكن غالباً ما تسبقني حماقة الشخص المقابل.
يسبق السيف، ولا عذل يُفقه.
في فرع لبرقر كنق، المطعم الذي لم أعد أزوره بقدر ما كنت أفعل سابقاً، فوجئت بمدير هندي فارع الطول ذو ملامح مميزة، أبيض وله عيون شفافة، لعلها خضراء، يتعرف علي. بالبداية حينما طلبت، بدا أنه يريد أن يقول شيئاً، وهو يفتح فاه ويغلقه، مبتسماً. ثم قال أخيراً بأنه يعرفني من الفرع القديم، قبل سنوات، وقد كان طلبي دائماً كولا كبير، وماء، وفطيرة تفاح أحياناً، وأقرأ الصحيفة، ثم أخرج الحاسب، وأكتب طويلاً. بدا لي هذا مذهلاً، خصوصاً أني لم أزر ذلك الفرع منذ سنوات، وقد أُغلق وحل محله مطعم هرفي. على أنه أعقب؛ لكنك كنت بديناً في ذلك الحين!، أما الآن، فأنت نحيف!. ضحكت مُحرجاً، وقلت بأن هذا خبر جيد. هذه التعليقات لا تدري هل تفرح بها أم تشعر بالإحراج. لست نحيفاً بالقدر الكافي بعد على أي حال.
لكن أن يتذكر هذه التفاصيل الدقيقة، ما شاء الله تبارك الله.
لا زلت أقرأ الجريدة، ثم أخرج الحاسب، لأكتب، وأتصفح وأقرأ أحياناً.
زرت قبل فترة منتزه الملك سلمان، ورغم أن الجرائد تحدثت عنه على نحو معقول، إلا أن معظم الناس الذين حادثت لا يعرفونه. هو أول منتزه عام بهذا الحجم في شمال الرياض، ولحسن الحظ، يسهل الوصول إليه من حينا، وهو يعتبر غير بعيد عنا في رأيي.
الجميل فيه هو مراعاته للبيئة الطبيعية في تصميمه، تنوعه، والطموح الذكي خلفه، أما البغيض، فهو كثرة الزوار. مع ذلك، يوجد أماكن جيدة قصية في أعلى التلال جنوب المنتزه، واسعة ومتاحة ولا يبدو أن العوائل ذات الأطفال الصغار تفضلها، جميلة للتأمل وجلسات القهوة والشاي والمؤانسة، بنسيمها العليل والإطلالة على الوادي الصغير، وباقي المنتزه.
هو منتزه كبير نسبياً واقع على تضاريس متباينة، واختيار موقعه أتى موفقاً. يوجد المرتفع الشمالي حيث يقع المدخل، وحيث توجد ملاعب الأطفال والجلسات العائلية، ودورات المياه التي يبدو أن عمال النظافة لا يتركونها طويلاً. يهبط الطريق، وهو تحيط به جلسات على سفح المرتفع، محاطة بسواتر بديعة من جلاميد مقصوصة من جبل محلي بوضوح، على شكل مستطيلات غير متناسقة. في الوادي يوجد مياه جارية وما يشبه البحيرة، وبعض النخيل والشجر، وهو مجهز بتدخل واضح، لكن جميل. هذه المنطقة تزدحم بعرب الشمال على وجه الخصوص، والمنتزه بمجمله يزدحم بهم، وبشيشهم المقرفة، دون مراعاة لعدم القبول الإجتماعي لهذه المناظر للأسف. إلى الشرق، يوجد حديقة نخيل على ما يبدو، ويبدو الأفق رائعاً في ذلك الإتجاه، إلا أني لم آخذه للأسف. حين التوجه غرباً بعد عبور بطن الوادي هذا، يصعد الطرق بحدة متوجهاً إلى التلال الجنوبية الجرداء بميلان الطريق، وهناك يقل عدد الناس كثيراً، حيث لا يوجد ملاعب أطفال أو مرافق أو مواضع مصطنعة، ويحلو النسيم العليل هناك ومشهد الأفق، وإلإطلالة على الوادي الضيق في الأسفل الذي لم يتعرض للتعديل والتحسين، حيث توجد نباتات وأشجار برية متفرقة وجميلة، ويمكن رؤية حديقة النخيل إلى الغرب. هناك يحلو الجلوس، مهما أغرى بطن الوادي بسطوحه المائية، وسواتر الجلسات الحجرية؛ فزحام الناس، وشيش الأشوام بأدخنتها الواضحة أمور قابضة للنفس.
إلى غرب المنتزه، يوجد مشروع سفاري، ولا أدري ماذا سيكون هناك من حيوانات، أو إذا ما كان سيتم، في ظل عدم الصرف على أمور أهم بكثير مؤخراً. كما عرفت بأنه سيوجد إسطبل للخيول، وهذا ما أشك بإتمامه.
يجب زيارة المنتزه هذا ولو لمرة واحدة على الأقل بالنسبة لأهل شمال الرياض. هو يقع على نفس الطريق المؤدي إلى مدينة الأمير سلطان الإنسانية، على طريق القصيم.
خرجت مع والدتي، ومرافقين أحياناً، للتنزه في الدرعية بضع مرات، في السنتين الأخيرتين. لا ننزل؛ فأمي لا تفضل ذلك، لكننا نتفرج من السيارة على النخيل والأودية وبعض الأطلال. أحب الدرعية، وأتمنى لو أقمت في بعض نواحيها. ولو كان لي من الأمر شيء، لأقمت في أحد البيوت الطينية.
أتذكر دائماً زيارتي الأولى التي بدأت خلالها أتعرف إلى محاسن الدرعية، في حين أن الزيارات السابقة لم تكن ذات معنى. كان ذلك مع أحد إخواني الكبار، وكان على ما أتذكر وادي حنيفة لا زال يجري ببعض الماء.
لا زالت عالقة بعض أحاديثنا في ذهني؛ الجولة التي أخذ بها أخي أحد ضيوف شركة كان يعمل بها، ضيف من ألمانيا، إلى أطلال الدرعية القديمة. كان هناك تعليق قلته، لا أتذكره، لكني أتذكر كيف فوجئ أخي به، وضحك من أعماق قلبه. لا أدري على ماذا علقت، أو ماذا قلت، لكني كنت أفاجئه بين حين وآخر، لأننا أساساً نادراً ما نتحدث، فقد كان بعيداً ومشغولاً، ولديه أمور أهم.
كانت مدينة مذهلة بحق، ويمكن رؤية هذا بوضوح في تلك الأطلال التي كانت مهملة في ذلك الحين، وبالقراءة عن زايارات الرحالة إليها قديماً، بحمّاماتها وساحاتها.
أرسلتُ السفينة…
إذ جمّعتها من علبة كبريت…
وحشوتها بآمالي الصغيرة…
كانت مياه الوادي رفيقة…
غابت السفينة عن النظر…
ومضى كلٌ في طريقه…
جف وادي حنيفة…
وعاد وارتوى…
وهكذا دواليك لسنين عديدة...
فطنت وكأني أرى العمر مر في دقيقة…
إذ هببت إلى الوادي…
أصيح وأستجدي...
من يعين في انتشال آمال الصبي الغريقة...
لا أدري لماذا لم أعرض من قبل صور معرض آثار مؤقت حضرته في بهو الجامعة قبل فترة. كان معرض جميل جداً، نظمته كلية السياحة والآثار، بسيط وأنيق. يعرض المعرض قطع أثرية قيمة من حول المنطقة، خصوصاً من الفاو، التي تثير اهتمامي أكثر من أي شيء آخر، ومن حضارات النبطيين في الشمال. وكانت مرفقة بمعلومات مختصرة وقيّمة. وكذلك بعض الصور الجميلة لآثار لم تعرض في المعرض الجميل.
هذا الشاهد الجميل هو نفس الذي أعلى منه، لكن الفارق هو أني صورته بتقنية جميلة في جوالي الجديد. تشبه برامج مسح الوثائق بالجوال (السكانر)، لكنها تعمل من خلال الكاميرا، وبدقة وضوح عالية. مثلاً يمكنكم تصوير ورقة، يحددها الجوال على نحو تلقائي ويلتقطها مباشرة إن شئتم، ثم لا يظهر سواها، يمكنكم إرسالها كصورة، أو تحويلها إلى بي دي إف بمساعدة أحد البرامج. هذا خيار جميل ضمن خيارات الكاميرا المتطورة للجوال، وهو يفيدني عند تصوير بعض المقالات في الجرائد مثلاً أو مقاطع منها، لإرسالها عبر الجوال، أو الاحتفاظ بها، أو تصوير الإعلانات على نحو واضح وسهل، دون الإضطرار إلى معامدة الجوال فوق الإعلان والتعامل مع ظله أو ظل يدي، إذ يتعرف الجوال مباشرة إلى الحدود المستطيلة للأشياء ويعدلها لتبدو متناسقة كما ترون أعلاه.
يخجلني أني اشتريت جوالاً حالما أكمل سابقه الجيد سنة لدي، وهذا أمر غير مسبوق، لكني وجدت أني أصبحت مهووساً بكاميرات الجوال على هوسي الكبير السابق. يخلف هذا الصنف عن سابقه بوجود تحديد بالليزر للتركيز، تعزيز أفضل بتقنية الكاميراتين المشابهة للسابق، لكن الأكثر تطوراً ودقة.
ما أبحث عنه عموماً هو الإبتكار والمرونة في الكاميرات، القدرة على العزل والتحكم بالصورة جيداً سواء قبل أخذها أم بعده، وليس أعلى دقة ممكنة، فأنا لن أطبع لوحات بطول أمتار.
كما تم اكتشاف حضارة قديمة قرب وادي الدواسر (مثلما هي الفاو)، تعود إلى 9500 سنة مضت. أمر مثير جداً للإهتمام. كانت موجودة حينما كان هناك نهر جارٍ في المنطقة. وقد وُجدت تماثيل لخيول وبعض أساسات القصور.
في ليلة إجازة الحج، عرضت سيارتي رسالة وطلبت الخدمة لفحص نظام معين في داخلها. لم يكن من طارئ على الآداء. استطلعت الانترنت، ووجدت إجابات مختلفة ممن تعرضوا للرسالة في الخارج. فضلت الذهاب إلى مركز الصيانة، بعد استلام كاميرا لتسجيل رحلات السيارة من البريد في الدرعية في اليوم التالي. قرروا الإحتفاظ بالسيارة ليوم واحد على الأقل في الوكالة، لأن الزحام شديد وهم يريدون الفراغ من كل السيارات قبل العيد، وربما سيقومون بالصيانة الدورية لسيارتي أبكر بقليل من المطلوب. فوجئت بأن الموظف عرفني، وكان يبدو عليه السأم بالأساس، إذ أكمل عني حينما رآني وقال كابتشر (اسم سيارتي)، ثم تذكر بأني من ربح كوبون الصيانة المجانية، وتسبب أمره لهم بمشكلة، إذ لم يعرفوا كيف يتعاملون مع الكوبون حينما حانت الصيانة الفائتة. ضايقني طول بقاء سيارتي لديهم، خصوصاً أن مكانهم بعيد، كما أنه لن يمكنني القيام بتركيب الكاميرا الجديدة وتشغيلها للتجربة. كنت أخطط للتأمين على سيارتي، بعدما يئست من شركة التأمين الأولى بسبب موظفهم الذي لا يبدو أنه يخطط لتنفير كل عملاء الشركة، لكنه يقوم بالخطوات الصحيحة على نحو مذهل.
قررت أخيراً تغيير البنك الذي أتعامل معه منذ أن بدأت العمل، وهو البنك الفرنسي. لقد ساءت أحواله كثيراً، وأصبح أقرب إلى شركة تسويق تافهة ورخيصة، لا يتورع بعض موظفيها عن محاولات النصب، كما لاحظت أنا وشقيقتي التي تتعامل مع نفس البنك. لقد سئمت صعوبة حل المشاكل معهم وتصحيح الأمور، فحتى حينما يعدوك بأنهم سيقومون بأمر ما، لا يحدث أي شيء، وبدى لي أن زياراتي لأسباب مملة ومحبطة ستتكرر أكثر من اللازم، لذا قررت الخروج، والانفكاك من رؤيتهم ومحاولاتهم توريطي بقروض وبطاقات عبر الهاتف.
لم أعرف أين أذهب بالضبط، فالبنوك التقليدية سيئة مما أسمع عنها، ومن تعاملي مع بعضها. قررت زيارة البنك البريطاني، فتلقاني موظف مغرور، أخبروه على ما يبدو أن لا يحترم من راتبه أقل من مستوى معين، وظل يعاملني ببرود وصفاقة (مثل إلماحه الفج والواضح، وكأن الأمر يعنيه، حول سبب خروجي من البنك الفرنسي، رغم أنه خالٍ من الزحام وجيد؟، وكأنه يقول عد من حيث أتيت). أخبرني أخي، الذي عمل سابقاً في بنك، ولديه أصدقاء في بنوك، بأن البنك البريطاني بالفعل لا يبحث سوى عن ذوي الرواتب العالية. على الأقل؛ كان يمكنهم تعليم موظفيهم إحترام الناس في كل الأحوال، فهم لا يعلمون، قد يغير الله من الأمر شيئاً.
حضرت مع إبنيّ أختي العزيزين عرض مسرحي لفرقة أمريكية، اسمها إلومينيت، أي منير، أو مضيء، أو منوِّر من تنوير. كنت قد قرأت عن الفرقة في الجريدة قبل فترة طويلة، حينما شارَكَت في برنامج مواهب أمريكا. وقرأت مؤخراً خبر منقوص عن عرضهم في الرياض، ثم في جدة، في ذات الجريدة. تحمست للأمر، فهو أمر غير معهود هنا. لم يوضحوا في الجريدة كيفية شراء التذاكر والحضور، فقط أماكن العرض في الرياض وجدة. أعتقد أن الأمر يعود إلى عدم قيام الشركة المنظمة بشراء مساحة دعائية، وأظن أن الشركة كانت غبية في هذا الأمر. بعد البحث، عرفت الشركة، ودخلت الموقع لشراء التذاكر. واجهت بعض المشاكل في الدفع، وأرسلت الدعم لأسأل، فوردني اتصال من الإمارات. تبين أنه يمكن شراء التذاكر من محل كبكيك في منطقة العليّا، ولكني تمكنت من الدفع لاحقاً عبر الموقع لحسن الحظ، فكم أبغض تلك المنطقة.
كان يمكن اختيار المقاعد، ويوجد أيام متعددة للعرض مع أوقات متنوعة في بعض الأيام، فكان الأمر معقولاً. أما ما كان سخيفاً بحق، ولكن متوقع، هو حصر العزاب في أسوأ موقع في قاعة العرض، لصالح النساء والعوائل. لا يدري المرء من سيهاجم ويأكل هذه العوائل الجميلة. كان يمكن ترك جانب من المسرح للعزاب، وجانب للعوائل والنساء. كان الحضور أساساً غير كبير، فلم يتم الإعلان عن العرض على نطاق واسع، وكان أمر شراء التذاكر محيراً، على أنها تباع في أماكن العرض، لكن يخشى المرء غير العارف بعدم الإزدحام منه، ومن عدم الحصول على مكان جيد.
كان التنظيم معقولاً، لكن الكثير من الناس على جانب كبير من التفاهة وانعدام المسؤولية. يفترض بالمسرح أن يكون دامس الظلام، لأن العرض عبارة عن ممثلين تغطيهم الأقنعة المضيئة الغريبة، وتتوزع على أجسادهم من رؤوسهم إلى أخمص أقدامهم مصابيح إل إي دي وهاجة، ومتراقصة مع الموسيقى والأحداث. ورغم التحذيرات الواضحة والمتكررة بإطفاء أي أجهزة إلكترونية، وعدم التصوير، واستخدام الفلاش، إلا أن بعض الحمير في الأعلى معنا، والبقر في الأسفل، قاموا بالتصوير بالفلاش بلا أدنى حياء، مفسدين العرض، وهناك من فتح أجهزته ليصور المشاهد بالفيديو، مما يشتت من بالخلف بي ضوء جواله والعمل المسرحي. كانوا قمة بالتفاهة وعدم الاستئهال. صحت بأحدهم بأن يغلق جواله، إذ أفسد العرض على الجميع لكثرة ما صور بالفلاش، ولا يبدو أنه سمعني مع صوت الموسيقى الصادح، لكن يبدو أنه قد تمت إزالته عن المسرح. وفي الإستراحة القصيرة، استوقفت مجموعة من الشباب المتأمرك لأخبرهم بأنهم أفسدوا العرض علينا بفتحهم جوالاتهم، وتبين بأنهم سوريين. كنت قد ذهبت إلى المراقبين، وأخبرتهم بالأمر خلال النصف الأول من المسرحية، لكن بالواقع كان بعض المراقبين قد أخرج جواله كذلك، وحينما جاؤوا كانوا بلا فائدة، إلا اللهم بالنسبة إلى صاحب الفلاش، الذي رأيتهم يتكلمون معه.
العرض نفسه كان جيداً إلى حدٍ ما، وهو مختصر عن العرض الأصلي كما فهمت. كان المنظر المستقبلي، حيث لا تظهر لا وجوه ولا أي لمحة لكيان عضوي، أمر يشد البصر، مع الإضاءة على أجساد الممثلين المتفاعلة مع العرض والرقص والأحداث. كان يسيطر على العرض والفكرة الحضور الثقافي لسود الأمريكان، من موسيقى ورقص ولهجة وحتى حضور تمثيلي، بالشكل اللعوب واللامبالي لحضور هؤلاء الناس في الأفلام والمسلسلات وخلافها. هذا أمر قد يروق البعض، وقد يرونه كخبر جيد، لكني لم أحب هذا الطابع كثيراً، رغم أنه لم ينقصه الإتقان في العرض.
النصف الأول كان طويلاً جداً، ومملاً في لحظات كثيرة، بالرقصات الطويلة الخالية من الأحداث. إن اللحظات الإنسانية بين الشخصيات نادرة جداً، وقد يكون بعض الكلام الدائر مسجلاً، على قلته، لوجود فتاة ضمن الأبطال، وهي ذات التصميم الأوضح والأكثر إثارة للإهتمام، بضحكتها اللا مبالية وجريها المضحك في مشهد معين، وكعكتيها المكورتين أعلى رأسها، المضئيتين بألوان وومضات تتفاعل مع الموسيقى. وكانت ندرة هذه اللحظات الحميمة وتطور الشخصيات مما لم يعجبني بالعرض، وقد توقعت أكثر بكثير من هذه الناحية، لكن كان الأمر كله يتعلق بالرقص، على أني لا أمانع لو كان معبراً أكثر، ولو كانت الشخصيات أكثر تطوراً وتبايناً ووضوحاً، فأنا لم أفرق بينها خلال العرض، وربما لهذا أعجبت بصاحبة الكعكتين كثيراً، وتمنيت لو كانت البطلة. عموماً، لا يدري المرء من كان بالواقع يمثل دور الفتاة، طالما أنها مغطاة. رسمياً لن يقال بأنها شابة، مع أنه لا يمكن لأحد أن يتأكد.
النصف الثاني من العرض كان أفضل بكثير، حيث تبدأ المواجهة القوية بين الخير والشر، وذروة العرض التقنية بظهور أفعى عملاقة تحددها أضواء الإل إي دي، وتتحرك مهاجمة الشخصيات بشكل فني، والشخصيات تهاجمها بحركات منسقة وبارعة، ويتصاعد الحدث حينما يتم قطع ذيل الأفعى ليخرج منها أحد الأصدقاء الذي ابتلعته قبل قليل. وفي أحد اللقطات المتقنة، ينقسم شخص ليصبح إثنين. من الناحية التقنية، كانت هناك حركات مجنونة خلال المسرحية.
كنت أتساءل وأنا أشاهد العرض، ماذا لو قدمته فرقة صينية، بنفس التقنيات، مستخدمة الأساطير الصينية والتاريخ وأساليبهم البهلوانية بالمبارزة. كانت هذه الفكرة قد خطرت في ذهنَي أبناء أختي كذلك بنفس الوقت، إذ أننا نحن الثلاثة لدينا طريقة تفكير واهتمامات متشابهة.
كنت قبل فترة في المطعم الذي أرتاده لقضاء وقت فراغي، وقد صرت أرى فيه رجل بنغالي كبير بالسن، يعمل بالتنظيف في الفترة الأخيرة، يسلم، وغالباً ما يأتي إلي وأنا أقرأ الجريدة ليسأل عن أي أخبار عن شركة سعودي اوجيه. هذه الشركة من الشركات العملاقة التي أفلست مؤخراً، على نحو يبدو أنه ممنهج. أثارت حالة عمال هذه الشركات المزرية جدلاً في الإعلام، وتدخلت السفارات والحكومة.
كان يحب أن يأتي إلي، ويعلق على أي شيء، على قراءتي، على كتابتي، يسألني من أين أنا، ما اسمي؟، يعلق على رؤيته بأن الجميع يحبني بالمطعم (يكاد أن يكون بيتي الثاني). لكن دائماً يبدو عليه القلق وهو يسأل عن أخبار الشركة، وعن الرواتب، هل قيل شيء عن سداد الرواتب؟. أخبرني بأنه لم يُسلَّم راتباً منذ أكثر من سنة، وأنه قد سُمح له بالعمل لساعات مع شركة أخرى ليقوم بما يقوم به الآن. أخبرني عن حالتهم المزرية لفترة طويلة في إسكان الشركة، ومشاكلهم معها. قال بأنه ومجموعة معه كانوا يرفضون تناول الطعام الذي توفره الشركة، لشعورهم بأن أمر سيء سيحدث، وقد صدقت ظنونهم حينما تسمم مئات العمال، وجاءت الشرطة وسيارات الإسعاف، ثم تولت الإعاشة الحكومة بنفسها (وقد رأيت هذا بالجريدة مسبقاً)، مما حسّن أوضاعهم وقضى على جوعهم، وقد كان ممتناً للحكومة بوضوح على تلك الخطوة.
كنت أخبره بالمستجدات في الجريدة، حينما تتوفر. قال بأنه عمل مع الشركة لحوالي عشرين سنة، وأنه يخشى على مكافأة نهاية الخدمة فضلاً عن الرواتب، وأنه لا يريد أي شيء سوى حقوقه وأن يعود إلى بلده، فهو بالكاد يعيش في هذه الأوضاع، وهذه الساعات القليلة من العمل مؤخراً لا تساعده كثيراً. كان يأتي ليتكلم، حينما يراني، وكان يبدو أن لا أحد يسمع ما يريد أن يقول بالعادة.
في وقت لاحق، أتيت ببعض المال، لمواساته وتطييب خاطره، ومددته إليه قائلاً بأنه هدية أتمنى أن تساعده قليلاً. بدت على وجهه الصدمة، واتكأ بيده على الطاولة، وظل يردد كل لحظة وأخرى بذهول: يا الله. خشيت عليه وأمسكت بيده على الطاولة، ثم دمعت عيناه وهو يردد يا الله، وينتفض، فحاولت أن أهدّيه، لكني أنا شعرت بالارتباك والتأثر بشدة واغرورقت عيناي بالدموع، دون أن أدري ما الأمر ولماذا، فالمبلغ لم يكن كبيراً ليفرح به، ثم بدأ يبكي وهو يقول بأنه لم يهتم لأمره أحد من قبل، فانفجرت باكيًا معه، وأنا أشد على يده.
هزني الموقف بشدة، وقد تعبت في ذلك اليوم في نفسي وأفكاري أرهقتني، ولا زلت أفكر كل يوم بالأمر. هؤلاء الناس، وحدتهم ووحشتهم، معاناتهم في هذه الظروف، وأهلهم في مواطنهم. إننا نخشاهم ولا نثق بهم، بعضهم أكثر من بعضهم الآخر، لكن في المحصلة؛ نخشاهم ولا نعرفهم، وننسى ما أتى بهم.
عبرت في ذهني وحشتي في سويسرا، رغم أن أمي، أهم ما في حياتي، معي، وأختي وابنتها، وأصدقاؤنا المتعاطفون هناك؛ المترجمة العراقية، والمترجم المصري، والسائق المغربي، والممرض اللبناني، والطباخ التونسي، هؤلاء، حتى بعضهم ممن لم نرهم كثيراً، كانوا متعاطفون، مع ذلك؛ كنا نعيش بؤساً، رغم عدم حملنا هم المصاريف كثيراً التي تأتي من الحكومة، ومصاريف المستشفى، كل شيء كان على ما يرام.
مع ذلك…
وداعاً...
قلتها اليوم...
وكنت قد نسيت...
أني أقولها كل يوم...
أعيش ملحمة...
حروب وحب...
وضحك ووجوم...
وأفطن في نهايتها...
أنها حتى نهاية كل يوم تدوم...
ثم أنسى...
وياليتني أنسى كما تنسى...
أنسى أنك في وداعي...
طعنتني وأنت تتشفى...
لأنام وأنسى...
ثم أستيقظ...
لأحبك من جديد...
وأُعيد...
أُحب وأُعطي المزيد...
حتى أُودعك من جديد...
ثم تطعنني...
فأتذكر...
ثم أنسى...
وها أنا أكاد أغفو...
وأنا لله أدعو...
أن حينما أستيقظ...
أن لا أنسى...
سعد الحوشان