الاثنين، 27 سبتمبر 2010

تروس قلبي(أفكار،أحداث،نيوشونشتاين الرياض)

بسم الله الرحمن الرحيم






الذكريات التي نحملها عن أناس لم يعد لنا معهم تواصل، لا يحددها غالباً ما انتهت عليه الأمور، إنما كيف كانت حينما كانت نموذجية وتمثل طبيعتها البحتة، دون شوائب. 


كان لدي بضعة أصدقاء. أطولهم صداقة معي، والذي كنت أتواصل معه أكثر، لا أجد أني أسترجع عنه إلا ذكريات سيئة، وغير مريحة. أشعر بأني كنت أعمى وأصم إذ تركت لصداقتنا أن تمتد وهي بذلك السوء. أعرف بأنه كان هناك لحظات جيدة نسبياً، مقارنة بباقي الأوقات، لكنها لم تكن شيئا يذكر. وبالواقع، بتحسني كإنسان بعدما تخلصت من تأثيره، حتى معظم الأشياء الجيدة أصبحت بنظري سيئة.
الأمر مختلف مع صديق آخر، رغم أن الأمور انتهت على نحو سيء كذلك. رغم أن علاقتنا انتهت وهي لا تستحق ذلك، ورغم أنه أخطأ فعلاً وتسبب بإنهائها، إلا أني حينما أتذكره، أتذكر الأمور الطيبة. كان هناك لحظات سيئة بالتأكيد، لكنها لا تذكر أمام الأمور الطيبة.
أحياناً لا تحدد النهاية شعورنا تجاه الأمور والناس.


صديق ثالث، وجهة نظري فيه متناقضة، عاود الإتصال بي منذ وقت قريب. لم يؤثر اتصاله بي كثيراً، لكني اهتميت بأن يعلم بأن رد فعلي إيجابي. لا يعني هذا أني أريد أن نعود أصدقاء، لكن لا أرغب بالتجاهل كذلك. هو لا يستحق التجاهل.






كيف كان العيد؟ لم يكن سيئا تماماً. اليوم هو ثالث أيامه، وأنا في العمل الآن. لم أنزل من حجرتي حتى العصر، حينما استيقظت. وفي المساء، ذهبت إلى مسرحية ضمن برنامج الاحتفال بالعيد. يوجد العديد من المسرحيات، وبعضها قريب جداً من منزلنا. قررت الذهاب إلى مسرحية يوسف الجراح: ختم المدير. كانت في مدارس المملكة، ويوجد رجال أمن هناك، سألوني ماذا يوجد في حافظة الماء عند البوابة الخارجية، وفي البوابة الداخلية، قيل لي أن الماء ممنوع في الداخل. سخافة.
في البداية شغلوا موسيقى بصوت عال. لا أدري ما الداعي لها. خطرت لي فكرة مضحكة، ربما كانت الموسيقى أشبه بالتعويذة لطرد الملتزمين. أتصور بأن إذاعة الموسيقى بلا داع فكرة سخيفة، وقد تزعج البعض. أفهم لو كان هناك شيء يدعو للأمر ضمن أحداث المسرحية، لكن كان يبدو أن الموسيقى لإلهاء الجمهور، لكنها كانت مزعجة ومرتفعة الصوت. ليس لأن الأمر مسموح نبالغ باستخدامه، قد يكون الأمر مزعجاً أو مستغرباً. لن أستغرب لو حضرت حفل موسيقي، لكن هذا حدث قبل المسرحية، وقبل عرض أسماء المشاركين.
بدأت المسرحية في الوقت المحدد تقريباً. كان هناك ماجد العبيد، وقد كنت أتخيل حينما كنت صغيراً أنه أثقل أهل العالم ظلاً. لكنه كان ذو حضور مقبول هنا. يوسف ظهر بشخصية الحجازي التي استنزفها في الإذاعة وغيرها، وقد تغير شكله كثيراً. كان معروف بالطول الفارع والعرض ما شاء الله، لكنه أصبح الآن اسطوانياً، وليس عريضاً. وكأنك تنظر إلى اسطوانة غاز فارعة الطول ما شاء الله. كان شكله ينم عن المرض أكثر منه عن الصحة. وتقصيره لشعر وجهه، درتي فيس، زاد من شكله شحوباً. بدا بلا ملامح تقريباً.
كانت المسرحية تهريجاً لا تستحق التحدث عنها. كان هناك موقف أو اثنين مضحكين، لكن كانت مسرحية سطحية، أكثر سطحية مما توقعت، فأنا لم أتوقع أن تكون عميقة أو ذات مغزى مثلاً، فالمسرح لدى العرب عموماً للتهريج والتنكيت، الكل يريد أن يبدو مضحكاً بأي طريقة، إلا بالطرق الذكية. يعني المسرحيات مثل السيرك بالواقع هنا، السيرك الرديء، أما السيرك الحقيقي فأنا أثق بأنه فن كذلك. لم أتوقع أن يكون الأمر بهذا السوء. وأنا ألوم نفسي بالواقع على الحضور، فقد كنت أعلم بأني لا أحب هذه الأمور، التهريج والتنكيت السخيف لدينا، لكن لم يكن لدي شيء آخر لأفعله. يندم المرء غالباً بعد انتهاء مثل هذه الأمور الخائبة، لكني ندمت قبل ذلك بكثير. خرج بعض الناس قبل انتهاء المسرحية، بينما ضحك بعض الناس على أحداثها بلا سبب. كانت قصيرة جداً لحسن الحظ، ساعة وعشر دقائق ربما أو خمس. كان هناك أناس يريدون أن يصفقوا طوال الوقت، ولكنهم حالما يبدأون يتوقفون، لأنه لم يشاركهم أحد. 


كان الجراح يؤدي دور حجازي صاحب مكتب استقدام، بينما العبيد يعمل لديه، وهو نجدي. الجراح ساذج، ونصاب، بينما العبيد ذكي وفاسد، يخدع الجراح بطرق يفترض أنها كوميدية، ولكنها طرق غبية. لم أشعر بالاقتناع أن شخصية حجازي يفترض أن تظهر ساذجة، أتصور بأن الحجازي لا يُغش أو يُخدع بسهولة، وأعتقد أن هذا هو الانطباع العام عنهم. والخلطة الباقية معروفة، وقد استخدمت بسماجة. الإتيان بشخصيات من مختلف المناطق، والضحك على اللهجات والطبائع التي يحاولون الترسيخ أنها طبائع هؤلاء الناس. هناك القصيمي، الذي أعتقد أنه كان من الأفضل أن يكون من الخرج، فهو فضولي، وهناك الشرقاوي، ذو الشخصية التي لا معنى لها، فقط استعراض للهجة، وهناك التهامي أو الجيزاني، وقد كان الأكثر ابتذالاً ووقاحة. أتفهم لو صور الأمر بطريقة ذكية ومحترمة، لكن تصوير الشخصية الأخيرة أتى غبياً وتهريجياً أكثر من غيره. وكأنما ظهور الجيزاني بلهجته وملابسه المختلفة سبب للضحك. كان تقليد اللهجة، والزعيق المستمر لممثل لهذه الشخصية أمر مستفز.


أما الجراح فقد كان لديه حقه من الزعيق الحجازي، الذي أصبح سامجاً لكثرة تكراره في كل مناسبة يظهر بها. كأنما لم يعد يمكنه سوا الظهور بهذه الشخصية، خاضعاً لرغبة الناس بالضحك على الحجازي القح. حتى زعيقه يتكرر حتى حفظته. أتصور أن هذا الرجل، الذي أعتقد بأنه موهوب لكنه مخدوع أو مخطئ بمساره، لو قدر له أن يكتب مقالاً في جريدة، لتمكن من الزعيق عبر المقال بطريقة ما.


غنّا الجراح والعبيد بأكثر من مناسبة، مستعرضين مواهبهم بثقة، لكن لم ينقذ هذا أي شيء من المسرحية. أشعر بالمغص حينما أتذكرها.


السخيف بالأمر هو حشو النص في بعض اللحظات بملاحظات حول المجتمع، وقد أتى الأمر تلقينياً على نحو فج، إلا أنه حاز التصفيق مع ذلك. مثلاً يأتي شاب ليطلب استقدام خادمة، ويحدد مواصفات غريبة، أن تكون جميلة وتحت الخامسة والعشرين ومن هذا الكلام. ثم يظهر بأنه غير متزوج، ويريد جلب الخادمة لنفسه ليستغلها، كان أمر أحمق وساذج، أن يكون صريحاً وجاهلاً إلى هذا الحد. وعذره؟ هكذا يقول: "ماذا نفعل؟! كل شيء على العزاب ممنوع، كل مكان للعوائل، ولا مكان لنذهب إليه!!." أمر مضحك. هل يعني هذا أنهم لو سمحوا له بالدخول في أقسام العوائل، سيشبع هذا غرائزه؟!
طبعاً، صفق الناس بحرارة على هذا العذر. بينما كان الجراح يقف على نحو غير ملائم، وكأنه يوافق تلميذه فيما يرمي إليه، بينما كان حسب السياق غاضباً بالواقع. كان يحاول أن يشب مشاعر الجمهور، فالتصفيق على ما يبدو هو النجاح في نظره.


موقف آخر، يتكلم فيه الجراح عن نساء اليوم اللاتي لا يقمن بشيء، عكس نساء الأمس، اللاتي تلد الواحدة منهن وتقوم لتباشر أعمالها بعد قليل. نال هذا النقد المفتعل والمتكرر بسخافة التصفيق كذلك، وكأنما نكاية بنساء غير حاضرات. يا لها من حجة، يا لها من ملاحظة. هذه ملاحظة كل البائسين. لا يفكرون بأن الكثير من النساء هن من يصرف على منازلهن بالواقع لا الأزواج الأنانيون، الذي يصرفون على رغباتهم أو يدخرون رواتبهم. وهذا أمر شائع جداً. من يقولون هذا عن النساء يتحدثون عن النساء القديمات وكأنما هن أمهاتهم، لكن حينما لا تسمح الأجيال بالمقارنة بعد فترة، ماذا سيقولون. وأنا أتساءل إن كانوا يقارنون رجولتهم بالرجال المسئولين في وقت سابق، حيث كان من العيب أن تصرف عليهم نسائهم وهم قادرون، يعملون ويتحملون الكثير من المسئوليات والشقاء، إلى جانب النساء.
لو كانت هذه الملاحظة مطروحة بطريقة ذكية، لو كانت أي ملاحظة مطروحة بطريقة ذكية وتحترم عقول الناس، لربما فكر فيها المرء، وقلبها في رأسه أكثر.


انتهت المسرحية أخيراً. وخرج الممثلون بتتابع ليحيون الجمهور. حتى خرج يوسف الجراح أخيراً، فصفق الناس وصاحوا بحماس. اكتشفت أن شعبية يوسف الجراح كبيرة جداً، منذ بداية المسرحية. كان الناس يهتفون له على نحو غير عادي. كنت أعتقد أنه موهوب، لكنه غير ذكي، فلا يعرف كيف يطور نفسه وأعماله. لكني الآن أعتقد بأنه ربما لا يهتم بتطوير نفسه وأعماله، إنما يهتم بكسب المال طالما المسألة بهذه السهولة.


هو مخرج المسرحية أيضاً على فكرة.


رأيت صورة يوسف الجراح أمس في دعاية بالشارع، لصابون صحون ومواعين. المشكلة أنه يظهر على نحو مكثف حتى صار مملاً. حدث هذا قبل فترة وخفت قليلاً، والآن يعود، وكأنما لا يوجد غيره. لا يختار المكان الصحيح ليظهر أيضاً. يبدو أنه يائس من الجانب المعنوي، ويريد جمع المال فقط.






وجدت خواتم رائعة في موقع مصممها. المشكلة أن أسعارها مرتفعة، غير سعر الشحن، وأنا أحاول التقشف. سأرى ما يمكنني أن افعل. هي من النوع المطعم بقطع ميكانيكية، مكائن ساعات. أحب الأشياء ذات الطابع الميكانيكي جداً، خصوصاً حينما تكون الميكانيكا ظاهرة، بالتروس وما إلى ذلك، مثل ساعة اوديمار بيقيه التي وضعت صورتها في وقت سابق، أو مختلفة بوضوح، كأن تكون الأداة تعمل بطريقة مختلفة ميكانيكياً عن مثلاتها، مثل ساعتي التي تحدثت عنها في وقت سابق. من ناحية ظهور الميكانيكا؛هذا جزء مما يسمى أسلوب أو طابع الستيمبنك Steampunk.
قلبي، بات يتحول إلى هذا الأسلوب على ما يبدو. أشبه بمكينة قديمة لضخ الدم. لم تكن غلطتي، لكنها الحياة.
أشبه التكنيكات التي أتخذها بالتروس، هي التروس الضرورية ليعمل قلبي، حيث لم يعد قادراً على العمل بنفسه، لو تركته لعفويته الساذجة. التكنيكات هي توقع أي شيء من الناس، وصعوبة الثقة، واللا مبالاة كثيراً؛ فاليوم كالأمس، وغداً كاليوم. كاد الزمان أن يوقف قلبي معنوياً، ويجعل وضعي أسوأ.
لكن من يعلم، قد يوقع أحد ما بهذه التروس، في يوم ما، قد يتعلم قلبي أن يكون أذكى.
لكنه يعمل على أي حال.








التهم المجحفة جارحة حقاً. ليس أسوأ من اتهام شخص بأمر يعلم بأنه ليس فيه. لكن، ما يجرح أكثر هو حينما تكون التهم في مكانها، ويقف عاجزاً عن الإنكار، عن استبعاد هذا العيب عن نفسه. 
ولهذا الإشكال أيضاً تفاصيله، التي تتفاوت بالوقع. قد نتهم شخص بالأنانية، أو الغرور، وهو يعلم بأنها فيه، ويقف عاجزاً عن الرد على نحو مرضي، فيجرحه الأمر كثيراً. لكن الاتهام بصفات خاضعة للطبع المتبدل أمر أهون مما ليس للمرء حيلة فيه. كأن نتهم شخص آخر بالغباء، أو بطئ الفهم، وهو فيه. التهم من هذا النوع أنكى، وأسوأ وقعاً. وهي ما يجب أن يتجنبه المرء، مهما سائت الأمور.








جاء الألماني الأصغر من بلاده، وقد فوجئنا ببعضنا حينما حضر إلى قسمي. أخبرني بأنه اشترى لي خبزاً ألمانيا، لأتذوق ما كان دائما يتحدث عنه. شكرته بامتنان.
ذهبت إلى مكتبه وأخذت الخبز في اليوم التالي. هو أسود اللون، أو بني غامق. جاء في علبة صغيرة، وكل رغيف مغلف على حدة، يشمل خمس أنواع، من كل نوع رغيفين. لم أتذوقه بعد، أنتظر أختي الكبرى لتأتي لنأكل منه جميعاً.
سمعت مثلاً أوروبياً يتغنى بالمائدة التي تحوي الجبن الفرنسي، والخبز الألماني، وزيت الزيتون اليوناني على ما أتذكر. الخبز في ألمانيا كثيرة أنواعه جداً، كالجبن في فرنسا.


في اليوم اللاحق لأخذ للخبز، جاء إلى مكتبنا. وجدت أنه قد غير شكل شعره، الجانبي على الأقل، إذ لفه ونفشه. أمتدحت شعره. تحدثنا حول ما قيل له في ألمانيا، هذه أول إجازة له على حد علمي. قال بأنهم سألوه عن الحرارة هنا وكيف عاش رغم قسوتها. وسألوه عن تغطية النساء لأنفسهن؛ وأجابهم بأن هذا ما يجري هنا وهو لا يمانع، ولو طلبنا منه هو أن يرتدي العباءة لارتداها. ضحكت وأنا أتخيله مغطى بعباءة، بطوله الفارع ورأسه الكبير. كان يريد أن يريني بأنه يحترم ما نحن عليه.


تحدثنا عن الدراجات. أخبرته أني أبحث منذ سنوات الآن عن دراجة جيدة معقولة السعر، ولكني لم أجد. يا لحظهم، الدراجات الممتازة لديهم أسعارها معقولة، بالإضافة إلى أن بعض الدراجات الجيدة تباع مستعملة بأسعار بخسة.


المؤسف هو أنه لما عاد، وجد سيارته مصدومة من أحد الجهات، وأحد الإطارات مثقوب بمسمار. لا أدري لماذا. هل كان يقف بطريقة خاطئة، أو حيثما لا يجب أن يقف؟.
أذهلني حينما قال بأنه في الحوادث بين السعوديين والآسيويين، فإن الخطأ دائما سيكون على الآسيوي!. يا للحقارة في بعض هؤلاء الأجانب. ليس وكأننا لا نكلم الآخرين حتى يكذبوا عليهم معتقدين أن هذه الفكرة لن تجد من يصححها. قاتلهم الله.


تكلم عن الحوادث، وقال بأنه يريد أن يؤمن على حياته وسألني عن شركات التأمين. أخبرته ما أعرف. تسائل: لكن لو مت من سأفوضه ليأخذ الأموال من الشركة؟ ثم قال بأنه قد يفوضني أو الدكتور الألماني الكبير. كان يمزح أو يجامل. أتفهم أن يجاملني، لكني لم أتوقع أن يأتي على ذكر الدكتور الألماني الكبير. فهو على ما يبدو لا يحبه كثيراً، والآخر كذلك لا يبدو أنه يرتاح إليه كثيراً.




لقد أصبحت طباع هذا الألماني أفضل بكثير من السابق. أعتقد أنه أصبح أفضل كشخص. وأشعر بأنه أصبح أكثر راحة بتعاملاته، ويفهم أصول التهذيب الآن بالسلام والتوديع. الأجانب عموماً لا يفهمون هذه الأشياء، باستثناء القليل من البلدان هناك. أعتقد أنه تعلم بعض الأمور المفيدة هنا.






قابلت أمس شابين طيبين عرفتهم في الانترنت أولاً. هم يدونون في مدونة تدور حول دراستهم والأحداث التي يمرون بها من خلالها. دراستهم في كلية طب الأسنان. يكتبان بأسلوب رائع ومباشر، ويتلقون الإطراء المستحق حوله كما لاحظت. كنت قد اكتشفت أحدهم في معرض الكتاب قبل أشهر، إذ نشر صورته بضعة مرات، فاستوقفته وسألته إن كان فلاناً. كان هو، ولحسن الحظ كان صديقه معه. أخبرتهم من أنا، واتفقنا على اللقاء في وقت لاحق. مرت الأشهر، وبطبيعة الحال كانوا هم الأفضل، إذ راسلني أحدهم ليرتب للقائنا، لكني كنت في الهند. وحينما عدت، لم أتصل، ظللت أؤجل وأتطلع بنفس الوقت، كان الأمر يجمع بين الإهمال والنسيان والانشغال. حينما أتذكر وأفكر بترتيب موعد، أقرر أن اليوم الفلاني للتواصل أفضل، لظروف دراستهم مثلاً، يأتي اليوم الفلاني فأكون قد نسيت. رتبت الأمر أخيراً. يا له من لقاء. مرت ساعتين ونصف دون أن أشعر. تحدثنا حول مختلف الأمور، مثل الأدب وقراءاتنا، والالكترونيات، وكان أحدهم، معن، قد أحضر الآباد، فجربته أخيراً. وجدته أسرع مما توقعت بكثير، والغريب هو أن الطباعة عليه، رغم أن المرء يطقطق على زجاجة وليس على أزرار محسوسة، سلسة للغاية. لم أكتب الكثير، طبعت عناوين فقط، لكن هذا أكثر ما أذهلني، سهولة الطباعة. أكثر ما يجذبني بالجهاز منذ أن أعلنوا عنه هو حافظته الجلدية، التي تسفط بطرق مختلفة، أهمها برأيي هي الطريقة التي تجعل الجهاز مائلاً في مواجهة المستخدم في حجره أو على طاولة، حيث يمكنه الطباعة على نحو مبتكر وسهل. من المستحيل طبعاً أن أشتريه وهو بهذا السعر، خصوصاً لدينا، بالإضافة إلى انتظاري جهاز بنظام الكروم من قوقل، إلا أنه أذهلني فعلاً ما شاء الله.
هذه مدونتهم، معاذ ومعن:



خطر لي خاطر غريب جداً في فترة العيد. خطر لي أن أغير نهاية الرواية التي لم أجد لها عنواناً منذ الأزل. شعرت بالراحة لأني لم أجد عنواناً، لو وجدت عنواناً لربما كنت قد نشرتها، ولما أمكنني أن أغير النهاية. لم أتلقى أي شكاوى حول النهاية، على العكس. لكني أريد نهاية لا ترضي الناس بالضرورة وتشعرهم بالاطمئنان، إنما نهاية أكثر واقعية كنتيجة للأحداث، و، لا تنسى بسهولة، أو هكذا سأحاول. حينما فكرت بالرواية، وجدت أن نهايتها هي أكثر جزء يمكن نسيانه منها بعد فترة. إنها نهاية جيدة بالفعل، لكنها جيدة لأنها تشعر المرء بالرضا بعد الاضطراب. أعتقد أنها تشبه النهايات التي أتمناها لقصص حياتي ولا أحصل عليها أبداً. لهذا، لا يبدو أن نهاية مطمئنة هي أمر واقعي. الحياة أصعب، ولا علاقة للأمر بكيفية أمانينا لنهاية متاعبنا.
وربما يساعدني هذا على إيجاد عنوان للرواية. أسأل الله المعونة.



يخرج أحياناً أبناء وبنات إخواني بأسئلة مفاجئة وغريبة. آخرها كان من ابنة أختي. أخبرتني أنها تريد أن تسألني عن أمر ما، ولكنها تخاف أن تحرجني. أخبرتها أن تسأل. قالت ما عمرك؟؟. تصنعت الصدمة، وأغلقت فمي وزعقت زعقة مبتذلة. ضحِكًت كثيراً. أخبرتها به (تجدونه بالملف الشخصي للمدونة). سألتها لماذا تسأل؟ قالت بأنها أخبرت صديقاتها بأني في الرابعة والعشرون. استغربت، كيف يعرفنني صديقاتها؟ قالت بأنها تتحدث عني كثيراً. أمرهم مضحك هؤلاء الأطفال. ناصر، أخوها الأصغر، يعتبر نفسه غالباً ند لي، فهو يناقشني أحياناً بالزواج (عمره 10 أو 11 سنة). لماذا لا أتزوج؟ وكم عمري؟. أحياناً يسألني لماذا أنا حزين؟ ويصر بالسؤال، لأنه يريدني أن "أفضفض" على ما يبدو.
تأتي أسئلة أحياناً عن: من أكبر، أنا أم فلان أو فلانة من إخواني؟ قد يكون هذا أخي الأكبر، وهو يكبرني بأكثر من 20 سنة. 






غداً إن شاء الله سأعود إلى العمل، بعد اسبوع إجازة، الاسبوع الأول من عودة الموظفين. السيارة متعطلة، لكن لا بأس، سأستأجر سيارة وآخذها غداً للإصلاح إن شاء الله.






وال ستريت، Wall Street، معهد مشهور لتعليم اللغة الانقليزية، اكتشفت بأنه معهد سيء عكس ما توحي به الإعلانات والإلتزامات المخادعة التي يعطونها للناس حينما يأتون للاستفسار أو التسجيل. يقولون لك بأن معلميهم هم من أهل اللغة الأصليين، لكنهم ليسوا معلمين بالواقع. لن تجلس مع معلم ليناقشك بالأمور ويعلمك اللغة، إنما ستجلس أمام جهاز حاسب ببرنامج خاص لتتعلم منه، وبعد أيام ستحجز بنفسك ليقابلك الأستاذ لفترة قصيرة ويطلع على تقدمك!! حتى أنه لن يتابعك فعلاً. وهم لا يخبرونك بهذا قبل التسجيل. المشكلة أن سعرهم هو نفس سعر المجلس البريطاني مع الأسف. وقت التسجيل جلسنا مع موظف سوري صفيق، ولا مبالي. وقبله موظف مصري معسول اللسان، لكنه لم يوضح الأمور على حقيقتها.
كانوا قد وعدوا ابن اختي بـ15 يوماً بعد رمضان يدربونه فيها في جوانب النقص اللغوية، ويمنحونه الشهادة. بعد العيد وجد أبوابهم مغلقة، حتى وقت قريب. ولما ذهب إليهم قالوا له بأنه لن ينال سوا يومين  أو ثلاثة من الـ15 يوم، لأن الأيام مرت بعد العيد. أخبرهم بأنهم لم يفتحوا معهدهم بعد العيد، ردوا بأن الكمبيوتر يحسب الأيام على أي حال سواء كان المعهد مفتوحاً أو لا!!!. لم أسمع بحياتي أوقح وأجرأ من هذا العذر. بالنهاية وافقوا على منحه يوم زائد  ليحصل فيه على الشهادة!!!!


ولأنه أسلوبهم فاشل بالتعليم كما ذكرت، يخبرونك كإغراء بأنه يمكنك الحظور وقتما تشاء. أعتقد أن هذا ضد الالتزام الذي يجب أن يتحلى به طالب العلم، لو كان هناك بضعة أوقات محددة يختارها المرء لكان الأمر أفضل. لكن لأن الأمر يتم على الحاسب، وهم لا يخبرونك بهذا، تجد أوقاتهم مرنة.


لا أنصح أبداً حتى بالتفكير بهذا المعهد كخيار.








في بداية التدوينة، ترون صورة التقطتها قرب كلية اللغات والترجمة، المبنى الجديد. صورت منزل جميل، اسميه القلعة السوداء، مثل نيوشونشتاين، وهو غير واضح جداً في الصورة لأن المسافة بعيدة، و"الدواعي" الفنية زادت الطين بلة .
أراه كل يوم وأنا عائد من العمل، شامخ مقابل الجامعة. جمال تصميمه لافت للنظر، ليس لأنه مختلف، لكن لأنه مهيب حقاً. ولكني أعتقد بأن طموح تصميمه أكبر من النتيجة النهائية. هو ليس أجمل ما يمكن رؤيته، وليس حتى خالياً من العيوب. لكن تعجبني مهابته النادرة في بيوت وقصور الرياض، واختلافه الجريء، والانطباع الذي يعطيه بالغموض والقوة والتصميم والثقة. إنه يخلو من الزوائد والحركات التي لا داعي لها، إنه بعيد عن الطفولية، عكس الكثير من بيوت الرياض التي تبنى لتكون جميلة، حسب تخيلات غير ناضجة.
مع ذلك، لا أعتقد أنه في مكانه، مثل بيوت كثيرة هنا مسقوفة بالقرميد. إنه لا يجمل مدينتا، إنه يجعلها أقبح برأيي. فهو ليس في مكانه، الرياض تحتاج إلى تصاميم مختلفة. لكن فات الأوان، لقد أصبحت مدينة بشعة، بسبب أن الكل أخذ حريته ليبني كما شاء، أياً كان ما يبني. للأسف أن الحرية أتيحت حيث لا يجب أن تتاح، ولم تتح في مواضع أخرى.








أواجه مشكلة مع أحدهم. ليست مشكلة كبيرة، ولا تؤثر علي، لكن يزعجني أنها موجودة ولا يمكنني حلها، لأن الطرف الآخر لا يفهم. إنه لا يفهم بأنه بسبب أفعاله حل محل تقديري له ازدراء شديد، ولم يعد في قلبي أي تعاطف معه، ناهيك عن محبة. إني لا أرجو له السوء، فهو أتفه من أن يربطه المرء بشعور واضح. كل ما لدي له هو اللامبالاة، ولكنه لا يفهم. بين كل فترة وأخرى يقفز إلى المشهد، ليصبح النشاز الوحيد في يومي، الذي أحاول أن أحجمه حتى لا يتجاوز تلك اللحظة، وأنجح، فالأمر سهل. رغم أنه يختار أواقت ظهوره وفق معطيات تتكرر، أكون فيها في أفضل حالاتي دائماً.
ولا أقترح أن تتعاطفوا معه، فهو أيضاً لا يكن محبة حينما يعاود الظهور، إنه فقط يتمنى أن لا يطويه النسيان، لعلمه بأنه يسهل نسيانه، مما يجعلني أشك دائما بأنه لم يتلقى تقديراً في حياته قبل أن يتلقاه مني، وهذا أمر مبرر لكوني غبياً في تلك الأيام، وأسأت الفهم، لهذا لا يستطيع أن ينساني، ويتوقع بأني يجب أن لا أنساه، لتحتفظ الذكرى في ذهنه المبتذل بقيمتها.
هو لن يكف، لأنه لن يفهم أبداً. حينما أتذكر أني كنت أقدره يوماً إلى حد كبير، أشعر بامتعاض من غبائي في ذلك الوقت، أشعر حتى بالغثيان، بينما هو لا يزال يكتنز الأمر، متجاهلاً أنه كان بالحقيقة إنسان خسيس. يا للمسكين الكريه.








سعد الحوشان