سِجل المدونة

الأربعاء، 24 نوفمبر 2010

فرديناندات، وإزابيلات (أحداث،أفكار،ألماني،شكر،مشروب)

بسم الله الرحمن الرحيم






ماذا بوسع المرء أن يفعل أحياناً، حينما تتسارع الأحداث وتكثر المشاغل إلى درجة أنه لا يملك الوقت لإعادة النظر؟ماذا يفعل إذا كان لديه شك في خضم هذا التسارع حول صحة مساره؟ما يفعله هو أن يوقف الأمور، فلا جدوى منها إن لم تكن على المسار الصحيح، ولا قيمة للإنجاز إن لم يتمخض عن فائدة.
هذا ما جرى معي مؤخراً، في الجامعة حيث بدأت دراسة الماجستيركانت الأمور تسير على نحو غير منطقي، ولأني أثق بالمنطق لدي عموماً، لم أقبل بما يجري.
كان المدرس يزيد الأمور صعوبة، وكان الأمر يبدو لي وكأنه يعطينا أشياء أفترض أن طلاب البكالوريوس يفنون سنواتهم للتمكن منها، في حين يعطينا إياها في ظرف أسابيع، من كل أسبوع يومينوليت المشكلة توقفت عند هذا الحد، وليت هذا أسوأ جوانبها.

كان من الواضح أنه غير مستوعب أننا لا ندرس لنصبح محاسبين، في خضم إعجابه وافتتانه في تخصصه، وفي نفسه إن جاز لي القولولا أدري كيف تغيب الحقيقة عن مرء يدرس طلاب في برنامج الماجستير "التنفيذيلإدارة الأعمالنحن ندرس في هذا البرنامج لنصبح صانعي قرار في مجال الأعمال، لا لنصبح مدققين، لا لنصبح محاسبين، أو اقتصاديين، نحن ببساطة نستقرئ النتائج التي يخرج بها القوم الآخرين لنبني على أساسها الخطط والقراراتلهذا شككت منذ البداية بأن الأمر ليس على ما يراملكن، هل يكفي هذا لأتقدم وأقول شيئاً؟وقد كنت مصيباً حينما تسائلت هكذا وصمت، وسآتي على ذكر ذلك لاحقاً.

مدرسنا شخص يريد أن ينكت ويضحك ويصعب الأمور طوال الوقت، ويريد أن يطلعنا على أمور دقيقة لا تحتملها أيام متفرقة، ناهيك عن أنها غير ضروريةوهو سعودي، وبمستوى ذكائه، ودراميته، فهو مؤهل جداً ليصبح دكتور سعودي بعد فترة، ولو كان حاله أفضل، لما رشحته ليصبح دكتوراً، لكنه عقم التفكير وسقمه.
لم يكن لدي خلاف أن يهملني إلى حد بعيد، ولم يكن لدي خلاف أن يركز اهتمامه على اثنين يفهمان المادة جيداً لخبراتهم العملية، فيما يهمل من لا يفهمون إلى حد بعيد، لم يكن لدي خلاف حول هذا لأني على عكسه، كنت أدرك أن الوقت قصير، ولا مجال لإضاعته إن كان هناك أمل بالاستفادةلكن، لما فقدت الأمل، وصار الأمر لا يسكت عنه... سآتي على ذكر هذا لاحقاً.

كلما تقدمنا بسرعة، كلما شعرت بالضياع أكثر، وسمعت الإحتجاجات من كثر، فيما رأيت الإلتواءات من آخرين لا يهمهم أن يفهمون جيداً بقدر ما يهمهم أن تمضي الأمور كيفما اتفق ليصلوا إلى المادة التالية.

حدث أن دخل قبل أسبوع دكتور من المغرب العربي إلى قاعتنا، وهو مسئول عن أحد المواد التحضيرية كذلكحينما دخل أصيب بصدمة حينما رأى ما يعلمنا إياه مدرسنا، واحتج، مخفياً ذهوله وعدم موافقته خلف المزاح الثقيل والصياحقال بأننا ندرس أشياء لا حاجة لنا بها، وأننا أصلاً ليس لدينا الوقت لذلك، ولن يكفينا لنفهم، وأشياء من هذا القبيلكان موقف محرج جداً لمدرسناوقد اتضح أن نفسيته تأثرت.
أما أنا، فبدا لي أن أفكاري قد قيلت على لسانٍ آخر.


في اليوم التالي، ذهبت إلى وكيل العمادة حيث أعمل في الصباح، لأرى إن كان بوسعه توجيهي ودعمي لأسباب الحصول على منحة من الجامعةطبعاً، لم يبدي رغبة بالمساعدة (سعودي على فكرة)، ولكنه أُخذ ما قلته، أني أدرس في برنامج للماجستير التنفيذي، وأبدى معارضته لخياري، شارحاً أسبابهإنه يرى أن أدخل ماجستير عادي، وليس تنفيذي، لأن التنفيذي غير مصمم لي بالأساس، وسأكون الحلقة الأضعف في الدراسة لكوني لست تنفيذياً بالواقع، لست مديراًوقال بأن البرنامج أصلاً غير معتد به أكاديمياً إلى حد بعيد، فالجامعات غالباً لن تقبل بك لتكمل الدكتوراة حينما تنهيهطبعاً أنا لا أخطط للحصول على لقب دكتور سعوديحماني الله وإياكم، لكن يهمني أن يكون خياري معتداً به.
تكلم كثيراًوكرر وجهات نظره، وحتى أنه بدا غير مشجعاً لدراستي للماجستير من أساسهخرجت من عنده مثقل القلبلم أكن أصلاً أتوقع أن تدعمني الجامعة، لكني أردت المحاولة، وإلا فإني سأمول نفسي، لكن ما قاله كان له وقع قويخصوصاً أن مدرسنا سألنا قبل أيام من يريد أن يكمل الدكتوراة؟ ، لم أرفع يدي بالطبع، لكنه قال بأن الجامعة ستدعم من يريد حينما ننهي البرنامج...
هو يعرف الكثير، أو يحسب ذلك، بالنسبة لشخص جديد على البرنامج والجامعةهذه أول مرة يدرس فيها أناس في الماجستير.

شاورت الدكتور الألماني، وبدا مصدوماً مثليرغم خبرته، إلا أنه لم يواجه تناقضاً كهذااتفقنا على أن أقابل رئيس البرنامج، وكانت نصيحة اختي الكبرى تصب في نفس الاتجاهوكان أن اتفقت مع الرجل عبر البريد على أن أراه قريباًذهبت إلى الجامعة في الوقت المحدد، واستقبلني بلطف شديدهو أيضاً دكتور سعودي، وكلهم عموماً لطفاء حينما يعملون في القطاع الخاص، أي حينما تأتي الأموال من الناس مباشرةيمكنك أن ترى هذا حتى في المستشفيات الخاصة، إنهم لا يتجرئون هناك على جرح المرضى أو السخرية منهموقد يكون الطبيب السعودي حتى يعمل في مستشفى حكومي وأهلي بنفس الوقت، وتجد لديه شخصيتين نقيضتين في المنشأتين.
عموماً قدرت لطفهحكيت عن الشق الأول من مخاوفي؛ هل البرنامج مصمم لأمثالي أم لا؟حاول إقناعي بأنه مصمم لأمثالي بالضبط، وأنه لن يقبل الناس الذين لديهم بالفعل مؤهل لإدارة الأعمال، وأني لن أكون الحلقة الأضعف، وكل هذه النقاط الثلاث عكس تماماً ما قاله دكتور الجامعةوصف دكتور الجامعة بأنه (ما عندُه سالفه). عموماً، كل الدكاترة العرب يصفون بعضهم بنفس الوصف، فلم يكن الأمر جديداً علي أو صادماً، ولم آخذه بجدية كذلك.
جئنا للشق الثاني؛ هل ما ندرسه بالمحاسبة هو المادة الملائمة أم لا؟، وأخبرته بحكاية الدكتور المغربيقال بطريقة لم أخطئ ما خلفها، قال بأن مدرسنا على حق والدكتور المغربي مخطئادركت في تلك اللحظة من عدة أعراض بأنه يكذب، دون أن يرغب حقاً بالكذب، لكنه يكذب لأنه لم يجد خياراً، فهو يريد أن يجنب زميله الجديد الإحراج، فضلاً عن تجنيب برنامجه التساؤلات والشكبدا لي واضحاً أن أحد ما أطلعه على ما جرى، فقد كانت الإجابة جاهزة، قيلت حتى قبل أن أكمل ما قاله المغربي.
الأعراض لمن يتساءلإبتسامة تريد بث الثقة، لكنها لم تصدر عن ثقة، ونبرة واثقة غير طبيعية ومختلفة عن العفوية السابقة، وتصلب بالرقبة ومحدودية في حركة الرأس، وكأنه يمثل دوراً يخاف أن يخطئ فيه.
ثم تكلم عن سهولة المحاسبة، وبدأ يشرح لي على ورقة ما أشكل علي.
تحدث عن توجه البرنامج، وأنه يعد الناس للعمل، لكنه "لايعدهم لإكمال الدراسة للدكتوراةاستوقفته قائلاً بأن المدرس فلان وعد الطلاب بأن الجامعة ستساعدهم في هذا الأمر إن رغبوا!! ضحك مخفياً توتره، وقال بأنه لا يستطيع تكميم أفواه الناس، لكن ما يقوله هو الصحيحكان وجودي مزعجاً حقاً، لكنه تحملني جيداً، بل ذهب إلى مجاملتي وتشجيعي بأقصى ما يستطيع، موضحاً بأن الأمر لا يتعلق بخسارة طالب واحد (اعتقد ان طالبين قد تركا البرنامج بالفعل). أوضح بأنه متعاطف مع مرحلة التشكك التي أمر بها.
ثم ذكر لي معترفاً بأنه ما كان يجب أن ندرس المحاسبة كأول مادة، لكن البداية تأخرت، وحدث خلط في الخطة. هذا شيء سيء.
عموماً كان لطيفاً جداً، وواسع البال، وهذا أمر قدرته كثيراً، بغض النظر عن السبب.
ما توصلنا إليه؟ قال مقترحاً أن أبقى في البرنامج للمواد التحضيرية على الأقل، وأرى إن كانت أموري ستسير على ما يرام فأكمل، أو أحصل على شهادة دبلوم تفيدني كثيراً عند البدء في برنامج آخر.

لو غيرت رأيي، فلن أنتظر الدبلوم، لكنه كان اقتراح معقولاً لينتج صياغتي الخاصة بالأمرلماذا لا أدرس أكثر قليلاً، وينفس الوقت أقرر وأرى وأبحث؟.
خرجت بنية الإكمال، وانتظرت المحاضرة القادمة بعد أيام، بالدراسة كل يوم خارج المنزل. الأمر قابل للفهم، لكنه كثيف ويحتاج إلى وقت، فحتى لو استوعبته نظرياً، فلن تستطيع التطبيق بشكل جيد سريعاً، لأنك يجب أن تكون واعياً لاعتبارات كثيرة حسب فهمي. علمت بأن المحاسبة قد يكون لها وجه ممتع، قد يكون هذا ممكناً، لكن هذا المدرس جعلني أكرهها كره ماحق. سوء تدبيره كان لا يغتفر. يقول أن الكتاب غير ضروري طالما معنا الملازم التي يوزعها بالإضافة إلى شرائح العرض، ثم يعطينا واجبات من الكتاب. لا ندري إلى ماذا نرجع بالضبط.


جاء الخميس، وعرفت بأنه من الإستحالة أن يتحسن وضعي قريباً. وفي يوم الجمعة، فاجئنا بأنه قرر أن يكون يوم السبت اختبارنا النصفي... وهو يقول بأنه قرر هذا لأنه فهم أن الإدارة تتوقع منه إعطائنا اختبار نصفي، أي أنه ينقذ نفسه فقط، والطوفان من بعده. قال بأن الاختبار سيكون بالكتاب المفتوح، أي أننا سيمكننا الإطلاع على الكتاب كما نشاء.  كما قرر أن نؤدي عرض تقديمي لما أنجزناه من المشروع المطلوب (!!)، وذلك لأنه اكتشف أيضاً بأنهم يريدون هذا فجأة. أصبت بإحباط شديد، لا أستطيع العمل هكذا، لماذا نحن دائما هكذا، نتكلم في آخر لحظة، لنحصل على نتائج كيفما اتفق. حينما جئت إلى الاختبار، كنت محبطاً جداً. أدرك هذا بطريقة ما، وأظهر اهتماماً مفاجئاً بي. أعطاني كتابه، إذ نسيت كتابي في السيارة، وحاول مساعدتي في الإختبار، وذهب إلى حد أنه مازحني، وربت على كتفي. استغربت جداً، لكن الإحباط لم يترك لي الوقت لأفكر. حينما أردت أن أمضي، سألته إن كان يريدني أن أترك الورقة مع الكتاب على طاولته، إذ كان يجلس في الخلف، ولكنه ناداني لأنه يريد رؤية أدائي. امتدح أدائي مشجعاً، ولكني أعرف نفسي، حتى أني لم احل كل شيء، بدا الأمر سخيفاً، إني أقوم بأشياء لا أفهمها، اخمن من الكتاب ما يشبه السؤال وأحاول تقليده فقط، وحتى هذا لم أتمكن منه. وقد أخبرته بأني لم أحل كل شيء، ولكنه أصر بأن حلي جيد. إلا أني قلت باحباط وعدم رضا بأن وضعي غير مضبوط، وتوجهت للخروج. ناداني باسمي، وسألني إن كان هذا اسمي بالفعل؛ سعد. كان دائما يناديني أخلاقيات باللغة الانقليزية، من باب السخرية.
طلب مني أن أرسل إليه الواجبات. وكانت الواجبات مصدر إحباط آخر. عملت عليها كل يوم، وبقدراتي العقلية أحتاج إلى قراءة مستفيضة لأفهم، ولم يكن هناك وقت يكفي. حللت بعضها، وأنا أفكر بأني لا أريد حتى نجاحاً جيداً، أريد فقط أن أرى المادة التالية.


جاء الخميس التالي، وأبدا المدرس اهتمام كبير بأمري، إلى حد صدمني في البداية. أعلم بأني لست الوحيد الذي كان أداءه مثل وجهه في الامتحان. مع ذلك، بدا اهتمامه أكبر مما يمكنني أن أتخيل، وبدا أنه لديه الاستعداد ليهمل المفضلين لديه قليلاً ليركز علي. بالبداية ذهلت، وكان لدي الوقت لأذهل، ثم شعرت بالضيق والحنق، وكان لدي الوقت لذلك أيضاً. لم يعجبني أنه التفت إلي متأخراً، كنموذج لطالب يحتاج إلى المساعدة أكثر من المتميزين أصلاً. ولم يعجبني حتى اهتمامه ووديته، لم أشعر بالارتياح تجاهه، وكان يسوئني أنه يبدي تجاهي اهتمام يجب أن أشكره وأمتن له، في حين أني لا أقدر أسلوبه وبعض مواقفه التي حكاها، مثل إهماله ترجمة جزء من شكوى طالب بكالوريوس إلى مسئول أمريكي في الجامعة؛ لأن الشكوى قد توقعه في الإحراج لأنه السبب بالمشكلة، ويضحك أيضاً على فعلته البعيدة عن الأمانة، فقد أساء بهذا إلى الطالب والمسئول الأمريكي بنفس القدر، ومنع شخص آخر من أداء الأمانة على الوجه الذي يجب. ومواقف أخرى. كل هذا جعلني لا أريد منه اهتماماً ولا تقديراً، فضلاً عن أني أعلم بأنه لم يكن يرتاح إلي حينما حضرت في البداية، وأنا كذلك لم أرتح إليه. بالإضافة، بماذا سينفع الاهتمام الآن بعدما ضاع الوقت؟.
قال بأننا لن نخرج حتى أجيب على سؤال معين، لأنه لا يريدني أن أخرج قبل أن أفهم. هل سأفهم المنهج كاملاً الآن؟. لم يعجبني الأمر. جاء للجلوس إلى جانبي لتشجيعي، بطريقة نكتيه كالعادة. فهو لا يكف عن التنكيت على نحو مزعج حقاً.
قال وهو أمامي، وهو ينظر إلي بشكل خاطف، قال ضمن سياق معين، بأن هذا البرنامج لم يكن يفترض أن يقبل فيه غير التنفيذيين، سألته إن كان هذا صحيحاً؟ فقال بأنه كذلك. كان يريدني أن أعلم هذا. مما أحبطني جداً.

من الذي يكذب الآن؟ هذا؟ أم رئيس البرنامج؟ صدقاً لم أعد أدري ماذا أفعل.

حالما انتهت المحاضرة كنت أول من غادر، دون أن أهتم بما قد يقال. مضيت.

في اليوم التالي، الجمعة، كنت محبطاً جداً، وقد بدأ الأمر يصبح ضاغطاً. فهاقد اقترب تقديم عروض عن مشاريعنا، والكل لم يقم بشيء، ربما باستثناء واحد كتوم. جئت باكراً حسب اتفاق المجموعة لنناقش ما سنقوم به في المشروع. انتهى الأمر بأن أنجز مشروعاً لطالب يستغل الآخرين بوضوح (يمكنكم التخمين ما هي مهنته). ربما استفاد البعض، أما أنا فلم أستفد، وقد تخليت عن التركيز باكراً بعدما يئست.


بينما أنا جالس، داهمتني ذكرى مهمة؛ إن أحد إداريي البرنامج أخبرني بأن بعض الطلاب قد يضطرون لعدم الانخراط في بعض المواد حسب الخطة بسبب ظروفهم، ويدرسون المواد التالية لها، ثم ينتظرون ما فاتهم من مواد لينزل مجدداً فيدرسوهكانت فكرة وكأنما نزلت من السماءحينما سمعت هذا من الرجل، لم أهتم كثيراً، بدا لي وكأنه شيء قد أفكر به حينما اكون مضطراً، وتخيلت أنه لن يكون قبل المواد الأساسيةسيطرت علي طاقة كبيرة، ولم أستطع البقاء في مكاني، فخرجت من القاعة باحثاً عن الإداريين لأناقش الأمر، لأحذف هذه المادة وأدرس المادة التاليةلم أجدهم، خرجت لمرات كثيرة، لم أجد أحداًأخبرني الفني الفلبيني اللطيف بأنهم سيحضرون، لكن ربما تأخرواعدت إلى القاعة، ومر بعض الوقت فظهر المدرسكنا نتوقع بأنه سيرسل مدرس آخر ليحل بعض المسائل معنا، لكن يبدو أنه مشوش جداً، ولا يستطيع الترتيب لمثل هذه الأمورحينما دخل وتكلم قليلاً بلا معنى، سألني عن حالي بطريقة غريبة، مظلمة إن كان للتعبير أن يوحي، أشرت بأنه لا بأس به، ثم أعقب وهو بقربي بأن حالي ربما سيكون أفضل لو لم يكن قريباً، فلعلها مسألة "كيمستري" لا يتوافق بيننا، بعدما قال هذا التعليق الطفولي، مضى ليجعل منه ذكياً، ثم تدخلت شوجي قائلة.... لحظة، عفواً، حسبت أنني أقص مسلسل كويتيأي دراما سخيفة، أي خروج عن النص!!.
بالتأكيد هو من الناس الذين يتخيلون بأنهم لو قالوا أي شيء بنبرة صوتية معينة ثم ابتعدوا فإن ما قالوه سيبدو مؤثرا مهما كان سخيفاهذا تفكير طفوليلم أحاول أن ابدي أي ردة فعل لاحقا، فلم أرد أن تحتسب هذه الدراما السخيفة وغير الناضجة علي أيضالم تكن لا المعرفة ولا طبيعة العلاقة تحتمل أي من هذابعد هذا الفاصل المسرحي البائخ، الذي اثق بانه كان ليصبح ملحمة لو كنت سأراه لشهر آخر، تجاهلني بقدر الإمكان، ولم أسع أنا لانتباهه أصلاشعرت بأن الأمر مضحك رغم إحباطيهل يلوم هذا الشخص نفسه على أي شيء إطلاقاً؟.

مر الوقت وهو يشرح ويضمن أشياء جديدة معقدة قبل الامتحان بأقصى ما يستطيعبينما أخرجت النتبوك، حيث احضره معي مثل الاخرين، وبدأت بإعادة الرد على معاذ في التدوينة السابقة، حيث ضاع مجهودي مرتين من قبل دون أن ينشر.فجر مفاجئة جديدة، يريد أن يكتب الجميع الدرجة المتوقعة مع اسمائهمفإن اصاب توقعهم لأنفسهم الحقيقة، فسيمنح المصيب خمسة درجات. هذه الدرجات الخمس قد تؤدي إلى النجاح فيما لو كتبت، فرضاً، أني أتوقع الرسوب، صح؟. مع ذلك، لا أتصور أساساً أن أحد سيرسب، لن يسمحوا بهذا. لقد كان خطأهم أن بدأنا بهذه المادة، وأن أعطوها لهذا المدرس، دون منهج محدد، وهو لن يسبب الإحراج لنفسه ويعرضها للمسائلة أكثر. خصوصاً أن كونه سعودي، فهو معقود عليه آمال إدارية. بالإضافة، ماذا تعلمت؟ هل سيفيد النجاح بشيء وأنا لا أعرف ما يجب أن أعرفه عن المحاسبة؟ هل هذه المادة التي سأدفع لأجلها أكثر من 14000 ريال أفادتني فعلياً بشيء؟ إني لم آتي للنجاح على الورق فقط، فلدي ما أريد القيام به بعد التخرج، ولا فائدة من الورقة في ذلك الحين لو لم أكن كفئاً. قاطع المدرس حبل أفكاري، وهو يجمع الأوراق من الناس، سائلاً؛ هل كتبت شيئاً؟ قلت ليس حتى الآن. استعجلني قائلاً بكل خبث واستفزاز: "هل ستعطيني إياها؟ أم لا تريد؟"
ماذا كان يريد بهذا الإقتراح؟ هل يريدني أن أستجديه بعض الوقت؟ أو أكتب أي شيء وأعطيه؟ أعتقد أنه أراد الأول، أو أراد أن يبين عدم مبالاته، بعد اليوم الفائت الحافل بالـ"مبالاة". لا يهم هو الآن، فكرت بسرعة بما أريد بالفعل؛ قلت: لا، لا أريد. قلت هذا وأنا أثني الورقة وأدخلها حقيبتي، دون أن أضيع وقتاً. مضى.

حالما انتهت المحاضرة؛ خرجت قبل الجميع، دون مبالاة بما قد يضيف من درر. وفيما أنا أمشي تجاه البهو الصغير والأنيق بما يكفي، رأيت أحد الإداريين، الذي لتوي أرسلت إليه رسالة وأنا في المحاضرة، أسأله عن الإجراء المتبع لما أنوي. قال أنه لم يقرأ الرسالة بعد، وشرح لي عواقب ما أقوم به، وهي تتعلق بضياع الوقت فقط. الوقت مهم، لكنه يصبح بلا قيمة حينما يمضي ونحن في المسار الخاطئ، يصبح ضائعاً مهما كان المجهود الذي بذلناه. أخبرته بأني لا خلاف لدي. طلب مني أن أرسل إذا إلى مدير البرنامج، ذلك الدكتور السعودي اللطيف جداً، أو كما كان في تلك المقابلة. أرسلت قائلاً بأني أريد لبدايتي الحقيقية أن تكون في المادة القادمة، وأني كلمت الإداري فلان، وشرح لي عواقب خياري، ولا بأس لدي. وقلت بأني آمل دراسة المادة في الدورة القادمة لطرحها، مع مدرس آخر. مع درس آخر؟ كان يجب أن أقول هذا، هناك خلل لديهم. لم يجب بالسرعة التي توقعت، مما جعلني أتصل بالإداريين، ونصحني من رد بعدم الحذف، وأني سأنجح وأعوض بالدرجات لاحقاً. أخبرته بأني لم أتعلم شيئاً من هذه المادة، ولا يمكنني الخروج منها هكذا، ولا يمكنني القيام بما ليس لي به قناعة. قال بأنه سيسأل الدكتور عن الأمر حينما يراه، وهذا ما أردته. جائني الجواب لاحقاً بأنه يمكنني ذلك. كنت شاكراً بأنه لم يعقد الأمر، ولم يطيله، كان تصرف حكيم منه. شكرته، مع توجيه الرد كذلك إلى الإداري الرئيسي تحت تصرفه، ليقوم بما يلزم. كان الإداري قد نصحني قبل أن اوجه الرسالة إلى الدكتور أن أوجهها كذلك إلى المدرس، ولكني لم أفعل، فهذه الشئون إدارية، وعلاقتي به أكاديمية، وهم من يخطره بأن أحد طلابه لم يعد محتسباً عليه.


وهاقد قمت بما ارتحت إليه. غداً الامتحان النهائي، ثم بعد ذلك عليهم العمل على مشروع، وهذا ترتيب غريب في رأيي، وربما ينطوي على بعض الازدواجية، التي لم تكن لتثير شكي لو كان المشروع قبل الامتحان.

الآن، يبقى علي التأكد من صحة مساري على نحو أفضل، بقدر الإمكان.





يا الله، لقد قمت اليوم بأغبى تصرف ممكن. رأيت طالب أجنبي، من طلاب اللغة العربية على ما يبدو، يرتدي ثوباً غريباً، جميلاً فوق الوصف، رغم غرابته وبساطته بنفس الوقت. كنت أمشي تجاه سيارتي، متوجها إلى الساحة المواجهة للجامع في جامعة الملك سعود، حيث أعمل. لم أستطع مقاومة فضولي، وكان هذا قبل أن ألحظ بأنه يحمل حقيبة مثل التي اشتريت مؤخراً، فشعرت بأن هناك توافق فعلي بالذوق. لكن الثوب؟ من أين جاء به؟ ولماذا هو غريب هكذا؟ يجمع بين الكرته الباكستانية والثوب السعودي، بقماش كحلي جميل للثوب والبنطال. لحقته، واستوقفته، وسلمت عليه، وسألته عن الثوب. فرح، وأجاب تساؤلاتي، لقد صممه بنفسه، وهو أمريكي، وكلف أحدهم بخياطته في باكستان. ابديت اعجابي الشديد، واقترح أن أفصل مثله هنا فالخياطين كثر. ماذا قلت؟ قلت بأني لا أستطيع لأني لو لبسته سيضحكون علي!!. بالطبع، كنت أقصد كسعودي، لن يتقبل السعوديين هذا، في حين يريد الكثيرين رؤية شكلي كيف يبدو بالملابس الغربية التي لا أفضل، إلا أنهم سيضحكون لو لبست هذا كسعودي، أما هو كأجنبي، فالأمر مختلف. لكني لم أعبر هكذا. ما أغباني. اتمنى أن أراه لاحقاً لأشرح له هذا، فقد تبدل وجهه حينما تكلمت هكذا.







كنت مع الدكتور الألماني قبل فترة، أقرأ له بعض قصائدي، التي ترجمتها لأجله. كان هناك رجل سوري في المقهى، يمر من خلفنا من وقت لآخر، فينظر إلى شعر الدكتور من الخلف بطريقة مركزة وغريبة. أضحكني الأمر بعدما تكرر، وأخبرت الدكتور، ضحك بدوره. قلت لابد انه معجب بشعرك. شعر الدكتور كثيف، طويل إلى حد ما، لكن ليس جداً، يغطي اذنيه فقط، ولونه ذهبي غامق تقريباً أو شيء من هذا القبيل. وشعره جميل جداً ولافت. رد بأن شعره ليس أجمل من شعري، فشعري كأنه شعر "هندي". ضحكت، وقلت بأن شعري ليس جميل لا كشعر الهنود ولا كشعره. لكنه أصر على رأيه. شرحت له بأن شعري ربما يبدو جميلاً حسب مقاييس قديمة، لكن الآن، يفضل الناس الشعر الأخف والأكثر استرسالاً، لهذا يستخدمون الكيماويات لتعديله. بدا عليه التعجب.

فارسي، والآن شعر هندي، يبدو أننا نتوغل شرقاً في كل مرة. سنصل إلى الفلبين ربما، ثم سيكون مفترق طرق، إما سأصعد إلى كوريا شمالاً، أو سأنزل إلى استراليا وأتوغل، لأصبح بالنهاية بولونيزياً. لكن، لو أكملت الرحلة، أتمنى أن أكون هندي أحمر، من البيرو أو البرازيل، أو أي ناحية في تلك القارة الجميلة. لكن، لو أكملت بعد كوريا، سنكون مرتفعين قليلاً، لذا أتمنى أن تكون الخطوة المقبلة المكسيك، يمكنني أن أكون ازتيكي من هناك، إن لم أكن من أمريكا الجنوبية. سأكون مزارعاً، أريد أعمل وأزرع الفانيلا. أن أقف في لحظات معينة حينما أرى النسائم مقبلة من بعيد، باهتزاز زهور الفانيلا البيضاء، أن أقف وأترك عملي، لأترك النسائم بما تحمل من ريح الفانيلا تغطيني وتغشاني، وتملأ صدري.




إذاً رحل ابن أخي إلى كندا، ابن أخي الذي يتهم بأنه الأقرب شبهاً إلي، في حين أنه بالواقع بهي الطلعة.
سيبقى هناك مبدأياً لشهرين ربما، وسيحاول الإلتحاق ببعثة. أتمنى من كل قلبي أن يتمكن من ذلك، لكني أخاف عليه من أمر. ففي حين أني غير مقتنع بأنه يشبهني كما يقال، فهو كما قلت شاب وسيم، إلا أني أخاف أن يكون حظه يشبه حظي. الحظ وراثة كما تعلمون؛ أنا لا أشبه أمي، لكن حظي كحظها تماماً، إنها مورثة يجب أن تعزل.

الأمر المضحك هو أنه كان في كلية اللغات والترجمة، الكلية التي تخرجت بها. حينما أراد الدراسة فيها، شعرت بقلق شديد لعدة أسباب. كان يريد دراسة اللغة بشدة، في حين أن أموري سارت على ما يرام ولله الحمد، وأتصور أن أي خريج للغة الإنقليزية حالياً لديه فرصة قوية بالتوظيف؛ إلا أني أعتقد دائماً بأن الزمن لو عاد إلى الوراء، لربما اخترت دراسة شيء آخر، وتعلمت اللغة على نحو جانبي. أشعر بأن تكلم لغة والترجمة عبرها مهارة غير كافية بالنسبة إلي. بالطبع؛ أحمد الله على أن لدي موهبة متوسطة الإتقان، غير تخصصي باللغة الإنقليزية، وهو ليس موهبة، لكن، لا يعمل الناس هنا حسب مواهبهم التي يحبون، مع الأسف. لن أحوز المهنة التي أتمناها بشكل مباشر أبداً.
لكني لست ابن أخي، وهذا جعلني أتجنب هذا الهذر على مسامعه، حتى لا أفت من عزيمته.
هذا جانب، أما الجانب الآخر، فقد كان يتعلق بالدكاترة هناك في الكلية، او بعضهم. ربما يتعرف عليه دكتور أو اثنين ممن أرفض السلام عليهم الآن، أو كان لي معهم إشكالات، بعضها على مستوى عالٍ من التعقيد، فكنت أخاف عليه من ردود فعلهم، فالدم، وهو الشبه الإنطباعي، وليس الفعلي، يجمع بيننا بما لا تخطئه العين.

لكن، رحل أسوأ مخاوفي من الكلية، وبهذا اطمئنيت على ابن أخي أكثر.
بيد أن ابن اخي على ما يبدو مصر على جعلي أقلق، باختياره كندا. إني أشجعه، ولا أذكر أي من هذا على مسامعه، لكني في دواخلي أخاف كثيراً أن يخيب ظنه، وهو لا يستحق ذلك، ولا علاقة لحظي هذه المرة بالأمر، أو بأحد قد يراني أرمقه من خلال عيني ابن أخي، فالمكان مزدحم، لكني أخاف أن لا يلتحق بالبعثة، أخاف أن يخيب ظنه ويعود سائماً من الأمر.
هو لا يستحق ذلك، وليس هذا من وجهة نظري كعم، لكن عملياً؛ هو موهوب ومؤهل جيداً، وعاقل وطموح.
إني أرجو من الله أن يساعده، وييسر أموره. رغم أنه لا يخطر في بالي طوال الوقت وهو هنا، إلا أن وجوده بعيداً وحده يجعله يمرق في ذهني طوال الوقت، رائحاً وراجعاً، مثيراً التساؤلات والشعور بالعجز عن المساعدة الحقيقية.
أمي تدعو له كثيراً، أتمنى أن يسمع لها الله، فهي عبدة مخلصة أحسبها، وحسيبها الله.



التقيت الدكتور الألماني قبل قليل، سيسافر في إجازة الحج إلى ألمانيا. تناقشنا حول العديد من الأمور، وبدأنا بأمر تعليمي إذ كان يريد أن يعرف ماذا حصل في الجامعة بالتفصيل، وكان جاداً في الأمر. شعر بالأسف كثيراً على الحال، ولكنه دعم موقفي الرافض للنجاح غير الحقيقي. أبدى ندمه لأنه لم يفطن إلى مساعدتي، وكرر الامر كثيراً، بطريقة جعلتني أشعر بأنه لا يعتذر مني، لكنه يؤنب نفسه. وجد الأمر تعيساً جداً ومحبطاً. أخبرته بأن لا يحزن، فلم يكن الأمر ليفيد، فالمدة كانت قصيرة، وحتى لو حاول تعليمي، لم يكن هذا ليساعد، فأنا بطيء التعلم.

تكلمنا عن الدكاترة السعوديين، حينما أتى على ذكر دكتور سعودي سيقابله غداً، وهو يقول بأنه لطيف. أخبرته بأن الكل يريد أن يكون لطيفاً معه. ولو رآني هذا الدكتور السعودي معه، لتلطف لي إلى أقصى حد حتى ينال إعجابه، لكن لو رآني لوحدي، أو رأى طالب من طلابه، أو أي شخص يعتقد أنه دونه في المستوى، فلن يكون هذا هو الحال (وقد حدث هذا من قبل، لكني لا أدري إن كان يعني نفس الدكتور). حاول أن يقنعني بطيبة هذا الدكتور، لكني أوضحت له وجهة نظري. أخبرته بأني أعتقد أنه هنا، دوناً عن أي مكان آخر، لا ينجح غير القساة والأنذال، إن الحظ الحسن حليفهم. أعطيته أمثلة. لكنه قال مواسياً: ولكن، حظك أنت حسن أيضاً، أنت جميل الشكل، وذكي، وعقلك يعمل جيداً، وتفهم الناس، وتجيد التعبير. أخبرته بأني أعترف بحظي الجيد، من حيث أني غير مريض، ولدي منزل، ولا أجوع. أما الأمور الأخرى، فهو يقولها لأنه لطيف، قد يقول هذا لأي أحد حتى يشعره بالتحسن، ولكني راض بحظي. قطب حاجبيه وهو يتفكر، ناظراً كعادته إلى أي شيء آخر، وقال: لقد قلتَ هذا سالفاً، لكن هذا غير حقيقي، إني لن أقول شيئاً لا أعتقده. إني لدي أطفال كثر، وتلاميذ وأصدقاء كثر، فيهم الكثير من الأذكياء وحسنو المظهر، وفيهم خلاف ذلك، لكني لا أقول هذا لكل أحد، ولا يخطر في بالي من الأساس بغير سياق وواقع مقنع.

يسيء فهمي في بعض اللحظات، لكنه يعطيني الفرصة لأشرح موقفي. قد ينتقدني، لكنه يستمع إلى مبرراتي ويناقشها.

كان غير مقتنع في تلك الليلة أني على ما يرام، وظل يتسائل إذا ما كنت حزيناً، أو لم أرغب باللقاء في ذلك الوقت. لكني كنت سعيداً جداً، عدى أني مرهق إذ لم أغادر العمل بالوقت المتوقع لأتواصل مع طبيب أمي عن قرب، ومشغول البال، فقد رتبت لإعطائه بعض الأشياء في نهاية الأسبوع، حينما يحضرن أخواتي ويعددنها، لكننا التقينا قبل ذلك، في يوم الثلاثاء. أخبرته بالأمر، واحتج بأني أعطيه وأهلي الأشياء باستمرار، وأنه لا يدري كيف يرد لنا الجميل. أخبرته بأني لا أعطيه شيء بالواقع، فهو يستحق أكثر، فلا أحد يعاملني بالعادة كما يعاملني هو، كما أن أهلي يحبون من أحب، ومن النادر أن أحب أحداً إلى هذا الحد.
في لحظات معينة، كان يبدو عليه إحباط، ويتحدث وكأنما يتحدث إلى نفسه، وهو يقول: ولكن حياتك بائسة. أخبره بأني تحسنت كثيراً مؤخراً. فيقول بأنه يتمنى ذلك، لكنه يعتقد بأن لدي كبرياء، يجعلني أقول بأني على ما يرام حتى لو كنت أغرق. أخبرته بأن هذا الكبرياء ليس لدي، حيث أني حينما أتحسن فإني أعترف بهذا وأراه، وأنا أدرك جيداً أن حياتي ظلت ثابتة على حال واحد لفترة طويلة بالسابق، لكني أعرف أني مؤخراً تحسنت كثيراً. قال: لكني أتحداك أن تتحسن أكثر!. فوجئت، فقلت: لكن يجب أن تمد لي يد العون، لا أن تتحداني. ضحك بشدة. وقال مفهماً إياي بأن التحدي بين الأصدقاء يعني بالواقع مد يد العون.
أصدقاء؟.
حكيت له الكثير من القصص الغريبة والحقيقية التي لي بها صلة بشكل ما، وبدا مذهولاً، لكن في النهاية حزن، وقال وكأنما يخاطب نفسه مرة أخرى: ولكنها قصص مأساوية، مأساوية جداً.
مكثنا كثيراً، لكن كالعادة، كانت كخمس دقائق، كحلم مطمئن في غفوة نعسان، جلس ليستريح على كرسي، ليواصل المسير لاحقاً.
حينما طلبنا الحساب، أصر على الدفع، أصر بشدة، لكني نهيته، وذكرته بأنه آخر من دفع. قال بأنه لا يشعر بأن تركي أدفع أمر صحيح، فهو كبير، وأنا كحفيد له، وأحضر له الكثير من الأشياء الرائعة. ضحكت، وذكرته بأني لست صغيراً إلى هذا الحد، وهو ليس كبير إلى هذا الحد كذلك. قال بأني فقط ذو روح معمرة، فأخبرته بأن عمري أيضاً ليس بقليل. فوجئنا بأن الحساب كان مثل عمري.

خرجنا، ونحن نتناقش حول شتى الأمور. كان سيسافر صباح اليوم الثاني من ذلك اليوم، أي أن الغد هو يومه الأخير. وكان يحمل هم الاستيقاظ باكراً في الفجر، أخبرته أني سأوقظه. اتفقت معه على الوقت الذي سأحضر به إليه الأشياء. كان يخطط لشراء تمر لعائلته، فهم يعشقونه بشدة. يحضر لهم هو من المحلات الفارهة، وسألني من أين نشتريه نحن؟ نحن في وفرة ولله الحمد، نشتري بعضه، ونتلقى بعضه هدايا من مختلف الأقارب والناس من القصيم. شرحت له ما نصنع ببعضه في منزلنا، الكنز الموسمي، حينما نجمع التمر في أكياس ونعجنه مع بهارات أحياناً مثل الكمون ونتركه تحت وزن ثقيل لفترة طويلة، يسيل معها الدبس أحيانا إلى خارج الكيس. أخبرته أن والدي إما يشتريه من القصيم، أو من أماكن شعبية هنا، ولكننا لا نشتري من المحلات التي يشترون منها، أقصد الاجانب عموماً. بدا الأمر شديد التعقيد إليه.
في اليوم التالي، اتصلت لأتفق معه على إيصالي إليه بعض الأغراض التي سيأخذها إلى ألمانيا؛ فطائر تفاح وتمور ببقل(إقط) ومعمول وحبق مجفف من حديقة أختي، كله بالواقع من صنع أخواتي. كان قد خرج متأخراً جداً من العمل، ويبدو مرهقاً، وسألته إن كان اشترى التمر؟ قال بأنه لم يشتره، فأخبرته بأني سأحضر إليه مما لدينا. لم يعرف ماذا يقول. بدا لي أني أنقذته بشكل ما، ولكنه بنفس الوقت خجل جداً من الأمر. لو اطلع على ثلاجات التمور لدينا، لما خجل، ولله الحمد. اقترحت اختي آن آخذ مكنوز منيفي، من نوعية ممتازةجداً، وعلبتين من أفضل ما لدينا من السكري اختارتها أمي. هن يعلمن بأني أفرح حينما أعطيه، ويساعدنني.
ذهبت إليه، وعرفني بصديقه، قبل أن يذهب الصديق. الدكتور سيارته متعطلة، ويجد صعوبة بالمواصلات مؤخراً. تكلمنا قليلاً، وأعطيته الأغراض، فرح كثيراً بتنوع الأشياء، خصوصاً التمور على ما يبدو. وأعطاني علبة صغيرة، لم أرى مثلها من قبل، تحتوي على شوكولاته، وقال بأن أعطيها لأمي وأشكرها. لاحظ بأني أبدو أفضل من الأمس، فقلت ربما لأن أخواتي مجتمعات بالمنزل.
في المنزل، أعطتني أمي العلبة (هه هه). لكن أختي فتحتها،كانت شوكولاته غامقة، على بعض المرارة، لونها غريب، تغلف لوزات كطبقة رقيقة، وكانت فائقة اللذة. تصنع في اسبانيا.




تتسائل أحياناً كيف يمكن لبعض الناس أن يعيشوا لحظات ممتدة من نكران الواقع، قد تغطي طول حياتهم، ويتمنون أشياء غير منطقية، ومن المفترض حتى أن لا يجرءوا على تمنيها في ظل ظروفهم. مثل رجل ضل طريقه في الصحراء لأيام دون أن يكون معه شيء، أتراه يتمنى أن يشرب قهوة مثلاً؟ بالطبع، سيريد أن يشرب الماء، فحياته على المحك.
يجرؤ البعض باستمرار على تمني "عودة" اسبانيا إلى "الحكم الإسلامي". يريدونها أن تعود إلى أندلسهم الجميلة، المليئة بالنعيم، في ذاكرتهم الجماعية
يبدو لي وكأنهم مغيبون عن الواقع. لا يجب أن يفكر المرء كيف تعود اسبانيا إلى الحكم الإسلامي، إنما يجب أن يفكر كيف لا نتحول نحن إلى اسبانيا. فالقوي هو من يحول الضعيف. ولم يحصل المسلمين ولا غيرهم على شيء قبل أن يعملوا على إصلاح أمورهم وأنفسهم.
كما لم تكن الأندلس أندلس قبل حضور المسلمين وإعمارها بالشكل الذي يتوصفه الجميع في ذلك الزمان وهذا.

أجد أكثر من يتحدثون عن الأمر هم أكثر الناس سذاجة، وأقلهم إبداعاً ومواهب. يريدون أن يزورون اسبانيا دائماً، هذه امنيتهم، ليروا الأجداد ماذا صنعوا هناك، يريدون أن يستمتعوا بأبنية وآثار لم تعد ملكهم، في حين أنهم يجب أن يبكوا عليها. أشعر دائماً بأني لا أريد الذهاب إلى أسبانيا، أتسائل إن كان قلبي سيتحمل. ليس أني أتوق بشدة أن تعود لنا، بل لست أتوق لذلك أبداً، فهناك أمور أكثر أهمية وإلحاح بكثير، مثل بلدنا وأنفسنا. فلست أفكر بشيء لم أعمل لأجله. إن ما لا أتحمله هو ذكريات المعذبين هناك، المسلمين الذين أجرمت بحقهم محاكم التفتيش، أكثر مما أفكر بأبنية استولى عليها الآخرين. ليست الأبنية هي الأكثر أهمية، إن الأكثر أهمية هو المأساة بكاملها، القصة كاملة.

لكني تعديت مرحلة القلق على الحال. إني لا أرى نفسي مقياس للمجتمع وحاله، لا أرى نفسي نموذجاً عنه، أحدنا تغير. إني أراقب المجتمع، ولا أخاف أن يتحول إلى اسبانيا، لأنه تحول بالفعل، تحول إلى اسبانيا في أبشع أوقاتها. أعيش في مجتمع يعج بالفرديناندات والإزابيلات، حيث محاكم التفتيش تحيط بي في كل مكان، تتابعني بأعينها وأذانها، تظن بي الظنون، وتحاكمني، وتعاقبني، وتعزلني، وتجبرني.
لم يعد هناك بالواقع فئتين، فما بقي من فئتي هم قلة بحيث لا يعتبرون فئة، إذ تحول معظمهم إلى فرديناندات، وإزابيلات. أعتقد بأني مورسكي معرض دائما ومطارد من محاكم تفتيش من نوع آخر، ولكنها محاكم تفتيش بطبيعة الحال، تختلف عن محاكم اسبانيا بأنها لا هرمية فيها، فالجميع فيها ملوك، ولهم محاكمهم الخاصة التي لا ترحم.
لقد احتلوا أنفسهم، وطردوها، حينما طردوا صدق إيمانهم، وفهمهم الصحيح له، ومنطقهم، وتحضرهم النابع من أساس ومبرر. طردوا أنفسهم وأحللوا اؤلائك القوم مكانها، بكل تعصبهم وحقدهم، من حيث لم يعلموا.
سأظل أسير، وأنا أعلم أنه مثلما الآخرين تحولوا إلى اؤلائك الملكين الجائرين، إنما كنت أنا دائماً مورسكي محاكم باستمرار، ومحكوم باستمرار.
قلت هذا في وقت سابق، لكن، لا تكف الإحتجاجات الصامتة، المتولدة من المراقبة والترقب القلق، تتوالد.

يجب أن نحرر أنفسنا أولاً، يجب أن نوجد أندلس في داخلنا، قبل أن نفكر بإيجادها في أي مكان آخر.





اليوم، أخذت أختيّ إلى سوق الرياض قاليري، لدخول محل واحد، بازار نسائي، والخروج سريعاً (سريعاً = بعد دخول خمس محلات أخرى). بينما تصف سيارات الناس في طابور أمام المدخل، كان يأتي بعض الناس، أجانب وسعوديين، ويزاحمون في المقدمة حتى يدخلوا قبل الجميع بلا انتظار. كان هنا شاب جاء إلى جواري، بسيارته الكامري، وأراد إرغامي على إفساح الطريق له. سيارتي الحبيبة، الصغيرة كمكنسة كهربائية حديثة، تغري في شوارعنا على الظلم والعدوان والتضييق. إن خيار غريب كخياري في سيارتي الجيدة المحدودبة أمر لا يدعو إلى احترام الناس هنا بالضرورة. عاندت، واستمريت أسير حتى احتكت سيارتينا بشدة. فتحت زجاجة سيارتي، بينما ابتعد هو فزعاً ليفسح لي الطريق للمرور، وقد خاف. رأيته يؤشر بيده لي لأتقدم. ثم فتح زجاجة سيارته على نحو يسير وسألني: وش فيك؟. (!!) سألته: وش فيني؟ يعني الناس اللي صافين هذولا كلهم ما ملوا عينك؟. كررت السؤال وهو يتظاهر بأنه لا يسمع، ويدعوني للتقدم بحيادية وخضوع. لما يئست، ختمت بقولي: كل تبن. ومضيت. فقدت أعصابي. احتجت أحد أختيّ: يوه يا سعد!! وكأنما بالغت. لقد حك سيارتي!! وها أنا أتركه يذهب بلا عقاب لضيق الوقت، وهو حتى لم يعتذر




فوجئت أمس (قرب العيد) برسالة من مدرس المحاسبة في الجامعة؛ تدعوني للتواصل معه فيما يخص تقدمي في الماجستير. لا أخفي بأني استغربت كثيراً، كما شعرت بالقلق. لماذا أقلق؟ لأن الأمر لم يبدو طبيعياً، فليس شأنه ما اتفقت عليه مع مدير البرنامج، وهو مدرس وإداري أدنى شأناً. كما قلقت مما قد يجري من دراما، فأنا صدقاً لا أحب الدراما، ولا أرى لها داعياً.
تذكرت رسالة مثل هذه، من مدير منتدى أكاديمي، أو كان مديره وباعه، ومع ذلك ظل يتصرف كالمدير. في ذلك الحين رفضت إرسال رقمي، وسألته أن يقول ما يريد عبر البريد، أو يعطيني رقمه لأتصل. كنت غاضب منهم ومقروف إلى درجة أني لم أرد أن أتبع أي مقترح منهم قبل أن أعدل عليه.
لكن الحال اختلاف، وما كنت أقوم به كان شكل من الدراما دون أن أدري، لا يليق أن أقوم به الآن بعد هذا العمر.
أرسلت للمدرس، أسأله إرسال رقمه لأتصل فيه، أو أن يتصل بي على رقمي الذي زودته به في الرسالة. بالطبع، أعلم بأنه لن يرسل رقمه لأتصل بعدما يحصل على رقمي، لكنه كان طلب من باب التهذيب.

لم يطل الوقت حتى اتصل، لكني لم أجب، إذ كنت أقف أمام الخباز، حيث أني ذهبت بدلاً عن والدي ذلك اليوم. فكرت بأني سأتصل حالما أعود إلى المنزل، بعيداً عن إزعاج الشارع. لكن سرعان ما وصلتني رسالة عبر البريد الالكتروني قبل أن أصل المنزل. يقول في الرسالة بأنه اتصل ولم يحصل على إجابة، ويطلب أن أتصل على رقمه، وكتبه. هل ظن أني لم أجب لأني لم أعرف الرقم؟ تخيل. كم هو عجول.
حالما دخلت المنزل وتركت الخبز في المطبخ صعدت واتصلت. أجاب بصوت يقطر ود ولطف. سألني بقلق لماذا لم آتي إلى الامتحان النهائي؟ سألته إن كان لا يعلم بأني تركت المادة وسأبدأ من التالية؟. قال بأنه لم يصله شيء. أخبرته بأنه استلم رسالة من زميلي تخبره بذلك (زميل جنوبي، يحبون أصلحهم الله إفتعال المواقف غير الضرورية). لم يجدر بي محاصرته هكذا، وصدقاً لم أقصد والله إحراجه، لكني غبي. أجاب بسرعة بأنه استلمها، إنما لم يستلم من الإدارة رسالة رسمية، وبدا أنه محرج قليلاً، أو متوتر. سأل إن كنت قد كتبت خطاب رسمي للإدارة في هذا الشأن؟ أخبرته بأني راسلتهم عبر البريد. فقال بأن هذا جيد، حتى لا أواجه مشاكل حينما أدرس المادة للمرة الثانية. كان يظهر حسن نيته، وقد قدرت هذا كثيراً. ثم قال بوضوح مقصود، وبطريقة من أعد لهذا القول، بأنه يتمنى لي التوفيق في ذلك الحين، مع مدرس أفضل منه، ثم أطلق ضحكته البحوحة المرحة. لم أرد أن أنافقه، فقلت فقط: جزاك الله خير. ماذا بوسعي أن أقول أفضل من هذا؟ بوسعي أن أواسيه وأدعي أسباب أخرى، لكن ليس هذا ما يجب القيام به. تمنى لي التوفيق وأغلقنا السماعة.
لم يكن أمر مهم إذاً. كان يريد ربما أن يظهر حسن نواياه فقط، أو أن يلقي بتلك العبارة االأخيرة، حول جودته كمدرس. أفهم إظهار حسن النوايا، لكن لماذا قال العبارة الأخيرة؟ هل هو مجروح لحذفي للمادة؟ لكن طالبين أو ثلاثة تخلوا قبلي عن المادة. كما أني لم أحاول أن أفتعل أي شيء أمامه فيما يخص الأمر، ولم أحتج عليه لا كشخص ولا كمعلم بقدر ما احتجيت على نوعية المنهج والمدة الممنوحة للناس وليس أمامه حتى، إنما اتخذت الدرب الرسمي، بطريقة رسمية. لم أحاول إستفزازه بأي شكل على الإطلاق، حيث لم يغب عن بالي أني إنما جئت للتعلم، لا لتكوين الصداقات أو العداوات، ولا لتضييع الوقت على المواقف الجانبية، كما لم أنسى أني أتخصص في إدارة الأعمال، لا في الدراما المسرحية.
ورغم أني غير مجروح بأي شكل، إنما خائب الظن من التجربة، أعتقد أنه كان يجدر بي أنا أن أكون الطرف المجروح، إن كان يحق لأي أحد أن يكون الضحية. فأنا من أُهملت، وأنا من أوحي لي بقصد أن المكان ليس لي دوناً عن غيري، وأنا من قيل لي بلا سبب ولا مبرر عن قصة الكيمستري المفقود.

كان الدكتور الألماني غاضباً، ويشعر بالمرارة حينما أخبرته عن الأحداث الغريبة التي مررت بها، وكان ينعتهم بالغباء. كان أكثر ما فاجئه شخصنة التجربة إلى هذا الحد مع هذا المدرس. أخبرته بأن لا يغضب، فالأمر كان ميؤس منه منذ البداية، وأني سأرى فرصتي مرة أخرى (إن شاء الله). لم يخفف هذا من ندمه، إذ كان يلوم نفسه أيضاً، لأنه لم يفطن لتدريسي وتبسيط الأمور لي، كما قلت سابقاً. أخبرته بأن هذا حتى لم يكن ليجدي، فأنا أصلاً بطيء التعلم، والوقت لم يكن يسمح، كما أنه مشغول جداً. حاول خلال جلستنا أن يشرح لي المادة بطريقته، بالإستعاضة بأمور حياتية تهمني، بدلاً عن اللغة الرسمية والجافة للمادة. شعرت أني استوعبت الفكرة.

إذاً، لماذا دائما تستمر معي الدراما أطول من العادة؟ رغم سلبيتي فيها؟. كان صديق لي في زمن غابر يقول بأنه يتمنى لو كان في مكاني، مع كل هذه الأحداث والأوادم الغرباء في طريقي. أما آخر فكان يقول بأن مجرد وجودي معه يأتي بأشياء غير متوقعة خلال ذلك الوقت. أما ثالث، فكان يكتفي بالضحك، وقول: حياتك غريبة.
لكني أعتقد أنها تجري لكل أحد. ربما أنا أجيد عرضها فقط.





كما توقعت، رفضت أمي هديتي، العقد الجميل، لأنها غريبة وثقيلة.
وليس كما توقعت، لم أستطع إقناعها بلبسها ولو لمرة واحدة. 
شعرت بالاكتئاب، لكنه بالواقع كان ممزوجاً بنوع من السعادة والرضا. لست أخفيكم أن أمي كثيراً ما "تكسحني" (تكسح= تكسف لدى المصريين، ترفض على نحو غير متوقع ومحرج). لكني أشعر بالرضا لأني الوحيد الذي تتجرأ على رد طلباته وتوبيخه دون الخوف من جرحه، أو خسارة حبه، ولو للحظة. لهذا تكون واضحة وغير مجاملة كثيراً من هذه النواحي، لأنها تعلم أن حبي لها لا نهائي وبلا شروط، وأنه لن يتوقف، وأني لن أجرح مشاعرها بالمقابل أو اؤذيها لأرغمها على شيء، لأشعر أنا بالرضا. في حين تقبل وتجامل إخواني الآخرين كثيراً، حتى لو لم ترغب بما يأتون به، حينما يأتون بشيء، أو يعرضون شيئاً، لأنهم مختلفين. أشعر بقوة بأنه لو أحدهم أعطاها هذا العقد، لما رفضت، وهذا يشعرني بالسعادة، أني متوصل إلى حقيقة غير مفهومة للآخرين، أو أبعد من مستوى إدراكهم، أني أحضى بهذه المعاملة القلبية.

أعتقد أن العقد سيئول إلى إحدى أخواتي.



أتسائل إن كان مديري قد تذكر أن يسقي نبتتي مرة أخرى؟ أخشى أن تموت.

لا، لم يقصر هو وزميل آخر، جزاهم الله خيراً. فوجئت بناصر (النبتة) وقد نبت شعره على أفضل نحو.








حقيقة مرة، حتمية، يجب أن أواجهها لمرات يعلم الله وحده كم ستكون. إني لن أرى أناس غالين على قلبي مرة أخرى، وعددهم يزداد، أحياناً على حين غره. 
فكرت بهذا حينما علمت بأن صديقي الصيني الدكتور غادر السعودية، ولن يعود على الأغلب، بلا وداع حقيقي أو توضيح، فقط هدية مترفة في آخر مرة رأيته فيها. مر وقت الآن على مغادرته، وقت طويل. ولم أعلم إلا بعد ذهابه بفترة طويلة أنه لن يعود، عن طريق الصديق الصيني الآخر. لماذا لم يخبرني؟ لا أدري، فقط أتذكر نظرته حينما وقف يشيعني بنظرته، وقبل ذلك لطفه البالغ معي قبل أن أركب السيارة مغادراً، مديحه، تقديره ومحبته.
هؤلاء الناس الغرباء، الذين لم أرهم كثيراً بالمقارنة، قدروني كثيراً وقدرتهم، أكثر ممن أراهم كل يوم. أحببتهم من قلبي.
ما باليد حيلة.
حينما راسلته مستفسراً، فهمت أن نيته كانت هكذا مسبقاً، فهمت دون أن يقولها صراحة، أنه لم ينوي أن يودعني. ودعني بقلبه فقط، اعلم هذا، لم أنسى نظرته. إن الصداقة الحقيقية صداقة القلوب.
حكى لي أنه قص لأهله وأصدقائه عني، وأنه يعتبرني أفضل أصدقائه. قال بأنه بالنسبة للصينيين، أفضل الأصدقاء هم أصدقاء لبقية العمر. وقال بأنه يرى بأن السعودية تمتلئ أملاً مما يراه من أسلوب حياتي ومواقفي، لأنهم في الصين يقولون لترى مستقبل بلد انظر إلى شبابه. أخبرته بأني محظوظ بصداقته، وغير قادر على وصف شعوري ورؤيتي له.


الدكتور التركي، الذي حكيت عنه قبل زمن طويل، وجذبت قصة دعوته لي للإفطار مع عائلته اهتمام بعض قراء المدونة، هو الآخر سيرحل. رحل قبل فترة، ولم أتوقع أن يعود، لكنه عاد فجئة، قال بأنه سيسوي بعض الأمور، خصوصاً أمر كفالتي له، ولم يكن يحتاج القيام بهذا، لكنه خاف أن أتورط لأنه لا يدري.
قال معتذراً بأنه كان ينوي أن يحضر لي حلوى من اسطنبول، ولكن رحيله منها جاء فجئة. أخبرته بأنه لا يحتاج أن يحضر شيئاً، فهو حلواي. ضحك واحتضنني. لكني لا أدري، هل سيغادر هو الآخر بلا وداع؟.








صرت الآن أستخدم مودم الكونيكت حينما أكون خارج المنزل. اكتشفت مؤخراً بأني أواجه مشكلة في التنسيق بين النصوص التي أكتبها بدون انترنت والمخزنة على الانترنت. حيث تبقى النصوص التي أكتبها بدون اتصال على جهاز النتبوك، الذي آخذه إلى برقركنق. ثم أفاجئ حينما أجد أريد الكتابة في العمل في وقت الفراغ أن النصوص على الشبكة قديمة. بالبداية أردت الاستفادة من شركة موبايلي، واستخراج شريحة أخرى على نفس رقمي، لكني وجدتهم لا يوفرونها إلا في الفروع الكبرى، وغالباً ما تكون شديدة الازحام، مع اني قررت الانتظار مرة، لأفاجئ بالموظف يخبرني بأن النظام متعطل، دون أن يعلنون بذلك مسبقاً. في الاتصالات يوجد عرض لأصحاب باقات جود، تحصل على شريحة بـ50 ريال شهرياً تضاف إلى الفاتورة، وتعمل بحدود قيقا واحدة في الشهر. أساساً خارج المنزل لا أتصفح، إنما أكتب فقط وربما أطلع على البريد، فهذه أكثر من كافية على ما أعتقد.









لا أحب شرب الشاي أو القهوة في الوضع المعتاد. لا أشرب الشاي طوعاً إلا حينما أكون شديد النعاس وقت العمل، وقد يحصل أن أضطر لذلك كل يوم في الأيام التي لا يكون فيها نومي على ما يرام.  لكن ما أحبه فعلاً هو تجريب المشروبات الاخرى، حتى لو كانت شاي من نوع آخر. لفترة قديمة عشقت الشاي الأخضر، وصرت أشربه وقت الامتحانات، حتى شعرت ذات مرة بألم في كليتيّ، فتركته. لا أمانع أن أشربه الآن، لكني لا أشعر بأنه ضروري. بالنسبة لي، المشروبات تكون أفضل قبل النوم، أو وقت الاحباط أو التوتر لأي سبب. اكتشفت بعض المشروبات التي تساعد في هذه الظروف. هناك مشروب القنسنق، يأتي بظروف صغيرة، وهو ذو طعم غريب، لكني أحبه، ويؤثر كثيراً على أعصابي المشدودة، أحبه قبل النوم خصوصاً، مع العسل الجيد، مثل عسل نكتافلور الأكاسيا. اشتريت البابونج أكثر من مرة في الفترة الفائتة، بعدما علمت عن فوائده للجهاز التنفسي. جربت نوع من ماركة محلية لكن يعبأ بأسبانيا، بصراحة لم يعجبني. جربت نوع أمريكي، يعبأ هناك، وقد كان قوي المفعول. هو أيضاً أجد له تأثير مريح ومرخ للأعصاب. كما أني حينما أعانيا من ضيق التنفس أو الكحة أو الزكام، أجد مفعوله سريع وقوي وممتد إلى درجة أني صرت ألجأ إليه بسرعة. 
بالطبع، لي تجربة مع شاي بالفانيلا، ولم تكن موفقة. كانت رائحته فقط جيدة، لكني لم أشتره لأتعطر به.
أما آخر المشروبات الساخنة التي أحب، فقد اكتشفته مؤخراً وتهت في حبه. هو من شركة أمريكية قديمة اسمها سلستيال، لكنها مؤخراً فقط طرحت منتجاتها هنا، أعتقد عن طريق استيراد التميمي. المشروب يتكون من البابونج، والفانيلا، والعسل، وقشر البرتقال. يأتي على شكل أكياس من أكياس الشاي للكوب الواحد، بدون سلك للتعليق خارج الكوب. له طعم فريد، وأتصور أن للفانيلا دور كبير بجعله مرخي للأعصاب أكثر حتى من البابونج الآخر، الذي يأتي أيضاً بنفس الطريقة.

علب هذه الشركة أنيقة وملونة، وتأتي غالباً برسومات جميلة، بشخصيات حيوانية مع نباتات تمثل أجواء الشاي الخاص من كل نوع. لكن الغريب أن النوع الذي أشتريه يخلو غلافه من هذه الشخصيات الخيالية دوناً عن غيره، كما أن سعره أعلى بكثير.
الآن نحن قرب الشتاء، وفي تغير الاجواء الآن، أنصحكم بتجربته.










أحب أن أشكر أشخاص مميزين، وقلوبهم كبيرة، قد عبروا في التدوينة المؤسفة السابقة عن اهتمامهم وتضامنهم الصادق، تضامنهم الذي مر عبر مخالفتي وجهة النظر، بصدق نواياهم.
أشكر الأخ مورفين، وأخبره بأني قدرت كثيراً اهتمامه، وقدرت وجهة نظره إلى أقصى حد. وأني أريده أن يعلم أن سبب نشر تعليقاته بشكل مختلف هو أن مدونته المميزة جداً حوت صوراً قد لا أحب أن يراها أبناء إخواني الذين قد يعرجون على مدونتي، ومن في عمرهم، والفتيات. هذا هو السبب، ولكني أرى أن مدونته مميزة.
كما أشكر الأخت استثناء، رغم أني توقعت مسبقاً وجهة نظرها، وتوقعت منها هذا النوع من التدخل وصدق النصيحة. هي عند حسن الظن.
أما بلو، فلا شكر لك هذه المرة. قدرت بصدق عاطفتك الجياشة، لكن نصيحتك جائت على جانب من القسوة ومليئة بالولولة. لا زلت أقدر صدق نواياك، وأنتظر نصيحتك حينما أتشاجر مع مغربية أخرى، وسأقدرها على نحو أفضل إن شاء الله.








قبل فترة اشتريت 3 كتب، جلها كانت فاشلة إلى حد بعيد، الله لا يخسر. أحدها كان قصة طفولية سخيفة، توقعتها أعمق. والآخر رواية فرنسية عن شيخ فيتنامي في أمريكا، وقد كانت أفضل الأسوأ، لكنها غريبة أطوار، وثقيلة ظل، لكن نهايتها مفاجئة وجيدة إلى حد ما، وإن لم تشفع لها، كما أن النهاية ليست بمستوى نهاية :رؤى لوكريثيا، التي تحدثت عنها سابقاً هنا. أما الأخرى فكانت رواية لكاتب صيني، يقول الكتاب أنه يعتبر من أعظم رواتهم، لكن لقبحها وافتعالها وسخافتها لم أستطع إكمال نصفها. كنت آمل بتجربة كقراءة كتاب تيان آن مين، أو بلزاك والخياطة الصينية الصغيرة.


اشتريت أمس كتاب مثير للاهتمام. هو لويليم قولندق، مؤلف سيد الذباب، وهي رواية جميلة ومميزة. قرأت قبل فترة ليست بالقصيرة رواية أخرى له، اسمها سقوط حر، لكنها كانت سيئة برأيي. أما كتاب أمس، فقد اشتريته بعدما احترت بشدة، وقضيت وقت طويل في مكتبة الكتاب. وجدته مصادفة، وهو كتاب صغير وعتيق، وأخذته مباشرة. تدور الأحداث في زمن سحيق، حول شخصيات من إنسان النيانديرثال القديم. مثيرة للاهتمام جداً حتى الآن، بغرابة أطوارها وجمال ودقة التوصيف فيها. لكن يجب أن أنهيها أولاً لأحكم.








لدي أفكار لمشاريع جيدة وغير مكلفة على الانترنت. لكن المشكلة تتعلق بالجانب التقني. أحتاج إلى شخص متمكن من التعديل على الأكواد الموجودة بالفعل، فيما سأتولى أنا التسويق والتمويل. كنت أفكر بصديقي سيد، الهندي في الجامعة، فقد كان يريد العمل بمشاريع كهذه، لكن الآن وابنه وزوجته عنده، لا أتصور بأنه يملك الوقت، كما أني لا أعتقد أنه سيأخذ الأمر بجدية معي. مع ذلك، أحتاج إلى شخص من نوعيته، مرن وأمين وسهل التعامل، كما يفتقر إلى معرفة اللغة العربية كي يكون لي دور في الأمر، وأكون ضرورياً. أما لو تعاملت مع سعودي، فأتصور بأنه قد يسرق الأفكار، وربما لن يحتاج إلى تمويلي. أما العرب، فمزاجي لا يحتمل أي دراما أكثر مما لدي. أتذكر مدون سوري، كان يعمل إدارياً في خدمة تدوين سعودية، لسبب ما كان يفتعل دراما عجيبة معي، ولا تمر الأمور برسمية، وكأني لست عميل، إنما درويش. تركتهم قبل وقت طويل جداً. أمر مضحك أن مدونتي كانت تسبب مشاكل تقنية لهم بسبب طول النصوص. الآن تحولوا إلى الوردبرس، ولم أستطع الدخول إلى حسابي القديم، على الأقل لأصل إلى الصور التي أخزنها هناك.







يوجد الكثير للقيام به في الفترة القادمة. مواعيد لم تسوى مع المستشفى، ومواعيد سويت وتنتظر الحظور، وأشياء من هذا القبيل، لكنها أمور أعرفها. إني قلق من إكمال الدراسة في البرنامج بصدق. لا أستطيع التفكير بما سيكون عليه الحال، هل سأكمل أم لا. فكرت بأني لو لم أكمل، فسأحاول تعلم لغة أخرى بجدية، لأستثمر الوقت بشيء. لقد بدأت أخطط لما سأفعل حتى قبل أن أقرر ترك البرنامج، وهذا ما صدمني وأقلقني أكثر.





سعد الحوشان