الأربعاء، 19 ديسمبر 2012

حلم البوهيمي اليائس (أحداث،قصيدة،المعتاد)


بسم الله الرحمن الرحيم







يقال للناس الذين فقدوا غالياً بأن يؤمنوا، ويقال لمن لم يفقدوا بعد بأن يظلوا يتمنون أن لا يعرفوا كم أحبوا، وماذا عنى الآخرين لهم، بأن يصبروا على القسوة والجفاء، دون أن يؤتى على ذكر الإيمان، وكأنما يراد تأجيله لحين الفقد. لأن مقدار الحب، الذي كنا نحسب بأنه موزوناً، يصبح في ظرف معين غير قابل للتحمل، ننهار تحت ثقلة، يسحقنا بتدرج مؤلم، لا يرى هوله غيرنا، وقد نتمنى بأنه لم يكن. 
ليست المحبة سعادة، وليست حتى رضا، وليست حزن بالضرورة، إنها خطب عصي على التعريف.
يخيل لي أحياناً بأن الزمن قد يعكس سيره، فأبتلع ضحكاتي دون أسف، إذ لم تكن كثيرة، وتعود دمعاتي إلى محاجرها، فيشفى غليلي؛ إذ أن ما أبكاني سيعود وكأنما لم يكن بعد قليل، وستجف الوسائد في حجري، ثم أرفع رأسي عنها بعدما كنت أكتم فيها صيحاتي، وكأنما أعيد التفكير، وكأن ما بكيت لأجله قبل قليل، إنما بواقع الأمر لا يستحق، عكس ما هو عليه، في الطرف الآخر من الزمن.





مضى وقت طويل منذ أن نشرت شيئا على المدونة، ربما أطول وقت أهملت فيه النشر، رغم أني لم أتوقف عن الكتابة. ماذا وجدت الآن؟ وجدت الكثير مما يبدو أن صلاحيته انتهت.




أتسائل لماذا تُصعب الأمور على الناس بكل سهولة، وبلا إعادة نظر وتملٍ بالأمر. تفشى الأمر إلى درجة أن الناس لم يعودوا يثقون ببعضهم، ويتخيلون دائما بأن في الأمر اعتباط أوتعسير، حتى حينما تكون النوايا سليمة.
واجهت هذا الموقف كثيراً، سواء أساء الناس بي الظن، أو صعبوا أموري فعلياً. يحدث أن يبدو الأمر وكأن من أمامي يصعب الأمر علي، ويحاول تعجيزي، ولكن أعرف الحقيقة خلف الموقف غالباً، لأني أمر بسوء ظن البعض بي كذلك.






كنا في مقهى أنا والدكتور، نتحدث عن دولة التشيك، حيث سيقام زفاف ابنته في قلعة أثرية يملكها أحد أقربائه. كان ينصحني بزيارة البلد، ويصف الجمال والإرث الغني هناك. تحدثنا عن اقليم بوهيميا. هذا الإقليم شهير تاريخياً، وتنسب له طريقة الحياة البوهيمية التي نقرأ عنها كثيراً في الأدب. قال الدكتور مبتسماً بأني سأشعر بالانتماء في ذلك الإقليم، ذلك أني بوهيمي. ضحكت. قال بأنه يعتقد هذا بالفعل، أن طبيعتي بوهيمية إلى حد بعيد. سألته لماذا؟. قال بأني مختلف عن الناس هنا؛ وهو يستدير مشيراً للناس الغاص بهم المقهى على نحو غير مألوف، مضيفاً؛ حضورك مختلف، شكلك، شَعرك، الأشياء التي تلبس، حقيبتك. ثم عاد ليواجهني وأضاف؛ وشِعرك، وكتاباتك، ورؤيتك للأمور، حزنك الواضح، وتأملك وأفكارك، ربما لو كنت مولوداً في باريس، لكنت تدخن الحشيش (يبدو أن الناس يتطرفون في توجهاتهم في باريس). رفضت الفكرة بذعر، فضحك، وقال بأني أكثر استقامة بالطبع من أكون بوهيمياً بالكامل، لكني بالتأكيد لدي الميل البوهيمي. أتسائل إن كان لحذائي البالي تأثير على الأمر، بفردته اليمنى التي تفغر فماً يتسع كل يوم. 
بشكل ما، بدأت أرى البوهيمية على نحو مختلف. شعرت بأن أهل هذا التوجه الحقيقيون أناس يعانون من وحدة عميقة، لا غور لها.
ربما لم أكن مختلفاً إلى هذا الحد، لكني النموذج الذي اطلع عليه الدكتور كما يحلو له.
البارحة أوصلت الدكتور إلى المطار، ليذهب في إجازة لمدة شهرين، حافلة بالخطط والتنقل. والآن، ماذا بعد؟ أجد بأني لا ألتقي على نحو منتظم سوا الدكتور، لقاؤنا الأسبوعي هو الشيء الوحيد الذي أنتظره، فلا يوجد شيء أو أحد آخر فعلاً. وجود بعض الأصدقاء لا يفيد، بالواقع، لا يوجد أصدقاء حميمون سوى الدكتور الألماني حالياً.







وجدت مقهى كنت أراه ولكني لم أتوقف عنده من قبل. بالواقع، من النادر أن أذهب إلى مقهى لوحدي، وكأنما ما يرغمني على الذهاب إلى مقهى هو وجود شخص معي. على أني أنهيت روايتي وكتبت جزء كبير منها في مقهى جافا تايم. عموما المقهى الذي دخلته مؤخراً له طابع مميز، يحاول أن يظهر بروح شبابية وتقدمية، وجاذبة لمن يتخيلون أنفسهم حيويون ومبدعون، كما أعتقد أن من نفذه يفكر. معظم هذه الفئة هي من المطاوعة وأنصاف المطاوعة على ما أظن. لكنها الفئة التي أفضل وجودها في مقهى عموماً، لأنه لا يحتوي على تلفزيون يعرض قنوات، إنما تلفزيون واحد يعرض فيديو دعائي لمدونة ربما، ولا أحد ينظر إليه. الجدران كلها مشغولة بأشياء متنوعة وألوان فاقعة. مثلاً؛ يوجد جزء من جدار مخصص للتعارف، حيث يعلق الناس براشيم وكروت تعبر عنهم ليتعرفوا على بعضهم. بعض البراشيم تحتوي على رسائل ساذجة فعلاً واستعراضية على نحو يليق بالديكور إلى حد ما. لكن المقهى مريح، وإضاءته جيدة، ويعمل به شاب مطوع ذو لحية كبيرة وابتسامة صادقة، وطفل مليح كذلك، يبدو أنه من أقارب أهل المحل، ويوجد كذلك موظف آخر تبدو عليه العملية والجدية الزائدة، لكنه سيكون أكثر جدارة في معمل كيمياء على ما أظن. عموماً، لم أطلب منهم حتى الآن سوا الشاي الأخضر، وهو الشيء المألوف مع الأسف في المقاهي، من ماركة توينينقز الأقل من عادية. تمنيت لو أن الأصناف كلها تعكس روح المكان المختلفة. ما لم أطلبه لكني تذوقته هو مشروب ليمون ونعناع مثلج، أحضرت الدكتور ليرى المكان بعد رحلة شرائية وتجميعية طويلة قبل سفره، فأعطانا المطوع ذو الابتسامة الصافية كأسين صغيرين من هذا الصنف كعيّنة. أعجب المشروب الدكتور جداً، وبصراحة كان أفضل ما تذوقت من المشروبات المثيلة. اشترى الدكتور لاحقاً كأسين لنا دون أن أعرف (لأني كنت من سيدفع للمشروبات الأولى). أعجب الدكتور كذلك بلطف المطوع وابتسامته الصادقة، قائلاً بأنه سيفتقد مثل هذه الابتسامات حينما يذهب في إجازته. لديهم كذلك كوكيز غير عادية، أعتقد أن سعرها مبالغ به قليلاً على خلاف بعض الأصناف. يخيل إلي بأن العجينة على الأقل منزلية، للكويز نكهة منزلية، أو أنها ناجحة جداً فقط. لكنها ليست أفضل مما تعده لي زوجة أخي، فهي تعد أطعم واكمل كوكيز تذوقتها، حتى أن الناس الذين أعطيهم منها لا يصدقون أنها مصنوعة في المنزل.
حينما تدخل المحل، سترى على الجدار قرب المدخل صور لشباب كثيرون، أعتقد أنهم من أسسوا المقهى. أعتقد أن روح التصاميم الملونة وتشتيت الانتباه الزائد والمبالغات تعكس روح أحدهم على وجه الخصوص، خصوصاً أنه مصمم، وقد كان مدير لمنتدى طلاب الجامعة، وهو إنسان على جانب كبير من السخف وحب الظهور ولفت الانتباه في رأيي.
أعتقد أن للمقهى أنشطة في استضافة المشائخ والمؤثرين على العموم، لكني لا أدري. عموماً هذه الفئة لا أحبها، أقصد من لديهم الوقت للظهور والترزز الزائد منهم.
القائمة مكتوبة بقلم على الجدار، كانت مفاجئة مضحكة في أول مرة. اسم المقهى: أكثر من قهوة. موجود على طريق الملك عبدالعزيز إلى الشمال في اتجاه مستشفى المملكة. تغيير جيد من وقت إلى آخر عن كولا برقر كنق بالنسبة لي.
لكن أليسوا محظوظين؟ ما شاء الله. إنهم يعملون بما يحبون.







يبدو أن التجارب الكثيرة جعلت من تقييمي لعلاقاتي منطقياً، ربما أكثر من اللازم، ربما منطقي على نحو متشنج؛ نعم، أعتقد بأن العلاقات باتت بالنسبة لي علم منطقي كالرياضيات. أرجو أن أكون ذو أداء جيد، مهما كانت الفكرة نظرياً مؤسفة، أرجو أن أكون على الأقل أفضل مما كنت عليه في الرياضيات بلا مساعدة.
لهذا، أشعر بالألم على ما سببته لزميل من سوء فهم وحيرة، رغم أنه يظل الأكثر معزة في قلبي تقريباً في المكان.
موقف مشابه كنت قد اتخذته ضد زميلي الملتزم الكبير، لكن، وكأني أستحق للأسف، ثابر على نحو غير مبرر لاستعادة صداقتي، واستعادها.
لكن هذا أمر مختلف.






مولاي فهودي، أمير مغربي وصديق قديم:







أكذب، هذا ابن اختي، أسعد فضة حقي، وقد كبر قليلاً.


هذه معدلة ببرنامج سنابسيد على الجوال، اشترته قوقل مؤخراً. من المفترض انه منافس لانستاقرام، وأنا بالواقع لم أجرب الآخر، لكن سنابسيد رائع إلى أقصى حد.




هذا آخر إضافة للعائلة:




 ابن أخي في أمريكا، أتمنى لو ربيته عندي بالمنزل.









أحب حجمه المدمج، وتعجبني تسريحته، إن جاز القول.

للأسف، كل ابناء أخي هذا لم أرهم قبل أن يبلغوا من العمر عتيا (سنتين تقريباً)، مما يفوت علي الكثير من الذكريات الحلوة. يقال لي دائماً وباستمرار بأن أتزوج وأنجب لنفسي أطفالاً، لكني أشك بأن أطفالي سيكونون أجمل من بعض أبناء إخواني. أخي، والد هذا الصبي، لئيم، يرسل إلي باستمرار صور وفيديوهات وهو يقبل الصبي هذا ويلعب به وكأنه دمية، حتى يتأكد بأني أشعر بالقهر.
أسموه إبراهيم، على والد زوجة أخي. للأسف، لم أسمع منذ فترة طويلة أي اسم يعجبني لأطفال العائلة. بالواقع، أعتقد أن آخر اسم أعجبني هو ليلى، وهي فتاة بالجامعة الآن، بالإضافة إلى نورة طبعاً، الذي تكرر كثيراً، وهو اسم غالٍ جداً، إذ أنه اسم والدتي.








قبل فترة، أخبرني الدكتور الألماني فجأة قبل سفره بأن الماء الذي أعطيته إليه رائع جداً. لم أفهم، لم أعطه ماء ليجربه منذ شهرين أو ثلاثة، وكان قد أخبرني بأنه ليس جيد جداً. كنت قد أعطيته قارورة فوبان. لما أخبرته بهذا قال بأنه اختلط عليه الأمر، وشرب من قارورة مياه عادية في ذلك الوقت، واكتشف قبل يوم بأن المياه التي أعطيته إياها تقبع في الثلاجة فشربها، ووجدها رائعة. بالواقع، أراحني أنها أعجبته. مياه فوبان من حيث الطعم هي أقرب مياه شربتها إلى ماء زمزم. كم أتمنى لو مدوا ليّ من بئر زمزم إلى بيتنا.








منذ حوالي سنة، وأنا أتردد بجهاز كمبيوتر محمول اشتريته لأختي، ولم تتمكن من استخدامه ولو لمرة، لأنه فاسد. اشتريته من اكسترا، وهو من ماركة سامسونق، أما ضمانه فعلى شركة بدل. أرسلوه في اكسترا في كل مرة أحضرته إليهم، ويعود بنفس العلة. بل إنه عاد ذات مرة وقد تم مسح الويندوز الأصلي منه، وتثبيت آخر منسوخ!. كدت أجن. كان عذاب نفسي. وكنت خجل من أختي. كنت أريد جهاز من ماركة أخرى، لينوفو بالواقع، لكن إصرارها على حد سعري معين أوقعنا بالورطة مع سامسونق. لا أظن أن كل أجهزة سامسونق أو حاسباتها على الأصح سيئة بالضرورة، حيث سمعت من يمدحها. بالنهاية، نصحني موظف اكسترا بأخذه بنفسي إلى بدل. وهناك، حدث نفس الشيء، أعيد لي الجهاز بنفس المشكلة في كرت الشاشة. وفي المرة الأخيرة، بقي الجهاز لديهم لأكثر من شهر، وهذا المعدل عموماً بالنسبة إليهم، وحينما حضرت، رفض الموظف إعطائي الجهاز، لأن الإيصال ليس معي، رغم أنهم أرسلوا إلي لأحضر للاستلام على جوالي الذي معي بحيث يمكنهم التأكد، فضلاً عن رقم الإيصال الذي في نفس الرسالة. قرر الموظف عقابي، وقال بأن علي أن أحضر غداً، ما الفرق؟ لا فرق، فقط لأن الإيصال ليس معي. خرجت، ولكني عدت وطلبت المدير. جلست أنتظر، "فرقَّ" قلب الموظف نفسه لي، وقرر إعطائي الجهاز بعد تصوير بطاقة هويتي وتوقيعي على نموذج جاهز، وهو الأمر الذي كان سيجعلني أفعله في اليوم التالي، أي أنه كان يريدني أن أذهب وأعود فقط حتى أتعلم الدرس. وصلتني رسالة منهم على البريد الالكتروني تطلب تقييمهم في استبيان، وكانت لسخافتهم باللغة الانقليزية. اخترت الإجابات وكتبت ما شاء الله. ثم وصلني اتصال منهم، يشبه العتب، يتساءل عن سبب تقييمي لهم هكذا. أخبرته بالقصة، وأخبرني باصرار بأني على حق لأن الزبون دائما على حق (أي بخلاف هذا، فأنا لست على حق!). قال بأن المدير العام قرأ التقييم، وأراد أن يعرف أكثر. بدا لي بأن الموظف الذي اتصل بي، وهو مصري، قد اتصل وهو كاره أو غاضب مني لغضب المدير عليهم إن كان صادقاً. وعدني بالمتابعة وأنه سيتصل مرة أخرى قريباً، وهذا ما لم يحدث.


فسد جهازي المنزلي منذ فترة، وقد كان يعمل بصعوبة منذ زمن طويل. وقد عاش حياة طويلة بالواقع، حوالي ثماني سنوات، لذا أشعر بالامتنان. هو من نوع ديل، كنت قد اشتريته لصالح أختي، ومنحتني إياه (أخواتي يفعلن هذا كثيراً معي).
بحثت عن جهاز جيد بسعر معقول، لم أرد شيء مرتفع السعر لأجل أنشطة بسيطة أقوم بها. في جرير أخبروني بأنهم يضمنون الأجهزة بأنفسهم، لكني لم أشعر بالاطمئنان. ذهبت إلى سوني، حيث أن صيانة أجهزتهم يقومون بها بأنفسهم. بالعادة، لا أحبهم لسبب وحيد؛ مبالغتهم الشديدة بالسعر. لكني بعد تجربة بدل المريرة، صار يهمني كثيراً من سيقوم بالصيانة. وجدت لديهم جهاز محمول كبير، وهذا ما أريده للمنزل، لمشاهدة الأفلام. بـ٢٥٠٠ ريال، وهو سعر يمكنني شراء جهاز من شركة أخرى بمواصفات أفضل، لكن خلافاً للصيانة، أغراني بشدة كون ضمانه يمتد إلى ثلاث سنوات، بخلاف حجمه الكبير الملائم للأفلام. اشتريت الجهاز، وأعطوني معه حقيبة، لا أعتقد اني سأستفيد منها نظراً إلى أني لن أحمل جهاز بهذا الحجم والوزن خارج المنزل. وجدت الجهاز جيداً، وأكثر من كاف لشئوني، من تصفح للانترنت واستخدام تطبيقاتها، وشاشته الجيدة، وزر المساعدة المخصص، وهو ما كان يميز لينوفو بنظري، وغير ذلك. نصيحتي؟ اشتروا ما شئتم، لكن قبل الشراء تأكدوا أن بدل ليست من يقدم الصيانة لأجهزتكم، اسألوا قبل الشراء وتفادوا ما مررت به.







مر الأمر على ما يرام ولله الحمد، وتمت الموافقة على تحمل تكاليف علاج والدتي في مدينة الأمير سلطان الإنسانية (إنسانية=/=مجاناً). ذهبنا قبل أشهر إلى المدينة في موعد مدفوع لنرى الطبيبة. وكانت طبيبة يونانية. أخبرتها بأن كل ما نريده هو تقوية جسم والدتي وتحسين صحتها حتى نتمكن من إجراء عملية في مكان آخر، وزودتها برسالة توضيحية من طبيب والدتي الألماني في عنيزة. اقتنعت الطبيبة، وقالت بأنها ستضع لوالدتي برنامجاً، لكننا يجب أن نذهب بعده مباشرة لنقوم بالعملية بلا تأخير، وأكدّت على الأمر، المضحك هو أنه وبينما أنا والطبيبة والمترجمة تنتاقش، كانت والدتي مشغولة بالتسبيح وذكر الله كالعادة، رفعت اصبعها متشهدة، فاسكتتنا الطبيبة، وهي تسأل والدتي عما تريد قوله، إذ ظنت أنها تذكرت شيئا فجأة.

أخبروني الموظفين كيف أتقدم بطلب تحمل الحكومة لتكلفة الجلسات، وهي مكلفة حقاً. قام أخي مشكوراً بمتابعة الأمر بعدما زودته بالأوراق والتقارير المطلوبة. وقيل لنا أن الموافقة تمت، لكن كان هناك طريق طويل نسبياً من الإجراءات. وصلت الموافقة في رمضان. وحينما تواصلت مع المدينة، نصحني موظف بالتريث حتى انتهاء الشهر، حتى لا ينقطع العلاج في أيام العيد والإجازة اللاحقة، فضلاً عن تفادي الإرهاق.الآن، بدأنا البرنامج قبل يومين أو ثلاثة. لحسن الحظ، لم يكن لدى مديري خلاف تجاه الأمر. لم أكن لأشك بأنه قد يرفض قبل بضعة أشهر.
إني سعيد بهذا التطور، لأنه يعني أننا اقتربنا من حل مشكلة من مشاكل والدتي الصحية. سأتواصل مع طبيب والدتي لأخبره بالموعد، وكنت قد تواصلت معه مسبقاً وتحدثنا بالأمر.






قبل فترة، ناداني أحد الزملاء لأساعد وكيل جديد لعمادتنا حيث أعمل، أراد أن يستخرج بطاقة عمل واحتاج مساعدة في الشق الانقليزي منها. كان الدكتور هذا مفرط الحماس، وبدا لي أنه لم يتعلم بعد من أقرانه الغرور والنظرة الفوقية. ربما تعلم هذا تجاه الطلاب، لكن ليس تجاه الموظفين بعد. لكنها مسألة وقت.

ما استغربته كان سؤال طرحه علي، بعدما سألني إن كنت قد درست الترجمة؛ سألني وأنا أكتب ما يحتاج إلى كتابته في البطاقة، هل لغتي الانقليزية جيدة؟. بقدر ما قد يبدو السؤال مشروعاً لشخص يعرف مستوى مخرجات الجامعة جيداً، إلا أني لا أفترض هذا بالرجل، أفترض أن سؤاله كان بريئاً، إن جاز القول، وهذا وجه الغرابة. أجبت وأنا أكمل ما بيدي بأني أتمنى ذلك. أتصور بأنه يصعب طرح مثل هذه الأسئلة عموماً على شخص مختص فيما يقوم به. قد لا يكون جيداً، لكن، ماذا تتوقع أن تسمع؟. إني لا أدري صدقاً ماذا توقع أن يسمع، لكني أتمنى، كذلك، أن إجابتي كانت مقنعة.







غداً، سأعود إلى مدينة سلطان الإنسانية مع والدتي، سيكون هذا شأننا لثلاثة أيام في الأسبوع. هذا أمر جيد، ليس مثل أيام عنيزة، لكن أفضل من المعتاد أيضاً.
كنت قد توجست من تغير أخصائية العلاج الطبيعي الفلبينية التي تحبها والدتي للطفها وأمانتها في العمل، بأخرى عربية. ذلك أني شعرت حينما جائت لمحادثتي بشأن إعادة ترتيب المواعيد بأنها صارمة، وغير ودودة أو متفهمة. عرفت أنها فلسطينية من موظفة الاستقبال، حيث صححت لي حينما قلت لبنانية أو سورية. هي فتاة حسناء. في أسبوعنا الأول معها قالت والدتي بأنها لطيفة ومهذبة، بعدما سألتها بعد انتهاء العلاج في أول يوم من الأسبوع، إذ كنت قلقاً، خفت أن لا تراعي شعور والدتي. تبين لاحقاً، بدءاً من الموعد التالي، بأنها بالواقع لطيفة جداً، وقد أحبتها والدتي. عرفت أنها ظلت تحكي على والدتي حلال التمارين وتسري عنها. وقد خرجت والدتي منتعشة إلى حد ما على خلاف العادة من ذلك الموعد. شعرت بالأسف لأني لم أنتظر قبل أن أقلق، لم يكن الانطباع الأولي صادقاً، على الأقل من ناحية رحابة النفس. قالت والدتي بأن من ضمن ما حكت عنه هو عاداتهم وطرقهم في الحياة، وخلصت والدتي بأنهم مثلنا، بلا فرق يذكر. يبدو كذلك أن الفتاة قد حللت شخصية والدتي باهتمام، وخلصت إلى أن والدتي مثل خالتها من حيث الطبيعة المسالمة.

لكن، يبدو أنها ليست مثل الفلبينية الغريبة. الفلبينية أخبرت والدتي بأنها تحب التمر "البسر" بينما يحب والدها بالفلبين السكري الناضج. كان أمر مضحك أنها تعرف هذا القدر عن التمر، واصفة البسر بأنه الذي يقول: "خشخش" حينما يمضغ. أخذت لها والدتي بضعة صناديق متنوعة جعلتني أحملها للموعد، قبل أن تسافر الأخصائية في إجازتها، حتى تأخذ بعضه لوالدها.

كانت الفلبينية بشكل عام لطيفة جداً ومرحة، وصاحبة نكتة. الأخصائية الفلسطينية لطيفة بنفس القدر، لكن بطريقة مختلفة، لكنها بصراحة ليست بنفس المهنية، فهي على جانب كبير من الإهمال والتسيب، مما جعل والدتي تكره الذهاب في الأيام الأخيرة. لكن، هي عربية في النهاية.







تعاني منذ فترة امرأة باكستانية متعاقدة مع الجامعة في بعض إجراءاتها. حيث كلما قامت بما يطلب منها في سبيل أمر تسعى إليه، ظهرت مطالب جديدة. المشكلة هي أني أنا من يتواصل معها بحكم اللغة، وغالباً أخباري مزعجة، وغير منطقية. وحينما لا تسير الأمور كما خُطط لها، أو حينما يقوم شخص آخر بخطأ في الإجراءات، أشعر بأني أنا من قام بهذا الخطأ، لأني علي أن أخبرها به. أصابني الأمر بإحراج وإحباط لا حد له. ولكن هذه ليست المرة الأولى، أو حتى العاشرة.

إن مثل هذا الموقف، حيث أجد نفسي، من أسباب سأمي من عملي، لأن الكثير من الناس يجعلونني أوصل أخبار سيئة دوماً، ويجعلونني أشعر بالأسف دون أن يكون لدي حيلة، ودون أن أرى تعاطفاً كافياً منهم مع الآخرين.

إنه لأمر مخز، تعطيل مصالحهم الضعفاء، وتصعيب الأمور عليهم. وبما أن لا أحد يتضرر سوا الضعفاء وذوو الحاجة، لا أحد يأبه. بالواقع، قد يوهمك البعض بأنه يحاول المساعدة، وأنه يقف بصف صاحب الحاجة المشروعة، لكن حينما يتضح بأن في الأمر فرج، تجده يشعر بالضيق، ويكشف عن وجهه الحقيقي بمحاولات حثيثة لتعقيد الموقف. مثلاً، قد يقول في البداية بأنه يمكنه حتى دعم الموقف بورقة منه وكلام فارغ لن يقوم به، لكن حينما يرى بأن هناك فرصة لحل المسألة وانقضاء الحاجة؛ فسيطلب إضافة تفاصيل إلى المستندات يعلم بأنها غير مطلوبة، ولا فائدة منها، ولم تتم إضافتها في أي حالة سابقة، ودون أن يجد مبرر واقعي لطلبه السخيف، وذلك على أمل أن لا تسير الأمور على ما يرام، ربما انتصار لشخص آخر لا يريد أن يعمل، أو لا يريد أن يحصل الناس على ما يستحقون، لأنه لا يبالي فقط.
مثل هؤلاء الناس، أتخيلهم برفقة عوائلهم وأبنائهم، وأمورهم ميسرة، ويعرفون من أين تؤكل الكتف، إذ عند الحاجة يجدون أمثالهم على استعداد لمساعدتهم بالوساطات، أناس وصوليون إلى أقصى حد، لا يريدون الشعور بمعاناة غيرهم. لكن ما يجعلني أتخيل أبنائهم وعوائلهم هو أن المرأة الباكستانية الأكاديمية تحاول إحضار ابنتها ذات الإعاقة الذهنية لتعتني بها، وهي لا تعيش وحيدة هنا، إنما لديها محرم يعينها. هم لا يبالون، ويتكلم أحدهم عن محاولات المرأة الحثيثة لإحضار ابنتها بأنها شر، ولا يفكر بموقفه، على نحو يثير الذهول، وهو يختار ما يصم الناس به.






قبل فترة قصيرة، وجدت أحدهم يستوقفني في وكالة السيارة، حيث كنت أشتري غطاء للمحرك. لم أتعرف إليه في البداية. لكن بعد بعض التذكير عرفته جيداً. كان طالب لغة يابانية ازداد وزنه فقط. عرفت أنه لتوه توظف، بينما كان قد تخرج قبل فترة طويلة. لكن، هذا أمر وارد جداً بالنسبة لخريجي هذه اللغة مع الأسف. حيث كنت قد قابلت زميلاً له وقد جائني مسلماً. لست أعرف أسمائهم، لكننا تحدثنا من قبل بضع مرات، بعدما التقينا مصادفة في مكان عام، حيث كنت مع صديق لي في ذلك الحين وكانوا هم مجموعة كبيرة.
هالني انعدام معرفة الشاب المسكين بأنظمة العمل وما يجب عليه توقعه. لكنه توظف منذ وقت قريب، وربما ليس لديه من أقاربه موظفين حكوميين. كان لطيفاً كما كان، لكن على نفس الدرجة من الغرابة كذلك.
من يتخيل؟ كانت اللغة اليابانية إحدى خياراتي. في مقابلة مشئومة مع وكيل الكلية آنذاك قبل انتقالي إلى كلية اللغات والترجمة، سألني إن لم أنجح باللغة الانقليزية ماذا سأفعل؟ قلت بأني سأنتقل إلى لغة أخرى. تصرف وكأن الإجابة ساذجة، كان من السطحية بحيث انتظر مني أن أكذب لأسمعه ما يحب، أياً كان.
في مرحلة أخرى، فكرت جدياً بالانتقال إلى اللغة الألمانية، وربما كان لتعقيد نفس الوكيل  القاسي واللئيم هذا دور في الأمر، طبعاً إلى جانب زملائه. فكرت كذلك بترك الكلية ككل في مرحلة ما، ولذلك الوكيل كذلك دور في هذا، قبل أن أتوصل إلى أن المسألة مسألة التزام فيما اخترت.

الآن؟ أفكر بأني ما كان علي أن أدخل الكلية. إني ممتن جداً لمعرفتي النسبية للغة الانقليزية، لقد فتحت لي مجالات ضخمة من حيث الإطلاع على أقل تقدير. لكن، أعتقد أن دخول تخصص آخر وتعلم اللغة على نحو مواز كان ليمنحني بعض الأمان ويفتح خيارات حياتية أوسع. ربما لهذا حاولت أن أدرس في تلك الجامعة الأهلية، حيث لم أوفق للاستمرار منذ البداية، كما قصيت في تدوينات قديمة.
لكن، هل كنت سأتعلم اللغة لو كنت في تخصص آخر في الجامعة؟ هل سأستفيد منها في حياتي كما أستفيد الآن؟ أفكر كثيراً بالصداقات التي أتيح لي أن أحظى بها.الخيرة فيما اختاره الله.








هذا نوع من الملح لم أره من قبل. أخبرني الدكتور بأنه الأفضل والأصح في العالم، وهو لا يأتي سوا من جبال الهيمالايا، وله لون وردي على نحو طبيعي، بلا أي معالجة.


وجوده بالطعام يعطي نكهة خفيفة ومحسِّنة، وهو لا يظهر كطعم شديد الاستقلال والقوة كالملح الذي أعرف، إنما يبدو أشبه بلمسة.








أحياناً أفكر إن كنت سأحظى في حياتي ببيت أحبه، لا بيت كبيتنا، الذي أتمنى لو كان يفهم لأبصق عليه. الحمد لله على كل حال. في بيتنا السابق، الذي انتقلنا إليه وأنا ابن ثلاث سنوات، كنت أكره كآبته، والحي الممل الذي كنا فيه، وأمور لا تعدو أن تكون مادية، مثل قبحه وكركبته. لكن في هذا البيت الذي جئناه وقد تجاوزت العشرين، لا أعتقد بأني حظيت بفترة راحة منذ أن جئنا إليه. كلنا لم نرتح، وكلنا انقلب حالنا فيه على نحو يستعصي على الفهم. الحي أفضل من الحي السابق، الجيران رائعون وأفضل كذلك، رغم هذا، يبدو أن العلة في المنزل نفسه. إني أحلم دائماً بمغادرته، بأخف حمل، يكفيني الخروج بأمي فقط.
لكن هذه الأفكار لا تنتهي غالباً بحل إيجابي، إنما تنتهي بالتعايش والقناعة. حيث أتذكر بأني كرهت اسمي كثيراً في وقت من الأوقات، وحاولت باستماتة حمل والدي على تغييره. هو أسماني على عمي رحمه الله، وهو ابن عم والدي وكبير العائلة في وقت من الأوقات، وهو يوصف بالكرم والحكمة والروية، وبخلاف الكرم، لا أعتقد أن الصفات الأخرى شائعة في عائلتنا الممتدة، ألحظها على أفراد قليلون جداً.

لا أعتقد أني مثله، أتمنى لو كنت كذلك. في النهاية فكرت بأن المرء هو من "يحلّي" اسمه.








قبل قليل كنت في المقهى الذي تحدثت عنه في الأعلى. لما كانت الكوكيز محترقة على ما يبدو، اقترح الشاب الملتزم اللطيف علي تجربة شوكولاتة منزلية تصنعها فتاة، وأخبرني بأن للشوكولاتة هذه شعبية جارفة، وصار بعض الناس يأخذ منها كمية للمنزل.
كان شكلها أنيقاً، وإن نقصها الابتكار. أما الطعم، فلم يكن مميزاً حقاً. وجدته بدائي إلى حد ما، أو مفتعل كشأن الكثير من الحلويات المنزلية، التي تخلط حلويات موجودة بالسوق بدون ابتكار حقيقي أو إضافة ذكية. أعتقد أن الحشوة كانت الحلوى التي نسميها: حلاو بقر، مطحونة مع جوز الهند. وغطت أقراص من العجينة بشوكولاتة سائحة لتغلفها. كان الطعم سكري أكثر من اللازم، ولم يكن هناك نكهة مميزة حقاً. سألت الرجل إن كانوا على اتصال بهذه الفتاة، فقال نعم. أخبرته بملاحظتي، واقترحت أن تضيف شيئاً، مسحة ليمون ربما. لكنه قال بأن الحلوى شعبية جداً والكثيرون معجبون بها. يبدو أن ملاحظتي لن تصل.
عموماً، كف المطوع صاحب المقهى عن العمل به، وأحضر عمالة أجنبية، انتقالاً للمرحلة التالية كما عبر. أمر مؤسف.
قبل فترة، فوجئت بالمطوع الطيب هذا يسألني عن حال والدي وكأنه يعرفه. شعرت بصدمة وأنا أفكر بوالدي، الذي أصيب بالخرف منذ فترة ليست بالقصيرة. أوضح بأنه يعني الرجل الذي حضر معي ذات مرة. شعرت بتوتر، وأخبرته بهدوء بأن ذاك كان أخي الكبير. اعتذر بإحراج، وارسل سلامه إليه.
لم أكف عن التفكير بالموقف، بألم. إن أخي ليس كبير إلى هذا الحد، لكني أشعر بأنه في السنوات الأخيرة، مع تراكم الهموم والمهام، صار يبدو أكبر مما هو عليه، وقد آلمتني الملاحظة غير المقصودة من الرجل هذا، لأن أخي يستحق حياة أفضل وأريح. ألم يكن كافياً التعامل الأخوي والمرِح الذي ظهرنا به.







في منتصف رمضان الفائت، قررت الاستغناء نهائياً عن خدمة الاتصالات السعودية، بعدما تعطلت الانترنت والهاتف لأكثر من شهر دون مساعدة منهم. كان إلغاء الخدمة متعباً كأي شأن لهذه الشركة العقيمة علاقة به.
اتجهت للاتصالات المتكاملة، وهي شركة تقدم الانترنت عبر تقنية الوايماكس. كنت قد رتبت لتركيبها في منزل أختي، وهي تعمل هناك على ما يرام. لكن يبدو أن بيتنا غير مغطى جيداً. كما أزعجني أن عند كل عطل يجب أن أدخل الفنيين إلى عمق المنزل وحتى إلى السطح. كان الموظفين مهتمين بالمساعدة دائماً، إلى أقصى حد. لكن لم تكن الانترنت جيدة بما يكفي في بيتنا، وكانت الاعطال مزعجة جداً. كنت قد ذهبت إلى زين قبل أن اشتري خدمتهم، وهناك أراني الموظف خريطة لتغطيتهم لحينا؛ كان يبدو بأن التغطيه تقف على حدود بيتنا ولا تغطيه على نحو مثير للسخرية. قال الموظف بأنهم يجددون الخريطة كل شهر لأن التغطية تتوسع، وهي تغطية الجيل الرابع، حيث أنها تقنية قوية وسريعة، وقال بأنها لو لم تعمل في منزلنا، فيمكنني استخدام الجيل الثالث حتى تتم تغطيته!، وكان هذا حل غير مقبول. مع ذلك، بعد مشاكل خدمة الاتصالات المتكاملة، دخلت إلى موقع زين لاحقاً، وبحثت عن منزلنا في خريطة التغطية، وأتضح أنه مغطى. ذهبت إليهم، وكانت هناك خارطة جديدة فعلاً، بتغطية رائعة وكاملة لناحيتنا. اشتريت المودم الموزع، واشتركت لديهم. الانترنت في خدمتهم أعجبني جداً بصراحة، إنه مذهل وأفضل ما جربت، ربما لكون بيتنا مغطى جيداً دور كبير. أنتظر الاتصالات المتكاملة لتأتي وتأخذ أجهزتها من البيت، مع أني أعتقد كذلك أنهم يجب أن يعيدوا بعض ما دفعت، لأنهم أخذوا رسوم التأسيس في رمضان، حيث كان لديهم عرض بعدم أخذها كما علمت لاحقاً.
الجميل في زين وخلافها من الخدمات المثيلة، مثل قو، التي تتعلق بجهاز واحد، أنه في حال العطل يمكن أخذ الجهاز إلى الشركة. كم أكره دخول الفنيين إلى المنزل.
ربما السيء في زين، أنه رغم عرضهم، لا زلت أعتقد بأن الخدمة مكلفة. المودم بعد العرض بحوالي السبع مئة مع اشتراك شهر، وبعد ذلك يكلف الشهر ببيانات لا محدودة (40 قيقا بالواقع) 350 ريالاً. أتمنى أن تنخفض التكلفة مع الوقت.

تعطلت الانترنت لفترة طويلة منهم دون أن يتمكنوا من حل الإشكال. بالنهاية، اشتريت رقم جديد وألغيت الأول. الجيد بالأمر أنهم لم يطلبوا أي مبالغ بعد شرائي للجهاز حتى الاشتراك الجديد.

لقد اشتريت كذلك شريحة انترنت منهم في رمضان، حيث تخلصت من شريحة الاتصالات التي تعطلت فجئة ولم تكن تعمل جيداً في المنزل. وجدت أن الانترنت هكذا أسرع بكثير مما هو عليه من موبايلي في جوالي أو الاتصالات في كمبيوتري سابقاً. والتغطية إجمالاً أفضل بكثير للجيل الثالث. وما أتكلم عنه الآن هو ما يسميه البعض الكونيكت. لست أستخدم جهاز يو اس بي كونيكت، حيث أن حاسبي الكرومبوك يحوي مدخلاً للشريحة على نحو مريح جداً. لكن اسعارهم ارتفعت فجأة فتوقفت عن استخدام الشريحة.


خدمة العملاء في زين غالباً ما تتسم بالود، لكن أكثر من الود بالجهل المطبق مع الأسف، يوجد لدى موظفيهم أمية تقنية غير مقبولة.







تعبت من التعجب من منطق بعض الناس، الذين يبدو أني محاط بكثير منهم، عندما يسألونني عن أمور يعرفونها، ويعرفون علّتها، ولعلهم مسئولين بعض الشيء عن الإشكال كذلك بشكل أو بآخر. إنه سلوك محطم، يجعلك تعلم بأنه لا حل، ولا مجرد تفكير بحل، يأتي ضمن اهتمامات هؤلاء الناس. ذلك أنهم لا يسألون غالباً عن جهل، وحينما تخبرهم لن يقترحون حل ممكن من طرفهم. أتخيل الأمر أشبه بشبكة عنكبوت لديه حالة نكران للواقع، إنه يوقع بالضحايا، ثم يسألهم؛ ما الخطب؟ لماذا أنت هنا؟ لماذا لا تطير أو تدب؟ الشبكة؟ آه... ثم يصمت. لن يقطع الشبكة، ولن يخطر في باله أنها ستقضي على حياة أحدهم بشكل أو بآخر، إن لم يأكلهم سيموتون في مكانهم.







حدث أمر مؤلم في برقر كنق، حيث أشرب الكولا كل يوم. أخبرني مديرهم أن مجموعة من السكارى هاجموهم، قافزين من نافذة الطلبات. ضربوا اثنين، وأحدهم أصيب في رأسه، وهربوا، أمام ناظر الكثير من الزبائن السعوديين، الذين لم يحركوا ساكناً. المؤلم أكثر أن الإسعاف حينما جاء، لم يأخذ المصاب في رأسه، إنما اكتفى بالاسعافات الأولية، ولم يهتم بأنه أمر جنائي، ويجب أن يوثق بتقرير، فقط أنزل الرجل وقال بأنه على ما يرام. مع أنه لم يكن كذلك، حيث لم يكن يقف باتزان، وكان يتقيأ، وهذه علامة سيئة. وحينما جاء الشرطي، لم يفعل شيئاً، ولم يأخذ منهم رقم اللوحة حتى، إنما أعادها إليهم وطلب منهم الذهاب إلى المخفر لتسجيل الشكوى. استهتار وقلة أمانة وإحساس تجعل الدم يغلي في العروق. أي قهر سيشعر به هؤلاء الأجانب. بالتأكيد يشعرون بأنهم بلا قيمة. وبالواقع، لا شيء ولا أحد له قيمة حقيقية هنا.








أتعجب من بعض الأجانب العرب، الذي يطالبون دوماً، على نحو قاصر، بمعاملة وتقدير لا يقدمون مثله. إنهم لا يعجبهم تسميتهم أجانب، رغم أننا نعامل كأجانب وبشكل مهين في ديارهم، نتعرض للابتزاز بسبب جنسيتنا، ولنا أسعار خاصة مرتفعة هناك، فيما هم يحصلون هنا على أسعار أرخص مما نحصل عليه. يغضبون حينما نفرح بنجاح أبنائنا وشقهم لطريقهم هنا، مطالبين بأن نساويهم بأبنائنا، وفي نفس الوقت يزدروننا ويظهرون احتقارهم لنا ولتوجهاتنا ولتاريخنا. 
قرأت اليوم خبر يتحدث عن محاولات بعض الشباب، ونجاح بعض البعض، في اختراق نشاط المقاولات الذي يحتكرونه العرب الأجانب. في التعليقات، وجدت من يسبنا رغم اعترافه بعيشه بيننا وأكله من خير أرضنا. يقول بأننا نحتاج إلى مليون سنة لنصبح "بشراً"، وبذات النَفَس يعترض بلا حياء على تسميتنا لهم بالأجانب، ويقول بأننا إخوان عرب ومسلمون! من يقول خلاف هذا؟ لكنه مجرد قول، فنحن أجانب في أرضهم. يقول بأنه لولا العرب لما تعلمنا وكنا جهلة، ناسياً بأن الأمر لم يكن بالسوء الذي يصوره هو وأمثاله من مرضى الكراهية، ومتناسياً بأنه إن كان هناك شكر على تنظيم التعليم وجلب أجداده للعمل على التدريس النظامي، فهو لأهلنا الذين عاشوا في ذلك الوقت وأدركوا أهمية الأمر وعملوا على جلب أجداده بالمال، ولم يكن ليجلبهم غير المال. فأجداد العرب الأجانب لم يأتوا في مهمة خيرية، فحينما كنا نموت جوعاً ومرضاً وتنقرض عائلات بأكملها، لم نسمع عن أجدادهم رغم عيشهم الرغيد. لقد جائوا لأن المال أحضرهم، والمال الذي يجري في عروقهم لا زال يجري في عروق أحفادهم، فلماذا التشويه المجحف والحقد الأعمى؟ لم يحقد عليكم أجدادنا، ولكن لعل هذا عائد إلى طبيعتنا الإنسانية المختلفة.
كما أستغرب من تحميلنا مسئولية فقرهم، رغم كل المساعدات والتعاطف. من يتحمل مسئولية موت أجدادنا وجداتنا جوعاً ومرضاً؟. ألسنا إخوة عرب ومسلمين؟.
ومن ناحية أخرى، إننا لا نقول لأحد بأنه لولا الله ثم أهل أرضنا لكان الآخرين وثنيون أو نصارى، هل يوجد أي تقدير للدين؟ إذا لماذا إهانتنا وإهانة تاريخنا؟ ولماذا لا يفكر المرء أن أجدادنا جاؤوهم بالدين "ببلاش" حسب المنطق الذي لا يفهمون غيره اؤلائك القوم، لما التمنن الآن بشيء لا فضل لهم به؟.
لا يتمنى المرء إلا النظر للأمور بإنصاف، وتقدير الفرصة التي يحصل عليها في بلد آخر أو العطايا التي يحوزها وهو في مكانه من بلد آخر.
كيف يطالبوننا باحترام من يضمر لنا الحقد وتمني زوال النعمة؟. كيف نحترم من لا يحترمنا؟. إن الأمر يحتاج إلى مجرد حس منصف حتى تستوي الأمور، ويكون للأخوّة التي يتشدق فيها البعض سواء عندنا أو عند الأجانب معنى وحقيقة.






قبل فترة، رأيت فيلماً هندياً منفذ بإنتاج أجنبي ورؤية فنية راقية، أعتبره الآن من أجمل ما شاهدت من أفلام. اسمة Water أي ماء. وهو يدور في محيط نهر الغانج المقدس لدى الهندوس. الأرامل في ديانتهم لديهن ثلاثة خيارات، إما الإحتراق مع الزوج، أو الزواج من أخيه إذا ما رغبت العائلة، أو الترهبن وعيش حياة قاسية في مكان خاص بالأرامل. يبدأ الفيلم بأناس يسيرون بعربة يجرها حيون، بينما تجلس طفلة في حوالي السابعة في الخلف تمضغ قصب السكر. في داخل العربة رجل مسن وامرأة مسنة، ورجل في أواسط العمر يحتضر. تدغدغ الفتاة قدم الرجل المرض بنهاية القصب الذي تمسكه فتنهرها العجوز. يصل القوم إلى مدينة، ويتضح أن المحتضر هو زوج الفتاة الصغيرة، التي لا تدري أنها متزوجة. يكون قد مات الرجل، فيؤخذ ليحرق، ويحلق شعر الطفلة الجميل، وتلبس ملابس كالإحرام. تؤخذ إلى بيت وتترك رغماً عنها فيه، ويرى المرء حزن والد الطفلة المسن ويأسه، بينما لا يبدو أن العجوز تبالي. هذا بيت أرامل، بعضهن طاعنات في السن، بعضهن متوسطات العمر، بعضهن شابات. كلهن حليقات ويرتدين نفس الملابس.
إنه فيلم هادئ ومتأمل. أحداثه دائما ذات مغزى وعمق. في الدار هذه، تتزعم النساء امرأة عجوز بدينة، وهي قاسية وأنانية. ويوجد امرأة أخرى متوسطة العمر، وهي امرأة متزنة ومسئولة، وكممثلة مبدعة إلى حد غير عادي. وفتاة أخرى شديدة الجمال والجاذبية، وهي الوحيدة التي ترك شعرها الجميل طويلاً، ذلك أن الزعيمة المسنة تدفع بها لممارسة البغاء مع علية القوم لتحصل على المال لتدبير عيش النساء والصرف على تدليل نفسها. يوجد كذلك عجوزل طاعنة في السن، مات عنها زوجها وهي طفلة في السابعة، وكل ما تتحدث عنه هو الحلوى التي تشتهيها وأكلت الكثير منها في يوم عرسها، ولكنها محرمة عليها في حياة التصوف هذه.
يتابع الفيلم تأقلم الطفلة، ومعاناة المرأة متوسطة السن ذاك الحس المسئول مع ايمانها ومحاولة تحمل حياة لا يبدو أنها تفهم سببها. بينما تقع الفتاة الجميلة في حب رجل متعلم، يريد تغيير هذا الشكل من التقاليد المجحفة، رغم أنه يحرم عليهما الزواج.
قصة الفيلم معقدة، وبالغة الجمال والتأثير. في مشهد معين، تشتري الطفلة الصغيرة بعض الحلوى للعجوز الطاعنة، وبينما تأكل العجوز الحلوى بتأثر واستمتاع تتذكر يوم زواجها، كطفلة صغيرة مليحة إلى جانب شاب كبير، وهناك من يطعمها الحلوى بحنان، وهي تبتسم بسعادة، إلا أنها تموت بعد ذلك، وهي تملئوها الحسرة وعدم الرغبة في العيش بعد ذلك، حيث ظلت تطلب الحلوى بحزن وهي تحتضر حتى ماتت.
مشاهد كثيرة قمة بالجمال، وهي بالغة الإنسانية، تجعل المرء يتفكر بالحكم الثابت والجماعي المجحف في بعض الأحيان على أناس وقعوا في ظروف لا خيار لهم بها، أو أخطاء ظلوا يعاقبون عليها، أخطاء قد يقع بها أي أحد، لكن يجد الناس وقع الآخرين بها فرصة للشعور بأنهم أفضل وأنقى ويحث لهم إزدراء وتعذيب الآخرين.









ما أكثر المهام المتراكمة. أشعر أحياناً بأن الوقت لن يكفي أبداً لإنجاز شيء، ولا يمكنني الاسترخاء والانتظار حينما تتعلق المهام بشئون الآخرين.
اقترح علي أحدهم بعدما علم بحالي استئجار شخص لمساعدتي ببعض المهام. الأمر الوحيد الذي أتخيل المساعدة فيه ممكنة هو تحصيل أدوية أهلي من المستشفى وترتيب المواعيد، ففي ظل استئذاني أو تغيبي المتكرر لمرافقة أكثر من شخص لمواعيدهم الطبية أصبح من المحرج الاستئذان لأجل القيام بالترتيبات. نصحني بالبحث في جريدة الوسيلة مثلاً أو المبوبة. لكني لم أجد من يعرض خدمات من هذا القبيل، ولا أدري إن كان يمكنني الاتصال على أي شخص يبحث عن عمل، خصوصاً أني لا أشعر بالراحة تجاه أي شخص في أمر حساس كهذا من حيث الخصوصية والأمانة.
بالواقع، ما أتمنى القيام به هو التعامل مع طالب جامعي صغير يمكنني الوثوق فيه، يمكنه في أوقات فراغه الذهاب إلى المستشفى الموجود بالجامعة والقيام بالأمور، ثم إحضار الأدوية والمواعيد لي في عملي بالجامعة أو في منزلنا القريب منها. وحينما يكون طالباً فسأكون كريما معه بطبيعة الحال، لكن يصعب التوصل إلى هؤلاء كذلك.
لدي أبناء إخوة في الجامعة، لكني لا أريد إقحامهم في الأمر لأسباب مختلفة لكل منهم.









هل حلمت يوماً بفضيلة...
حسبتها لوهلة ضرب من مجون...
أو بحثت لوصلي عن وسيلة...
ثم تراجعت...
إذ ظننت بي شيء من جنون...
لكن في نفسك اضطربت السكينة...
فما كان لك بد عن حسم الظنون...
فترقبتني وتتبعت أخباري...
وإن من بعيد...
وإن بالخفاء...
من خلف الأعمدة الباسقة...
والزجاجات المموهة...
وصدف الأيام...
وما يتراءى في الأحلام...








من المسكين؟ أفكر في أحيان كثيرة في هذا السؤال البسيط، وربما السخيف وغير المجدي. مع ذلك، أتصور بأن له أكثر من إجابة، أشملها: المسكين هو أكثر من يتخيل بأن الآخرين مساكين. يخطر في بالي هذا كثيراً حينما تقول والدتي حينما يقوم أحد ما بخطأ بأنه مسكين وتحاول إيجاد الأعذار له، أو حينما تحاول أن تساعد أحد ما أو تتحمل أخطاؤه وتدفعني للمثل، فأفكر بأننا نحن المساكين بالحقيقة.







اخذت سيارتي في الأسبوع الفائت إلى الميكانيكي الذي أثق به، وهو سوري ضخم الجثة وطيب القلب، وإن يكن على بعض الحدة في الطبع كشأن معظم السوريين. أخذني بدوره إلى سمكري تعاملنا معه من قبل. وطلب السمكري على إصلاح جسم السيارة 800 ريال. لكن الميكانيكي كتب له على الغبار الطفيف على غطاء المحرك :600. احتج السمكري الهندي، ولكن محمود، السمكري السوري، لم يعطه فرصة، وأخبره بأني مثل أخيه، وهذا ما سندفع، ثم التفت إلي وقد كنت مبهوتاً، وأخبرني بأنه سيعمل على مشاكل السيارة الداخلية حالما يفرغ السمكري منها، حيث سيأخذها إليه حالما ينتهي. كان الهندي غير راض بوضوح، لكن، لو لم يكن السعر عادلاً؛ لما وافق على ما أعتقد. في آخر مرة ترك لي الفرصة لأفاصل، أعتقد بأني طرحت 50 أو 100 ريال فقط، ربما لهذا لم يتركني أتكلم. شعرت بامتنان شديد. لكن للأسف، السمكري لم يأخذ السيارة إليه في اليوم المحدد، وضحك بخبث حينما سألته لماذا؟ ففي المرة السابقة كان هذا ما حصل، وكان الحساب واحداً. كنت مذعوراً من التأخير الذي امتد ليومين، لأن طبيب والدتي في عنيزة يريدنا أن نأتي أبكر مما توقعت، لحضور طبيب تخدير من ألمانيا يريدنا أن نستفيد من خدماته قبل أن يغادر، وأنا لم أخبر والدتي بعد بالخطة، ومجرد التفكير بإخبارها "يجيب" لي أم الركب بلا مبالغة، لأنها رافضة للفكرة من مبدأ عدم الإثقال علي، ورفضها صارم.
حضرت وأعطيته المال، وكنت محبط منه جداً. في البداية كانت لديه نية للحصول على مبلغ أكبر، لكن لما رأى إحباطي، ولما أخبرته بأن محمود هو من سأله أن يحضر السيارة، كف عن محاولاته، وبدا عليه الارتباك. تركت سيارتي المستأجرة في ورشته وأخذت سيارتي بنفسي إلى ورشة محمود، حيث لم أعد أريد أن أعتمد على السمكري، الذي بدا عليه الأسف على ألعوبته السخيفة، حيث أخبرته بظروفي الحقيقية وضيق الوقت. كنت أحسب أن محمود عاد إلى بيته، لكنه كان هناك، وسألني إن كنت راضياً عن عمل السمكري، إلا أني أخبرته بأني لم أطلع على عمله، لأني كنت محبطاً. فقال بأنه كانت لديه ملاحظات وطلب منه تعديلها، وهو أمر ألمح إليه السمكري بينما كنا نتناقش، وقال بأنه سيراها بنفسه الآن، خرج معي وتفحصها وقال بأن العمل جيد جداً. شعرت بالإحراج، والامتنان، لأني لم أهتم وكان هو مهتماً، ولم ينظر للأمر بأني مهمل واتكالي. هو يعرف بأني لا أفهم بالسيارات وإصلاحها كثيراً، لكن هذه ليست ذريعة لعدم تفحص سيارتي جيداً.
كانت القطع المطلوبة كالعادة غير متوفرة، وتحتاج إلى يوم للوصول. أشعر أحياناً أن لدى وكالة عبداللطيف جميل سوء فهم، لعلهم يحسبون أن ملاك سيارات ديهاتسو حصلوا على سياراتهم كصدقة، ولم يدفعوا مقابلها مالاً. عموماً، بعد طلب قطع أخرى ستصل عصر اليوم، وهو اليوم الأخير قبل رحيلي للقصيم مع والدتي إن شاء الله، ستكون السيارة على ما يرام، وسيتاح لي إعادة السيارة المستأجرة السيئة.
أحياناً، يبدو لي أن هناك شيء لست أعيه في طريقتي بالضحك، حيث يبدو أن بعض من أتعامل معهم يضحكون على ضحكتي. يحدث هذا مع محمود باستمرار. تود أحياناً أن يكون لديك من يخبرك بأي خطب غريب بك، ليس أي أحد بالطبع، لكن أحد ما. الدكتور الألماني يضحك كذلك دائماً، لكنه لن يقول بأنه يضحك على ضحكي، رغم أن هذا واضح.
عموماً، لطف محمود، الميكانيكي السوري، أمر لا أدري كيف يمكنني مكافئته، ولا أدري لماذا أستحقه، رغم أن أطواره تكون غريبة أحياناً.
شكراً يا محمود، كم أقدرك، أرجو أن لا تفعل بي كما فعل مديري في قادم الأيام.
لكني أعلم أنك على الأقل لست بجبان، ولا أناني.








في الأسبوع الفائت، اتصلت زميلة من قسم النساء لأساعدها بالتواصل مع موظفة فلبينية لا تتحدث العربية، وكانت الزميلة متعاطفة مع المرأة جداً وتريد مساعدتها بأي شكل. مزحت الزميلة قائلة بأنها تتمنى إنهاء مسألة الفتاة الفلبينية بأخذها إلى المنزل (تقصد كخادمة)، وأنهم يشعرون بالقهر لأنهم يرون الكثير من الفلبينيات دون أن يستطيعون الأخذ منهن. كانت هذه الزميلة متعاطفة مع الفلبينية جداً وتحاول مساعدتها بلا شك، لكن بشكل عام يتصور الناس دائماً بأن هذه النكات المؤسفة جيدة. سمعت مثل هذه النكات أيضاً من بعض الرجال في العمل تجاه الاندونيسيين العاملين في الجامعة، وقد تعدى الأمر المزاح إلى الطلب منهم تدبير خادمات مما أوقعني بحرج كبير.
في الحقيقة، هذه مسألة مختلفة عن التحدث باللغة العربية بسوء عن الآخرين الذين لا يفهموننا، إنها أكبر من هذه المشكلة. وقعت بخطأ ذات مرة بدافع الغيض من رجل مزعج وملح من الهند ووصفته بالـ"حْقنه"، وهي تعني الثقيل ذو الإصرار والإلحاح. ندمت صدقاً على هذه الفعلة رغم تلف أعصابي، ولا زلت أتذكر هذا دائما وأحاول أن أتمالك نفسي أكثر، رغم أن ذلك الرجل استنزفني بصراحة وضيع وقتي كثيراً بلا معنى. لكني لا أتخيل أن أتحدث عن الناس باحتقار وازدراء بسبب هويتهم، ولا أتمنى أن أقع في هذا الخطأ الذي أراه كثيراً. لعل هؤلاء الأجانب أفضل منا تعليماً وذكاء، ربما كانت لديهم أسباب أكبر لازدرائنا.
لم يكن لدي شك بطيبة هذه الزميلة، فهي كانت مهتمة جداً بمساعدة الموظفة الفلبينية ومتعاطفة معها، كما أنها تهتم بمساعدة المراجعات وتقوم بكل ما بيدها بإخلاص لمساعدة المراجعات، لكن المجتمع علم الكثيرين بأن مثل هذه النكت هي أسهل ما يمكن قوله. وهذا أمر مؤسف. غالباً ما ألوم المجتمع في هذه المسألة، وليس الأفراد أنفسهم بالمقام الأول.
لم أعد أحاول الإيضاح، الإيضاح والاعتراض في بيئة عملي وضعني في موقف غير مريح أكثر من مرة، ويبدو أن النصح لا يحظى بالتقدير هنا. أود لو غادرت، لو لم تكن الظروف هي الظروف، والحاجة إلى المستشفى هي الحاجة.
ذات مرة، سمعت رجل من الزملاء الذين كنت أحب كثيراً، يتسبب بإحراج موظفين شيعة أمام الآخرين بلا سبب. اعتراضي جعلني شخص غير مريح ومستبعد لفترة طويلة، ربما إلى الآن رغم مضي السنوات. بالإضافة لورقة كتبتها عن معاملة الأجانب المراجعين ورأيي فيها، وفي حين أن الورقة بدت وكأنها موضع تقدير ظاهرياً، إلا أني أعتقد أنها بالخفاء أثارت ضغينة البعض.
إن ما خلصت إليه هو أن بيئة عملي الحالية هي من النوع الذي يخرج أسوأ ما في المرء. وكانت حكمتي دائماً هي الابتعاد عن الصديق الذي يخرج أسوأ ما فيك. لكن، ما باليد حيلة هنا.








هذه سماعات اشتريتها مؤخراً، حيث أغرتني بما كُتب على علبتها، من أنها تعطي صوت محيطي. علمت بالطبع بأن الصوت المحيطي المزعوم لن يعدو كونه إحساساً محيطياً، خصوصاً حينما تكون سماعات صغيرة تخلو من أجهزة تشفير أو بما أنها لا تتطلب أن تكون المادة المسموعة محيطية التشفير أساساً. مع ذلك، فكرت بأنها قد تقدم تجربة جيدة لألعاب الننتندو ثري دي اس، بطابعها الثلاثي الأبعاد. لكن السماعات فاقت توقعاتي بكثير. لقد أعطت تجربة غير عادية، ولست أفهم كيف تعمل على هذا النحو رغم بساطتها. ربما لهندستها الشكلية الدور الأكبر في منح الإحساس المحيطي القوي والرائع. لا أستغني عنها الآن، إنها أفضل طريقة للاستمتاع بالجهاز بالنسبة لي. هي من شركة فيليبس، وهي ليست رخيصة تماماً. يوجد ما هو أرخص منها من نفس الشركة ومن شركات أخرى، لكن كما قلت، العبرة بالتجربة المميزة والتقنية الفذة، كما أن سواها من الشركات الجيدة لا يختلف كثيراً عنها بالسعر دون أن يمتلك مميزاتها، وأحياناً تفوقها منتجات الشركات الأخرى بالسعر. اشتريتها بمئة ريال من اكسترا، ورغم خوفي من أن تكون بلا قيمة، أجد بعد التجربة أنها تستحق السعر بلا شك. اشتراها صديقي الذي أخبرته عنها ب٥٩ ريالاً، من اكسترا أيضاً، لكن في أيام التخفيضات الكبيرة. وقد ظل يذكرني بالأمر كلما رآني. أفزعه مع ذلك بأن لا أخبره بشيء مرة أخرى. بالطبع؛ كنت أمزح. اشترى هو اثنتين، وهو من مدمني مشاهدة المسلسلات الأمريكية، ووجدته سعيد بالسماعات جداً.
أتصور بأنها تعطي بعداً جيداً لكل ما يمكن أن يستخدمها المرء في سماعه.








قرأت رواية، أو ما تحملت منها، اسمها الخجل والكرامة، وهي رواية نرويجية لم أجد لها معنى. إن حياة البطل مملة وعادية، ويحاول المؤلف أن يذكر من يقرأ بأن كل شيء نرويجي مختلف عما سواه، على نحو ثقيل ظله حقاً، وذلك بتذكير القارئ بأن حدث ما على سبيل المثال يجري في مدرسة نرويجية، في فصل نرويجي، أمام طلاب نرويجيون، أو شيء من هذا القبيل، وتتكرر نفس الصيغ التي يحاول من خلالها الكاتب بإصرار التأكيد على تفرد الحالة النرويجية.
الرواية ككل ثقيل ظلها، وسخيفة، وانتظرت لحظة ليظهر لها معنى حتى شارفت على النهاية، فلم أتحمل وصحت بغضب قاذفاً بالكتاب. هي تحكي عن استاذ نرويجي، يدرس الأدب في مدرسة ثانوية، صار يشعر بأنه لا قيمة له، ويعاني داخلياً من أفكاره، ويستحضر المؤلف ذكريات البطل المملة والتافهة، وهي تتمحور حول شاب كون معه صداقة حميمة في الجامعة، رغم أنهما نقيضين، الشاب تزوج من فتاة جميلة وأنجب منها، لكنه شعر في النهاية بأنه وصل إلى طريق مسدود في حياته، فهجر زوجته وابنته الصغيرة، وغادر إلى أمريكا، فتزوج البطل بزوجته. لا شيء مميز حقاً، مجرد تمليات وأفكار مملة عن المجتمع النرويجي وما يجب أن يكون عليه وفق وجهة نظر البطل الذي ينهار مع الوقت على نحو يثير الحنق أكثر من التعاطف. يتخيل المرء أحياناً بأن ما يترجم من كتب الشعوب الأخرى هو ما ينجح لديهم ويحدث ضجة بشكل ما، وإن كان هذا الكتاب قد نجح في النرويج، فإني أتخيل بأن أهلها أثقل شعوب العالم دماً، وأكثرهم إثارة للملل. لكني لا أعتقد هذا بالواقع، كل ما في الأمر ان الرواية سخيفة جداً ومضيعة للوقت.



بالمقابل، قرأت كتاب اجتماعي، وهو لكاتب سعودي، ومن غير العادة أن اقرأ كتب يكتبها عرب، أياً كانوا. لكن هذا الكتب شد انتباهي بينما أنا أنتظر في المستشفى الجامعي، إذ وجدته على طاولة أمامي، حيث يتم توفير الكتب في برنامج لتشجيع القراءة. اسم الكتاب مضحك، اسمه: كخه يا بابا. الكاتب اسمه عبدالله المغلوث. وقد كنت كثيراً ما أرى الكتاب معروضاً، إلا أني لم أفكر أبداً بشراءه قبل ذلك، كنت فقط أضحك على الاسم الغريب.

يأتي الكتاب بقصص، مطروحة على نحو سلس، عن سلوكيات شائعة في المجتمع، وتثير اعتراض الكاتب، لكن على نحو هادئ ومتزن. وبالمجمل الملاحظات بديهية، إذ أن فشل المجتمع أمر غير خفي، لكن مناقشة هذه الإشكالات على النحو الجيد الموجود في الكتاب هي الأمر الجديد، أو الجدير بالاهتمام على الأقل. مثلاً، يوجد قصة مؤثرة لشقيقة أحد أصدقاء المؤلف؛ تم قبول الفتاة في كلية الطب، وكان والدها لا خلاف لديه، إلا أن شقيقها الكبير، صديق المؤلف، قامت قائمته، ورفض نقاش الأمر، وللأسف، ورغم وجود الأب، إلا أن تأثير الأشقاء الكبار على مصائر من هم أصغر منهم، أو على الإناث أكن أكبر أم أصغر، هو أمر واقع في غالب المجتمع الذي يقدس التراتبية أكثر من الصالح الفردي والجماعي. ويؤسفني أن الكاتب لم يتحدث عن هذه النقطة بالذات، ربما لأنه قد يكون شقيق أكبر، لكنه قال ما يكفي حول مشكلة التدخل في حياة الآخرين. في القصة، غضب صديق المؤلف من الجميع، وأخذ زوجته وطفله إذ يعيش في منزل والده، وخرج بحماقة، مقاطعاً الجميع. ومثل هذا الموقف العجيب، غير عجيب بالواقع، وعلى مختلف المستويات، تسجيل الاعتراض الأبله هذا والذي ينم عن بلادة هو أمر شائع في شتى مواقف الحياة، يضع الناس أنفسهم مقابل أمور قد تكون تافهة كخيارين لا ثالث لهما. إرضاء للشقيق الأحمق، تركت الفتاة كلية الطب بعد فشل مساعيها لإرضاءه، ولا أدري لماذا رضاه مهم، ولا أدري لماذا الأب، كشأن كل الأباء تقريباً هنا، لم يوقفه عند حده، لكني أتفهم بأن التضحية التي قامت بها أمر مألوف للأسف. عاد الرجل للمنزل، ودخلت أخته كلية الآداب، حيث كانت تنجح بالكاد، وانطوت على نفسها وغمرها الإحباط لسنوات، ولم تجد عملاً حينما تخرجت. لكن أخيها الكبير لم تنتهي قصته؛ إبنته كبرت، وتم قبولها في كلية الطب. جاء الرجل الأحمق معتذراً إلى أخته، مبرراً تغيره وتغير الزمن (!!). لكنها لم تقبل إعتذاره، وهذا خير ما فعلت.
الكتاب مؤثر، وجميل في أسوأ الأحوال. لكن، لم أجد نفسي مرتاحاً لميل الكاتب إلى نسب وعيه بالضروره إلى دراسته بالخارج، كما لم أحب مجرد إصراره على ذكر رحلاته الخارجية وكأنما جعلت منه إنسان أفضل من الآخرين، وكأنما مجرد عيشه في بريطانيا مثلاً مؤهل كاف ليخبر الناس بما يجب عليهم فعله دون أن يعيدوا النظر. كشأن الكثير من العرب، والسعوديين بطبيعة الحال؛ يوقع تحت إسمه في مقدمة الكتاب مكان وجوده؛ مانشستر، وكأنما يقول: انتبهوا، ما أقوله وأنا في منشستر يجب الانتباه إليه، ما يقوله مرء يعيش هناك من المؤكد أنه عميق وجدير بالنظر، لأنه يعيش هناك. ذكرني هذا بكاتب سعودي، رص مؤهلاته خلف كتابه، وكان من بينها، وهي على شكل نقاط، أنه عاش بضع سنوات في أمريكا (!!). أما مؤلف الكتاب هذا، فأتصور بأن المرء أحياناً سيتسائل وهو يقرأ عن كل الأمور الجيدة التي تعلمها من هناك، هل خرج وهو لا يعرف أي شيء عن حسن الذوق والحس السليم؟.
كذلك، تجد الكاتب يقتبس كثيراً، كثيراً، من الفلاسفة والمفكرين الغربيين. إن الحكمة ظالة المؤمن، لا خلاف لدي، لكني أشعر بأن الإقتباسات مقحمة، وليست بالضرورة لأجل مصلحة النص، كما أنها تجعل المرء يتسائل عما يريد المؤلف أن يقول عن نفسه، وليس عن الموضوع، ربما لكثرتها وعدم ضرورتها دائما. سيقول: قال الفيلسوف الفرنسي فلان مثلاً، وقال الألماني فلان مثلاً؛ ذكرني هذا بأسلوب المنتديات الأدبية على الانترنت، لكن بالواقع، هذا أسلوب كل من يصفون أنفسهم بالثقافة حسب المفهوم السائد، وقانا الله وإياكم. ربما لم أحب الأسلوب البالغ النعومة الذي ينتهجه المؤلف في كثير من الأحيان. تصادف أني كنت أقرأ قبل أيام عن شاعر بوهيمي، يصفه الكاتب بأنه ألماني. كان يقول الشعر باللغة الألمانية، لكنه ليس ألمانياً. هذا خطأ هامشي، لكني فكرت بأن تجميع الاقتباسات ربما طغى على دقتها. هل كانت ضرورية حقاً بهذه الكثرة؟ بالطبع، أحترم قرار المؤلف، وربما كانت إضافتها ملائمة بالواقع في رأي الكثيرين.
وفي أحيان، تجد الكاتب يتجاهل الواقع السيء في الأحداث التي يرويها حينما تكون عن الأجانب، وربما وجهة نظره هي أنه لم يواجه واقع سيء ينعكس منهم. لكن في حديثه مثلاً عن رحلة له إلى كوريا الجنوبية، تحدث عن شاب جاء إليه وصاحبه وهم يستريحون في مكان عام، وطلب أن يتحدث معهم، وأخبرهم بأنه يريدهم أن يصغوا إليه، ولما وافقوا ونزلوا معه إلى مقهى، تبين أنه كان سيحدثهم عن مهندس معماري كوري حتى يثقف الناس عن النجاح الكوري. شخصياً، وجدت موقف الشاب الكوري على جانب كبير من التفاهة والاعتداد الزائد بالذات، إن لم يكن الغرور. إني قد أتفهم عرض أحدهم للتحدث عن دينه، لكون هذا أمر مصيري بالنسبة للكثير من الناس. وأقول عرض، وليس استدراج، ولأجل أمر دنيوي مثل إنجازات مهندس معماري. لكن بدا أن الكاتب يريد منا الاقتداء بهذا الشاب، ولست أدري لماذا خلت زيارته إلى كوريا من أمثلة أكثر أقناعاً.
في كل الأحوال، الكتاب رائع على علّاته في رأيي. إنه ممتع، ومعظمه منطقي جداً ومؤثر. أنصح بقراءته كثيراً، وربما إهدائه.
فكرت في لحظات كثيرة وأنا أقرأ بمراسلة المؤلف، لأخبره بتجربتي وآرائي، فكرت بأني لدي ربما ما يثير الاهتمام، لكني لم أفعل، لأني جربت سابقاً مراسلة مؤلفين أو كتاب، وكانت ردودهم مغرورة إن أتت، أو مسلطة من الأعلى، فوقية. لم أرد أن أكرر التجربة، خصوصاً أني لست أجنبياً.








يبدو أن جهازي الكرومبوك لم يعد كما كان. التحديث الأخير الذي جعله أكثر تقليدية، بسطح مكتب وترتيب أكثر سلاسة من ناحية تشغيل البرامج، جعل جهازي على ما يبدو يعاني. هو جهاز تجريبي، لذا أتصور بأنه لم يُصمم ليعيش طويلاً، خصوصاً أنه بدأ يتفكك بالفعل، بحيث أكبس زواياه مؤخراً كل يومين أو ثلاثة، ويطقطق وكأنه شيخ مسن حينما أخرجه من الحقيبة. أنا سعيد بأنه عمل جيداً طوال هذه المدة، وسعيد بحصولي على التحديث الأخير الجذري رغم أن الجهاز مجاني.
رغم أني اشتريت قبل فترة قصيرة كمبيوتر سوني محمول، إلا أني لا نية لدي لإخراجه من المنزل، فهو ضخم، ويعمل على نظام ويندوز بطبيعة الحال، وهذا لم يعد يلائمني خارج المنزل. شراء جهاز كرومبوك آخر من الجيل الجديد خيار جيد. أما شراء لوحي كما يشتريه الناس، مثل الايباد وخلافه، فهو حل لا يناسبني، لأن اللوحيات أجهزة استهلاكية، يستخدمها المرء ليقرأ ويطالع ويشاهد، لا ليكتب ويحرر مثلاً، أي ينتج. يوجد أجهزة شدت انتباهي من اللوحيات، حيث أن لبعضها لوحة مفاتيح. كان قد أعجبني لوحي من اسوس اسمه سلايدر، لكن لم يبدو لي أن دعم الشركة له يرقى للطموح، بخلاف شعوري بأن مساحة لوحة المفاتيح ضيقة ولا تصلح للكتابة المكثقة. أما ترانزفورمر فهو يبدو كاللابتوب وعلى نحو أخرق برأيي، أشعر بأن حمله ولوحة مفاتيحه أمر غير عملي. أعجبني جهاز منذ فترة طويلة، منذ كان إشاعة، من شركة فرنسية غير معروفة على نطاق واسع. أعجبني كونه مبتكر جداً. لكن يبدو أن وكالة شركته تغيرت. أتذكر بأنها كانت في جدة، والآن أجدها في الامارات، ولا زالت لم توزع منتجاتها هنا كما أخبرني موظفهم.
الذي يجري منذ فترة الآن هو أن الشركة العالمية التي استعانت بوكلاء متخاذلين بدأت تستبدلهم أخيراً، وهي خطوة متأخرة، لكنها ممتازة. رينو مثلاً تأخرت جداً في سحب الوكالة من وكيلها هنا، الزاهد، وعندما فعلت منذ فترة آلت الوكالة إلى شركة اماراتية فعالة، أوجدت أكثر من موزع في السعودية ودعمت منتجات الشركة على نحو ممتاز. كما أن أحد وكلاء الشركات الأمريكية فقد التمثيل مؤخراً. أنا أتمنى بالواقع أن يخسر كل الوكلاء تمثيلهم للشركات الأجنبية، وأن تفتتح فروع أساسية لها، أو وكالات ذات أداء جيد تخضع لمراقبتها الصارمة إن كان لا بد من ذلك.
عموماً، تمكنت مؤخراً من حث شقيقي في أمريكا على طلب جهاز كرومبوك من النوع الجديد لي. كنت أتابع صفحته على المواقع المعروفة، واتابع مواقع تتابع تواجده، حيث أنه حينما يتوفر عدد منه يتم شراء الكمية في ظرف دقائق. المشكلة الأخرى كانت أني لا أريد الحصول على النموذج المزود بواي فاي فقط، إنما أريد الآخر ذو مدخل شريحة الجوال، حتى تتعدد خيارات الانترنت خارج المنزل. في لحظة معينة، وجدت ست أجهزة فقط معروضة للبيع، اتصلت بأخي هناك، وأخبرته بأن يدخل حالاً على الموقع ويطلبها، ولحسن الحظ لم يسوف، دخل واشترا لي الجهاز، فجزاه الله خير الجزاء.

كان إرساله لي مشكلة، لم أرد أن أكلف عليه في الأمر، ولم أرد أن أنتظر أحد أصدقاؤه ليأتون للرياض فيرسله معهم. اشتركت في خدمة أخبرني عنها زميل لطيف في منتدى تقني أشارك فيه، إذ أني لم أحبذ آرامكس، بينما كان وصف تجربته مع الخدمة الأخرى مرضياً جداً. للأسف؛ كان حظي سيئاً جداً، إذ أنه بعد اشتراكي بدا أنهم عانوا من مشاكل في إرسال الشحنات، عزوها إلى الموسم، وربما كان للإعصار الأخير دور بالأمر. بعد أخذ ورد وإحباط، وعدوني بخصم 10%، ويبدو أنهم حركوا الشحنة أخيراً. أخبرتهم بأني بعد الشحنة القادمة، لن أتعامل معهم مرة أخرى. وصلتني رسائل اعتذار، لكن بماذا تفيد.





سأمي من عملي بلغ مداه، انقباضي ويأسي اختفى أي حد لهما.






طلبت قبل فترة لوالدتي زيت زيتون من الجوف، يبيعه رجل ينتجه في مزرعته. حينما تذوقت الزيت بعدما عبأت قارورتين أو ثلاث تحت إشراف أمي، وجدت طعمه رائع جداً، قوي وحاد، كان لاذع بالواقع، أعطاني شعور يبدو أني نسيته منذ أيام الطفولة في نهاية فمي وبداية حلقي، شعور بالحرارة المثيرة للإدمان. مع ذلك، ورغم أنه أعجب أمي، إلا أنها لا زالت مصرة على أن الزيت الذي يأتي به الدكتور الألماني لنا من بلد متوسطي لديه مزرعة فيه أطيب. خاب ظني بالواقع، شعرت بأن الزيت رغم جودته إلا أنه لم يؤثر فيها.







كم أشتاق إلى لقاءاتي بالدكتور، الأمسيات الممتعة والأحاديث التي لا تمل. الشخص الوحيد الذي أشعر بأني أتواصل معه فعلاً خارج نطاق العائلة.
يضحكني قوله أحياناً في لحظات الصمت، أو حتى في بداية لقاءاتنا، إذ يطلب مني أن أحكي له، وحينما أسأله عن ماذا أحكي يقول أي شيء، قصصك وأفكارك وأي شيء تريده. حينما يقول لي بأن أحكي عليه، أتخيل بأنه يقول: سولف علي. وهذه كنت أسمعها كثيراً حينما كنت طفلاً.
لكن حكيه هو الذي له قيمة حقيقية، حيث أتعلم منه باستمرار، وأشعر بأني أفضل.
لكن هذا يذكرني بشيء غريب جرا قبل سنوات بعيدة؛ في رقم جوالي القديم كانت تردني الكثير من الاتصالات والرسائل الغامضة، من شخص أجزم بأنه على معرفة بي. لم أكن أستجيب، لكن ذات مرة أطال الأمر، وهو لا يتكلم أبداً، إنما يرسل رسالة في ذلك اليوم ثم يتصل ليسمع ردي إن شئت الرد. طلب مني ذات مرة أن أحكي له، أن أتكلم فقط عما أريد. كان طلب غريب من شخص لا أدري من هو، إلا اللهم أنه يعرفني إذ أسمعني نغمة مثيلة لنغمة جوالي التي سجلتها بنفسي. بالطبع أثار الأمر حفيظتي، وكان جاد في طلبه وواثق من استجابتي على نحو أثار ذهولي ثم غضبي الشديد. خاب ظنه بانفعالي عند تلك السخافة. اعتذر برسالة رقيقة، قائلاً على نحو غريب بأنه آخر من يريد لي السوء في العالم أو شيء من هذا القبيل، وكف عن الألاعيب الغريبة. لا زلت أتساءل حينما أتذكر الأمر؛ من كان يتوق إلى سماعي أحكي عن أي شيء؟. جنون.







فتحت اليوم مقالة فوجدت صورة الدكتور السعودي الذي عملت معه حينما انتقلت من الجامعة لسنة قبل أن أعود. كان مدير لقسم ذو أنشطة دولية، انتقلت إليه بعد فترة مريرة في قسم آخر يديره المجانين والمخبولين. ماذا بوسعي أن أقول عن ذلك الدكتور؟ إن قلبي حتى لا يطاوعني على تسميته دكتور وهو سعودي، فلا يصح الجمع بين الكلمتين في سياق محترم. كان أفضل وأذكى وأطيب وأعقل (بطبيعة الحال) وأرقى دكتور سعودي قابلته، ورغم أن التميز على هذا النحو أمر سهل بالواقع في ظل ضعف المنافسة، إلا أنه كإنسان يظل أيضاً من أفضل من قابلت. إن رؤية صورته تشرح صدري، فجزاه الله خير الجزاء على طيبته وتفهمه ولطفه. في ذلك المكان، حيث يعتاش بعض الدكاترة السعوديين على بؤس وشقاء ومجهود غيرهم، كان وجوده أمر يستحق التأمل. كان قد أخبرني قبل أن أغادر، بعد محاولات حثيثة لاستبقائي، أن أخبره فقط حينما أرغب بالعودة. إن ما أعادني إلى الجامعة بالأساس ظرف لم يتغير، ولكن حتى لو فكرت بالعودة، لم أعد إلا بقايا، أشعر بأني مستنزف معنوياً إلى أقصى حد. لن يكون لي جدوى.







عدنا من القصيم، لكن بخفي حنين. لم تسر الأمور على ما يرام هناك، المنسق الباكستاني كان وضيعاً وغير مهني، عسى الله أن لا يسامحه ولا يغفر له. وكانت إدارة الأمر بأكمله محبطة وغير منطقية حتى قالت والدتي كفى، وأصرت على العودة إلى الرياض وعدم إجراء العملية. كيف أشعر؟ إني لا زلت أشعر بالاختناق كلما فكرت بالأمر، أنا أختنق الآن. كل ذلك المجهود، العلاج الطبيعي المكثف والاستئذانات من العمل، إراقة ماء الوجه لتخفيض تكاليف العملية، تدبير المال، الأمل، كل هذا بدا وكأنه مضيعة كبيرة للوقت لعلي لم أذق أمر منها.
كان قرار والدتي الذي تفهمته جيداً وإن لم أوافقها عليه قبل زيارتنا إلى خال لي في عنيزة. حيث كنت قبل ذلك أحاول يائساً ترتيب الأمور لإجراء العملية في المستشفى منذ صلاة العصر حتى أذان العشاء. في ذلك الوقت، علمت أن والدتي لن توافق على إجراء العملية، التي أجلوها ليومين بسبب سوء تدبيرهم، تدبير المنسق وإجراءات المستشفى الإنتهازية. حاولت أن أسيطر على شعوري، ورغم أني كنت متحمساً للزيارة ورؤية خالي وابنه كما المرة السابقة إلا أني بعد خروجي من المستشفى شعرت بأني أريد أن أوصل والدتي وأعود للفندق، فلا أحد يعرف والدتي مثلي، إني أعرف قرارها في ظل الظروف قبل أن تنطق به. كانت والدتي تنتفض من الإحراج لأننا تأخرنا على الموعد الذي اتفقت معهم عليه، حيث ان ابنة خالي جائت من خارج عنيزة لترى والدتي، ولأنها قلقت وشعرت بالضيق من الأمر غير المنطقي. لم أحاول أن أقنعها كثيراً، علمت من طريقتها بالكلام أن لا مجال لحدوث الأمر.
حاولت أن أسيطر على شعوري جيداً، فيجب أن أدخل، لن يكون أمر لائق أو مفهوم إن ذهبت، قد لا أبالي بشعور أقارب آخرين، لكن ليس شعور من قدرني كثيراً وقدر والدتي قبل فترة.
وصلتني رسالة اعتذار من المنسق المجنون، الذي اتضح بأنه يتخيل بأني أحاول إغاضته وتجاهله، في حين أني لا أعرفه وليس لديه تجاهه أي نوايا، فلست هناك إلا لعلاج والدتي. كانت دراما سخيفة، سببت لي صدمة، إذ أنه وبخني دون أن أفهم السبب، أمام الناس، بتشف غريب، حتى قال بأني أتجاهله وتفاهات أخرى من هذا القبيل. هو ليس بصغير في العمر، لعله في آخر أربعيناته، لكن الدراما السخيفة وصغر العقل لا ترتبط بعمر معين.
بعد وقت لاحظت اتصالين من طبيب والدتي الألماني. عاودت الاتصال به وتكلم بسرعة محاولاً إحتواء ما جرى. قال بأنه غير مهتم بالمال، ولا شك لدي بصدقه، حتى أنه قال بأنه لا يريد حقه من العملية، لكنه يريد مساعدة والدتي فيما تحتاج إليه. سألني أن لا أفكر بالأمر وأن لا أبالي بشيء، فقط يريد مني الحضور غداً صباحاً مع والدتي وهو سيتكفل بإقناعها وإرضاءها. شعرت بالأسف، لم يكن هناك أي مجال لأي من هذا. كان من الصعب أمام طيبته الشديدة هذه أن أخبره بأن والدتي قررت الرحيل إلى الرياض غداً صباحاً. صمتَ لبرهة حينما أخبرته. وبدا عليه الأسف وخيبة الظن حينما تحدث، قائلاً بأنه لا حيلة له بهذا. قال بأن والدتي تحتاج إلى نوع من العمليات لن نجد مثله بالرياض، وهذا أمر أعرفه. سألني أن نبقى على اتصال رغم كل شيء. تنفست الصعداء، بعد هذا اليوم الطويل انتهى الأمر، وكنت قد قررت أن لا أشكو أو أناقش الأمر. لكن في صباح اليوم التالي، حيث وجدت والدتي تنتظر استيقاظي مبكراً لتعود إلى الرياض، وجدت من الطبيب رسالة طويلة على البريد الالكتروني تناقش الأمر. كان أمر مؤسف، وأخبرتني والدتي بما تريدني أن أوصل إليه. كان من الواضح أنه مصدوم مثلنا من سير الأمور، واتضح أن المنسق الباكستاني أعطاه فكره خاطئة ومجانبة للحقيقة تجاه ما حصل، تجاه إهمال الطبيب الذي حولونا عليه لأمرنا، والفحوصات الغريبة التي تزداد على نحو لم نألفه قبل أي عمليه خضعت لها والدتي، وما أكثرها. لم أتردد بإخبار الطبيب بأن المنسق يكذب.

انتهى الأمر، وها أنا هنا في الرياض، سأقبل مجبراً في أغلب الظن بإجراء والدتي للعملية في المستشفى الجامعي، مع علمي بأنها لا تحتاج إلى تغيير كامل مفصل الركبة، لكن هذا ما سيجري هنا، لأن هذا كل ما يعرفون، ولأن أنصاف المفاصل الصناعية لا تورد إلى السعودية، إنما يأتي بها الطبيب الألماني بنفسه من ألمانيا. كان يخبرني في كل رسالة بأن كل ما تحتاج إليه والدتي هو تغيير نصف المفصل فقط، وأن تغيير المفصل بأكمله ليس أمر صحيح، لكن ما باليد حيلة.


ولكن، على الأقل زرنا بعض الأقارب، وسعدت كثيراً برؤيتهم. كانت الرحلة غير مريحة كما المرة السابقة، حيث أن السيارة حدث بها عطل غير متوقع. لكن لحسن الحظ، وصل سوء الحظ لذروته حينما توقفنا أمام منزل أحد أخوالي، وهكذا لم أعدم المساعدة. كانت الأدخنة قد بدأت تتصاعد من السيارة حالما توقفنا فأطفأتها. كان هناك طفلين يشبهان صغار القطة ينظران من الباب الكبير الذي جعلني خالي في تلك المرة أدخل سيارتي فيه، بدت أشكالهم مضحكة وجميلة فوق الوصف، بأعينهم المستديرة بلهفة، حتى بدت وجوههم الصغيرة تشبه أشرطة الكاسيت، وهي مفتوحة على سعتها بترقب للزوار، نحن. دخلت والدتي، وجاء الصبيين الجميلين من باب الرجال فقبلتهم(طبعاً)، وقبلني أحدهم!. ضحكت على قبلته الصغيرة غير المتوقعة، التي رافقها صوت: امممواه!. لا عجب أن الأطفال أحباب الله، ولا يمكنني إلا أن اؤخذ برؤيتهم دائما وفي كل مرة أصادفهم رغم أن حضورهم في منزلنا لا ينقطع.
جاء ابن خالي الصغير ورحب بي وأدخلني في المجلس. وبعد قليل جاء شقيقه الذي يكبرني ببضع سنوات، وهو مشهور بخفة الظل والظرف، وجلس معي. كنت قد رأيته من قبل وجالسته وإن لم يكن كثيراً. تكلمنا قليلاً حتى جاء شقيقه الذي يصغرني بكثير، وأعتقد أني لأول مرة أراه، ولا أتذكر سوا اسمه في أيام الطفولة. جاملني بشيء لم أتوقعه، فلم أعرف كيف أجيب سوا بالضحك. كان التعليق اللطيف والمضحك في نفس الوقت فرصة ليعلق شقيقه الأكبر بمزحة مضحكة. جاء خالي، أهم من رغبت برؤيته في القصيم، وسلمت عليه. كان كعادته لطيف وأبَوي جداً، وقد أخبرته عن أمر السيارة بعد قليل. ثار نقاش عما عساه ان يكون ما حل بها، وقد بدا جهلي المطبق واضح على ما أعتقد في شئون السيارات. خرج الابن الذي يصغرني بقليل، ووجد العطل، كان ليّ كبير قد خرج من مكانه فتسبب بارتفاع حرارة السيارة. ما شاء الله. وقفت بلا فائدة، رافعاً غطاء السيارة فقط، وقد أخجلني وضعي جداً. أعاد الليّ إلى مكانه فصار كل شيء على ما يرام.
للأسف، لم يأت شقيقهم الذي يكبرهم، وكنت قد جلست معه في المرة الفائتة. كنت آمل أن أراه. لكني لا أشعر بأني شخص قد يتوق لرؤيته مرة أخرى ولا أدري لماذا، أشعر بأني أظهرت ما يكفي من السخف في تلك المرة.

لكن بأي حال، رأيت خالي، الذي يعطي نظرات بديعة حينما يراقب المتحدثين؛ لا يتعلق الأمر بعينيه العصفوريتين فقط، إنما يبدو ككل كعصيفير صغير وهو ينقل نظره ببراءة بين الموجودين، ولابد أنه أمر وراثي، إذ أن أمي حينما تنوي السماع فقط تتصرف وتنظر على نفس النحو.

في طريق عودتنا إلى عنيزة، تعطلت السيارة، حيث ان ارتفاع الحرارة الذي حدث قبل أن يصلح ابن خالي سببه قد كان كافياً ليعطل قطعة أخرى من السيارة. كان علي أن أترك سيارتي في ورشة وأستأجر أخرى. لا يوجد سيارات أجرة رسمية تسير في عنيزة. وهو أمر عجيب. كلهم يريدون أن يأخذوك إلى خارج المدينة. مشيت لمسافة طويلة، تاركاً والدتي لوحدها لفترة طويلة، وأنا لا أجد سيارة لتأخذني إلى حيث يمكنني استئجار سيارة أخرى. توقفت أخيراً سيارة يقودها رجل في أربعيناته، فائق الحيوية، وهو يقل مجموعة كبيرة من الهنود، طلب ممن يركب في الأمام أن ينزل لأركب في مكانه. حينما ركبت تفحصني بنظره للحظة، ثم قال بأني أبدو كرجل طيب، وأعتقد بأنه تخيل بأني غبي بالواقع، يمكنه أخذ السعر الذي يريد منه، وكان هذا واقعا، لكن ليس بسبب غبائي الذي لا جدال في شأنه، لكن بسبب إرهاقي وقلقي على والدتي التي تركتها منذ وقت طويل لوحدها في الفندق. بدأت الأسئلة مباشرة بعد ذلك؛ أين أدرس؟ لا؟ ماذا أعمل؟ كم عمري؟ هل أنا من عيال البسام؟ من أين أنا؟ وأسئلة من هذا القبيل. ثم حكى لي عن أكبر عدد من المواضيع سمعته في أقل من ٥ دقائق في حياتي، ثم حاول أن يقنعني أن أذهب معه إلى بريدة (!!)، حيث أنه ذاهب إلى هناك على أي حال، وسيأخذ على ما يبدو الهنود في الخلف معه، ورغم أني أوضحت بأني أريد فقط الوصول إلى الساعة، وهي معلم مشهور هناك، إلا أنه كرر الأمر مرتين، ولا زلت لا أدري لماذا يتخيل بأني قد أذهب إلى بريدة؟!. اعتقدت أنه بدوي متحضر، أعتقد أنني يمكنني تخمين ذلك من شكل رأسه وعينيه الحادتين وطريقته في النظر، وهي طريقة ذهب بها إلى أبعد مما يمكن للمرء اعتباره مريحاً. حينما كدت أن أنزل سألني أن أزيد على ما اتفقنا عليه. زدته ونزلت، ولهج هو بالدعاء لي، وقد أبطأ سيارته أمام الإشارة معطلاً من خلفه، وهو يسمعني دعواته وأمانيه الطيبة؛ بأن يحفظني الله لأهلي، وأن يوفقني، وأشياء طيبة من هذا القبيل، عدا أنه أطال على نحو لم أتوقعه.
في اليوم التالي، توقف لي شخص آخر، أوصلني لأكثر من مشوار صاحبي أمس بربع السعر، ولما زدته ارتبك، وحاول أن يعيد الباقي، أمام رفضي دعا لي وبدا عليه الفرح الشديد. أتسائل عن ظروفه. لابد أنها قاسية.






كنت أتسائل دائماً، حينما أحتار في أمر بعض الناس الذين يستنزفونني بلا هوادة؛ هل هم لا يدرون أني لدي مشاغلي الخاصة؟ أن حياتي لا تتمحور حول شئونهم؟ أن مستقبلي معطل ويحتاج إلى حل؟ أني لست مسخراً لراحتهم ولأداء ما يريدون؟ أني لدي أولويات أهم بكثير، لا أستطيع الالتفات عنها والانتباه لغيرها إلا بدمار نفسي؟. لكن مؤخراً رأيت أن الإجابة لم تكن متوقعة بالنسبة لي؛ لقد كنت ساذجاً، فهم يدرون عن كل ذلك، لكنهم لا يريدونني أن أدري.





بشكل أعاد إلي ذكرى ايام الجامعة، حينما كانوا يرغمون الطلاب أحيانا على حضور المحاضرات العامة بدفتر حضور المحاضرات العادية، تم القيام بنفس الشيء معنا الآن على نحو مثير للسخرية، بإلزامنا بحضور لقاء مدير الجامعة الجديد نسبياً.
بالطبع، لا خلاف لدي على وجود الحدث بذاته، لكن، ماذا عمن ليس لديه الاهتمام للحضور؟ من لا يهمه ماذا سيقول المدير، وليس لديه موضوع ليعالجه المدير أو ثقة بقدرة المدير؟ أو حتى من لا يريد الحضور لمجرد أنه لا يبالي؟ إنه ليس تدريب، ولو كان تدريباً أو محاضرة ترتقي بمهنية الموظف لما رأينا هذا الحرص على ما اعتقد.
قيل لنا بأن وكيل عمادتنا طلب إغلاق الأقسام وإخراج الجميع، وقيل لنا عن ورقة حضور (!!) كتهديد لمن قد يذهب لشأنه الخاص، على أني لا أدري إن كانت هذه من بنات أفكار الوكيل، لكن ربما كان قد قام بهذا مع طلابه سابقاً.
إني أفهم على أي حال إلزام الطلاب بحضور محاضرة عامة تفيدهم حول الماده التي كان من المفترض أن يتواجدوا في محاضرتها، بحيث يأخذهم معلم المادة، وقد يناقشهم بما سمعوا لاحقاً. لكني كرهت من قلبي إرغام الطلاب على الحضور لمجرد شحن القاعة بالحاضرين كمجامله لدكتور آخر على الأغلب. وهذا ما يبدو الحال عليه اليوم في لقاء المدير.
إن ما كنت سأحترمه هو إعطاء الخيار، والثقة، للموظفين؛ أن يقال لهم بأن من يريد الحضور فلا بأس أن يخبر مديره مسبقاً ويذهب.
لا أعتقد أن مدير الجامعة قد يقول ما يهمني، فلا يهمني ما سيقول. فأنا بواقع الأمر مجرد موظف، بدلاً عني عشرة كما يقال، أتصور بأن من يهمه هم أعضاء هيئة التدريس، من الدكاترة أمثاله ومن لف لفهم. أما أنا، فما يهمني قد أقرأه في جريدة أو موقع إخباري، فبالنسبة للجامعة، والثقافة التي تدار بها؛ أنا مجرد رقم.
عند نهاية الدوام، وقفت امام المصعد وزميل مسن ممن تسير امورهم على ما يرام. جاء الوكيل فجأة، فسلم عليه الموظف وسأله بتملق إن كان من الممكن عقد لقاء آخر مع المدير خاص بالموظفين فقط، فأجاب الوكيل بلا تفكير بأنه يعتقد أن اللقاء الشامل يكفي، ولم يتسائل؛ لماذا طلب الموظف هذا، هل يوجد أي سبب؟ بلا مناقشة، فقط أعطى رأيه، فالموظفين من سقط المتاع عموماً. إلا إن علا شأنهم في حالات نادرة، حينما يشيخون ويستأثروا بكل الدورات الخارجية، وحينئذ، ربما ينظر فيما يقولون، ولكن من السهل كذلك تحجيمهم رغم كل شيء، لا زلت أعتقد بأن المدير العام الذي رحل من عمادتنا لم يعامل في النهاية كما عومل دائماً، رغم ضآلة أسفي على ذلك، إنما في الأمر عبرة.






كنت مع زميلي الملتزم الكبير اليوم، كنا نتكلم حول بعض الأمور، خصوصاً نفسيات البشر واراؤنا حولها، ونفسياتنا كذلك ورؤانا لما يواجهنا في الحياة. تكلمنا عن النسيان، قال بأن الأفضل هو نسيان الأحداث التي قد تجلب الحزن والغضب، تجاهلها فقط. لكني شرحت له أن هذا ممكن في حالات، لكن في حالات أخرى لا يد للمرء في أمره، أخبرته بأني تعرضت لأزمة قبل سنوات، ربما ثمان سنوات أو أكثر، والبارحة حلمت بالطرف الآخر فيها.

أحياناً أعتقد بأنها لم يعد لها تأثير يذكر، من حيث الندم على سوء التصرف أو سوء الفهم والاستعجال، أو الغضب من إهانة أو موقف غير مُقدِّر، لكن، ها أنا أحلم، حلم متفائل، استيقظت منه حزين القلب يائساً.




سعد الحوشان

الاثنين، 9 يوليو 2012

كيف يفزَع الورد وتَبكي التماثيل (المعتاد،قصيدة،مشتريات)

بسم الله الرحمن الرحيم








يقول الناس بأن أعمارهم تمضي دون أن يشعروا. لكن، هل هذا صحيح؟. لا يشغلني مضي العمر بذاته، بقدر ما يشغلني مضيه دون تحقيق شيء، مضيه وأنا في مكاني، مضيه بتعاسة.
لن أستيقظ فجأة لأقول: يا رب، هل حقاً بلغت من العمر كذا؟ كنت في الخامسة والعشرين البارحة. إني واع منذ زمن بعيد بمرور العمر، يوماً يوما. ليس هاجساً، فأنا مدرك لسنة الحياة، وما يشغلني هو ضعف الحيلة إلى حد بعيد دون الإنجاز.
أعتقد بأن من لا يدرك مضي العمر جيداً، هو من يمضي في حياته، ولا يتوقف، ينجز ويستمر بالانجاز وتحقيق الأشياء.
بعض الطيور تطير بأرزاقها.

لكن هل هذا مهم دائماً؟ إن الحياة عبر كما يقولون. مع ذلك، الإنسان يتسائل بطبيعته.

أهنئك يا صاحبي...
بينما أنا في صدري مفجوعٌ أصيح...
صيحة زحزحت تمثال في مكان ما...
واستدرّت من عينيه الدمع الشحيح...
وأيقظت ذاك المساء وردة مفزوعة...
من غفوتها الآمنة على كتف ضريح...





أحياناً، تتغير مواقف الناس باكتشافاتهم عنك، وهذا أمر مثير للاهتمام، لأن تغيرات الناس غير متوقعة. قد يكتشف مجموعة من الناس، زملاء العمل أو الأقارب مثلاً، أنك لديك أنشطة لا تتكلم عنها، أو ربما هوايات، أو حتى عمل آخر. إن الأمر يعتمد على مستوى تفكيرهم، أو جوهرهم، وتقييمهم لما تقوم به. بعضهم سيزداد احتراماً لك، وإن كان لا يظهر لك في السابق المودة أو الاحترام الكافي، وبعضهم سيتفاداك، ويحسب أن نظراته الغريبة ستكون مؤثرة، على نحو مثير للشفقة. الأمر هنا هو أنه لا أحد يريد أن يعيش حياته باستقلال ويترك الناس وشأنهم ليعيشوا كيفما أحبوا. يخاف بعض الناس من الموهبة والأداء غير المألوف لديهم، ويخشون الاستقلالية في الرأي والضمير، في حين أن بعضهم يقدرون هذا، وهم القلة في هذا المجتمع التائه، وليس الحائر، لأنه اختار أن يتوه، ويتفادى أي خيار آخر.

بعض الناس يقدرون حريتك فيما تقوم به بغض النظر عن اتفاقهم معك، طالماً أنك تمثل نفسك ولا تضر أحداً، وبعض الناس حينما يشعر بأن حياتك ورؤيتك للأمور غير مألوفة لديه أو تأخذ مسار لا يأخذه الآخرين بالعادة يعاقبك، أو هكذا يحسب، بأساليب مختلفة.

لا يراجع أحد نفسه بالإجمال ليحسب ماذا يكسب من تغير موقفه للأسوأ، أو ما شأنه بالأساس. ومن جهات أخرى، لا أحد يفكر قبل أن يقيم الآخرين أو يخاف منهم بأن يدع الخلق للخالق سبحانه وتعالى.






أخيراً، وبعد انتظار طويل (ليس ذنب أخي، على نحو غير متوقع)، وصلت أغراض طلبنا من أخي في أمريكا أن يشتريها لنا. بالنسبة لي كانت أشياء جانبية لكني أردتها بشدة. حذاء، تبين أنه أصغر من مقاسي وسيعاد ليستبدل، محفظة معدنية، قبعات، لعبة (يرقة آلية)، مشبك نقود، لواصق شعار كروم (لألصقها بكمبيوتر كرومبوك وربما بالجوال لاحقاً، أو أي جهاز أشتريه وله علاقة)، فقط. يوجد متعة بالانتقاء، والتجميع والاختيار، ثم انتظار الأشياء. خصوصاً حينما تكون أشياء لا يمكنك شراءها من هنا. أعلم بأن أخي لو كان يدرس في مكان آخر، مكان أكثر عراقة، لاختلفت طلباتي، وكانت أكثر تقليدية وإثارة للاهتمام. لا يخطر في بالي بسهولة أني سأذهب إلى حيث أحب، وأشتري ما أحب، ما أتخيله دائما بأني سأظل أوصي الناس. من ألمانيا، أحضر لي الدكتور قبعة تقليدية جميلة، وأحاول أن أقنعه أن يذهب إلى هولندا ليحضر حذاء خشبي تقليدي. أنتظر أحد ما ليذهب إلى تونس أو المغرب، لأوصيه على سلهام أو برنوس، البيرو أو الإكوادور، ليأتي لي ببونشو (مع أن هذا أمر غير وارد)، اليابان، للحصول على حذاء خشبي مرتفع، كورياً، لدمية خزفية أو حتى جرة، وأشياء كثيرة من أماكن مختلفة.

عموماً، أخي الآخر سيذهب إلى استراليا قريباً، لا أدري إن كان سيتمكن من شراء شيء من تذكارات السكان الأصليين لي. لكن ربما لن يكون لديه الوقت أو الفرصة لمثل هذا الشيء، فأخي في أمريكا لم أتمكن من طلب شيء مماثلة منه، فهم هناك بغرض الدراسة عموماً.
أنا سجلت للدراسة قبل سنتين تقريباً الآن، هنا في جامعة محلية، لكني لم أشتري لنفسي زبيرية مع الأسف.
صدقاً، ما أفكر دائما بأني أتمنى شراءه من هنا، هو عباءة تقليدية، أريدها بيضاء، وأريدها ثمينة وأصلية، ومصنوعة في الأحساء على يد أحد شيوخ المهنة. يا إلهي، يا لها من أمنية أثرية. وعلى قرب الأحساء، إلا أنها لم تتحقق بعد.
أتذكر أن خالي جاء لزيارتنا ذات مرة في زمن بعيد وهو يرتدي عباءة جميلة، بيضاء كما أحبها. وقد سيطرت على تفكيري، وأخبرت أمي بأني أتمنى واحدة مماثلة. أحرجتني أمي حينما أخبرت خالي عن أمنيتي هذه، لكني لم أحصل على شيء بطبيعة الحال.
الآن، أنا لا أريد مثلها، أريد أفضل؛ من الأحساء.
وهذا ما يخيل إلي دائماً، بأني سأذهب إلى الأحساء ذات يوم وأشتري واحدة، بمواصفات أحددها. كان لدي فروة بيضاء على شكل عباءة تقليدية، وكانت ذات فرو قصير وناعم من الداخل فليست منتفخة. كنت قد نزعت كرياتها الذهبية التي يفترض أن تمثل الأزرار عن أطراف المقدمة فصارت تتدلى، لأربطها كما أحب حينما أهم بالخروج.

أصبت منذ فترة بشره غير عادي تجاه شراء الأشياء، مختلف الأشياء، دون حساب كالمعتاد. بالعادة أنا أكثر تروي، فلا أشتري ما لا أحتاج. لكني لا أدري ما المشكلة الآن.

هذه صور لبعض المشتريات من أمريكا:

المحفظة:


مصنوعة من الألومونيوم، لهذا بطاقات الائتمان محمية في داخلها جيداً من الاختراق الالكتروني.

مشبك النقود:

القبعتين:
اليرقة الآلية (لعبة جذبتني حركتها الواقعية):
هذا فيديو صورته لها وهي تعمل. يعجبني مظهرها الواقعي وكأنها تزحف، بتداخل أجزاء الجسم و تمايل الذيل بانسيابية. كنت أفكر بأن منظرها الواقعي سيجعلها مفيدة في المقالب بالإضافة إلى إبهار الأطفال (كنت قد اشتريت صرصاراً يتحرك على عجلات متناهية الصغر، ويبدو كالحقيقي تماماً، لكني رميته بعد عدة مقالب، عاقبني الله بكابوس). ورغم أنها مبهرة اليرقة، لكن صوت محركها يجعلها غير عملية للمقالب. لكنها تظل متعة للنظر، وابتكار ذكي ولافت، خصوصاً بابتعادها السريع عن العوائق.








هذه نظارة، لكني اشتريتها من موقع تخفيض على الماركات هنا:






وجدت نفسي مؤخراً أتخذ مواقف لم أتخذها منذ فترة طويلة. ليس لأني كنت أتخذ غيرها، لكن لأن الظروف التي تتطلب الاختيار لم تتوفر منذ وقت طويل.
إن بعض الناس الأبسط فكراً يسيئون فهم اللطف ولين الجانب. قد لا تكون نواياهم سيئة، لكن عقولهم فقط ليست كبيرة بما يكفي. وجدت نفسي حائراً بأمر شخص تعرفت عليه منذ سنوات، وصرنا نلتقي كل فترة وأخرى، أحياناً بصحبة أشخاص تعرفنا عليهم بنفس الوقت. الأمر هو أنه صار يظهر الإزدراء تجاه ارائي ومعلوماتي عن الأشياء أياً كانت، رغم أننا لا نتناقش بأمور عميقة بالأساس. ينظر إلى على نحو لا يخفيه وكأني شخص غبي، لا أفهم. ولا أدري سبب هذه النظرة، ولا أدري كذلك لماذا الاهتمام بالتواصل معي رغم هذه الرؤية. لست أصطدم به، أو أحاول إقناعه بعكس أي شيء. ولا يبدو أنه يعي الإسائة. لكن هل من الضروري أن يعيها؟ إنه ليس بشخص مهم حقاً في حياتي، وقد لا يساوي الأمر الجهد. أمام الإستهانة والاستهتار الذي ينظر من خلاله تجاهي، وجدت أن الإلتقاء به والاهتمام ليس إلا عبث من طرفي على الأقل. في آخر مرة التقينا تجلى موقفه كثيراً. وبصدق لم أحزن أو أشعر بالجرح، فقد عانيت مع آخرين من هذه الأمور على نحو أسوأ بكثير، بمراحل، وبمستويات متعددة ورؤية أكثر تعقيداً، ولسنوات، مع أعز صديق لي في زمن غابر. لقد تعلمت الكثير. فكرت بأن أتجاهل التواصل معه فقط. فلا يوجد التقاء بالأساس من أي ناحية، سوا التجربة التي اشتركنا بها قبل سنوات. اتصل لسبب ما بعد لقائنا، الذي أشبعني به ازدراء، ولم أجب.

شخص آخر، لا زلت أكن له التقدير، صارت علاقتي به مجرد سلام من طرفي إذا ما كانت المناسبة مواتية. إذ وجدت بأنه كغالبية الناس يأخذ الكثير، ولا يعطي إلا القليل، وإلى ذلك، يتخيل أن الرفع من قدر نفسه يعني الحط من قدر الآخرين، لا يفكر كثيراً بما يقول، ولا يستوعب. إنه من أكرم الناس حينما يتعلق الأمر بالمادة، وإن قلبه من أطيب القلوب، لكنه ليس بشخص ذكي، أو واسع الأفق بأي شكل. إنه يعتقد بأني قاطعته وأني غاضب عليه بسبب خطأ قام به، لكني بالواقع كنت أقيم أمر علاقتنا منذ وقت طويل، وأسائل نفسي، هل يكفي حبي لروحه الطيبة أن أكون صداقة قد تكون بلا قيمة، وربما ضارة على المدى البعيد؟. خصوصاً مع كون تقدير شعور الآخرين ليس من مميزاته.
لكن بالواقع، موقفي مع هذا الشخص هو الأمر المعتاد، إن تقييمي لعلاقاتي حاضر معظم الوقت في بداياتها. يحسب بعض الناس أني حينما أقلص علاقتي معهم أن هذا علامة على غضبي منهم أو استعدائي لهم، لكن بالواقع أنا فقط أرتب الأشياء وأضعها في مواضعها.
لكن أحياناً، لا تدوم الأشياء في مواضعها التي اخترتها كذلك، أو، يتم تصحيح الأمر على نحو ما. إن استعادتي صعبة بعد خسارتي على ما أعتقد، لكن ليس السبب هو العناد أو أي خلق طفولي مرتبط به، لكن السبب هو أن خسارتي صعبة أيضاً، ولعلها أصعب من استعادتي.







قبل فترة، كنت أتسوق للمنزل في كارفور، فرأيت رجل كنت قد عملت في إدارته لحوالي ثلاثة أو أربعة أشهر. كان هذا حينما انتقلت من الجامعة قبل سنوات إلى وزارة. يمكن رؤية القصص كاملة في تدويناتي الأولى. كان هذا الرجل قد صعب الأمور علي بلا داع، وقد اتبع وكيل الوزارة الذي كان يعاني من خلل عقلي على ما يبدو، ثم لاحقاً تعرض هذا المدير لمشاكل كثيرة من هذا الدكتور المخبول، لكن لم يكن لي شأن بذلك. حينما كدت أن أغادرهم إلى قسم آخر، استوقفني هذا المدير وسلم علي، وكان في آخر الأيام فقط يحاول أن يصحح غلطاته، التي لم يكن لي أي ردة فعل تجاهها وهي تحدث، لم أرد أن تحسب علي أيضاً تلك الحركات الطفولية. أقول استوقفني، وسألني السماح؛ كان قد أدرك على ما يبدو أنه أساء إلي واضطهدني دون أي سبب، سوا استقلالية رأيي وعدم رغبتي بالعمل معهم، رغم أني لم أقصر بالعمل بأي شكل حتى بعدما طلبت الانتقال. رحلت بعدهم إلى قسم آخر، حيث عملت مع مجموعة من الناس، كان أحسنهم هو المسئول الكبير، وكيل تقريباً، وقد كان أفضل دكتور سعودي رأيته، وكان يبدو أنه حاز المنصب عن طريق الخطأ، إذ كان رجلاً ذكياً ومتواضعاً.

بعد ذلك بفترة طويلة، طويلة جداً، إذ كنت قد غادرت الوزارة برمتها عائد إلى الجامعة، صادفته في مكتبة جرير، وكان مع ابنه المراهق. رآني، وحاول أن يتظاهر بأنه لم يفعل. وحاول أن يثني كذلك ابنه من جره إلى حيث أقف، حتى لا يضطر للسلام علي. نظرت إليه فقط، ومحاولاته المثيرة للشفقة، التي كانت بلا داع كشأن الكثير من الأشياء التي قام بها في وقت قديم. كان يختلس النظر إلي كل لحظة وأخرى، بإحراج وارتباك بالغ لم أعرف ما سببه. بالنهاية، قررت أن أنهي معاناته، ورحلت ماراً بقربه، وقد التقت عينينا عدة مرات، فلم أحاول أن أتجنب النظر إليه.
أما في لقاؤنا الأخير في كارفور قبل بضعة أيام، رآني وقد كان وحيداً، ولم يبدو أنه تغير شكلياً. كنت قد سمعت أنه بعد مشاكله مع ذلك الدكتور قد حاول أن يذهب إلى أمريكا ليعمل لحكومتنا هناك في شأن تعليمي. ولعله نجح بالعودة لا أدري، حيث أنه يملك البلادة الملائمة. الغريب هو أنه حالما رآني تسمر في مكانه، ونظر إلي بتأثر غريب، ولم يشح بنظره أو يتظاهر بأنه لم يرني كما فعل سابقاً. لكن تسمره بدا لي مثير للاستهجان، شعرت بأنه جربوع سلط عليه ضوء كشاف قوي. نظرت إليه فقط وأنا أمضي، واستغربت من كونه لم يشح النظر حتى لو لم يكن لي تجربة سلبية معه، إذ أنه مهزوز بطبيعته بغض النظر عن المشاكل التي واجهتني لديهم. بدا أنه صبغ لحيته، وقد كان كالعادة كامل التأنق، وإن لم يكن ذو ذوق مميز. بعد بعض الوقت، رأيته مرة أخرى، وتجمد مرة أخرى بنفس الطريقة الجربوعية، وبنفس التعبير العجيب. نظرت إليه وقد أفسدت رؤيته مجدداً مزاجي هذه المرة. ولم أعرف أني كنت مكشراً إلا حينما ابتعدت، والتفت للخلف، فوجدته لا زال ينظر إلي وقد تثنت حواجبه الدقيقة، كحواجب المصريات في الأفلام القديمة، وكأنما يتحسر على أمر ما، فكشرت له أكثر. بالواقع، تكشيري على هذا النحو طبيعة متأصلة بي في مثل هذه المواقف. يحدث حينما أشعر بمراقبة أحد ما باستمرار، خصوصاً حينما يكون خلفي، فألتفت وأكشر في وجهه دون أن أوقف سيري، بيد أن هذا الفعل لا يأتي بنتيجة، مما يجعلني أفكر؛ هل أنا غبي بعدم تخلصي من هذه العادة، أم أنه لا يتابعني من الخلف غير الأغبياء الذين لا يفهمون معنى التكشير؟.








حدث أمر لم أتوقعه. لا أدري إن كان من أحد يتذكر الدرامي وقصصه معي في العمل، حيث كتبتها هنا قبل وقت طويل، ولكنه عاد إلى الحضور في قصة معينة، دون دراما. منذ فترة بالواقع ونحن لا نحتك ببعضنا، وبالحقيقة لم يحدث أن تعارفنا أصلاً أو تكلمنا كما يفعل الزملاء. بدأ الأمر في ذلك الوقت البعيد بضيق لم أفهم سببه من وجودي، لكني أعزو بعضه إلى سوء فهم، وبدأ كذلك بإظهار الإزدراء تجاهي دون سبب واضح كذلك، وبطرق درامية غير معتادة.
لكن بعد فترة توقفت هذه المواقف عن الحدوث، على نحو لم أفهمه أيضاً، على أني أخمن بأنه تعرف علي على نحو أفضل بشكل ما، ربما كان زميلي الملتزم الكبير قد أقنعه بأني لست شريراً، أو أحوك المؤامرات أو أضر الناس، أو أي كان ما تصوره عني. لا أدري صدقاً على وجه الدقة، على أني أخمن بعض الأمور. تلطف ذات مرة وسألني إن كنت أعرف للآيفون؛ للأسف لا أعرف، فأنا لا أحب هذا الجهاز. وتشاركنا كذلك كطرف واحد تقريباً في إشكال معين، حيث أثبت المدير مرة أخرى بأنه لا يستحق أي من أفكاري الطيبة عنه، ولا يستحق تلك المحبة المحضة التي كنت أكنها له كأخ وصديق دون أن يدرك ذلك. لكن لم يقربنا الأمر أكثر، أقصد أنا والدرامي طبعاً، كانت المسألة عملية.

لاحقاً، دخلت في إشكال مع نفس الطرف الثاني في المشكلة الأولى، ومرة أخرى أثبت المدير أنه لا يمل الأنانية ولوي الأمور والخداع مع الأسف. هذه المرة، لم يكن الدرامي طرف في الإشكال. ولم يتدخل حتى تم إقحامه للسؤال عن المشكلة الأولى. أخبرني بكل شيء، وقد أبدى اهتماماً فاجئني، وتعاطفاً متحمساً، ورغم أن المرء قد يخيل إليه أن كل هذا الحماس سببه ذلك الطرف الآخر الذي كان أيضاً ضدنا في الموقف القديم، إلا أني أعلم يقيناً أن اهتمامه وحماسه كان صافياً ورفيعاً، وإن أوضح احتقاره وغضبه في حق ذلك الطرف الذي يُطرد من قسم إلى آخر كما سمعت بسبب مشاكله. حاول الدرامي مساعدتي، زكاني بحماس، وذهب إلى أبعد مما ذهب إليه أي أحد -بالواقع، لم يحاول أحد مساعدتي، حتى مديري غير العادل- المهم أن الدرامي ذهب بعيداً في محاولاته، وقد هالني هذا، وبدا لي بأن الأزمة لها فائدة؛ لقد اكتشفت بأن هناك من قد يقف معي، حتى لو لم يكن له مصلحة، حتى أن الطرف الآخر كان قد رحل عن قسمنا منذ فترة ليست قصيرة.



أخيراً، اشتريت نبتة جديدة صغيرة للاحتفاظ بها في المكتب. الأولى ماتت منذ زمن طويل، إذ يبدو أن عمرها كان صغيراً، حيث أنها على شكل رأس ينبت الزرع فوقه كالشعر. أما هذه، فهي للزينة، عبارة عن قصب الخيزران، وهي معدة بحيث لا يطول القصب أكثر، لكنها تورق وربما تكثر أوراقها. اشتريت صحن مخصص لمثل هذه النبتة من دايسو قبل فترة طويلة.




هي الآن تحت رعاية زميلي الملتزم الكبير، حتى أعود من إجازة قصيرة قد أغادر بها الرياض لأمر مهم (ليس إلى القصيم). أسأل الله التيسير.





قبل قليل، دخل ثلاثة رجال إلى برقر كنق حيث أشرب جرعتي اليومية من الكولا، ألقى السلام أحدهم وهو ينظر نظرة فاحصة تجاهي، حيث أني الزبون الوحيد في المطعم. وحينما بدأوا بطلب الطعام، تبين أنهم من المنطقة الشرقية. كانوا صاخبين قليلاً، وقد أحدثوا جلبة عجيبة بطريقتهم الخرقاء، أطاحوا بكأس، ولم يعرف أحدهم من أين يأخذ الثلج، وسكبوا الكولا على طاولة. كنت أشعر بأنهم ينظرون تجاهي كل لحظة وأخرى، ليروا إن كنت قد تضايقت على الأغلب. كانوا يضحكون، لكن ليس بجنون. الغريب أنهم رغم إزعاجهم غير المقصود، وخجلهم منه، اختاروا الجلوس في الطاولة الوحيدة إلى جواري، تاركين كل طاولات المطعم الخالية من أي زبون على نحو مضحك وغريب. بيد أنهم خجلوا بعد قليل من ارتفاع صوتهم وضحكاتهم، وغيروا مكانهم وهم ينظرون إلي. انشغلت أنا بالقراءة ولم أنظر إليهم حتى لا أحرجهم. بالواقع، ليست أول مرة تختار مجموعة غير هادئة الجلوس بقربي رغم خلو كل الأماكن أو أكثرها، لكن الغريب هو أنهم أول من خجل وغير مكانه بعدما شعر بأنه مزعج.

وهذا موقف أعتبره كبيراً في مجتمع، بكل صراحة، وبكل أطيافه وحتى بأجانبه، لا يستحي عموماً. بالأمس أزعجني فلبينيين عن عشرة حينما اختاروا الجلوس قربي بمثل ظروف اليوم، من خلو المطعم من أي مرتاد آخر. وكانوا صاخبون، ولغتهم ليست حلوة على السمع. وهم رغم كل شيء ليسوا بأسوأ من مراهقينا الذين يشعرونني بأنهم أحضروا فجأة من غابة بعدما ربتهم قبيلة من البابون. لماذا يذهب الناس إلى عسير ويزعجون أهلها؟ عليهم فقط البقاء في مدنهم والتفرج على قطعان أبنائهم في الأسواق والمطاعم، رغم أنهم لن يقدروا إلقائك عليهم بالخبز أو الفاكهة مثل البابون هناك، إلا أن القاء بطاقات سوا مثلاً أو مشروبات طاقة ستسعدهم حتماً وربما قاموا باستعراض. وربما مع الوقت؛ سترى مراهق صغير متعلق ببطن مراهق أكبر وهو يمشي.

لكن لأقول الحقيقة، حدث أمر آخر أخذني بالذهول والصدمة قبل اسبوع، حتى أني حكيت لأهلي عنه حالما رأيتهم في اليوم التالي. جلس قربي مراهقون، والمطعم مزدحم، وأزعجوا بتفنن ومثابرة. ولاحقاً، وبلا حياء، أشعل أحدهم دخاناً، وصار يدخن وينفخ بطريقة تشعرني بأن قتله سيخفف من تلوث العالم إلى النصف. صرت أسعل رغماً عني، وأتنحنح أيضاً وأنا غير قادر على التنفس. التفت زميله إلي مرتين، ثم بدا عليه الارتباك، ثم الغضب العارم. ثم ضرب زميله ووقف بعصبية شديدة نقيضة للمرح الذي كان عليه أشد التناقض، وقال: قم امش دخن برا الله يلعنك يا شيخ!. تلكأ ذلك البليد ولم يكن يفهم ما الأمر، فصاح به صديقه فقام والحيرة تبدو على وجهه. خرجت الشلة بأكملها بهدوء نسبي وهم يتلفتون، وكانوا حوالي السبعة، وقبل أن يبتعد التفت إلي المراهق الغاضب، واعتذر بخجل وأسف شديد!!. كيف شعرت؟ شعرت بأن عقلي توقف عن العمل، ولم أدري بماذا أجيب، فأنا لم أستوعب تمام الاستيعاب أنه أخرج صديقه وكل الآخرين خجلاً مني إلا حينما اعتذر، لأني والله لم أنظر إليهم على نحو غاضب أو معاتب، لقد نظرت فقط إلى المدخن، الذي لم يلتفت إلي، بشكل خاطف، على نحو مُنهك. كم دخنوا الناس بقربي، وكم رأوا معاناتي ولم يعتذروا حتى، بل إن بعضهم قد يتضاحك حينما أغير مكان بعدما يطيلون الجلوس والتدخين، رغم تواجدي قبلهم بكثير.

لكني لا زلت لا أفهم، ما الحكمة من إسماع كل الموجودين في مكان عام كل كلمة تقولها؟ كل قصة وكل كلمة بذيئة؟.






قبل فترة، سجلت في نادي رياضي، بعدما وصل وزني إلى حدود مخجلة لم يصلها في حياتي. صار وزني مرتفعاً، وعلى حدود السمنة حسب مقياس الكتلة. في النادي، وجدت الأمر سقيماً إلى أبعد حد. ليس للأمر علاقة بالتعب هناك، لكني شعرت وكأني هامستر، محتجز لأجري في مكاني. لطالما أحببت المشي، وكنت أمشي كثيراً في السابق واشتهر بهذا. لكني توقفت أخيراً لأني صرت أمل من المشي وحيداً. لكن المشي في ممشى مع الناس يختلف عن المشي على سير متحرك، والجو غير المريح المحيط به. شعرت بأن الأمر في منتهى السخافة، لا أخفيكم. أعرف بأنه ليس سخيفاً بالواقع، ومفيد للكثير من الناس، لكن، ليس أنا. أتفهم حصول الناس على بعض الأجهزة في منازلهم، يستخدمونها بخصوصية، خصوصاً حينما لا يتاح دائماً الخروج للمشي أو التمرن، أو للحصول على نتيجة خاصة لا تأتي بالمشي باستخدام أجهزة مخصصة أو على الأرض، لكني ازدريت نفسي حينما وجدت أني أقطع مسافة طويلة بالسيارة، لأسير وحيداً كذلك في النادي، وبملابس أكرهها.
جربت السباحة، وكنت قد أخذت دورة، بذل فيها المدرب معي مجهوداً إعجازياً دون فائدة تذكر، وكان الأمر وكأنما لم أحصل على أي دورة. قد أعود مع ذلك لأجل المسبح فقط.

في أول الأيام من تسجيلي، جاءوا أبناء أخي بينما كنت قد لبست ملابس النادي وعلى وشك الخروج إليه. كان شكلي بالملابس جديداً، لم يروني هكذا من قبل. قال أصغرهم، ولقبه المحاسب لأن رأسه كرؤوس المصريين: والله يا عم شكل جنسيتك أمريكية!. ضحكت على التعليق الطويل لوصف مدى اختلاف هذه الملابس.

خرجت للمشي بسعادة قبل فترة مع زميل قديم من الجامعة، لكن، لديه التزامات، ولا يستطيع المشي على نحو دوري. أتمنى فقط أن أجد من يريد المشي والثرثرة.







قبل فترة، ذهبت والدكتور الألماني إلى مطعم، وقد صار يتجرأ معظم الوقت على دفع الحساب رغما عني. في المرة الأخيرة، قال بأنه لن يأكل شيئا لو كنت أنا من سيدفع. وأصر، وأبدى نوع من الانفعال، من باب الضغط. قررت أن لا أطلب أنا ما أشتهي، دون أن أقول هذا. لكن المشكلة أننا كنا في مطعم ياباني، وصعب علي جداً أنا لا أطلب روبيان التمبورا. فكان نصف عقاب. سألني بعدم رضا بعدما طلبت إذا ما كنت أعاقبه، إذ استقل ما طلبت، قلت لا، قلتها وأنا أشعر بالأسف. صحيح أنه الشيء الوحيد الذي طلبت مما أريد حقاً، حيث كان الطبق الآخر ثلاث لقم صغيرة من ماكي الخيار، إلا أني ضعفت أمام الروبيان. صار يتخيل أنه من الأفضل أن أطلب أغلى الأطباق حينما نذهب إلى مطعم، يتخيل بأن هذا يبهجني. لكن، لا يفهمني من هذه الناحية. إني مجهد مؤخراً، وهو يلاحظ هذا منذ فترة، ويجعله هذا يتخذ مواقف غير صائبة للمساعدة. في مطعم قبل فترة، فوجئت بأنه اختار لي أغلى طبق، دون مشورة. ماذا بوسعي أن أقول؟، لست أريد له الخسارة خصوصاً أنه كان سيدفع، ولست أريد أن أبدد مجهوداته. مع ذلك، لم يتمكن من فهم الحال والمشكلة، إن الأمر لا يتعلق بهذه الأمور.

عموماً تحدثنا عن الطبيعة في منطقته بفاريا، وسألت عن المياه الطبيعية فيها. حكى عن بضعة مجاري مائية، وحكى عن بحيرة يسبح فيها الناس عراة. أسمع عن شواطئ للعراة، لكن بحيرة للعراة، كان هذا جديداً، فلطالما ارتبطت البحيرات في ذهني بالأجواء العائلية البريئة. تسائلت باستغراب إذا كان هؤلا السابحين يستحون؟ قال بأنهم يستحون، فهم لا ينظرون لبعضهم، لكن يأتي بعض الأجانب للفرجة، قاصداً بأن هؤلاء الأجانب لا يستحون. تفهمت الأمر، وتخيلت جحافل من العرب، الخليجيين خصوصاً، على ضفاف البحيرة ينظرون ويعلقون، بلا حياء.

كان قد جاء بالشوكولاتة التي كانت تباع هنا وانقطعت، حيث سألني قبل أن يذهب عنها. أرسلت إليه صورة لغلافها. طلبت زوجته الشوكولاتة، ولكن للأسف لم تكن هي، أخبرته بأنها من نفس الشركة لكنها ليست هي. خاب ظنه كثيراً. أخبرته بأن هذه لذيذة أيضاً، لكني بالواقع كنت خائب الظن أيضاً. لكنها كانت لذيذة حقاً. تسائلت عن ثمنها، طالما أنه هو من لم يشترها فيجب أن أسدد. قال بأن زوجته اشترت لي الشوكولاتة من المال الذي يمنحه لها، قلت بأنها كانت تستطيع أن تصرفه على شيء آخر. قال بأنه لن يحمل معه مالاً حينما يعود، وأني يمكنني أن أعطيها المال حينما آتي معه إلى هناك وأراها. ضحكت. كان يعلم بأني لا أستطيع السفر، أخبرته بأنه يعرف بأني لا أستطيع السفر. ابتسم. نعم، يعرف.




ذهبنا قبل فترة إلى معرض التعليم العالي، أنا والدكتور. هناك، وجدنا الألماني الأصغر، ضمن العارضين لجامعات بلده. راقبناه من مسافة ونحن نتبسم، إذ كان غافلاً يسبح بأفكاره. رآنا فجأة فضحكنا، فجاء فرحاً ليسلم علينا. تكلمنا معه قليلاً، وعرفنا على بعض الناس. استدعى لي رجل يمثل معهد يعلم إدارة الأعمال، رغم إلحاحي عليه بأن لا يفعل. كان أمر محرج، فلم أكن لأذهب للدراسة في الخارج. جاء الرجل وعرفنا على بعض، وجاملني الرجل قائلاً بأن ساعتي تعجبه، فأسر له الألماني الأصغر بأني أكثر أهل الرياض رواقة (!!). كان الألماني الآخر الذي أتى به ذو شكل غريب. شديد الصهابة، ذو حضور بليد، له شفتين ضخمتين شديدتي الحمرة، وعينين فاتحتي الزرقة برموش شقراء، وشعر ذهبي غريب لا يكاد يتمايز عن جلده. لكن، معهدهم رائع جداً. شرح لي كثيراً، وراقب ساعتي حينما انشغلت بالكتابة، وعرفني على زميلته، وهي فتاة حسناء مترددة.

رحلنا أخيراً من عندهم، وأنا أشعر بالأسف على إضاعة وقت ذلك الرجل بلا فائدة.

كنت أريد أن أرى الدول الاسكندنافية، وفي الطريق مررنا بالجامعات الفرنسية، وكان ممثليها أناس غرباء ذوو نظرات فاحصة، لا تكف عن التحديق، لكن نظراتهم مع ذلك بسيطة ومسترخية، متأملة لكن من غير إبداء تعابير غير مريحة أو متحفظة، إنهم يتفرجون على الناس فقط كما يتفرجون عليهم، فأنا أعتقد أن غالبية الحضور ليس لديهم اهتمام بالتعليم، لكنهم يأتون للفرجة على هذا الكم من الاجانب. ثم مررنا قرب الجامعات الصينية، وقد أوفدوا حسناوات شديدات الملاحة من جامعة تسنقهوا، وهذا من لمحة صغيرة.

يعرف المرء بأنه اقترب من الجامعات الاسكندنافية حينما يرى الصوماليون يحومون حول المكان بكثرة. هناك، رأيت تخصصات أعجبتني. لكن، كان الصومالي الذي أجاب أسئلتنا أنا والدكتور غريب، كان لا يريد أن يقول بأنه صومالي الأصل، رغم أن المرء يعرف بأنه صومالي بمجرد النظر إلى وجهه، فللصوماليون سحنة واضحة وتكوين عظمي مميز. كانت تطغى هناك التسريحات الجريئة على الصوماليين والصوماليات، والحضور الواثق والسعيد كممثلين لجامعات سويدية. ظن الرجل الصومالي بأن الدكتور سويدي، ربما لأنه شديد الحمرة.

ثم، رأيت شخص أعرفه، وطلبت من الدكتور أن ينظر إليه، ويخبرني بما يعتقد عنه، كنوع من التفرّس. رأى الدكتور بأنه إنسان غير مريح، يبدو على وجهه البرود والقسوة، ويبدو وكأنه يخبئ شيئا عن الناس دائماً. كانت أوصاف دقيقة للغاية، رغم أنها لا تغطي كل أبعاد تلك الشخصية، التي ساهم المجتمع كثيراً بصياغتها أكثر مما صاغت نفسها، إلا أن لها أبعاد أخرى.

كنت دائماً مهتماً بإدارة الأعمال، لكن، أعتقد بأني يئست من نفسي قبل أي شيء آخر. أجد نفسي أكثر انجذاباً لتخصص يلائمني أكثر على ما أعتقد، قرأت عنه في جامعتين اسكندنافيتين.

مثلما كان الحال عليه في الثانوية، والاختيار بين تخصصين؛ كنت أعتقد بأني أريد دراسة الحاسب لبعض الوقت، فقط لأني أحب الألعاب على الأجهزة المماثلة على ما أعتقد، وكنت أفكر بأني لو لم أدرس الحاسب، فسأحصل على خيارات أكثر بأي حال لو اخترت المسار العلمي. لكن، فكرت لاحقاً على نحو أفضل وأكثر تركيز، وساعدني بهذا ما قالته أمي وأختي الكبرى، قلن بأن ميولي أدبيه. وجدت أني أفضل دراسة اللغة الانقليزية في الجامعة، وقبل كل شيء، أفضل دراسة المواد الأدبية على العلمية، بغض النظر عن تخصص الجامعة. المجالات العلمية مثيرة للاهتمام، لكن الأدبية أقرب إلى طبيعتي؛ وهذا الأمر شبيه بما فكرت به مؤخراً، وإن يكن بلا طائل على ما أعتقد؛ إدارة الأعمال مثيرة للاهتمام، لكن العلوم التي تهتم بالإنسانية وخير المجتمع تلائمني أكثر.






دكتور الصيدلة الأمريكي، الذي مشاكل راتبه لا تنتهي المسكين، كان معي لبعض الوقت مؤخراً ونحن نعمل على حل بعض الإشكالات. لدينا موظف في الرواتب، وهو من يعاني معنا من الأمر. لا أدري ما العلة، ففي كل مرة يحل المشكلة تعود في الشهر التالي على الأرجح. لكن هذا الموظف رجل لطيف جداً، هادئ جداً، وربما هذا أكثر ما يعجبني به، لكن للصبر حدود بالطبع؛ لهذا أعتقد بأنه سئم من رؤيتي، وليس بيدي حيلة للأسف، فكل ما أحاول القيام به هو مساعدة رجل عاجز عن التواصل. حينما اكتشف أن الإشكال في آخر مرة هو مسئولية موظف آخر، أرسلني إليه بارتياح. ولكني في اليوم التالي عدت إليه بحكم العادة؛ فنظر إلي بطريقة أقرب ما تكون إلى الغضب. نسيت! اعتذرت منه، وضحكت لاحقاً على نظرته. إن أفضل ما بهذا الرجل أنه لا يفقد تهذيبه أبداً، بالإضافة إلى هدوء الطبع والرغبة بالمساعدة. ورغم أني أكره قسمه، الرواتب، والقسم المجاور له، الحاسب، إلا أني أعتقد أن أهل القسمين هم الألطف والأكثر رغبة بالمساعدة. كراهيتي تعود إلى تعقيد الإشكالات المتصلة بهم، وطول الإجراءات هناك، فهذه الأمور فوق أنها تتلف أعصابي، وتقصر عمري على ما أعتقد، فإنها تجعلهم يبغضون رؤيتي مع الوقت. الأمر مثل ما يجري مع أبناء إخواني، مع فارق الحجم، فكثرة القُبل تجعلهم ينفرون من رؤيتي، غير أني أزعجهم بأسئلتي في القسمين المذكورين، ولست أقبلهم لحسن حظهم.

الأمريكي، وهو يفقد أعصابه على نحو مفهوم خصوصاً في رسائل الجوال، يشكو من مشاكل تتعدا قسمهم. سوء تدبير رهيب يحيط بأمر الرجل المسكين. ومن بعد ملاحظته قبل فترة التي ولدت توتراً بيني وبينه، ثم اعتذر كثيراً، صار يحاول أن يكون أقرب وأكثر حميمية. سألني عن أمي في آخر مرة التقينا، حيث أني أعتذر كثيراً حينما يرسل سائلاً المساعدة بأني بالمستشفى مع أمي، وسأل عن والدي. أوقعني أخي في حيرة حينما أخذ والدي إلى طبيب خاص وأصر على ن نتبع خطة ذلك الطبيب العلاجية، دوناً عن خطة المستشفى الجامعي. تخلينا حسب توصية المستشفى عن ما أوصانا به الطبيب الجديد من أدوية منذ فترة طويلة، والآن أخي مصر للعودة إليها لأن الطبيب الجديد يقول هذا. أخبرت الأمريكي بالإشكال. وطلب مني أن أرسل إليه أسماء الأدوية، فهو مختص بالصيدلة. أرسلتها، ورد سريعاً، موضحاً بأن الدواء الأخير الموصوف من المستشفى الجامعي خطير وغير ملائم أو ضروري لحالة والدي، مخاطرة مخيفة بالواقع، قال بأنه قد يسبب الوفاة بشكل ما. كنت ممتناً لإجلائه لحيرتي، والآن سأعيد الأدوية التي لن نستخدمها للمستشفى إن شاء الله.

إني أستغرب من بقاءه هنا، فمشكلة الراتب المتعثر ليست المشكلة الوحيدة، ولا أدري إن كان وجوده هنا يساوي تلف الأعصاب. حيث لا أعتقد بأنه يشعر بالارتياح في بلدنا.







أكتب الآن في مستشفى التخصصي، أكبر متاهة بالرياض. سمعة المستشفى مخيفة من حيث أنه مركز أبحاث غير ملتزم بالأخلاقيات كما كان يشاع قبل وقت طويل. لكننا لحسن الحظ هنا اليوم لإجراء فحص بالأشعة فقط لأجل المستشفى الجامعي الذي لا يملك بعض الإمكانيات. الناس هنا ألطف، ويمكنك رؤية أن وجود الموظفين الغربيين يحسن طبع زملائهم من العرب وخلافهم من أهل العالم الثالث. صحيح أن السعوديين بشكل عام على جانب من البرود و "موت الحيل"، إلا أنهم أفضل تعاملاً بكثير مما هم عليه في الجامعي. أما الممرضات والفنيين، فهم يميلون للتبسم واللطف وإلقاء التحية حينما يكونون في خدمتك. فني سعودي، ليس صغير بالسن، تطوع للقيام بإجراءات فتح ملف، فهو أسرع كما يقول لأنه موظف. كان لطف بالغ منه، لم أتوقع هذا التعاون والتقدير. خطه جميل جداً ما شاء الله، وبدا عليه الفخر والسعادة حينما أخبرته بذلك. إنه يكتب وكأنما يزخرف، ما شاء الله. 

لكن، لا شيء مثل مدينة الملك فهد الطبية هنا.





اقتربت إجازة اسبوعين أخذتها من الانتهاء. كانت اسبوعين من الراحة والاسترخاء إجمالاً. لكني الآن، شعرت بالندم على أخذها، رغم أني احتجتها حقاً. شعرت بالندم حينما تجمعت الالتزامات الحياتية القادمة، التي لا أدري ماذا سأصنع بها. مع ذلك، أشعر بأني ارتحت من الإرهاق الذي صارعته على كافة المستويات، ارتحت إلى حد بعيد، رغم شعوري بالأسى، الذي لم أشعر بمثله من قبل قط، لعودتي للعمل. لماذا الأسى هذه المرة؟ لأني لم أعد أطيق مكان العمل، والكثير من أهله. للمشاكل الأخيرة ومواقف الناس دور كبير. صحيح أن الدرامي وقف إلى جانبي، وهذا من المفترض أن يحقق بعض التوازن، لكن الدرامي واحد، وكان وقوفه معي مسألة أخلاقية بالنسبة إليه على ما أعتقد. إني أقدر وقفته كثيراً، لكن، لم أكسبه حقاً، ولكني خسرت مديري، إذ لم أعد أحب رؤيته، بعدما كان وجوده ورضاه حافز كبير، وخسرت تقديري للكثيرين كذلك.




لقد سافر أخي إلى استراليا، للدراسة مع عائلته. كنت أستفيد منه في الستة أشهر الأخيرة في مواعيد والدي، لكن الآن...





في الأشهر الأخيرة، صار الذهاب إلى العمل أمر مقرف، يجعلني أفيض بالنقمة والكراهية تجاه المكان وبعض أهله. أشعر وكأنما لا يوجد في العالم وظيفة أخرى يمكنني تجريبها، أو مكان آخر يمكنني العمل به، رغم أن هذا غير صحيح. لكن المشكلة؟ المشكلة هي حاجتي الملحة لمكاني الحالي، حاجتي الملحة لقربي من المستشفى والمنزل بنفس الوقت، وتفهم مديري لظرفي، ذلك التفهم الذي بت أتخيله يتأرجح بين الاستمرار والتوقف.
لكن من يهتم، إني لست من أهل النفاق، وحتى هو لا يجب أن يتوقع مني ذلك.

مع ذلك، شعرت بالشفقة أمس عليه. كان لتوه عاد من السفر، دورة أخرى يأخذها مع نفس الأشخاص المسنين دوناً عن أي أحد آخر، مثل كل مرة. كان الموظفين يسلمون عليه، وكان رده عليهم رد المعتاد والمتوقع لهذا السلام. لم يكن هناك أكثر من مجاملة. لم أكن لأسلم عليه، لذا، أتيت فقط حينما احتاج العمل إلى ذلك. لم أتوقع بنفس الوقت أنه سينتظر مني سلاماً. لقد رأيت شعور حزين، وخائب الظن في عينيه، وأنا أحدثه عن مشكلة موظف أجنبي معي أحاول مساعدته. كان تأمله تأمل شخص مدرك تمام الإدراك لموقفي، ولكن يبدو أنه توقع أن يخف، أو أن لا يصل لهذه الدرجة، مما أشعرني بالأسف. لكن، بقدر المحبة والتقدير القديم، يكون الجفاء والنفور على ما أعتقد.

يثير الأمر شفقتي صدقاً، محاولاته للتلطف، وإبداء الثقة، ونسيانه أحياناً للموقف الجديد، واسترساله بالحديث قبل أن يتذكر فيقطع ما يقول.











هذا طعام صحي يأتي من أمريكا الجنوبية، عبارة عن نوع من الحبوب المعذية، تسمى الكنوا، Quinoa، ويسميها البعض أرز الإنكا، حيث كانوا يتناولونها كما نتناول الأرز. من حيث الشكل، تبدو البذور غريبة بعد الطبخ، إذ تتفكك أجزاء منها، وتبدو الحبيبات كالأقراص المتناسقة الأبعاد، مع خيط قاس صغير ينقشع عن الحبة ويظل متعلقها بها بعد الطبخ. هو رغم أن تقديمه كالأرز أمر منطقي، إلا أن طعمه أقل حيادية بكثير من الأرز أو حتى الكسكس من المغرب، فيكون تجربة غريبة ولو طبخ بلا إضافات تذكر. له نوع من الحموضة، وليس له رائحة ملحوظة. يعجبني طعمه، وأعتبره تغيير، أمر جديد وغير مألوف. هذه صورة التقطتها مؤخراً من غدائي:





لم أره يباع إلا في التميمي، وبسعر مرتفع لكمية قليلة، ذلك أن ما يبيعه التميمي منه منتج بطريقة عضوية.


لدي مشكلة مزمنة في شفتاي تعود لسنوات، الجفاف والضعف، وهي مشكلة سائت مع الوقت. أكافح المشكلة بكل ما أستطيع، أتناول الفيتامينات، وهي تساعد قليلاً، وأضع مرطبات مختلفة وغير معروفة بحثاً عن الأفضل. مع ذلك، حتى حينما تكون شفتاي غير جافتين في لحظات قليلة، يكون الجلد الذي يغطيهما ضعيفاً إلى درجة أنه قد يتمزق وينزف حينما أبتسم في أحيان كثيرة. أعرف أن المشكلة الأساسية في الجو. حيث أني حينما ذهبت إلى الهند لم أضع مرطب الشفاة ولو لمرة واحدة، وزالت المشكلة من تلقاء ذاتها وكأنما لم تكن موجودة. كان شهر مريح من هذه الناحية إلى حد بعيد.

أمر الجفاف غريب، حيث أني أشرب الماء بلا انقطاع طوال اليوم. قد انهي خلال وقت العمل فقط لتر ونصف، خلافاً للشاي الأبيض أو الأخصر.
بيد أني منذ أيام اشتريت مشروباً جديداً، مستورد من أمريكا في التميمي، وقد أعلنوا عنه كمشروب صيفي جديد. هو عبارة عن شاي أخضر مع قطع حقيقية من الصبار، ويشرب بارداً. يوجد بنكهات، لكني أشتري النكهة الأساسية، أي بلا إضافات للشاي الأخضر والصبار. في البداية كان طعمه غريب، لكن سرعان ما أعجبني.
لكن ما أذهلني هو أنه بعد شربه زالت مشكلة شفتاي، زالت تماماً. لاحظت هذا بعدما وجدت أني لم أعد أستخدم المرطب. أتصور بأن قطع الصبار لها فائدة من هذه الناحية، لا أعلم، لكنه أمر رائع، وقد صرت أمطط (براطمي) باستمتاع حينما أتذكر أنها لم تعد تتشقق.
هذه صورة للمشروب الرائع. أنصح به بشدة، فلابد أنه مفيد:








الماء كذلك يشكل نوع من العبئ. يقلل الناس من أهمية نوعية الماء الذي يشربونه، رغم أنه يشكل جزء كبير من أجسامهم، فلو كانت نوعية المياه رديئة، فأجسامهم ستتكون من مادة رديئة. معظم المياه المعبأة محلياً رديئة جداً حسبما سمعت، بل إن بعضها لا أستطيع أن أشرب منه، مثل مياه صفا، التي تسبب لي المغص. أعتقد أن نوفا وأروى جيدتان.
ومشكلة المياه الاجنبية أنها غالية في معظم الأحيان. لكن مع بعض التدبير قد يصبح أمر شربها معقولاً.
يوجد أنواع جيدة منها وأنواع لا أشعر بأن طعمها مشجع. لكني لا أشعر بالارتواء مثلما أشعر به مع مياه متوسطة السعر لا تباع في غير كارفور، وحينما تنتهي الكميات التي لديهم أشعر بأن هناك أمر ناقص. لديهم نوعين من فرنسا، باسم محلهم مطبوع عليها. أحدها أعتبره رديء جداً. التي أحب اسمها فوبان، وهي ذات تغليف وغطاء وردي، أما الأخرى الرديئة فهي زرقاء، ودائما أجدها متوفرة. هذه صورة لفوبان:




مياه سويس ماونتن ممتازة جداً كذلك، على أني أفضل فوبان.





سافرت إلى مدينة الجبيل أخيراً، لمدة يوم تقريباً. ذهبت وأختي وأبناؤها إلى هناك. المدينة القديمة بسيطة، ولكن الغريب هو أن السعوديين بها ندرة، وأغلب المشاهدين هم عائلات هندية وباكستانية كما رأيت.

أما الجبيل الصناعية، فهي مدينة مزينة ومعتنى بها أكثر بكثير. لكن ما يهم هو شاطئها المشهور، شاطئ الفناتير. لم أذهب إلى شواطئ كثيرة، فقط جدة والدمام. لكن شاطئ الفناتير هو الأفضل على كل المقاييس. كان الكورنيش رائعاً، مجهزاً بزرع مسقي جيداً، وبأماكن مختلفة وأنيقة للافتراش والجلوس، وبعد الزرع يمكن للمرء أن ينزل درج يأخذه إلى الشاطئ الرملي، النظيف على نحو معقول. يمكن رؤية جهل الكثير من الناس الذين يتركون أماكنهم بأوساخها كالحيوانات. المياه صافية وجميلة. وكان الجو مقبولاً جداً، فرغم الصيف كانت تهب نسائم باردة في بعض الأحيان، وكانت الرطوبة أقل مما توقعت بكثير، ولم تسبب مشكلة.

لكن رغم طول انتظاري لرؤية بحر الجبيل إلا أني لم أذهل. لقد رأيت المحيط في الهند، ولا شيء مثل المحيط. بدا البحر تافهاً، أمر شديد العادية. حينما ذهبت إلى المحيط في الهند، فهمت ما كانت أختي تحاول أن تصف من شعور ورهبة أمامه، حيث كانت قد رأته في عمان.


لا أعتقد أن رؤية البحر هنا ستثير حماسي مرة أخرى. إني من أهل المحيط.


هذه إحدى الصور الفاشلة التي التقطها ابن اختي لي(محسنة):




وهذه صورة لامتداد الشاطئ (محسنة):





تقول أختي بأن شاطئ العقير في الأحساء أفضل.







فوجئت أمس وأنا أقوم بالتحويل للخادمة بأن التحويل للبلدان البعيدة أرخص بكثير من التحويل إلى دول الخليج. كنت أريد التحويل إلى مؤسسة أبو ظبي للإعلام، حتى أشتري كتاب عن اختراعات المسلمين منهم، وهو كتاب أريده منذ أشهر طويلة، حينما أعلن عنه، ولم أستطع الحصول عليه. الأمر السخيف هو أنهم لا يبيعونه سوى عبر البريد. بينما يوزعون المجلة في كل مكان. ولا يمكنك الدفع مباشرة عبر البطاقة الائتمانية، وكأن المؤسسة ليست في الامارات، ولا تنتمي لعصرنا الحاضر. الكتاب يكلف حوالي 170 ريالاً لمن خارج الامارات، ولا مشكلة لدي بهذا، لكن الحوالة تكلف 70 ريالاً على الأقل، وهذا أمر سخيف، فالحوالة إلى اندونيسيا تكلف 15 ريال. أرسلت إليهم من قبل أشكو الأمر، ولكن رغم استعراضهم لتقدميتهم عبر مقالات رئيس تحريرهم غير المريح، لم يجيبوا كأي عرب ناقصي الوعي والاحترام، وأعني هنا القائمين على المجلة. أما مسئولوا الاشتراك بالمؤسسة فقد أجابت موظفة متعاونة جداً منهم. أجابت على عدة رسائل أرسلتها للاستفسار وبسرعة.

حينما أرسلت كنت قد حاولت أن أرسل المال عبر حوالة عادية، من البنك الفرنسي والراجحي، فوجدت التكلفة غير منطقية، خصوصاً مقابل سعر الكتاب نفسه.
لكن لحسن الحظ، يتواجد أخي الكبير هناك لأيام، بعدما عاد من مؤتمر في الصين. اتصلت به، وزودته بالمعلومات اللازمة ليطلبه منهم، وسيكلف هكذا 110 دراهم.

جاء أخي بالكتاب، وبكتاب وخريطة من الصين. الخريطة للمدينة المحرمة في بكين، المكان الذي أتمنى زيارته. والكتاب عن الآثار هناك، وهي أشياء مذهلة.




هذه صورة لحديقة واسعة في مدينة الأمير سلطان الإنسانية، وهي حديقة جميلة، في مكان غير متوقع، يجري فيها قناة ليست بالقصيرة أو الضيقة. أذهلتني رغم أني لم أرها سوا من خلف الزجاج.










لا أدري لماذا، فجأة وجدت نفسي راغب بشدة بسيارة جديدة. رغم أني لم أفقد حبي لسيارتي الحالية. لكن هذا الإحساس يأتي على فترات متباعدة، ويذهب من تلقاء ذاته مع الوقت لحسن الحظ، فلا يمكنني أن أسرف وأنا لدي أولويات والتزامات أهم.

ربما لأني رأيت سيارة يمكنني أن أطمح إليها من رينو.

على فكرة، النطق الصحيح لرينو هو: رَنو.





شعرت بالأسف اليوم، ولم أتمكن من تجاهل أفكاري ومشاعري حيال ذلك. علمت أن والدتي كانت قد رجت أحد الأقارب أن يبلغها حال اجتماع أفراد عائلته، حتى تتم زيارة ووصل. اجتمع الناس، ولم يتم إبلاغ والدتي، كالعادة. حب والدتي وحسن نواياها يحطم قلبي. كان قد قيل لها من قبل فرد من تلك العائلة، حينما سألتهم أن يزوروها حينما يتواجدون، أنهم لا وقت لديهم، ولو كان لديهم وقت لزاروا قريب آخر. علمت عن هذا قبل فترة، وقد أدمى الأمر قلبي.

ماذا يضر الناس تناول فنجان قهوة، ومبادلة الاهتمام، مجاملة على الأقل لشخص يحبهم ويحرص عليهم.
لكن هذا سؤال غبي، خصوصاً مني أنا، وقد عانيت الأمرين من مثل هذه المواقف. تقبل على أناس فيحجمون عنك، دون تقدير، أو إحساس. ولا تدري ما العلة حقاً. إني لا أحقد على هؤلاء الأقارب، لكن، ماذا بوسعي غير الشعور بالألم. لكن من يعلم، لعل لديهم ظروف معينة لا أتخيلها.


بالمقابل، جئت قبل أيام من غرفتي لأرى والدتي، فسمعتها تودع امرأة وابنها من الأقارب. لم أعرف صوت المرأة، ولم أعرف صوت الأبن، أي أقارب هم؟ هكذا تسائلت. لكن سمعت المرأة تقول لأمي بلطف بالغ: يا حبيلتس. فعرفت بأنها قريبتنا التي زرناها في عنيزة، حيث أن كل أبنائها الذين رأيت يقولون هذه العبارة اللطيفة دوناً عن بقية الأقارب، باستثناء واحد منهم، هو الأقل لطف ورقة.
حينما دخلت والدتي بعدما غادروا، عرفت صدق تخميني. سألتها بحزن لماذا لم تخبرني حينما جاؤا لأراهم، إذ أن أحد أبناؤها جاء بها بينما جاء آخر ليأخذها. قالت بأنها نسيت الأمر. كانت خسارة كبيرة. شعرت بالامتنان الشديد لزيارتهم، أكثر مما أشعر به حينما يزورنا أقارب زيارات أداء واجب قد يضطرون إليها بشكل ما، رغم امتناني لهم كذلك.





قبل فترة، وخلال إجازتي التي استغرقت اسبوعين، رتب الدكتور الألماني لمحاضرة عامة برعاية كرسي الأبحاث الذي يعمل فيه. أخبرني بأن المحاضر سيكون استاذاً سويسرياً. وفهمت بأن المحاضرة ستدور حول مسئولية الشركات تجاه المجتمعات. حضرت في ذلك اليوم لأتواجد هناك، حيث كان الدكتور متحمساً للمحاضرة جداً، ومهتماً بسير الأمور على ما يرام. أتيت لأسمع ودعماً للدكتور كذلك. رأيت الدكتور يأتي بصحبة رجل وسيم وأنيق ربما في بداية أربعيناته، لكنه لم يكن أوروبي الملامح. افترضت بأنه ربما من الشق الإيطالي من سويسرا، رغم أن الناس هناك مثل شمال إيطالياً تغلب عليهم السحنة الأوروبية على حد علمي. علمت لاحقاً بأن الرجل مصري الأصل، وهذا لم يكن واضحاً.

قبل دخولي صافحت الدكتور وصديقه الذي يعمل معه وأعرفه جيداً، وهو رجل مصري من النوبه، فائق الكرم، رائع الذوق واللطف. وعرفني الدكتور إلى صديقه السويسري المصري بأني  سعد. صافحني بلا اهتمام، رغم حماس الدكتور.
مر طلاب أرغموا على الحضور من قبل الدكتور السعودي الذي يدرسهم. وكانوا إجمالاً صاخبون، صفيقون، بدائيون وكأنما أخرجوا تواً من عرين الجهل، أو أغلبهم على الأقل. مروا وعلقوا مازحين على نحو بلدي مع الدكتور الألماني وضيفه، دون أي تفكير بالانطباع الذي قد يخلفونه. وهم لا يعلمون بأن السويسري بالواقع مصري، ويعرف اللغة العربية جيداً بطبيعة الحال.
كثر هذر الطلاب في القاعة المدرجة. وقيلت مزحات سخيفة وتنم عن وعي واهن. التفت الدكتور الألماني إلى الخلف ليرى الحضور، فوجده كثيفا (جميعهم باستثنائي، وزملاء الدكتور، ودكتور الطلاب، ودكتور هندي، طلاب ضغط عليهم للحضور). ابتسم الدكتور الألماني بسعادة، وهز رأسه برضا وتشجيع. فعلق أحد الطلاب: تراه يحبني هذا الألماني!. يا للسخافة.
بدأت المحاضرة، التي تم الخلط فيها بين اللغة العربية والانجليزية، الأمر الذي يبدو أنه لم يعجب الدكتور الهندي بجانبي. السويسري يعمل في شركة سيمنس الألمانية، والتي تكثف حضورها هنا لأجل مشاريع النقل، وهو يعمل مسئولاً فيها. وكان يعمل في بي ام دبليو، شركة السيارات الشهيرة. كانت أمثلته تتعلق بهذه الشركتين، لكن لم يتحدث كثيراً أو تقريباً أبداً عن الشراكة مع المجتمع، وهذه الشراكة هي بالواقع محور اهتمام كرسي البحث الذي رعى المحاضرة.
كان الطلاب إجمالاً فاقدون للتركيز، والعجيب أنه كان لديهم رغبة كبيرة بالمشاركة ومقاطعة المحاضر حيثما لا يلزم، ولو كانت مشاركاتهم تأتي كيفما اتفق، وأفضلها صلته بالموضوع ليست وثيقة، وأسوأها وهو الأغلب الأعم لا صلة له بالأمر
أحدهم احتج فجأة، وبلا سياق، على حادثة قطارات من سيمنس وقعت في سويسرا، ولم تقع في الصين!. وانفعل ولم يرد أن يتوقف عن التحدث بالأمر الذي جاء دون أي سياق أو داع حتى يثبت شيء ما، ربما أراد أن يثبت بأنه عالمي الطابع، ومرتفع الوعي. كان المحاضر مهذباً جداً، وواعياً جداً، ولكن بدت عليه الحيرة وعدم الاستيعاب لسبب المداخلة العجيبة، والإنفعال المختلق، وعدم ترك المحاضرة تمضي لبعض الوقت. شعرت بالألم لهذا الغباء بصراحة، هل هي الدراما في التلفزيون التي توهم الناس بأن الوعي عبارة عن انفعال يظهر حول أي شيء وفي أي مكان؟. ورغم غباء بعض المداخلات وانعدام تركيزها، إلا أن هذه المداخلة كانت الأسوأ من كل النواحي، كانت دراما سخيفة جداً، وهذه سمة خلت منها باقي المداخلات. كانت هناك مشاركات مقبولة، وواحدة جيدة من حيث الفطنة وتذكر إجراء معين، ولكن ليس على المستوى الفكري في رأيي.
علق الدكتور الألماني تعليقاً، وسأل، وكان الأمر يتعلق بتجربة لديه، ومشروع مقترح. الدكتور السعودي كان يتابع باهتمام، ولم يجازف بمداخلة تذكر.
توالت بعض الأسئلة، بعضها مقبول نوعاً ما. رفعت يدي لأسأل، وكان المحاضر سيختارني، لكن الدكتور الألماني الذي يجلس أمامي سبقني بالتحدث. نظرت إلى شعره من الخلف، وكان كثيفاً جداً، وناعماً، فذكرني بوبر الألباكا، وهو حيوان قريب للاما والبعير، ولكن وبره الطويل يشتهر بنعومته الحريرية وغلاء ثمنه، حيث حسبه الأوروبيون الهمج حينما غزوا الإنكا حريراً حينما رأوه على الناس.
حينما انتهت مداخلة الدكتور، التي صارت نقاشاً مثيراً للاهتمام، رفعت يدي فاختارني مشيراً إلى، وهو يبتسم للآخرين وكأنما يعتذر، متمتماً بأني قبل الجميع. ابتدأت مقتبساً من محاضرته قوله بأن كل الشركات الكبرى مثل الشركة التي يعمل بها، سيمنس، لن تستمر دون العولمة، التي سينتهي من لم ينخرط بها من الشركات، كان يهز رأسه مصادقاً، سألت؛ ألا تعتقد بأن العولمة تتعارض مع المسئولية الإجتماعية؟. انفجر الدكتور الألماني ضاحكاً بصوت مرتفع، بينما التفت إلي الدكتور السعودي بسرعة، مما أربكني وأجفلني، إذ شعرت بالخوف من أني قلت شيئاً غبياً. ارتبك كذلك المحاضر، وتلعثم بعض الشيء. ولكن حينما أجاب عرفت بأني سألت سؤالاً مشروعاً على الأقل. شرح بأنه بالواقع ليس ضليعاً بالمسئولية الاجتماعية. وقال بأن الأمر يحتاج إلى نقاش موسع لتقريره، وأضاف مجاملاً بأنه سؤال جيد، وأنه سعيد بمستوى الوعي هنا. طال الموضوع قليلاً، ما بين استيضاح وأمثلة لاحتمالات، ثم شكرني مرة أخرى على السؤال، وأثنى علي. سمعت الدكتور السعودي يتسائل موجهاً كلامه للدكتور الألماني، يتسائل من أكون، وإذا ما كنت من طلابه؟ أخبره الدكتور بأني لست طالباً لديه، إنما أنا صديقه (الدكتور الألماني)، ردد الدكتور السعودي بتعجب، وكأنما الأمر مستحيل: صديقك؟!. أكد الدكتور الألماني ذلك. في ختام المحاضرة كان وجه الدكتور الألماني قد احمر كالجمر لسبب ما. قال لاحقاً لأنه كان سعيد بنجاح المحاضرة. حينما خرجت، استوقفني الدكتور الهندي، وعلى ما يبدو لم يعرف بأني الموظف الذي يراه على الأغلب حينما يقوم ببعض الإجراءات، فظنني طالباً. كانت لديه وجهة نظر في قولي، ورأيي بالمسئولية الاجتماعية الذي ناقشته على نحو طفيف للإيضاح، كان يريد أن يعرض وجهة نظره ويمضي بوضوح، أي أن يعلمني شيئاً فقط، لهذا ابتسمت له وشكرته، وقلت: صحيح. ما الفائدة من قول أكثر من ذلك؟ فوجهة نظري قلتها في المحاضرة.

في وقت لاحق سألت الدكتور لماذا ضحك على هذا النحو المفاجئ؟ فقال بأن السؤال أعجبه، ولأنه سعيد بأن صديقه هو من ألقى السؤال. أخبرني بأن سؤالي أعجب الدكتور السعودي كثيراً، وأنهم تناقشوا بالأمر.



مما قرأت مؤخراً، كتاب لمؤلفة كورية، أخذته بعدما لفت انتباهي عنوانه. عنوانه: أرجوك، اعتن بأمي. لفت انتباهي تمحوره حول الأم، الدور الحياتي الذي يتم تجاهله باستمرار، أو قولبته حال المرور به مرور الكرام.
ماذا بوسعي أن أقول عن الكتاب؟ إنه متوسط، بلحظات جيدة وأخرى غير ضرورية. بشكل عام، أشعر بأن الوصف الأجدى لمعظم الكتاب هو الترهل، ومتابعة أحداث أقل ضرورية، وابتزاز غير موزون للمشاعر. لكن، يوجد لحظات معبرة جداً، أو فصول كاملة. لعل الاجترار المتكرر لنفس الأفكار والذكريات، ومتابعة شخصيات أقل إثارة للتعاطف قد أسائت للكتاب بنظري. لكنه كتاب بهدف نبيل جداً، وهذا أمر شديد الندرة.
يدور الكتاب حول عائلة كورية غير مترابطة بشدة، ولكنها مترابطة بشكل ما، تضيع والدتهم وهي قادمة من الريف مع والدهم، حينما يستقل قطار أنفاق في سيول، العاصمة الكورية الضخمة، دون أن ينتبه أن المرأة المسنة لم تستقل القطار معه حتى يصل القطار إلى وجهته.
من خلال بحثهم الذي يبدو أنهم يعانون في تنظيمه مع حياتهم المشغولة، تطرح الكاتبة الذكريات وتناقش كل الدوافع التي جعلت من ضياع المرأة ممكن. لكن الذكريات أكثر من اللازم، وكثير منها غير ضروري. لكن النقطة الجميلة في الكتاب هي الوعي المتصاعد في ضمائر أبناء وزوج المرأة تجاه الخسارة الفادحة، والذعر الذي يتصاعد مع الوقت كلما ازداد اليأس، ليفصح عن مشاعر مؤثرة جداً في معظم الأحيان.
كعادة بعض الكتب، القيمة النهائية التي قد تجعلك لا تندم على قرأة الكتاب تكمن في معظمها في نهايته. لا شيء غير متوقع تماماً بخلاف العرض المكثف لمشاعر جديدة. دمعت عيناي اليوم أكثر من مرة في الصفحات الأخيرة، حتى صرت أعجز عن القراءة، في حين أثار الكتاب قبل ذلك مللي عموماً.
في رواية اسبانية قرأتها، تدعى رؤى لوكريثيا، كانت النهاية بالنسبة لي هي أجمل ما كتب في ذلك النص، كانت مؤثرة من حيث قيمتها الفلسفية والواقع العام والمحزن لعموم الحياة. لكن هنا، حيث يحكي الكتاب عن حالة أكثر خصوصية، ينبع التأثير في النهاية من الشعور العميق باليأس والضياع والندم.
إنها رواية نبيلة حقاً بغض النظر عن عيوبها.
 لفت انتباهي أن غلافها، وخلافاً للعادة، أتى أجمل بكثير وأعمق تعبيراً في النسخة العربية عنه في النسخة الانقليزية. حيث يعرض امرأة أسيوية ذات وجه معبر بطبيعته، تنظر على نحو يوحي بعمق التأزم والحيرة التي تعيشها. بينما في النسخة الانقليزية يعرض على الغلاف امرأة آسيوية حسناء، تصلح أكثر بنظرتها وحضورها للظهور على غلاف رواية عن المحظيات. بدا وكأن الغلاف الانقليزي صنع ليسوق على أمريكان بالمقام الأول، لكن لا يبدو الغلاف العربي وكأنه صنع ليسوق على عرب رغم ذلك.
وقد خطرت في بالي قصة حقيقية جرت بالرياض. جاء رجل مسن مع أبنائه من تبوك في أقصى الشمال الغربي لحضور زواج أقيم في استراحة (مكان بعيد غالباً البنيان، بغرف قليلة وساحة قد تحوي حديقة ولوازم الاستجمام والضيافة) وخرج الرجل المسن ليتمشى، ولكنه أضاع الطريق، ولم يكن يعرف شيئاً عن المكان، وتاه في جنوب الرياض، في منطقة مشهورة بالمخالفات والمشاكل. كان الناس يهربون خوفاً حين رؤيته، إذ كانوا يظنونه مدمن مخدرات لهيئته الرثة، إذ أضاع شماغه واتسخ ثوبه، وكان فوق هذا رجل أسود، ويشتبه الناس بالسود في مثل هذه الحالات مع الأسف. لم يكن لديه مال، فأعياه الجوع. وجده مراسل جريدة الرياض، واشترى له بعض الطعام، وأنقذه. كان أبناؤه يبحثون عنه لأيام، وأخذوه معهم. لكن كان الرياض يعيش أجواء قارصة البرد، فمات بعد وقت قصير في تبوك بعد أيام ضياعه. أتذكر صورة ابنه الصغير، وهو يقبل رأسه باسماً، كان الصبي ذو ١٠ سنوات على الأكثر. الأب كذلك كان مبتسماً وهو مستلق على فراش المرض.



إذاً، قد تم الاستغناء عن مدير الجامعة أخيراً، واستبداله بآخر على نحو مفاجئ. أشعرني الأمر بالراحة، رغم شفقتي على المدير السابق. المدير الجديد لم أتعامل معه كثيراً قبل ذلك. كان يعمل  في عمادتنا، وهو على ما يبدو أكثر اتزاناً من السابق، لكنه ليس ذكياً على ما أعتقد، لكني لا أنتظر ذكاء بالحقيقة ولا أتوقعه، لكن لعله أكثر حذراً بطبيعته وأكثر تأملاً، وهذه أمور إن لم يكن يتحلى بها بطبيعة الحال فيجب أن يتحلى بها الآن طالما سيجلس في مكان شخص تم الاستغناء عنه. عموماً كل ما أتمناه هو النزاهة والعدل والتواضع، وإعادة الجامعة إلى مسارها الصحيح؛ التركيز على الطلاب قبل أي شيء وأي أحد آخر.

التقيت بالدكتور الألماني قبل أمس، حيث أنه كان متحمساً من آخر لقاء لنا لدعوتي إلى مطعم ياباني جربه، ولم أجربه من قبل. أخبرني بأنه انتظر رؤيتي ليسألني عن رأيي بالأمر، أمر إعفاء المدير السابق واستبداله. هذا ما أخبرته به.




كان عشاء جيد، رغم أن لم أكن لأوافق لو علمت أن أسعاره مخيفة هكذا بما أنه كان سيدفع. كان مطعم فروساتو، وما تذوقته به أفضل من أي مطعم ياباني آخر، باستثناء أنه لا يقدم الكاتسو دون، أرز ولحم بطريقة خاصة، وهي من أطعم الأكلات التي تذوقت.
وكان الاتفاق هو أن نلتقي نهاية الأسبوع القادم، لكني سافرت، الآن أنا في الطائف، أخذت والدتي وأختي وبعض الأطفال، وسافرت قاطعاً أكبر مسافة وأنا أقود. هذه السنة سنة الأرقام القياسية. ألف محمد ابن أختي، الكبير في الصورة أعلى التدوينة، ألف أغنية جميلة، قبل أن ينبح عليه أخويه فيتوقف، فتوبخهم أمي وتتشكى من الناس الذين "يقمعون" الآخرين (تنفع وزيرة ثقافة وإعلام في مصر). وتحدثت ابنة أختي باللهجة التي تحب؛ اللهجة اللبنانية، ولو سمعتها لعرفت كيف يتحدثن "زعرانات" لبنان(مؤنث زعران).
اعتمرنا، وكانت عمرة يسيرة، سوا أن أحذيتنا سرقت، فيما نجت أحذية النساء ومغني الرحلة.



قبل فترة قصيرة، تعرضت لظروف جعلتني أعيد النظر على نحو لم أقم به من قبل. تمخض هذا عن قرارات عادية، بالنسبة للناس، نأيت بنفسي عنها منذ سنوات، لأسباب متعددة. إنها انقلابية نسبياً، بالنظر إلى حياتي وطريقتها. حينما أخبرت الدكتور بدا عليه الذهول، والفرح. قال بأن هذا ما كان يخبرني دائماً به. لقد كان يقول الحقيقة، لكن كان يجب أن تأتي ظروف معينة لأراها على هذا النحو.







سعد الحوشان