الجمعة، 14 مايو 2010

ليس الوقت في الساعة(قبل مغادرة الهند)

بسم الله الرحمن الرحيم





أتمشى مؤخراً في الهند، في طريقي لشراء حاجياتنا، وأفكر بأن الأمر متناقض. يبدو أنه مضى علي الكثير هنا، ويبدو أنه لم يمض شيء.
أعلم بأن الوقت في القلب، هذا ما كنت أعتقده ولا زلت، إن القلب يحدد شعورنا بالوقت. لهذا تمضي الأوقات السعيدة سريعاً، ولهذا تبطئ الأحزان على قلوبنا، وتتعملق، حتى يصبح أثرها الأكبر. لكن، لم يعد هذا ما يجري معي، لسبب أعتقد بأني عرفته الآن، وأنا الذي كنت أعتقد بعبثية قلبي، وآليته؛ أعتقد بأن قلبي غير قادر على الشعور بالمدة على نحو دقيق، أو القرار على شعور محدد تجاهها، لأنه مختلط المشاعر عموماً، ويميل إلى السهو، والسهوم بأحداث ماضية، لم يعد لوقتها قياس.
كما أني عموماً لا أملك الإحساس السليم بالأشياء غير المنظورة القابلة للقياس على ما أعتقد. احساسي عموماً سيء بالاتجاهات والمسافات. وهذا مؤشر ربما يؤخذ كعارض دال.

هل ما رأيته هو الهند حقاً؟ هل هو كوتاكال على الأقل؟. ربما سأتسائل هكذا، حينما يمرق الوقت، وأبدأ كالعادة بالخلط.
أعرف بأني رأيت الرياض، والقصيم، وهي أماكن لن يخامرني الشك حيالها أبداً. رغم أن القصيم تبدو خيالية، لأنه يبدو أني أعرف عنها أكثر مما أعرف بالواقع، لأني أعيش امتداد لحياوات أخرى كانت تدب عليها.

لكن، ماذا عن الناس؟ هل هم كالأماكن؟ شعورنا بهم خاضع للوقت؟ هل الخلط في أمرهم، وليس بينهم، أمر وارد بالقدر المعقول؟. يعتمد على الناس. لا زلت لا أنسى علاقات ومعارف عرفتها صغيراً. كنت ربما هامشياً إلى حد يجعلني أتصور بأنهم لا يتذكرونني الآن. بينما أعلم يقينا بأن ذاكرتي لا تخلو من ثقوب.



هل أنا سعد؟ من أنا؟ يحدث أن أنظر إلى المرآة بوعي معين، وأشعر بصدمة، حينما لا أعرف نفسي.



قابلت أناس نسيوني، وأناس كنت أتصور بأنه يجدر بهم نسياني، مع ذلك تذكروني جيداً. عرفت شخص يتظاهر بالنسيان، ليبدي عدم المبالاة، لكنه لا يريد أن يُنسى أبداً، وهذا ما يجعله لا يَنسى بدوره. وهذه ليست مأساة، إنه يدور فقط في حلقة مغلقة، حتى يقرر ما يريد، أو، يخرج عن مساره حين غفلة. مثل الفراش المتورط بالدوران حول ضوء اصطناعي. الفراش، لو مددت له عصا، سيستقر فوقها، وستتمكن من إنقاذه، بإبعاده على النور.

الأشقاء ينسون بعضهم.
هذه المأساة.




مر اليوم سريعاً نسبياً. لم يبدو أنه سيكون كذلك في بدايته. أرجو من الله أن ييسر باقي الأمور، قبل الذهاب.  غداً سيتبقى اسبوع على عودتنا.


قررت أن أدلل نفسي قليلاً لأقطع الوقت. سأذهب أكثر لأستخدم الانترنت. بعد العشاء بقليل، أخرج وأذهب إلى حاسب المركز المخصص للزوار، وأفصل وصلة الاثرنت وأشبكها في النتبوك، الذي اشتريته قبل أشهر لأجل هذه الرحلة أساساً بشكل أساسي. تأجلت هذه الرحلة كثيراً، وأحاط بأمرها الكثير من العراقيل. والحمد لله على كل حال. بعدما أفرغ، ولا أسرف في الأمر أبداً، أعود أدراجي إلى الغرفة. في طريقي أجد الرجال مجتمعون يتسامرون، بعضهم على كراسي، وبعضهم على مطارح على الأرض. نادراً ما أجلس، ولم أكن لأجلس لولا وجود المطوع الجديد. صرت أختصر جلوسي حتى مع وجوده مع ذلك. ولم أعد أحاول أن أحادثه لأسري عن نفسي. أخاف أنه سيحسب أني غريب، أو ثقيل. يستدعيني للجلوس وأنا مار، لكنه رجل مجامل بوضوح، وأعتقد بأنه لا يجدني مريح تماماً لكنه يخاف من التسرع بالحكم. ربما لا يعجبه سماعي بجهاز الموسيقى وأنا مار؟. وأنا عائد اليوم، وجدته مع شخص واحد، لماذا شخص واحد؟ لأنه أمس، رحل سبعة رجال بعوائلهم ومرافقيهم، لقد قل عدد الناس، رحل الكثيرون أمس، وفي الأيام القليلة الفائتة. بقي بضعة شيوخ عموماً، وبعض الشباب الشقي. ناداني، وطلب مني الجلوس لسماع "السالفة". جلست  ممتثلاُ، ولكني لم أعرف عن ماذا يتحدثون. سرعان ما قام هو لأجل الطبيب، ودخل غرفته. بقيت أنا والرجل الآخر. تكلمنا قليلاً، ثم استأذن منصرفاً، في حين جاء شاب آخر. كان الكثير من الشبان قد ذهبوا إلى حفل غنائي في مكان مجاور، عرفنا عنه لأن صوت الموسيقى هو أعلى صوت لموسيقى سمعته. عاد المطوع الجديد بعد قليل.  وذهب الشاب الآخر تاركنا لوحدنا. تكلمنا حول شتى الأمور. عن العادات وهذه الأمور. لديه الكثير ليقوله، بعض كلامه جيد ومقنع، وبعضه لا، لكنه يتصرف وفقاً لعمره، يتكلم ويهتم بأن يتكلم، ولا يهتم كثيراً أن يسمع أو يستوعب بشكل كامل، رغم أنه على جانب جيد من الذكاء، حيث أثق بأنه ناجح ومنتج جداً في عمله وتخصصه، لكن ما أتحدث عنه هو مسألة اجتماعية. علمني الكثير من الأمور الحياتية، اقتنعت ببعضها، وكان قيماً، بعضها لم أقتنع به تماماً، لكني لم أستطع إيضاح وجهة نظري، وبدا لي أنها غير مهمة تماماً. جاء شاب وجلس معنا، وهو هادئ، ويهتم بترتيب مظهره كثيراً ولكن إلى حد محمود. أدخله بنقاشنا، حول الإخوة الصغار، ووافقه بوجهة نظره، ولم يوافقني، كان الأمر واضحاً، وكما شرحت، إن وجهة نظرهم هي النموذجية. يحتاج المرء إلى تفكير، وتجربة، ليتجاوز وجهة النظر تلك، ويتمكن من استيعاب غيرها. كان الشاب أقل دبلوماسية وذكاء في تعبيره. ذهاب إلى حد غير مفهوم من الوقاحة.
كانت جلسة ممتعة إلى حد جيد. دقائق من المشاركة الاجتماعية الجيدة بالنسبة إلي، من ضمن الوقت الطويل  هنا.
لكني أعتقد بأني قلت له أكثر مما يجب.


عشنا وضع صعب منذ أمس. ورقة التقرير التي تحتاج إلى تصديق من القنصلية السعودية أصبح وضعها غامضاً. كان مدير المكتب الذي يهتم بالأمر حسب توصية القنصلية، وهو نفس الشخص الذي دعاني إلى منزله، أقول كان متعاوناً ومهتماً جداً. أمس، اتصلوا بالمعقب، الذي أخبرنا بأنه يستلم الآن الأوراق من القنصلية، كما كان يخبرهم منذ الصباح. ثم قال بأن لاحقاً بأنه ختم الأوراق من القنصلية، ولكنه يحتاج إلى ختم وزارة الشئون الخارجية الآن. قلت لأهل المكتب بأن هذا مستحيل، فالقنصلية لا تختم أوراق قبل ختم الوزارة الهندية. ارتبك المعقب حينما أخبروه على ما يبدو، واعطوني السماعة لأحادثه، كان التفاهم معه صعباً، وأخبرني بأن الورقة ستصلني يوم الاثنين أو الثلاثاء جاهزة. سألته عن اسمه، ارتبك، ولكنه اخبرني به. كنت في قمة قلقي، وأنا أشعر بأن الأمر ليس على ما يرام. وظيفة أختي على المحك. طلب مني المدير أن لا أقلق ولا أهتم، وأنه سيحل هذا الأمر، فهذا عمله وواجبه. استنفر موظفيه، وصاروا يتصلون، ويجمعون الأرقام. أخيراً تمكن من الاتصال بمدير في بمبي، ودار نقاش ازداد حدة مع الوقت. لم أفهم شيء، لكنه باللغة الانقليزي شيء عن قلة الأدب. وقد ازدادت لهجته حدة في نهاية المكالمة، ورفع صوته، وبدا الأمر جدياً جداً. أغلق السماعة، وطلب مني القدوم إليه في اليوم التالي قبل الساعة الرابعة، واقترح أن نتصل بالقنصلية معاً. اتصل بالقنصلية قبل الذهاب بوقت، لكن علمت بأنهم في إجازة هناك. ذهبت إلى الرجل وأنا قلق، ولكنه كان مستبشراً، وأخبرني منذ أن رآني بأنها ستصل يوم الاثنين، وخرج من المكتب لأتبعه، وأخبرني بالخارج أنه هدد ذلك الموظف بالطرد، وهدد برفع شكوى إلى الإدارة الرئيسية. مكتب السفر هذا هو الأكبر في الهند، والأكثر انتشاراً. وله فروع في الرياض كذلك وفي جدة مؤخراً. اسمه أكبر ترافلز. شكرت الرجل على اهتمامه. جزاه الله عني خير الجزاء.



انطفأ الكهرباء، ونحن في الواحدة والنصف ليلاً. أرجو أن يعود للعمل سريعاً لأجل التكييف.



الرياض، أين أنا منك؟.



لم تكن الغربة في هذا السوء حينما ذهبنا للسياحة في ماليزيا. طبعاً، اختلاف الأسباب له الدور ربما الأكبر. لكن يوجد جوانب أخرى. سهولة إيجاد الطعام الحلال، جودة المطاعم والأسواق، التحضر، البيئة الإسلامية إلى حد كبير. هنا تسمع الأذان للصلوات غالباً من أكثر من مسجد، مع ذلك، لا يخامرني الشعور نفسه بالطمأنينة مثلما كان الأمر عليه في ماليزيا، رغم الأمان هنا.




أكملت أمس مسلسل فيجن اوف اسكافلوني The Vision of Escaflowne، للمرة التي لا أدري كم. هو مسلسل ياباني مرسوم، وقديم الآن. هو أفضل مسلسل رأيته إطلاقاً، مرسوم أو غيره، ولم أشاهد الكثير من المسلسلات، إذ أني لا أشاهد التلفاز منذ أن كنت صغيراً باستثناء الكرتون والمسلسلات الكرتونية إلى عمر معين، ولا أحمل المسلسلات عموماً من الانترنت ولا أحب مشاهدة الانيمي كما كنت أفعل إلا إن كان جيد ويوافق ذوقي مبدأياً، وليس مسلسل، إنما فيلم. صارت مشاهدتي للأفلام نادرة جداً عموماً، خصوصاً بعدما ألغيت اشتراكي في محل الفيديو، ناهيك عن المسلسلات.
يعجبني عمق المسلسل في عرض المشاعر، الواضحة والخفية، والجانب الأخلاقي في تناول الناس وحياتهم حتى في الفكر. كما يعجبني فيه الفن البحت في التصميم، وفي الإخراج، والموسيقى غير العادية. يعجبني خياله الواسع جداً، ولكن ذو الأساس المقنع. حتى الآليات الخيالية، تشعر المرء أنها مبنية وفق منطق دقيق. كل شيء في المسلسل ساحر. يعجبني التحدث عن حضارة قديمة محقت، حينما تعدى أهلها الحد في الترف، وغيروا حتى خلقهم. الكثير من الشخصيات الرائعة والمثيرة للاهتمام، والكثير من المواقف البديعة والمؤثرة والحابسة للأنفاس. تعجبني الرؤى والأحلام التي تتعرض لها البطلة الرائعة، ويعجبني تغير الشخصية الرئيسية الأخرى باستمرار إلى الأفضل. وحتى تغير البطلة، وتعلمها، وحتى غلطاتها، وضميرها.
مليء المسلسل بالدروس، مليء بالعبر، مليء بالإنسانية، ونقيضها المريع. أحب كون البطلة قد تقوم بأخطاء عادية، لكن لها نتائج وخيمة، أحب التعامل مع نفسيتها بواقعية.


لا يقارن طبعاً بأفضل فيلم شاهدته، أكثر فيلم أحبه، لكن هذا سأتحدث عنه في وقت لاحق.
مع ذلك، يظل الأفضل في فئة المسلسلات، رغم خبرتي الضئيلة.



بقي سبعة أيام غير قابلة للإحتمال.




الشخص، العامل هنا، الذي حصل بيني وبينه اصطدام حينما جئت في البداية، وبعد نهاية المشكلة، وجعل الأمور طبيعية مرة أخرى، أجده يتصرف بغرابة. يحاول أن يكون ودوداً معي بقدر الإمكان، ويخبرني بأنه يريد أن أذكره بالخير، وأن أدعو له. بنفس الوقت، يرمي أحياناً بالتعليقات المغلفة حينما يحدثني، وهو يحب التحدث كثيراً. لا تهمني كثيراً محاولاته، ولست أجده مثير للإهتمام كشخص. لسبب ما، يذكرني بأشخاص رديئون عرفتهم، وإن لم يبدر منه ما بدر عنهم من سوء. لديه ميل إلى الشك بأن الكل يذمه من خلف ظهره، وأن من يمدحونه في وجهه، يذمونه لاحقاً في جلساتهم مع الآخرين. أنا لست أمدحه في وجهه، ولست أذمه من خلفه، ليس لدي سبب، بعدما انتهت المشكلة في ذلك الوقت، وأعطيته عطر مكرهاً. لكني أفاجأ أحياناً برقته، ولا أفهمه. أشعر بأنه لا يرتاح إلي، ويجدني بوضوح شاب غير جيد، كما ألمح إلى بنطلوني البرمودا، بأنه لا يجعل ابنه يطلع على المجلات التي تحوي صور شباب يلبسونه، مع ذلك، يعود أحياناً مظهراً كل المودة، ويساعدني بشكل يستعصي على التوقع، وباهتمام بالغ، ودونما تأخير. أتسائل أحياناً حينما أوليه ظهري، هل ينظر إلي بازدراء وأنا ذاهب، بعدما قلت له بابتسامة:جزاك الله خير؟ كامتنان على لطفه؟. لا يلغي هذا امتناني على خدماته الأخيرة واهتمامه. قال لي قبل يومين، حينما جاء إلى غرفتنا ليطمئن بأن كل شيء على ما يرام بخصوص ثلاجة استبدلت لنا، قال بأنه يريدني أن أدعو له فقط، وأن أكون واحداً يمتدحه من بين العشرين الذين يذمونه من خلفه ظهره. مضى. فكرت بسبب شعوره هذه، والتصريح به؟. شعرت بالعطف عليه.
حينما أشكل الأمر مع الموظف الآخر، حينما تركني أنتظر وهو يقول كلما اتصلت:خمس دقائق. في اليوم التالي، اعتذر الشخص الأول، صاحب المشكلة القديمة معي، وقال بأنه سوا الأمر، وأن الموظف الآخر لم يفهم الأمر جيداً، وأدى ما بوسعه. كنت بالواقع أتوقع بأنه سينظر إلي بازدراء، وسيحرض الآخرين لأن غضبت من المعاملة ولم أخفي غضبي. توقعت هذا من بعد أن أحضر الدكتور، وهو مدير المركز كذلك، إلي حينما حصل الإشكال في أول مرة، وكبر الموضوع، ووجه إهانة بقوله بأن الهند جمهورية ليست كالسعودية، وحاول الحط من قدر السعودية بالتلميح، حتى سألته بغضب ماذا يريد أن يقول؟ ماذا يقصد؟. من بعد ذلك الموقف، وإحضاره للدكتور، وموقف الدكتور نفسه، شعرت بأنه سيصعب علي حب المكان وأهله، بتصعيدهم الطفولي وحبهم للإنتقاد. مع ذلك، يصعب علي كذلك كراهية مجموعة كبيرة من الناس، ومكان واسع. حاول الموظف الآخر بعد ذلك التلطف معي، بعدما أظهر ضيقه، وتفاديته بقدر الإمكان. قالت أختي بأن الأول، والأكبر، ربما أوضح له أن هناك سوء فهم، وأني طيب بالأصل لكن ربما "عصبي". لا لم أكن عصبياً، تطلب الأمر الكثير حتى أفقد السيطرة على أعصابي، ولو لم أفقد السيطرة، لشككت بأن لدي أعصاب. كما أني أشك بأنه ينظر إلى على أني طيب بشكل مجرد. الآخر، حصل على بريدي، وصار ودوداً، وصار من الواضح أنه يريد أن يتعرف علي بشكل أعمق، ويريد أن يتواصل معي أكثر. لم يكن سيء من الأصل، سوا أنه بااااااااااااااارد.
الآخر هو شاب اسمه أمير. طيب وودود. منذ أسابيع، كنت ألحظ أنه يتابعني. جاء إلى عند بركة الأسماك، الصغيرة جداً، وكلمني، يريد أن يتعرف علي. يعمل بالصيدلية، رغم أنه لا يحمل شهادة بالصيدلة. تكلمنا كثيراً، وأخبرني عن أخيه الذي يعمل في الامارات، ويبدو كالاماراتيين، فملامحه قريبة من ملامحنا أهل الجزيرة، ولونه. حيث أراني صورته، بالملابس الاماراتية. سألته لماذا لا يسعى هو أيضاً للعمل هناك؟ قال بأن الناس الذين من "أعمارنا" لديهم الكثير ليفعلوه قبل الإنكباب على العمل الشاق والعيش بعيد عن الوطن والأصدقاء. سألته عن عمره؟ قال 23. فكرت بأن هذا سوء فهم شنيع، ربما لو أخبرته عن عمري سيحصل لديه ردة فعل. كما حدث في الحج، حينما كان الكل يراعيني ولا أفهم لماذا بالضبط، حتى سألني أحدهم عن عمري، ولما أخبرته، قال اثرك عود!!. مع العلم أني لا أبدو صغيراً كشكل، لكن ربما هدوئي يخدع، وربما بدا علي أني سهل الضياع في ذلك الحين. أرسل إلي الصيدلي بريد يحوي صورته، وأراد أن أرسل إليه صورتي. لا أتوقع بأني سأستطيع. لكني أخبرته برقمي في السعودية كما طلب في رسالة أخرى.





ماذا سأفعل حينما أعود إلى الرياض؟ طعام؟ نادي رياضي؟ لعبة ماريو الجديدة؟




بقي 5 أيام تقريباً. ستكون ثقيلة، ورغم أن الأيام الماضية كانت ثقيلة، إلا أن وجود ذلك المطوع، ومحادثاتنا القصيرة المعدودة، كانت تهون الأمر. ما حدث هو أنه اضطر للمغادرة أبكر مما كان ينوي بكثير. هل أنا الوحيد الذي لاحظ سخرية الأمر تجاه حظي؟ الأمر يكرر نفسه دائماً.
لم أكلمه كثيراً، وبالواقع، تفاديته معظم الوقت. لكن وجوده بالجوار كان باعث على الارتياح-أني بين فترات معقولة قد أزعجه بحضوري لأسري عن نفسي وأبدد وحدتي.
كنت أحاول الرد على تعليق بالمدونة، وأنشر رد بالمنتدى حينما تعطل اتصال الانترنت، ويئست من رجوعه، فقمت. كان الوقت في حوالي العاشرة والنصف ليلاً. سلمت على سعوديين وهم جلوس في طريقي إلى الغرفة، قال أبو سليمان، وهو من الجنوب: بكره الظهر بيننا اتصال يا سعد. يقصد حتى نذهب جميعاً لاستلام التقارير المصدقة. قال شاب من أصدقائه: أنا أنصحك ما تماشي جيازنه يا سعد. ضحكوا. مضيت في الطريق المظلم المفتوح، كفناء للمركز البدائي، يستقبلك فيه تمثال رديء لأسد محدق وسيء التلوين، وكان على جانب الممر، بينه وبين الجدار أرض مزروعة بالثيل ومشجرة على نحو خفيف، تتوسط المساحة بركة صغيرة تلوثت في الأيام الآخيرة، واتوقع لأسماك الزينة فيها الموت قريباً، يقف إلى جانب البركة تمثالين رديئين لطيور اللقلق، إحداها انكسرت رقبته وجبرت بالجص. انعطفت إلى جلسة الرجال، وهي في الطريق أصلاً إلى السلم إلى الدور العلوي حيث غرفتنا، وكنت اتوقع أن أرى المطوع قبل سفره، حيث سيسافر غداً. وجدته مع أبو طارق، كويتي وصل مع قريبه بنفس وقت وصولنا تقريباً، وهم رجال كبار طيبين، وحنونين. سألت إن كان يمكنني الجلوس أو أنهم يتحدثون عن مشاريعهم؟ كنت أداعبهم بخصوص موضوعهم في المرة الفائتة. جلست. وتكلموا، وتكلموا، وتكلموا. انضم رجل كبير على عربة، جاء به ابنه، ثم جاء أبو جراح، الكويتي الآخر، الذي جاء مع ابو طارق. على وجه أبو جراح مسحة رزانة وحكمة، وحزن. سألني عن حال أهلي، كما هي العادة. واصلوا كلامهم، جاء الأبن الآخر للرجل الكبير على الكرسي. تحدثوا عن الفرق بين الكويت والسعودية، من حيث تسوير المراعي والصحراء، ومجلس الأمة، والفساد والالتزام، وأمور أخرى وجدتها قابضة للنفس، ومملة، تحدثوا أيضاً عن المواشي. تحدثوا عن جريمة المرأة التي أحرقت الخيمة، حيث يقام زفاف، وكانت فاجعة أشبعتها الجرائد متابعة. رحم الله أموات المسلمين. مضى الرجل صاحب الكرسي، ثم استأذن أبو جراح، وسلم عليه المطوع مودعاً، بينما ينوي أبو طارق رؤيته غداً، وجاء ابن الرجل الكبير وسلم عليه كذلك. في وسط سلام هؤلاء عليه، كنت جالس على الكرسي أفكر؛ هل سيمكث قليلاً؟ سيعود ويجلس على الكرسي لنتكلم؟. لكني في النهاية وقفت، وأنا أقول لنفسي: ليكن لديك كرامة. كان سيذهب على الأغلب. مر وقت وأنا واقف، انتظر الرجال الآخرين يفرغون من السلام عليه. كان ابن الرجل الكبير يعطيه رقمه في السعودية، وهو من القصيم، ويطلب منه إعلامه بأي خدمة يحتاجها، أو حتى إن أراده أن يرسل إليه "كليجا"، ولم يكن يمزح. كان هذا المطوع قد اكتسب شعبية كبيرة، ومودة غير عادية، في وقت قصير، دون أن يبذل الكثير، ما شاء الله. وهذه علامة طيبة لأجله. التفت إلي أخيراً وصافحته مودعاً، تبادلنا بضع كلمات مبتذلات، ومضيت.



نستعد باكراً لسفرنا، كلنا لا نطيق الصبر على العودة. أمي لديها السبب الأكبر، أخي عاد من أمريكا للزيارة قبل أيام.
كم كنت سخيفاً حينما كنت صغيراً. كنت أتمنى الذهاب إلى أمريكا، وأتمنى أن أرى دزني ورلد، والملاهي الأخرى، والشراء ورؤية الطبيعة. كنت آمل أن ياخذني أخي الاكبر إلى هناك، حيث كان قد وعدني، وعود الكبار. يوجد أماكن أجدر في رأيي الآن، مع ذلك، لا يهم إن رأيت أي منها.



إن فتح علبة مشروب غازي هنا تشكل حدث ذو عواقب. النمل عجيب هنا، أنواعه كثيرة، ويظهر من العدم، و مزعج وجريء. سقطت نقطة أمس من الفانتا على البلاط، نقطة، جمعت نمل لا عد له. اليوم، لم أوقع أي نقطة، لكن رائحة المشروب جذبته. ووجدت نملة تقف أمام العلبة على رجليها الخلفيتين تقريبا(نملهم حقاً عجيب) وتتطلع إلى العلبة مفكرة. سبحان الله، أحياناً أرى النمل هنا يقوم بحركات عجيبة، خصوصاً نوع منه. بينما لهى بعض النمل يبحث في أماكن أخرى. لم أكره النمل في حياتي، أحبه. لكن نملهم يجعلني أعيد النظر. كذلك النمل الأفريقي الذي ظهر في بعض مناطقنا فجأة العام الفائت، رغم أنه قل عدده، ولا أتوقع أن يستوطن فعلاً، إلا أنه كان مؤذي، وإن بطريقة مختلفة. لم يكن بصراحة يجتمع على الأكل أو يؤذي من هذه الناحية، لكن يشق بعناد وقوة شقوق في ملتقى الجدار والارض و بين بلاط السيراميك، ويعض بلا تردد لو وجد أحد في طريقه(أفريقي حِمِش صحيح). لا يعض النمل العادي في السعودية، يعض فقط النمل الكبير الأسود(القعر)، وهو حشرة خبيثة وكريهة، خلافا للقعس، وهو نملة سريعة جداً، ذنبها مرفوع لأعلى. ولكن هذا النمل كله نادر في البيوت، باستثناء النمل الصغير البريء.




وجدت اليوم ابو سليمان يتمشى مع ابنه يزيد، وهو صغير ربما عمره سنتين. حملته وقبلته. كم أشتاق إلى المحمدين وسلاف...





لا أدري لماذا، صارت تخامرني ذكريات بعيدة كل البعد مؤخراً، على وتيرة مستمرة. عن طفولتي المبكرة. الصف الثاني الابتدائي وما قبله. اصدقائي واصدقاء ابن خالي الذي كان يدرس معي، المدرسين اللعناء والطيبون، الأحداث السخيفة الأهم من الموت والحياة، كل ذلك الشيء المنطقي بالفعل. لا أنسى مدرس الرياضيات العصبي، أو القراءة، أو القرآن الطيب، وصيحته المميزة: حوشآآآآآآآآن. رحمه الله. أو مدرس العلوم، الذي كان يسميني بما يوافق رؤيته لي: حوسان. كانت قد حدثت مشكلة في شتاء السنة التي درست في الأول الابتدائي، أعتقد بخصوص قفازات ضاعت. جاء مدرس العلوم، ورفعني وطبع وجهي بالسبورة المليئة بالطباشير، ثم أدارني وهو يحملني إلى الطلاب، الذين انفجروا ضاحكين،،، لا، كان الصف الثاني الابتدائي، أبغض سنة. لا أحمل ضغينة تجاه هذا المدرس، ولم أحمل، كان طيباً جداً. ما لم أطقه أبداً هو الاستاذ نعمان في الأول الابتدائي، لا بارك الله فيه. أما الأستاذ الهاجري، مدرس الدين والقرآن في الثاني الابتدائي، فياله من إنسان. أمر مضحك، ماذا كنت أقول أكثر من تفاهات ليجدني مسلياً؟ كان حينما يفرغ من الدرس يستدعيني دوناً عن الطلاب كل مرة، وينشغل الجميع بالتحادث واللعب. ويحادثني، ويضحك. كان يقترح أن أذهب معه إلى البيت، لأرى أولاده. ويسألني إن كنت أحبهم؟. حدثت مشكلة ذات مرة، أنا وصديقي الحميم، العزيز مالك، تشاجرنا حول مكان الجلوس. لا أدري لماذا، لكن كل منا ادعى أن هذا مكانه. استدعانا الأستاذ الهاجري، ولم يستطع التوصل إلى حل، فوضع قرعة. وضع في يده قطعة متناهية الصغر من الورق المسفوط وقبضها خفية، من يعرف الإصبع الذي يخفيها يحوز المكان. كنت أول من سيختار، وضعت اذني ببساطة على يد المدرس، وصرت أضغط أصابعه حتى أسمع الورقة، في حين كان هو غارق بالضحك. اخترت، واختار صديقي، وفزت أنا بالقرعة. لم يرد صداقتي مالك بعد ذلك لوقت، لكن لا أدري كيف حللنا الأمر، وعدنا أصدقاء. كان مالك قوي الشخصية في ذلك السن. يوجد كذلك باسم، أو باسل، وهو صبي يمني، كان زميلي في الأول الابتدائي، كان أطول مني، وهو هزيل جداً، بجبهة كبيرة، وشعر ملفلف كخويتمات صغيرة. عاقبه الأستاذ نعمان بأن جعله يقف في آخر الصف، حيث توجد مساحة شاسعة. كنت ألتفت وأؤشر إليه أن يعود إلى مكانه بهدوء، لكنه يرفض خوفاً. حاولت إقناعه، بينما الدرس يتواصل. قمت بالنهاية وجريت بأهدأ ما أستطيع وسحبته من يده، بينما جلس على الأرض، أو على قدميه، جررته بسرعة حتى وصلنا. كان الأمر وكأنه تم في جزء من الثانية. كنت أظن المدرس لم يلاحظ، لأنه لم يقل شيئا واستمر بالشرح. لكن أعتقد بأنه لاحظ وصمت.
أتذكر أن باسل كان معجب جداً بشعري، ويسألني ماذا أفعل به ليبدو هكذا؟. ربما لأنه كان يبدو نموذجياً كالشعر في أفلام الكرتون، الذي يغطي الجبهة. حينما حلقني والدي، ولم يكن يرضى بغير الحلاقة، كانت حسرة باسل على الشعر كبيرة.
قالت أمي بتهول قبل أيام، وهي تعبث بشعري كما تحب أن تفعل: "يا جوده جودااااه ما شا الله.” ثم تضيف بنبرة بين السخرية والأسف: "غاذيه”. لم أتمالك نفسي، وضحكت على هذه الكلمة الشعبية وموقعها، كما ضحكت أختي. لأمي نظرة شعبية في الشعر. فالشعر القوي برأيها ورأي جيلها، الشعر القوي والكثيف، هو الشعر الجميل. المقاييس مختلفة الآن، يريد الناس شعر آسيوي باسترساله اوروبي بخفته، لهذا يفرد حتى الشباب شعرهم. مشكلة أمي مع شعري أنها تعتقد أنه في غير موقعه على ما يبدو. أحاول أن أسعدها أحياناً باقتراح أن تقصه بنفسها حينما يكون طويل قليلاً وتلح علي بالذهاب إلى الحلاق، لعلمي بأنها ترغب أن تعبث بشعري على هذا النحو. لكنها ترفض، لا تجرؤ. أخبرها بأنها لو افسدته فسيصلحه الحلاق، لكنها ترفض مع ذلك. رغم أنها في وقت من الأوقات كثيراً ما صرحت بهذه الرغبة.

عودة إلى الموضوع الأول؛ كان هناك الكثير من الصبية الأشرار، رويد، وابراهيم فرحات، كانت مشاكسات إبراهيم هي قصة حياتي. أجد نفسي أبتسم حينما أتذكره الآن. كان هناك ذلك الصبي الجميل، الذي تعرض إلى حادث، وعاد برجل مكسورة بعد وقت طويل(ربما لم يكن الوقت طويلاً، لكن حسب رؤية القلوب الصغيرة) وحينما دخل الفصل، خطى خطوتين بالعكاز، ثم توقف وأنزل رأسه وبكى.

لم أدرس هناك إلا سنتين، قبل أن يقرروا نقلنا قسراً، نحن من لا نسكن سكن الخارجية، إلى مدرسة أخرى. حينما أذهب إلى هناك، السكن، لأوصل أهلي إلى المستوصف في المرات النادرة، كنت أذهب أتمشى إلى مدرستي القديمة. تبدو أصغر مما كانت عليه. لا يتاح لي الدخول. لكن بوسعي تذكر صيحاتنا في الطلعة، حينما نختار الطريق الواسع، أو رؤيتنا نخرج عبر الطريق الضيق المختصر، خلف المقصف."طلعه طلعه، واللي نايم يصحى".
اللي نايم يصحى. أنا نائم.

أيقضوني...
قّلبوني...
اجمعوا شتاتي...
لملموني...
من انتثاري...
من انكساري...
من شرودي...
من انهياري...
اعتذروا إلي...
واعذروني...
اغفروا لي...
واستسمحوني...
على الجبين أو الخد قبلوني...
وهدئوا روعي باحتضاني...
أنعشوا قلبي...
ارحموني...
وأنجدوني...
أنجدوني...




يا له من يوم. لم يكن الأغنى بالأحداث، لكنه كان جيداً. استلمت أخيراً التقارير التي تركتها في المكتب للتصديق، يا له من هم انزاح. هذا جعل اليوم مريحاً جداً. بقي فقط الحصول على الأدوية التي سنأخذها معنا، و التقارير التفصيلية التي لن نصدقها في السفارة. نسافر فجر الاثنين إن شاء الله، بقي 4 أيام. غالباً سنعاني في الطائرة، إلا لو وفقنا الله بمضيفات متفهمات، وجنبنا وجود المضيفة المجرمة كمال، ومكنني من الحصول على مكان لأهلي خلف حاجز الدرجة الأولى، لتمد أمي رجليها في طائراتهم شديدة الضيق. هي فقط ستة مقاعد في ذلك المكان، كل ثلاثة متجاورة، أريد ثلاثة متجاورة منها، وأنا يمكنني الجلوس خلفهم. أتمنى أن يتفهموا بالمطار حاجتنا.



هل ستسير الأمور على ما يرام؟.




لسبب ما، أشعر أن الخميس والجمعة المقبلين سيكونان يومين ثقيلين، أثقل من السبت حتى. أمر مضحك، قد تنعكس الآية.




أشعر بأني قد قلت شيء خاطئ جداً لأحدهم دونما قصد، وربما أخذ انطباع خاطئ.




ذهبت أمس إلى المستشفى القريب، مستشفى طب حديث كمستشفياتنا، أبحث عن دواء بدأ ينفد لدينا. سألتني الفتاة الصيدلانية عن اسمي، فسألت إن كانت تريد اسم لتسجله على الفاتورة؟ لكنها لوت شفتها وكأنها لم تفهم  وأكملت عملها. فوجئت بسعر الدواء الرخيص جداً. هو نفس المادة التي أريد، ولكن من شركة هندية. الشريط الواحد يباع لديهم بما يوازي ريال وبضع هللات منه. اشتريت شريطين بريالين وربع تقريباً. دائما ما أفكر بعجز شركات الدواء لدينا. أفكر، لماذا لا تنتج الكثير من الأدوية لدينا؟ نحن لدينا النسبة الأعلى من مرض السكري مثلاً، لماذا لا ننتج أدويته؟ والضغط؟ والأدوية التعويضية؟ والكثير غيره. كما أفكر بشركات الألبان الضخمة لدينا، من الأضخم في العالم، لماذا لا تنتج حليب أطفال؟!. لماذا علينا أن نستورده ونحن لدينا وفرة من الحليب. لقد وجدت حليب أطفال يأتي من الأردن حتى، وبالتأكيد ليست لديهم مزارع وأبقار مثل ما لدينا.
الكثير من المنتجات نكتفي باستيرادها. ولو لم تشتري دانون الفرنسية شركة الصافي لدينا، لما رأينا الكثير من المنتجات الجديدة.




سألني سائق هندي اليوم إذا ما كنت كويتياً؟ جيد، هذا تغيير عن المعتاد؛ اماراتي. لا زلت أستغرب تخميناتهم الخاطئة رغم أن السعوديين هم الأكثر.




جاء رجل جديد، لم أره من قبل. وجدته يتأملني كثيراً، وتبدو نظرته غاضبة في تلك اللحظات. فوجئت اليوم أنه أخ المطوع الجديد، الذي رحل قبل أمس وحكيت عنه هنا كثيراً. لا يوجد أدنى شبه، وهو سيرحل قريباً أيضاً كما فهمت. سبحان الله. وجدت أنه يبدي اهتماماً بمحادثتي. تحدثنا عدة مرات، وجدته ذكياً وهادئاً، لكن مختلف من حيث الشخصية والطباع عن أخيه أشد الاختلاف. أخبرته بأنه لا يشبه أخاه، فاستغرب، قال بأن كل من رآهم يظنهم متشابهين، لكن ربما لأنه يحلق لحيته؟(يتركها سكسوكة قصيرة). قلت لا، لا يوجد شبه. حينما فكرت، وجدت أن الفرق كبير، لا يتشابه الرجلان إلا بالشفتين. نزلت اليوم وقد كان مع اثنين، رجل كبير وابنه، شاب في ثلاثيناته على ما يبدو، وهم من القصيم، الرس تحديداً. أخبر الابن والده بأني دكتور محاضر في الجامعة!! وهو يريد أن يضحك، كان على ما يبدو يشاكسني، صححت بأني مترجم فقط. لفت هذا انتباه أخ المطوع الجديد، وعرفت بأنه درس  الترجمة ولم يكمل في جامعة أخرى. أخبر الرجل القصيمي والده أني من القصيم أيضاً، من المذنب. قال الوالد، الذي يسير بصعوبة بمساعدة عربة مشي، ونعم. كلمني بصيغة أرق، وهو يحكي، يقول: يا وليدي. لم يطل مكوثه، ذهب مع ابنه لينام. وبقينا وحدنا نتحدث كثيراً. عاد الابن، راح، عاد، راح، ونحن نتحدث. بالنهاية، عرض على جليسي فقط مرافقته إلى الشباب الجالسين هناك. رفض بأدب، وقال بأنه سينام قريباً. تحدثنا بعد ذلك لوقت جيد. وكان النعاس واضح عليه وهو يقاومه، لكن كلينا كان مستمتع بالجلسة. بطبيعة الحال، كنت أستمع أكثر مما أتحدث بكثير. غالباً ما كان الأمر هو ردود فعل على ما يقول، أو تعقيبات، وكان مستمتع بالتحدث بأحاديث ممتعة. عاد الشاب مرة أخرى، لكن قبل أن يقترب للجلوس، وقف الرجل، وودعنا، مخبرني بأنه لا يسهر إلى هذا الحد بالعادة.

فوجئت بأن عمره أصغر مما توقعت اليوم بكثير، وشرح لي بأن الشيب عبارة عن جينات موروثة. قال بأن عمري لا يبين علي، ابتسمت. تنظر أمي بتهول إلى الشيب المختبئ في رأسي كل يوم تقريباً حينما تعبث به.  سألني عن عمري؟ وقال باسماً بأنه لا يبين علي. ابتسمت. عمري في الملف الشخصي، وهو يبين لمن لا يشعر بالنعاس.




أعادتني أمي إلى طفولتي في لحظات كثيرة خلال هذا الشهر. أشياء صغيرة. تعدل وتمسمس الفنيلة من الخلف لتواسيها، بطريقتها القوية والحازمة، حينما تفعل هذا أشعر بأني عدت إلى عمر مبكر، في لحظات كانت تفعل هذا بالفعل، في سوق، أو في بيت ناس، بنفس الطريقة. توبخ عند الطعام بطريقة مختلفة. هي دائما ما توبخني بالحقيقة، طوال عمري، حول الأكل، أني لا آكل ما يكفي، أني لا آكل أشياء صحية، ولا تلاحظ حينما يرتفع وزني. لكن هنا صار الأمر مختلف،  ربما لوجودي بالصباح، حيث يأخذ الوضع طابع متخوف وأشبه بوضع الطوارئ. اكتشفتني أكثر من مرة أدوخ وأنا أقف، وتسود الدنيا في عيني، أفقد القدرة على الكلام. لكنا اطتشفت متأخرة لحسن الحظ. حينما أعود إلى الرياض، لن يحدث هذا إن شاء الله.




لا يوجد لدي كتاب أقرأه الآن، ولا يوجد فيلم أو مسلسل. بقي أربعة أيام تقريباً. متى تنقضي؟. أتسلى أحياناً بقراءة مدونتي القديمة، إذ أحتفظ بنصوصها في ملف. أجد أشياء مثيرة للاهتمام، أشياء نسيتها. أحياناً تكون أشياء بعيدة من الطفولة، نسيتها الآن، ولكن لم أكن قد نسيتها حينما كنت أدون في مدونتي السابقة. طبعاً، أضحك على نكتي البائخة، لا أحطم نفسي.




لا أعتقد أني سأتمكن من الذهاب إلى العمل في يوم الوصول. يجب أن أتمكن من ذلك قبل الحادية عشرة، وإلا فلن أذهب إلا في اليوم التالي. اختي محظوظة، قالوا لها أن توقع حضورها في اليوم التالي فقط وتنصرف. مع ذلك، أجد أني بقدر ما أريد أن أرتاح، بقدر ما أشتاق إلى العمل.




سمعت اليوم أن الرجل الهندي الذي اصطدمت به في أول الأيام له أعمال غريبة. يعرض الزواج من فتيات بمقابل على الرجال كبار السن من الخليج.




لا أدري لماذا في هذه اللحظة أعجز عن التفكير في أي شيء غير الرياض؟.





اليوم هو الخميس، وفي الاثنين الذي يليه، موعد سفرنا فجراً. ما حدث هو، أنه خطرت في بالي أنا وأختي فكرة ونحن نتحادث. كانت أمي ستنهي فترة علاجها اليوم، بينما ابنتها سنتهيها يوم السبت. ماذا لو قدمنا موعد سفرنا أكثر؟. شجعتني بحماس وخرجت إلى مكتب السفر دون أن أتناول شيء. هناك، شرحت الامر، وأعطوني خيارين، السفر يوم السبت فجراً، أو الأحد في الواحدة والنصف ظهراً. شاورت أختي، اتفقنا على السبت، لكن هكذا لن تحصل ابنة أختي على جلستها الأخيرة من العلاج. أخبرته أني سأستشير الطبيب. عدت، استشرته، لم يخالف، بالواقع، ستكون ابنة أختي قد تعدت أيام العلاج المقررة. أخبرت المكتب بأني أريد الرحيل يوم السبت. يا الله، كم فرحنا، كم جذلنا. لكن المكتب اتصل، وأخبرني بأن علي أن أدفع غرامة 4000 ربية لشركة الطيران هكذا، وهذا يساوي حوالي 400 ريال/درهم(خلاص اماراتي). لم أفهم لماذا، فأعطوني المدير، الذي دعاني وأخذني إلى منزله للشاي من قبل. أخبرني بأن سبب هذا هو تغيير الحجز قبل موعد السفر بأقل من 3 أيام. وقال بأنه يمكنني تفادي هذا بالذهاب بعدها بيوم، أي الأحد ظهراً، ونصحني بذلك بشدة. بدا الأمر محبطاً، استشرت أختي وأمي، وتناقشنا، اتصل بي المدير، ونصحني مرة أخرى بجعل الحجز يوم الأحد. أكملنا النقاش، اتصل المدير مرة أخرى، وقال بأننا لو ذهبنا الأحد لكان أفضل، فالرحلة ستكون مباشرة بين كاليكوت(حيث المطار) والرياض، دون المرور المرير والتوقف في مسقط، دون حتى رؤية مطارها. كان عنصر شديد الإغراء. هكذا، ستحصل ابنة أختي على يوم آخر من العلاج، وسنذهب مباشرة إلى الرياض إن شاء الله، وسنغادر المستشفى حيث نقيم في الصباح وليس في الحادية عشر مساء، وهذا بالذات أمر يهم أختي، فهي خوافة. بالمقابل، كنا قد "شوافنا" للذهاب يوم السبت، وبدأنا نفكر إن كان الفرق كبيراً بين الأحد والاثنين، لكن لا يهم لأن التغيير مجاني تقريباً(علينا أن ندفع 40 ريالاً لخدمات المكتب). وخطر في بالي أن الرحلة ستكون أقصر، وإن كان فهمي صحيحاً لعذرهم للنزول في مسقط، ستكون الطائرة كبيرة، وربما أفضل، بدورات مياه أكثر(قبل شهر، منذ أن رحلنا من الرياض إلى أن وصلنا كاليكوت والناس ينتظرون دورهم لدخول الحمام). اتكلنا على الله، وقلنا الأحد نذهب. يظل أمر جميل أن نسبق الموعد مع ذلك. ولو كان فهمي صحيحاً، يبدو أن الدكتور قد تورط حينما ألزمنا بالبقاء لـ30 يوماً على الأقل حينما شاورته لأول مرة بعد أيام من وصولنا، قبل أن أحرك تاريخ المغادرة أقرب، ربما كان يجدر بنا الذهاب الجمعة أو اليوم حتى.
لم يبقى الكثير، لا من الوقت، ولا من الواجبات. أخذت الأدوية اليوم التي سنأخذها للسعودية معنا، بقي خمسة قوارير، غداً إن شاء الله. رتبنا الحقائب بحماس، بقي التقارير وأنا موعود بها غداً إن شاء الله.
ربما ما لا يمكن التنبؤ بأمره هو حجز المقاعد. أحتاج إلى مقاعد في مكان معين لراحة أمي. سيعينني الله.




الحقيبة، نسميها شنطة، وفي الساحل على الخليج العربي يسميها الناس جنطة. قال الكويتي الطيب أبو جراح لصاحبه، بأنه وضع التقارير بالجنطة أو بجانبها أو شيء من هذا القبيل. تخيلت أنه يقصد امرأة مخبولة بالجنطة (جنط=رجل غبي/مخبول)
ذهبوا ولم أودعهم. أشعر بمرارة، لقاء طيبتهم لم أودعهم. لم أكن أعلم أنهم سيرحلون مبكراً وفجأة.




الهنود هنا لهم طريقة عجيبة بتحوير الأسماء. لن أشرح، ولكن سأعطي مثال. يوجد هنا شخص اسمه عبدالستار، كاختصار، يسمونه ستار، ولكنهم لا ينطقونه هكذا، إنما يقولون: ستّارِه. آخر اسمه ناصر، يسمونه: ناصرِه. أمير:أميرِه. كلها بكسر الراء، الذي أصبح قبل الأخير. لكن الجيد أنهم لا يفعلون هذا مع غير الهنود. صرت مثلهم بالواقع، حينما أسأل عن أحدهم صرت أجد نفسي تلقائياً أفعل المثل، وبنفس نطقهم الخفيف والسريع، فهذا يجعلهم يفهمون بسرعة ما أقصد.




صار يقال لي دائماً بأني أبدو مرهقاً، حتى لو لم أكن أشعر بإرهاق كامل. لكن لا بد أني مرهق بالفعل.




سنعود إلى الرياض عصراً إن شاء الله، يا للطف الرياض في العصر. أحد المحمدين، ذو الشعر الملفلف، سيكون بإنتظارنا، هذا الصبي يفعل أشياء عاطفية غير متوقعة دائما. ثم محمد الثاني، ذو الشعر المسترسل، ربما سيشتاق إلي هذه المرة.




أتذكر تسمياتي لنفسي، أو الألقاب التي منحتها لنفسي، على الانترنت. كان بعضها غريب، ورأيته يتكرر بعدما استخدمته. ليس بالضرورة لأنه جيد ومبتكر، لكن ربما لفرط عاديته خطر على بال شخص آخر. لقبت نفسي ذات مرة باللغة الانقليزية:ملاك متنكر. كان لهذا اللقب دلالات على وضع معين في ذلك الحين. كما أسميت نفسي مرة: نوماس. وهو الشيء الطيب أو الفأل الحسن. سعد الحوشان كان أفضل اسم اتخذته، اسمي الحقيقي. أسميت نفسي في منتدى ذات مرة:سعد الحوشان. وكتبت أسفله: زوبعة في فنجان. كنت أريد أن أدلل على أني قد أبالغ، أني قد أثور، قد أريد، قد أحاول بأقصى ما أستطيع، لكني بالواقع لم أكن ذو قدرة حقيقية. كانت لي شعبية جيدة في ذلك المنتدى. كتبت بعد ذلك أسفل اسمي: الجني المغني. لقب أمي كانت تعطيني إياه، في مناسبات مختلفة، "كانت". أحببت التقدير الذي حظيت به في ذلك المنتدى، قبل الأحداث السيئة التي جرت، لا سامح الله الظالمين.




إذاً، هذه آخر تدوينة أكتبها هنا، في الهند. بعد غد، ظهر الأحد، سنعود إن شاء الله إلى المملكة الحبيبة. المملكة الحبيبة...
أعطينا البعض هنا هدايا مالية قبل الذهاب. بقي شخصين. أعطيت الرجل ذو المشكلة الأخيرة معي، والذي عاد يصحح الأمور، وقد فوجئ، وفرح جداً، ولم أنتظره ليشكرني، أوصلت جهازي بالانترنت ودخلت. جاء بعد قليل، وشكرني بارتباك. خمنّا بأنه لم يتعود أن يعطى. فهو شاب أصغر من الآخرين، ولا ذكر له كالآخر، الذي اصطدمت به، أيضاً، في بداية الرحلة. هذا أيضاً سأعطيه. كان قد ألمح بشكل ما، بالإضافة إلى أنه أبدى اهتماماً كبيراً بحاجاتنا بعد المشكلة، كما أوضحت. اقترحت إعطاء فتاة بالصيدلية بعض المال، لأنها كانت ودودة، ومهتمة بعملها. أحياناً تأتي بالدواء بنفسها، وتستفسر من الطبيب بخصوص أدويتنا بنفسها، كما أنها جائت ذات مرة مع زميلتها إلى غرفتنا لتتأكد من ملائمة دواء صرف لنا، بعدما تأخر الوقت  وكان من المفترض أنهن لا يعملن.


أدعوا لنا بالوصول سالمين.


سعد الحوشان


الأربعاء، 5 مايو 2010

قلوب تحلم أبداً(...)

بسم الله الرحمن الرحيم





هاقد مرت عشرة أيام منذ مجيئنا إلى الهند، بالكثير من الأحداث، المجهدة والمستنزفة في غالبها. لكن منذ سكننا في المركز الطبي والأمور أفضل ولله الحمد. نعاني مما يعاني منه الناس عموماً، من انقطاع الماء والكهرباء باستمرار، لكن لا بأس.

تسليني أحياناً ملاطفات المحليين هنا، أكثر مما يسليني وجود الخليجيين حولي. ربما لأني تعودت على الأجانب منذ وجودي في الوطن. أجد أحياناً من بعض السعوديين نظرات سخيفة. خصوصاً واحد منهم، يا الله كم أشعر بأني أود لو فقأت عينه. لا يرد السلام، ومع ذلك يطيل النظر على نحو غير مفهوم، وحتى أحياناً لا يجيب السؤال. أعتقد بأنه رحل الآن من الهند. بشكل عام، شخصيتي وأسلوبي غير ملائمين لعموم السعوديين، أرى أنهم لا يقدرون السلام عند المرور، ولا يقدرون الابتسامة.

الاسم له أهمية واضحة للهنود هنا. فحينما تلمح نظرات الفضول أو الاعجاب في أعينهم، فتوقع سؤالهم عن اسمك مباشرة، حتى لو كان الأغلب هو أنهم لن يروك مرة أخرى في حياتهم. ربما الاسم يرسخ الذكرى لديهم، أو يصنع ارتباط. أحياناً حتى أفاجأ بالسؤال دون توقع. وحينما تطول الجلسة، فإنهم يحبون تخمين ما تفعله بحياتك، وغالباً ما أسأل إذا ما كنت طالباً. سأكون طالباً إن شاء الواحد الأحد.





لمجموعة الأصدقاء في البقالة القريبة فضول خاص، أحياناً يصعب الأمور. أتصور بأن مروري يعتبر حدثاً رغم أنه غير قليل، ولا أدري ما السبب. يمر الكثير من الخليجيين على الدكان، وحينما يصادف وجودي، أُسأل أنا، وليس الآخر، من أين يكون هذا الرجل؟ هل هو قريب من حيث أنتمي؟. والدهم أو قريبهم الأكبر يتحدث عربية جيدة، لا يستخدمها دائما للترجمة، حيث يحب الشباب التفاعل معي كثيراً. سألني إن كانت الرياض جيدة؟ قلت بأنها جيدة جداً. وكيف لا؟ كم أشتاق إلى الرياض رغم غيابي القصير. يذهل الأجانب حينما يزورون الرياض بتوفر أشياء لم يتوقعوها في أسواقها. أما أنا، فتكفي الجامعة لأشتاق، هواء الجامعة، حيث أعمل، كان صديق لي يتهمني أيام الدراسة بأن "سري" مقطوع في الجامعة، معبراً عن غموض حبي الشديد للتواجد فيها.  وحياتي اليومية، اشتاق إليها.
أخبرني الرجل الكبير بأنه ذهب إلى عمان، وقال بأن العمانيين أناس حارين، سريعي الغضب. فوجئت، فليس هذا تصوري عن العمانيين، ولكنه استثنى أهل صلالة. عمان، هي المكان الذي قد أختاره للعيش، لو اضطررت إلى مغادرة السعودية.





حينما يذهب الجميع لتلقي علاجهم، أبقى وحيداً في الغرفة، بانتظارهم، اقطع الوقت بالقراءة، أو الكتابة، لكني لا أغادر الغرفة حسب التوصية. من الجيد أن الجلسات لا تتعدى الساعة غالباً.





وجدت لديهم الكثير من المحلات الرجالية هنا. لا تهمني الملابس، لكن تهمني القبعات. يوجد لديهم تنويع مقبول، وأفضل مما في المحلات التي أزور في الرياض. لكن النوعية التي أفضل لا تزال نادرة. قبعاتي بالرياض اهترت لكثرة الاستعمال. اشتريت اثنتين، اتمنى أن أجد أكثر. كذلك، وجدت الخواتم، ستينلس ستيل، تباع بما يوازي ريالين وثلاثة، بينما في الرياض تكلف على الأغلب 35 ريالاً.





يمكنني تخيل ما سأفعل حينما أعود للرياض. سأعود للعمل في اليوم التالي كما وعدت، وسأستعيد نظام حياتي، وسآكل ما اشتهي، إن شاء الله. اعتقد بأني ساستمتع بحياتي أكثر من السابق إن شاء الله، فقد تعلمت الكثير من خلال هذه التجربة.





احضرت معي كتب ستكفي إن شاء الله. ثلاثة كتب، أحدها كبير، ولم أتوقع أني ساشتريه، لكني اشتريته لضيق الوقت، ولأني توقعت أنه سيمضي الوقت جيداً، وإن لم يكن أدباً حقيقياً. الرمز المفقود، كتاب دان براون الأخير، الذي كتب شيفرة دافنشي، التي أعتبرها فيلما مكتوباً أكثر من كونها أدباً. انهيت رواية: امرأة محاربة، ذكريات طفولة بنت بين الأشباح. عنوان غير مشجع، لكنها رواية مقبولة، أقرب إلى السيرة. عن حياة فتاة من المهاجرين الصينيين، وقصص أهلها، والأساطير الصينية، مزج عجيب. ليست من أفضل ما قرأت، لكنها مقبولة. أحضرت معي تيان آن مين، باب السلام السماوي، وهو من أفضل كتبي، وقد قرأته مسبقاً، لم أحضره لأجلي، لكن لأجل أختي. ليست تقرأ روايات بالعادة، لكن أحضرته فيما لو دفعها الملل لطلب كتاب، فأنا أضمن جودته. طلبت بالفعل، باليوم العاشر، وأعطيتها الكتاب، أعجبها جداً. والآن بدأت كتاب ذكريات طفولة بين الأشباح. أما أنا فأنهيت كتاب دان براون، خرابيط امريكان. رواية سخيفة حقاً.
بقي كتاب واحد لم أقرأه، و15 يوماً، أشعر بأني في ورطة.





هاهي أمي تريد أن تتوضأ لتصلي بعد عودتها من العلاج، لكن لا ماء. هي تلوم الرجال السعوديين بالأسفل، حيث يستهلكون الماء بطبخ العشاء وقهوتهم وشايهم، ويهملونه كما فهمت منها بتركه يجري.
أساساً، لا أدري ما المميز في العشاء الذي يعده لهم الطباخ الهندي، كان الله في عونهم على أكله. شاركتهم مرة بدافع الإحراج، وكان الطعام سيئاً جداً، وهم يأكلون مثله كل يوم. رغم ضعف الامكانيات، إلا أن أختي لا تقصر، وتطبخ عشاء لذيذ جداً لنا. نحاول التنويع قدر الإمكان. 

اكتشفت لاحقاً أن لا علاقة لطبخ الناس بالأسفل للعشاء الجماعي بانقطاع الماء. الخدمات هنا سيئة فقط.





كنت أمس في سوق القرية أو المدينة الصغيرة التي نقيم فيها. أشتري بعض الأمور المطلوبة وغير المطلوبة. حينما استدار رجل جسيم، يقف أمام سيارة صغيرة وحديثة، ونظر إلي بما يشبه الذهول. مد يده فجأة وصافحني، موقفاً اياي، وسألني عن حالي. عرفت أن سحنتي، المثيلة لسحنته، هي ما أستوقفه. كان رجل ربما في خمسيناته، أواخرها. يبرز بوضوح من بين الوجوه السمراء المحيطة. خالطني الشك، هل هو خليجي أم من عرب الشمال؟. لو كان من عرب الشمال لما اهتم ليسلم، إلا إذا كان يريد الاستفسار عن شيء أو يحتاج المساعدة، ولم يكن هذا ما أراد. كان ذو هيئة شديدة الأناقة، مرتب إلى حد مستحيل. شعره الأبيض القصير مسرح جيداً، بينما التمعت شعيرات قصيرة على ذقنه بشكل قفل. بدا إنساناً جميلاً، ونبيلاً ككل. سألني من أين أنا؟ وسألته، قال بأنه من الامارات. سألني عن سبب وجودي؟ وتمنى أنه ليس للعلاج. قلت بأنه للعلاج. كان استيقافه لي والسؤال ببساطة أمر غريب. سألته عن سبب وجوده، أخبرني بأنه يزور اصدقاءه، وأشار إلى هندي بجانبه. يا الله!! هذا الهندي نفسه رأيته أمس في الصيدلية المقابلة، وأنا أبحث عن دواء، وأخبرني بأنه يبحث عنه لصديقه الاماراتي ولم يجده في أي مكان!!. سبحان الله. صافحت الرجل، وأخبره بأنه رآني. عرض الرجل الاماراتي أي مساعدة، وافترقنا. لا أعتقد بأني سأراه مرة أخرى.





غالباً ما أسأل هنا عن جنسيتي بأحد طريقتين. الأولى: من أين أنت؟ وأشكالها. والثانية: هل انت اماراتي؟ وهذه غريبة، نظراً لكون السعوديين أكثر منهم بكثير هنا.
لم أشعر بالانجذاب إلى الامارات لزيارتها يوماً. لا أتذكر أني أردت ذلك. ولكن لا عجب، فأنا لا  أسافر عموماً، ولا آخذ الأمر بالجدية الكافية والحقيقية، لهذا أجد نفسي الآن، في الهند، في موقف غريب.
لكن لو ذهبت إلى هناك، للعيش لبعض الوقت، فأفضل أن أعيش في العين، أو ابو ظبي، أو الشارقة، ولكن ليس دبي. ولا بأس لدي إن لم أزر دبي أبداً. كنت قد زرتها مرة بالواقع، لنهار واحد، وأنا عائد من ماليزيا. لم أرى سوا سوق واحد. لم يعجبني الجو كثيراً، ورأيت رجل آسيوي مائع، يحمل حقيبة نسائية، رأيته من الخلف فحسبته امرأة.





أتسائل عن الكوري ومنقاوي، هل تفكر عقولهم الصغيرة، التي ربما تحملها ملعقة، بي؟. تقول اختي ان منقاوي يبحث عني بالمنزل، حيث تنوب عن أمي هناك بالإشراف عليه، وأنه يصعد إلى غرفتي يطرق الباب، ويسأل عني.
الكوري في بيتهم، إذ أن أمه معنا هنا بالهند، فلا أدري هل يتسائل عني. كان في السابق يسأل في  منزلهم عني: سحبال سعد؟. وش أخبار سعد.





خرجنا اليوم إلى البحر. رأيت المحيط، البحر العربي، إنه شيء مختلف عن أي شيء لدينا. لم تكن نزهة موفقة أبداً عموماً. لكن ذكرى المحيط، حفرت في ذاكرتي إلى الأبد.





للهنود في الوطن رائحة مميزة، وهي غير جيدة عموماً، لأكثرهم، وليس كلهم. قد تؤذي المرء وقت الصلاة، أو قد تمنعه من دخول محل. كان بعض الناس يقولون قبل أن نسافر: الله يعينكم على ريحة الهنود. لم أكن أجيب، لكني كنت أتفكر عن سبب الرائحة، وأردها دائما إلى نوعية الأكل. لكن هنا في الهند، لاحظت منذ البداية أنه لا رائحة مميزة لديهم، لا رائحة سيئة إطلاقاً، لأي أحد هنا، إنهم عاديون، مثل الناس الآخرين. لماذا لهم رائحة في بلدنا؟ لا أدري. لماذا يتهمون بالرائحة في البلدان الأخرى؟ لا أدري. قبل فترة، أوقفت الشرطة شاب كوري، طلب من مهاجر، بروفيسور هندي، أن يغير مكانه من الحافلة وأن لا يجلس جواره، لأن رائحة الهنود سيئة، هكذا، بهذه الوقاحة. تقول أمي لعلهم يجدون بهارات هنا لا يجدونها في مكان آخر، تجعل أكلهم لا يصبغهم برائحة سيئة. لكن حتى في الوطن، الكثير منهم لا رائحة سيئة له. أصدقائي منهم لم أجد منهم تلك الرائحة الحادة السيئة أبداً.





الخادمات ينظفن الغرفة الآن، وجودهن غير مريح، يثرن الكثير من الضجة، ويحملقن في بعض اللحظات. بتغير مواعيد أمي وابنة أختي العلاجية، صرن يأتين وأنا لوحدي بالغرفة، فلا أستطيع الخروج وتركهن لوحدهن مع الأغراض والأموال.





يوم الجمعة القادم، نكون أتممنا اسبوعين هنا، وبقي على العودة اسبوعين. لا أطيق الصبر.




كلمنا قبل قليل أهلي وابناء اختي بالمسنجر، بالصوت والصورة. الآن توقفت الانترنت،وتورطت بابنة اختي التي لا تصدق بان الانترنت توقف. كان الكوري، لقب ابن اختي، يحاول امساك والدته من الشاشة، ثم فصل سلك الجهاز وهو يخبر اخته بأن لا تعيد شبكه لنعود للمنزل. كان يبكي في بعض اللحظات على الشاشة، هو واخته الأخرى، كان شيء مؤلم. لا أعتقد بأني سأعيد الكرة واطلب تمديد الانترنت للغرفة.





أحلام تداهم في غير موقعها. حينما يتغير المكان، نتوقع أحلام مختلفة، لكننا نحمل أحلامنا معنا. "حلوم أهل نجد حديث قلوبهم" كانت أمي تخبرني هذا حينما أتسائل عن أحلامي حينما كنت صغيراً. لم يتغير قلبي. لكني صرت أعتبر هذه الأحلام أحلام مزعجة، بعدما كنت أعتبرها أحلام جميلة. قلبي لا يزال يحب هذه الأحلام، لكن عقلي، وله الغلبة، يجبرني على كراهيتها، لأنه يخاف أن يصدقها. فصرت حينما أفطن، أكرهها، واستسخفها. كنت قد سألت مفسري أحلام، لكن لا جدوى منهم بالواقع، كانوا يقولون أشياء جعلتني أصدق بعض الأحلام، لكن بالواقع، لم يتمخض الأمر عن شيء.





إن سارت الأمور على ما يرام، بعون الله، فلم يبقى سوى القليل لعمله. بقي اسبوعين على عودتنا الآن، مما يعني أننا قطعنا نصف المسافة. وأرجو أن يكون أصعب ما سنمر به قد مضى. في أول الأيام، كنت قد فقدت بطاقة الصراف للحساب المخصص للرحلة عن طريق خطأ في الفهم. كنت متعوداً على خروج البطاقة من آلات الصراف في السعودية حالما يؤكد المرء العملية، وبهذا لا ينساها، لكن هنا بعض الصرافات تختلف، يجب أن تأمر الآلة بإخراج البطاقة، فنسيتها بالداخل. والبنك الفرنسي الذي أخبرني بأن بطاقتي ستعمل بالهند، كان مخطئاً، فلم تعمل بطاقتي. وهنا، الفيزا غير متداولة. كلمت البنك الفرنسي، فأكد لي الموظف أن بطاقتي لا تعاني من مشكلة وأنها يجب أن تصرف، ونصحني بتجربة صراف آخر. لم تنجح العملية مع ذلك. تدبرنا أمورنا بما معنا، وحمدت الله اني صرفت مبلغاً جيداً قبل فقدان البطاقة. تواصلنا مع الأهل، وأرسل إلينا أخي ثلاث بطاقات، طال انتظارها، رغم الوعد بوصولها خلال 3 أيام من شركة آراميكس الكذابة. قبل وصولها، اتصل بي أخي، وطلب مني أن أجرب بطاقتي من البنك الفرنسي، جربتها فصرفت. يا لفرحتي. أخبرني بأنه كلم موظف يعرفه بالبنك الفرنسي "ففعل" البطاقة. كان البنك يكذب علي، أو أنه يوظف جهلة. ولا أدري ما المشكلة بتفعيلها بالخارج تلقائياً كما يفعل بنك الراجحي والعربي. قررت أني سأترك البنك حالما أعود إن شاء الواحد الأحد. فما قاموا به لم يكن شيء بسيط أبداً، ناهيك عن الجهد الذي تطلبه استخراج بطاقة فيزا، يلاحقونك بالعادة لتأخذها على مضض بالبنوك الأخرى. وصلت البطاقات بعد فترة، لكن لم أستفد منها حتى الآن، لأني صرفت الكثير من بطاقتي ولا زال يكفي ويفيض.
قاتل الله البنك الفرنسي، وآراميكس.





خرجت أمس للمتحف، وهو متحف صغير، ولكني لم أعلم بأنه بقي القليل ليغلق، وحتى قبل حلول الموعد بثلث ساعة، لم يسمح لي بالدخول. تنزهت بالأماكن المجاورة واستكشفتها. كانت غابات تتخللها البيوت، والمزارع، وسينما تعرض فيلم هندي رأيت دعايته كثيراً. لا يوجد الكثير لرؤيته بالجوار. مكان ممل.






هنا يوجد لصوصية عجيبة للأسماء، يوجد مطعم دجاج يسمي نفسه البيك، وعود الحرمين، وأشياء أخرى. التأثر هنا بالثقافة العربية كبير إلى حد ما، فالشاورما تباع على نطاق واسع. طبعاً لم أشتري منها، فلست أدري عن حل الدجاج وحرامة، فضلاً عن النظافة. أخبرني أحدهم بأن بطنه آلمه حينما آكل شاورما من محل مجاور. لم أكن لأخاطر على أي حال، كما أني لا أشتهي عملهم.



جئن الخادمات... قلق.



عدت قبل أمس بأغراض كثيرة، أطعمه وخلافه، وكان حملها ثقيلاً. نظرن إلي صيدلانيتين من المركز، حيث أن الصيدلية هي أول ما يقابل المرء، وتهامسن ضاحكات. كان من الواضح أنهن يلقين النكات حولي. تذكرت طبع الفتيات حينما كنت صغيراً. الفتيات هن الفتيات في كل مكان، غير مراعيات حينما يكون الرجل وحيداً ومسالماً، أو الصبي. طال الأمر، ولم ينتهي حتى ابتعدت.
لا أدري ما المضحك. ربما لون ملابسي غير المألوف هنا؟ أو شكلي ككل؟.
ذهبت إلى مستشفى قريب بحثاً عن دواء، وتجمعن فتيات الصيدلية، وتهامسن باسمات، بعضهن ضحك. ربما كان لصعوبة تواصلي مع الناس هناك دور، فاللغة الانقليزية هنا ليست جيدة عموماً. سألت صيدلانية محجبة، ذات بشرة أغمق عن المعتاد هنا بشكل ملحوظ، وكانت حسناء. بدا الأمر مربكاً لها ومضحكاً. فكرت بأن هذا ربما الطبع القروي في كل مكان.
كان الرجال في الصيدلية التالية، في نفس المستشفى، متعاونين جيداً، ولكنهم تصرفوا بغرابة نوعاً ما. بينما وقفن النساء الصيدلانيات بالخلف ينظرن ويتهامسن ضاحكات.





رفضت الخادمة الخروج حتى أعطيتها مالاً. حدث هذا لأول مرة. مشكلة.






يوجد شخص جديد هنا، مطوع، ذكرني مباشرة بشخص عزيز أعرفه. يصلي بنا الأوقات، وله ترتيل حسن جداً ما شاء الله، شديد الهدوء. شعرت بارتياح تجاهه، لكن لم يتسنى لي محادثته لبضعة أيام. لأني لا أنزل وأجلس مع الناس، فقد اكتشفت اني لا استمتع بمجالسة هذا العدد الكبير، الذي يسيطر فيه على المجلس رجال مسنون محددون، بمواضيع محددة. وجدته اليوم مع مطوع ودود آخر، وشخص آخر، يجلسون في العصر. دعاني المطوع الأول الذي يعرفني، وكنت قادم بلا دعوة أصلاً، حسب العرف هنا. قبل أن أجلس وقف الرجل وسلم علي وتعارفنا، كان مهذباً جداً. جلس وسأل عن حال من معي، ومن هذه الأمور. جاء رجل آخر، طيب ولكنه كما يقال: عيّار، أي شديد السخرية وكثيرها. لست أحب هؤلاء الناس بالعادة، لكني أجده طيباً جداً لا يكره، كما ان ابنه الصغير مؤيد يشفع له كذلك. سمعت لنقاشات بدأت ثقافية، ولكنها ظلت تنحرف وتنحرف إلى منحدر. تكلموا عن المتنبي، واتفق الرجل العيار مع الملتزم الذي يعرفني على وجهة نظر، صمت الرجل محل اهتمامي مبتسماً، ولم يخالفهم، لما طلبوا منه أن يبدي وجهة نظره قال بأنهم اثنين متفقين فلا شك إذا بصحة كلامهم، ثم قال عبارة أعجبتني جداً، إذ كثيراً ما قلتها: أنا لا أحب الجدل. جاء آخرون بعد ذلك، انتظرت قليلاً ومضيت. قبل قليل، في المساء، كان الكثيرون مجتمعين، وكنت عائد بعدما ناقشت الطبيب بأمر ما. رأيته، فذهبت للجلوس قريب منه. كان بيني وبينه المطوع الذي يعرفني، وهو شخص ودود، وصديق له على ما يبدو. جاء مؤيد إلي، كالعادة حينما يراني، وجلس أمامي، يطلب مشغل الموسيقى، أخبرته بأني سأعطيه إياه لاحقاً بعيد عن الرجال، وأعطيته جوالي الصغير الذي يحبه. انتقل المطوع الذي يعرفني إلى جانب ابنه الصغير في الجهة المقابلة، وبعد دقيقة انتقلت مكانه إلى جانب المطوع الجديد. بادرني بالسؤال، إذا ما كنت أنا طالباً؟ ضحكت بخيبة ظن، وقد بدأت أمل هذا السؤال هنا جداً. أخبرته بأني متخرج منذ زمن بعيد. تحادثنا حول شتى الأمور، وكانت مجالسته ممتعة. تكلمنا عن الحال هنا، حال اهله وأهلي مع العلاج، والأيام الباقية، وأين نعمل، والأهم تكلمنا عن التعليم.
سألني المطوع الجديد، إذا ما كنت متزوجاً؟ قلت: لا. قلتها بأسى فاجئني.
لا أتصور بأنه ستتاح لي الفرصة دائما لمحادثته، وفي حين أنه يوجد الكثير من الودودين، إلا أني لا أجد متعتي بمحادثتهم.

لست أنزل للجلوس معهم، خصوصاً مؤخراً، لأكثر من سبب. أنا منشغل كثيراً معظم الأيام، هذا أولاً. وثانياً، لا أجد متعتي بالجلوس معهم، يوجد العديد من الفوارق والاختلافات. وثالثاً، عشائهم بغيض الله يديم النعمة. لن يتغير شيء، لكني أرجو أن أجد هذا الشخص في فرص مماثلة لما جرى اليوم.




أرى الذين شارفت مدة علاجهم على الانقضاء، وأتساءل، متى يحين دورنا؟.




توقفت عن شرب الكوكاكولا هنا، فرغم أنه أطيب مما لدينا بالعلب والقوارير، إلا أني اكتشفت انه يؤلم بطني عند شربه. لا بأس، ليس أفضل من كولا برقركنق لدينا. كما أن الفانتا هنا تفي بالغرض، فهي رهيبة هنا، ليست كما لدينا.




رأيت قبل قليل فيلم وثائقي، the cove، وهو يحكي عن ذبح الدلافين الجائر وغير الإنساني في اليابان، التي غالباً ما تكون بعيدة عن الشبهات على نحو غير مفهوم. بطبيعة الحال، لست مؤيد للغرب، لكن لا يجعلني هذا في صف اليابان في العبث البيئي المنظم، الذي أسمع عنه منذ وقت طويل.
وجهة نظر الفيلم تنطلق من طبيعة الدلافين الواعية للذات. ولكنها ليست الحيوانات الوحيدة الواعية لذاتها كما قد يوحي الفيلم، فالقرد يعي ذاته، والفيل. القردة تؤكل في الصين، وأعتقد أن الفيلة تؤكل في أفريقيا، وهذه الحيوانات تستخدم في السيرك رغم وعيها الذاتي وشدة ذكاؤها.
أنا فقط ضد ذبح الحيوانات القاسي، وبأعداد أكبر من الاحتياج. اما خيار أكل الحيوان، فهو عائد للفرد نفسه، وثقافته. فلا يهمني أكل الكوريين للكلاب، أو الفرنسيين للخيول، كما لا أتوقع أن يهم الناس العاديين أكلنا للجمل.
أنا لا أحب تدخل الغرب في كل شيء، ومحاولته تعليم الآخرين كل شيء والتحكم بهم، حتى قبل أن ينظر إلى المآسي التي يقوم بها ضد بني البشر. لكني بالمقابل لا أتعاطف مع الخطأ، لأن من يقول هذا خطأ هو مجرم بالأساس. فالخطأ خطأ.
وربما لدي أساساً ميل للنظر لليابانيين على أنهم بشر عاديون، ربما أقل تحضراً في الجوهر مما نتخيل بكثير.
لديهم أمور جيدة، وأمور سيئة. لكن بعض صفاتهم السيئة، أُخذت على أنها جيدة في خضم الانبهار. فهم منغلقون أكثر من اللازم، لأنهم يعتقدون أنهم أفضل. وهم لديهم مشكلة مع الأجانب حسبما قرأت من تنبيه لهم من الأمم المتحدة. كما أن العالم يفرط بالتعاطف معهم بسبب القنابل التي أوقعتها عليهم أمريكا، متناسياً أنهم قتلوا آلاف من الصينيين والمنشوريين، وأخذوا نسائهم لمتعة جنودهم، وأجروا عليهم تجارب علمية مروعة، كالحقن بأمراض مميتة.
لست أكره اليابان، ولا أهتم لأمرها، ويعجبني التعليم لديهم، وتقدير الابداع، وتعجبني بعض منتجاتهم الثقافية كثيراً. لكني أكره المبالغة، والتعامي.
يريد الفيلم أن يضع الدلافين في مرتبة الإنسان من حيث الذكاء والعاطفة والوعي. يريد أن يشعرك بأن أطفال الدلافين هي كأطفال البشر. وهي فكرة موحشة، لكن لا أعتقد أن الدلفين بالنهاية اكثر من حيوان، يمكن أكله، كالبقر والغنم والحيتان والقرش والنعام. سأشعر بالأسى على أي عبث يهدد البيئة، وعلى الإسراف بالأمانة، وعلى المعاملة السيئة للحيوان. جميعنا نعلم بأن الإسلام يحث على إخفاء سكين الذبح عن الحيوان قبل الذبح، رفقاً بشعوره.




في أول الأيام، قبل أن نسكن في المركز الطبي نفسه، كنت أرى السعوديين، أسلم عليهم، ولكني كنت مشغولاً عن التعارف معظم الوقت. حينما صار لدي وقت، سألني أحدهم، وهو من القصيم، من أين أنا؟ حينما أخبرته استغرب. قال بأنه حسبني من جده. ضحكت، سألته لماذا حسبني من هناك؟. قال لأن الحجازيين "ما يعطون أحد وجه"، وأنه رآني وقد كنت مشغولاً ولم أتداخل مع الناس. أضحكني رأيه، لكن أعتقد أنه حسبني من جدة بالحقيقة لسبب مختلف. ربما ساهم انشغالي، لكن، أعتقد بأن هيئتي كان لها دور.



حقيقة مضحكة؛ لغتي الانقليزية هبط مستواها على نحو عجيب ومضحك، منذ أن جئت إلى هنا. لا أعرف نفسي حينما أتكلمها.
ليست موهبتي الأولى بالتأكيد.
مع ذلك...
يخطر في بالي أن هناك لغة قد أجيدها أكثر...






كان الحلم يتعلق بشخص قديم، كأنما مرت بي السنوات، ونسـيَـتْـه. كنا في مكان مألوف يسير فيه الناس. قال لي بأن كل شيء سيكون على ما يرام، لو اخترت الرأي الذي يقترح. كانت فرصة لأعكس ندمي. وافقت بهدوء وتعب. بدا أن كل شيء سيكون على ما يرام. احتضنته ممنوناً، واحاطني بذراعه بلطف. ثم افترقنا على افتراض اللقاء.

هذا من سخافات أحلامي.







فكرت بوضع قصة على شكل أجزاء في المدونة. قصة قديمة كتبتها وعرضتها في مدونتي القديمة. ربما أفعلها.




رغم أن وزني نقص هنا في الهند، إلا أني اكتشفت بأن بنيتي تغيرت أكثر مما تصورت على مر الوقت. أسمع الكثير من التعليقات، التي تشعرني بأني أخضع لرقابة خاصة من غالبية من أعرفهم بالعمل. غالباً ما يقال بأن وزني ارتفع، هل بدأت برفع الأثقال؟. بعضهم يقول: هكذا شكلك أفضل بكثير، ابقى على هذه الحالة. افترض أنهم يرون أن هذا هو شكل الصحة الطيبة. وبعضهم يقول: يجب أن لا يرتفع وزنك أكثر، أنت على الحد، يجب أن تخفض وزنك. أود أن أسأل الجميع: ما المهم بوزني؟!. لكني لم أعلم بأني تغيرت حقاً. كنت نحيفاً بحيث أن بنطال برمودا لدي حينما اشتريته قبل سنوات، في أيام الجامعة، وهو مرفق فيه حزامي تشميع على الجانبين، كنت اواجه صعوبة بوزنها حتى يبقى البنطال ولا يسقط، وربما استعنت بحزام أحياناً. حينما لبسته اليوم، لم أملأه فقط، إنما لم أربط الأحزمه واكتفيت بالزرارين الأماميين.
يتوقع الناس دائماً ممن يزداد وزنه أن يزداد في بطنه، أن يظهر كرشه. لم يتوقع أحد زملائي أن وزني هو ما أخبرته به في ذلك الحين، وقد كان أكبر من الآن بكثير، ونظر إلى بطني غير مصدق. اخبرته بأن لتمرين البطن أهمية، حتى حينما يتصور المرء بأنه نحيف.
على أي حال، أتصور بأني أريد أن أكون رياضياً، أعتقد بأني سأنضم إلى نادي صحي حينما أعود إن شاء الله.



الانترنت مقطوعة عن هنا منذ يومين الآن. وإلا لكنت قد نشرت التدوينة مسبقاً، ولما امكنني إضافة هذه الأحداث التافهة الجديدة.




إني أزور من وقت إلى آخر مكتب سفر قرب المركز، لأسباب عدة. مرة لتقديم موعد المغادرة، ومرات للاستفسار بشأن تصديق الأوراق، ولتسليمها للتصديق، والذهاب مع آخرين.
هناك، يوجد مدير المكتب، رجل كبير بالسن، وودود. عاملني جيداً، وابدى اهتمامه بي. قال بأنه أحبني منذ أن رآني لمحبته لصديق سعودي كما فهمت. واخبرني بأنه يود دعوتي إلى منزله عدة مرات. في مرة، أخبرني عن معضلة تواجه أبناء اخ زوجته، الذي توفي رحمه الله في السعودية في حادث مرور، ولم تدفع ديته منذ 7 سنوات، بينما يعيش أبناءه أوضاع صعبة. السفارة الهندية لا تقوم بالكثير، وهو يريد مساعدة من يستطيع لتحصيل مال الايتام والأرملة. أخبرته بأني سأرى ما يمكنني القيام به، وطلب مني تنسيق جهودي مع شخص آخر يحاول في الرياض مساعدته. سأحاول لوجه الله، وأتمنى أن أتمكن من تحريك الأمر. أظهر اهتمامه منذ البداية، ولم أعلم بأنه مدير المكان. كان يسألني ماذا أفعل بحياتي؟ وماذا أفعل هنا؟ كان يحسبني طالب جامعي.
اليوم ذهبت للسؤال عن الأوراق، وقيل لي أنها ستأتي قريباً إن شاء الله. أخبرني بأنه سيأتي هو وابنه اليوم لأخذي من المركز في الساعة السابعة، لأشرب الشاي معهم في المنزل. بصراحة، كانت أمي قلقة، ولكنها أخفت قلقها على غير المعتاد، حتى آخر لحظة على الأقل. جريت إلى بوابة المركز، أسفل المنحدر، وانتظرت هناك. جائت سيارة صغيرة، وركبت معهم. لم يكن منزلهم بعيداً. تكلمنا حول شتى الأمور بالسيارة. لديه وجهة نظر سيئة عن الأمان في السعودية، ولست ألومه بالواقع. يوجد أمان في بعض الأماكن، ولبعض الناس، منهم أنا على ما أعتقد، لكن يجب أن تكون كل الأماكن آمنة، وكل الناس آمنين، حتى لو كانوا غير سعوديين، أو غير مقتدرين مادياً. يشكوا الآسيويين دائماً من إهمال رجال الأمن لهم لدينا. لكني أعتقد أن الأمور ستتحسن إن شاء الله.
وصلنا المنزل، ودخلنا من بوابة صغيرة وجميلة. حينما أردنا الدخول نزعوا أحذيتهم، وحينما هممت بنزع حذائي حاولوا ثنيي، لكني أخبرتهم بأن هذا طبعنا في السعودية. هذا طبعنا فعلاً، منذ سنوات قليلة جداً، قبل أن يفسد الناس السيراميك السخيف. دخلنا، ابتسمت لي زوجة الرجل الكبيرة مرحبة، قبل أن تمضي إلى الداخل. كان نظام المكان مثلنا، مجلس، وباب يفصل عن الداخل. علق الرجل بأن نظام هذا المنزل بالتأكيد مختلف عما في السعودية، فأخبرته بأنه مماثل، فلدينا مكان لجلوس الرجال، ومكان لطعام الضيوف(مقلط) وهو يهز رأسه مبتسماً ومذهول، ويشير إلى غرفة أخرى لتناول الطعام، وقلت وباب يفصل النساء، مثل هذا المنزل. أحضروا حلويات هندية تقليدية، لم أتذوقها من قبل، وإن كنت أراها حتى في السعودية، وتفاجئت بأنها لذيذة حقاً. وفاكهة عجيبة، كانوا فخورين بها. كانت عبارة عن أقماع رخوة جداً وكأنها مطبوخة، تشبه الفلفل البارد بلون أصفر مشلوق من أسفله، ولكنها غير متماسكة مثله أبداً. ولها طعم عجيب حقاً، يجمع بين طعم المنقا والخوخ. أخبروني بأنهم سيجهزون بعضه لآخذه إلى أمي. أحضروا شاياً، وكنت قد ذكرت شاي الكدك وأنا أتمنى أنه هو، لكني لا أدري. تكلمنا عن شتى الأمور، ودخلن فتاتين صغيرتين، إحداهن بعد الأخرى، بين 5 و6 سنوات، وسلمت عليهن وقبلتهن. سألتهم إن كانوا يقبلون الاطفال هنا؟ قالوا بأنهم يفعلون. جاء ابن الرجل المتوفى، وقد كان شاب في التاسعة عشر من عمره، حسن الخلقة، هزيل الجسم ممتلئ الوجه، شفاف العينين. كانت لغته الانقليزية رائعة جداً، أفضل ما رأيت هنا ربما. كلموني عن عائلتهم، وعن الهند وتاريخها، وأمور شتى.
حينما انتهينا من الشاي، دلوني على حوض وصنبور بالداخل، ودخلت وغسلت فمي. كان الأطفال يخرجون من الغرف ليتفرجوا علي. قلت لجدهم بأنهم من الواضح غير معتادين على الأجانب، فضحك. بالواقع، كنت فرجة حتى لأمهم، التي ما فتئت تنظر إلي وهي تبتسم، كانت تجد وجودي في منزلهم أمر طريف. بينما نظرت امرأة أخرى إلي بفضول.
حينما خرجنا لنغادر، أراني والدهم الأشجار التي يأخذون منها الفاكهة في حديقتهم. حينما رأيتها صحت بأني رأيتها من قبل، في الجهة المقابلة من المنطقة، وأنا اتمشى خلف الحدائق الخاصة بالأعشاب الطبية. وقلت بأني حينما كنت أنظر إليها كنت أشعر بأن رائحتها قبيحة ولابد، ولكن رائحتها جميلة، وأني ربما ربطت بينها وبين فاكهة في ماليزيا. قال والدهم بأنها من نفس الفصيلة، لكن النوع في ماليزيا قبيح الرائحة فعلاً فقد جربه. قالوا لي أن اسم هذه الفاكهة هو الجاك فروت.

سألتهم عن حيوان عجيب رأيته قبل يوم في المركز، وهو يفر حينما رآني إلى خلف الغرف، حيث يوجد جدار خلفه حقول وغابات. وصفته بأنه يشبه الجرذ، لكنه ضخم جداً بحجم القط. حينما رأيته ذعرت، فقد بدا جرذاً أكبر من القطط وأضخم، ممتلئ بشدة على نحو مخيف، عرضه كبير على نحو غير متوقع في ظل هزال القطط هنا، له ذيل طويل جداً ووردي، وأملس لا شعر عليه، كالجرذ تماماً. بعد نقاش وتوضيح ضحكوا، وقالوا بأن هذا نوع من الجرذ فعلاً، جرذ الحقول، وأن حجمه بالفعل أضخم بكثير من الجرذ العادي. قالوا بأنه غير خطير، فهو لا يهاجم البشر. أشك بهذا، فالجرذ العادي خطير جداً. قالوا بأنه يحفر الحفر ليدخل المخازن. كنت قد سمعت عن نوع من الجراذي شديد الضخامة، وأجد الأمر صعب على التصديق، قرأت أنه في في الصين يوجد جراذ بطول متر أو شيء من هذا القبيل. لكن حتى في أجمح مخاوفي لم أتخيل أني سأرى جرذ أكبر من القط.
سألوني إن لم يكن لدينا جراذي في السعودية؟ قلت يوجد، لكن ليس بهذا الحجم. الجرذ خطير وحقود. في الأردن، قتل رجل أبناء جرذ يعشش في بيته، فاستفاق بالليل على صياح ابنه الرضيع، كان الجرذ قد أكل أصابع قدمه. قرأت هذا منذ زمن بعيد بالجريدة. هو من الفواسق، وهذه الأشياء خطيرة.
خرجنا، ووجدت أن العائلة كلها خرجت معنا، ووقفن النساء والأطفال بالشرفة ووالدهم يفرجني على الأشجار العالية والأخرى الضخمة في حديقته. قبل ركوب السيارة ودعت الجميع، وأشرت للأم مودعاً التي كانت تتبسم لي وتؤشر مودعة.
استمتعت اكثر مما توقعت. لا أدري سبب الدعوة بالضبط، لكن حتى لو كان لزيادة رغبتي بمساعدة الأيتام، فإني أنوي هذا بشدة منذ البداية إن شاء الله. لكن، كنت قد قلت هذا مسبقاً وأوضحت التزامي بالمحاولة منذ البداية.





حينما عدت من الدعوة، تعشينا مباشرة، بعدما تذوقت امي واختي الفاكهة العجيبة. ثم خرجت ونظرت إلى الرجل من فوق، حيث أن غرفتنا تطل على مكان جلوسهم في الأسفل، ورأيت المطوع الجديد. ذهبت وجلست إلى جانبه. كانوا قد تعشوا. ويبدو أن العشاء كان على حسابه في هذا اليوم. كان أحدهم يتكلم حينما التفت إلي المطوع وسألني بهدوء لماذا لم أتعشى معهم اليوم؟ فصمت الجميع. كان أمر محرج، قلت بصوت منخفض بأني لا أنزل بالعادة. لم يفهم، فكررت بأني لا أتعشى معهم بالعادة، لم يفهم كذلك. كان الجميع صامت ينظر في اتجاهنا، فاقتربت منه، وانزل رأسه إذ كان يجلس على كرسي وانا على الأرض، وهمست بصوت خفيض جداً: "ما أحب عشاهم" فهم أخيراً وضحك. لم يسمع أحد آخر، فأكملوا حديثهم. رجعت إلى الغرفة فجأة لأني رأيت الدكتور يحوم ليطمئن على المرضى قبل النوم. كنا نود مناقشته بأمر. لما فرغت عدت وجلست إلى جانبه، فوقف ودعاني إلى لحاقه، غير مكانه من المجلس قرب المروحة، لأنه شعر بالحر. لكنه سرعان ما ذهب، لأن الدكتور دعاه.
كنا قد تحدثنا اليوم بالنهار، وقد فهمت على نحو أفضل سبب أزمة الرهن في أمريكا. ورؤيته لحكاية الرهن الجديدة لدينا مستقبلاً.




أتساءل، هل اخطر على بال أحد في الجامعة؟. لو كان يمكن قياس المرء كفكرة في ذهن الناس، كل الناس، لأمكنني حذف نصف الوزن لأن أمي معي، لن تفكر بي كثيراً كما لو كنت بعيداً.

أتذكر بعض التفاهات في الجامعة. أشخاص سخفاء ومحبوبين مع ذلك  يوجدون هناك. قصص تنتظر الإكمال، أو الحشو، أو الانتظار عن قرب. ذكريات غابرة لا تفقد حيويتها، ولكن تصبح أكثر فأكثر غير أكيدة. سمنت، لم تسمن، وكأننا في مجتمع نسائي. جو يقال بأنه جيد. الدرامي الذي لا اشتاق إليه. أحمد، أبو عمر، حامد، ومن أيضاً؟.



يتوقع منك الناس أحياناً أكثر مما تستطيع. إنه ليس شيء تعجز عنه لضعف مواردك أو قوتك، إنه ببساطة غير قابل للتطبيق. لكن، بشكل لا واعي، يعتمد الناس على مثابرتك، ويستنزفونك، بلا شعور بما يفعلون، ولا شعور بالرضا، فهم لا يرضون لأنهم يريدون تحقيق المزيد من خلالك، يريدون خطوة أخرى إلى الأمام في شئونهم، بعد الخطوة التي كانوا يريدونها وتحققت.

إن الخيل الأصيل لا يتوقف عن الجري مهما تعب، لكنه يموت فجأة. وإن لم يمت، فقد يتلف ببساطة، ويُقتل لتوفير مؤنته.
(لماذا لم يفعل؟ لماذا لم يقل؟ لماذا لم يبذل؟) لا أحد يتسائل عن صالح المرء نفسه، أو عن مستطاعه، في بعض الحياوات.




حصل اصطدام بيني وبين موظف بارد في المركز. كانت البداية سخيفة. انتهى غاز الطبخ لدينا والعشاء لم ينضج، فنزلت في طلب اسطوانة أخرى. طال الأمر حتى تدبروا لي اسطوانة، لكنهم ركبوا رأس غير صالح للاستعمال. وخرجوا للعشاء. اتصلت بالرجل، وأخبرني بأنه سيحضر الآن. وكلما اتصلت، قال بأنه قريب وخمس دقائق. حتى مضت ساعة تقريباً. كدت أن انفجر. تركت الأسطوانة على كرسي مكتبه. وأرسلت إليه ليحضر المال الذي دفعته لأجلها إلى الغرفة. أحضره، ولم يكن مهذباً تماماً. صفقت الباب لما ابتعد. اتصل لاحقاً يريد مني النزول لأن الغاز يعمل جيداً، رفضت النزول وأنا أعلم بأنه لا يدري ما المشكلة بالضبط. لاحقاً نزلت، حتى يفهم ما المشكلة تماماً ولا يحسب بأني أكذب، حيث أن المشكلة كانت بعدم القدرة بالتحكم بالنار. أريته المشكلة ولم يقل شيئاً. في اليوم التالي وصلت اسطوانة. كان من الواضح أنه اصطنع حكاية، فقد رأيت الكراهية في عين موظف آخر كان ودوداً. لم أهتم، عرفت بأن الناس هنا هكذا، غير واقعيين، ميالين لانتقادنا ولكن ليس أنفسهم. تصرفت وكأن شيئاً لم يكن، ولم أحكي لهم عن سوء تدبيره وكذبه علي. مع ذلك، ظل ينظر إلي بغضب. من يهتم؟ إن حكيهم ومواقفهم كثيرة، ادركت هذا هنا. صرت أتفاداه بقدر الإمكان. اليوم، مر من أمام غرفتنا، رأيته قادم، وأنا أمسك بالحاجز أطالع وأتفكر. لم أتوقع أنه سيقول شيئاً، ولم اهتم بمروره. لكنه مسني من كتفي برفق، وسأل عن حالي وهو يمضي. شيء لا يقوم به بالعادة، حتى قبل الإشكال.
لست أدري كم من شخص حمله إلى سوء فهمي قبل أن يخف توتره. لكن من الجيد أنه خف بالنهاية.
 جاء قبل قليل، وحادثني. يبدو أنه لم يعد غاضباً. وطلب مني ارسال عنوان بريدي اليه.


في بداية أيامنا في المركز، كنت أنتظر الدكتور يفرغ لأناقشه في أمر في مكتبه. كان هناك آخرين بالانتظار. جلس شاب هندي غامق السمرة، حسن الهندام، في الصف الثاني. كان ينظر إلي ويتبسم . راقبني قليلاً، وجاء لاحقاً وسلم علي، ولا أدري كيف خمن أني أتكلم الانقليزية. تكلمنا وعرفت بأنه مندوب شركة طبية. وعرفت بأن زوج اخته يعمل لدينا بالجامعة. فوجئ حينما علم أني أعمل هناك. كانت متحمس للتعارف. بدا شاب بريء وطيب. وهو ليس من القرية أو المدينة الصغيرة التي نقيم فيها، لكنه يقيم مؤقتاً لغرض العمل. كان يريد أن نلتقي لاحقاً. صادف أن رأيته أمس مرة أخرى. كانت مفاجئة جميلة. تحادثنا كثيراً، وكان يعبر عن رغبة شديدة بالخروج للتنزه معاً، أو حتى لترتيب نزهة لي ولعائلتي. كان جاداً. نصحني بمطاعم، أخبرته أن المشكلة هنا بالفلفل. قال يوجد المطاعم التي تقدم الأسلوب العربي. جربنا الأمر، وكدنا أن نموت رغم تخفيف الفلفل.
كان رجل ودود. اتمنى له الخير.


أقف أحياناً على الحاجز أمام غرفتنا هنا، أطل على الناس الجلوس في الأسفل، وأسهم في علو نخيل جوز الهند. أفكر بالشعور المألوف الذي يخامرني، حتى لم يعد له طعم، لم يعد مراً. اتساءل، هل أغفلت أحد؟ هل يوجد أحد يجب أن أتصل به ولم أتصل؟.. صديق؟ عزيز؟ أي أحد قد يسأل عني بالمقام الأول؟ أي أحد أتصل فيه ليس عن شعور بالواجب والمجاملة.
لكن بشكل ما، أشعر بالطمأنينة لهذه المشاعر، أشعر بأني محمي من الخذلان. وأشعر بأني مستقل وحر من المحاسبة التي عودتني عليها صداقة قديمة. حر من التحطيم، حر من سوء الفهم وسوء الظن، حر من استنزاف من لا حق له.
الوحدة كالتدين كما أحسب، صعبة في البداية فقط.
لكنها دوماً كالقبض على الجمر.



سعد الحوشان