الاثنين، 28 ديسمبر 2009

طبقات الوقت والقلب(قصة قصيرة،ساعة،ألمان،أحداث،خواطر،أفكار)

بسم الله الرحمن الرحيم
 


 
أشعر بأني مقسوم إلى نصفين، نصف يتعايش مع الأمور ويتجاهل النصف الآخر. والنصف الآخر، يود أن يكتب قصيدة، تختزل ما فيه من بؤس.

وما أنا؟...
أنا ذكرى...
حتى لنفسي...
لم أعد موجوداً... 










أعتقد أني بدأت أتغلب على نفسي في بعض الجبهات. لقد وجدت أني استمتعت أخيراً، بلا شروط، بلا مسايرة، بخروجي مع بعض الناس. دعوني زملائي الإثنين، الذين تحدثت عنهم في تدويناتي السابقتين، دعوني للخروج معهم قبل أمس. كنت مرتبطاً بصدق مع أهلي، وطال الارتباط ولم أتمكن من رؤيتهم. نويت في اليوم التالي أن أطلب منهم لقائي في مقهى قريب، مع أني تخوفت من أن الأمر قد يبدو سمجاً من طرفي، حيث دعوني حينما اجتمعا أمس، ولم أحضر، هل سيجتمعان لأجلي مرة أخرى؟ خصوصاً أننا لا زلنا في بداية المعرفة. لكن المفاجئة كانت أنهم اتصلوا بي قبل أن أتصل بهم، وأخبروني أنهم يريدون لقائي اليوم كذلك! سعدت بالأمر، لكوني لم أتوقع أن يبادر مرة أخرى خصوصاً أني لم أتصل أمس للاعتذار لتأخر الوقت، ولكن، هاهم يتصلان، إنهم لا يعملان كما يعمل بقية الناس الذين أعرف، يبدو أن طواياهم أسلم، وأمورهم أبسط. فرحت بالأمر، وذهبت للقياهم. كنت قد تعشيت، وكانوا قد اتصلوا بي ليستطلعوا سبب تأخيري، كان الطريق مزحوماً، وتم استيقافي في المنزل طويلاً بسبب مشاكل الأطفال وكل تلك الدراما التي زادت عن حدها مؤخراً على نحو غريب. دائماً ما أجد نفسي مقحم بمشاكلهم، فهم يشتكون إلي بعضهم، وأهلهم يحيلونهم إلي في أحيان كثيرة. حينما وصلت، وجدت زملائي ينتظرون طعامهم، أكلوا بسرعة، وخرجنا إلى مقهى قريب، لم يعجبني، ولكن زميلي القصيمي كان مصر عليه، لأنه خالي من الناس، فهكذا يمكننا أن "نحش" على راحتنا كما عبر. بالطبع، كانت نكتة، ولكن بحثه عن الخصوصية لم يكن كذلك. تكلمنا كثيراً، غالباً بأمور الجامعة، وعدم رضانا عن إدارتها، وبعض المواقف المضحكة والغريبة والمحزنة من الدكاترة المسئولين. شرح لي زميلي أن المقهى لو لم يكن خالياً، لكان من المحرج أن نتكلم بهذا الوضوح والصراحة عن جهة عملنا ونناقشها، فهذه أسرار لإطلاعنا نحن فقط. أخبرني هذا حينما علقت بأني لا أفهم سبب رغبته بالتواجد لوحدنا بالمكان، فأنا أحب أن أرى الناس من حولي. أفهم رأيه طبعاً، ولكني في المرة القادمة سأقترح جلسة مع الناس في المقهى الذي أفضل، حتى يتذوقوا المشروبات التي أقترحها، فغالباً ما تعجب الناس، ولا يلزم أن نتكلم عن الجامعة، يمكننا التكلم عن أشياء أخرى، كما فعلنا في نفس الجلسة. كما أن هذا المقهى لم يبع أشياء يمكنني شربها، كلها قهوة وشاي وأشياء لا تبدو جيدة. لم أرى شوكولاته ساخنة، أو مشروبات أخرى. قال العامل عن ميلكشيك، لكني لم أفضل. اسم المقهى اسنس، ويكتبه باللغة العربية بطريقة سخيفة ومضللة، يعنني حركة، يكتبها هكذا:إس.نس. فيقرأها الناس بنفس الطريقة الخاطئة والغريبة. إضائته كانت أقوى من اللازم. مع أني أحب الإضائة الجيدة، لهذا أذهب إلى جافا تايم، لكن ليس إلى درجة المقهى هذا، إضائته تشبه إضائة استاد رياضي. كما أني لا أحب المقاهي الأخرى، خصوصاً تلك التي يديرها بنغال أو هنود، حيث أنهم يجعلونها أقرب إلى البارات بالإضائة الخافتة جداً، والقوارير المصفوفة على نحو إيحائي.
استمتعت معهم كثيراً، أكثر من المرات السابقة، التي كانت حافلة أكثر.











هاقد مر عيد الأضحى، وأنا نائم. لست أخجل من قول أن النوم أفضل في بعض
المناسبات، كهذه المناسبة، بالنسبة لي على الأقل، أي، لست أنصح الجميع بالنوم، فمن سيذبح ويسلخ لو نمنا جميعاً؟ وفي حالة أمثالي، لكن غير المحظوظين مثلي، من سيوزع اللحم على الجيران؟، فهذه مهمتي بالواقع، حيث أني لا أذبح ولا أسلخ، وأوزع اللحم في الأوقات السابقة على مضض أيضاً، ليس تكاسلاً، ولكن لشعوري بالغثيان من الأمر. كان رفضي للقيام بهذه الأمور الاستثنائية مثير لاحتجاج بعض إخواني، ولكني لم يكن يرف لي جفن تجاه مشاعرهم، لماذا؟ لأني مسئول عن الكثير من الأمور طوال السنة، فيما هم أنانيون مشغولون بأنفسهم فقط، وعليه، لا أولي أرائهم في ذلك اليوم أي اهتمام، فمن حقي أن أختار يوم إجازة، وفي السنوات الأخيرة، بت محظوظاً بتقدم أبناء إخواني وأخواتي بالعمر، بحيث لا أحمل حتى هم توزيع اللحم. كان هذا اليوم ثقيلاً جداً بالسابق، ولكنه لا يعنيني الآن، حتى لو نظرنا للجانب البهيج الذي يفضله الأغلبيه، وهو اجتماع الأقارب والزيارات، حتى هذه الأمور لا تعنيني. لا، لست متيماً بالأقارب، ومن يعرف بوجودي منهم لا أتصور بأنه متيم بي كذلك، إني أحب الغرباء. أحب التواجد في المناسبات التي يمكنني فيها التعرف على شخص جديد، أو مجتمع جديد، أو مجرد الإطلاع عليه. ذهبت مع والدي إلى مناسبات أصدقائه كذا مرة، ووجدت الأمر ممتعاً، رغم أني لا أعرف أحداً بالواقع.












عدت للبحث والنبش في موقع سجلت فيه في وقت قديم. وهو موقع عالمي لهواة المراسلة، حيث يتعرف الناس على بعضهم، أينما كانوا. لقد كنت أهوى كثيراً المراسلة عبر البريد المدني، أي رسائل الورق، وأعتقد بأني أستخدم البريد الإلكتروني للضرورة فقط، وليس لمتعته. كنت قد تعرفت على العديد من الناس على أوقات متفرقة وراسلتهم، سواء بالبريد الالكتروني، أو المدني. بعضها كانت تجارب جميلة، وبعضها لم يستمر طويلاً، ولا مشكلة لدي بالأمر. غالباً، يكون حظي جيداً مع الألمان على نحو غريب، فهم يجدونني مثير للاهتمام، وأنا أجدهم من بين الغرب أكثر إثارة للارتياح وأكثر تعقلاً. أما الشرق، فتجربتي فيه ليست كبيرة، ولكن ليست جيدة كذلك. تصلني من وقت إلى آخر رسائل تعبر عن الاهتمام بمعلوماتي الشخصية، ولكني لم أتحمس لأحد منهم منذ زمن بعيد. كان ربما أفضل من تواصلت معهم هو شاب اسباني من عمري، كان رائعاً وذكياً. ما أعادني للموقع اليوم هو رسالة من شخص روسي، يقول بأنه لتوه عاد من السعودية بعد رحلة دامت أسبوعاً، وهو مهتم جداً بتكوين صداقات هنا. لكن معلوماته لم تكن مشجعة، لا أدري لماذا بالضبط، كذلك، صورته وهو يدخن الغليون بدت مثير للضيق، ليس لأنه يدخن، رغم أني أكره التدخين، لكن الصورة بدت صفيقة. أرجو أن أتعرف على شخص مثير للاهتمام قريباً، فقد اشتقت لهذه الهواية. 










هذا مقطع من مدونتي السابقة، يحتوي على قصة قصيرة، اسمها: نبؤة العين الرمادية، ومقدمة لها، لمن يحب أن يقرأ، ومن لا يحب، ليبحث عن الخط الأحمر أسفل القصة، ويكمل القراءة من هناك:
 
"...عموماً، هذه قصة قصيرة أكتبها منذ فترة، وأنهيتها قبل أيام. مرت بتحولات. بالبداية لم تكن النية أن تكون على هذا النحو، أو أن تقوم الشخصية الأساسية بما قامت به. بالواقع، بدأت القصة كلها بإلهام من شكل زميل لي بالمكتب، وكانت الشخصية ستشبهه بقدر ما أعرف عنه، وإذا بها لا تشبهه إلا شكلاً بالنهاية. سألني عزيزي ....، حينما أخبرته بأني أتممت قصة ولم يتبقى سوا التنقيح قبل أيام، سألني: هل القصة واقعية؟ أجبته بنعم، هي ليست خياليه. لم أفهم سؤاله بشكل صحيح فأعاده: هل حدثت بالواقع؟ قلت له: "لا، لم تحدث، ولكن كما تعرف، كل شيء مدفوع بتجارب، بإلهام ما" لم يقرأ ..... القصة، وهو عموماً لا تهمه قراءة كتاباتي سواء الأدبية أو بالمدونة، ولكنه يهتم بما أقول فقط، وعندما أخبره عن مشروع أدبي، أعلم بأنه سيكون علي أن أعطيه موجز عن العمل، فكرة العمل وباختصار، فهذا ما يمتعه فقط.







بسم الله الرحمن الرحيم


 

 
نبوءة العين الرمادية










تعود أن يكون مميزاً، حتى بعاهته، الجميلة القبيحة. قد لا يفهم المرء كيف يمكن لعين فاسدة، قد أحال العمى قزحيتها إلى لؤلؤة رمادية مصمتة، أن يكون لها وجه من الجمال. ربما لم تكن جميلة بذاتها، ولكن التعبير، والمعنى العميق الذي تضيفه إلى شكله هو ما يجعلها تبدو جميلة في عين المتأمل. عموماً لدى عينيه ذلك المظهر العصفوري البريء، ولو لم يركز الناظر على تلك العاهة التي تلفت الانتباه، لربما وجد أن تينك العينين لا تخلوان من جمال واضح.


كافح بمرارة، وهو الوحيد غير المصدق أن وقته انتهى. "لا زالت هناك بعض النواقص التي لن يصلحها خلفي" هكذا كان يفكر، بأنه سيرحل حتماً وبعض تلك النواقص لن تكتمل أبداً، فلا أحد آخر يفهمها. ولكنه سيصلح ما يستطيع طالما بقي، وسيحاول، لأسباب عديدة أحيانا يصارح نفسه بها بخجل، أن يطيل البقاء بقدر مستطاعه. كان يشعر بكره الآخرين له، بعضهم، غالبيتهم، لم يجزم أبداً بالواقع. فهو من صنع هذا الجو المكبوت، هذا الجو من النفاق الرخيص كما دعاه أحدهم مؤخراً في انفجار مفاجئ للصراحة بعد كل هذه السنوات. هو من صنع هذا، ولكن أحد آخر أعلمه بأمره، لم يكن يعلم. وبعد تماسكه، بدأ يترنح، ورأى أخيراً أن من كان يعده ليخلفه في منصبه، كان أقوى منه منذ البداية رغم صمته وصبره. لماذا صمت؟ لماذا صبر؟ لم يفهم لماذا كان دائما صموت ذلك الرجل، لماذا كان غريباً، لماذا اختاره منذ البداية تقريباً، لكن، لا بد وأنه يملك قصته الخاصة، سره الخاص، وهنا ربما التقت الأرواح كما حسب.


" عشر سنوات، عشر سنوات ولم يتغير شيء، ما زالت الشكاوى هي نفسها يا دكتور، بل إنها تتضاعف." هكذا قال زميله الدكتور المتعاون المهمش، لم يتسلم سوا منصب واحد رغم أنه أقدم من العميد، فهو كان يكره المناصب الإدارية. لم تكن عموماً صراحة زميله هذا تعنيه، كان يبدو له دائما وكأن زميله لا يستطيع رؤية الإنجازات ويركز فقط على أمور لا حل لها، أمور مسلم بها. ولكن مع ذلك، كان ما قاله زميله نبوءة غير مقصودة. بعد العشر سنوات هذه، انتزعت منه العمادة أخيراً، بطريقة غير مشرفة تماماً.


تسلق السلم سريعاً، ليستقر في قمته لمدة طويلة، حتى هو كان يدرك مع مرور الوقت، أنه بقي هناك أكثر من اللازم. لقد جرب نفسه في الكثير من المواقف. ولكن ربما كان هناك عدة مواقف، بالإضافة إلى الحب الغريزي للتسلط والعلو، جعلته يعض بالنواجذ على مصلحته. بيد أنه لم يستطع الربط أحياناً، لم يدري كيف كان لبعض المواقف أن تدفعه في هذا الاتجاه، في حين كان يجب أن تدفعه لاتجاهات أخرى.


تذكر حينما كان مجرد وكيل للكلية، قبل العمادة. كانت الكاريزما لديه طاغية، وبشكل ما، بدأ بفقد جزء كبير منها ساعة أصبح عميداً، لقد تغير فكره، وكان انقلاب قلبه كاملاً على روحه القديمة، لقد كان قلبه يتغير ويسوء كلما تسلق أعلى. كان هناك ذلك الطالب، ذو العائلة النافذة، لقد كان ذكياً، ولكن مهمل، ولم يكن بالواقع يهتم لإهماله حتى كاد أن يطرد من الجامعة، ولم يكن الأمر ليهمه لولا اشتراط والد الإنسانة التي أحبها الشهادة الجامعية. علم بكل هذه التفاصيل بمصاحبة ذلك الشاب. كان الأمر هو أنه يستحيل أن يعامل أي طالب، أكثر من كونه طالب، ولكن ذلك الشاب كان مختلفاً بكل شيء، ولم يكن ليلفت انتباهه لولا نفوذ عائلته، على أنه علمه الكثير فيما بعد حتى أحبه حقاً. في تلك الأيام تفتح عقل صاحبنا ذو العاهة على مصالح أوسع، وأكبر من مجرد مصارعة الآخرين على السلم الإداري. عندما صار ذلك الطالب يحتك به كثيراً ويخطب وده، كان يعلم بأن الشاب يريد سنداً، يعينه على تدارك إهماله، ولم يكن نفوذه بالجامعة وهو وكيل مشهور الآن إلا كنفوذ عائلة الشاب في بعض دوائر الحكومة. توطدت العلاقة، وصارت صحبة. ولم يخجل من الأمر أمام المنتقدين للتحيز. وكانت تلك الصحبة، هي بداية النعيم المادي الذي لا يزال يعيش فيه. لقد جاءه الطالب بالتصاريح التجارية، سهل أموره، ودعمه، وصار الدعم أكبر حينما نفذ صاحبنا بالعائلة نفسها، حتى لقد فكر بالزواج منهم بالإضافة إلى زوجته الأولى. ولم يكن الطالب يطلب شيئا، بالواقع، لقد كان دائما ما يبدو وكأنه قانع بالصداقة، بينما كان الجميع يعلم أنه بقرارة نفسه ينتظر رد الدين في لحظة حرجة منتظرة. جاءت اللحظة الحرجة. لم تعد ذكراها حيوية في رأس الدكتور الآن. ولكنه يتذكر المجلس، ويتذكر سرحانه، وهو يحسب لآخر لحظة تداعيات الأمر عليه إذا ما دعم صديقة الشاب. كانت صحبتهما محل للنقاشات السرية، وقد أوصلها الحاقدون بدسائسهم إلى مستويات عالية، أي إلى مناصب أرفع، خصوصاً بعد النجاح التجاري الذي حازه الدكتور الذي بالكاد يدري معنى التجارة، بعد فوزه بمناقصة مع الجامعة ذاتها لتوفير مستلزمات مكتبية، بترتيبات قرضية من بنك لم يتعامل معه من قبل. ولكن صاحبه، ووالد صاحبه، كانت لهم اليد الطولى في الأمر. لعلهم وجدوا فيه أيضاً نسيباً محتملا يرفع من أصلهم، على أن أصلهم معروف، ولكنه من أحد الأصول الشمالية التي لا يعتد بها كثيراً. كان يحسب كل هذا في ذهنه، والمجلس يقرر إعطاء الفرص لحالات مختلفة من الطلاب. كان منافس الدكتور، يرفع صوته ويتكلم بصرامة عن الطالب صديق صاحبنا، وينكر أي استحقاق له، وأي جدوى من إعطائه الفرصة للإكمال. كان دفاعه نارياً. لينهي أي فرصة، أي حجة، أمام صاحبنا الساهي. ولكن الوكيل كان واعياً للأمر. كان يعلم بأنه لو دعم صاحبه الشاب فإنه سيقضي على مصداقيته في الجامعة، إذ كانت أعين العميد لا تكاد تفارقه بالمجلس انتظاراً لموقفه، لقد كان العميد لحسن حظه يراهن عليه، وكان يجب أن لا يخيب ظنه، فإما أن تكون توصية العمادة له، أم لمنافسه المزبد المرعد الآن. كان الأمر أنه فقط أيد موقف منافسه بهدوء، بعدة كلمات فقط، وبعد ذلك تظاهر بعدم الاهتمام. صمت الجميع، ونظروا إليه، الجميع لا يريد أن يعبر عن ما يعتقد، ولكنه كان يدري أن العميد راض في قرارة نفسه، أما منافسه، فكان أقرب إلى الانهيار. وفي بقية الحالات التي تدارسوها، كان صاحبنا حيوياً، ومنافسه هو الصامت.


أعقب هذا أسابيع، دون تواصل بينه وبين صاحبه الشاب بعد ذلك اليوم. كان يتعجب لمعرفة صاحبه السريعة بالأمر. لابد أن أحد الحاضرين للمجلس أخبره بما جرى بسرعة، فإن كانت مصداقيته لدى الجامعة قد زادت، فلتتدمر في مكان آخر. كان آخر عهده به منذ أسابيع هو ذلك اليوم، حينما لمحه في نهاية الممر، وهو يرمقه بعينين لامعتين على نحو استثنائي، مملوءتين بالأمل. في بداية المستوى الدراسي التالي، باتت العمادة له أمر أكيد، والكل علم بهذا. خرج ذات ظهر إلى سيارته الكبيرة في نهاية الدوام، ولكنه توقف قبل أن يصل إليها، لقد لمح شكلا مألوفاً. كان رفيقه الشاب يقف بعيداً، وهو يوليه ظهره، قابض على ملف أخضر. بدا واضح المعالم بضوء الشمس الساطع. التفت نحوه صاحبه فتظاهر بعدم رؤيته ببساطة، وسار نحو سيارته وهم بفتح الباب. كان يرى الشاب يقترب بسرعة تجاهه، ومع ذلك تظاهر بعدم الملاحظة، حتى وصل إلى بعد أمتار. فالتفت بطريقة مفضوحة لا يزال يندم عليها حتى ساعته، وقال وكأنه متفاجئ: هلا بفلان!. لم يبطئ هذا من سرعة الشاب، الذي كانت عينيه الواسعتين الكحيلتين تلمعان بجنون وهو يقترب، وخديه الخمريان يضطربان. عندما وصل إلى قرب مناسب وصاحبنا الأعور يحتار بصمته، بصق بصقة واحدة، قوية ومتماسكة، طارت بثبات وكأنما تعرف دربها لتستقر على خد الدكتور أسفل عينه المعيبة. صدم الدكتور وكان ثابتاً لا يتحرك ولا يحاول تفادي التفلة باستثناء إرماشة ضعيفة. نظر إليه الشاب، بشاربيه النحيلين، ووجهه الوسيم، نظرة احتقار، نظرة نفذت حتى في عينه الرمادية التي لم تتجاهلها أعين الشاب باحتقار واشمئزاز بعد إكبار وشعور بالرمزية. ثم ابتعد بصمت. تابعه الدكتور حتى اختفى، دون أن يتحرك. ثم التفت ببطء نحو زجاجة سيارته، ونظر إلى وجهه. كانت البصقة بيضاء رغوية، وكأنما كان الشاب قد مجها ومجها في فمه بكل ما يملك من قهر. حسب الدكتور أن هذا ما يفسر اضطراب خدي الشاب وهو قادم، وقد كان يرحب به، شعر بالخزي، والحقارة.


مرت السنوات سريعة. وأدرك الدكتور أنه تأخر في انجازاته ولم تكن ذات قيمة، وإن رآه البعض قد بكر، وإن رآه البعض محظوظاً ذا حيلة. كانت الحياة مقسومة بين البيت والعمل والتجارة. كانت زوجته تكبر، وحبه المنقوص في البداية يكبر ويكتمل معها. ولكن ظلت ابنته قرة عينه هي الأهم في حياته، بكل ما يحمله هذا التعبير الركيك من معنى، بكل وضوح فيه. زوج ابنه الكبير وفرح به، ولكنه بكى كثيراً بضعف قبل أن يسلم الابنة. كانت تكبر وتصير صديقة وحبيبة. كانت الوحيدة التي فهمته في هذه الدنيا، والأهم، الوحيدة التي تعاطفت معه من بعد أمه. قال القصائد حينما رحلت مستقلة بحياتها. وخطط واحتال وناور واشترى، ليكسب حب زوجها فيرى ابنته أكثر. لم يكن مال التجارة ولا مال العمل يعني أي شيء من بعد، لم يعد هناك سوا وحشة الذكريات وقد شارف على الستين، وعطف ابنته لينقذه منها. مكالماتها المتعددة اليومية كانت تعني أنها تعلم بأن والدها ضحى بكل شيء من أجلهم. ضحى بكل شيء؟ هكذا يتبادر إلى ذهن الناظر إلى ثروته والنعيم والمنصب، بماذا ضحى؟ لقد اشترى هذه الأشياء بأشياء أثمن منها، واكتشف متأخراً بأنها أشياء لا تستحق. لقد كانت ابنته عكسه في كل شيء. لم تكن تريد المال، ولا المناصب، ولا الوجاهة، كانت فقط تريد أن تعيش، أن تحب. ربما هي الشيء الوحيد الذي حصل عليه دون مقابل، والشيء الوحيد الذي كان حقا يستحق أي عناء كان ليبذله من أجله، الأمر الوحيد ذو القيمة.


كان يبذل مجهوداً كبيراً في تأهيل ذلك الدكتور الشاب ليخلفه، متجاهلاً آخرين أقدم منه، وبطبيعة الحال، أكثر خبرة منه، ولكن ليس قبل أن يصب كل خبراته ورؤاه في ذلك الرأس الكبير لمرؤوسه الشاب. كان شاباً غريباً. منطوٍ ولكنه يقاوم الانطواء بوضوح، لا لشيء إلا لتحقيق انجاز ما كما يتخيل الدكتور الأعور. متقلباً مع غير العميد، ودوداً تارة، صفيقاً في أخرى. لم يره في موقف الأخرق أبداً من قبل، وبعد كل هذه السنوات، بعد كل صنوف البشر وكل المواقف والتجارب، الطويلة والقصيرة، كان أمراً لا يصدق، كان أمراً لا بد أنه يخفي حقيقة مرة قديمة. لا يكون الإنسان صحيحاً إذا لم يظهر بمظهر أقل ذكاء من العادة في بعض المرات، بمظهر يخضع للعاطفة الإنسانية قبل العقل. فإن لم يظهر هكذا أبداً، فهذا ليس بذكاء كامل كما قد يحسبه منطق ما، ولكنه نقص في الذكاء. نظرة هذا الدكتور الشاب الحادة، الجادة، الجافة كعيني دمية، القاسية كعيني وحش، جعلت صاحبنا يتوق في البداية إلى معرفة القصة، ولكنه أدرك فيما بعد أن نظرة هذا الشاب إنما جفت بسبب قصة ما، مأساة ما، جفت لترويها، وليس بها طاقة للري والرواية من بعدها. أراد بطريقة ما أن يصنع له قصة جديدة، أن يجعل لحياة هذا الشاب حدثاً، تعويضاً عن مأساة لا يعرفها. وهكذا ازداد إصراره على توريثه العمادة، أي حدث سيكون بالنسبة لهذا الشاب أن يصبح عميداً هكذا، متجاوزاً كل هؤلاء الناس غير المميزين. ولكن الأمر طال قليلاً، ولم يبد أنه يستحق العناء بالنسبة لهذا الشاب بالنهاية، أو لم يبد أنه ممنون على الأقل. عندما صار الشاب عميداً، لم يتواصل مع صاحبنا، الذي بات يرى نفسه مجرد أعور، وليس عميد عاد ليصبح دكتوراً، وكأن العمادة هي تعريف مختلف لنفس الدرجة العلمية. حتى التجارة تركها لغيره ليديرها.


ظل يملك ابنته على أي حال. لم تكن إنجازاً ليورث، ولم تكن لتعطي حبها له لأحد آخر، كان أمرا بغير اختيار أحد. لاحظت أنه بدأ يصير ضعيفاً، عاطفياً مع الجميع وليس معها فقط. أغدقت عليه من حنانها، وحاولت أن تسعفه بقوتها، ولكنها لم تدرك أن الأوان قد فات، فليس في طاقتها الندم عنه، وهي لا تعرف الندم، وكأنما أخذ هو حظها من سوء العمل. وقفت إلى جانبه ذات مرة ليصلح مرآة، وهو سعيد بوجودها، وقد بدأ يتعلم أشياء جديدة بعد تقاعده وكأنه طفل. أشياء تافهة صغيرة بالواقع، كيف يصلح الكراسي والطاولات، كيف يحضر الاحتياجات من السوق. لم يكن يعرف، لأنها كانت مهمة الخدم. كسر أبناء ابنه جزء من المرآة في ملحق المنزل. كانت إلى جانب حمام، تعكس صورة جدار أمامها منذ أن بني البيت وسكنته. أراد أن يخلع المرآة، ويبدلها بأخرى اشتراها. كانت ابنته تحكي وتضحك إلى جانبه، وتعلق وتنبه وهو يحاول أن يخرج المرآة من مكانها. خرجت أخيراً. حملها بين كفيه الغليظين، ونظر إلى وجهه. امتدحت ابنته وسامته، فتبسم بالمرآة. سادت لحظة صمت بعد ذلك، وهو يواصل التأمل بالمرآة لفترة. صمتت ابنته، ظنت أن والدها يتفكر بأمر ما، يستعيد ذكرى ما، شباب ما. نسي كل ما حوله. لقد صار يلاحظ هذه التجاعيد كثيراً مؤخراً. صارت الذكريات الغريبة تداهمه عندما ينظر إليها وكأنما ربط كل ذكرى في أحد ثنيات وجهه الكثيرة. كم قارن من قبل بين شكله وشكل غيره. بدا له أنه الرابح فعلاً رغم العين التالفة. كان على أي حال يقارن نفسه بمستويات شخصية وشكلية معينة مكافئِة. ربما كان من أشعره بالغيرة قليلاً هو صاحبه الشاب، العميد الحالي. لقد شعر بأنه خدع به. لقد اعتنى به، وأوصى به، لقد دافع عنه وأعطاه المناصب، لقد تعاطف معه وإن كان هذا أمراً قلبياً خفياً. ولكنه الآن يتجاهله، ولا يتصل للسلام حتى. كان يجب أن يعلم أن جفاف هذا الشخص لابد أن يمتد إليه عندما يفقد مميزاته، ما يحميه من الازدراء والكبر الذي يملأ نفس هذا الشاب. الشباب الشباب... كل بلاء هو من الشباب. فكر هكذا، بينما هو يغرق بالمرآة وينسى كل شيء آخر، وكأنما يقرأ صفحة. لقد كان محقاً بخصوص الشباب، بالنسبة لحياته التي عرفها على الأقل. كانت بداية انحداره في شبابه، لقد تخلى عنه شبابه فيما بعد، لقد بصق في وجهه شاب ذات مرة، تذكر ذلك الشاب مرة أخرى، وتلك البصقة التي سرعان ما صارت باردة وقد أبطأ قليلا بمسحها عن وجهه، حينما كان يفكر بما فعل. صارت باردة وكأنما تزدريه هي الأخرى، وكأنما تقول: بردت على وجهك. ولم ينبهه إلا برودتها من حالته تلك. رآه ذات مرة مصادفة، في مدينة أخرى. جمعتهم الأقدار لسخرية أخرى، لإهانة أخرى، ولكن هذه المرة من نظرة، وذكريات. كان الشاب يجلس وهو لم يرى العميد الأعور بعد. كان يبدو سعيداً في ذلك المنتزه، وفي حجره يقبع ولد صغير لم يمشي بعد، ذو رأس كالكرة. شل المنظر فكر العميد، ونظرت عينه بقدر مستطاعها بتحليل لما يرى. هل تزوج؟ ممن كان يخبرني بأنه يريد؟ هل لم يؤثر ما قمت به في مصير حياته؟. كان يعلم عندما لم يساعد صاحبه، أنه لن يتزوج ممن أراد. ولكن هاهو متزوج بالتأكيد. لم يدم الوضع طويلاً حتى التفت إليه الرجل، واختفت ابتسامته، وذوت سعادته. شد ابنه إليه. لم تقل وسامته البتة، ولكن الآن هناك وصمة خفية عليها، هناك ندبة خفية، ندبة حزن. نظر إلى العميد، الذي أراد أن يقترب قليلاً، ولكن نظرة الشاب التي قست ردعته. بعد هذا العمر صار يمكنه مراجعة نفسه، وحتى رغم أن التاريخ لو أعاد نفسه لما تغير، إلا أنه يعلم الآن على الأقل أنه أخطأ، على الأقل كان يمكنه أن لا يعطي الشاب الأمل وأن لا يصاحبه، ولكن، مع ذلك، هل كان يمكنه تجاهل المميزات التي منحها الشاب له؟ المميزات المسئولة عن النعمة التي يعيشها الآن؟. نظر الشاب إليه، وقد صار حجمه أكبر، كانت نظرته تروح وتجيء على وجه الأعور، باحتقار واضح، وشفتين معقوفتين. استقرت أعين الشاب أخيراً على العين الرمادية، وازداد وجهه تجعداً باشمئزاز لا يبذل مجهوداً ليخفيه، لقد كان دوماً يجيد الإخبار بتعابير وجهه، دونما مبالغة، دونما اصطناع. ثم صد عنه، بعد لحظات بدت أطول من الواقع لصاحبنا الأعور المصعوق دون سبب واضح. لم يتزوجها. حتماً لم يتزوج ممن يريد. آلمه قلبه، وأشفق على ذلك الشاب الجميل، رغم تجريحه له. تذكر الشاب النقيض، الهادئ، قوي العزيمة والشخصية، نفاذ الذكاء، الذي هيئه ليصبح عميداً. حاول أن يعرف لماذا كان لا يولي أسئلته اهتمام، أكثر من صدها بلباقة وذكاء. كانت أسئلة العميد دائما بعيدة عن الشبهة، بعيدة عن مقصده ولكنها مسددة بذكاء لتفتح مجال للتقارب، ليحكي له الشاب عن ماضيه، ليخبره لماذا صار هكذا، حسب العميد أن الدكتور الشاب كان أذكى من أن يقع بالفخ، ولكن الواقع أن الدكتور الشاب لم يعد يريد أي شيء، أي شيء خارج عن هدفه مع من يقابله من الناس، أما أهداف الناس فلا تهم، وكانت هذه هي الخلاصة، خلاصة تجربته مع الناس، اما التجربة نفسها فلم تعد موجودة. كان كالمكينة تقريباً، فالإنسان عندما يعمل بلا ذكريات، لا يختلف كثيراً عنها. ولكن لم يعلم العميد، أن المظاهر الحمقاء الهشة، اللحظات الإنسانية العاطفية، قد ظهرت في تاريخ هذا الشاب القريب، دون أن يعلم أحد. تذكر الزميل المنافس. لقد حطمه أيما تحطيم حينما صار عميداً، بسخرية وتنكيد كان يعجب هو نفسه كيف تفتق عقله عن عبقريتها. كان يكره مثالياته، كان يكره حلمه وخياله، كان يكره عدم واقعيته وابتعاده عن مصالحه لأنه يتخيل بأنها مشبوهة، وكأن جميع الآخرين مجردين من الضمير. تمعن أكثر بالمرآة. ألم يكن يمكنه فقط أن يدعه وشأنه؟ أن لا يشغل نفسه بأفكاره؟. لا يدري إن كان ذلك الرجل سيشفى أبداً داخل نفسه من الجروح والإهانات التي ألحقها به. تذكر وتذكر وتذكر، ذكريات لا تحصى ولا تنتهي، كلها تكالبت، كلها حكت وقالت، ماذا فعلت؟. " بابا"، همست ابنته بقلق وقد طال انتظارها. لم تقطع حبل أفكاره، ولكنها بدت كصدى من الماضي، لقد جعلته يذعر لسبب ما. قلب المرآة بسرعة وكأنما يبحث عن شيء ما، عن حقيقة رفض وجه المرآة أن يطلعه عليها، حقيقة أخفاها من وجهه المحملق على سطحه، من روحه المعكوسة أمامه في المرآة بلحظة نادرة. صدمته الحقيقة في ظهر المرآة، رآها، ولم يكن لغيره أن يكتشفها. كان قفا المرآة رمادياً مصمتاً مثل عينه الضريرة، كان ذلك السطح لا يرى، ولكن وجهه المقابل كان يرى، كان مرآة. بدا له أن عينه المطفأة لها نفس الطبيعة، ولكنه لم يتأكد، لم ينظر من خلالها أبداً، لم ينظر إلى داخله أبدا، لقد شغل بالحياة، شغل عن الحس، عن الضمير. كان الفساد يعتمل بالداخل بينما شغل هو بالخارج يصلح، ولا يصلح المرء إن كان فاسداً. اتسعت عينيه، حاول أن يتخيل ماذا ترى عينه الرمادية بالداخل. رأى صورة، كانت المرة الأولى التي يراها. رأى الدود يمور في الداخل. صرخت ابنته "بابا!". انسلت المرآة بسرعة من بين يديه وتكسرت بانفجار على الأرض وابنته تصرخ بحدة. طارت الشظايا في كل مكان، وجرحته وجرحت ابنته. شهق شهقة عميقة، قوية، حادة كالصرخة المكتومة. حاولت ابنته بجسدها الضعيف أن تتلقفه، ولو كانت تعلم، لقالت" لا يا أبي، لا يوجد دود، لا يوجد إلا الطهر" لأن هذا ما كانت تراه. استمر يشهق ويزفر وابنته تصرخ وتصرخ. لم يرغب برؤية أغلى ما تبقى له في ذلك الحال، في ذلك الذعر على وجهها. ولكنه كان آخر ما رأى.


كان الدود نبوءة، لقد أكل نفس الأعور قبل أن يأكل جسده.


كتبت الصحف، وجاء الشيوخ للعزاء، والأهم، جاء الشباب. ولكن كان أغلى ما تبقى من كل هذا، أغلى ما كان له بعد موته، أن كُتبت ذاته في قلب ابنته كما عرفتها، دوناً عن ذكرياته.




تمت بحمد الله.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ










أنظروا إلى هذه الساعة البديعة:







من الساعات القليلة التي تثير عواطفي وتلهمني. رأيتها في إعلان في جريدة الشرق الأوسط، بصفحة كاملة. كم ستبدو جميلة، وفي مكانها، على يدي. لقد ذكرتني بالقلب، هذه الساعة. أعتقد بأن القلب مثلها، طبقات. معقد مثلها، غير متناسق، لكن جميل، بالمغزى. وهو مثلها، ومثل كل الساعات، يحسب الوقت، وبتكات أيضاً، نسميها: دقات. يا لذكاء الصانع، إنه لا يخجل من الفوضى بالداخل، ولكنه يجعلها جزء من جمال الساعة، ويفتخر حتى بوضع البلورات الحمراء الصغيرة في منتصف التروس. تبدو هذه الساعة أكثر من أي ساعة أخرى رأيتها، استعراض لدقة الصناعة، والأصالة، والذوق الرفيع والمتحرر، والتقليدي بنفس الوقت. إنها إبداع فني، كأي منحوتة. أعتقد بأنها من الأشياء التي لا عمر لجمالها. حتماً، لا عمر لجمالها.
لن تكون عرضت بدعاية من صفحة كاملة وسعرها بالحدود التي أطالها. أعرف بأني سأضاعف سقفي من أجلها، لكن، لن يمكنني شرائها.
يا للأسف الحقيقي.
لسبب ما، هاهي تذكرني برواية مومو الرائعة. ربما لعرض مفهوم الوقت الغريب والجميل والخيالي في الرواية، والساعة.












إنتحر قبل فترة لاعب كرة قدم ناجح في ألمانيا، وشكل الأمر صدمة لديهم، فلم يكن الأمر متوقعاً. ومما قرأته، كان الرجل معروف بالمرح والاجتماعية، ولم يبدو أنه يعاني من مشاكل. سوا أن زوجته اعترفت، قطعاً للتكهنات، أن زوجها يعاني من اكتئاب حاد، كانت قد تسترت عليه معه حفاظاً على مستقبله المهني، وهذا أمر مؤسف حقاً، أن يضطر الناس لكتم معاناتهم، والتظاهر بالعكس، لأجل الاستمرار بالإنجاز، ولعل الاستمرار بالإنجاز جزء من مشكلتهم بما يرافقه من ضغوط. اختار الرجل ميتة مؤلمة، ولكنها سهلة على ما يبدو، إذ يختار ألف من أبناء شعبه هذه الطريقة كل سنة، وهي القفز أمام قطار سريع. قرأت هذا الخبر قبل أيام، ولكنه لم يثر تفكري على نحو خاص، سوا حينما قرأت عن الأمر اليوم، في جريدة الشرق الأوسط. لفت المقال النظر إلى ضحايا آخرين في طريقة الانتحار المؤلمة هذه، وهم قائدوا القطارات قليلوا الحيلة، والذين غالباً ما لا ينتبه أحد إلى معاناتهم الكبيرة. حيث أنهم غالباً ما يرون تعابير الموت على وجه المنتحر قبل أن يقفز، ثم لا يتداركون الأمر بإيقاف القطار، ورغم المعاناة النفسية الكبيرة بعد التوقف، يتوجب عليهم النزول، للتأكد من حالة المنتحر، هل مات؟ وغالباً ما تنطبع الصورة المشوهة للميت في ذاكرتهم. هؤلاء، الذين لا يخطرون على بال المرء، ينتحر الكثير منهم بعد ذلك لفرط الشعور بالذنب والمعاناة. كم من مُهمل في هذا العالم بنفس الطريقة؟. هل نحن مُهملون؟ هل نحن نُهمل من يستحق الانتباه أحياناً؟.












يوجد لعبة أحبها، ولم ألعبها منذ زمن طويل الآن. كنت ألعبها مع أختي الكبرى فقط. اللعبة هي أن نصنف من نعرف بحسب أمزجتهم، لما نتصور أنهم ينتمون إليه في تصنيف معين في الدنيا. مثلاً، لو لم يكن أخي فلان سعودياً، فماذا سيكون من الجنسيات الأوروبية وفقاً لمزاجه، وما نتصوره عن أهل تلك الدولة؟، لو كانت أختي فلانة ليست مدرسة، إنما وزيرة، فأي وزارة هي الأصلح لها طبقاً لاهتماماتها ومزاجها؟ أو حتى، أي وظيفة هي الأصلح؟ وهلم جرا. أستمتع بهذه اللعبة كثيراً، أو كنت، لأنها تجعلنا تناقش ونرى مفاهيمنا كيف تتطابق حول من نعرف، و حول ما نعرف. أتذكر أني قلت بأن أمي يجب أن تكون من النمسا، لأن صوتها أوبرالي وجميل حينما توبخ، ودائماً أتخيل أنها موسيقية، رغم أنها مطوعة بالواقع، ودائما تقول حينما تسمع قصصي وخيالاتي هذه: يالله صلاح العطا. قلنا ذات مرة، أي وزارة تصلح لي؟ اقترحت أختي أن يستحدثون وزارة لأجلي، تتعلق بالتواصل مع العالم والتبادل الثقافي والإنساني. لكن، هذه وزارة الثقافة على ما يبدو، مع أنها بتفصيل أختي أكثر جاذبية، فلا أريد أن أكون مسئولاً عن قناة أو إذاعة.









كنت أتسوق في التميمي كالعادة، في وقت متأخر قبل أيام، حينما رأيت شخص كان صديق عزيز في وقت مضى. بالواقع، هو من رآني، وجاء إلي ليسلم، لم أنتبه إلا حينما اقترب. سلم علي بهدوء، إنما بما يكفي من حرارة، قبلنا بعضنا خد بخد. كيف انتهت صداقتنا، الأجمل والأصح والأصدق من بين صداقاتي التعيسات؟ انتهت لدخول طرف ثالث بالأمر، سمح له صديقي، مع الأسف، بالتدخل صراحة وبفجاجة بيننا، ووجهه وحرضه للإساءة إلي بلا سبب، ودون أن يعرفني أو يكلمني لمرة. يكون هذا الطرف الثالث والده، الذي صادف أنه يجلس إلى جانبه، حينما أرسلت إليه رسالة فيها معلومة جديدة من الجريدة. صديقي العزيز هذا، رغم طيبة قلبه، إلا أنه كأي إنسان، لديه عيوب، قد يكون لديه تجربه جيدة في بعض جوانب الحياة، لكن، في جوانب أخرى يكون في قمة السذاجة، أضف إلى هذا أنه ليس لامع الذكاء، ولا بأس بهذا حقاً. لكن، بسبب هذه العيوب، وبسبب مشاكل تربوية كان يبقيها، أو يحاول، في حدها الأدنا، تقع بعض الأخطاء، والنفس إذا ربيت على الفخر الفارغ، يصعب إعادتها إلى التواضع، خصوصاً حينما يفتقر المرء إلى كمية الذكاء اللازمة. صديقي هذا، أو السابق، كان لديه قلب من أطيب القلوب، وكان هذا يكفيني عن عيوبه. لكن حينما تدخل والده، حاولت أن أبقي الأمور هادئة، وأن لا أجعلها تسوء أكثر، إلا أن والده حرضه أكثر، حتى لم يعد بيدي حيلة. والده، لا يعرفني حتى، وأجزم بأنه لا يعرف إبنه جيداً. للأسف، بعض الناس يتدخلون فقط حينما يمكنهم أن يحطموا أمر ما، أن يتفننوا بالإساءة والتحريض، ويتخيلون أن هذا ضرب من الإنتصار. إنه يتخيل أن ابنه أثبت شيئا بالإساءة إلي، رغم أنه لا يعرفني. أنا أقدر ضعف صديقي، لكن، لم يوقف الأمور حتى صارت تتعلق بالكرامة مع الأسف، لهذا انتهى أي درب للرجعة. كانت تلك هي الصداقة الوحيدة المتكافئة لدي، الصادقة لدي، الجميلة، لدي. حينما جاء في السوق، سلم وتبسم وتكلم بهدوء. سألنا بعضنا عن أهالينا، وتكرر السؤال. أخبرني أنه سيحج، وتكلمنا عن التطعيمات، بضع جمل. ثم قال بأنه يريدني أن أسامحه إن كان أخطأ في حقي. قلت: خير إن شاء الله. ثم ودعني، وابتعد خطوة، ولكنه عاد، وكأنما تذكر شيئاً، وسلم علي، واضعاً خده في خدي، كما كنا نفعل حينما كنا أصدقاء، كان يسلم علي هكذا حينما نلتقي وحينما نفترق. بدا أنه يريد أن يريني بأني لا زلت أثير لديه، كما كنت. بنفس الوقت، أعلم يقيناً بأنه لم يكن يحاول، أو يأمل، أن تعود الأمور لمجاريها، فهو يعلم ما حطم والده. ابتعد. ورأيته في جهة أخرى بالسوق حينما انعطفت مع ممر فتراجعت بسرعة قبل أن يلحظني. رأيته يمسح عينيه بطريقة غريبة. تساءلت، هل كان يبكي؟ لا أتصور، مع ذلك، لا أستبعد، فقد كان دائما ذو قلب رقيق، سريع التأثر.
كنت أتساءل في ذلك الوقت، حينما حدثت المشكلة، هل قرب ما جرى بينه وبين والده؟ وشعرت بأن صديقي لن يدرك فداحة الأمر، فداحة الخسارة، وفداحة ما قام به في حقي، إلا بعد وقت طويل، لأنه أساء الفهم بسبب والده، وبمعرفتي به، لن يتوصل إلى الفهم الصحيح إلا بعد فترة طويلة، وربما بتدرج.
كان هذا الصديق الوحيد، من بين ثلاثة، يعطي كما يأخذ. كان قد ساعدني على الوثوق في نفسي، منذ أيام المتوسطة، في كل ناحية، لقد كنت فاقد للثقة في كل ناحية، أكانت القدرات، الحضور، التقدير الذاتي. لقد ساعدني كثيراً، وساعدته كثيراً. واستمرينا بدعم بعضنا، طوال الوقت، حتى انتهى كل شيء. كانت صداقة حقيقية، يؤسف عليها.
أتذكر بأنه قال لي قبل سنة ونيف بأني من الناس الذين كلما كبروا، كلما ازداد مظهرهم حسناً. لقد كان يرى بي بريق ما، ولكني فقدت ذاك البريق. أعتقد أني كنت قد بدأت أفقده منذ مدة في ذلك الحين، حتى انتهى الآن، لم يعد لذلك البريق وجوداً.










"إجعل الكل يراك... فذلك سوف يظهر مقدرتك، ويخرج مهاراتك."
هذه عبارة قرأتها في مدونة لشخص عرفته من خلال الانترنت قبل فترة طويلة، في المنتدى سيء الذكر الذي كنت أشارك فيه قبل سنوات. لا أعتقد بأنه وجد المقولة واستفاد منها، ولكني أعتقد بأنه وجد المقولة فبرر بها سماجته. إن الظهور جيد، لكن، ليس بمبالغة، وليس كمبدأ للحياة وغاية بحد ذاته. بعض الناس لديهم عشق للظهور يساوي في سوءه حب الانطواء الزائد. إن محبي الظهور الزائد هؤلاء وجودهم في محيط المرء سيء وباعث على الضجر، خصوصاً حينما يستعرضون مهاراتهم بالظهور والترزز في مناسبة كبيرة مثلاُ. عرفت شخص لديه هذه المشكلة، كنت أتكلم معه قبل سنوات من الآن في مناسبة زواج إحدى القريبات، فلاحظت أنه يتقافز ويقف بطريقة استعراضية، وبابتسامة مبالغ فيها أمام من يمر قريباً وهو لم يسلم عليه، كان الأمر غير عفوي وغير بسيط بوضوح مخجل. ضحكت وقلت: ترزز. بعدما غادر آخر المشاهدين لتلك المهارة الفذة. غضب من قولي بطبيعة الحال. لكن، ربما كان قولي، على صدقه، ضرب من الانتقام من حصاري بالانتقادات والتقليل من شأني طوال الوقت، وإلا فكيف سيغذي ظهوره إن لم يكن على حساب الآخرين، كيف سيزيد ثقته بنفسه وحسن ظنه المتعدي للحد بها؟. إني بطبيعتي لا أميل للظهور أمام الكل ولفت الانتباه، أحب أن ابتسم، ولكن هذا كل شيء. أحياناً، تود أن تظهر عند شخص يهمك، تود أن يراك لتحظى بفرصة، ولكن يجب أن لا تبالغ بالأمر، والأهم، يجب أن لا يكون الجميع يهمونك من هذه الناحية، وإلا فستصير محباً للظهور، وهي نقيصة على الأغلب. هدوئي بالمناسبات والتجمعات يجعلني غير ملحوظ للكل، ولكن ملحوظ للبعض، الذين يقدرون هذا الأمر، وهم بالمقابل من يهمني غالباً. في تلك المناسبة، حينما حضر الجنب (أهل العريس) حصل التجمع المألوف، وذهب صاحبي ليندمج بالأمر بشكل عشوائي، ومثير للشفقة. وقفت بعيداً أنظر، فلو كانت أختي مثلاُ، لما كنت واقفاً هنا من الأساس، وهي لم تكن أخت ذلك الشخص كذلك. كان هناك قريب آخر يقف بعيداً مثلي، لكنه لم يكن يتأمل الجمع فقط.
الأمر نفسه ينطبق على مدير جامعتنا، فهو يحب الظهور على نحو لا يليق بمنصبه برأيي. وهو ينطبق على مسئولين آخرين كذلك، وعلى بسطاء. يخدع المرء أحياناً، فيقنعه الآخرين، أو يحسب، أن تكثيف الظهور هو ما يحتاج ليزيد من شعبيته ويحسن حظوظه تجاه أمر ما، لكنه لا ينتبه إلى حقيقة أن الظهور حينما لا يكون محسوباً قد يصبح ضاراً. لا يمكنك أن تظهر بلا فائدة حقيقية.












اليوم هو الأول في الدوام بعد إجازة الحج. قبله، ذهبنا يوم الاربعاء إلى حديقة الحيوانات. كنت منذ فترة أود الذهاب إليها، خصوصاً بعدما طورت وحسنت كثيراً حسب ما قرأت، وازداد عدد زوارها بشكل مهول. لم نمكث كثيراً هناك، ولكني وجدتها رائعة جداً، مسطحات خضراء كثيرة، وتوزيع جميل للحيوانات. لم أرى ما تحمست لرؤيته مرة أخرى، حيث رأيته قبل سنوات، قرد برازيلي صغير الحجم، بحجم الكف تقريباً، صوته صفير يشبه التغريد. للحديقة موقع على الانترنت يوضح مواعيد العوائل والعزاب والنساء، والكثير من التفاصيل. هذا هو: www.zoo.com.sa

كم من الحيوانات خارج أقفاصها، وخارج بيئتها الطبيعية، تتجول بين الناس، وتشبههم.






كنت أقرأ لشخص قبل قليل، نفس الشخص الذي كتب في مدونته مبررا لحبه للظهور. شد انتباهي موضوع قديم كتبه، عن النوم عارياً ومتعته. بطبيعة الحال، اعترض الكثير من الناس على هذا المقال والمقترح الخارج عن الحياء. فما قد يقوله المرء لأصدقاءه المقربين قد لا يصلح للتوجيه إلى الناس في مدونة. دافع بغرور وثقة زائدة بالنفس عن رأيه، وسفه أراء الآخرين وأظهرهم بمظهر الأغبياء. وكانت فتاة قد ردت معترضة، وقالت بأن هذا ضد الحياء، وبعدما رد عليها، مظهرها بشكل الغبية والمتناقضة بكل طريقة ممكنة، اقترح أن تنام بغرفتها عارية، في محاولة وضيعة لخدش حيائها أمام الآخرين. إني لا أحترم هذا الشخص، خصوصاً بعد ردوده على الناس، وليس لموضوعه بحد ذاته، حيث يخطئ الناس أحياناً، ولا يوفقون باختيار ما يصلح للقول، وهذا أمر لا بأس به، لكن إصراره وتحقيره آراء الناس، ومحاولة خدش حياء الفتاة، تجعلني أتساءل، كيف هو يحترم نفسه أصلاً؟ الخسيس..

صار الكل يعتز بفرديته على نحو مفرط، ويحسب الغرور أمراً جذاباً، ويسميه الثقة المشروعة بالنفس. الكل يتكلم وكأنه مختلف، ويبرر جلافته وجرحه للناس، بأنه من الصنف الذكي، حتى انتهى الأمر بكل هؤلاء نسخ متشابهة رغم فرديتهم، فلم يختلفوا فعلاً. ترى هذا في المدونات خصوصاً، حتى أني لا أميز بينهم في طريقة كتابتهم، أو الكثير منهم. كلهم لهم نفس الطريقة والشخصية السمجة، إلا من رحم ربي.
هل تعرفون المثل الذي نضربه كثيراً أمام المتفلسفين، والمطيلين بلا داعي؟ حينما نقول: قال وين اذنك؟ قال هنا، متعدياً بيده اليمنى اذنه اليمنى إلى اليسرى، أو العكس، من فوق رأسه. هكذا يكتب بعض الناس، وهم يحسبون بأن هذه طريقة راقية ومثيرة للاهتمام وجذابة، أنهم هكذا يبرزون كمثقفين. بالواقع، غالبية الناس في المدونات صاروا يكتبون هكذا، خصوصاً الفتيات. يوجد مثلاً من تكتب: من هو مثلي ومن هو مثله، بدلاً عن قول: أنا وهو، وهي أصلاً تتحدث عن نفسها وعن شخص معين، ولا يوجد في السياق ما يدعو لهذا الالتفاف، ولا يوجد مبرر جمالي للأمر، فقط استعراض سخيف، ومتكرر. مثال آخر: قد لا يقول الكاتب بهذا الاسلوب: لست مثلك! ولكنه سيقول: لست كمثلك! دلالة حرف الكاف عند التدقيق ستدور لتعطي نفس المعنى تقريباً، أو نفس المعزى. أتذكر أني قرأت لامرأة مقال في جريدة الرياض، مقال غير مفهوم لكثرة ما استخدمت فيه هذا الاسلوب وغيره من الاستعراضات والالتفافات غير الضرورية لتظهر في النهاية بمظهر: "المثقفأ". كان فهم ما تكتب عسير على نحو غير عادي، وسامج وسطحي بالنهاية، وغير مألوف على نحو منفر. كانت تكتب عن تجربتها في الحرم، حينما جلست إلى جانب امرأة خليجية كاشفة لوجهها، فأمرها رجل الهيئة بتغطية وجهها، وكيف تبرر العقد النفسية لدى هذا الملتزم، بمرارة وسخرية سمجة، العقد النفسية التي دعته لرؤية أن وجه المرأة خطر، فهو سطحي بالنهاية وجبان. أسلوبها هذا ليس لأول مرة أراه، بل هو نسخة بهتت لتكرارها في مدونات ومنتديات وحتى كتب لكثيرين وكثيرات من صنفها، بغض النظر عن المضمون والتوجه. أتذكر أن الكثير من أعضاء وعضوات جسد الثقافة يكتبون بنفس الطريقة، إلى درجة أن المرء لا يدري هل يفهمون بعضهم أم لا حينما يتخاطبون.
بينما يميل الشباب عند الكتابة عموماً إلى كثرة التميلح والمثالية، والكتابة والتعبير بنمط يشبه قالب ثابت يستخدمه بالمشاركة مع آلاف آخرين، قد تختلف الفكرة، مع أن أكثر أفكارهم غير مثيرة للاهتمام، لكن الأسلوب بكلماته الاستعراضية المحدودة هو نفسه. وهم جميعاً مصورين محترفين، وجميعاً يشربون القهوة من د.كيف أو ستاربكس، وجميعاً يرتدون تيشيرت أبيض مع بضعة شخابيط، بينما الهواء يلعب بشعرهم المفرود كيميائياً، وجميعهم وسيمين بمساعدة زوايا مضللة، و جميعهم لهم طلة صبيانية مليحة مصطنعة، وجميعهم عالقون في عالم مثير للسخرية، كل شيء فيه غريب ومضحك وليس في مستواهم، ولديهم حلول لكل شيء، لكن حلولهم لا تتعدى حدود المدونة، جميعهم مثاليون. وغرورهم درجات مع ذلك، فمنهم من إذا خالفته وأنت فتاة فسيصبح المثال الجيد على الشاب السعودي المتقبل للرأي الآخر، في استباق لقول الفتاة العبيطة: أصلاً كل الرجال السعوديين كذا، كلكم ظالمينا وهولوكوست، فيتركها تمسح به بلاط مدونته، ثم حذائها قبل أن تخرج، وقد اتخذت من الأمر هواية، ومنهم من ثقته بنفسه لا تحتمل الاعتراض، فسيبحث عن أذكى طريقة ليجرحك فيها لو خالفته ويهينك، أكنت رجل أو امرأة، وسيقلل من شأنك ويحاول أن يستخرج تناقضاً في رأيك، دون أن يفكر به أصلاً، دون أن يقول على الأقل: هذا رأيه وهكذا يحيا، وأنا هكذا أحيا.















 جائع، جائع إلى حد لا يصدق. هذا حالي مؤخراً، جائع معظم الوقت، لأني لا آكل جيداً.















أنا قصيمي، بكل قطرة من دمي. مع ذلك، لا أعتقد أن هذا الأمر مهم بطبيعته، إلا حينما نعطيه نحن الأهمية. وقد تعلمت إعطائه الأهمية بالتفكر، وبمساعدة الناس الحاقدين، الذين لا ينتمون إليه. لقد كان القصمان دوماً حالة لافتة للانتباه، مثيرة للانتقاد. يتعرف المرء على هذا حينما يدخل المدرسة. لكن القليل من القصيميين يشغلون أنفسهم بالتساؤل: لماذا؟، إذ أن أغلبهم ينشغل بالدفاع عن أصله، وتاريخه وانتمائه، وهذه خصلة متأصلة ونبيلة برأيي، وإن نقصها التفكر بالأسباب. والقليل منهم، الذين بدأوا يصبحون كثرة، فقط يستسلمون لما يقال، ويبدأون بتصديقه. كنت لوقت طويل من المدافعين، لم أكن أذهب للقصيم إلا في القليل النادر، لكني كنت أعلم بأني أحمله في قلبي. يعود الفضل بهذا إلى أمي، التي لم تكن أيامها في القصيم أيام رفاهية، إنما أيام رضا، بينما كان والدي الفخور بأصله، يرهق قلبي بحكايات الجوع والمعاناة والكفاف، فهو كبير بالسن، وقد عاصر أمور كثيرة مختلفة عما نحن عليه، وربما لعيشه في الكويت لفترة طويلة، وانقسام حكاياته بينها وبين القصيم، ذئاب، جوع، عمل في السواني، إرهاق، سفر على ظهر بعيرهم، وهو ابن الخمس سنوات. في طفولتي كان الجدل بين القصمان من جهة، في محيط الأطفال، وغيرهم من جهة أخرى، يبدو لي محيراً دائماً حتى لو انخرطت فيه. اقترحت ذات مرة أن يكفون عن الجدال، فنحن جميعاً سعوديين، كنت في الصف الثالث الابتدائي وكان الآخرين أكبر، ولم يلقى اقتراحي نجاحاً، إذ كان تقدمياً أكثر من اللازم. توصلت إلى فكرة بعدما نظرت بحيادية إلى القصيم وإرثه، التاريخ، والتاريخ الضارب بالعمق، والحاضر. لم يكن الأمر تشوبه شائبة، كان متكاملاً بتناقضاته، كل شيء موجود، أكثر المشائخ من هناك، منطقة مشهورة بالتدين، مع ذلك تمتلئ بالمثقفين وأهل العلم والأدباء، مشهورة بالزراعة والفلاحة، لكن أشهر التجار من هناك. مشهورين بالجمال، والجمع بين الكثير من الناس القادمين من أماكن مختلفة، ليصبحون قصمان فخورين بالنهاية. إنهم مشهورون بكل شيء جيد، ألا يثير هذا الغيرة؟ هذا هو السبب، إننا لا نعرف كيف نعرّف الغيرة، فنحن لا نغار كما نتخيل، وعليه، قد نغار، وهو شعور إنساني معروف، دون أن نشعر. قد نغار من الثقة الجيدة بالنفس، وبالواقع، قد تسهم غيرتنا هذه بزيادة هذه الثقة فيمن نغار منهم، هكذا صرت واثق من نفسي كقصيمي، لأني صرت أعلم بأن هذا الانتماء سبب للغيرة. على أني لم أشغل بالي كثيراً في الأمر لفترة طويلة، ربما من أيام المتوسطة حتى منتصف الجامعة، ظل الأمر هادئ بالنسبة لي، لا يشكل قيمة جوهرية. كنت من الأصل أتحدث بطريقة لا تظهر بأني من القصيم خارج المنزل. إلى درجة أن الكثير من زملاء الجامعة، حتى القصيميين منهم، لم يعلموا أني من القصيم سوا حينما أخبرتهم، فوجئوا، واستغربت، ألهذه الدرجة لا أتحدث كقصيمي؟ مع أن شعوري بالانتماء لم يخفت، إلا أني لم أصل للمرحلة العالية من الاحساس التي أعيشها منذ سنوات الآن. إن عدم فهم الناس، وحقدهم الأعمى على أهل القصيم، وتجاهل بعض القصيميين لانتمائهم، جعلني غاضب لفترة طويلة من الناس بشكل عام، ومتمسك بعناد، لكن الأمر كان سطحي مع ذلك. أتذكر أحد الصبية الذين يسكنون في حينا، وهو من سدير، حيث لا تاريخ حقيقي، كان كعادة أهل هذه المنطقة، يسخر من القصيم ككل، مع أنك لا تدري بماذا قد يفخر. خربت علاقتي به من بعد تلك المرة، حينما بالغ بالأمر. وبدا عليه الاستغراب، ثم الخجل، حينما سلمت عليه ببرود بعد فترة، بينما كان سلامي على أخيه الاكبر عادياً. كنت أفكر، بأن هذا ما علموه إياه أهله.

زادني ثقة، هذا الصبي الذي يحاول إظهار كل حسن بالقصيم بأنه أمر سيء، وكان متحمساً لفكرته، ينطلق من حقد غير مفهوم، رغم الصداقة العائلية. عرفت لاحقاً أن الكثير من الناس يلقنون أبنائهم أمور كهذه، أن القصيميين مختلفين، محبين للسيطرة، حصلوا على كل شيء، لهجتهم مضحكة، أشياء من هذا القبيل، الكثير منها أكاذيب، لا يريدون التأكد منها، لأنهم يريدون الاستمرار بها ببساطة، فلا يوجد ما يمكن إنتقاده لو تركوا الأكاذيب.

لم أكون صداقات مع أهل القصيم كثيراً مع ذلك. لا أدري ما السبب، لكن حينما أصادق أحدهم، أجد الكثير من الأشياء المشتركة، حيث لا تبدو حكاياته ومواقفه ومواقف أهله مختلفة كثيراً عما لدي، حتى لو لم يكن من المدينة الصغيرة التي أنتمي إليها، كنت أشعر بشكل ما بأن هؤلاء الناس أقارب لي، بسبب هذا القرب والتشابه، حتى حينما لا أحبهم، حتى حينما لا يعجبوني. ومع هذا، لم يبدو الأمر غريباً، لكنه جدير بالملاحظة والتقدير، كما قررت لاحقاً.

في الجامعة، كنت مشغول بنفسي، بشكل مجرد عن أي انتماء، أو عن أي أحد؛ لأنها كانت سنوات بؤس في معظمها. ولكي أكون صادقاً، حقدت على أهل القصيم لفترة، مع أني فخور بأني منهم. كان هذا بسبب دكتور من القصيم، كان يبدو لي وكأنه جامع لعيوب أهل القصيم، وكنت أتخيل بعض الأحيان أن أغلبهم ربما هكذا، أما أنا، فبيئتي، وظروفي استثنائية. عزز هذا الشعور زميل من القصيم، طيب ولطيف، لكنه جحود كما عرفت لاحقاً. شعرت بأن حظي مع أهل القصيم سيء حقاً. لم أكن عقلانياً حتى نظرت إلى الزملاء الرائعين من القصيم، فأعادوا التوازن إلى الأمور. مع ذلك، لم يكن كوننا من القصيم ذا بال كبير. ورغم أني حظيت بصداقات حميمة مع أشخاص من غير القصيم، إلا أني لمحت استعدادهم لإلقاء أي نقيصة على كون المرء من القصيم، غير عابئين بنقائصهم واحتمالية انتماؤها إلى مناطقهم. كان ذلك الدكتور القصيمي، الذين كنت أتمنى أن يموت، يحاول بالواقع أن يمنحني أحياناً معاملة خاصة، وإن لم تكن ذات قيمة، فهو بطبيعته لا يمنح أشياء ذات قيمة، إلا أنه على الأقل حاول أن يخصني بالتعامل على نحو طفيف. كانت بداية حقدي عليه في بدايتي بالكلية، حينما انتقلت إليها وقابلته، وضحك من ردودي الصادقة والصريحة على اسئلته. كنت مع أخي، حينما خرجنا معاً من مكتبه فقلت: لم أعد أريد الانتقال إلى الكلية، أوقف الأمر. لكن، بعد ماذا؟ كان أخي الأكبر قد وسط الناس لمنحي الفرصة بالدخول إلى امتحان الانتقال. يا لبؤسي في ذلك اليوم، شعرت بالسنوات القادمة، القاتمة، وقد كنت محقاً.  حينما درسني هذا الدكتور القصيمي المميز، كان القصيم مجسداً أمام الناس، أقصد الناس الحاقدين على القصيم. كان قاسياً ببرود، يحب إخافة الناس ويستمتع بهذه السمعة الرديئة، وكان يتكلم أحياناً باللهجة المميزة لأهل القصيم، التي كانت تبدو لي مفتعلة، لمعرفتي كيف يفتعل. كذلك، كان ذا شكل مميز، وحينما يكون شكل المرء مميز، ولو جزء منه، من السهل رد الأمر لكونه من القصيم، رغم أنك ترى أناس ذوو أشكال مميزة من مناطق أخرى. كانت كل هذه الصفات الشكلية والنفسية تزيد وعي الطلاب بكونه من القصيم، وقد كان بالفعل إنسان حسن الشكل على نحو استثنائي، رغم أني، عكس البقية، ولكرهي له أكثر من الجميع، أحول وسامته إلى قبح منفر في نفسي، لهذه الدرجة كنت أكرهه. لكن، تظل الحمية موجودة، أقول الآن تظل موجودة لحسن الحظ، لكن في ذلك الوقت، كنت أقول بأنها موجودة مع الأسف. فلم أكن أحب مبالغة الناس في سبه، رغم أني أنا نفسي أسبه كثيراً، ولكني أفترض بأن لكوني من القصيم كان يعطيني الحق بسب شخص مثلي، لكن لا يعطي الآخرين هذا الحق. مثل الحال عندما نتشاجر مع إخواننا، ونسبهم، لكننا لا نقبل شتم الآخرين لهم؛ كما قلت، أشبه بأقارب حتى لو كرهتهم، وهل أنا أحب أصلاً كل أقاربي الحقيقيون؟ لا، طبعاً. فقد كنت أجد نفسي أحياناً مضطر للدفاع عنه، خصوصاً حينما يتعلق الأمر بشيء لا أعتقد بأنه خطأه. غضبت ذات مرة ولم أعرف ماذا أقول، حينما قيل شيء مهين بخصوص شكله. أخبرت زميل، أكثر تعقلاً نوعا ما من الآخرين، ولم يكن يحقد على هذا الدكتور، حالة نادرة، وقال فقط: ما عليك منهم، هم يقولون كذا عشان شكله زين. لم يعجبني كذلك مدح شكله!! لكن على الأقل، عرفت بأن الآخرين يغارون. وحينما يكون شكله "زين" فلأنه من القصيم. كنت أتوقف من عند هذا الحد، فأنا أيضاً حاقد عليه جداً.
جاء الامتحان النهائي، وقبل أن يوزع الأوراق، قال بأن الإمتحان شديد السهولة، وبسط الأمر جداً، وقال بأن أكثر من سيطيل المكوث فربما يبقى لربع ساعة قبل أن يفرغ. تفائل الجميع، عداي. وقد كنت محقاً، شعرت بأن في الأمر لعبة ما، فهو لا يعرف كيف يمثل، أو كيف يكذب، ليس لأنه غير متعود، لكنه غير موهوب بالأمر ببساطة. حينما اطلع الجميع على الورق، انتشرت آهات الصدمة في القاعة الصغيرة، وتعقدت الحواجب، وانتشر الذعر على وجوه الناس. أما أنا، فابتسمت لصحة رأيي، ونظر إلي الدكتور بجذل وابتسم لي ابتسامة خاصة، متآمرة، بينما كانت ابتسامتي مزدرية، ولكن، لم يكن يعلم، كان يشعر فقط بأن أحدهم فهمه. بدأنا الحل، وأعتقد لكوني لم أصدم كان الوضع أسهل بالنسبة إلي. ولكن ما جعلني أستغرب، هو أن هذا الدكتور الصارم، القاسي، جاء إلي، دوناً عن أي أحد آخر، يسألني حينما تأخرت بالخروج، ماذا أشكل علي؟ ما الذي لم أعرفه بالضبط؟ فوجئت جداً بهذه المبادرة، مع أني أعلم بأنه لن يخبرني بالإجابة، إلا أن هذا يفترض أنه مقدمة لدعم نفسي على الأغلب. لكن، لكراهيتي الشديدة له، رفضت أن أخبره، قلت بأني سأعرف الإجابة، سألني مرة أخرى، أي سؤال لم أعرفه؟ كررت بأني سأتدبر أمري، ولم أشر على السؤال، فمضى، نافد الصبر. لم يكن ليخبرني على أي حال. نجحت بالكاد، لكن الأكثرية رسبوا على حد علمي، وكان نجاحي يعتبر بحد ذاته ضرب من التفوق برأيي. لم أصادفه كل يوم بعد ذلك، ولكني لم أسلم عليه أبداً حينما صادفته. لاحظت أكثر من مرة أنه يبتسم إلي بشكل مثير للشفقة حينما يراني، ويمشي بطريقة توحي بأنه يتوقع أن أسلم عليه، ولكني كنت أتجاهله بقسوة، دون ابتسامة حتى. لم يكن ليشقى بأمري على أي حال. نسيته لفترة طويلة، وخف حقدي، ولسوء حظ ألم به، تحول إلى تعاطف شديد، تدريجياً. لكني لم أنسى بأنه ربما لا يزال شخص وضيع، وقاسي القلب. أتذكر بأنه يوجد كذلك في الأوقات الخاطئة دائما، خرج فجئة بينما كنت أغني، نازلاً الدرج، أحسب لا أحد غيري هناك، نظر إلي بطريقة غريبة، وسلم، لكني مضيت بسرعة، دون رد، وأنا منزعج، شعرت بأنه كريه حتى في توقيته. علمت لاحقاً بأنه تغير، وصار طيباً إلى حد بعيد كما يقولون. لست أتساءل كثيراً، فالناس يتغيرون. إلا أني أعتقد بأني أعرف السبب الذي غيره. أياً يكن، كان يشرف على أمر ما، فدخلت أسأله عنه، فتكلم بلهجة قصيمية قوية، مقصودة، وعاملني بطريقة غريبة، مختلفة عن معاملته مع الطلاب الآخرين. وبدا أنه هو أيضاً واعٍ لاختلاف ما يقوم به، وكأنما يوصل رسالة. كان تعامله ودوداً جداً على غير عادته، تخللته ابتسامات، ومزحة. فالطلاب حينما زاروه لنفس السبب خدعهم بنفاذ صبر، وأخرجهم من الباب الآخر وهو يطلب منهم لحاق شخص آخر بسرعة ليسألوه، وكانوا يعلمون أنه كاذب ومستهزئ، لكنهم اطاعوه مع ذلك. كان رد فعلهم الخنوع هو ما فور دمي، وقد وصلت حدي حينما أجاب أحدهم بعدما وبختهم على إطاعته بقوله: "والله وش نسوي، الدكتور فلان هيبة!!". ما جرى لهم، وردة فعلهم، هي ما دفعني للذهاب إليه بعدهم مباشرة، وقد كانوا آخرين ذهبوا إليه فرادا، ولم يعاملهم بهذه الطريقة المهينة، ولكنه بنفس الوقت تكتم على الأمر وكان بارداً. توقعت أنه إن لم يحاول إخراجي بسرعة، حيث سأفتعل نقاشاً حاداً، فسيكون تعامله بارداً، وسيكون لدي الوقت لأحاول الخروج بإجابة تهم جميع الزملاء. لكني فوجئت كما قلت بأسلوبه. كان هناك آخرين من القصيم، لكنه لسبب ما لم يعاملهم كما عاملني. ربما كان يتوهم أني من نفس المدينة التي ينتمي إليها بالقصيم؟ أو ربما، ربما، ربما، كنت أجسد القصيم، سواء بمحاسنه أو مساوئه، في عينه، كما يجسد القصيم بمساوئه ومحاسنه في عيني، في ذلك الوقت. لم يكونوا الآخرين يذكرونني بالقصيم بقدر ما يذكرني هو، وربما كان العكس صحيحاً، ربما لهذا وضعي اختلف. فقد علمت بأنه يكترث للإنتماء، إنتماءه أو انتماء الآخرين. إن كان هو قصيمياً ناجحاً، حسن المظهر، يبدو ذكياً، رغم أنه ليس ذكي جداً بالحقيقة؛ وجدت أني أود أن أكون نموذجاً مماثلاًً، حضوري يذكر الناس بالقصيم، لكن على نحو طيب، على نحو يجعل القصيم يبدو مكاناً ليس له مثيل، من حيث طيبه، وأهله، ولكن بقدر ما أستطيع، فأنا لا أستطيع أن أعيد خلق نفسي. بدأت في ذلك الحين بتطعيم حديثي باللهجة القصيمية، التي أتحدثها بالمنزل، وإن لم يكن بالقوة التي يتحدثونها الناس بالقصيم. وجدت أن الناس أحبوا اللهجة مني، وأخبرني أحدهم بأنه صار معجب باللهجة بعدما سمعها مني.
صادقت شخص في دراستي في الجامعة، كان رجل طيب، سوا أنه يخفي عني عدم إعجابه بأهل القصيم. في وقت لاحق من صداقتنا، أخبرني بأنه صار معجب بهم، إذ كيف كان يعرفهم؟ كان يعرفهم من حديث الناس، الذين يعرفونهم من حديث ناس آخرين، أجداد غير ناجحين على الأغلب. قال ذات مرة بضيق، بأن القصيميين يساعدون بعضهم، قال هذا بكراهية وعدم موافقة، سألته إن كان هذا أمر سيء؟ فقال لا، وبدا وكأنه لأول مرة يواجه هذا السؤال، أو يفكر بالأمر، لقد ذهل، ولم يستطع تبرير الأمر، رغم أني لم أناقشه كثيراً، وفي النهاية قال بأن هذا أمر طيب. كانت مسألة غيرة متوارثه، لم يسأل أحد نفسه عنها.

كان هناك كذلك شخص آخر، رجل مثقف ومتعلم. كانت علاقتنا قائمة على مصلحة واضحة، عمل محتمل، وكان هذا شيء لا نجهله ولا نعترض عليه. هو ليس من القصيم، ولكنه له العديد من الأصدقاء منه. كنا نتكلم كثيراً، يحلو لنا الكلام على نحو استثنائي. كان يعلق على كل شيء أحكيه بأني قصيمي، لا يفوتني شيء، قصيمي، نبيه، قصيمي، سليط، قصيمي،،، وهكذا. حكيت له ذات مرة موقف حصل مع شخص آيرلندي درسني في دورة، أحضر كروت تعليمية وأعطاني إياها، اطلعت عليها ولم أفهم أنه يريدني أن آخذها، فأعدتها إليه. خاب ظنه على نحو واضح. كنت أحسب بأنه يريد أن يطلع جميع طلاب الدورة عليها، ولكنه بالواقع أحضرها لي خصيصاً. حينما انتهى الدرس، ذهبت إليه وسألته إن كان بإمكاني إستعارة الكروت؟ كنت أريد أن أصحح سوء فهمي. فرح الرجل جداً، وأعطاني إياها. حكيت للرجل الموقف، فضحك، وقال: قصيمي ما يفوتك شي!!. أخبرني لاحقاً بأن القصمان يعرفون بصفات معينة، بعضها سيء وبعضها جيد. ولكن كان معجب بهذه الصفات، دون أن يشعر بنقص تجاهها، فقد كان عقلانياً، ومنصفاً. تناقشنا ذات مرة عن الطموح. أخبرته بأن أخي يمتنع عن الاستفادة من بعض الفرص التي أخبرته عنها، لأن الأمر يحتاج تملقاً ونفاقاً. سأل باستغراب، ولماذا لا يقدم تنازلاً؟ إنه فقط شيء صغير يقدمه. قلت بأن هذا لا يرضينا، ولا نستطيع القيام به. قال: قصمان... تذكرت صديق لوالدي، ليس قبيلي. كان يعمل في مكان يديره أمير، وحينما يدخل المدير يقوم الجميع للسلام عليه، كل يوم تقريباً، سوا هذا الرجل. سأله الأمير ذات مرة لماذا لا يفعل مثل الناس؟ قال بأنه سلم عليه في مناسبة منذ وقت قريب، وليس من صنف هؤلاء. أبدى الأمير ملاحظة جيدة، ومتذمرة من القصمان. لا يعني هذا عدم وجود منافقين من هناك، يوجد منافقين، ولكن وجودهم أصعب وأندر.

للقصيميين نوعيتهم، وسمتعهم، التي يقدرها الأجانب المهتمين بنوعية الناس هنا، أكثر من الآخرين. لأن الأجانب لن يغاروا منهم، فهم أكثر عدلاً. رأيت هذا كثيراً.
الآن، تعلمت بأن أنظر إلى القصيم بعين أجنبية عنه، حتى أستطيع رؤية ما لا يراه أهل القصيم فيه، فالمرء غالباً ما يتجاوز الشيء الذي يراه كل يوم. أرى أن للقصيم مساوئ، بحكم الاختلاف، والشعور به، لكن، له مزايا ليست في غيره. إن كنت من القصيم، فسيكون لديك الكثير من النماذج التي تثبت أنك لديك فرصة أفضل بحكم طبيعتك المختلفة، الطبيعة التي لا تمانع بالمخاطرة، والسياسة، والشجاعة، والاستقلالية، والكرم، والمثابرة في سبيل كل ما سبق، والإبقاء عليه.

في القصيم قبيليين، وغيرهم، لكنهم يظلون جميعاً من القصيم. رغم أني قبيلي، إلا أني أجد أخوّتي في أهل القصيم، مهما كان انتمائهم القبلي، أو عدمه. يوجد عدد جيد ممن ينتمون إلى نفس قبيلتي في العمل، وبعضهم ألتقي معهم بجد قديم، إلا أنهم مختلفين، فلا أحد منهم من القصيم، ولا أشعر بأننا متماثلين تماماً، بل إني لي تحفظات على طبعهم. لدي زميل من القصيم، ليس قبيلي، ولكن منذ أن جاء اتسمت علاقتنا بالأخوية، فلم يكن من الصعب أن نلجأ لبعضنا للمساعدة، والمشورة. أعتقد أنه إن كان بي خير واضح، مزايا جيدة، فمن أهم أسبابها إنتمائي للقصيم وشعوري به، وأعتقد أن هذا ما يشعر به الناس؛ إذ دائما ما يلفت الانتباه كوني من القصيم،رغم أني لست من النوع الذي يتحدث بالأمر مباشرة، ولا أدري ما سبب الانتباه الخاص، خصوصاً في وجود أناس لهجتهم أقوى من لهجتي، وطباعهم أكثر تقليدية، لكن، حينما يحضر ذكر القصيم، غالباً ما يربط أسمي بالأمر؛ إني تعريف لجانب منه، رمز في محيطي، وليس مجرد متحدث بلهجته على نحو مخفف. حينما حضرت للعمل في أول الأيام، كان هناك إصرار غريب على تعريفي للناس بأني سعد الحوشان من القصيم، وهو أمر لم أره يحدث لقصيمي آخر. تسمع ردات فعل مختلفة. بشكل ما، أصبحت مثل ذلك الدكتور، لكن الفرق أني أحاول أن أكون طيباً، وأكسب الناس للقصيم، أعطي مثال جيد عنه، وهذا ما يعجز عنه هو، هو لا يستطع إلا أن يثير غيرة الناس، وضغينتهم. فأنا حينما أقوم بشيء جيد لأحدهم، ويلفت انتباهه كوني من القصيم، فإني أرجو أن يقول بأن أهل القصيم قوم طيبون تجاه الجميع، وربما يرد المعروف تجاه قصيمي آخر. مع علمي أن كل شخص يمثل نفسه، إلا أن هناك واجبات للمرء تجاه مجتمعه واهله. فإن كان في أهل القصيم سيئات، فإني أعمل على تجنبها، فإن استطعت، يثبت هذا بأنه ليس كل أهل القصيم هكذا.
وكل هذا، لا يعني أني لم أصادف أشخاص سيئون أو خيبوا ظني من القصيم، بل إنهم كثر. لكن، ليس هذا ما يجعلني أنسى أني قصيمي، وأهلي قصيميون، ولسنا مثلهم مع ذلك.

إني أجد القصيميين مثيرين للاهتمام، جداً، إن أبطال روايتي جميعهم من القصيم، رغم أنهم لا يعيشون فيه.

شكراً لكل من حاول إحباطي بسبب إنتمائي، وأنا لا أقصد بتول، فهي الأخرى نموذج جيد برأيي عن أهل القصيم، ولكنها لا زالت غير واعية للأمر، أو لم تربط. أقول، شكراً، شكراً، فقد فهمت الأمر بشكل صحيح، ومن لا يعرف القصيم والقصيميين، أو من لديه استعداد لنسيان حقد غير مبرر، أتمنى أن يحب القصيم حينما يعرفني، وهذا ما تعلمت أن أحاول فعله، بسبب تجربتي معكم، جزئياً.

وبطبيعة الحال، حينما يكون المرء جيداً مع الناس، أو يحاول أن يكون، فهذا لأجل الله، ثم باقي الأمور، حسب أولوياته.











منذ فترة، لم أجع في العمل كما يحدث غالبا منذ 3 سنوات، هي عمر عملي. السبب هو استخدامي لنوع من الجبن، كنت قد عشقته حينما كنت صغيراً، إذ أحضره أخي معه من أمريكا، لأجل ابنه بالطائرة. صرت اشتريه في أول أيام الجامعة، ثم انقطع من السوق، وعاد منذ وقت قريب. هو جبن بخاخ، مثل الكريمة البخاخ في المقاهي. يضغط المرء على رأسه فيخرج جبن بشكل جميل، وهو لذيذ جداً. استخدمه مع البسكوت. هذه هي صورته:









 يوجد الكثير لأكتبه، لأني انشغلت كثيراً في الأيام الفائتة ولم أكتب شيء تقريباً. مع ذلك، لا أريد أن أتأخر أكثر...







 ليتني كنت حبة مطر...
علّي أقع على صفحة خدك...
فأتوهم أنك تبكيني كما بكيتك...
وأقبلك في دربي نحو المستقر...









قبل أيام، صار عمري 27 سنة، أعرف هذا من ملفي هنا، حيث ليس من عادتي أن أحسب عمري. يميل الناس هنا إلى تكبير أنفسهم، لا تصغيرها. بحيث ما إن يتم مثلاً 27 سنة من عمره، يبدأ بالقول أن عمره صار 28، لأنه يسير في السنة الثامنة والعشرون.
منذ أن أصبح عمري 25 تقريباً وأنا أتوق إلى إنجاز شيء مهم. لا أعتبر الزواج إنجازاً، إنه شيء مختلف. ولكني أعلم أني إن تأخرت فيه، لاحقاً سأنظر إليه وكأنه إنجاز. لقد حزنت قليلاً، قليلاً فقط لأني لم أكن آمل الكثير من نفسي للتحرك، حزنت حينما قيل لي أن عائلة رشحتها لنفسي، غير ملائمة قبلياً على الأغلب. لم أخبر أحد بهذا الترشيح، لأني لا أنوي الزواج قريباً، أو على الأصح، لا أدري متى سأتزوج. كان كل ما هنالك فقط، أني كنت أفكر، ربما كانت هذه العائلة هي الدافع الذي أحتاج. أما الآن، فيمكنني الانتظار أكثر.
ماذا كنت أفكر بإنجازه، أكثر من غيره؟ الاستقلال بعمل خاص، وإن لم أستطع، الدراسة أكثر. كان أملي دائما هو كسب الناس في ذلك الحين. كانت الصداقة الحقيقية بالنسبة إلي في ذلك الوقت هي نقطة البدء، لكني لم أعد آمل حقاً. يمكنني أن آمل بالدراسة على الأقل.











كنت قد تكلمت عن دكتور ألماني جديد في الجامعة، أجده مريحاً، وأعتقد أن العكس صحيح من جهته. قلت بأنه يميل إلى السلام علي والتحدث معي. وهو ودود مع الكل، وله طبع شديد الهدوء، وهذا أمر أحبه. كنت قد أخطأت ذات مرة، حينما خرجت من المصعد دون أن أودعه، إذ قال لي بالداخل بأنه سيسافر غداً، كان بالي مشغولاً، ولم أنتبه لما قمت به إلا حينما أبتعدت، ونزل هو. قررت أن أبادر. متى بادرت لآخر مرة؟ ربما قبل 3 أو 4 سنوات، يمكنني أن أكون دقيقاً، فقد كنت حتى وقت قريب أؤرخ بذلك المصاب، ولكن، ما الفرق الآن. كان ذلك حينما فرضت نفسي على أحدهم. لا زلت أتذكر نفضه ليده في وجهي حينما احتد نقاش لسبب ما، وهو يقول بتكرار بصوت مميز يكاد يتميز غيضاً: كيف أقدر أخدمك؟ كيف أقدر أخدمك؟ كان صوته يقول: "وش تبي؟" بطريقة طاردة. كان هذا ما يقوله بالواقع، لكن التهذيب منعه من تجاوز القشرة الرقيقة للكلمات المهذبة، بينما سمح لصوته، ووجهه، للتعبير بصدق عما يشعر به. إني لا ألومه الآن، أنا لا أميل إلى لوم الناس أصلاً. بالواقع، صرت أتخيل، أو أتذكر، لا يختلف، أقول على الأصح أخلط، بين قول الناس: كيف أقدر أخدمك، أو ما شابه، وبين قولهم: وش تبي؟، إلى الآن. لم يجرحني أحد في ذلك الحين، أؤكد، لقد جرحت نفسي بنفسي، كان خطأي كاملاً. حينما تقرر قرار خاطئ، لا يمكنك أن تلوم الناس على تبعاته. ربما لومي الوحيد يتجه إلى طرف ثالث بالموضوع، قشري الخير، أناني المكنون.

عودة إلى الألماني، بادرت، وسألته إن كان يريد أن نلتقي لشرب القهوة؟ فوجئ، ولكنه وافق، وتبادلنا أرقام الجوال. سألته متى يناسبه؟ قال في نهاية الاسبوع. حينما عاد لاحقاً في نفس اليوم لأجل عمل، بدا سعيداً، بدا أنه فكر بالأمر، وأخبرني بأننا سنلتقي بالتأكيد في نهاية الأسبوع، أنه يتطلع إلى هذا. وهكذا كان، التقينا. أراد أن نلتقي في مقهى في شارع التحلية، شارع المقاهي والأسواق والزحام والشباب السخيف. حيث أنه يسكن قريباً من هناك، وبالتأكيد يرى أن هذا الشارع هو ملتقى الناس هنا. وهو محق، غالباً ما يرى الناس بعضهم هناك. ذهبت، لم يكن قد أتى. كنت مشغولا أتصفح بالجوال حينما جاء. سلمنا، وبدا أنه استغرب شكلي، ابتسم وقال بأنه يرى شعري "الجميل" أخيراً. شعري الجميل يحتاج إلى ترتيب بالمقص بالواقع. ورغم أني منذ أن كنت صغيراً كانت توجد شعره بيضاء أو اثنتين في جانب رأسي. اكتشفت واحدة جديدة في مكان مختلف من رأسي؛ بدت قوية وناعمة، لا تختلف عن الشعرات السود. هكذا الناس أيضاً، قد يبدون في غير مكانهم وزمانهم، ولكنهم يظلون أناساً، أعتقد أني هكذا. نتف الشيب لا يخلف شعرات بيضاء أكثر كما يشاع على فكرة.
فضل الجلوس بالخارج، وقد كان يرتدي ملابس رياضية، إذ لتوه خرج من نادي اللياقة. هو كبير بالسن، طويل جداً، أبيض أحمر، يحب مصافحة الناس، إذ يبدو أنه يصر على المصافحة بوعي، لأنه يتخيل بأن هذه دلالة على حسن النية على ما أتصور، في حين يهمل الكثير من الناس هذا الشيء، من عندنا ومن عندهم. تكلمنا عن تخصصاتنا، تخصصه إداري، ليس ما حسبته. ولكنه لديه مؤهلات ضخمة ما شاء الله، أعتقد بأنه يحمل شهادتي دكتوراه، ولكني لست متأكداً فلم أسأل عن التفاصيل. اقترح علي الخروج للدراسة، ألمانيا أو بريطانيا، فلغتي ممتازة كما يعتقد. حسن اللغة الانجليزية، أو حتى امكانية التحدث فيها، لها أهمية حقيقية، ولكن يميل بعض الناس، خصوصاً من الدول المتخلفة، إلى تقييم الناس حسب اللغة، وكأنها مؤهل كاف لرقي الإنسان، وليست وسيلة للدراسة والتعلم مثلاً. قال بأنه يحب الطلاب، ويحب أن يدرسهم، سوا أن عمله لا يشمل هذا بالجامعة حالياً، ولكنه يعمل على أن يدرس لبعض الساعات، فقد التقى الدكتور فلان، عميد كلية، وناقشه بالأمر، وهو يرى بأنه شخص طيب هذا الدكتور، أخبرته أني أعرفه، فقد كان عميداً لعمادتنا. سألني إن كنت أحبه؟ قلت لا. ضحك. سألني لماذا؟ لم أكن بصدد حكاية الأمر، لقد كان ذلك الدكتور دنيئاً معي على وجه الخصوص، لكن لم يعد للأمر أهمية. أخبرته فقط أن الدكاترة هنا لا يعاملون الأشخاص ذوي المؤهلات المختلفة كما يعاملون أمثالهم. قال بأن هذا شيء فظيع، وأنه لاحظ هذا. أخذنا الكلام إلى التعلم والتعليم. سألني إن كنت أريد أن أصبح دكتوراً؟ قلت: لا، لم أرى نماذج جيدة. ضحك، ثم قال: خذني كنموذج، أنا طيب. قلت: ولكنك لست سعودياً. تكلمنا عن الاهتمامات، وعلمت أنه يهتم بالموسيقى الكلاسيكية كثيراً، ويعزف كذلك. أتمنى أن أسمع عزفه. وعرفت بأنه يكتب مثلي. وسألني عن كتاباتي، قلت بأنها متنوعه، ولكني كتبت رواية لم أنشرها. سألني حول ماذا تدور الرواية؟ قلت بأنها عن الصداقة، وسوء الفهم، والدكاترة المتعجرفين. ضحكنا.
حدثني عن عائلته، وحدثته عن عائلتي. تكلمنا عن بلاده، وبطبيعة الحال، أردت أن أعرف أكثر عن الطعام هناك، فهذا من المجالات التي أحب التحدث عنها. 
لفت انتباهه جهاز على صدري، أعلقه على رقبتي. أخبرته بأنه مشغل صوتي، وخلعته لينظر إليه. أعجبه، وشرحت له عن جودته ورخص سعره، فأنا أستخدمه منذ سنة تقريبا. كنت أنوي أن أخلعه قبل أن أراه، فأنا أعتقد بأن قد يجعلني أبدو سطحياً للناس الذي لأول مرة أتعارف معهم، لكني نسيت. سألني باسماً إن كان يوجد الكثير من الأغاني بالداخل؟ قلت لا، وشرحت أني حينما أسمع أغنية تعجبني، فإني أعيدها كثيراً، قد أستمر بسماعها لمدة سنة. هز رأسه مضفياً تعبيراً جاداً على وجهه، وقال بأن هذا شيء جيد. لست أدري جيد من أي ناحية، حيث بدا أنه صادق في رأيه. كان أصدقائي لا يوافقون على هذه العادة، ويعتبرونها مملة وسخيفة. سأل عن جوالي، وهو سامسونق أيضاً، وأعجبته فكرة وجود بطاريتين، إحداها  بالغلاف الذي يمكن فكه وتركيبه بسهولة. ولكني أخبرته بأنه جهاز عتيق جداً الآن.
بينما كنا نتكلم، كان يأكل من كليجا أحضرتها له في علبة. وهي من النوع الممتاز، عمل منزلي، ومكلفة كذلك. أعجبته جداً. حدثني عن كتاب مثير للاهتمام يقوم بتأليفه الآن، عن شجرة الكتان، وهو يتناول الجانب الثقافي والحضاري في التعامل معها. وصفه للكتاب ورؤيته للشجرة كان أمر مثير للإهتمام.
تكلمنا عن التنظيمات، الدينية والمدنية. أخبرني بأن الناس في بلاده لديهم حرية ضارة أحياناً، تكون أكثر من اللازم فلا يدري المرء ماذا يفعل بها. أخبرني عن الأمهات العازبات هناك، سألته أليس الناس سعداء بوجودهن؟ قال لا. وسألني عن رأيي بالتنظيمات؟ قلت بأنها ضرورية. قال بأنها أحياناً تحد من حرية المرء، تكون صارمة. قلت بأن الالتزام بالتنظيمات ضروري، يلتزم المرء فيها ويناقشها، ويصححها ويعدلها مع الوقت، ولكن وجودها ضروري والالتزام فيها ضروري، وجودها أفضل بكثير من عدم وجودها. صمت، فكرت بأنه وجد رأيي متشدداً في الأمر، ولكن، هذا هو رأيي الذي أعتقد بأنه الأصح.

سألني إن كان لدي أصدقاء بالجامعة؟ أعتقد بأن ما كان يريد أن يسأل عنه، هو إن كان لدي أصدقاء بالإطلاق. قلت بأن الكثير من الناس يأتون إلينا بالمكتب، وأنا أعتبرهم أصدقاء.

تناولنا الكثير من المواضيع، التي لا تحضرني كلها. ثم قررنا المضي، لأن وقت الصلاة قد حان. اتجه معي إلى سيارتي لأوصله، ولم يستأذنني منذ البداية، سألني لاحقاً وقلت بأني سأوصله، أخبرني بأنه يريدني أن أوصله لأعرف مكان منزله، حتى أزوره هناك في المرة القادمة. 


مقابل هذا الألماني، يوجد دكتور أمريكي، جديد أيضاً. ليس لي معه عمل، ولم يمر مبرر لنتحدث، ولكني وجدته يحرص على السلام علي والبحث عني في القسم. هو رجل كبير أيضاً، ولكنه حيوي الحركة والتعبير. لم أجده مثير للاهتمام جداً، ولكني شعرت بأهتمامه. كان تعامله بحكم قسمه يتم مع زميلي المترجم الآخر. ولكني أجده يناديني باسمي، رغم أني لم أكلمه من قبل أو أخبره به، ويسألني أسئلة غير ضرورية حينما يصادفني، مثل السؤال عن مكان قسم معين أعتقد بأنه يعرفه. كان يريد أن يتحدث فقط. أو يسلم منادياً إياي باسمي. دون أن يخبرني باسمه. لم أسأل بالواقع. وجدته قد كسب صداقة شخص في قسمي لا يتحدث الانجليزية، مع ذلك، يتمازحون كل بلغته، على نحو بهيج ومضحك. وجدت هذا الأمريكي مصادفة وأنا ماض للصلاة عبر البهو. فسلمت عليه، وتكلمنا. سألني عن نفسي وعن اهتماماتي. لم أتوقع. أخبرته. وبدا مهتماً جداً. تكلمنا لفترة، وخفت أن أتأخر على الصلاة. سألني إن كنت ذاهباً لتناول الغداء؟ قلت بأني ذاهب للصلاة. ودعنا بعضنا. الغريب هو أني لما رأيته في المرة التالية، وجدته يتجاهل وجودي، ويصد عمداً. وكنا نقصد المصاعد. هناك دخل بسرعة في مصعد، بينما فتح آخر خلفي، فلم أذهب بنفس مصعده؛ فكرت بأنني لا يجدر بي مضايقته وإحراجه وهو على ما يبدو يتفاداني، ذهبت إلى المصعد الآخر. في الأعلى جاء إلى قسمنا، وكلم زميلي. ذهب زميلي عنه ليحضر شيئا، ولم أعلم أنه هو حتى التفتُّ، ووجدته ينظر إلي بتركيز، بعينيه اللتين تشبهان المسامير الزرقاء من خلف نظارته المقعرة، فالتفت ببساطة إلى جهازي وتابعت عملي.
لست أدري ما الذي جعله ينفر هكذا فجئة، فلم أقل شيء مثير للحفيظة أو أكثر من سطحي حينما تحدثنا، كنا نتكلم عن الأدب، وكان كل شيء على ما يرام. كان يحدثني عن حبه لروايات نجيب محفوظ، وخططه للتجول في السعودية. لست أتصور إلا أنه كان يتوقع شيء مختلف بخصوصي، ربما كان يتخيل أن لدي اهتمامات مختلفة، أو أني أخف ظل مما أنا عليه. لكن أياً يكن، لم يثر اهتمامي حتى أحزن على الأمر. أعلم بأن الألماني لو لم يهتم برؤيتي لاختلف الأمر لدي. بطبيعتي أحب الهدوء.

وطالما أننا في سيرة أهل الغرب، جاء غربي جديد، ألماني كذلك. كنت قد رأيته قبل أيام يكلم زميلي المترجم الآخر. بالبداية افترضت بأنه عربي لشكله، ثم لما سمعته يتكلم عرفت أنه أجنبي. كنت أمضي منتهياً من عمل طويل وصعب ومرهق وممل ومضغوط، حينما مررت من أمام مكتب مدير قسم ناداني، وهذا الرجل يجلس أمامه. كان يبدو بائساً، وسائماً، وغير مهتم بما يجري. أخبرني المدير بأنه دكتور جديد ألماني يحتاج إلى مساعدة، وأخبرني بما يحتاج أداءه من الإجراءات. بعد شرح مطول، طلبت من الألماني أن يأتي معي. جاء بانقياد، وقد ظل فاقد للاهتمام من مظهره. تكلمت، فبانت المفاجئة على وجهه، لكوني أتحدث الانجليزية، فتكلم ربما لمدة ساعة أو أكثر، بلا انقطاع، بلا مبالغة، صدقوني. لم يصمت الرجل أبداً، ولم يترك لحظة تمر دون حكي، بشكل لم أرى له مثيل طوال حياتي. ليس أني تضايقت، وليس أني وجدته مملاً، كان حديثه عادياً، لا يسوء، وكان ممتعاً في لحظات، ولكني ذهلت حقاً من كثرة حكيه ورغبته بالكلام. تكلم عن كل شيء، أضحكني عدة مرات، وكان يبدو أنه يحب التنكيت. يعطي نظرات مفتعلة غريبة، تضحكني. قال بأنه أكل كثيراً اليوم لأنه جائع، والآن يشعر بالامتلاء الزائد، فكان يجب أن يسمع كلام الرسول صلى الله عليه وسلم، حينما أوصى بجعل ثلث للطعام وثلث للماء وثلث للنفس. صلى على النبي، وبدا معجباً، مما جعلني أفكر بأنه مسلم، ولكن اتضح لاحقاً بأنه ليس كذلك. سألته: هل أخبرك أحد من قبل بأنك تبدو عربياً، سورياً ربما؟ قال بأن أناس في دولة أوروبية قالوا بأنه يبدو يوغوزلافياً أو إيطالياً، ولكنه بالحقيقة ألماني من عائلة عريقة ومعروفة. كان يريد أن يوضح أن دمه غير مخلوط. أخبرته بأنه يشبه ممثل مشهور جداً من سوريا، اسمه سلوم حداد، أخرج ورقة ليكتب اسمه. كنت أنوي في ذلك اليوم، أمس الاربعاء، أن أخرج مبكراً من العمل بعدما قضيت يومين لا أخرج فيهما قبل المساء، بعد أن أصلي المغرب، ومكثت أكثر في يوم. إلا أن وضع الألماني هذا صعب الأمر، ووجدت أني مضطر للبقاء حتى يستفيد من نهاية الميزانية، ولا يتأخر مرتبه عن النزول، فهو جديد، وقد لا يملك شيئاً. لم يعجبني حينما قلت بأن هناك ألماني آخر طيب، أقصد الأول، حينما قلت هذا، وقلت بأنه طيب، قال بتشكك بأنه يتمنى هذا. لا أعتقد بأنه سيء ظن، لكن أظنه يحتاج إلى أن يقول شيئاً دائماً. كان حماسه للتواجد في الجامعة، وفي السعودية منقطع النظير. فهو يريد أن يتعرف على سعوديين، ويجاور سعوديين، ويتعامل مع سعوديين. أخبرته بأن السعوديين أناس متحفظون بطبيعتهم، فلا يجب أن يتوقع الكثير أو يتوقع عقد صداقات سريعة، أو أن يتم قبوله مباشرة من الناس والجيران. قال بأنه مدرك لهذا، ولا يتوقع من الجيران أن يدعونه لزيارتهم وأن يزوروه مباشرة، وأن يعقد صداقات، هو مدرك لمثل هذه الأمور، حتى لو كنت أنا طيباً معه وودود. أخبرته بأني قلت له هذا، لأن الكثير من الناس يأتون وهم يتوقعون القبول السريع والمباشر. حينما انتهينا، لم يتم الأمر كما أملنا، حيث قيل لنا أن نأتي يوم السبت، ولكنهم طمئنوني بأن وضعه كموظف جديد سيكون على ما يرام. أخبرته بأن عليه القدوم يوم السبت. فقال بطريقة ذات مغزى، أثارت شفقتي صدقاً: حسناً، سآتي يوم السبت، وأبحث عن هذا المكتب وحدي... كان من الواضح أنه يريدني أن آتي معه، فمن الصعب التعامل بدون اللغة العربية، كما أن المكان سيبدو كالمتاهة لشخص جديد. وبالواقع، لم يكن عليه أن يتخيل بأنه سيأتي وحده، فغالباً ما يعود إلي الناس وننزل معاً، خصوصاً حينما يكونون مستجدين، أو لديهم مشكلة صعبة. أخبرته بأن لا يقلق، ليأتي إلي يوم السبت وأنا سأساعده. بدا أن الأمر أسعده.
هو من شمال ألمانيا، بينما الآخر من الجنوب (يمكن هذا عنزي والثاني عسيري خخخخ). وهم يختلفون، أهل المنطقتين.
جاء اليوم، السبت، وقد تأنق في ملبسه. بدا لي أنه لا يهمه طول الإجراءات، وصعودنا ونزولنا المتكرر، طالما يجد من يتكلم معه. وقد قل حديثه، قل على نحو طفيف بصراحة، ليس لأنه يصمت، ولكن لأنه صار يسأل أكثر. ولم يبدو أنه شعر بالضيق حينما لم تنتهي الإجراءات اليوم كذلك، رغم أن بعض الموظفين غضبوا لأجله، وذهب أحدهم إلى المدير العام ومدير آخر ليصحح وضعه. بدا كل هذ غير مهم بالنسبة إليه على نحو غريب. أخبرني بأنه يتطلع إلى رؤيتي أكثر، وهو سعيد بأن الأمور تأجلت حتى يحضر ويراني. أما أنا، فالإرهاق، وتلف الأعصاب بسبب بعض الموظفين الذين لا يقومون بعملهم كما يجب، قد نالا مني ما نالا، حتى أني نمت لأول مرة منذ زمن حينما عدت للمنزل.
وجدته يحمد الله كثيراً، ويحاول التلفظ بألفاظ إسلامية، وإظهار تأثره وإعجابه بها. أعتقد بأنه إما مجامل أو مبهور، ولكن، أتمنى أن يسلم.
رغم أنه لطيف، ومضحك في أحيان كثيرة، إلا أني بطبيعتي أميل للأشخاص الأكثر هدوء ورسمية. صحيح أني صرت عفوي معه على نحو أذهلني أنا، بينما كان الجو رسمياً مع الألماني الآخر، ولم يكن للمزاح والحديث الفارغ مكان كبير بيننا، إلا أني ربما هكذا أكثر، لا مكان كبير لدي للمزاح والحديث الفارغ. أجد نفسي أكثر اهتمام بذلك الألماني الأول، أعتقد بأن طبعه الهادئ والرزين أكثر ملائمة لشخصيتي، المملة ربما؟.
وكان قد ألقى دعابة مثيرة للتحفظ. سألته إن كان لديه أطفال؟ أجاب نعم. أنا: كم؟ تنهد، وفكر، وقال: بالواقع، لا يمكن للرجل أن يكون متأكداً. وضحك. ضحكت، وأنا أفكر إن كان فعلاً يبذر في كل مكان؟ ولكنه سرعان ما أوضح بعفوية بأنه يمزح، فلديه طفلين، من زوجة سابقة، ومن زوجته الحالية. قد أضحك على هذه الدعابات، مجاملةً، ولكني لا أحب سماعها بصراحة. أرجو أن يتجنبها في الفترة المقبلة. لعل عدم خبرته بمجتمعنا قادته لهذه الهفوة. بينما الألماني الأول، كان قد عاش في مصر لفترة جيدة، وهو أكثر اطلاع وثقافة على ما يبدو، فلم أرى منه أشياء غير مريحة، وإن كنت أدرك بأن أسلوب حياته مختلف.

لكن الألماني الأصغر يحضر لي الشوكولاته. يبدو أن هذا شيء واضح نشترك في حبه. أحضر لي شوكولاته غير رخيصة حدثني عنها، وفي اليوم التالي أحضر أخرى. وسألني إن كنت أريد شاياً حينما مرت العربة، ونحن نعمل على حصوله على راتبه. قلت لا، أصر، وأخبرته بأني لا أشربه حقاً. نظر بحزن، ضحكت وسألته لماذا لا يشتري هو؟ فلا بأس. قال بخيبة أمل بأنه أراد أن يشتري لي.
أرسل إلي صورة ابنته، 6 سنوات، وهي جميلة جداً ما شاء الله. بالواقع، هي من أجمل ما رأت عيناي من بين كل شيء. تقول أختي بأنها تشبه نيكول كدمان. أخبرته بأنها جميلة فعلاً كأميرة، مأخوذة من كتاب مرسوم. وأخبرته بأننا نسمي الأطفال أحباب الله. وأني ليس لدي أطفال لأني غير متزوج، ولكن لدي الكثير من أبناء وبنات الإخوة، الذين أعتبر "أغلبهم" أبنائي. أرسلت إليه ثلاث صور؛ واحدة لمحمد ذو الشعر الخويتمات، والثانية لسلاف، والثالثة لمحمد ذو الشعر المسترسل.
أعطيته بعض من أفضل ما تذوقت من معمول التمر، أعدته أختي أمس، بطريقة جديدة علي. سعد جداً بالهدية. ولكنه شكك منذ أن نظر إليها بأنها صناعة منزلية، حيث علق بأنها تبدو عمل احترافي. وحينما تذوقها، زاد شكه بوضوح. أكدت له أنها من صنع أهلي، وأبدى إعجابه الشديد بالطعم والشكل، وهو شكل مختلف عن المعتاد، رغم أنه بالتأكيد لا يعرف الشكل المعتاد. بدا أنها ذكرته بفطائر أمه، حيث أنه يصفها بنفس الإتقات.

التقى بأخي الأكبر مصادفة، عرفتهما على بعض، وجامل أخي بامتداحي كثيراً. لاحقاً، كنا نتكلم، وألقى نكتة، لبذائتها صدمت وأغلقت فمي بيدي، ولكني لم أستطع أن أتوقف عن الضحك.


في وقت لاحق من اليوم، أرسل إلي رسالة بالبريد الالكتروني، عنونها هكذا: كعك، ساعات، صور. ربما يقصد أنه سيرد على هذه الأشياء، أو ربما يبدو له أني أتمحور حول هذه الأشياء. 
أعتقد بأنه شخص طيب.








طلب مني دكتور جديد غير عربي محادثة صاحب مكتب عقار يستأجر منه، لأشرح له تأخر صرف مستحقات الدكتور لفترة محددة خارجة عن إرادته. كان الموظف في المكتب مصري، وهذا أمر عجيب. فبالعادة لا يعمل غير السعوديين في مكاتب العقار. رفض المصري التفهم، وزاد على هذا بأن ذم الدكتور الهندي، الذي بكل وضوح ليس بيده حيلة، وانتقد حتى شكله بوقاحة وقسوة لم أتخيلها. إنه حر برفض الانتظار، حر بأن لا يتعاطف، لكن كان سبه للرجل وانتقاده لشخصيته أمر يتعدى حدود الأخلاق الحسنة. شعرت بالقرف من أسلوبه، ولكني لم أناقشه لعدة أسباب؛ أني قرفت منه جداً، وأن الدكتور بجانبي ولا أريد أن يبدو أن هناك مشكلة تتعلق بشخصة أو أن يسأل عما يجري أو يقال فيجرح، وكنت كذلك أتكلم من جوال الدكتور، فلم أرد الإطالة بلا نتيجة وهو يعاني من ضائقة مالية أصلاً. قبل إغلاق السماعة، اعتذر المصري، عن ماذا بالضبط لا أدري، كما أنه لا يدين لي أنا بالإعتذار. كم لا أحب هذه النوعية من الناس.
 















 


هذه صورة قديمة لمحمد ذو الشعر المسترسل حينما كان صغيراً(الحين عمره 3 سنوات وشهور، يعني على وجه زواج). كلما رأيت هذه الصورة أشعر بأنها لموظف اردني، ربما مسئول مشتريات، أو مدقق حسابات.

 




رغم أنه يوجد أربعة مشتركين في مدونتي، هؤلاء الذين تظهر أيقوناتهم بالجانب، إلا أن هناك مشترك خامس حسب ما أرى، لا يظهر لي. عموماً، أنا أشكر جميع المشتركين، وأرحب بهم. هذه الخدمة يمكن التوسع فيها. ويمكن تطبيقها على مختلف المواقع والمدونات، وليس فقط بلوجر. يمكن تطبيقها على ما أعتقد حتى على ورد برس.
أرجو أن تكون المنشورتين التين أرسلت للمشتركين ممتعتين، أو لهما فائدة. أتمنى كذلك أن يطلعونني على اقتراحاتهم بشأنها، هل لديهم أفكار تجعل المنشورات أفضل؟ أكثر فائدة؟ هل يوجد ما يريدون رؤيته في المنشورات؟ 









هل أحقد على أصدقائي الذين افترقت عنهم؟ لا. إني أتمنى لهم التوفيق، أعني آخر ثلاثة. لكن، أحدهم على وجه الخصوص يساورني حوله شعور أكثر تفصيلاً. إنه الذي طالت صداقتي معه، حتى صارت عمر. مؤخراً، صرت أتمنى لو لم يكن. ليس كراهية، ولكن ندم. لقد ضاع وقتي حقاً، وإني والله لمتألم على الوقت الذي ضاع معه. لم يكن شريراً، كانت له عيوبه، ولكني لست أشكك بمحبته لي، كل ما هنالك أنه كان مضيعة للوقت، لم يكن صديق حقيقي، لقد استنزفني كثيراً، وأثر علي تأثيراً سلبياً، كثيراً. كان من الأجدى لي لو لم نكن أصدقاء، لبحثت عن شخص أفضل ليحتل مكانه. ليس هو الوحيد الذي كان مضيعة كاملة للوقت، لكنه أخذ وقت طويل من حياتي، وضيعه. صرت مؤخراً، بعد فترة طويلة من افتراقنا، سنة ونيف، أشعر بآلام الندم الممضة، لأني صرت أحسب الأمور بشكل مختلف، ولم يعد موقفه الأخير يعني الكثير، ولم يعد التفكير باستنزافه لي يتكرر كثيراً، فلو لم يكن، لما استنزفني. أتمنى فقط لو أغمض عيني وأفتحهما، وأجده لم يكن، لم يوجد، فكرة، خيال، لم يضع وقتي عليه طويلاً. ليس أني أود أن يصاب بمكروه، عسى الله أن يحفظه لأهله.
أنا متألم، لأسباب كثيرة، ولكني نجحت في عزل آلامي بشكل عام، على ما أعتقد.











قبل وقت طويل، قرأت مقال لكاتب في جريدة الرياض. اسمه رجا ساير المطيري. وهو يكتب بشكل عام عن الأفلام والفن. لست بمتابع له، لكنه يكتب بعاطفه، ويعرف ما يتكلم عنه، وهذا أمر جيد. كتب مقال جميل في ذلك الحين، عن الطفولة، والكرتون في تلك الأيام، واجتماع الأطفال لمشاهدته. في ذلك الحين، حينما كنا مع أبناء وبنات عمومتنا. كان يتكلم بحنين عن تلك الأوقات، والصداقات البريئة. ويتساءل، من المسئول عن تفرقتنا؟ من المسئول عن عدم قدرتنا على التحدث، والسؤال عن بعضنا؟ خصوصاً البنات. لم يكن يثير قضية، فهو عاطفي فقط. وأثق تمام الثقة أن بعض الرجال يتاسئلون عن صديقات الطفولة بصدق وصفاء نية، والعكس صحيح. لكنهم ندرة فيما أحسب. وقد أكون فكرت في هذا مرة أو مرتين، لكن، لدي وجهة نظر الآن بالأمر. أود فقط لو أخبرت رجا بها. ما يدريك يا رجا، أن الناس يريدون أن يروك كما تريد أن تراهم؟ ما يدريك، أنهم يتسائلون عن حالك كما تتساءل عن حالهم؟ لا أتصور أني أريد أن أرى أحد من بعد. لا أحد يكترث حقاً بالآخر. أبلغتني أمي بسلام ابنة عمي الكبيرة علي، قبل فترة وأنا آخذها من منزلهم، بعد زيارة عصرية. قالت بأنها بقيت تتذكرني حينما كنت طفلاً، أنا وابن عمي، وأنها لا زالت تتخيلنا أطفالاً. إنها تحن على ما أعتقد لأوقاتها تلك، ليس لرؤيتي، وأساساً، لطالما كان ابن عمي مفضلاً علي.
لا، لا أحد يريد أن يراني، وأنا، لا أريد أن أرى أحداً. لا أريد أن يعود الزمن. كنت منذ سنوات طويلة، منذ المراهقة، أجيب على السؤال المفضل لدى الكثيرين؛ ما أجمل مراحل أو أيام حياتك؟ هكذا: كلها ليست جيدة، ربما الجيدة ستأتي لاحقاً. هل تريد أن يعود الزمن؟ لا، لا أريد...أبداً.
لا أعتقد أن الأيام الجيدة ستأتي، الله أعلم، ولكن لا أريد للأيام القديمة أن تعود كذلك. بالنسبة لما سيقبل، فسيشبه ما أدبر. اليوم يشبه أمس، غداً يشبه اليوم. ولكن، عِبر، هذا ما أقول، عِبر فقط. انتظار سينتهي، وإن طال.











يا الله، أكتب الآن في مقهى جافا تايم، كما كنت أفعل يوم كنت أكتب روايتي، سوا أني أجد صعوبة بالتركيز. يوجد ثلاثة رجال قربي، يبدو أنهم طيبون، لكنهم مزعجين حقاً، أو أن أحاديثهم جيدة.











 أحد زملائي الاثنين الطيبين، دعاني إلى منزله قبل فترة. هو الأصغر، والأكثر براءة. لم أكن راغب جداً بالذهاب لانشغالي في أمر آخر، لكن، لا أحب أن أقول له لا. هناك جلسنا في ملحق المنزل، وجاء بالشاي والبقل (الإقط). هو بدوي، وكان هذا أمر جيد، فقد كنت أحن لتذوق البقل منذ فترة طويلة. أخبرته بهذا، وقال بأنهم يحصلون عليه دائما من أقاربهم في القرية. أخبرته بأن جيراننا أكثرهم بدو، لكنهم لسوء الحظ يرسلون إلينا الحلويات. أعجبته النكتة، وضحك كثيراً عليها. كان كل شيء على ما يرام حتى حضر أخوه الأكبر. وقفت للسلام عليه، ولما جلسنا، أمر أخوه بتقريب المسند إلي، وتساءل بطريقة لا تليق، بنظرة جارحة: أو لم تعتد إلا على الكنب؟ لم آخذ الأمر كإهانة ظاهرياً، ولكني شعرت بالمقصد، وآلمتني محاولة شخص لا أعرفه أن يجرحني. ظل الرجل معنا، يرمقني أحياناً بطريقة غير مريحة، ولا يتكلم أبداً، ولا يحاول المشاركة. كان أخوه الأصغر يتمالك نفسه، ولكني شعرت بأنه محرج من حضور أخيه الغريب. فهو لا يتكلم ويشارك، ولا يتركنا بحالنا بنفس الوقت. حالما استأذنت بالخروج، وقف الكبير بسرعة وابتسم ماداً يده. ولم يلزم علي الأصغر بالبقاء كثيراً، رغم أن الخطة كانت أن ننتنظر زميلنا الآخر، الذي سيحضر بعد فترة. عرفت أن زميلي يمر بوقت عصيب بوجود أخيه، وأنه لم يجد حيلة. أسفت على قصر بعض الناس حق الضيافة على القهوة والتمر. لم يكن زميلي الصغير سوا رجل كريم ومضياف، ولكني أتكلم عن أخيه. أعلم بأن رؤيته مقصورة على اختلافي عنهم. فأنا أشعر بأن لديه خلفية عني، أي يعلم من أين أنا، فأنا أعتقد بأن أخيه الأصغر يحكي له كل شيء، لا سيما عني، فهو لا يخفي اهتمامه وإعجابه بشخصيتي، ويخبرني عن قوة علاقته بأخيه. سيحبك بعض الناس، ويرغبون بإكرامك، ومصادقتك، ولكن أهلهم لن يقدرون هذا، فقط لأنهم لا يعرفونك. لا خلاف لدي بمصادقة أي كان حينما تكون أخلاقه جيدة، لكن بعض الناس ينظرون إلى غير الأخلاق، ويفسدون على الآخرين، أو يحاولون. إنه لأمر مؤسف أن لم يفكر بأن جرحي وإعطائي إنطباع سيء عنه في بيته لا يعتبر أمر سيء في حقي فقط، ولكن في حقه قبل حقي. وهو لا يفكر بأن ما يقوم به، قد ينسحب لدى بعض الناس إلى كل من يماثلونه، أي كما أنه لا يحب الحاضرة، ويريد إهانة أحدهم وجرحه، قد يفكر الشخص المجروح بأن كل البادية مثله، ولكن، هذا ليس أنا. أود أن أوضح فقط بأنه غير حكيم، أو لا يكترث حتى. شعرت بالأسف كذلك على زميلي الصغير المحرج. كان يريد أن يكرمني، ولم يوفر شيئا لإشعاري بأني مرحب بي، وأنه سعيد بوجودي، بالواقع، كان سعيد بوجودي إلى حد أذهلني. أتصور بأنه لن يقول لأخوه شيئا، إن كان ما أعرفه عن طباعه كافٍ، ولكنه سيخاف قبل أن ينادي أحد إلى المنزل.












هذه مقاطع، قرأتها من مدونتي القديمة، وأنا أبحث عن القصة التي نشرتها في الأعلى، وهي مكتوبة في بداياتي في وظيفتي الحالية. لم تعد مدونتي القديمة موجودة على الانترنت. هذه هي المقاطع:


"...ذات مرة، جئت للعمل متعباً ربما لم أنم ولا ساعة. في لحظة لم أعلم إلا وأنا أغفو رغماً عني وأنا أجلس على كرسيي، المهم، يتداخل أحيانا الحلم بالواقع، خصوصاً في الظروف الغير عادية للنوم. فجئة، رأيت شخص أعرفه ولا أتوقع رؤيته هناك، يقرب وجهه مني، ويقوم بآخر شيء توقعته منه، قبلني على خدي قبلة مريعة، بصوت حاد وطويل وكأنما يشفطني، شهقت شهقة قوية وانتفضت وتلفت بذعر وأنا أصحو فزعاً من غفوتي القصيرة، فبالإضافة إلى أن القبلة كانت مريعة، كان الوضع مريعاً أكثر لأن ذلك الشخص بالذات إن لم يصفعني لو رآني فهو لن يقبلني أبداً، وهو شعور متبادل. لم أرى حولي إلا الوجوه المألوفة، علمت بأنه مجرد حلم، تنفست الصعداء، وفكرت من أين أتى صوت القبلة؟ خمنت أنه صوت فلينة أو درج مزعج. على الأقل، لم يرني أحد أو يلاحظ شهقتي."


"...لم أكن محترفاً أبداً، حتى لو أمسكت أفضل أنواع المقاليع، كلاشنكوف المقاليع. ولكن كانت لدي متعة كبيرة بإصابة الآخرين من بعيد، خصوصاً من أعتبرهم أشخاص أنذال. لا زلت أتذكر كم عذبت أخي، الذي يكبرني بعدة سنوات. أتذكر حتى الآن حينما كنت أقف في فناء المنزل، أمام الباب الداخلي أسفل الدرج، أنتظر أخي أن يظهر من المطبخ بالداخل، فيخرج بعد قليل بملابسه الداخلية، سروال طويل وفانيله قطنيه، التي كان يحب أن يتجول بها بالمنزل رغم ازدراء الجميع وتوبيخ أمي، كان يحمل صحن كبير صفت فوقه صحون الغداء وبعض الأكل. فأصوب، وأدقق، وأسحب المطاط إلى آخر مداه، وأفلته. يصرخ أخي صرخته الحادة البناتية المعهودة، التي حقاً لم تكن تتماشى مع شكله، وينتفض لأعلى، إذ أصبت إليته الكبيرة عن عمد. ثم أسمع الجميع يسألونه بفزع ماذا جرى، فيصرخ: والله إنه سعد والله إنه سعد!! أهرب بسرعة، وأختبئ. يكون أخي قد نسي لاحقاً، وهو من كان يتهم بأنه الأذكى بالعائلة. عموماً هو أيضاً كان يعذبني كثيراً بدسائسه عند أمي، والأسوأ كان بتكالبه هو وأخي الآخر علي، لقد كنت طفلاً وحيداً بلا صديق حقيقي من أقراني أينما ذهبت باستثناء القلة القليلة ممن لم يكن لديهم حيلة مثلي ولم يكونوا من أقراني تماماً، كان حتى أصدقائي من الأقارب يعافونني إذا جاءوا أقاربهم الآخرين ويتكالبون علي غالباً، لسوء الحظ. أحياناً، كنت أشعر بالملل حقاً، ولكن لا شيء يضاهي أخذ عصى المكنسة، ودفع شبك شباك المطبخ به، حيث تتكئ عليه المنظفات فوق مجلى الغسيل، فتصرخ بفزع أياً من كانت هناك تغسل "المواعين" عندما تسقط عليها الأشياء فجأة بضجة عالية."

"تكلمنا أنا و... أمس بوقت متأخر على غير العادة. كان يريد أن يراضيني لأني غضبت منه. رغم أني لم أقل شيئا ولكنه اكتشف هذا بنفسه. تراضينا سريعاً، وتكلمنا كالعادة وضحكنا. وقد قلت مكالماتنا بعدما توظفنا كلينا بنفس الفترة. تكلمنا عن الحشرات، ... لديه رهاب منها. رهاب شديد. وقد صارت تداهم مقر عمله كثيراً هذه الحشرات، ووجد احداها بعد الصلاة كما قال لي على كم ثوبه، كانت كبيرة وسوداء لم يرى مثلها من قبل، صرخ بهستيرية بعدما استوعب أنها على يده. عددنا الحشرات لنرى إن كان هناك شيء لا يخاف منه. فكان الذباب، قال ... بأن في أحد جناحيها دواء للداء الذي تسببه كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم. وسألني هل أعتقد أن الناس يطبقون الحديث بالوقت الحالي؟ قلت بأني لا أدري. سألني عن نفسي. فقلت ربما أطبق هذا بالبر فقط، سأل ... لماذا؟ قلت بأن الذباب هناك يبدو أنه أنظف، فقال: أها يعني تقصد الذباب هناك طازه؟ قالها بعفوية، فضحكنا كما لم نضحك منذ زمن بعيد."


انتهت المقاطع.










كما قد يكون أحد قد لاحظ، لقد غيرت الشكل التقليدي للمدونة منذ فترة الآن. كان التغيير مدفوعاً بحل مشكلة الردود، التي اكتشفت بأنها سوء فهم مني فقط. لكن الشكل الجديد أعجبني، أشعر بأنه أكثر عملية، وأكثر اختلاف.
أتمنى أن يعجب المطالع للمدونة، فهو أفضل للقراءة في رأيي.








الصورة في قمة الموضوع هي لإبن اختي الحبيب محمد ذو الشعر المسترسل. نسقت لجلسة تصوير في بيتهم وأنا أزورهم، وكان متجاوباً. طبعاً، عدلتها في بكنك.


 




سعد الحوشان

الخميس، 10 ديسمبر 2009

خبز يدينا عفن (فيديو تأثرت فيه)

بسم الله الرحمن الرحيم
 
متى يبدأ المرء مسؤوليته تجاه ما يقوم به؟ ما يقوله؟ في أي سن؟. هذا أمر جعلني أحار حقاً بالناس، حيث أن سن الطفولة والجهل عندهم آخذ بالامتداد، ليبرروا سوء أعمالهم. قد يقول لك شخص بأنه كان صغيراً حينما أخطأ في حقك، لم يكن عمره يقل عن العشرين. كردة فعل، ولعدم اقتناعي بأن البراءة أمر مسلم به كلما تراجع سن المرء، فالناس ينضجون على نحو مختلف، وأنا، لا أحسن الظن كثيراً فيهم، لهذا، صرت أكثر قسوة وواقعية تجاه ما يقوم به الناس، حتى حينما لا يعير الآخرين الأمر اهتماماً.
 
رأيت مقطعاً عن قناة المجد، على قناة الأطفال أعتقد، حيث ثلاث مذيعات صغيرات، أقدر أعمارهن ما بين التاسعة والحادية عشر، يقدمن برنامجاً، ويستقبلن مكالمات الأطفال. الفتيات مصريات، وأعتقد أن البث يتم من مصر. اتصلت طفلة من بناتنا اسمها ريتاج، وبدأت مكالمتها على ما يرام، حيث طلبت من المقدمة الأساسية أن تتكلم مع المقدمتين الأخريين، وحينما تم ما أرادت، طلبت انتباه إحداهن، واسمها ماهينور، وقالت عبارة تجامل الأثنتين الأوليين، وتدعو الأخيرة بالـ"جزمة" على نحو صادم. كان من الواضح أن الطفلة كان لديها المزيد لتقوله، لكن تم قطع مكالمتها لحسن الحظ. لا أدري، هل كان أهلها على اطلاع على ما يجري؟ كانت الطفلة الأخرى حاضرة البديهة ما شاء الله، وردت رداً حسناً، ولكنها طفلة بالنهاية. تحطم قلبي حينما بكت، ورغم أنهم أبعدوا الكاميرا تجاه المذيعة الرئيسية، إلا انه أمكنني سماع نشيج الطفلة المجروحة، على نحو قطع نياط قلبي. عادت الكاميرا مرة أخرى للمذيعتين، لتوديع المشاهدين، تكلمت الأولى، ثم تكلمت الثانية، فالأخيرة، التي تعرضت للإساءة، وقالت بأنها تشكر المتصلة لأنها أعطتها حسنة وأخذت سيئة، ولم تستطع أن تكمل، إذ بكت. فاق الأمر احتمالي، وكذلك، ذهلت من حسن التربية والذوق والشعور لدى هذه الطفلة ما شاء الله، والطفلتين الأخريين كذلك. هكذا المصريين يربون أبنائهم ما شاء الله، حتى حينما لا يكونوا متدينيين تماماً، إن تربيتهم حسنة. ذهبت أمي إلى مصر في العام الفائت مع أخي، وقالت أنها بينما كانت تنزل الدرج، كان بضعة أطفال صغار يلعبون عليه، إنتبه أحدهم إليها فقال للباقين أن يبتعدو عن طريق "طنط"، وابتعدوا، وقد تكلمت أمي بإعجاب عن تربيتهم. حينما يفكر المرء، ماذا يمكن لاطفالنا أن يفعلوا في نفس الموقف، على درج ما؟ قد يبتعدون، ولكن بعدما يؤمرون على الأغلب، ولن يكون لديهم دافع للابتعاد من تلقاء ذاتهم،، وقد لا يتكلمون بالتهذيب والاستقلالية التي تكلم بها هذا الصبي المصري، لكن هذا في حال كانت المرأة سعودية، وإن لم تكن، ولم تكن ترتدي عباءة، فيوجد إحتمال صغير، ولكنه موجود، بتوجيه تعليق أو اتخاذ موقف غير مهذب، قل إن من مرت، خادمة مثلاً، أو مصرية محجبة. هناك في مصر، رغم أن أمي ترتدي العباءة والبرقع على الأغلب أو الغطاء الكامل، إلا أنها سميت "طنط" كما قد تسمى أي مصرية من سنها، ولم تكن بالنسبة إليهم مجرد أجنبية، أو داعي للفرجة والفضول. هذه هي التربية الحسنة، وأفترض أن حسن التربية هذا ينقص حتى الغربيين، ولكن أطفالهم على ما يبدو لي ليسوا بالسوء الذي يجعلهم يتصلون على الناس ويهينوهم بالقنوات. طبعاً، لا يتجرأ أطفالنا بشكل عام على ماا تجرأت عليه ريتاج، الطفلة المعتدية، ولكن، ينقصهم كذلك الحضور الحسن المهذب واللافت كالأطفال المصريين. إن أطفالنا خجولين عموماً، وباردين، وبلداء إجتماعياً أمام الغرباء، ولا يستطيعون التحدث والتعامل بالمواقف المختلفة عن المعتاد، نحن من يعلمهم هذا، نعلمهم، أن لا يتعلموا. وهم حينما يكونون جريئين، فهم أنانيون، وصفيقون وأنذال. "نجسين" كما نقول شعبياً.
إن أخواتي مدرسات، وهن يحكين لي عن وقاحة الطالبات وقلة تربيتهن بشكل عام، على نحو يفوق ما كان موجوداً في جيلنا. ولكن، من ربى هؤلاء الأطفال؟ إنه جيلنا. خبز أيدينا، ونأكله الآن. 
ليس لدي أطفال، ولكني أهتم بالتربية، وأحاول أن أتعلم. هذا يسبب لي الإحراج أحياناً. حسبني دكتور ذات مرة حينما كنا نتناقش بالتربية أب لأطفال، وبدوت كشخص متفلسف وسقيم حينما قلت بأني غير متزوج. ولكن لعل وضعي مختلف لإحاطتي بالأطفال طوال الوقت، وإن لم تكن لي اليد الطولى في تربيتهم. 
لو تكلمت عن هذا الأمر المهم، لما صمت أبداً.
هذا هو الفيديو، ولم أستطع أن أنزعه من رأسي منذ أن رأيته. لقد تأثرت كثيراً، بغضب على طفلتنا السعودية، وبإعجاب بالتربية الحسنة التي رأيت في المذيعات. الآن، أود لو اشتركت في قناة المجد، رغم أني لا أشاهد التلفاز، واتصلت ببرنامج الأطفال هذا، لأوجه رسالة إلى آباء وأمهات الفتيات في البرنامج، ماهينور خصوصاً، لأقول: ونعم التربية. أي والله، ونعم التربية.
ملاحظة: إني أعمل منذ فترة على موضوعي القادم، الذي يأتي بالشكل المعتاد، وسأنهيه قريباً، وأنزله هنا. نشرت هذا مستعجلاً نسبياً لشعوري بأهمية الأمر.
سعد الحوشان

الأربعاء، 2 ديسمبر 2009

تنبيه بخصوص مشكلة بالردود على المدونة

بسم الله الرحمن الرحيم
أعتقد أن المدونة تواجه مشكلة، وهي مشكلة شائعة نوعاً في بلوجر حالياً. لا أستطيع الرد على تعليقات قراء مدونتي حالياً بسبب المشكلة، التي أرجو أن يحلها بلوجر قريباً. وأخشى كذلك أن البعض لا يستطيع التعليق حينما يحاول.
أتمنى أن تحل المشكلة سريعاً حتى أتمكن من الرد.
تم حل المشكلة!! بالواقع، كانت المشكلة أن ردي طويل جداً، وهي ليست أول مرة تواجهني، لكن لا أدري لماذا لم ينبهني عند الرد للمشكلة. قسمت الرد إلى نصفين وحلت المشكلة.
سعد الحوشان

الخميس، 19 نوفمبر 2009

غارق في ساعة مائية(أحداث،أفكار،ساعة جديدة،قصائد)

بسم الله الرحمن الرحيم
 


اشتركت في دورة قبل أيام، وللأسف، لم يكن قراراً صائباً. مع كل الهذر الذي تجدونه هنا، يمكنكم رؤية أني لا أعاني من مشكلة في الكتابة، ومع تأليفي كذلك لرواية، وقصص، وقصائد،، مع ذلك، المقرود مقرود، إذ سجلت في دورة اسمها: الكتابة السريعة. فكرتي كانت: طيب، أستزيد، وأتعلم الطريقة التي تكتب بها البحوث العلمية والتقارير الرسمية، كما في الإعلان. لم أكن أثق أبداً بأمور التطوير الذاتي الدارجة، لكني ظنيت أن هذه الدورة أكاديمية. ورغم أنها تشغل ثلاثة أيام، إلا أنها بـ1100 ريال. في اليوم الأول، ضاع الكثير من الوقت على التمطيط السخيف، والتوعّد بالفائدة وتغير الحياة بعد الدورة!(المدرب سوري أو أردني، على الأغلب سوري) شعرت بتفاهة الأمر، وندمت على المبلغ المدفوع. لكني تعرفت عموماً على شخصين أو ثلاثة رائعين في ذلك اليوم. كان المدرب يناقض نفسه، وهو على ما أعتقد مدرب على جانب من الشهرة، كذلك له كتب مطبوعة، اسمه أشرف غريب. ووجدت أنه يعطي معلومات مغلوطة حسب رأيي. كان الحضور على مستوى جيد من حيث المؤهلات والأعمار. غالبيتهم رجال ونساء كبار (يوجد حاجز، لا نرى النساء ولا يريننا) وقلة قليلة هم طلاب الجامعة والشباب الصغار، كان معنا دكاترة، وأخصائيات تربويات، وموظفين مهمين، ودارسين، ومقبلين على أبحاث، وهؤلاء الأخيرون على الأغلب جاؤوا لنفس السبب الذي جاء بي، وخرجوا خائبي الظن على الأغلب. بدى أن الأمر لعب على الذقون، ولكني استمتعت بصحبة من معي. وبدأ المدرب يعطي مسابقات، وجلسات استرخاء أشعرتني برخص الأمر تماماً، ولا أدري كيف شعرت حينما رأيت البعض يغمضون أعينهم بانسجام مع تعليماته وعباراته المضحكة. إن التطوير الذاتي، هنا على الأقل، ليس لي بكل تأكيد. أخبرت زملائي، الذين كانوا متحمسين للتطوير الذاتي ودوراته، مثل طرق التفكير والخرابيط السبعة، أخبرته بأني أعتقد بأن كل هذه الأشياء عبارة عن نصب. صدموا لقولي، ولكنهم قالوا بأنها وجهة نظري بالنهاية. طلب منا المدرب أن نكتب نصاً من خمسة أسطر على الأقل. لم أجد ما أكتبه، خصوصاً بمزاجي خائب الظن، غير الجاد تجاه الأمر. كتبت قصيدة:
خمول...
وعمر يطول...
وحلم بتول...
يصول في قلبي ويجول...
لكن الأمل خجول...
لكن...
ماذا بعد؟. 

ثم فوجئت بالمدرب يطلب منا تبادل نصوصنا مع شركائنا على الطاولة، يا الله!! تمنيت لو أنه تكلم مسبقاً. أعجبت القصيدة زملائي، وكانت كتابة قصيدة تشكل مفاجئة بالنسبة لهم. اختارني زملائي لاحقاً لدور معين، حيث يختار كل أهل طاولة أحدهم ليرى صورة ويصفها لهم، وهم يرسمونها. وصفتها، ونجح احدهم تماماً برسمها. ولكن المدرب قال بأنها كلها خاطئة. كان الوقت يبدأ بالرابعة والنصف إلى التاسعة والنصف. وضاع الكثير منه على أحاديث جانبية سخيفة، مثل وضع الأجانب بالسعودية ( في دورة كتابة!!) ومعاملة الناس مع الفروق الاجتماعية(!!). ما أشكل معي، هو أن الأمر لا يتعلق بأكثر من 3 أيام، لو كان فصل دراسي من بضعة أشهر

الجمعة، 30 أكتوبر 2009

لحية نصفها أشيب،تحت شفاة ملتوية(أحداث،أفكار،حادث سيارة)



بسم الله الرحمن الرحيم

 
 




يختفي الإلهام أحياناً، ولا يعود بوسع المرء أن يبدع شيئاً. في السنة الأخيرة كفيت عن كتابة شيء مما أهوى كتابته، باستثناء الكتابة هنا. أعتقد بأني بت بحاجة ماسة للتغيير. وقد يكون هذا عبر الدراسة.

 
 
مررت بأمثلة كثيرة من الناس الذين يبدون اهتمامهم، ثم يفقدونه بسرعه. حتى هنا بالمدونة، اعتقد أن هذا هو الحال مع البعض. يبدو لي أحياناً بأنه يتم فهمي بصورة خاطئة، أو متسرعة. وتُترك بالنهاية متسائلاً، تملأك الحيرة، ما السبب؟. لكن هذه مبالغة، لقد اعتدت على الأمر منذ صغري.
 
 
رأيت قبل أيام معلمي في الثانوية، معلم آخر غير صاحب محل الحلويات الذي تحدثت عنه. رأيته هنا، في الجامعة حيث أعمل. كنت قد سمعت بأنه نال شهادة الدكتوراة في علم شرعي. لم يتغير كثيراً، لا زال ذو شكل مميز، وجهه مليح، وبشكل غريب وضاء، رغم اعتقادي بخبثه أحياناً، أو سخريته التي لا داعي لها. في الثانوية، كان يجدني مثير للاهتمام بشكل ما، وحينما تثير اهتمامه، فإنه يستفزك كثيراً، ويحاول إحراجك. كنت مراهقاً، واستدعاني الأمر وقتاً حتى أفهم بأن هذا شكل من التقدير، كان ينبغي أن اتجاوب معه على نحو أفضل، وبظن أحسن، مع أني لا زلت أعتقد بأنه لا يحسن التعامل تماماً، ولكن، وإن كان لا يهمني هذا الرجل، إلا أن الكثير من الناس الذين فضلت لهم هذا الطبع المحير معي، أو كان. أدركت هذا بعد تخرجي من الثانوية. وحدث أن صادفته، ووددت السلام عليه، ولكنه تفاداني بكل ما يستطيع. ربما كان هذا مسلكه مع الجميع؟ صحيح أنه لم يعد بيننا علاقة إطلاقاً، سوا من مزحات انقرضت في آخر سنة من دراستي. أتذكر بأنه كان يقول دائماً بطريقة ساخرة ومستفزة: أحببببك يا سعد والله أحبك. وكان يسبب لي الإحراج أحياناً ويحاول أن يلزمني بأمور رغماً عني، إلا أني كنت أرفض بعناد. اضطررت ذات مرة لموافقته حينما دخلت مكتب الوكيل، حيث جلس لفترة، كان المدرس قد أرسلني على عجل لأحصل على شيء من عنده، وكان هذا يجلس مع ولي أمر طالب يناقشه بأمر ما، عرّف ولي الأمر علي بشكل مفاجئ، وقال لي: سعد والله أحببببك!! وصار يكررها ويحاول أن يطيل الموضوع، وكان ولي أمر الطالب يكبت ضحكته، قلت له أني أحبه أيضاً، ولكن يجب أن آخذ ما جئت لأجله وأعود بسرعة


حينما رأيته قبل يومين، كنت أسير بصحبة شخص أجنبي، لأترجم بينه وبين الموظفين. التفت عينينا، وعرفته مباشرة، وظل ينظر إلي، شعرت بأن رابط ما، تواصل ما، ابتدأ، ولكني لم أنوي السلام علي أي حال. لماذا؟ لم أعد أحسن الظن بالناس بسهولة، لقد نلت ما يكفيني من حسن النية. قلت بأنه لم يتغير كثيراً؟ بشكل ما، لم يتغير، ولكن بدا شكله أكبر بطبيعة الحال، ولحيته التي كانت كثيفة صارت أكثف، وأقل ترتيباً، منتشرة نوعا ما، ولكن جميلة مع ذلك، تخطها بضع شعرات طويلات من الشيب، إلى الجهة اليسرى منها فقط. شعرت بأن نظرتي الطويلة، وعدم سلامي، شعرت بأن هذا استفزه بشكل ما. إن كان لا يزال كما أعرفه، فلا بد بأنه غير معتاد على التجاهل، أو الاستفزاز من الآخرين. عدت إلى القسم بعد قليل، وجدته يكلم موظف وهو واقف أمام قاطع مكتبه الصغير. استمريت اترجم لمن معي، وبعد مضي بعض الوقت التفت تجاهه، فوجدته ينظر إلي، وقد التوت شفتيه ازدراءً، ازدراءً شديداً لم أرى على وجهه مثله من قبل، هل اكتسب هذا مع شهادته الجديدة؟ صد ملتفتاً إلى الموظف، وشفتيه لا زالتا على إلتوائها.

يوجد دكتور لدينا، درسني الثقافة الإسلامية قبل أن أتخرج، كان دائما ما يذكرني فيه. لهما نفس السحنة، ونفس السخرية. لم أكن ألبس غترة إلا فيما ندر، حسب المزاج. كان هذا الدكتور يناديني وكأنما يمزح، بصاحب الشعر أو شيء من هذا القبيل. أعتقد بأنه كان يرمي إلى إحراجي حتى آتي مرتدياً الغترة. كان يقول للكل تقريباً بأنه يحبهم، أعتقد أن هذا لم يكن حقيقياً، كيف يحب كل هؤلاء الناس الذين لا يعرف، ويدرسهم لفترة الصيف فقط. كان يحاول أن يكون مزوحاً، وكان ينجح. قال أحد الزملاء ذات مرة كلمة: أصدقاء. ولكن الدكتور قاطعه بأنها كلمة مضحكة وغريبة، فلا أحد هنا يقول: أصدقائي، الكل يقول: ربعي، أخوياي، ثم التفت إلي وقال: صح؟ قلت أنا: لا، أنا أقول أصدقائي. ضجت القاعة ضحكاً، وتبسم هو. كان له تركيز علي، ولست أدري لماذا. ورغم أنه كان دائم التبسم في وجهي، إلا أني كنت أشعر بالقلق لشعوري بأنه لا يتقبل، وربما كان يود التأثير علي بشكل ما. أبدى رضاه ذات مرة لما حضرت لابساً الغترة، ولكني لم ألبسها مرة أخرى. كان من جهة يحاول إحراج الطلاب الشيعة متى ما توفرت الفرصة، على نحو يثير الضيق. فلم يكن لنا علاقة بما يعتقدون، ولن يمكننا تغيير ما يعتقدون بالإحراج والاضطهاد. طلب منا بحثاً، وأخبرنا بأن نضعه في صندوق بريده، أو نحضره بالمحاضرة. وضعته في صندوق بريده، ولما جئنا للمحاضرة، وسأل عن بحثي، أخبرته بأنه في صندوق بريده، تساءل باستنكار لماذا تركته هناك؟! أخبرته بأنه هو من طلب!. جيء ببحثي بالمحاضرة القادمة، وناقشني فيه بعناد، ثم اعترف بأنه لم يقرأه، إنما تصفحه فقط!!





أصوم الست هذه الأيام. إن الصيام في غير رمضان متعب أكثر على ما يبدو.





يوجد زميل من القصيم، مهذب وطيب، ويبدي اهتماماً بمعرفتي. من الواضح أنه من عائلة مشابهة لعائلتنا، من حيث نوعية التربية والمبادئ، وبشكل عام، يتشابه معظم أهل القصيم من هذه الناحية لحسن الحظ. تكلمنا عن المعيشة بالرياض، وهي لا ترضيه مقارنة بالعيش في بريدة، حيث يقول بوجود الكثير من المسطحات الخضراء والأماكن التي يمكن للشباب التنزه فيها. لا يرضيه الرياض لأنه لا يحب الإزعاج كما يقول. الرياض مدينة مزدحمة ومزعجة في بعض المناطق، لكني أحب العيش هنا واستمتع به. وطبعاً، لا أعتقد بأن بريدة ستختلف كثيراً بالنسبة لي، وربما تكون أفضل، فهي مدنية ويتوفر فيها ما أريد، بالإضافة إلى أنها أقل ازحاماً وأكثر هدوءاً. أتفهم وجهة نظره بأن بريده برأيه أفضل، لكني ناقشته بعدم إعجابه بالرياض. أستمتع بوجودي هنا، خصوصاً حينما أكون بعيداً عن الزحام.








شاهدت فيلم قديم على اليوتوب، اسمه ذا اكسورسيست (The Exorcist)، أي طارد الأرواح. هو فيلم قديم جداً وشهير جداً، أيضاً. وهو يدور حول إخراج روح شريرة تلبست فتاة صغيرة، إخراجها بالطريقة النصرانية، وهي طريقة شبيهة من حيث المبدأ لإخراجنا للجن. يفترض أن يكون الفيلم مرعباً، وقد حُذرت منه كثيراً، خصوصاً أني لا أحب الأفلام المرعبة بشكل عام، حيث قيل لي أن رعبه متطرف. مع ذلك، لم أجده مرعباً، أبداً. كان فقط مثيراً للاهتمام، أو فيلم ممتاز على الأصح، رائع ومتكامل. وقد رأيت من خلاله اشتراكنا بالرؤية مع النصارى تجاه معالجة الممسوسين، أو لنقل تشابه الرؤى إلى حد كبير، يصل إلى حد التطابق أحياناً. سمعت شائعات كثيرة عن الفيلم، ولا أعتقد أن أكثرها صحيح، ربما أكثرها صحة هو موت العديد من العاملين عليه حين تصويره. ولكني سمعت أيضاً أن بعض دور السينما اشتعلت حينما عرض فيها، لكونه يحضر الشياطين، وهذه بعيدة عن التصديق برأيي. ولكني لا أنفي بأنه قد يجذب الجن، فمن المعروف أنهم ينجذبون لما يدور حولهم ويتعلق بهم، ككتب تتحدث عن السحر مثلاً. قد يكون لوحظ عند بعض مشاهديه أمور غريبة حال مشاهدتهم له أو انتهائهم منه، ربما، وربما هذا ما جلب الشائعات والمبالغات. ما أثار اهتمامي، هو أن الفيلم يبدأ بأذان، وينتهي بأذان. يبدأ في العراق، ويعرض المساجد، والمصلين، والحياة لدى المسلمين، من خلال وجود عالم آثار غربي. وينتهي بالأذان، والنهاية في أمريكا. قد يكون وجود الأذان فقط لمسوغات فنية، ولكن خطر في بالي أمر قد يكون سخيفاً. ماذا لو كانت تلك الشائعات حقيقية، وقد أضيف الأذان لاحقاً في البداية والنهاية لطرد الشياطين والجن من مكان الفيلم بعد عدة حوادث غريبة؟ فمن المعلوم لدينا بأن الأذان يخيفهم ويطردهم. أو قد يكون القرار اتخذ منذ البداية بتدبير محسوب. خصوصاً أني لا أتذكر بأن الأذان تصاحبه موسيقى.







ذهبت قبل فترة مع دكتور أجنبي، دعاني للعشاء معه ومع والده. قال بأن والده الذي يزوره سيسافر قريباً، وهو يريده أن يراني قبل أن يذهب. كنت أؤجل الخروج معه حتى قال هذا، مدللاً على ضيق الوقت. كنت مرهقاً في ذلك اليوم جداً. جنسية هذا الدكتور استرالية، ولكنه باكستاني الأصل، بينما والده باكستاني فقط. ذهبت وأدخلني للمنزل، حيث سلمت على والده، وجلسنا حول طاولة نشرب عصيراً لذيذاً. هذا الدكتور ملتزم، له لحية طويلة ولديه حماس. والده كان ودوداً، ولكن على جانب من التحفظ. خرجنا للصلاة، ولما عدنا خرجنا للمطعم حيث سنأكل. ذهبنا إلى مطعم باكستاني في العليا، وهناك صادفت بعض المحاضرين الباكستانيين من الجامعة!!. كنا نتكلم عن أمور كثيرة، ولكن ليست استثنائية أو غير معتادة. زال تحفظ الوالد مع الوقت. كليهم في غاية اللطف، ولكن شخصياتهم مختلفة جذرياً. يبدو على الابن الذكاء الحاد ولكن صعوبة التأقلم مع الآخرين، وهو يجاهد هذا الأمر بوضوح وذكاء، بينما الوالد أكثر عفوية، وأكثر ثقة، أو لنقل ما يشمل الصفتين؛ أكثر سأم، يبدو أنه يعرف الحياة أو مل من هذه الأشياء الجديدة، كالعشاء مع سعودي. مع كل هذا، استمتعنا، وتحدثنا كثيراً، وسألوني وسألتهم عن الأمور.

حينما انتهينا، خرجنا إلى شخص آخر في مكان قريب، لنأخذ بعض الأغراض منه، ولنرى سيارته التي ينوي الدكتور شرائها. كان الشخص الآخر كندي من أصل باكستاني، خرج لنا، وبدا جافاً، لم أره من قريب، ولكن هكذا بدا من بعيد، وظل يحملق بي بطريقة غريبة، هل كان يفكر بما جلبني إلى هنا؟ بدا شكله أيضاً غريباً نوعاً ما. كان أبيضاً أكثر من المعتاد للباكستانيين، أو لنقل بياض ليس من نوعية بياضهم، وبدا جسيماً كالغرب، ليس جسيماً كالباكستانيين. حملنا الأغراض ومضينا.

عند المنزل أنزلنا الأغراض الصغيرة، ووقف أمامي الوالد، ومد يديه وأمسك بوجهي. استغربت، اقترب فظننت أنه سيقبلني، لكنهم لا يقبلون مثلنا، ففهمت بأنه سيقبل جبهتي، فثنيته، وقبلت جبهته. هذا تقليد جديد لم أره منهم من قبل، ولست أدري كيف يختلفون إلى هذا الحد، فمن المستحيل لكبير أن يقبل رأس صغير لدينا، إنما العكس هو المنطقي.


 

لا يبدو أن الدعوات توقفت، فوجئت بشخص جديد، بريطاني، أصله مصري، ولكنه لا يتحدث العربية. كنت أقوم بالعمل الروتيني له، ولم يحدث أن تكلمنا باسهاب خلال الأمر، وأنا أعمل على ترجمة أوراق توظيفه. هو ملتزم كذلك. حينما فرغنا، وودعني ليذهب، عاد بعد قليل ليسأل عن شيء آخر. أخبرته. قال بأني كنت عون كبير، ويود لو دعاني للعشاء قريباً. ابتسمت وشكرته، ولكنه أبدى جديته، واقترح ستيك هاوس!!. لم أفهم سرعة الأمر، لكنه يبدو طيباً. والآن، لدي كذلك دعوة من دكتور آخر، حدد لها الأحد القادم. لست أدري لماذا صارت الدعوات كثيرة مؤخراً، حيث أني عملت بالجامعة منذ فترة، ولكن منذ أن عدت من الوزارة صارت الدعوات كثيرة، من الناس الجدد على وجه الخصوص.

 

ألا يساوركم الندم أحياناً على المبالغة في ردة الفعل؟ قد يكون للمرء الحق في أن يغضب، ولكن، المبالغة بالغضب غالباً ما تكون أسوأ من الفعل الذي سببها. لم يحدث لي هذا منذ زمن بعيد، ولكنه حدث. في بداية دراستي في الجامعة، غضبت من شخص في منتدى وصف محادثتي مع صديق بأنها سخيفة كمسلسل مكسيكي، فرددت بأن النظر إلى مسلسل مكسيكي من ألف حلقة خير من قراءة سطر واحد له أو شيء من هذا القبيل. استمر السجال، ولكني لا زلت أندم على رد فعلي الشديد والطويل. كم كنت أحمقاً.











قبل اسبوع، رد مدير الجامعة، د. العثمان، على شكاوى القاطنين إلى جوار الجامعة رد غريب. الأمر هو أن بعض أصحاب البيوت إلى جوار مشروع بنائي جديد للجامعة، يحتوي على أداة خلط اسمنت ضخمة، قد اشتكوا للمدير من تلوث الجو المحيط بالغبار الكثيف. ويمكن رؤية هذا دائما عند بيوتهم. وشكواهم مبررة، فالصحة أمر لا يعوض، وقيمة الإنسان أعلى من أي مشروع. ولكن كان رد المدير أن هذا الغبار أطيب من البخور!!. هل لديه مشكلة إذاً أن يستنشقه، أو يبخر به في مكتبه وبيته؟. كم أكره القسوة، وعدم المبالاة بمشاعر الآخرين ومخاوفهم. قد لا يمكنه إيقاف المشروع، ولكن، بدلاً من تجاهل مشاعرهم، والرد بهذه الجلافة التي لا تليق بمدير جامعة، وبدلاً عن التعالي هذا والأنانية، ألم يكن يمكنه الاعتذار والتخفيف من حدة الأمر؟. لو كنت في مكانه، لدعوتهم إلى الجامعة أو زرتهم في منزل أحدهم، وشرحت أهمية الأمر واعتذرت عن الازعاج، وعرضت خدمات المستشفيات الجامعية والمعاملة الخاصة لهم فيها، وكذلك مرافق الجامعة، وإن لم هناك مرافق تستحق الذكر.

طبلت جريدة الجامعة لكلام المدير بطبيعة الحال، وطبل أحدهم بمقال هذا الأسبوع، وكأنما قال المدير خلاصة حكمة الزمان ودرته التي لم يأتي أحد بمثلها. مع الأسف، كلام المدير يمثل الجامعة كلها، ويظهرها بمظهر الجهة القاسية اللا مبالية بالمجتمع الذي يحيط بها، رغم شراكتها المجتمعية المزعومة. لقد استفحل أمر هذا المدير برأيي، وصار يظن أنه يمكنه جرح المواطنين وتجاهلهم، وكأنه أفضل منهم وأعلى. أتساءل على ماذا سيتجرأ في المرة المقبلة؟ في سعيه المحموم للبروز ولفت الانتباه، لا يمكنني تخيل غير الأسوأ.
 

بالمقابل، يوجد مدير جامعة الإمام، الدكتور أباالخيل. بعض الناس، خصوصاً الملتزمين، متحفظين تجاهه، ولديهم وجهة نظرهم ذات الأساس بالتأكيد. ولكني أرى بأنه جيد من جهتي، وفعال. تحفظ المتحفظين تجاهه سببه توجهه إلى توسيع مجالات الجامعة، وهي جامعة إسلامية بالأساس. من وجهة نظرهم أنها يجب أن تركز على العلوم الإسلامية والعربية، كمجال تخصص. ولا أعتقد أن التخصص شيء سيء، على العكس. ولكن بعض التوسع لا يضر، خصوصاً إذا لم يسلب الأصل الإهتمام. فعندما أرى أن المدير أهمل مجال الجامعة الأساسي، سألومه. كذلك، أرى بأن تركيز الجامعة على تطوير العلوم الإسلامية، أو الشق الإسلامي من العلوم، هو شيء رائع ومطلوب، كالتركيز على أبحاث الطب النبوي، وهذا بالإضافة إلى نفعه للبشر له فائدة دعوية كما أتصور. ومن جهة أخرى، يجب الاستعداد لفترة مقبلة، قد لا تكون ملائمة لكل طالبي العلم في الجامعات الأخرى. حيث أنك تضمن على الأقل أنه لن يكون في جامعة الإمام اختلاط، فربما رد الاختلاط أحد الراغبين والراغبات بدراسة أحد العلوم الدنيوية عن الدراسة في جامعة مختلطة أو غير مريحة، فتكون جامعة الإمام ملاذ له أو لها. وبحد علمي، ليس ما ذكرت فقط هو سبب التحفظ، فقد سمعت بأنه للمدير وجهة نظر انتقائية تجاه فكر المعلمين في الجامعة. لست ضد الانتقائية، لكن هل انتقائيته ظالمة؟ هل قلصت فرص أناس جديرين بالعمل بالجامعة؟ لا أدري، ربما هم أدرى، أو ربما مقاييسهم مختلفة عن المطلوب.

 

ظهر الاثنين في مقابلتين منفصلتين قبل شهور في جريدة الشرق الأوسط. شتان بين الأثنين وأسلوبهما. مدير جامعتنا ظهر بدون شماغ، محاولاً الظهور بشكل شاب، وكانت محاولة فاشلة. بدا شكله مثيراً للضيق بحد ذاته. ولكن إن نظرنا إلى مدلولات الأمور، فمن وجهة نظري كان ظهوره بهذا الشكل قرار سيء. إنه يمثل الجامعة، إنه ليس شاعراً، ليس ممثلاً، ليس ثري في مقابلة شخصية. ولكنه ينسى هذا، وأثبت وجهة نظري في المقابلة، التي تقول أنه يمثل نفسه بالمقام الأول، حسب فهمه، أو رغبته. إن إفراطه بالظهور، وتصيد الثناء لنفسه والقبول به، وحجب صورة الجامعة خلفه، لا يدلان على أن مصلحة الجامعة هي الأولى. طبعاً، الله أعلم، لكن هذا ما أتصوره.

كانت مقابلة مدير جامعة الإمام معبرة عن مدير واثق رصين لجامعة واثقة رصينة. كانت ردوده قوية وسديدة، وجريئة تجاه أحد الأسئلة. تذكرت وأنا أقرأ مقابلة مدير جامعتنا، حينما سألوه عن موقف محرج أو مضحك مر به، فأعطاهم موقف ثقيل ظله، يظهره بمظهر البطل بالنهاية.

 


منذ أن كنت صغيراً وأنا أتساءل عن نور الوجه. أشعر بأني أعرفه، وأعتقد أني أراه على وجوه بعض الناس، لكن، ما هو بالضبط؟ هل هو الشعور بالراحة تجاه شخص معين للشعور بطاعته لله؟ أم أنها طلاقة الوجه المقترنة بحسن الخلق؟. كنت أتحدث كالعادة مع زميلي العزيز الملتزم الكبير. قال بأن وجهي له نور، مما استرعى انتباهي، أضاف بأن بعض الناس يبدو النور على وجوههم حتى لو قاموا بطاعات قليلة، عكس الآخرين. ابتسمت، وأخبرته بأن أشخاص هندوسيين أخبروني قبل فترة بسيطة بأن وجهي منير، وكان هذا مفاجئاً. ما فكرتهم عن نور الوجه؟ كما أن المسلم لا أتصور أن بإمكانه أن يرى نوراً في وجه غير مسلم، فالنور مقترن بمرضاة الله. شكرتهم بطبيعة الحال. أعتقد بأنها ربما كلمة تقال عندهم للمجاملة، قد يكونوا متأثرين بالمسلمين فيما يخص المفهوم.

 
 

بذكر الهندوس أعلاه، لنا فكرة وتجارب واضحة مع النصارى، وهم أول الكفار الذين قد يخطرون على بالنا، لكن الهندوس؟ إن صورة النصارى ليست بسوء صورة الهندوس، رغم أنهم برأيي أخطر من الهندوس. ربما أشعل كراهيتنا لهم مجموعة أحداث أليمة، كإحراق المسجد البابري، وتلك الاصطدامات مع مسلمي الهند، هذا بالإضافة إلى غرابة دينهم، وسذاجته من منظور الأديان السماوية. قرأت عن ديانتهم، ووجدتها، ككل دين أتصوره، تحض على الفضيلة والشرف والطيبة، ولكن الممارسات والأفكار الوثنية صعبة الفهم. أعتقد بأن لديهم فكرة عن الله، أو كان لهم في وقت ما. سمعنا الكثير من السوء عنهم، ووصموا دوماً بالقذارة، والحقد وحب أذية الغير. لم اتعامل معهم قبل عملي في الجامعة. كان أول هندوسي أتعامل معه باحث هندي اسمه سبود. وهو يبدو من طرفه على بعض التحفظ والخوف، ولكنه بعد فترة من قدومه بدا عليه الارتياح. وجدته إنسان ودود ولطيف، لا يكثر من الكلام، ويقدر المجهود، ويقدر ظروف العمل. كان لأصدقائي الهنود المسلمين تحفظ حين ذكره، ولم يبدو أن له صداقات من بينهم، رغم أني رأيت علاقات أطيب بين الهنود المسلمين والهندوس الأكبر سناً لدينا بالجامعة. يبدو أن الأمر يتجه للأسوأ لديهم بالنسبة للأجيال الحديثة.




تعرضت اليوم إلى حادث سيارة. اليوم هو الأربعاء، وقد تعرضت له بالصباح، وأنا ذاهب إلى العمل. كنت أمشي بوسط الحي حينما وصلت إلى شارع كبير، يفصل حيناً عما يسميه البعض حي الدكاترة. فوجئت بسائق يعكس السير مسرعاً، ورغم أني أشعر بأني لاحظته بوقت كافي، وحسبت للحظات أنه يوجد أمل في أن لا أرتطم به، إلا أني ارتطمت، وخطر ببالي مباشرة نسياني لربط حزام الأمان، إذ ارتطم رأسي بالزجاجة الأمامية. سبحان الله، حينما نسيت الحزام... شعرت بصدمة بالبداية، وأمسكت رأسي غير قادر على التفكير أو استيعاب ما جرى تماماً، ولكن ما استوعبته فقط أن هذه اللحظات طبيعية، وانتظرت الافاقة منها بوعي (!!) وذلك بسبب خبرتي بالتعرض لحوادث السير. تحسست مكان الارتطام برأسي، ولم أجد دماً. جيد. جاء السائق يسلم علي ويطمئن، ابتسمت له حتى لا أخيفه، لم يكن هناك الكثير ليقال، فقد كان خطأه واضحاً. اتصلت بمديري بالعمل لأخبره بأني سأتأخر. ثم بوالدي لأخبره بما جرى، فقد يمر عرضاً ويرى الأمر ولا يفهم، وهو كبير بالسن الآن ويجب أن تكون الأمور واضحة وبهدوء. ثم اتصلت بالمرور، الذي أعطاني رقم شركة نجم، وهذا نظام جديد يسار عليه في بعض الحالات على ما أفهم. اتصلت بنجم وردت علي فتاة، أخبرتها بالأمر وأرسلت إلى موظف ليقيم الحادث. شعرت ببعض القلق، رغم علمي بأن الخطأ على الآخر بالتأكيد، ولكني قلقت لانتهاء استمارة سيارتي، وماذا لو ظلمني الموظف ووضع علي نسبة خطأ؟ فتأميني لم أجدده من زمن بعيد... يا سبحان الله، والله إني مؤخراً كل يوم أتذكر الأمر وأخبر نفسي بأني يجب أن أستعجل، أشعر بأني سأمر بحادث. توقفت سيارة دفع رباعي، وذهب السائق ليحدث صاحبها، وأعطاه أوراقاً. علمت أنه كفيله، ولكن، لماذا لم ينزل ليسلم، ليحمد الله على السلامة كما تقتضي اللباقة وحسن الأدب؟ لم يسلم حتى من بعيد، فكرت: أيا الخثقه. جاء موظف الشركة، وقد كان شاب سعودي أنيق وحسن المظهر، وعملي كذلك. سأل بضعة أسئلة وقيم الأمر وأخذ صور للحادث، وجاء كفيل السائق، وصافحه، وصافحني، شعرت بأن يده الكبيرة أشبه بالعجين، شيء غريب. حينما ابتعدت، حيث كنت أعود إلى سيارتي لأضع علبة مشروب باردة على جانب جبهتي، جاء كفيل السائق وتجادل مع الموظف. لم أقترب. بعد وقت طويل ابتعد وركب سيارته ومضى. أخبرني الموظف الشاب أن الرجل غاضب جداً. سألت إن كان يطلب أن أتحمل الحادث؟ صمت الرجل. فكرت بأن الأمر ربما هكذا، ربما أراد أن أتحمل 10 أو 20%. أخذت مظروف من الرجل، وانتظرت المرور الآن. انتظرنا، وجاء السائق إلي، وقد كنت آكل من الشوكولاته التي معي، فأعطيته واحدة، رفض بخجل، ولكني أصريت فأخذها. لم يطل الآمر حتى جاء المرور وأخذه، وعدت إلى المنزل بسيارتي، حيث وجدت أمي قلقة، إذ أخبرها أخي كاذباً بأن الدم نزل من رأسي، وطلبت أن ترى الدم! أخبرتها بأنه لم ينزل دم! تعوذت من الكذب وأخي يضحك، ثم سألت بقلق إن كن النساء قد أصبن بمكروه؟ قلت لم يكن معه نساء! تعوذت من الكذب مرة أخرى وأخي يضحك. على أي حال، نظرت إلى جبهتي وتساءلت لماذا لم يضعوا عليها شيئاً؟ قلت من؟ قالت المرور!! ضحكنا أنا وأخي، تخيل رجال المرور الأجلاف يتعاملون بهذه الرقة. 


هذه صور في موقع الحادث لسيارتي:









في الصورة الأخيرة مؤخرة السيارة، لم يصبها شيء، لكنها جميلة حقاً.






لم يظهر التعب بوضوح إلا بعد فترة، حيث اصبت بصداع، وغثيان بالعمل، وبدأت ركبتي ورسغي يؤلمانني.


 

الانترنت فاشل هذه الأيام في المنزل، كتبت بعض الأمور، وفوجئت بأنه لم يتم حفظها، أكتب حالياً على جوجل دوكيومنتس، وهو برنامج رائع جداً، يغني عن الوورد أو المايكروسوفت أوفيس ككل. لكن، عمله في حال انفصال الانترنت غير جيد، حيث لم أتمكن من تفعيل هذه الميزة على جهازي. ربما في الجهاز القادم إن شاء الله.


 

ذهبت لتقدير اضرار السيارة. وتركتها بعد ذلك لدى الميكانيكي السوري الذي أثق به. لم أكن مبتئساً، ولكن لا أدري لماذا شعرت بالضيق في ورشته، رغم أنه استقبلني جيداً. استدعى لي السمكري، وفهمت أنه فاصله، وقال بأن آخر ما وافق عليه هو ألف ومئتين، ثم ألف ومئة. وقال بأنه أمامي الآن، وبوسعي مفاصلته. لم يكن بي جهد للمفاصلة، ولا أدري ما أقول. حككت رأسي وسألت السمكري الباكستاني، هل يمكنك أن تخفض أكثر؟ أنزل مئة ريال. انتهينا هكذا. ذهبت لاحقاً إلى الوكالة، وسألت عن القطع المطلوبة، علمت بأن المبلغ المقدر لن يغطي الإصلاحات، وأني سأدفع من جيبي حتى لو استلمت المبلغ كاملاً. وكلت أمري لله، فأنا كنت قد قررت مسبقاً بأن لا آخذ المبلغ كاملاً من الرجل. اتصل الرجل في اليوم التالي، وسألني عن التقدير، أخبرته، قال بأنه على استعداد أن يدخل سيارتي مع سيارته بنفس الورشة ويصلحها هناك على حسابه، لأنه يعتقد بأنهم يبالغون بتقديراتهم! وبين بأنه يصلح سيارته بورشة جيدة، فهي موديل 2008. أو، استدرك، يمكنني أن أقوم بما اقترح أمس، يقصد أن أخصم من المبلغ المطلوب. ثم عاد ليتكلم عن إدخاله سيارتي مع سيارته ويحاول إقناعي، ولم أخبره بأن المبلغ المقدر أصلاً لا يكفي للإصلاح، لماذا أكثر الكلام؟ قلت له ما يصير الا خير إن شاء الله. طلب مني أن افكر وأخبره. لم أتشجع لموضوع إصلاحه لسيارتي وإشارفه على الأمر، ولكني سألت أخي على أي حال. وافقني. أعتقد بأني سأخصم فقط من البلغ، وأنهي الأمر. قال لي اليوم أحد الزملاء بأن لا أخصم، فهو، أي الخصم، جنوبي، وعلى الأغلب أنه عسكري ويملك المال. فكرة مضحكة، ولكن لا يهمني لو كان الراجحي، إني لا أخصم لأنه فقير، فمن الواضح أنه مقتدر، إني أخصم لأجل نفسي، وحيث أنه طلب ذلك، وهو جار في نفس الحي بالنهاية. 









ماذا بوسع المرء أن يقول، وهو يشعر، أو شعر أخيراً، بأنه مسير أكثر مما هو مخير، من جهة. اخترنا الإيمان، وآمنا بالله ورسوله، ولكن، ما بالي أشعر بأن الاختيار انتهى هنا؟. وكأنما يسير معي شخص، بموازاتي، حتى إذا رأيت درباً مختلف، أو باباً مفتوحاً، سبقني ووقف في دربي، ولم يعد لي خيار إلا أن أتابع. هل هو القدر؟
ما هذه السخافة...

 

أعتقد بأني أطلت كثيراً هذه المرة دون نشر، يعود هذا إلى الأحداث الأخيرة، وسوء أحوال جهازي بالمنزل. أخذته قبل أمس إلى محل الإصلاح في حينا، وهو محل شهير وممتاز، تفحصوه، وأصلحوا بعض العلل، وصار أسرع بكثير، صار ممتازاً بقدر ما يمكن إصلاحه، لا يشمل هذا البطارية، ولهذا لا أستطيع أخذه للعمل خارج المنزل. ولكن، اخترت الآن الاحتفاظ به وعدم شراء جديد، إلا حينما تنزل الأجهزة ذات برنامج تشغيل كروم من قوقل، حيث سأشتري نتبوك، لغرض العمل خارج المنزل، إن شاء الله.

 

يوجد زميلين هنا، لم يكونا موجودين قبل خروجي من الجامعة، ولكني وجدتهما حينما عدت. يبدون اهتماماً بالتعرف علي. كلاهما طيبان، وتربيتهما ممتازة. لست متعاوناً كثيراً بطبيعتي مع الأسف، أو، لم أعد متعاوناً منذ فترة طويلة الآن. مع ذلك، غمراني باهتمامهما، ووجدتهما مريحين. قال أحدهم بأني الوحيد الذي يمكنه التواصل معه، الوحيد الفاهم!. الآخر أصغر سناً، وأكثر خجلاً، يعطيني الكثير من الابتسامات والعبارات اللطيفة. قال الأول ذات مرة، يجب أن نتقابل خارج العمل، هكذا قال. ماذا تحسبون أني فعلت؟ قلت: نعم يجب ذلك. لم أدفع الأمور أكثر كما يقتضي التهذيب. شعرت أني غبي. لم يحدث هذا إلا بعد عدة أيام. وبعدها بقليل جاء الآخر، الأصغر سناً، وطلب رقمي. اتفقنا ان نلتقي مساء الاربعاء الفائت، اليوم الذي تعرضت فيه لحادث السيارة. اتفقنا على اللقاء في كوفي شوب، على النمط التقليدي، حيث تقدم القهوة العربية. حينما وصلت المقهى، دخلت من الباب الزجاجي وإذا برجل غريب، يجلس على طاولة صغيرة مع أحدهم أمام الباب تماماً وبقربه، يقف، ويمد يده لمصافحتي. بدا شكله شديد الغرابة. سألني إن كنت سعد الحوشان؟ قلت بأني هو. وسألته من يكون؟ رد بسؤالي عن المتوسطة التي درست بها؟ قلت: ابن الحاجب. قال: هل تتذكر بدر؟ شعرت بأن الدم يندفع منعشاً إلى رأسي الجامد، وضحكت مباشرة. تكلمنا وتسائلنا عن أحوال بعضنا، قلت بأنه تغير كثيراً، وهو بالفعل، شكله لا يمت بصلة إلى شكله في المتوسطة. قال بأني عكسه، فلم أتغير مطلقاً، إذ عرفني منذ أن رآني مقبل من خارج المقهى، لم يتغير بي سوى أنه نمى لي شعر في وجهي!! ضحكنا. بدا أنه حقق نجاح جيد في حياته ما شاء الله. ذهبت إلى زملائي. ثم خرجنا إلى مطعم، لم يكن سيئاً ولا جيداً، ولكن هناك، اكتشفت بأنهم، أي زملائي، يتعاملون بالدفع على الطريقة الامريكية. أي أن يدفع كل شخص عن طعامه. هذه طريقة لا أؤيدها، لأنها تتعارض مع عاداتنا، وتظهرنا بمظهر أناني. ليس أني أعتقد بأنه على شخص واحد أن يتحمل كل المصاريف، مع أن هذا ما كان يجري بيني وبين أصدقائي، ولكن أضعف الأيمان برأيي هو العمل بمبدأ معروف لدينا، وهو أن يدفع كل شخص ما يقدر عليه. لماذا أقول هذا؟ لأنه بهذه الطريقة الكل سيأكل ما يعجبه، أو يكفيه مجمل المال، ولن يختلف ما يأكله شخص عن آخر في المجموعة، أما على الطريقة الأمريكية، فقد لا يملك أحدهم المال الكافي، هل يطلب ماء وخبزه مثلاً لأن هذا ما معه اليوم؟ بينما، الآخرين يأكلون أنواع مختلفة من الأطباق؟ أو هل يطلب ساندويتش بـ10 أو 15 ريالاً، بينما الآخرين يطلبون ستيك بضعف أو أكثر من صعف السعر؟ أليس من الأجدر مثلاً أن يأكل الجميع شيء بالمتوسط؟ أن يأكل جميع الأصدقاء أو الجلساء أكل متماثل من حيث القيمة؟ لكني عموماً لم أقل شيء من هذا، فتلك هي أول مرة أخرج معهم، ولكني كنت دائماً أعبر عن رفضي لهذه الطريقة الدخيلة، والجشعة، لمن يتكلم عنها.

ولكن بكل الأحوال، استمتعت بمجالستهم إلى حد جيد. والخروج مع ناس بهذا الشكل لم أقم به منذ زمن بعيد.

حينما افترقنا، خطر في بالي بأني استمتعت، ولكن، شعرت بأني لا أدري إن كنت أريد أن أكرر الأمر قريباً، لماذا؟ فقد كانوا ممتعين ولطفاء، ولكن، العلة بي أنا. أعتقد بأني اعتدت على الوحدة. أعتقد أني اعتدت على الخروج لوحدي، والأكل لوحدي، والقيادة لوحدي. حتى حينما كان لدي أصدقاء حقيقيون، بمفهوم هؤلاء الزملاء، لم أكن أراهم إلا فيما ندر، تمر شهور أحياناً دون أن أراهم، لتقصيرهم على وجه العموم، ربما باستثناء فراس، لكن لتقصير الآخرين وأنانيتهم، ولكني اعتدت في ذلك الوقت.

لكن رغم كل شيء، أرى بأن ما يجري لي هو مثل المعدة التي اعتادت على قلة الطعام، وصارت تأنف كثيره، حتى تتعود من جديد.

 

فاجئني أحد هذين الزميلين أمس، وهو الصغير الخجول، إذ اتصل وقال بأن لديه بطاقات دعوة لمعرض السيارات الفاخرة في فندق الفور سيزنس، وهو معرض لأول مرة أسمع عنه. قال بأنه يود لو ذهبنا معاً. بعدما انتهيت من أمر دفع ثمن قطع الغيار للوكالة اللصوصية عبداللطيف جميل، عدت إلى المنزل ولبست غترة وخرجت للقاءه قرب برج المملكة، حيث الفندق. لم أشعر باهتمام كبير لأن اهتمامي بالسيارات محدود ومحصور بمواصفات معينة، ولكن، قدرت اهتمامه كثيراً. ومن الجيد أني ذهبت، إذ استمتعت جداً. هناك، توجد الماركات المعروفة، التي لا تثير اهتمامي، مرسيدس، بي إم دبليو، رولز رويس، كاديلاك، رينج روفر، والكريهة لكزوس، وغيرها. ولكن، يوجد سيارات فاخرة، من ماركات مجهولة هنا، بعضها تصنع يدوياً، وأشكال بعضها تعبير واضح عن الفن، وقد فوجئت بأن بعضها يوافق ذوقي بشكل مذهل، رغم أن الكثيرين اعتبروها غريبة إلى حد غير مقبول. تحجج زميلي بأن قيادة هذه السيارات مستحيلة في شوارعنا، فضلاً عن أن الواحدة بملايين الريالات. أخبرته بأن الأمر لا يتعلق بشرائنا لهذه السيارات، أو قيادتها هنا، إني أجد نفسي هنا أستمتع بتقدير هذه السيارات كفن وهندسة وميكانيكا، أقدر جمالها وذوق صانعيها، واختلافها المطلق عن أي شيء معروف، ولا علاقة للأمر بالنسبة لي بامتلاك هذه السيارات، أو عمليتها في شوارعنا، أخبرته بأني أجد الأمر كمعرض للفن بالمقام الأول. مع ذلك، وللأسف، كان الناس مهملين تجاه هذه السيارات الفنية الرائعة، كان يطلعون عليها بلا مبالاة كبيرة، وبسرعة، وأحياناً باستهتار، ويمضون إلى سيارات مألوفة، يمكنهم رؤيتها في أي معرض، لا فن حقيقي فيها فيما يخص الرفاهية الكلاسيكية والقوة المستمدة من اللمسات الإنسانية والحضور المميز. لم أستطع تفسير رد فعل الناس، ولا حتى قلة اهتمام زميلي النسبية ومحاولته جرنا إلى مرسيدس ورينج روفر، وقد أحزنني الموقف بعض الشيء، أعني موقف غالبية الناس بشكل عام. ما المميز بجعل كل شيء إلكتروني في السيارة؟ ما المميز بملئها بأزرار تتحكم بالتكييف والستائر؟ أو شاشة منزلقة؟ ثم ماذا؟ من هذا الاتجاه، يمكنك توقع التوصل إلى أي شيء، فالإلكترونيات في تطور لا هوادة فيه، لكن، ماذا عن اللمسات الإنسانية؟ ماذا عن، إدماج قائد السيارة، مع السيارة، بدلاً عن تركه مجرد مرفه بالداخل، تحت رعاية السيارة؟ استغرب زميلي اهتمامي الزائد بتلك السيارات الفنية، وتدقيقي على الشكل الخارجي وبنيته، والتصاميم الدخلية. ولم يبد عليه الاهتمام والفهم لوجهة نظري حينما رأى أني ذهلت وأعجبت بشدة بوجود أحزمة جلدية على سطح سيارة إيطالية. قدرت أن الأمر هامشي ربما وأنا لا أعلم. 

وقفنا أمام سيارة، لم يوجد مقبض لفتحها، فجاء شاب سعودي، علمت لاحقاً بأنه مدير التسويق بالوكالة، كان مثلي، لا يعرف كيف يسفط الغترة جيداً، وطلب منا أن نخمن كيف تفتح السيارة؟ ابتسمت وقلت: يمكن ما تفتح الا لعيال النعمة. ضحك زميلي، ولكن الرجل أخذ على حين غرة، علق تعليق لا معنى له بالبداية، ولكنه قال بسرعة: لا وش دعوى، انتم ما ناقصكم شي. شكرناه، وفتح لنا السيارة بطريقة غريبة.

كانت هناك سيارات تجمع باليد، ألمانية، اسمها ويزمان، وشعارها وزغ فضي. بالبداية، بدى الشعار مضحكاً لي، ولكن في وقت لاحق، وجدت نفسي مفتون به!! شكله بديع، وهو غير مقرف كالوزغ الحقيقي، لكنه له وقفة إبداعية على جسم السيارة. هاهو:

 

كان أكثر العارضين لهذه السيارات رجال لبنانيون. كان من الواضح أن لا رجاء في شرائنا لشيء، ولكنهم كانوا غاية بالتهذيب، ولم يتجاهلونا بأي شكل. أحدهم أعطانا كروته الشخصية حتى!!. وجدته ينظر إلي مبتسماً حينما لاحظ الأماكن التي أتفحصها بالسيارة، دون اهتمام كبير بركوبها. لاحظت أن الآخرين ينظرون إلى أشياء مختلفة عما أبحث عنه في هذه السيارات، وبالواقع، أعترف بأني أساساً غير خبير بالسيارات، وربما من هذا المنطلق كنت أتفحص الأماكن غير المهمة بنظر الآخرين، غرضي فني.

  

ذهبنا للسيارات التي يريد زميلي، وركبنا بها. أخبرته بأن هذه السيارات لا تثير اهتمامي، بغض النظر عن السيارات الفنية الأخرى، كنت أتكلم عن الاستخدام الفعلي هذه المرة. أخبرته بأن المرسيدس والرينج روفر ليست من النوع الذي أشعر بأنه يلائمني، شرحت له أني أحب الطابع الأوروبي للسيارات، لكن، ليست كل السيارات الأوروبية لها الطابع الذي أبحث عنه، هذا الطابع أجده فقط في السيارات الفرنسية والإيطالية والاسبانية. أخبرته بأني أحب رينو، أحب بساطتها واللمسات اللطيفة والإنسانية فيها. قال بأنه يعلم بأني أختار أشياء مختلفة، قالها بطريقة أضحكتني، حيث حسبته يسخر مازحاً، ولكنه أضاف بجدية بأنه يعتقد بأني مختلف عن الجميع هنا، خياراتي وآرائي مختلفة عن الآخرين، وأضاف؛ ما شاء الله.
لا أدري كيف توصل إلى هذا الانطباع، إختلافي عن المجتمع، فلا أتصور بأنه يعرفني جيداً. لكن، حينما قال هذا داهمتني ذكرى. تذكرت زميل لي في أول مستوى للجامعة، حينما كنت شهيراً على مستوى القاعة بالظرف وخفة الدم (تخيلوا!!). كنت أمشي معه وعلقت تعليقاً مضحكاً، ونحن خروج من القاعة، ضحك وقال بأني مختلف. استغربت التعبير، فالكثير من الذين حولنا كانوا يلقون النكات، سألته كيف؟ قال أنه لا يدري، لكنه يعتقد بأني مختلف عنهم جميعاً. لم أره بعد ذلك المستوى، وقد احترت كثيراً حول اختفائه. كان اسمه محمد، أتذكر شكله جيداً، أتذكر أنه من الجنوب، لكني فكرت كثيراً بما انتهى عليه أمره، ولم أعلم.

هذه صور لبعض السيارات التي اعجبني تصميمها:



هذه السيارة الرمادية أجمل باللون الأبيض والحدود الحمراء بالصورة المعروضة



القير هنا مرتبط بماسورة ظاهرة فضية مثل لونه، تدخل مباشرة بالمكينة، ابتكار جميل ويبدو كلاسيكي بنفس الوقت، ويعطي شعور بالتحكم والاندماج برأيي







قبل أيام، وبينما كنت أعمل واقفاً، اشرح لأحدهم إجراء ما، مر طبيب حجازي، كان قد وجه إلي إهانات قاسية وغير مبررة في مقابلة شخصية، أثارت استغراب الدكتور الآخر في المقابلة، الذي بدا أنه يفضلني ويعجبه أدائي. كان قد اختفى منذ فترة، أعرف هذا لأني أعرف أين تقف سيارته بين سيارات الأطباء، فهو المختص بزراعة الكبد في المستشفى الجامعي، وكنت أرى سيارته كلما ذهبت إلى المستشفى من عملي لأي سبب، وما أكثر ما أذهب، واحياناً، كنت أراه، ويراني، ويصد سريعاً عني، مع أني لا أعتقد أنه يتذكرني. حينما رأيته قبل أيام، وجدته يعرج بشدة، ليس العرج الذي يحدث نتيجة ألم عابر أو مشكلة بسيطة. تسائلت عما جرى له؟ كان مشيه مثير لانتباه الناس لشدة عرجه. لم أكن لأتسائل كثيراً لو لم يوجه إلي إهانة جعلت حضوره بالنسبة لي شديد الوضوح، لكن، حتى لو لم أعرفه من قبل، لشدتني طريقته بالمشي.






اليوم، ذهبت وأختي لحل مشكلة في شيء اشتريناه قبل فترة، أو لأكون دقيقاً، مشكلة في شيء جاء كهدية مع بضاعة اشتريناها. كانت الهدية عبارة عن لوحة عرض للبروجيكتر الذي اشترته أختي. اشتريناه من اليكترو في طريق الملك عبدالله قبل اسبوع. وبعد يومين أو ثلاثة اكتشفت اختي أن اللوحة التي جائت هدية مكسورة. أعادتها لهم، وقالوا لها خدمة العملاء بأن الأمر بسيط، ووجهوها إلى المسئول عن القسم الذي اشترينا منه. كذب ذلك الشخص على أختي، وقال بأن المهلة التي يهتمون فيها بالبضاعة انتهت، وتظاهر بأنه اتصل بوكيل اللوحة، وقال لها أن تذهب إليه. ذهبنا اليوم أنا وأختي إلى الوكيل، وبعد جهد جهيد وصلنا إليه، وهناك، أخبرونا بأنهم ليسو وكلاء اللوحة!! عدنا إلى الكترو. شرحت الحكاية لخدمة العملاء، ووجهوني إلى مقابلة المدير، الذي وصفوه بالمتفهم والطيب. دخلنا مكتب المدير، وكان هناك شخصين لا أدري أيهم المدير، يجلس على المكتب فلبيني، بينما يجلس أمامه سوري بدين في أواسط العمر. دعانا السوري للجلوس بلطف. جلسنا وشرحت له الأمر. شاور الفلبيني، ثم أخبرني بأن آخذاللوحة إلى قسم الصيانة، وسيقابلني هو هناك. أتيت باللوحة، التي حملها صعب ومجهد لضخامتها وثقلها. عند الصيانة، انتظرنا لوقت طويل دون أن يظهر. بينما بدى أن الموظفين يحاولون إحباطنا، والإشارة إلى أن الوقت تأخر على اهتمامهم بالأمر، حيث انقضت المهلة أمس. أخبرتهم بأنهم هم من ضيع وقتنا وهم من يتحمل المشكلة. ذهبت أبحث عن المدير، في المكتب، في خدم العملاء، لم أجده. مللنا الانتظار. أخيراً رأيته صدفة، وذهبت إليه. أخبرته بأننا انتظرناه مطولاً، وضاع الوقت. سأل لماذا لم أناده؟ أخبرته بأنه قال بأنه سيأتي بنفسه. أنكر (سوري...) وقال بأنه كان بالمكتب، أخبرته بأني بحثت عنه هناك مع ذلك ولم أجده! تورط وشعر بالإحراج، وطلب ما يطلبه العرب الأجانب دائما، أن لا أرفع صوتي، فهو يريد خدمتي!! أخبرته بأني لم أرفع صوتي، ولكني لا أسمح له بإلقاء اللوم علي لأنه تأخر!. قال متشكياً بأنه يعامل الناس بكل طيبة ولكن الناس "ينطون عليه". كان يبرر قلة حرفيته بالعمل واستهتارة بأنه مؤدب، فإذا كان مؤدباً لا يجب عليه أن يعمل جيداً، وبالواقع، ليست هذه فكرته وحده، يوجد الكثير من الناس الذين يعتقدون هذا، هل هم أغبياء؟ أي، هل لا يستطيعون القيام بشيئين بنفس الوقت؟ أن يكونون مهذبين وفعالين في عملهم بنفس الوقت؟؟ أخبرته بأني لم أنط عليه، ولكنهم أضاعوا وقتنا منذ أيام بما فيه الكفاية، وأنا من الأساس لم أرفع صوتي. استفزه اصراري على نقطتي، وبان الطبع السوري على أصوله، حينما قال بأنه سيبدلها لي، ولكنه يريدني أن أثبت له بأنها انكسرت من عندهم! وأوضح بأنه يمكنه أن يفعل هذا معي! قلت بتوتر وغضب: أجل كل هالتأخير واللف والدوران عشان توصل لهذي النقطة من البداية؟ فوجئ بردي، وأوضح بأنه يريد فقط أن يخبرني بأنه يستطيع أن يفعل هذا! وأنه سيستبدلها. بدا متوتراً جداً، أجبت بغضب لم أستطع كبته: يعني بس تبي تتمنن؟؟ تبي تتمنن علينا بحقنا؟ فقلب وجهه إلى الجهة الأخرى وهو يرى الأمور تسير من سيء لأسوء، بفضل غبائه ورغبته بالانتصار لنفسه، رغم أنه هو المخطئ. دفعت علبة اللوحة بيدي على طاولتهم، وقلت: خلوها لكم! ما نبيها أصلاً!. مضيت فذكرني موظف مصري يقف معنا بفاتورتي، فمددت يدي إليه لآخذها، ولكنه أبعد يده وطالبني بالبقاء، وقال بأنه يريد أن يرضيني، فمددت يدي بقوة وبجلافة، وخطفت الفاتورة من يده بعصبية لم أستطع السيطرة عليها، إذ استفزني ابعاده الفاتورة عن يدي، وقلت: لا ترضيني! وأخبرتهم بأن الأمر لن ينتهي هنا. ومضيت. قبل خروجي ذهبت إلى المدير الفلبيني، وأخبرته بأن سوء المعاملة الذي تعرضت له لن يمر مرور الكرام. حاول الاستفسار أكثر ولكني مضيت، لم يلحق بي، رأيته وأنا خارج يحادث أحدهم لا أعتقد بأن له علاقة بالموضوع. حينما خرجنا لحقنا الموظف المصري جرياً، ونادانا. قال بوضوح بأنه سيستبدلها لي، وأنه يعتذر عن المعاملة. دخلنا، ووجدنا الموظف الذي كذب على أختي وابنها، وكلمه المصري، وكذب مرة أخرى! يبدو أنه يمني. قال الموظف المصري أن ذلك الموظف هو من سيتحمل تكاليف القطعة. جر العلبة حتى باب المعرض لنا ونادى عامل ليحملها، واعتذر. قلت له: قل لمديرك الدب أنه ما يقدر ياخذ الناس بالمنة! هذا حقنا ولا له منه بشيء. بدا أنه سيضحك لجزء من لثانية على قولي: الدب. ولكنه كرر اعتذاره. وشكرته أختي على حسن تعامله، وخرجنا.

لن أشتري من محلهم أي شيء بعد الآن. حتى لو حصلت على حقي بالنهاية، المهم، كيف حصلت عليه؟ لم يذخروا وسعاً بإهانة كرامتنا أصحاب إلكترو، ولن أنسى أنهم متلاعبين وكذابين، فغيري لن يكون بقوتي بالتأكيد، يمكنني تخيل ضعف أختي لو لم أكن موجوداً، وضعف من قد تكون أختي، ومن قد يكون ابنها، أو صديق غير قوي.

إن التعامل مع إكسترا يبدو لي آمن، وأكثر احتراماً، فقد استبدلت من عندهم أمور من قبل، ولم يجري إلا التعامل الحسن والسريع. أما إلكترو، فمنذ البداية يبدو أقل حرفية، والآن، أقل أمانة وأدب حتى.





كنت قد تكلمت عن مدونة مشوقة في وقت قديم، تكتبها فتاة، والمدونة مستضافة في موقع جامعة الملك سعود، حيث أعمل. المدونة بمجملها تناقش أمور فكرية واجتماعية بطريقة ساخرة. ورغم استمتاعي بها بالبداية، وردي عليها بضع مرات، إلا أني وجدت بيئتها بالنهاية غير مناسبة لي، فهي متحيزة، كمواضيع ومتابعين(أو متابعات على الأصح) على وجه العموم، ضد الرجال، وحادة وعمياء في طرح وجهات النظر والتعاطي معها، خصوصاً من متابعة بغيضة هناك، أما الكاتبة، فهي متحيزة بلا خجل من الأمر، رغم أنها مؤدبة وذكية. ويبدو أن الدين ليس هماً كبيراً، ولا أقصد أن يكون الدين هماً لكل مدونة، ولكني شخصياً أجده علامة مريحة. لست أحب المدونات التي تركز كل اهتمامها على الأمور الدينية، فبعض المواقع تفي بالغرض، لكني أحب أن ارى اهتمام المدون بدينه، ولو عرضاً. ورغم أن الكاتبة تبدو عليها الطيبة عموماً، إلا أنه يبدو أنها تجد القسوة أمراً مبرراً تجاه الناس الذين يختلفون عنها بالتوجهات الفكرية، وهذا أمر يحزنني، ولم أجد أنه يمكنني إقناعها أو اقناع الناس هناك بخطأ الأمر بسبب اندفاعهم. كما أنها قاسية بسخريتها، قاسية بانتقادها، جداً، رغم لطفها تجاه من يرد في المدونة حتى لو خالفها الرأي، ولكن حينما تكون لطيفة تجاهك لأنك إنسان ماثل، تكون قاسية تجاه مرايا لأشخاص تتعاطف معهم ولو لم توافقهم تماماً.
ما أعادني إلى موضوع المدونة، هو رسالة تلقيتها قبل أيام من صاحبتها. مرت شهور طويلة جداً منذ أن قررت الابتعاد عن مدونتها قراءة ورداً. فوجئت بالأمر، إذ توقعت بأني كنت هم انزاح. كانت تقول بأنهم افتقدو ردودي، التي لم تكن كثيرة، وهذا ما جعلني أستغرب، وتتمنى أني بخير. واجهت مشكلة في كيفية الرد عليها، هل أشرح لها ماذا أبعدني؟ لم يبدو هذا صحيحاً، إذ سيكون قاسياً مقابل اهتمامها ولطفها، وعليه، استشرت أختي، فاقترحت أن لا أرد. هذا أيضاً بدا قاسياً، فكيف اهمل اهتمامها، بشخص لا تعرف إلا اسمه الأول، ولا تعرف مدونته؟ وهو أنا، سيكون هذا نذالة من طرفي، فكم تم تجاهلي، وكم شعرت بالحسرة والأسى تجاه الأمر، رغم أنها تبدو أقوى من هذه المشاعر، ولو أهملتها، فبالتأكيد لست بأهمية الناس الذين أهملوني، وعليه لن تتحسر، ولكن تظل قسوة. قررت أن لا آتي على ذكر سبب ابتعادي، إنما أشكرها فقط، وامتدح مدونتها. وهذه قسوة، ولكنها أفضل ما استطعت القيام به، فلست أحب ردود الناس علي بهذه الطريقة. هذا أفضل ما استطعته.



سعد الحوشان