سِجل المدونة

الثلاثاء، 28 يوليو 2009

ابتسامة السكرتيريزا(أحداث،أفكار،شيء من قصة)

بسم الله الرحمن الرحيم








ما أصغر الأشياء التي تستجلب الذكريات الكبيرة. قد تبدو أحياناً أشياء غير منطقية، ولكن، لها معنى في منطق عقلي لا يشرح. صوت غريب، ضحكة، كلمة لا علاقة لها بالذكرى، ولكن بشكل ما تستدعيها. إن نصف حياتي اليومية ذكريات، أو أكثر. إن اختفاء الناس الذين يعطون للأماكن معانيها، لا يثنيني عن زيارتها.



كنت اليوم في مصلى كلية الآداب. وقد أحضرت معي قارورة الماء، في جرابها القماشي الذي أستعمله كي لا تسخن. لم يكن من أشيائي حتى وقت قريب. في المدخل، دليت القارورة إلى جانب العمود ووضعتها. تذكرت تركي كل يوم للقارورة بجانب ذات العمود، بنفس الطريقة. ورغم مرور الكثيرين، إلا أنها لا تمس. فكرت بالصعود إلى الأعلى، حيث كانت الصولات والجولات، ولكن في الأعلى، سيكون الأمر أشد وطأة على النفس. لقد ذهبت اللغات، ولكن بقي المصلى، مصلى. وفي الأعلى، لم يعد مكان اللغات، صار مكان كلية غريبة، تعنى بالسياحة والآثار... آثار ماذا؟ أنا آثار، يمكنهم أن يَدرسوني ويُدرسوني، هل تبقى مني شيء؟.









كنت قد بدأت قصة، أردت نشرها هنا. وهي ليست الأولى، ومثل سابقتها، ليست مجرد قصة قصيرة، ومثل سابقتها، صارت في النهاية قصة مبتسرة، يتساءل المرء هل يصلى عليها قبل دفنها؟ عموماً، لا أشعر بعاطفة كبيرة تجاه هذه القصة، ربما لأنها في أمر لا يعنيني، ولا يشكل بالنسبة لي هماً. هي، ويا للعجب، وبالنظر للكاتب، تعنى بالشغف بالسيارات.

عموماً، هذا ما كتبته منها، ولا أنوي إكمالها.

إسمها: سوبارو502



بسم الله الرحمن الرحيم





لم تكن السرعة، ولا فن القيادة، هي أكبر همومه الحياتية، ولكنها كانت موهبة، وكانت تشبع رغبته بالانجاز بشكل ما. لم يحصر حياته عليها، رغم ما يتخيله الناظر إلى حياته المهنية إن جاز القول. هل يمكننا أن ندعو شيء لا يتكسب المرء منه مهنة؟ إن المؤلفون هنا لا يكسبون من كتابتهم شيئا، ولهم وظائف أخرى غير التأليف، وعليه، لا نسمي التأليف مهنتهم. رغم ذلك، يكسب المؤلفون في العالم من الكتابة، ويعتاشون منها، وقد يثرون من خلفها كذلك، ولهذا يدعونها مهنتهم. إن الأمر يتشابه، الكل يقوم بنفس الشيء، ولكن، من يقرر مهنية الشيء وفائدته هو المجتمع. إنه كالمؤلف، بجرة إطارات السوبارو في الطريق، وكل مؤلفاته كتبت على شوارع الرياض. لقد يسرت له بشكل عجيب كل أسباب ممارسة هوايته. فهو شجاع لا يهاب، وواثق لا يهتز، وله أصدقاء، ليسوا نافذون تماماً، ولكنهم يستقبلونه حين تسوء الأمور، وهي تسوء في لحظات، في كل مرة تقريباً. إنه لا يخاف الشرطة ولا المرور، الذين اتفقا على مطاردته، فهم ليسوا بند له، لا أحد يقود سيارة هو ند له، وهو لا يبحث أصلاً عن منافسين.


لا أحد يعرف إسمه من معجبيه، ولا حتى شكل وجهه. وقد حضهم بإلهامه أن يبدعو بدورهم، أو يحاولوا على الأقل، كما تقرأون هنا. راح بعضهم يرسم صور متخيلة له، والبعض يؤلف القصائد، والبعض ينسج القصص، وآخرين يحترفون الشائعات والتشويه والإهانة. وحينما تقول بأن لديه معجبين، فأنت لا تتحدث عن نوعية الإعجاب المألوفة في عالم السيارات هنا. فمن جهة، هو مختلف، فهو غير مفحط، وغير باحث عن الشهرة لذاته، ومن جهة أخرى، أصبح هذا الإنسان ظاهرة في المجتمع، يهتم الجميع السائم باخبارها وتمردها. إن الجرائد تبحث عنه، وتنتقد الأمن بسببه، وتدرس تداعيات ظاهرته الإجتماعية، وقد أثار وجوده ومواقفه جدلاً مشتعلاً، وذكر في خطب الجمعة، وحكت عنه جريدة اللوموند وهي تناقش ظاهرة عشق السيارات لدى السعوديون. يسمونه الناس صاحب السوبارو، ولكن اسمه ببساطة: سليمان، وهو ما لا يعرفونه.




كان سليمان في الثامنة والعشرين من عمره، ولكنه يبدو أصغر أحياناً. تخرج من الجامعة، فكانت معونة أهله له هي شراء سيارة جديدة. ولأنه توظف سريعاً، قرر شراء سيارة مختلفة، ولو كانت غالية، بحيث يدفع جزء من معونة أهله، والجزء الآخر يقترضه من المصرف. المهم أن يحصل على ما يريد، ليس أقل ولا أكثر. ولكن، ماذا يريد؟ احتار كثيراً في الأمر، لم يرد تويوتا ولا فورد، ولا نيسان. كان تفكيره يرتكز على سيارة أوروبية مرفهة وجميلة، ذات شكل غير مألوف. توجه إلى سيات، كانت سياراتها جميلة حقاً، ولكنها من الداخل غير مرفهة، كما أنه خاف من توفر قطع الغيار، وعلم أن قطع الغيار والصيانة ستكون مشكلته وتضحيته إذا ما اختار سيارة أوروبية. إذا لتكن ستروين. كانت سيارات جميلة تلك السيارات، أنيقة جداً، وذات مميزات مذهلة من الداخل والخارج. ولكن، لاحظ بأنه على الطريق، يزول الانطباع الذي تتركه الستروين على المشاهد حالما تختفي السيارة عن ناظريه لسبب مجهول. كان يريد لفت الانتباه ولا يخجل من هذا، لأنه يريد لفت الانتباه بشكل مختلف عن رؤية المجتمع للفت الانتباه، كان يريد أن يعطي انطباع عن شخصيته بلفته للانتباه، لا عن ثروته أو سطحيته. لا أمل من فولكس ويجن، فهي جامدة ومملة، ليس كما كانت. كانت هناك فيات، ولكنها لا تباع هنا للأسف. ميني كوبر جميلة، ولكنها انتشرت، وفضلاً عن انتشارها، كان مقتنوها هنا مشكلة، فهم قوم مشبوهون، ومما زاد الطين بله، إنه يكره البريطانيين. ساب السويدية جديرة بالاهتمام، اجدر من فولفو الأشهر. مع ذلك، كان ساب تعاني من مشاكلة كشركة، وبدت سياراتها حينما دقق فيها النظر مترهلة، تكاد أن تتفكك، ولم يحب أن يتأكد، فطالما تركت لديه هذا الانطباع، فلا يهم ما تتركه في نفوس الناس. رينو؟ سيارات جميلة، بعضها يبدو رخيصاُ على نحو مفرط، ولكن كانت سياراتها المتوسطة مبدعة حقاً، خصوصاً لاجونا، حملت الطابع الفرنسي المتقن والمرهف في الأمور، ليس بالغ الرهافة، ولكنه واقعي الرهافة، ويدخل القلب هكذا، وهو لا يبدو مفتعلاً، لا يختلف عن باقي صنعة الفرنسيون وطابعها الجميل. لم تكن السيارة منتشرة كثيراً، واطلع على بعض الانطباعات التي امتدحتها. وحينما يراها متوقفة، كان ينتظر أصحابها ليخبروه عنها، وقد وجدهم جميعاً لطفاء على نحو غريب وموحد، ولا عجب، فهم كلهم لبنانيون. إنهم يسرقون البريق هكذا، لرجل سعودي يشتري سيارة مميزة، كما قد يسرق السعودي البريق من لبناني، حينما يحاول الأخير شراء شراء لاندكروزر أو شاص. كانت خسارة، ولكن، لم يجد خياراً.
 
انتهت، أو انتهى ما قدر لها من طول.
 


 
جائني موظف مصري، وسألني إن كنت أخ المهندس فلان؟. أخبرته بأننا لسنا أقارب. أنا أعرف الاسم جيداً، وقد شد الشخص انتباهي كثيراً لحضوره المكثف في رسالة الجامعة، وربما جريدة الرياض، ولكني نسيت شكله، أو لم أشعر بالتمييز بينه وبين موظف بارز في الجريدة. رأيته بعد قليل، وقال بأني أخ المهندس فلان، ولكني لا أريد أن أقول. أقسمت له بأننا لسنا أقارب. وفي تلك اللحظة، كنت قد ولجت الانترنت وبحثت في موضوع هذا الفلان، ووجدت عدد مهول من الروابط لأجله، ولكني بحثت بالصور ووجدت كذلك العديد منها، ولم أجد شبه حقيقي بيني وبينه. ربما لنا نفس الدرجة اللونية، وحتى هذا أشك فيه. تكلم لي عن الرجل، وأنه شخص طيب ورائع، وأنه صديقه. قلت: طيب، قل له اخوك بالشبه يسلم عليك. حينما أراد أن يذهب سألني عن اسمي. قلت سعد. قال الفلان؟ قلت لا، الحوشان. إن الشبه قد يكون انطباعياً أحياناً، وهذا ما لا يدركه الكثير من الناس، وأحياناً يدركون قضاياه مع الوقت. من يدري، لعلنا نتشابه بشكل ما. بالواقع، الشبه الانطباعي من أكثر الأشياء التي تثير اهتمامي.











حصلت مفاجئة حلوة اليوم. لقد جاء مديري الدكتور العزيز السابق، أقصد مديري في الوزارة قبل أن أعود إلى مكاني. جاء إلى عمادتنا ليحصل على ورقة، وبنفس الوقت ليأخذ تلك الورقة التي تكفلت بمتابعتها حتى انتهت من أجله.سلمت عليه مصافحة، وسألنا بعضنا عن الحال. ذهبت إلى مكتبي الخالي لأحضر له ورقته. كان يقف في مدخل الاستقبال، قريباً من مكتب مديري العزيز الحالي. فوقفت بباب مكتب مديري قبل أن أعطيه ورقته، وأخبرته بأن مديري الدكتور في الوزارة هنا، وأني أود لو سلم عليه. ابتسم مديري وخرج من مكتبه. وتصافح الرجلان، وتبادلا المجاملات. وقال مديري في الوزارة أني كنت من خيرة موظفيهم، ولكني رفضت البقاء. رد مديري الحالي بأنهم يعرفونني من قبل، وامتدحني. بعد السؤال عن الحال والتعارف، ودعنا مديري السابق، ومضى. نظرت إليه وهو يمضي. خطر في بالي الدكتور المشرف، هذاك، لن يحضر أبداً إلى هنا. أعتقد بأني لن أراه أبداً. كم هذا مؤسف، رغم أني لم أعرفه بقدر ما عرفت مديري الدكتور المباشر.








أحاول تنسيق أمري لإكمال دراستي، ولكن الوضع أعقد مما توقعت. إني لدي شروطي ومتطلباتي، لأني حريص على الأمر وشغوف به. لا أستطيع الإكمال في جامعتي، الملك سعود، لأني لا أعتقد بجودة مستواها، خصوصاً مع عميد إدارة الأعمال الحالي. ولا مانع لدي عن الدراسة في جامعة أهلية هنا، بل هذا ما أفضل في ظل الظروف. ولكن، ليس في جامعة الأمير سلطان. أما جامعة اليمامة، فيبدو أنها تعطي برنامج مختلف في ماجستير إدارة الأعمال، يستهدف من يعملون بهذا الحقل بالفعل على ما يبدو. جامعة دار العلوم الجديدة، التي راسلت مديرها الغريب عبر موقعه، أخبروني اليوم في الهاتف أن البرنامج قد يبدأ بعد سنة... وكانوا قد أهملوا رسائلي إليهم عبر البريد، مما أعطاني تصور مختلف عنهم. أنا متحمس للدراسة هناك، فقد يدرسني مديرها مادة، حيث أن تخصصه يناسب ميولي بشدة، وربما هو ما أريد دراسته بالفعل، ولكنه غير موجود في السعودية على شكل ماجستير للأسف. صحيح أن شخصية هذا المدير،،، لا أدري، ولكن لا يهمني، أعتقد بأنه سيكون مفيداً، حيث أن موقعه مفيد. الراجحي سيبدأ جامعته في العام المقبل، ولا أتصور بأنه سيقدم الماجستير في أول سنة، رغم أنه يولي عناية خاصة إلى جامعته على ما يبدو. هي بالقصيم، البكيرية، وربما أمكن تنسيق حضور الطلاب من مناطق أخرى كما يجري في البحرين. لا يمكنني الدراسة بالخارج، وهذا ما يصعب على بعض الناس فهمه. جاء اليوم دكتور جنسيته استرالية وأصوله باكستانية، وهو ودود جداً، ومتحمس لإعطائي فكرة عن الدراسة في استراليا، سمعت لشرحه، وأخبرته بأني لا أستطيع الخروج للدراسة على الأغلب الأعم. ولكن، هذا لم يقلل من اهتمامه بالمساعدة وعرض الخبرات والاستشارة من أجلي حتى. لو فكرت بالدراسة في أحد دول الخليج، ولو كان هذا ممكناً من حيث تقسيم الوقت كالانتساب، سأواجه صعوبة كبيرة بالمصاريف. وإلا، فإنه يوجد تخصص آخر يهمني جداً في جامعة زايد في الامارات.
برنامج اليمامة حتى مرهق مادياً، لكن لا بأس إن كان على دفعات معقولة.








كنت أسعى في أمر يخص أخي الكبير في الجامعة، وكان الأمر قد تأخر كثيراً. ومع الكثير من التردد، شارف الأمر على نهايته أخيراً في مكتب مدير الجامعة. هناك، يوجد موظف شهير، وهو آمر ناهي في المكان. كنت قد كلمته عدة مرات سابقاً، حينما رفعت شكوى لم يجري عليها شيء، بطبيعة الحال، إلى مدير الجامعة، بخصوص دكتورين خسيسين. وبشكل غريب، كان هذا الموظف كثيراً ما يصمت حينما أدخل عليه، وأقول ما لدي بهدوء، ويتأملني "برواقة" ثم يبتسم ابتسامة مفاجئة، واسعة، ليست لي بشكل واضح، وكأنما هي علي، جريئة وكأني حتى لا أراه، رغم أني لا أستطيع أن أضع يدي على ما يضحكه. حينما دخلت في آخر مرة منذ أيام، كلمته عن معاملة أخي، وبدا أنه غير متأكد من شيء سوا أنه وقعها من المدير، ولكن لا يدري أين أودعها أو لمن أعطاها. كنت أكلمه بهدوء أكثر من المعتاد، إذ كان نفسي مقطوعاً أصلاً لأني كنت أجري تقريباً، وحاولت أن لا أبين إنقطاع نفسي. لم يبدو أنه لاحظ. ولكن بعد لحظة، سكت وتأملني بشكل غريب، ولأني أعلم، انتظرت الابتسامة الغريبة الواسعة، فحدثت. تساءلت بنفسي، ما الطريف الذي يجده بي؟ حيث يبدو أنه كلما رآني وكأنما قرأ نكتة، رغم محاولتي الظهور بأقصى ما أستطيع من رسمية. فاجئني بسؤاله، إن كنت أعمل معهم؟ أخبرته بأني أعمل معهم، ولكن ليس في القسم الذي أرسلني لسؤاله. أعادني للقسم، ثم أعادني القسم إليه. أخبرته بأن المعاملة لم تأتي إليهم. وقف ليبحث بالأدراج، ولكنه ما لبث إلا أن توقف فجأة، والتفت يتأملني، لا يتواصل بصرياً، ولكن ينظر إلي وكأني جماد، ثم عاد وابتسم تلك الابتسامة اللغز. سألني في أي قسم أعمل؟ أخبرته بأني مترجم في القسم الفلاني. بحث عن المعاملة فوجدها على المكتب تحت معاملة أخرى. مدها إلي وطلب مني إعطاءها للموظف بالخارج ليعطيها رقماً. شكرته وخرجت من مكتبه. ولكنه لحق بي، أو خرج معي على الأصح، وأخذ المعاملة مني ودخل بها على موظفين تحته، ولما منحوها رقماً خرج وأعطاني إياها، ثم تردد، أخبرته بأني أريد صورة فقط، فقال بأن هذا ممنوع، وأخذها مني. لم أعترض. غير رأيه، وطلب مني أنه أعده أن لا أصورها إلا إذا سمح لي القسم المعني، فوعدته. مشى إلى جانبي قليلاً ومعه المعاملة، ثم توقف ونظر إلي. توقفت وعلمت بأنه يريد أن يقرأ النكتة مرة أخرى. توقفت بهدوء وصمت، وتركته يتأمل ملئ عينيه، نظر إلى وجهي ودارت عينيه فيه، ولم أشعر بالضيق، فعلى الأقل، يبدو حسن النية من جهة أنه ليس من النوع الذي قد يخرج السخرية خارج نفسه. لما اكتفى، ابتسم بقوة وكأني لا أراه، وأعطاني المعاملة ثم مشى. وفي طريقي للخروج مشى معي وقال بأنه يتعامل معي بالثقة، فيجب أن لا أصور المعاملة، أكدت له أني لن أفعل بدون اذن القسم المعني، وكاد أن يخرج معي من القسم لولا أنه انتبه فجأة وعاد أدراجه من عند الباب. في كل مرة كان هذا هو الوضع معه. لا أحد بالعادة يجد شكلي طريفاً، أو يبتسم بهذه الفجاجة، فلا موقف يذكر قد حصل لأقول بأنه ما يضحكه. كذلك، أتصور بأنه في كل مرة، يحسب بأنه لأول مرة يراني. ومن يعمل في مكتب مدير الجامعة أو الوزير، لا يتذكر الناس.
ذكرني هذا الرجل بابتسامات شخص عزيز، كنت في نزاع معه في لحظة من تاريخي، وكان يصمت بعدما يقول شيئاً، ويتأمل كياني المهزوز، الغاضب، المحترق، ثم يبتسم بغرابة، وكأنما يرد باله فكرة لا يريد أن يفصح عنها، فكرة لا تتعلق بالنزاع، وكأنما في لحظات ابتسامه، يناقش موضوع آخر يخصني بصمت، موضوع عني، ولكن لن أعرف ما هو أبداً. كم كنت مثيراً للشفقة والازدراء في نفس الوقت، في ذلك اليوم...





إني أجمع المال حالياً وأخطط للسفر في شهر اكتوبر أو نوفمبر مع أمي. في بلاد العالم المشهورة يكون الوقت شتاء في ذلك الحين، ولكني أخطط، إن كتب الله، أن أذهب بأمي إلى نيوزيلاندا. وهي تقع في جنوب الكرة الأرضية، حيث يكون الفصل في ذلك التاريخ ربيعاً. نيوزيلاندا بلد جميل، في نهاية العالم شرقاً، بعد استراليا. سمعت بأن أهله طيبون، حسن تعاملهم مع الناس. وقد قال لي شخص استرالي بأنه يلائمني كشخص، فهو بسيط وجميل وهادئ، وأنا أحب الهدوء. أمي تحتاج إلى السفر إلى مكان كهذا برأيي. لا أود أن أتنقل بها إلى العديد من الأماكن هناك. ربما نكتفي بجولة بقطار الترانزالبين، وهو شهر عالمياً بسبب المناظر التي يمر بها، ثم نستقر في مكان أخضر وريفي، حيث نتمشى فقط بالسهول، ونرى الأغنام التي نحب. المشكلة الكبرى في الأمر هي موافقة أمي. التي تسايرني، وتشد وترخي في الأمر، وكأنما تود خداعي في النهاية كالعادة، وتقول لا بطريقتها الأوبرالية. ساعتها، سأحزن حقاً. إنها أمنية أن نسافر معاً لوحدنا، أنا وأمي. ما أجمل مجالستها، ما أجمل حكيها، وكيف سيكون بلا مقاطعة، وبلا هم، وبلا حظ سيء ومنكدين.
لماذا نيوزيلاندا؟ رأيت الكثير من الصور عنها، وقرأت الكثير عنها، بالإضافة، حينما كنت صغيراً، كنت أرى دعاية لحليب من نيوزيلندا، حينما ينهمر المطر على الأرض الخضراء، والحيوانات ترعى، ورجل يبتسم بهدوء وسعادة وهو ينظر إلى السماء. كانت الأرض خضراء، تميل إلى السواد. قبل سنوات، وضعت عرضاً للمراسلة في موقع للتواصل. وردتني رسالة اهتمام من امرأة يابانية في أربعيناتها. تواصلنا بالرسائل، وقد كانت متحفظة، ولكن مهتمة جداً بالتعرف على ثقافتنا. كان الأمر ممتعاً، حيث كانت امرأة محترمة، محتشمة في كلامها، راقية باهتماماتها. وكان من ضمن اهتماماتها السفر. طافت العالم. سألتها ذات مرة، لو أردت رؤية الطبيعة الجميلة، أين أذهب؟ قالت؛ إذا أردت الطبيعة الجميلة، اذهب إلى أحد بلدين، إما سويسرا، أو كندا. سويسرا شهيرة بجبال الألب، وطيب العيش. ولكن كندا؟ كان شيء جديد علي، لم أحسب بأنها استثنائية تلك البلاد. كنت أفكر بأنها تشبه أمريكا. أنا أثق برأي تلك المرأة، وكانت تضع كندا في صف سويسرا. في كندا، يوجد فرصة لرؤية الطيور الطنانة، الثيران الأمريكية، والحوت القاتل، المسمى الأوركا. وهذه كلها حيوانات أحبها جداً. ولكن، لا يساوي الأمر التعب لأخذ والدتي إلى هناك، خصوصاً إجراءات الفيزا، والتوقيت السيء، حيث سيكون هناك فصل الشتاء، وتكاليف المعيشة، وكذلك، لا أدري... إن الذهاب إلى هناك لا يشعرني بالراحة حالياً. أحياناً أتمنى لو كنت قد سألت تلك المرأة عن نيوزيلاندا، ولكن، لم تكن هذه البلاد تخطر على بالي أبداً.


زميلي في الكلية، وفي الجامعة كموظف الآن، أخبرني بأن شخص أجنبي اصطدم بخلفية السيارة التي يقودها. وكان الخطأ على الأجنبي، وهو سوري. كنا نمشي في ممشى الملك عبدالله، لأول مرة أمشي معه، حيث كان الوعد الذي تأجل كثيراً هو اللقاء لأساعده ببعض أمور حاسبه الجديد. أخبرني بأنه سيسامح السوري، وسيعيد إليه الرهن. اتفق مع السوري على الحضور هناك في الممشى، وأخبرني بأن السوري يعمل في الحميضي، وهي سلسلة محلات شهيرة تختص بالساعات الأصلية والغالية. أخبره السوري بأن يتصل عليه متى جاءوا أهله إلى المحل، ليقدم خصومات ضخمة لهم كرد للمعروف، وأشار إلي مازحاً وقال: وأنت كمان. حينما ذهب السوري، تذكرت فجأة تلك الساعة الأمنية، كونينو لمبورقيني، وأنيت بأسى حينما لم أسأله عنها، فربما تدبر لي خصم جيد لهذه الساعة الغالية. كانت تكلف حوالي 4000 ريال. وجدت من يستوردها ويبيعها بلا ضمان بحوالي ثلث السعر أو أقل، ولكن فضلاً عن أنه لم يجلب اللون الرياضي الأحمر كما في الصورة، وهو ما لا يمكن أن آخذ غيره، كانت قد انتهت من عنده حينما اتصلت. لست أحب الساعات التي تعمل بشكل تقليدي بالعادة، ولكن هذه،،،""










كان زميلي بالعمل يحكي لي عن أنشطته بالانترنت. وماذا يسمي نفسه مؤقتاً في المحادثات. يسمي نفسه: ملح وفلفل، أو شيء من هذا القبيل. خطر في بالي مباشرة تسمية المدونة. كانت فكرته ملهمة. فكرت باسم على نفس النمط، ولكنه يعبر عن فكرة، لأطلقه على مدونتي. وجدت: خبز وجبن. قد يبدو عنواناً سخيفاً، ولكن تقع خلفه فلسفة. إني كنت أفكر دائما، بشكل مجازي، بأن الراتب سيكفي طالما يبقي الخبز والجبن في المنزل. والخبز والجبن سيكفيان المرء ليعيش كذلك، رغم بساطتهما. أما لماذا خبز وجبن، وليس خبز فقط؟ فلسبب قد لا يهضمه الكثيرين، أو أكثر من سبب. في القديم، كان الناس يأكلون الخبز، كمصدر وحيد غالباً للعيش، وإن كان مخلوطاً بمكونات مختلفة، ولكنه يظل خبزاً، ولكن، هذا غير عصري، فلا أحد يعيش حالياً على الخبز وحده، فحينما يريد أن يعبر أحدهم عن الكفاف، فإنه يعبر عنه بالخبز والجبن، وعليه، الخبز والجبن أصدق لعصرنا، لمجرد لعيش وكما أقول دائماً، أنا عايش، رغم كل شيء، للأفضل أو للأسوأ. بالإضافة إلى أن ذكر الخبز وحده كعنوان يشبه التظاهر، لا أدري كيف أعرف التحذلق تماماً رغم أني أعتقد بأني أفهمه، ولكن، أعتقد بأن تسمية المدونة: خبز، سيكون مثال على التحذلق، عكس: خبز وجبن، لأن التسمية الأخيرة لا تخلو من سخف، وأبعادها خفية على من لا يفكر. كما أني أحب الجبن جداً، والخبز بطبيعة الحال لا غنى عنه. للأسف أني لم أعد آكل هذا الطعم منذ فترة طويلة، رغم اشتهائي له.
سأفكر كثيراً بهذا العنوان، والاحتمال الأكبر أني سأطلقه على المدونة. وهذا يعطيني أمل بإيجاد عنوان للرواية، وهو موضوع يؤرقني أكثر من عنوان المدونة بكثير. فالعنوان الذي خلصت إليه لم يقنعني.











أقرأ حالياً رواية: عزازيل. كما ذكرت في مدونتي المصغرة. وهي رواية نالت جائزة الرواية العربية التي أقيمت مسابقتها في أبو ظبي قبل فترة. لست أحب قراءة ما يكتبه العرب، وفي كل مرة أعطيهم فرصة، يخيب ظني وأندم على الوقت الذي ضاع. هذه المرة، حينما رأيت الكتاب في جرير، فكرت بأن أعطيهم فرصة طالما احتفلوا بهذا الكتاب، بالإضافة إلى أني لم أتوقع نزوله بسرعة. اشتريت الكتاب، ووجدته جيداً حتى الآن على الأقل. لا أريد أن أحكم وأتحدث أكثر قبل إنهاء الكتاب، ولم يبق الكثير عموماً.










الصورة في قمة الموضوع، هي صورة ثريا مما يعلق بسقوف الجامعة، يفترض بأن تبدو عصرية، ولكنها بصراحة غريبة، وليست جميلة جداً. مع ذلك، أحبها. التقطتها من فوق الجسر المؤدي إلى كلية السياحة والآثار، حيث سادت ذات يوم كلية اللغات والترجمة، حيث تخرجت، وجرت أمور كثيرة. عدلتها كذلك. التعديل ممتع.








سعد الحوشان

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ما رأيك بالقول؟