سِجل المدونة

الجمعة، 15 أبريل 2016

قبل أن تجهض الدنيا الوعود (المعتاد،قصائد،حوارات،متحف)

بسم الله الرحمن الرحيم












ما هي قيمة المبادئ؟ هل يوجد فرق بين قيمة المبادئ الشخصية، وبين المبادئ المشتركة المتفق عليها؟، هل المبادئ الشخصية قابلة دائماً وفي كل مرة لإعادة النظر؟ للمقايضة؟.
قد يبدو أن المواقف المبدأية تشكل معضلة أحياناً في علاقات المرء، هذا ما بدأت أوقن به في السنوات الأخيرة، حتى ذروة اليقين، الآن.

لذلك، أحاول دائماً تفادي ما قد يسبب الإصطدام، أبحث عن الاتفاق والحياد قبل أي شيء آخر.
مع ذلك، أجد نفسي أحياناً في مواقف تتطلب مني تنازلات من النوعية التي لا نية لدي لتقديمها. أحياناً تنازلات سخيفة واعتباطية لا مبرر لها، وضررها أكبر من نفعها. وأحياناً، التنازلات المطلوبة تكون أكثر جوهرية، أكثر جدية، والثمن قد يكون أعلى كذلك.
آخر هذه المواقف هو ما حدث مؤخراً، للأسف. لم يكن لدي أي توقعات لما سأواجه في ذلك اليوم.

تلقيت رسالة من طبيب والدتي سابقاً، الألماني، وهو قادم إلى الرياض، يسأل إن كان بإمكاني أن أراه، قبل أن يغادر في إجازة إلى ألمانيا. سعدت بهذا، إذ لم أتوقع منه هذه المبادرة صدقاً، رغم إيجابية اللقاء الأخير. إنه لديه الكثير من الأصدقاء الأكثر إثارة للاهتمام في الرياض. اتفقنا على اللقاء في الغد.
ذهبت إليه في الفندق الفخم في الصباح، وكانت نهاية الأسبوع، واستقبلني جيداً في صالة الفندق. بدأ يتحدث مباشرة وبحماس، أشعرني بأن ما يقوله بتسارع أشبه ما يكون بطلقات الرصاص، عن رائف بدوي، والحكم عليه الذي لم يعجب الدكتور، والجائزة التي استلمتها عنه زوجته مؤخراً في أوروبا. كان حماسه وثقته لا يخلوان من انتقاد صفيق ومتعالٍ، كشأن الغربيين بالعادة.
أوضحت له بأن من يقوم بشيء فليتحمل مسؤوليته، لقد قام بأمر يعلم بأنه غير مقبول، ولم يجبره أحد. تكلم الطبيب عن حرية التعبير، فسألته إن كان يمكنني الذهاب إلى ألمانيا وتمجيد هتلر؟، لم يكن هذا ممكنا دون عقاب بطريقة ما. أخبرته بأن هناك نفاق يفقدهم المصداقية، فلو لم يكن رائف بدوي يقول ما يروقهم، لما هبوا للدفاع عنه بإسم حرية الرأي؛ حيث يوجد شيخ محترم هنا، اعترض على الاختلاط في جامعة الملك عبدالله، وقال وجهة نظره المبدأية، فتم طرده من منصبه، هل قال أحدهم أي شيء حول حرية الرأي؟ إنه لو حدث أي شيء لأي أحد يخالفهم الرأي، ولو كان ما يحدث له هو ضد مبادئهم المزعومة، فإنهم أول من سيرقص على معاناته.

أخبرته بأنهم لا يتحدثون عن العنصرية والتفرقة واللؤم في بلادهم، فقال بأن ألمانيا تعلمت هذا الدرس بعد مقتل ستة ملايين يهودي لديهم، فقلت هذه مشكلة أخرى، إنهم ينصاعون لمن يمكن أن يفضحهم، وليس كل من عانى بصدق من أفعالهم أياً كان، فالكل يعلم بأنه ليس اليهود فقط من تم تعذيبهم وقتلهم، فالغجر أيضاً مروا بنفس المعاناة والإبادة، فلماذا لا يفعلون لهم ما يفعلونه لأجل اليهود؟. قال بأن هذه مشكلة، الانصياع لمن يملك المال والتأثير، فقلت إذاً أنت يعلم بأن المبادئ لا شأن لها بالأمر.
كان نقاش طويل جداً، أوضحت له فيه بأن المسألة تتعلق بالمنظور تجاه الأشياء، وأنهم لن يستطيعوا فرض ما يعتقدوه علينا، حتى لو عدنا إلى ركوب الجمال. يبدو لي أنه كان مصدومًا بكوني أتجه للمقارنة بيننا وبينهم، إذ يبدو أنه تعود على أشخاص إما يوافقوه الرأي، أو يتخذون الموقف الدفاعي والتبريري. أخبرته بوضوح بأن الغرب حينما يعبر عن غضبه، أعلم تلقائيًا بأننا قمنا بأمر صحيح، وكان قولي هذا صادم له كذلك.
تشعب الحديث حتى وجدت أنه ليستطيع الفهم، يجب أن يفهم الفوارق الحضارية بيننا وبينهم، قبل أن يصدق المحاضرات التي يسمعها ويمليها علينا هنا. أخبرته بأننا حينما خرجنا من جزيرة العرب، لم نُبد أحداً، ولم ندمر حضارة، بينما الأوروبيين حينما دخلوا القارتين الأمريكيتين أبادوا شعوباً ودمروا حضارات، لهذا؛ الفارق حضاري بالأساس، ولن يتغير الأمر. بدا أن هذه المقارنة ضايقته بشدة، وقد احمر وجهه وأقطب حاجبيه، لكنها الحقيقة، ولكنه كان يبدو كمن يلاحظ هذا لأول مرة.
كان يلجأ بين لحظة وأخرى إلى التباكي على ماضينا، وأين أصبحنا، لكني كنت أوضح بأن هذا بالنهاية شأننا الخاص، والحل يجب أن ينبع من الداخل، كما كنت أقول من البداية، وليس بإملائهم علينا كيف نحيا وكيف نفكر.
احتج بأنه يقيم هنا، لكني أعتقد بأنه ليس من شأنه التعليق على ما يجري، قلت بأنه ها هو يعلق على أي حال، لكني لدي ما أقوله أيضاً، فلماذا يتضايق؟.
تحدثت عن نفاق الغرب، وازدواجية رؤيته، وتساءلت لماذا لا أحد يقول أي شيء عن السكان الأصليين في أمريكا، وأحوالهم المزرية؟، ضحك بإحراج، وقال بأنه لا يمكن لأحد أن يقول لك شيئاً حينما تكون الأقوى، قلت لهذا لا يهم ما تقولونه عن الآخرين، وأضفت أنهم بالواقع يسمحون لأنفسهم بالتصرف بمنطق الجرذان، إذا ما انجرح وضعف أحدها أكلته البقية.
ثم تحدثت عما يجري في صحافتهم من تدمير لحياة الناس في شئونها الخاصة، مثل نشر صور خاصة لزوجة الرئيس السابق هناك، دون موافقتها. قال بأنها لا تستحق تعاطفي، فقلت بأني أحدثه عن المبدأ، شيء كهذا غير مقبول لدينا أبداً، لكن هل جئنا لنخبرهم بأن يتوقفوا عنه؟ لا، هل جئنا لنخبرهم بأن لا يزوجوا الرجال ببعضهم، أو أن يجمعوا بناتهم من الشوارع قبل أن يحملن، ولا يُعرف من الوالد؟، هذا شأنهم، كان وجهه قد احمر وبدا عليه التوتر والغضب، لكنها كانت الحقيقة، فلم يقل شيئاً.

كنا في كل مرة نتوقف لنغير الموضوع، لأنه كان يتوتر كثيراً، لكنه كان سرعان ما يعود إليه بمرارة واضحة ليعلق على شيء، بعدما يقول بأنه يعلم بأني سأنتقد مجتمعه، حيث أسأله عن سبب حساسيته تجاه النقد، هل هو يريد أن ينتقدنا فقط؟. كنت أصر على أن مشاكلنا هي التي نراها مشاكلًا بأنفسنا، وليست ما يرى الآخرين، كما أن حلها من الداخل، وبالسرعة التي تلائمنا، وليس على حسب خطة أي أحد بالخارج أو توجيهه، فلم أكن أناقشها معه أساسًا، فأنا أخبره بأنها ليست شأنه بالواقع.
تكلم عن حقوق الإنسان، فسألته من صاغ حقوق الإنسان؟ الغرب؟ المتغربين والمتبنين لنفس المبادئ؟ لقد صاغ الغرب كل شيء ليكون في صالحه؛ أنظر إلى الأثار التي تملأ متاحفكم، لقد صغتوا الإتفاقيات حتى لا تعيدوا ما سرقتوا إلى أهله، لقد وضعتوا التاريخ الذي يلائمكم في اتفاقيات الآثار حتى لا تعيدوها، وقد فصلتم حقوق الإنسان على مقاسكم كذلك، حتى تتيحوا لأنفسكم التدخل في شئون الآخرين وتخريب ثقافاتهم. أوضحت بأنه ليس كل العالم يريد أن يكون غربياً، أنا لا أريد أن أكون غربياً، وأنهم يغربون العالم ويفرضون رؤيتهم عليه، وكأنهم هم فقط المثال الذي يجب أن يحتذى، رغم كل غلطاتهم وجرائمهم المستمرة تجاه الشعوب الأخرى.
قال قرب النهاية بأني يمكنني قول ما أشاء الآن، لكنه يعتقد أن المشكلة سأراها حينما يكون لدي أولاد، وأن المستقبل لن يكون جيداً. قلت أتريدني أن أخبرك عن مستقبلك؟ إن أحد أحفادك قد يصبح شاذاً، وسيتزوج رجلاً، ويدعوك إلى العرس، فأرسل لي صورة وجهك في تلك المناسبة. لم يكن لديه ما يقول، فقلب وجهه حول المكان بتوتر، وقد احتقن حمرة رغم ابتسامة مغصوبة، سوى أنه قال بعد برهة بأن هذا الأمر ليس اختيارياً، قال هذا بصبر وبإحراج حاول أن يخفيه ففشل، قلت بأني لا أناقشه حول هذا الأمر الآن، إنما عن الزواج، تزوجون الرجال بعضهم ببعض؟. لم يكن لديه رد.
كان يقول بأننا نعتمد على صناعة الغرب بكل شيء، قلت بأن الغرب يعتمد على نفطنا، فنحن نشتري هذه الأشياء بنفطنا.
قرر تغيير الموضوع، وتكلم عن أمور مختلفة، عن العمل وخلافه، ثم عاد يقول عن الأشياء حولنا: ما أجمل هذا الشيء الغربي! أو ذاك الشيء الغربي، بنبرة ساخرة. سألته بهدوء لماذا يشعر بالمرارة من نقاشنا هكذا؟ إنها وجهات نظر تبادلناها، ولا يحتاج إلى أن يلوك الأمر كما يفعل، وانه لو كان يريد أن يفهم الناس هنا لما تصرف هكذا. واستطردت بصدق بأنه كان دائمًا هكذا بالواقع، إنه يريد أن يحاضر على الناس، ويعلمهم كيف يفكرون، أني لطالما لاحظت هذا منذ أن تطوعت للترجمة معه قبل سنوات؛ إنه لا يريد أن يتعلم شيء عن الناس ومنهم، إنه فقط يريد أن يعلمهم كيف يعيشون وكيف يفكرون، وحينما يطرح سؤالاً، يكون غرضه فقط إقامة الحجة على الآخرين، دون أن يفكر فعلاً بما يقولون إذ قد يتفهمهم، وهذا أمر سيء، لا تستقيم الحياة هكذا. سكتْ لأعطيه الفرصة ليفكر، بدا أنه أُخذ بما قلت، فصَمَتَ يتفكر، وهو أمر نادر الحدوث لديه حسبما لاحظت. أعقبت لما لم يتكلم لفترة طالت: هل تعتقد أن الناس هنا يوافقوك على كل ما تقول ويقتنعون؟ إنهم لا يفعلون، إنها مسألة ثقافية؛ إنهم يوافقوك ولا يجادلوك لأنهم يحترموك فقط، وليس عن اقتناع، فحينما تتحدث عن أمور مثيرة للجدل ومضادة للثقافة، ويقولون بأنك محق دون المزيد من التعليق، على الأغلب أنهم يفكرون: دعه يقول ما يريد. هذا نوع من الإحترام والتهذيب هنا، إن الناس هنا لا يتوقفون عند كل كلمة يقولها شخص قد لا يفهمهم أو قد لا يريد، وربما لهذا أنا أصطدم مع الغربيين، لأني أقول رأيي ببساطة، ولهذا يتخلى عني أصدقائي الغربيين كما أخبرتك في آخر مرة. ظل على صمته، وبدا أنه يفكر بعمق.

كنت أنبهه، أكثر من مرة منذ بداية جلستنا، حينما يبدأ بالتقول على لساني، أقول ها أنت تفكر عني وتقول بالنيابة عني ما يلائم سياق فكرتك عني، ولهذا أنت لا تتعلم من الناس، فإما هم معك أو ضدك، حتى لو اختلقت أفكار لهم بنفسك. كان قولي هذا لا يعجبه، لكنه كان يرى نفسه في الجرم المشهود فلا يمكنه قول شيء.

تكلم عن عدم التسامح هنا، ممثلاً بإهداء الناس مصاحف إليه، ليحولوه عن دينه، وعن عدم وجود كنائس، كما توجد مساجد في ألمانيا. فأوضحت أن من يعطونه المصاحف إنما هو تعبير عن محبتهم، فليس أغلى عليهم من المصاحف، وربما يريدونك أن تفهم كيف ينظرون إلى الحياة وكيف يفكرون من خلال المصحف، فما الفرق بين إعطاؤك المصحف لشرح أفكارهم ومحاضراتك عليهم وشرحك لوجهات نظرك والترويج لها كما تفعل الآن؟. أما عن الكنائس، فهذه ليست كأي بلد، هذه بلاد مقدسة، الكل يتطلع إليها، وهناك توجيهات خاصة بعدم بناء معابد للديانات الأخرى فيها، أما خارجها، حينما خرجنا لننشر الإسلام، فلم نمانع على وجود الكنائس في العراق والشام ومصر وخلافها، أما هنا فحالة مختلفة. كما أن جميع السعوديين مسلمين، وهم من سيبقى في البلد، أما الأجانب فهم يعملون لمدة عقودهم ثم يخرجون إلى بلدانهم، ومن يختار تمديد عقده فهو يعلم بالحال، بخلاف ألمانيا، فبعض الألمان مسلمين وسيبقون في بلدهم. لم يجد ما يقول.
ما لم أقله له، لأنه ليس مما يهمه، لكن مما يهمني جداً، أني أرى بأن إهداء المصاحف بهذه السهولة لغير المسلمين، وهي موضة سائدة الآن، هو بالواقع إرخاص لها، وعدم اهتمام بما قد تؤول إليه. عيب، يجب أن لا نرخص المصحف هكذا، كلما أردنا مجاملة أحد أعطيناه أغلا كتاب لدينا ببساطة، سواء أكان يريد أم لا. لم يكن الحال هكذا من قبل، لكن صار الناس يحسبون أن هذا هو منتهى التسامح، لكنه منتهى اللا مبالاة والسخافة وسوء التقدير للمصحف في رأيي.

تحدث عن التفجيرات الإرهابية، خصوصاً الأخيرة في باريس، وتساءل لماذا من يقوم بها مسلمين؟ ولماذا لا يفجرون لدينا هنا؟. قلت لأنه لا يوجد سعوديين أو مقيمين إقامة دائمة مهمشين عرقياً وثقافياً بالدرجة التي لديهم، لم نأتي بأجانب لنجنسهم ومع ذلك نعتبرهم أقل منا في كل الأحوال، إننا مجتمع أكثر تجانس وعدالة، فنحن لم نفعل مثلهم، إذ لم نجنس أجانب مختلفين عنا تماماً وفي كل شيء ليكونوا عمالة رخيصة، ثم إذا أنجبوا كرهنا أولادهم واستبعدناهم عن المجتمع، ولم نتقبل الفوارق. أنتم أردتوا آباء هؤلاء الناس ليعمروا بلدانكم بتكاليف ضئيلة بعد الحرب، والآن لا تريدون أولادهم، وأولادهم لا يستطيعون العودة إلى بلدانهم الأصلية بسهولة، إنهم ممزقون مهانون. قال بأني أبرر للإرهابيين هكذا، فرددت ببرود بأني غير قابل للتأثر بهذا الإبتزاز، فأنا أخبره بالظروف التي قادت إلى ما جرى، وأني أجبت سؤاله ببساطة. أخبرته بأن التفجيرات الأخيرة أحزنتنا بكل تأكيد، لقد أحزنتني بالفعل وفاة هؤلاء الأبرياء، وأحزنت أهلي كذلك، لكنها لم تقتلني حزناً، لأني أرى أن الأمر غير عادل، لقد هب الناس لأجل فرنسا، لكن لم يتكلم أحد عن باكستان مثلاً، حيث قتل الإرهابيين الأطفال في مدرسة، أكثر عددا في مكان واحد من التفجيرات الأخيرة، مع ذلك لم أرى تضامنا، لم أرى أعلام باكستان على العمائر، أو أي هتاف وتعازي، إن أرواحنا تعامل وكأنها أرخص، إننا مجرد أرقام، كذا وكذا ضحية، ولا قصص لنا أو معنى لموتنا. رأيت بعض الحمقى هنا يقولون: نحن والفرنسيين واحد، تضامنًا مع الفرنسيين، مع أن هذا غير صحيح، ولن يكون صحيحاً أبداً رغم هذه المأساة، أنا لست فرنسياً، والفرنسي ليس مثلي، ولن نكون كبعضنا البعض أبداً. سأحزن لإرهاب يتعرض له الأبرياء، لكني أعلم بنفس الوقت أن الناس في الغرب يحتقرونني ولا يرون قيمة لي. صمت مفكراً بما قلت، ثم سأل لماذا لا يقوم بقية المهاجرين بالتفجير؟ لماذا المسلمين فقط؟ قلت لأن الآخرين يحظون بقبول أكبر من المسلمين، إنهم لديهم فرصة أكبر للنجاح، ولا يوجد تمييز وحقد واحتقار تاريخي ضدهم. بدا عليه الإقتناع هذه المرة، إذ وافقني على نحو خجول.
كنت قد أخبرته قبل ذلك عن معاناتي في سويسرا، مع أهلي وبدونهم، عن بعض الأحداث العنصرية التي واجهتها هناك لإختلافي الواضح عنهم، وكان قد فوجئ ببعضها بشدة، خصوصاً في القصص، وهي متعددة، التي يحسب فيها الناس أني من مكان معين، ويكونون لطفاء، ثم حينما يعلمون أني عربي ينقلب الحال، كرجل حسبني ذات مرة إيطالياً في مقهى، وآخر مدمن حسبني اسبانياً، وغيرهم، وإن يكن على مستوى أقل ظهوراً.

سألته إن كان قد ضايقه النقاش؟ قال بأنه لم يعلم بأني راديكالي هكذا، قلت بأني لست راديكالياً، إلا إن كان يصف كل ما خالفه هكذا، وبكل الأحوال، ها قد عرفني على نحو أفضل، فهل سيريد رؤيتي مرة أخرى؟. قال بأنه يريد ذلك. لكنه كان باد الإحتقان والتوتر. لا أصدقه.

لاحقاً حينما افترقنا، أرسلت إليه أعتذر إن كان النقاش قد أزعجه، فقال بأنه يتقبلني كما أنا، لكنه يرجو أن أعيد النظر برؤيتي للأمور، فرددت بأني أرجو أن يقوم بالمثل، فهي مسألة منظور بالنهاية. يبدو أن الرد استفزه، لعله يتخيل بأني لا يحق لي توجيهه وإن وجهني، ربما كان يرى في الإمر إهانة غير مقبولة، كشأن الغربيين عموماً، فرد بأنه حقق بالنهاية أهدافه، وكون لنفسه عائلة ويحاول أن يربي أطفاله رباهم على التسامح وتقبل الآخرين. رددت بأن هذا ليس له معنى سوى في جزئهم من العالم وفي منطقهم هناك، فأسوأ الناس وأفضلهم أنجبوا أبناء وربوهم كما يدّعي، أو هكذا يتخيلون.

حينما عدت إلى المنزل، سألتني والدتي عن حاله، فقلت بأننا دخلنا في نقاشات ويبدو أنه غضب. قالت ليته من شوفك سالم!.
إنها حادثة عجيبة، أن يحدث هذا، بالضبط هذا، بعدما أخبرته في المرة السابقة بأن هذا ما يجعل الغربيين يبتعدون عني.
عموماً، لا أشعر بغير الرضا عما قلته له، رغم أنه هكذا انتهى كل شيء فيما بيني وبينه، لكن لعل هذا أمر جيد، مقابل الدفاع عما أراه صحيحاً. مع علمي أنه كان يمكن للأمور أن تنتهي على نحو أفضل لو لم يتصرف بتلك الصفاقة والفوقية.
ماذا بوسع المرء أن يفعل، فهو كان قد بدأ يصبح مهماً بالنسبة لي.


أما من جهة أخرى، غير مختلفة عن أمري مع الألماني، ولكن أعنف، دخلت في مناوشة مع أوروبي على جانب كبير من الحمق والغباء، والغرور مع ذلك، على شبكة قوقل بلس. ليست الأعنف، ولا الأولى، إذ اتجهت للمواجهة في بعض الظروف، حينما يكون لدي الوقت، مع هذه الشاكلة من الناس، خصوصاً شديدو العنصرية. اتجه بالنهاية إلى حذف ردوده، كعادة أغلبهم. هؤلاء الناس دائماً ما يكونون ضعيفو الحجة، لأنهم أحاديو النظرة، ويعتمدون على قدراتهم اللغوية مقابل قدرات العرب المتواضعة في اللغة الانقليزية، حيث يفهم العرب ما يقولون لكن لا يستطيعون التعبير على النحو المقبول وبأقل مجهود، فيعيشون تمزق وقهر بين القراءة وصعوبة التعبير.
إن مجرد إيضاح الفروق الثقافية، وانتقاد ثقافتهم من منظورنا، يحرجهم، ويغيضهم. إن أكثر الأمور طبيعية لديهم هي أمور غير مقبولة لدينا، ويمكن إخبارهم بذلك، وهم يفهمون هذا ولا يعرفون كيف يجابهونه بسهولة.
وجدت أنهم يهجمون جماعات كالضباع، ويستخدمون كل ما يمكنهم استخدامه ضدك، لكن الثقة بالنفس والمنطق تزيد من غيضهم.
بالطبع، لا أتدخل في كل مناوشة، بعض الناس مستوياتهم الفكرية أقل من قدرتهم على النقاش، إنهم فقط بسطاء وحاقدون. وأحياناً، لا أملك الوقت أو لا أكون بالمزاج للنقاش.







يسألني البعض من وقت إلى آخر في الأشهر الأخيرة، عن خططي للمستقبل القريب، ويسألونني إن كنت سأسافر، إذ يبدو أن هذا أقصى ما يتخيل الناس أني سأقوم به، مع أني لم أسافر لأجل نفسي سوى مرتين. فأقول بأني أشعر بعدم الإطمئنان للمستقبل، وأريد أن أتريث تجاه أي مشاريع وأتفكر بالأمور كلها. كان هذا قبل الإعلان عن الميزانية، واللكمات المتوالية لمعنويات الشعب.
أعني الغالبية العظمى من الشعب. إن المرء يرى الطبقية المادية بوضوح بالفعل، حتى بين من هم ليسو فقراء بالواقع، مستوري الحال مثلي، وبين الأثرياء، ونظرتهم لنا، حتى في الشارع، وفي أسلوب قيادة السيارات، والمضايقات. ماذا سيحدث الآن؟.








ما أسرع هذا الأسبوع، الذي يفصل بين فصلين دراسيين. لست أتمتع بإجازة، لكني أتمتع بإجازة أخواتي وأبنائهن. لا أشعر بأنه كان أكثر من إرماش عين، رغم أني حاولت أن أجالس الجميع كثيراً.
أيامنا القديمة الهانئة بوجود بعضنا جوار بعض، لن تتكرر.
ولا أنسى أن السكن في هذا المنزل قبل سنوات قد غير حياتنا لسبب ما إلى الأسوأ. هل بعض المنازل فعلاً لا بركة فيها؟.






خبز يديك…
بعدما عجنت ولتيت…
هنيئًا عليك…
فتجرع ما جنيت…

وثقت بنفسك...
وما استحيت…
أن تساومني بصداقتك…
وهي بعدُ مشروع لو استفتيت…

أكنت تسدي لي معروف بقربك؟...
فاعلم أني عن قربك استغنيت…
لا أدري من حسبت نفسك…
فمن تكون ومتى أتيت؟...







ساء حال الانترنت بالمنزل في الفترة الأخيرة، بحيث أن أخي حينما يزورنا، لا ينفك يتشكى من السرعة البطيئة، بعدما كانت السرعة حافز له ليسهر في غرفته!!. كان انحدار جودة الانترنت قد جرى بتدرج سريع، حيث أصبح غير قابل لأكثر من التصفح، ولبعض الوقت قبل أن يسوء أكثر منذ أسابيع. هو انترنت لاسلكي، على الجيل الرابع من شركة زين، وقد كان أفضل ما حصلت عليه، ويعمل منذ عام ٢٠١٢، رغم أنه واجه مشاكل من قبل واختفت حينما غيرت الجهاز.
حاولت التواصل مع الشركة عدة مرات، وقيل لي بأن المشكلة تكمن في ازدحام البرج القريب من البيت، بنسبة ٩٧%، وأن الحل هو بوضع برج آخر، خلال ٢٠١٦، دون وجود تاريخ محدد، ونحن في أول السنة. كانوا يتفادون إعطاء تاريخ محدد، في كل مرة، وكان هذا محبطاً جداً. وفي تواصلي معهم عبر موقعهم، اقترح الموظف أن أنقل المودم إلى مكان آخر، سألت إن كان يقصد موقع آخر من المنزل؟ فقال لا، خارج الحي(!!)، كان هذا أغبى اقتراح سمعته، ولا أعتقد أن صاحبه غبي بقدر ما أنه مستهتر على بعض الوقاحة، التي تحجبها شروط الشركة الصارمة في التعامل (مقاييسهم مختلفة تماماً عن الاتصالات السعودية). وكان قد قطع المحادثة دون أن ينتظر إن كان لدي ما أقوله أم لا، بعدما سألني، مما أكد لي أنه موظف غير مسؤول حقاً. كان قد أعطاني بريد الكتروني لأراسل عليه الشركة، تبين أنه يذهب إلى الإدارة التي يتبعها، وأعتقد أنه هو من رد على شكواي، على نحو متغابٍ كذلك، وحينما رددت بشكي بأنه هو نفس الشخص الذي أعطاني العنوان، لتشابه الإسم؛ علي، لم أتلقى رداً!. أتسائل كم عمره؟!.
عموماً، ورغم أن المشكلة تسبق ازدحام المنزل بأبناء إخوتي وأجهزتهم المتعددة، إلا أني فوجئت بتعافي سرعة الانترنت على نحو مذهل بعد مغادرتهم حينما انتهت الإجازة، ثم انقطاعها تماماً فجأة، وكأنها أصيبت بصدمة عصبية. اتصلت على الشركة، وردت فتاة من خدمة العملاء على غير المعتاد. اقترحت أن أعيد تهيئة الجهاز من الجهاز نفسه، لا عن بعد كما فعلت مسبقاً عبر المتصفح. حينما جربت، عادت الانترنت، وكانت جيدة.
أرجو أن لا يفسد الانترنت مرة أخرى، فقد شعرت بيأس إلى درجة أني تواصلت مع شركة قو، وكدت أن أشترك بخدمتهم اللاسلكية. بالطبع، لن يعيدني شيء بعون الله ورحمته إلى التعامل مع الاتصالات السعودية السقيمة، التي انتهى فاصلهم المسرحي معي بعدما استمر لسنوات قبل أشهر فقط، حينما حلت مشكلة الفواتير المتراكمة رغم إنهائي الإشتراك وتصفية المستحقات. قاتلها الله من شركة خبيثة، كم أكرهها.








هل يرى أي منكم أشكال معينة في هيئة بعض الناس وحضورهم؟ أعني أشياء تلاحظونها غالباً كانعكاس لطباعهم؟. مثلاً، يوجد صحفي لبناني اسمه سمير عطا الله، يبدو رأسه كالطبل بالنسبة لي، ولا شيء سواه، تساءلت، لماذا أراه هكذا؟ سبحان الله، وجهه العريض الضخم من الأمام، مع أنه نحيف ومضغوط حينما تنظر إليه من الجنب، يذكرني بالدف، لكن ربما كان لإفراطه بالتطبيل الممجوج والمفضوح دور في شعوري هذا. قد أتفق معه في بعض ما يقول مبدأياً، لكني أرى مقصدي مختلفاً، إني أتفق معه في بعض ما يقول، لكن ليس للأسباب ذاتها، إنه لا يقول الحق إلا إذا وافق هوى من يراهم رعاته في رأيي، أو لمجاملتهم. ومما أشعرني بصواب شعوري، هو مقابلة قديمة له حينما زار الرياض، وكانت مع صحيفة سبق، وفيها بدا متعالياً على الناس هنا إلى حد لا يوصف، ضيق الصدر، وكأنما يتطلب معاملة خاصة من الرعاع؛ نحن. هو لبناني على أي حال، وأحسب أن هذا الطبع يستشري في اللبنانيين أكثر مما في سواهم، ولو غلفه تهذيبهم المصطنع وحضورهم الذكي بخبث غالباً.
أما الآخر، فحينما أرى وجهه وتكوين رأسه، سبحان الله، لا أشعر إلا وكأني أرى ميكروفون، وكأنما هو يسمع ما يلائمه من قول، فيضخم الصوت فقط في مقارباته لما يجري من أمور، أو ما يُختلق من قضايا دون أن يفكر، هو تركي الدخيل.








تواصل معي عبر موقع المراسلة رجل تركي في آخر الثلاثينات، تحدث بودية في البداية، وناقش التجارة هنا بالحلويات وهذه الأمور. أوضحت له أني لست بمطلع على هذه الأمور، ولا أستطيع الاتجار معه، فتفهم. في لحظة انقطاع بسيطة في المحادثة عبر الرسائل، كتب يقول: سعد بن أبي ڨقاص، يعني الصحابي سعد بن أي وقاص رضي الله عنه. ابتسمت (كتابياً)، وسألت إن كان يقرأ التاريخ؟. قال بأنهم، أي الترك، مسلمين وهو يحمد الله. ثم بدأ التحدث عن الخلافة العثمانية وتمجيدها، مذكراً إياي بالسلاطين المشهورين، وهو يقول بأن الخلافة العثمانية ستعود، وكأنما ليطمئنني (!!)، قلت بأني أرجو ألّا تعود، لم نعرف سوى الجوع والقتل حينما كانت موجودة. صار يحاول أن يقنعني بأن الدول العربية صارت تعاني حينما ضاعت الخلافة، فقلت ليس كلها، فنحن لم نرى سوى الجوع وانعدام الأمن بينما كان العثمانيون يرفلون برغد العيش، لأننا عرب أقحاح وهم لا يرون العرب أناساً، حتى المدينة ومكة لم تسلم من شرهم، إذ أخرجوا أهلها العرب الأصليين ليقيم الترك في مكانهم، هم عنصريون لم يحبوا سوى أنفسهم. قال بأن هذه روايات غربية يجب أن لا أصدقها، وكان ادعاؤه هذا مضحك. قلت بأن ما جرى جرى لدينا، لأجدادنا هنا، وليس لأحد آخر. قال بوقاحة بأن أجدادنا ربما دعموا النصارى لهذا قاتلهم الترك(!!)، قلت بأن أجدادنا لم يروا أجنبياً قبل مجيء العثمانيين. قال ساخراً بأننا سنرى الكثير من الأجانب الآن، قلت بأنهم سيظلون خير منهم، خير من الجوع والموت وانعدام الأمن وتقتيل قطاع الطرق لنا في عهدهم، حتى صارت كل مدينة محاطة بأسوار، وتقتيل الترك أنفسهم لنا كلما ظهروا. تكلم عن كون بترولنا لدى أمريكا وبريطانيا، وأن العثمانيين لو كانوا أشراراً لأخذوه لأنفسهم وتركونا نموت. قلت بأن هذا ما كان سيحدث لو علموا بوجوده في ذلك الوقت، كانوا سيأخذونه مثلما أخذوا كل شيء ويتركونا للموت، ولكنهم لحسن الحظ انتهوا قبل ذلك. أوضحت بأني أقدر الخلافة العباسية كثيراً، لكني لن أقدر أبداً خلافة تركية عنصرية تحتقر العرب. صار يحاول أن يسخر منا، ويظهرنا بمظهر الخونة، فأخبرته بأن الخائن بالواقع هو من يتاجر مع اسرائيل ويشتري منها الدرونات، بغض النظر عن حكيه الكثير غير ذي القيمة عن القضية، وكنت أقصد زعيمهم. قال بأنهم صاروا يصنعون دروناتهم، وأن حكومتنا السعودية اشترت منهم، ألم تعلم؟ هكذا سأل. قلت ربما تبيعون دروناتكم الرديئة وتشترون الجيدة من اسرائيل، فهذه حقيقة معلنة، وتدربون جيشكم معهم فأنا أعرف هذا، وتشترون أسلحتهم، وتقتلون الأكراد، وتمدون إسرائيل بالماء حتى، ناهيك عن جرائمكم القديمة ضد الكثير من الأعراق المختلفة عنكم، ولم يستطع أن ينكر أي من هذا. قال بأن النصارى حينما يحتلون يقتلون، وأن الأتراك على الأقل مسلمين(!!)، فقلت بأن من يقتلنا هو واحد بنظري أمسلم كان أم نصراني، أتريد أن تقول بأن اغتصاب المسلمات، وقتل المسلمين والتنكيل بهم، لا ضير فيه إذا كنت مسلماً؟ هذا غباء. استفزه هذا فصار يحاول أن يوجه الإهانات بلغة انقليزية رديئة غير محكمة. ثم تكلم عن أنهم نشروا الإسلام وهذا الكلام الذي لا أصدقه، إنها بعض المناطق البلقانية، لكن الآخرين كرهوا الإسلام أيما كره بسبب الترك، فلم يكن همهم نشر الإسلام بقدر ما كان جمع الأموال والغنائم والضرائب والعبدات والجلوس فوق الشعوب الأخرى، فشرحت له هذا، مع مقارنة النشر الحقيقي للإسلام على أيدي أجدادنا الذين خرجوا من الجزيرة العربية. قال بسخرية مغيراً الموضوع بأنهم يعلمون كيف نعامل النساء لدينا، أنهن لا يقدن السيارات ولا يمكنهن فعل شيء، ولكنهن سعيدات أليس كذلك؟. رددت أسأل إذا كان أمر نسائنا يهمه الآن؟ فليلتفت أولاً إلى نسائهم الساقطات اللاتي يبعن الهوى علناً في الشوارع ثم يحدث العالم عن نسائهم. قال بأنه لم يقل شيئا سيئاً عن نسائنا لأقول هذا، فرددت بأنه أصلاً لا يستطيع أن يقول عن نسائنا أي شيء سيء، لأنه لو قال لما صدق نفسه حتى، أما أنا فأقول الحقيقة، وهو يعلم هذا، فنحن نقرأ ونعرف عنهم. بدأ يتحدث عن كسل العرب، وأمور سخيفة، ويصف بسخرية زيارة أهله إلينا وما قالوه عنا، كوننا قذرين وما إلى ذلك، أخبرته بأننا بالواقع من أدخلهم الإسلام، وأدخلهم إلى الحضارة، وهو يعرف هذا، وأنه عنصري كعائلته، وأجداده الذي أساؤوا إلينا، ويريدني أن احبهم الآن؟. قال ساخراً بأني ليس علي أن أصادقه، فقلت بأني أصلاً لا نية لدي لمصادقة عنصري تافه. تحدث عن كوننا لم نجد الطعام سوى حينما وجدنا النفط، فقلت الحمد لله على النفط والنعمة والأمان وكامل فضله، وما الضير في هذا، بعد تجويعهم وقتلهم لنا؟. العجيب هو أني لاحقاً، وجدت رسائل منه لم تصلني إلا متأخرة على نحو عجيب، من بين رسائله التي كان يناقشني بها، رسائل يحاول فيها تهدئة النقاش.
في النهاية، قال يا سعد إني آسف، إني لم أكن أريد أن أجرح مشاعرك، لماذا أخطأت علي وقلت ما قلت؟ وكأنه يبرر عنصريته، رغم أني أخبرته قبل احتدام النقاش بوضوح بأني لا أقول ما أقول لأجرح مشاعره، إنما لن أكذب لأسعده، وكان هو بالواقع الذي حاول أن يهينني عنصرياً حالما وجد أن وجهة نظري لا توافق هواه، إذ لم يتقبل عدم اتفاقي معه. فرددت بأنه أول من تكلم عن اجدادي واتهمهم بدعم الكفار، ولم يبالي بما جرى عليهم واحتقرنا ككل، وأني لم أقل سوى حقائق بالمقابل. قلت بأني أكره أمثاله، العنصريين اللؤماء، وأحمد الله ألف مرة على انهيار الخلافة العثمانية. ثم قلت بأني لا أريد التحدث معه أكثر، لأنه قذر جداً من الداخل، وأني سأقوم بحظره الآن.
كانت حججه تافهة، كأن يقول بأن العرب تم احتلالهم بعد انهيار الدولة العثمانية، وأنهم يعانون، كنت أخبره بأنهم ليسوا كلهم يعانون، وليس بالتأكيد نتيجة لإنهيار الخلافة، وأخبرته بأن يأخذنا كمثال؛ لقد عرفنا الأمن، والتعليم النظامي، والمستشفيات، والغذاء الكافي، بعدما انهارت امبراطوريتهم. تكلم عن الدول العربية التي تعرضت لإستعمار، فسألت إذا ما كان علينا نحن أن نعاني طوال وجودنا، لينعم بعض العرب بحمايتهم؟ أن يختاروا ما يفيدهم ويرعوه، وما لا يعتقدون بوجود موارد فيه يقتلون أهله ببساطة؟.
وكان يدعي أن العثمانيين اهتموا بنا وأننا تنكرنا، فقلت في أحلامك فقط، وكان ادعاؤه هذا يدل على رفضه استيعاب التاريخ على حقيقته. فاتجه إلى توجيه الإهانات السمجة التي ذكرتها أعلاه، بالإضافة إلى السؤال عن أي انجازات أو أي شركة مهمة لدينا، بسخرية طبعاً، فأخبرته بأنه يتوهم بأني مهتم بإقناعه بشيء ما فيما يخصنا، لكنه مخطئ، فهو غير مهم بأي شكل لأثبت نفسي أمامه، إنه إنسان تافه فقط حدث أن كان جاهلاً وعنصرياً ولديه جهاز كمبيوتر. وعند هذا الحد اعتذر وبدأ بسؤالي لماذا قلت ما قلته عن نساؤهم والعثمانيين، وكأنما اللوم علي. كان يريدني أن أتمنى ما يتمناه هو إجباراً، ولما اختلفت بالرأي بدأ بالسخرية وإلقاء التهم، وظهرت عنصريته غير الغريبة.
قبل أن أختم المحادثة بحظره، أخبرته بأنه حتى الإسلام لا يمكن أن يجمع بيني وبينه، لأنه عنصري، والعنصرية نقيض الإسلام.

بالنسبة لي؛ إني لا أنظر إلى شخص كأخ مسلم إلا حينما ينظر هو إلي نفس النظرة. لقد أدى شعورنا بالمسؤولية عن كل من هب ودب بتحقير أنفسنا عرقيًا، كعرب أقحاح، وعلى نحو منهجي، إلى انحدار ثقتنا بأنفسنا، وانفصالنا عن تاريخنا وحقيقتنا. إن الأتراك السنة لا يختلفون لدي عن الفرس الشيعة، وعن الغرب النصراني، حينما يريد جميع هؤلاء لي الأسوأ، أو ينظر إلي وكأني أقل من إنسان. كل هؤلاء نظرتهم عرقية وإن تلاعبوا بالألفاظ ومشاعر السطحيين والمغفلين، وعشاق العبودية. قال أحد وزراء الترك قبل فترة وهو يخطب بكلابه بأنهم سيفتحون مكة، وكأنها تحت حكم المشركين، وليست في أيدي أهلها العرب المسلمين، التي فتحها الرسول العربي عليه الصلاة والسلام. إن وجود المقدسات لدينا أعطى الآخرين فرصة خبيثة بالإدعاء بأنه للجميع حق بنا، ولكن مكة والمدينة مدن عربية في الأساس، وستبقى عربية لأهلها، مثلما أُنزل القرآن بلسان عربي، لساننا.
أما زعيم الترك، اردوغان، فكان قد هدد وتوعد أحد أعداءه ليس بتاريخه كمسلم، لكن بتاريخه كسلجوقي، سليل سلاجقة حكموا العالم، وبعضنا يتخيل بأن الأمر يتعلق بالمسلمين كجماعة، بسفاهة وسذاجة مؤلمة. لم ينصف الناس بإختلاف أعراقهم تحت الحكم الإسلامي مثل العرب. وكان قد استعرض على نحو مسرحي أضحك العالم وهو يستقبل عباس رئيس فلسطين، في قصره الجديد الذي أثار الإحتجاجات ضده هناك، جنود بملابس تركية عسكرية تاريخية يقفون بتسلسل طفولي مضحك، بدءًا من لبس التتار قبل الإسلام. ويتحدث الناس هنا عن هموم الترك الإسلامية، ولا يدرون أنهم يريدون فقط أن يكونوا سادة على الناس.
ترى هنا بعض المخدوعون يفضلون المذلة تحت الحكم الأجنبي، ولا تجدهم يطمحون لعزة لأنفسهم ولأهلهم، لأنهم أُفهموا بأن المسلمين لا فرق بينهم، دون أن يعوا بأنه ليس كل من قالوا عن أنفسهم مسلمين يفكرون بنفس الطريقة، وإن لم تكن ذئباً أكلتك الذئاب. تجد هؤلاء يتمادون بحماقتهم وهم يتمنون الأسوأ للعرب الآخرين، حكاماً ومعارضين لرؤاهم، لتمكين الترك من إحكام السيطرة أكثر. ما الفرق بين هؤلاء وحزب الشيطان وسادته الفرس، خلافًا للسلاح والتمكين؟.

سألني شخص من محبي الترك والعثمانيين ذات مرة، إذا ما كنت أفضل أن يحكمني نصراني من الغرب أم تركي مسلم؟، سمعت أسئلة كثيرة بنفس المنطق، حول مختلف الأمور. قلت بأني أفضل أن نحكم أنفسنا، لماذا يجب ان يختار المرء بين أجنبيين؟ لماذا خيارين لا ثالث لهما؟، ولماذا لا نطمح إلى الكرامة والعزة لأنفسنا؟. عدل سؤاله بقوله إذا لم يكن هذا خياراً متاحاً، فقلت بأنه خيار متاح دائماً، الوصول إلى حل في النهاية، أما الاستسلام هكذا لخيار تسلط الآخرين والخضوع لهم وكأننا دائماً مغلوبون على أمرنا هو أمر خاطئ.

إني لا أكره شعوباً فرداً فرداً، لا أستطيع هذا، لكني أتوجس من بعض الشعوب حينما أنظر إليها كمجموعة. حكمي على فرد تركي هو حكم ينتظر معرفة يسبقها حسن الظن، وقد تنتهي بصداقة كالحال مع صديقي التركي، لكن رؤيتي للأتراك كمجموعة هي رؤية متوجسة وغير واثقة، وميالة لسوء الظن. ينطبق هذا على غيرهم، فمن من المهم بالنسبة لي، من المهم بشدة وتأكيد، التفرقة بين الأفراد والمجموعات.











حينما كنت والأحلام في سباق...
وبدت الدنيا حبلىً بالوعود...
والقلب بعدُ ما استفاق...
حلمت بأبسط الممكنات...
وظننتُني لا محالة إلى أمانيَّ مُساق...
وأن دعاء الأم لابد يستجاب...
...
حتى ادركت أن القدر قد أحاق...
وأن الأحلام الصافية قد ضاعت...
تبعثَرَت ما بين سكيك وزقاق…
وأن الأمل الذي أسكرني مثل خمر...
كان على دروب الشقاء يراق…
وانتهى حال القلب إلى ظمأ...
وصار الحظ معي في شقاق...
وصار مكان الأحلام ماء أجاج...
أغرف منه فأجده لا يذاق…
سبّحت ما سبحت الطيور والأشجار…
وأنا أتطلع إلى النهاية باشتياق...
أستغفرك أيها الحليم عن القنوط...
ولكن هذه الدنيا ما عادت تطاق…
أجهضت الدنيا الوعود…
وها أنا لا أعلم إلى أين أُساق...
دعاء الأم لم يستجب...
لكني سأسبّح لله طالما النَفَس باق…









مع ارتفاع أسعار الوقود، أحمد الله انني اشتريت سيارة اقتصادية، خصوصاً أنها تستهلك النوع الأغلى من الوقود، ٩٥، حسب التوجيه الواضح في كتاب السيارة. مع ذلك، وجدت نفسي أحاول بقدر الإمكان الإقتصاد أكثر، رغم أني نادراً ما أوقف الوضع الإقتصادي في السيارة، الذي يحد قليلاً من أدائها مقابل الاقتصاد أكثر بالوقود. بشكل ما، وجدت أن تدابير بسيطة نجحت بالفعل في تخفيض الاستهلاك أكثر، وأعرف هذا لأن السيارة تحسب معدل الاستهلاك حسب أسلوب القيادة، ويتغير المعدل بتغير الأسلوب. لست من أهل السرعة المفرطة بطبيعتي، لكني وجدت أن السير بسرعة أبطأ مع ذلك عند عدم الاستعجال يفيد كثيراً، وترك السيارة تسير بزخم الدفع الأول على المنحدرات أو الطرق المستوية يصنع فرقاً واضحاً جداً.
كنت قد قلقت مؤخراً حينما سمعت بإستدعاءات لبعض سيارات رينو المماثلة لسيارتي في أوروبا، بسبب شيء يتعلق بالإنبعاثات على ما يبدو. لكن لحسن الحظ، كانت السيارات المتأثرة هي التي تعمل بالديزل فقط، ويبدو أن بعضها سيتم حل مشاكله بتحديث برنامج التشغيل على كمبيوتر السيارة.








سألتني الصديقة الألمانية، التي كانت مرشدة لي في المكسيك مؤخراً عبر البريد الإلكتروني، عن أهم خططي للعام الجديد؟. وخلافاً لها، يبارك لي من أعرف من أجانب بالعام الجديد، ويسألون عن يوم ميلادي ليباركوا لي فيه. هذه أسئلة محيرة بالنسبة لي إلى حد بعيد؛ فنحن لا نحتفل بعام جديد، حتى عامنا الهجري لا نحتفل به، ولا نحتفل تقليدياً بأعياد ميلادنا، رغم اتخاذ البعض هذه العادة الأجنبية مؤخراً للأسف.
لكنهم إجمالاً يتفهمون عدم تحريك هذه الأمور لي، حينما أشرح لهم طبيعة الثقافة العربية الإسلامية الصميمة هنا. أحاول أن أكون مجاملاً بقدر ما استطيع مع ذلك.












لأسبوع كامل، لم أتمكن من إنجاز أهم الخطط التي وضعتها لنفسي. أعزي نفسي دائماً بأن أهم الأمور لا تتعلق بنفسي بالواقع؛ أني قمت بما يجب فيما يخص الأدوية للأهل وزيارات المستشفى وما إلى ذلك، أما فيما يتعلق بنفسي؛ فيمكن تأجيل ذلك. لكن، إلى متى؟، لدي الوقت، لدي القدرة، لكني لا أشعر بحافز كافٍ للقيام بما أريد. أريد أن أمشي أكثر، لكني لا أريد أن أمشي لوحدي، أريد أن أشتري بعض الأغراض، لكني لا أريد أن أذهب بعيداً أو أضيع وقتي في القياس، أريد التسجيل في دورة خط (مرة أخرى)، لكني أخشى أن أفوّت الحصص. أريد أخذ الأطفال إلى حديقة الحيوان، أو إلى حديقة قريبة حينما يجتمعون، لكن الوقت يضيع وأنا مع أهلهم أتكلم.













يا لقسوة بعض القلوب؛ فقيرة، بلا حلم يكفي لتقدير معروف قد امتد لعمر كامل.

سألت ثديها…
أين صب ذياك الحليب…
أكان فقط في حلمها…
أم أنها حقاً أرضعته الحبيب…
أكانت تُرضع فلذة كبدها؟…
أم لم يكن ذاك سوى لبن سكيب…
أين راح زرع سنينها؟...
لم تدري أنه كان قد أتى عليه اللهيب…









حتى في الأحلام، لا تتحقق الأحلام!. أجد الأمر مثير للسخرية؛ أني أتمنى الأمر صحواً، ثم أنام، فأتمناه نائماً! إنما على نحو أكثر حسرة، أراه أمامي، ولا أستطيع الوصول إليه.
تقول والدتي حلوم أهل نجد حديث قلوبهم. قلبي الأحمق.








أمر استجد، لقد توقفت إلى حد بعيد عن شرب الكولا منذ حوالي شهر. إذ أنه منذ شهرين قبل ذلك، يصيبني صداع شديد، في جانبي رأسي، يزداد سوءً حتى أشعر بأن عيناي ستخرجان من محاجرهما، ولكن لا يوجد علاقة واضحة بين الكولا وهذا، لأن الصداع يصيبني في أي وقت، دون أن أكون قد شربت كولا قبله. لا أعرف ماذا يسبب الصداع، لكنه لم يتكرر كثيراً، إنما فاجئني ثلاث أو أربع مرات. لا يتوقف، ويدفعني للاستفراغ، ثم أجد نفسي منهكاً لا أقوى على الحركة. غالباً ما أتعافى في اليوم التالي.
كنت قد بدأت أشعر بصداع، عزوته إلى الجوع، فخرجت لشرب الكولا، وتناول فطيرة فراولة. كان يزداد شدة مع الوقت، حتى قررت المغادرة على عجل. وانتهى الأمر كما ذكرت أعلاه.
رب ضارة نافعة. أعرف بأنه لم يكن سبب الصداع، لكني لم أقوى نفسي لأتذوقه مرة أخرى سوى بعد أسابيع، بيد أني أشرب فروزن كولا من وقت إلى آخر بصراحة، وهو أخف وأقل كمية، إذ يغلب عليه الماء لأنه أشبه بالرغوة المثلجة.
أما في العمل، فغالباً ما أشرب القهوة الأجنبية لأطرد النعاس، وهي إن نجحت فهي تسبب لي الصداع في معظم الأيام، والغثيان. لكني اكتشفت مشروباً غازيا عالي الكافيين، جديد في السوق. من ماونتن ديو، اسمه كيكستارت. في البداية جربته بنكهة التوت ولم أتمكن من إكمال نصف العلبة. ثم جربت نكهة البرتقال ولم يكن منفر الطعم كالسابق، وهو ممتاز جداً لغرض الشعور بالنشاط وطرد النعاس، رغم أنه ليس مشروب طاقة مليء بالسكر، لكن يبدو أن الكافيين مركز جداً فيه، وفعال إلى أقصى حد، رغم كمية المشروب المعقولة. قد يكون ضاراً لهذا السبب، لكنه أفضل من القهوة الأجنبية، فهو لا يسبب لي الصداع على الأقل، أما القهوة العربية فهي قهوة مزاج ولذة، ولا تفيد في هذه المواقف.



خلال ثلاثة أسابيع من التوقف عن شرب الكولا، لاحظت نزول كبير ومذهل في وزني. بالتأكيد أن لسكريات المشروب دور في إرتفاع الوزن، لكن نزول الوزن بسرعة يعني أن هناك سبب آخر كما أتخيل. لا أدري تماماً، ربما كان الكولا يحبس الماء في جسمي؟ خصوصاً أني أشرب كميات مهولة من المياه كل يوم، فهذا من صميم طبيعتي، ومتعتي الحياتية التي تسبق المتع الأخرى؛ شرب الماء الجيد، خصوصاً مع ماء الورد.
كما ساعدني على ما أعتقد شرب شاي اولونق، وقد قرأت أنه من أفضل أنواع الشاي لإنقاص الوزن، إن لم يكن الأفضل. لكني لا أدري، رغم انتظامي على شربه، إلا أني لم أبدأ سوى منذ اسبوعين، وقد لا أستمر لأني لم أجده مرة أخرى. بالواقع، كنت أعرفه منذ سنوات قراءةً، لكني لم أجده. ما قرأته هو أنه الشاي الأغلى بالعالم حينما يأتي من تايوان. هو ليس برخيص هنا، لكن سعره بالطبع لا يقارن بما سمعت عن الوارد من تايوان إلى الغرب. ما وجدت هنا من إنتاج اليابان، من شركة جيدة تأتي بأنواع ممتازة من الشاي من اليابان. لكني لم أجده مرة أخرى للأسف. أرجو أن يعود للبيع مجدداً، يبدو أن الإقبال عليه كان كبيراً.









زرت المتحف الوطني مؤخراً، للإطلاع على معرض العواصم الإسلامية، الذي تفضلت به المتاحف الألمانية اللصوصية مما نهبت أصلاً منا.
لم يكن سيئاً، بالواقع، كان أفضل المعارض المؤقتة التي زرت في المعرض، قبل المعرض الكوري الذي كان جيداً جداً، ومليء بالقطع الجميلة ولكن المعاصرة. لم يكن غباء بلا مجهود حقيقي كالذي قامت به اسبانيا، ولا ممل وغير مؤثر كالذي قامت به بريطانيا.
لم أكن مرتاحاً للكثير من المعلومات المذكورة بطبيعة الحال، فأنا لا أثق بهم، إنما اهتممت بالقطع بحد ذاتها.
إنه يستحق الزيارة بكل تأكيد رغم الموسيقى المبتذلة، خصوصاً إذا كان المرء سيدخل المتحف الوطني كذلك، وهو متحف بمنتهى الجودة، زرته بضع مرات، وأرجو أن أزوره مرات أخرى كثيرة. هذه المرة، خلافاً للمرات السابقة، يجب على المرء شراء تذكرة المتحف حتى يرى المعرض، بينما كان الامر في السابق أنه يمكن للناس الدخول مجاناً إلى المعارض المؤقتة. لا يزور المتحف الكثير من الناس، ويسعدني أن أساهم في مدخوله. رسوم الدخول هي عشرة ريالات، وهو يستحق الزيارة. كل من يعيش في الرياض، أو يزورها، يصنع معروفًا بنفسه لو زار المتحف الوطني.














قابلت صديق قديم قبل فترة، كان تواصلنا قد انقطع منذ مدة طويلة. كنا في مطعم نتكلم، حينما جاءتني مجموعة من الصبية الصغار، لعلهم في التاسعة من أعمارهم، يريدون استخدام هاتفي. كانوا مهذبين جيداً بوضوح. حينما فرغ أحدهم من مكالمة أمه على ما يبدو، جلسوا في الطاولة خلفنا. لا أدري كيف يطاوع المرء قلبه في أن يرسل أطفالًا صغارًا وحدهم في مكان عام ومزدحم كهذا بالشباب الكبار والسائقين. رن هاتفي وأعطيته إياهم، لما كان الرقم هو الرقم الذي حادثوه. بعد قليل مضوا، ثم اتصل الرقم مرة أخرى. لما أجبت كانت ام أحدهم، أخبرتها بأنهم غادروا المطعم. سألتني إن كنت أعمل بالمطعم؟ فقلت لا، إني أزوره فقط. بدا عليها عدم الرضى، أو الغضب من الأطفال، قالت: إذاً جاؤوك هكذا وطلبوا منك الهاتف؟. قلت بأنه لا بأس في الأمر، فهم كأولادي. شكرتني وأنهت المكالمة. كنت قد ابتعدت قليلاً لأبحث عنهم لما جاء الإتصال، قبل أن أجيب. لم أتوقع أن صاحبي سمعني، إذ لما عدت عاتبني؛ لماذا قلت بأنهم كأولادي؟ فأنا لا زلت صغيراً. قلت بأن هذا ما أشعر به في قلبي بالواقع، وأنه كان من الممكن أن يكونوا أولادي لو كنت متزوجاً بالواقع، فأنا لست صغيرًا.
أعتقد أن نظر المرء إلى نفسه يؤثر ببعض الأقران؛ إنهم لا يريدونك أن تقول بأنك كبرت، لأنهم يكونون قد كبروا كذلك. لدي صديق آخر كاد أن يفقد أعصابه ذات مرة حينما قلت بأني كبرت، في سياق حكينا.
أقدر شعور الناس، لكن لا يصغر المرء، فقط يكبر، كل دقيقة.







عدت إلى المنزل قبل أيام، ووجدت والدتي تجلس على سريرها، تبكي ابن عمها الذي توفي. لقد نشأت برفقة ابناء عمها، إذ أنها يتيمة، ولا تتذكر والديها.
جمعتهم الدنيا في بداية العمر، وما لبثت أن فرقتها عن الجميع باكراً. والآن، يموت أناس تعيش على ذكراهم. كانت تقول بأن الموت حق، لكنها تستخسر ابن عمها.
الدنيا معبر، لا أكثر. أتخيلها كالوادي الجاري، يحاول الناس قطعه إلى الضفة المقابلة؛ بعض الناس يعبرونه بمشقة، يكاد أن يجرفهم، أن يقتلهم برداً ويأساً، يصلون إلى الضفة الأخرى منهكون، وهي نهاية المطاف في كل الأحوال. وبعضهم يعبرونه دافئًا، سهلًا هادئاً، وربما انحنوا وارتووا منه جيداً قبل الوصول.







قد يكلف المرء قرار غبي واحد، والإصرار عليه، ثم الكبرياء الفارغ وإهمال الإعتذار وتحمل المسؤولية، أمور ما كان يريد خسارتها.
لطالما فكرت بأن البخل رأس كل مذمة، لكن، يبدو أن الكبرياء في غير مكانه لا يقل إثماً.
يحب الناس العودة بعد جرح الآخرين، مهما أحبهم هؤلاء الآخرين، ليتصرفوا وكأن شيء لم يكن. إنها مسألة كرامة بالنسبة إليهم، الإعتذار أو حتى توضيح الموقف يُنظر إليه كمهانة وضعف. بالنسبة إلي، هذا غباء ومحدودية محضة.
أعتقد أن هذه المشكلة هي أكثر المشاكل تفشياً في مجتمعاتنا، إلى درجة وجود أمثلة، وليس في كل الأمثلة حكمة، تدور حول هذا النوع من الكبرياء واللامبالاة بمشاعر الآخرين، كقول: الزعلان يشرب من ماء البحر، أو الزعلان حزوم نجد ترضيه.










ربحت تذكرة طيران من مطعم مكدانلدز، وهي من طيران العربية. رجوت أن تكون التذكرة مفتوحة على كل الوجهات، مع أني بصراحة شككت بالأمر. حينما استلمتها، وجدت أنها محددة الوجهات على نحو ينم عن بخل. يجب أن تكون الرحلة مباشرة، أي بما أن الطيران في الإمارات، فلا فائدة من الوجهات التي ينطلق إليها من مقره الرئيسي. ومن الرياض؛ لا يوجد سوى خيارين، الشارقة، والاسكندرية. لا نية لدي للذهاب إلى جدة ليمكنني الذهاب إلى عمّان، وليتها كانت عُمان.
يقول أخي لن تتحمل مصر، لأنه يعرفني، ويقول بأني لن أستطيع التعامل معهم وقد أهرب حالما أصل. يقترح الذهاب إلى الشارقة، ومنها إلى دبي. لن أزور دبي، فلست مهتماً بها، أفكر برؤية بعض الأماكن الأثرية، مثل مقابر قديمة بديعة أعتقد أنها في أبو ظبي، وربما حديقة حيوان العين. هذا إن ذهبت.

مع ذلك، أفكر جدياً بالقيام برحلة أبعد من القصيم على سيارتي، بعدما أخضعها للصيانة المقبلة. لم أتشجع حينما علمت بأن بعض المناطق القريبة من الرياض يصعب الوصول إليها. أمر محبط، أماكن مهمة ويروج لها ويريد الناس رؤيتها، لا يوجد طريق محدد وواضح يقود إليها.
أتساءل إن كان بالإمكان الذهاب إلى عمان على سيارتي؟.


















متع صغيرة…
تلك النكهات لحياة كسيحة…
من ماء ورد قطرة…
أو رشفة من شاي رشفة…
كقبلة مسروقة من حبيبة…
أو كحلم غفوة لذيذة...
في القصيم تحت ظل نخلة...








في المطعم الذي أرتاد لشرب... يبدو غريباً أني لن أقول الكولا هذه المرة. في المطعم، وهو فرع من مكدانلدز، أخبرني أحد العاملين الفلبينيين عن موظف سعودي سيء الطبع عمل لديهم. كانت طباعه سيئة على نحو لا يصدق، ورغم كثرة غلطاته، إلا أنه لم يطرد، إنما تم نقله فقط إلى فرع آخر قريب. وجهة نظر هذا العامل هي أن مدير الشركة لا يريد طرد السعوديين. أعتقد أن هذا أمر يتعلق بسمعة الشركة والرغبة بتسيير أمورها بسلاسة من حيث استقدام العمال الأجانب. وقد لاحظت أن الكثير من السعوديين في هذه السلسلة بالذات لا يريدون أن يعملوا، هم سيئو الطباع مع زملائهم الأجانب، ولا يهمهم وجود الزبائن، وإن لم يكونوا بالسوء الأخلاقي الذي يتصف به ذلك الرجل الكريه محل الذكر، الذي اتضح أني رأيته ذات مرة وجعلني أكره ذلك الفرع فلا أعود إليه مرة أخرى، بطبعه السخيف وحضوره الوسخ وتصرفاته المشبوهة وجرأته. في سلاسل الشركات الأخرى، يكون العاملين السعوديين أفضل بكثير، أعلى تهذيباً وأكثر رغبة وجدية بالعمل، ولهم حضور نظيف ومرتب، على العكس من ماك، ولا أعتقد أن هذا يتعلق بصرامة السلاسل الأخرى ومقاييسها العملية، لأن عمالها أقل ودية من عمال مكدانلدز، لكن يبدو أن مقاييسهم الإنتقائية حين التوظيف أعلى بكثير من مكدانلدز، وربما يعود هذا لكثرة فروع مكدانلدز وكثرة العاملين فيها، ولهاث الشركة لجمع أكبر عدد من العاملين السعوديين.
لكن النقيصة التي يندر أن يخلو منها العامل السعودي في أي مكان هي إما التصرف بتبسط زائد عن الحد، وكأنه صديقك، أو أن يتصرف حينما لا يعجبه شيء فيك بصفاقة ووقاحة، ولو بإطلاق النظرات المزدرية، أو محاولة الإستفزاز. لا يبدو أن هناك من يشرح لهم أكثر من التعامل مع الآلات، و"محاولة" الابتسام للزبائن. بالواقع، التصرف الصفيق الانتقائي يشاركهم فيه العاملين اللبنانيين حينما يكونون بنفس المهنة، وهذا عن تجربة. لكن عموماً، الأغلبية يريدون أن يمازحوك بميانة الإستراحة، أو ملحق المنزل، ويريدون أن يتكلموا معك حول شتى الأمور، دون النظر أو التبين إن كنت تريد أن تتكلم أم لا، ولا يمكنك سوى أن تجامل.












اتصلت بمندوب شركة المياه المعززة بالأوكسجين، وهو رجل مصري كبير وطيب يوزع صناديق من هذه المياه الجيدة على الدكاكين والأسواق في شمال الرياض. أشتري هذه المياه القادمة من ايطاليا لوالدتي، حيث أن صحة عينيها على وجه الخصوص تحسنت بعدما صارت تشربها بإنتظام، حينما قمت بتجربة الأمر لعله يساعدها في أمر صداعها، إذ أني أجد هذا الماء مصف للذهن مزيل للصداع. كانت تشتكي من ظهور نقط مظلمة تظهر فجأة في نطاق نظرها، وأحياناً تتحرك أمام نظرها بسرعة، مما يشتتها ويتعبها. الحمد لله، زالت المشكلة بعد المداومة على هذه المياه، وإن كنت لا أدري عن تأثيرها على صداع أمي.
أخبرني الرجل بأنه لم يعد يخرج للتوزيع، وأن فلاناً، رجل هندي، هو من يوزع الآن، وسيخبره أين يلقاني ومتى، في مكاننا ووقتنا المعتاد، وسيزوده برقمي. حينما وصلت على الموعد (مباشرة بعد خروجي من العمل) بعد اتصال الرجل الهندي اللطيف، وجدته ينتظرني، في المكان المحدد، وأخبرني بأن فلان المصري، قد حرصه علي كثيراً، لأني أشتري الماء ’’عشان ماما تعبان كثير’’. كدت أن أضحك، فأنا لا أتذكر صدقاً بأني أخبرت المصري عن هذا، لكن لابد أني فعلت، ربما في بداية تعاملي معه قبل سنتين أو ثلاث. ربما كان قد سألني لماذا أشتري الماء باستمرار، فأخبرته؟.
أخبرني بأنه يبيع الماء الآن على الكثير من الناس، وأنه جاء للتو من تسليم طلبية كبيرة لنساء يعشن في كومباوند، ليس بعيد عن بيتنا.
أنصح بهذه المياه لمن يريد تصفيه ذهنه، ويكافح الصداع، إذ أفعل هذا حينما لا أجد حيلة أخرى، أو حينما أريد تدليل نفسي. كما أن والدتي استفادت من الناحية المذكورة. الكمية في القارورة ليست قليلة، وهذا يشكل بالنسبة للبعض، وليس لي، تحدٍ، لأنه يجب شرب الماء بأقل جرعات ممكنة وإن كانت كبيرة وبسرعة حتى ينهيها بذات اللحظة، أو شرب القارورة بعد فتحها مباشرة كاملة بنَفَس واحد أو بنَفَسين متلاحقين مباشرة إن كان هذا ممكناً، حتى لا يخرج الأوكسجين قبل الشرب وتفقد المياه قيمتها.
هي اسمها اوكسجايزر Oxygizer. تباع في بعض الدكاكين ويورومارشيه على الأقل، في قوارير زجاجية (يوجد ماء مشابه في قوارير بلاستك من ماليزيا، لا أعلم عنها شيئاً). بالطبع، الشراء بسعر الجملة كما أفعل أرخص بكثير من الشراء من الدكاكين. لكن أنصح بتجربتها أولاً بشراء قارورتين أو ثلاث كبداية، ويوجد خلف القارورة رقم الإتصال حسبما أتذكر.
كانت تباع قديماً مياه معززه بالأوكسجين مثل هذه، لكنها تأتي من اندونيسيا، ورغم أنها معبأة بقوارير بلاستيكية (أقل كفاءة من الزجاج بكثير بالإحتفاظ بالأوكسجين) إلا أنها مغلفة بتقنية ألمانية تحافظ على الأوكسجين، بكوب مضغوط فوق فتاحة القارورة. وكانت ممتازة جداً. لكنها شيئاً فشيئاً انقطعت عن السوق، وقد تواصلت في ذلك الحين مع وكيلها في جدة، لكن بدا أن الحصول عليها صعب.












كل نهاية أسبوع، تكون فرصتي للخروج كما أشاء، حينما يزورنا أحد فيكون هناك من يقوم مقامي في المنزل. لكني أجد نفسي قد جلست ’’أتقهوى’’ بالمنزل، وهي عادة جديدة مكتسبة، وأهذر وآكل وأجرب وأعرض تجاربي في الأكل والحلويات على أهلي الزوار.
بالواقع، بدأ خروجي من المنزل في نهاية الأسبوع، قبل موعدي اليومي وسط الأسبوع حينما أخرج وحدي بعد نوم والدتي، يصبح أمر ممل مهما كانت أهمية المهمة، ففي تلك اللحظات أشعر بأني لا أحتمل الوحدة كما كنت سابقاً، دون أن أشغل نفسي بقراءة أو كتابة كما أفعل بعد نوم والدتي يومياً، حتى لو كانت كالبحث عن شيء مهم لنفسي لأشتريه. إني أتوق لأيام لم أكن أخرج فيها لوحدي لأجل مثل هذه المهمات.
إني لا أشعر  بالوحدة في المساء المتأخر، لوجود ما أشغل نفسي به، مما يجلب لي المتعة، قراءة وكتابة، رغم تساؤل أهل الأماكن التي أتردد إليها، لماذا دائما آتي لوحدي؟. لا أعتقد أني سأحتمل أي أحد في تلك الساعات، لأنها الأوقات التي أحتفظ بها لأجل نفسي.




سعد الحوشان