الخميس، 14 مايو 2009

حلقة مفرغة تترهل(أفكار،أحداث)

بسم الله الرحمن الرحيم




قد تحسب أمورك أحياناً على ما يرام لفترة طويلة، حتى تكتشف فجئة أن الأمور سيئة تحت ناظريك منذ الأزل.

"تعرف؟..."
"ماذا؟"
"لم تكن الأمور لتنتهي على ما انتهت عليه، لو لم تسيء الفهم دائماً."
"أعرف..."
"إنك محظوظ إذاً"
"لا. ليس من البداية"
"العبرة بالخواتيم."
"ربما"
"لا زلت غير مقتنعاً؟"
"لا أدري، هل كان الأمر يستحق العناء؟"

هل سيستحق الأمر العناء، كيفما انتهى؟...

أياً كان الأمر؟

ماذا لو كان الأمر، هو حياتك برمتها، أو، مجرد نزوة. سيان، العبرة بالمعنى، ماذا تعني حياتك برمتها، وماذا قد تعني مجرد نزوة.




ذهبت اليوم إلى موعدي لدى طبيب الجلدية، الذي لطالما انتظرته. هو في المستشفى الجامعي، وعليه، يمكنكم تخيل كم انتظرت. كنت أرغب في الحجز في البداية لدى معالج أمي، د.الغامدي. رجل طيب، ومتمكن، في كل الأوجه، سواء في مهنته وحرفيته، أو في تعامله. لا يمكنك سوا أن تحبه، خصوصاً حينما ترى تقديره لأمك، وصبره على توترها في المستشفى، في حين قد لا تجد من الأطباء الحقيرين الآخرين سوا البرود، وأحياناً الإهانة أو ما يشبهها. ولكن لم يسمح لي بالحجز لديه، لأنه أخصائي ليزر أو شيء من هذا القبيل، هكذا قالوا لي، وافقت مضطراً للحجز لدى غيره، فحجزوا لي لدى آخر، غير عادي، ولكن بطريقة أخرى. لم يكن الرجل سيء، ولكن، لدي حساسية خاصة تجاه الأطباء السعوديين ومفاجئاتهم السخيفة. بالبداية، كلمتني تلميذته، وهي شابة مجتهدة على ما يبدو، ليست باردة، وهذا شيء نادر وممتاز بالنسبة لطلاب وطالبات الطب السخفاء على وجه العموم. ولكن، يعيبها كما يعيب كل العرب التحدث معاً بالانجليزية بخصوص المريض، وكل العاملين في المجال الطبي خصوصاً هكذا، متكلمين أحياناً بما لا يرضى المريض، أو ما حتى ما لا يرضى أن يفوته وهو أحق به منهم، وهم لا يفكرون بأن العديد من الناس يتحدثون هذه اللغة، وكأنها حصر عليهم. المهم أن الدكتور دخل، وهو طبيب سعودي شاب، ملتزم بلحية طويلة، ونظرة مغرورة باردة. سأل باختصار عن حالتي، ولوى رقبتي لأعلى لينظر إلى وجهي إلى حد آلمني، مستمعاً إلى ملاحظات تلميذته، التي تحسبني لا أفهم ما تقول، من الجيد أن مهن الناس لا تكتب على جباههم، حيث لفتّ انتباهها إلى غلطة بخصوصي. ثم استأذن ليرى مرضى آخرين، وخرج، وأنا جالس مع الممرضة، التي يفزعها جوالي كل دقيقه حينما أضغط أزراره (سامسونج إزعاج، ولكن ممتع). دخل كثيراً وخرج وهو يعتذر عن تأخيري، وأنا أقول: خذ وقتك. كنت أتأمل النافذه، الهواء القوي وهو يعبث بشجرة طويلة، المنظر البعيد، البعيد جداً، لمنزل مقابل للجامعة الضخمة، وأنا أفكر بساكنيه، وأنسج قصة تدور بالغرفة التي أنا فيها، والخارج، وأخرج الورق وأكتب ملاحظات... أخيراً جاء، وجلس أمامي وتكلمنا عن حالتي، وأعطيته ماضيها الذي يعود إلى ثلاث سنوات، أو أكثر قليلاً، وثلاثة أطباء ممتازون اطلعوا عليها، وأعطوني أدوية واقترحوا حلولاً. نظر الرجل، وأخرج عدسة متطورة في قطعة بلاستيكية، وتطلع إلى شنبي، وقال بأنه لا يرى مشكلة. قلت بأن الأطباء الآخرين رأوا المشكلة واقترحوا حلولاً، قال مبتسماً، وهو متضايق بوضوح: "أنا المتخصص، وأنا الأعرف بمجالي..." يعني كل الأطباء اللي رحت لهم أطباء دجاج؟! نظرت إليه صامتاً، وربما فضح وجهي بعض ازدرائي، حيث بدا انه انتبه لما قال، خصوصاً بحضور تلميذتين، فسارع لتغيير الموضوع، حيث بدا مغروراً ولا مجال لمحي الانطباع. بعد تعليقه السخيف، أصبح أكثر اهتماماً بحالتي، وهذه طبيعة الناس حينما يشعرون بالإحراج، حينما يحسبون أنفسهم بصمت الأفضل بالعالم، فتنفضح هذه الفكرة غير المنطقية. تكلم معي كثيراً بخصوص حالتي، وقال بأني ربما أنا المتسبب!! يا لسخافته. طلب مني أن أترك شعر وجهي لأسبوعين وآتيه لأعطيه إنطباعاتي، موحياً بأنه يثق بما يقول تماماً، رغم من سبقه من أطباء. طلب من الممرضة إحضار كاميرته الخاصة، وأحضرت حقيبة كبيرة، أخرج منها كاميرا ثمينة، ليصور شنبي ويريني وجهة نظره. هذا الاهتمام جيد، ولكني لم أستطع التخلص من الشعور بأنه يحب أن يري الناس كاميرته الجيدة لأنه سعيد بها، ولكن هذا لا يعدو سوء ظن مبالغ فيه فيما أحسب. سألته عن جانب آخر من الحالة، وهو شيء لا يبدو أنه لديه وجهة نظر حقيقية بخصوصة، وعاد مرة أخرى إلى القول بأني قد أكون المتسبب. أخبرته بأني لا ألمس شواربي. تكلم طويلاً، أكثر مما توقعت أن تأخذ حالتي، وشعرت بأنه يمنحني اهتمام غير مخطط له، بدافع تحسين نظرته لنفسه ربما. وقفنا، ففطن من تلقاء ذاته إلى شكواي الأخرى، حواجبي، مع أنه حسبها رموشي بالبداية. أخرج كاميرته مرة أخرى، وصور حواجبي وأراني إياها، بدت عيناي الناظرتان إلى أسفل مضحكتان، وقال: شف، ما أشوف الا تماثل جميل. أعلم بأن حواجبي متماثلة، ولكن هناك مشكلة، حتى لو كانت صغيرة أو خفيفة، ليست بالتماثل أو الشكل، ولكن بسبب فطريات أخبرني عنها طبيب آخر، يبدو أنها قد زالت الآن، ولكني أشعر بأن هناك علة بمكان معين من الحاجب. أريته جرح لم يزل منذ فترة طويلة أسفل ساقي، وصدقاً، سمعت عن جروح تتسرطن. ولكنه قال بأنه ملتهب، ويوجد فيه اكزيما على الأغلب، وشد كمه عن ذراعه ليريني أثر جرح لديه لتوه بدأ يزول منذ سنوات. طال اللقاء أكثر مما توقعت، رغم أني لم أكن عنيداً أو مخالفاً. فكرت بالعودة إلى موضوع أنه أفضل طبيب، ولكن، لم أشأ إحراجه أمام تلاميذه، خصوصاً أنه أحرج نفسه مسبقاً، كنت سأقول بأن الأطباء الذين عاينوني ربما درسوه بمرحلة ما. لا يعني هذا بطبيعة الحال أنهم أفضل منه، ولكن حدة غرور الشباب يجب أن تكسر. خرجت وهو يريد أن يراني بعد اسبوعين، فمنحوني موعد في نهاية السنة، ولم أكن واثقاً على أي حال أني سأعود. أريد أن أرى الغامدي، سأصدقه لو تماثل كلامه مع زميله هذا، الذي يبدو أنه الوحيد في العيادة حالياً. الغامدي، ربما هو الأفضل بالعالم، لا يقول هذا، أنا أقوله. من تواضع لله رفعه، والتواضع فضيلة لا يجزئ عنها الالتزام. والغامدي ملتزم أيضاً من مظهره على فكرة. كنت أراه أحياناً حينما كنت أعمل في الجامعة حينما أركن سيارتي أو أخرجها، ورغم أني لا أحب السلام على الدكاترة السعوديين، أطباء أو دكاترة خرابيط، لأنهم دائما يفهمون السلام كمحاولة للاستفادة، إلا أني أحرص على السلام عليه، لا أعتقد أنه يفهم بأني أريد أن أستفيد منه. يرد بتواضع واهتمام، وبصوت مسموع، حتى لو كنت أنا بالسيارة. أتمنى لو كان واحد على الأقل من الدكاترة الذين أراهم مثله.




إني أحب هذا المستشفى رغم كل عيوبه وسخافاته، رغم منظر طلاب الطب الذين يبدو عليهم الغباء المطبق، وطالبات الطب بتبرجهن المثير للشفقة، أحبه رغم وجود الكثير من التلاعب، الكثير من التسيب، الكثير من الأكاذيب وعدم الكفائه، أحبه فهو مثل الجامعة في كل هذا، رغم ذلك، أحبها بلا شروط. هذا فضلاً عن تعالج أمي فيه، فأنا لست مثل الكثير من الذين سمعوا أحدهم يقول بابتذال في رواية، أو ما شابه: تفوح من المستشفى رائحة الموت. فرددوا جميعاً القول، متناسين الآلام التي زالت، والأطفال الذين ولدوا وبدأوا حياتهم. أنا لا أنسى أن أمي المتعبة قد شفيت بعد الله من الكثير من عللها هنا، وتحسنت أحوالها هنا. وكذلك والدي. لا، إني أعشق هذا المستشفى، وأحمد الله على وجوده مهما بلغت علله من مبلغ، ومهما غضبت من مساوئه حد الرغبة بالصياح. أحب حتى الأشجار التي حوله وآلفها. كنت أقول لأمي مازحاً بأنهم سيتدبرون لنا غرفة أو شقة دائمة وسط المستشفى لكثرة ما نداوم فيه، ولكن الذهاب إليه لا يسوءني، لأنه يجعل أمي أفضل بعد الله، وأنا واقعي في خصوصها.





مع ذلك، كم أكره بعض الأشكال فيه، كم لا أرتاح لأخصائي الجراحة الأحمق، غير الحساس، ذلك الدكتور البغيض المغرور، و أسنانه الأرنبية. لقد قال ذات مرة لأمي وأختي بأن يذهبوا لمستشفيات خاصة طالما لديهن المال. حقير. وكأنما يدفع من ماله. وما يدريه عن مقدرتنا؟ هل يتخيل بأننا نستطيع أن ندفع ثمن عملية واحدة بلا ديون؟ هو يعلم هذا، ولكنه لا يحس. ذهبت إليه مع أمي كثيراً، وفي آخر مرة أطال النظر إلي بقدر ما تجنبته، فأنا حتى لا أطيق النظر في وجهه وابتسامته غير المريحة. حاول مجاملتي لسبب ما، لا أدري لماذا سوء الحظ هذا. رأيته في الخارج في يوم آخر أمام مسجد المستشفى، نظر بتركيز وسلم كذلك على غير العادة، وعلى نحو انتقائي وغريب، رددت السلام، ليتني قلت: وعليكم السلام يا مكروه. أتذكر ضحكه الغبي حين دخولنا بتأثر على أمي وهي تحت التخدير، لتوها خضعت لعملية خطيرة. إنه لا يحس.




الآن، أشعر بالخوف مما قد اواجهه في مسيرة نقلي. لقد أخافني أحد الزملاء، واحد من اثنين يعلمون عن موضوعي، مما قد يحدث كسيناريو محتمل حسب خبرته. ومما جعلني أشعر بأمكانية الأمر القوية، هو أني لست على علاقة طيبة مع شئون الموظفين لدينا، حتى مديرهم، أعتقد بأنه يجدني غير مريح، كما أجده، رغم أن أسبابي وجيهة.



وفعلها محمد أخيراً، ابن اختي العزيز ذو الرأس الذي يشبه المنقا، وأكل من أدويتي على حين غرة. لم يداهم الغرفة كما يحاول دائما، إنما دخلها بهدوء مع حشد من الأطفال الأكبر، الذين سمحت لهم باللعب قليلاً بالوي، جهاز ألعاب الكتروني في حجرتي. وبقي بصمت يتجرع حبوب الفيتامينات البرتقالية الصغيرة حتى اكتشفه ابن أخي وأخبرني بسرعة، بينما أجلس خارج الغرفة. فجعت، وحاولت التأكد من أنه ابتلعها. أنكر، حيث خاف، وهو عمره سنتين ونصف أو يزيد قليلاً، حققت معه، ولما لم أستطع الوصول إلى نتيجة، فتحت فمه بيدي ووضعت أنفي بالداخل وشممت، عرفت بما لا يدع مجال للشك أن الكثير من الحبوب قد وجدت طريقها إلى جوفه، وقد مضغ بعضها بالتأكيد مما يمكنني قوله من خلال الرائحة. وكأنما الرائحة لا تكفي، وجدت إلى جانبه نصف حبه. نزلت مسرعاً أحمله على كتفي إلى أمه. حققت معه بدورها لتتأكد أكثر. ولكنها سألته: أكلت حبوب حبيبي؟ حلوه الحبوب؟ أجاب: أيه أكلت!! أجاب أخيراً بصراحة لأنه ظن أنه شيء مفضل بسبب لهجة أمه، فعمره أصغر من أن يفهم الخدعة. سألته أختي سؤال أكبر من عمره، كم أكلت؟ أجاب: واحد اسنين! وهو يشير بأصابع قصيرة وصغيرة جداً. اتصلنا بالصيدلي، ونصحنا بإذابة حبوب الفحم وإشرابه إياها، لأنها تمنع الامتصاص أو شيء من هذا القبيل. ذهبت واشتريت، وكانت من النوع السائل وليس الجاف، مما وسخ ثوبي الجديد، أشك أنه سينظف، فقد حاولوا مغاسل الرهدن ولم يستطيعوا. شرب من الماء شبه مرغم. وعادوا إلى المنزل وأنا قلق بشدة. في الفجر، اكتشفت بأن حبوب بنادول نايت، الحبوب المساعدة على النوم، قد اختفت منها كبسولتين، الجرعة المحددة للبالغين. كدت أجن، كيف استطاع أن يبتلع هذه أيضاً؟ فهي كبيرة حتى على الكبار. اتصلت بوالدته، وقالت بأنها لاحظت بأنه نام جيداً، وبسرعة! طلبت منها ايقاظه، استيقظ على ما يرام، وبمعنويات عالية! ولكنه رفض أن يستيقظ طويلاً. لا زلت أتابع حالته. حيث أن لونه تغير، ولون بوله بطبيعة الحال، ولكن يقال بأنه بدأ يعود تدريجياً إلى حاله. الله يستر. أتمنى لو عصرته أحياناً...



قبل قليل، أظهر الدكتور الذي أعمل معه تذمراً مؤدباً من مواعيدي التي تكاثرت مؤخراً. كيف شعرت حينما تذمر مبتسماً وهو يتساءل عن سبب كثرتها؟ شعرت بالسعادة!! فهذا سيساعدني في موضوع الانتقال. يا رب، خذني من هنا. شرحت له بأني غداً سأذهب إلى الأحوال المدنية للحصول على بطاقتي، وبعده لدى أمي موعد في المستشفى. هذه هي ظروفي، وهي ظروف واقعة، لا تتغير، وهكذا تسير حياتي. لا تلائم الكثيرين، ولكن، ماذا عساي أن أفعل؟.



يوجد دكتور آخر جديد هنا، ذكرني تواجده بقدري الغريب، الذي تحدثت عنه هنا في وقت سابق، حيث ألحق بالآخرين بلا خيار، رغم أني سأبتعد إن كتب الله بعودتي للجامعة. المهم أن هذا الدكتور كان عميداً في جهة بالجامعة، وقبل أن أنتقل من الجامعة قبل 5 أشهر تقريباً، كنت أعمل على الانتقال داخل الجامعة إلى قسم آخر. والقسم الآخر هو عمادة هذا الدكتور، كنت سأعمل في إدارته. ولكن شاء الله أن يظهر اسمي في وظائف الديوان، وأترك الجامعة وآتي للوزارة. مؤخراً، علمت أن هذا الدكتور انتهت فترة عمادته، وسيأتي للوزارة على شكل مستشار، موضة الجهات الحكومية الحالية. لم يلفت الامر انتباهي سوا قبل أيام. يا الله، كنت سأعمل لدى الرجل ولكني غادرت، والآن، هو لحق بي. بالواقع كنت أحمل همه قبل أن أنتقل حينما كنت أحسب بأني سأعمل لديه، ولكنه يبدو ودوداً نوعاً ما الآن رغم أني لم أتعامل معه كثيراً. كل ما هنالك هو السلام. ولكنه يسدد نظرات، عادة تكون غير مريحة من الغير، ولكنه يشعر المرء بصفاء نيته لسبب ما. ما الغريب في أمره؟ القصة هي، أن الشخص الذي خرج من الجامعة إلى الوزارة في زمن سابق، ثم قدري قادني حينما خرجت من الجامعة وألحقني قربه بشكل ما، ينتمي لنفس عائلة هذا الدكتور الجديد، فهم أقارب، من بعيد أو قريب. تراهات، أعلم ذلك.



أجد نفسي اليوم سائم على نحو غير عادي، لدرجة أن حتى الدكتور الذي أعمل معه كل يوم، وبالعادة لا أجد مشكلة تجاهه، أجدني اليوم لا أطيق النظر إليه أو سماع صوته، وأجد لساني يتدلى حينما لا ينظر. أعتقد أن سبب هذا المزاج المتعكر هو أشياء مجتمعه، لم أتمكن اليوم من استلام بطاقة الهوية، وكذلك، ورقة نقلي لم تصل اليوم رغم أن الوعد كان أمس، وفوق هذا، الموظف البشوش أمس تغير تعامله اليوم، لا عجب، فذاك اللئيم يجلس إلى جواره في شئون الموظفين، حسبي الله ونعم الوكيل.



ما أبطأ الوقت...



ذهبت البارحة لاستلام جهاز ابن اختي، وبما أني كنت في الروضة، منطقة شرق الرياض، قررت أن أمر ببعض المحلات الأخرى هناك. كان محل برناردي للملابس لا وجود له، ولا أعلم منذ متى اختفى. ليس أني كنت أريد أن أشتري ملابس، ولكن قلت لعلي أجد حذاء جيد. توقفت عند العبيكان، اشتريت كتابين لم أخطط لهما، وشعرت بأني يجب أن أقلل من جرير، فهي لم تعد تأتي بما يلائمني. حصلت على خصم جيد كذلك بتعاون من الموظف. بعد ذلك، قررت أن آكل في فدركرز. حينما دخلت وجلست، بقيت لمدة دقائق أطالع لائحة الطعام، اقترب مني رجل بدين، عرفت فيه زميلي في الجامعة، بعينيه الغريبتين بلونهما العسلي. سلمنا وجاملنا بعضنا بالأسئلة، ثم استأذنني ليعود إلى طاولته. هذه هي المرة الثانية التي أراه فيها في مطعم منذ أن تخرجت، وفي المرة الأولى عاد إلى طاولته بنفس الطريقة، وانشغلت أنا بنفسي كذلك. تذكرت كيف كنا نجلس على طاولة واحدة مع بقية الزملاء في الجامعة، نتحادث، حيث غالباً ما كنت مستمعاً، هذا إذا جلست. الآن، نسلم فقط ونبتعد، والكل على طاولة منفردة في مكان ضيق من الجامعة، لا يوجد هم مشترك، ومن الجيد كذلك أنه سلم، فبعضهم يرمق بنظرات لا معنى لها، ثم يهرب، وبعضهم يتصنع بأنه لم يرك، ولا ألومهم بصراحة، فبعضهم لا أود أن أسلم عليه أو أراه، وهذا الأخير في فدركرز ليس منهم، فقد كان خلوقاً ومسالماً، وشديد الهدوء. ولا أتذكر بأني حادثته على مستوى عميق، أو عرفت عنه الكثير، سوا أنه يحب متابعة كرة القدم بشغف غير عادي، بالإضافة إلى مجموعة أخرى من الزملاء. رسب ذات مرة، لأن دكتور سوري حقود لدينا بالكلية، شديد القومية، يعلم بارتباط هذا الشاب بالكويت بشكل ما، وكانت تلك سنة غزو العراق. فحاول أن يوجه اهانات بشكل ما إلى الكويت حينما حضر الرجل إلى مكتبه لعمل ما، وحاول أن يستفزه، أفحمه الرجل. يا لصغر عقل هذا الشامي، ويا لقلة ذمة من احتفظوا به بالجامعة. رسب الطالب.


سوف يذهب الدكتور الذي أعمل معه ولن يعود قبل الاسبوع القادم. هذا سيجعلني أتفرغ جيداً لعمل الدكتور الآخر، وعمله الذي تركه لي. أرجو أن أتخلص من هذه الهموم سريعاً، فلست أحب حقاً ما أقوم به مهما بدى قليلاً ومتقطعاً.



وبذكر الدكتور الآخر، ترك العمل في يدي، وانقطعت اتصالاته لحسن الحظ، على أني أتوقع اتصاله غداً أو بعد غد. أتمنى أن لا يتصل، والله لا أدري لماذا لا أطيقه حتى حينما يكون ودودا.



لقد مررت بتجربة سيئة مع شركة الساعات اليابانية التي طلبت منها مرتين. إحدى الساعات التي طلبناها مؤخراً دخلها الماء بعد رشة بسيطة. رغم قولهم بأنها ضد الماء حتى عمق معين. يحدث هذا حتى مع شركات أخرى مثل سواتش، ولكن حينما يحدث تستبدل الساعة بلا جدال. حينما أبلغتهم ردوا بلهجة لم تعجبني، أن هذا لا يدخل في الضمان حسب سياستهم، رددت أن يروني أين كتبوا هذا؟ فأرسلوا لي الرابط. وبعد شد وجذب قالوا بوقاحة أن أرسل لهم الساعة، وسيفحصونها ويتأكدون من مزاعمي (!!) أنها رشة صغيرة وليس غوص أو سباحة. لو كانت رشة فسيصلحونها مجاناً، ويدفعون بعض مبلغ الشحن، وإن لم تكن رشة، فسأدفع ثمن الإصلاح. وأضافوا بتلميح أن أتواصل معهم عبر الايميل، حيث اتصلت فيهم من قبل عدة مرات. جن جنوني. فرددت بأني لا أستطيع أن أثق بهم. وأنهم لعلمهم برداءة ساعاتهم ابتكروا هذا الباب الخلفي للتنصل. وأن هذا غش. مع العلم أن الماء دخل في الساعة بعد يومين من وصولها. وقلت بأن شركات أخرى مثل سواتش تستبدل الساعة حينما يدخلها الماء بلا نقاش، وأضفت: ولكن هؤلاء سويسريون. قاصداً تسديد إهانة إلى عقلياتهم. وتساءلت بالرسالة طالما لا تستطيعون ضمان ساعاتكم لماذا تقولون أنها ضد الماء؟ أضفت بأني لو أردت التواصل لاستخدمت الطريقة التي تعجبني أنا. وختمت الرسالة بالقول بأني سأنصح الناس على الانترنت بعدم الشراء منكم.


لم أتوقع رداً، ووجهت أختي بأن ترسل ساعتها إلى أي مصلح. ولكن بعد عدة أيام وصلني رد من المدير الفني للشركة، واسمه غربي. يعتذر عما حصل ويبرر بأن البعض يسبحون بالساعة رغم التوجيه بعدم القيام بهذا. تكلم كثيراً في محاولة لاحتواء الوضع، وطلب مني أن أرسل الساعة لـ"تستبدل". لم أرسلها حتى الآن، لم أفرغ. ولكني سأفعل إن شاء الله.


اليوم الاربعاء. وقد كنت محبطاً بسبب موعد لأمي لم أستطع تسويته رغم استأذاني من العمل للمرة الثانية، والثالثة فعلياً إذا ما حسبنا محاولتي الحصول على بطاقة الهوية هذا الاسبوع. وصلت إلى العمل باكراً نسبياً، وبدأت العمل على أمر سخيف وممل للدكتور الذي لا يعجبني. لم يكن هناك في القسم غيري وآخر تقريباً. الدكتور المشرف مسافر، دكتوري الذي أعمل معه مسافر، الدكتور الآخر مسافر، زميلي الأقرب غير موجود. كان جو جيد لإنجاز بعض العمل، ولكن الصداع والضيق احتاج جهاداً للتغلب عليه. جاء زميل لطيف، وجلس معي يحادثني عن سفراته ضمن وفود الوزارة. كانت حكايات ممتعة، ولكن لم تشمل ما أريد أن أعرف عن البلدان لاختلاف الاهتمامات جذرياً. جاء الآخر، وهو مدير المكتب. رجل طيب جداً وودود وعملي، حادثني قليلاً، وهو يوعيني على بعض الأمور التي أقدرها، فيما يخص حقوقي وما يجب أن يكون نظير تعبي، ولكن كل ما أفكر فيه هو الخروج من المكان. كنت أشعر ببؤس لإخفاقي في تنسيق موعد أمي الضروري بسبب غياب الطبيب، رغم أنه قيل لي بأنه سيحضر، لقد أضاعوا علي من وقت العمل وصار الوضع أصعب للاستئذان لاحقاً من أجل الضرورات. في لحظة لم أستطع العمل بسبب الصداع، والصداع لا يصيبني إلا نادراً، فخرجت لأتنفس بعض الهواء الطلق بالخارج. جاءت صلاة الظهر سريعاً، وبعد الصلاة وأنا أبحث عن حذائي، رأيت وجه مألوف أمامي. مد يده وصافحني، وكل ما استطعت أن أتوصل إليه أني أعرف هذا الوجه من الجامعة. عرف عن نفسه قائلاً بأنه فلان الفلان، دكتور من الجامعة، له مظهر طالب، كنت قد حادثته حينما جاء يطلب تعريفاً في الجامعة، عن عائلته وأقاربه المشهورين. كان ودوداً، وتذكر أني المترجم هناك، تذكرني أكثر مما تذكرته. لم يفهم أني أعمل هنا الآن. ودعنا بعضنا، ولكن بعد قليل رأيته في مكتب آخر، وفهم أني أريد الانتقال من هنا إلى الجامعة، خامرني شعور بأنه يريد لنفسه العكس. عموماً، هو من الدكاترة القلة الطيبين، رغم أني لا أعرف عنه الكثير. هو من القصيم كذلك.



سعد الحوشان

الثلاثاء، 12 مايو 2009

عطاء وجودي(فيديو مع أفكاري)


بسم الله الرحمن الرحيم


أعتقد أحياناً بأن من يبحث عن نموذج للإرادة، عن قدوة في العطاء والصبر، يخطئ حينما لا يلتفت إلى الأم منذ البداية.


الأم ليست مجرد نموذج، وليست مجرد غريزة وغريزة مرتجعة من الأولاد، إن الأم شيء يتطلع المرء إليه ويتفكر بإبداع الخالق لهذه الفطرة والغريزة في الأم، وفي عين الناظر إليها، حيث لا يمكن تجاهل الجمال الأمومي، ولا يمكن تجاهل الشعور الخاص، والفعلي، والحقيقي إلى حد اللمس، في الصدر حين التطلع إلى أم كمجرد أم، خصوصاً حينما تبدو في قمة عطائها، أو في قمة أمومتها حينما ترى أبنائها حولها، حتى لو كانوا في سبيلهم إلى رد بعض ما أخذوا، وليس الأخذ. أعتقد أن العطاء لا يستوي أخذاً سوا في حالة الأم، فحينما أنت تعطيَ الأم، تجد شعورك وكأنك تأخذ، وكأنها تعطيك، لأن هذا هو الواقع، حينما تعطي أمك، فهي من يعطيك بالواقع.


هذا موضوع يفوق قدرتي على التعبير. موضوع الأم. كنت منذ زمن طويل أود التحدث عنه، منذ المدونة الأولى. ولكني وجدت فيديو مصادفة، فيديو فائق الجمال، ربما أجمل من أي فيديو رأيته، يصور أماً جميلة بأمومتها، حتى تحطيم القلب. يقال دائما على نحو شعبي أن كل صغير مليح، أنا أعتقد أن كل أم جميلة. هذه الأم الجميلة هي عجوز مكسيكية على ما يبدو، مكافحة، وصابرة، أم. لا شأن للأمر بالدين أو العرق، فالأم أم، وإن تمنيتُ أن هذه الأم مسلمة لفرط تأثري. لا علاقة لهذا بيوم الأم الذي يتحدثون عنه مؤخراً، فلا أعتقد أن وجود يوم للتذكير بالأم أمر عادل. يمكنك أن تسمي يوم للشجرة، للمعلم، للأرض، لأي شيء، ولكن الأم لم تختر يوماً واحداً لتتذكر أبنائها أو تشعر بقيمتهم. إن كل يوم يجب أن يكون يوم الأم، ولكن هذا لسبب ما أمر بعيد المنال لدى الكثرة الكاثرة من الناس، ولا أدري ما السبب، لعلها حكمة الله، رغم أن الإسلام حث وهذب وحدد الوسائل، وهو بالتأكيد جعل أوضاعنا أفضل من غيرنا من الأمم من ناحية حب الأم وتقديرها، ولكن ليس هذا الواقع لدى الكل هنا، ممن قصرت فطرتهم عن هذا من الأساس.


لعل هذا الفيديو يساعدني بالتعبير عما أراه، لعل البعض يفهم وجهة نظري.


لا أجمل من الأم على الإطلاق.






سعد الحوشان


ملاحظة: سأنشر تدوينة كما المعتاد قريباً جداً إن شاء الله. عودوا قريباً!

الأحد، 3 مايو 2009

فيما يرى المتيقظ(أحداث،أفكار)



بسم الله الرحمن الرحيم




معاناة الناس تتشابه أحياناً، وتتكرر، ولا أحد يتعلم، على الأغلب لأن الجميع يظن بأن تجربته لها ظروف مختلفة. قرأت تجربة تأثرت بها كثيراً. كانت تطلب المشورة في صفحة ورود الأمل في جريدة الجزيرة، الجريدة التي لا أفتحها بالعادة، ولكن كنت أنتظر في المستشفى وكان يجب أن أقرأ شيئا، والحمد لله أني أضطررت. لماذا يسعدني أن اضطررت؟ هل لأن الرد على معاناة المرأة جاء بجديد؟ لا، ولكن، بدا لي توكيداً على مروري بنفس التجربة، وانتهائي، ومراجعة للدروس التي استخلصتها من التجربة. وما أقساها من دروس. إن المشكلة لدى الفتاة الشابة تتعلق بالصداقة، مثل تلك المشكلة التي واجهت في وقت سابق. وهي مشكلة ذات وجوه مختلفة عن المعهود عموماً، لا تتعلق بنقص العطاء والالتزام والمحبة، ولكن تتعلق بزيادة هذه الأمور على نحو مسرف. وهذا يدعو إلى نفور الطرف الآخر. لا يمكنني أن أنسى بأني نفرت من أناس آخرين حينما أظهروا مثل هذا الاهتمام المسرف والعطاء غير المنطقي. ولكني مع ذلك فعلت نفس الشيء مع شخص آخر. وربما ذهبت إلى أبعد مما جرى معي ومع غيري بإلحاحي، فلا أنسى أن من طبعي المثابرة الشديدة على الأمور، إن كانت في صالحي أو لا، دون أن أشعر على الأغلب. كانت إجابة المحرر ممتازة، وشاملة، ومنطقية. ولكن، لا شيء سوف يخفف الندم والشعور بالخسارة والغباء، وصدقاً، لم يكن المحرر يحاول هذا. أتذكر حصار صديق عزيز لي، وتصعيبه أمور حياتي، وإشعاري بالضيق بسبب اهتمامه الزائد. كما يقول المحرر عن هذه النقطة: "فغاية الإزعاج أن تجد شخصاً يتصل بك أكثر من مرة ويستغرق في السؤال عن الحال رغم أنه ليس هناك ما يدعو للسؤال والقلق! أو أن يضرب عليك حصاراً عاطفياً يكاد يخنقك!." ولكني لم أحاول إنهاء علاقتي بذلك الصديق، بقدر ما حاولت أن أخفف من تواصله معي وأجذب انتباهه وأشغله بأمور أخرى أكثر جدوى، فلم أكن أود أن أخسره لعلمي بأنه طيب وسوي، إنما يعاني من مشكلة ويحتاج إلى تعاطف، سوا أن الأمر انتهى بالافتراق، ليس بسبب سوء فهم، ولكن بسبب قرار متفق عليه. لم يكن هو الصديق الوحيد الذي سبب لي هذه الأزمة، كان هناك غيره، وربما لم أتصرف على نحو حسن مع غيره كما أحسنت التصرف معه مع الأسف، وإن لم أكن قسوت أو ابتعدت فجأة، ولكن عزائي أن سوء تصرفي لم يكن عن قسوة، أو سوء نية. ولكن مع خبرتي بالأمر، إلا أني وقعت فيه مع أحدهم، ولم يتصرف معي كما تصرفت مع الآخرين. ولكني لا أوقع باللوم كاملاً عليه، على أني أعتقد بأني لم أعرفه جيداً، فقد ظهر بالنهاية بأنه كشخص أقل مما تخيلته بكثير. وشعوري الخاطئ باختلافه هو ما أوقعني بالخطأ والمبالغة بتقديره، ولكن هل يتحمل هو هذا الخطأ؟. يقول المحرر: "كثرة الاقتراب والالتصاق لا شك أنها تحرض الآخرين على الهروب والابتعاد كما جرت على هذا التجارب واتسقت به نظم العلاقات يثبت الواقع هذا" معنى هذا، أنه حتى لو كان بقدر توقعاتي، وكان أكثر تفهماً، لم تكن الأمور لتسير على ما يرام، وليس معنى هذا أني أعتقد الآن أنه سيء أو لا يستحق، ولكن ما أقوله هو أني لم أعرفه جيداً، ولا زلت ربما لا أعرفه جيداً، وبأي حال، حتى لو كنت أعرفه وكان مميزاً حقاً، لم يكن يجب أن أتصرف كما تصرفت، ولا أحد يستحق ذلك العطاء، لأنه زائد ومؤذي، ولأن لا أحد يدوم للآخر، ولأنه غير منطقي. قال المحرر كلام واضح، وربما بديهي، ولكن هل الكل يقرأه و يعتقد بأنه يطبق ما فيه دائما؟ هكذا قال: "أنا لا ألومها في الحقيقة فليس ثمة أثمن ولا أنفس من الحرية وأي تهديد لها يجعلنا نعلن حالة الطوارئ حاملين أسلحتنا لصد هذا التهديد وهذا ما حدث والله أعلم"، على كلامه هذا، هل يجب أن ألوم ذلك الشخص؟ على الأقل في الدرجة الثانية؟ من بعد لومي لنفسي؟ لا أظن أن لومه عادل، ولكن من جهة أخرى، نميل إلى لوم الآخرين حتى لو لم نصرح بهذا، لأننا نشعر بأنهم كان يجب أن يقولوا بعض الأمور لنا بمباشرة ووضوح، لأننا كنا أغبياء في بعض الظروف، لأننا كنا نأمل كثيراً. فالابتعاد بدون شرح، الهروب، السخرية، الالتفاف على الأمور والإشعار بالضيق، قد لا تثني المشاعر الصادقة، إنما ما يثنيها هو الإجابة الصادقة. وهذا الشيء الوحيد الذي يبدو أن المحرر إما يلتف عليه في محاولة للمساعدة، أو أنه لا يفهمه بسهولة، رغم أن إجابته صحيحة بلا شك، ولكن قد لا تكون مجدية في هذه الظروف إلا مع شخص في ظروف أكثر اتزان، إذ يقول: "وما أنصحك به أن تكفي يا رعاك الله عن الاتصال نهائياً فرسالة الصديقة واضحة (من ردة فعلها) جلية فتصرفاتك وإلحاحك المزعج يزيدها كرهاً ونفوراً منك." لقد نصحت بنصيحة مشابهة، وربما أفضل بكثير من هذه النصيحة وأكثر عدلاً، ولكني لم أمتثل لها، فكانت خسارتي أعظم. ولكن لا بأس.




لدي زميل أبكم وأصم في العمل، شاب طيب ومرح، ومضحك جداً. أجد صعوبة أحياناً في التواصل معه وفهمه، مع أن بعض الزملاء يتفاهمون معه بسهولة بالإشارة وبدون كتابة، بسبب العادة على ما يبدو. اليوم أشر إلي وهو يجلس مع أحد الزملاء من أجل عمل على ما يبدو، ولما نظرت إليه أشر إلي باصبعه ثم خط باصبعه خط على خده تحت عينه، ظننته يريد أن يقول: دمعه. لم أفهم المقصد. اقتربت وقمت بالحركة نفسها وأشرت بيدي سائلاً ماذا يقصد؟ فكتب على ورقة أمامه: حلو. ضحكت، وضحك هو لضحكي.


كثيراً ما يمازحني بخصوص شكلي، لماذا لم أقصر لحيتي منذ فترة؟ لماذا لا أقص شعري؟ وحينما آتي وشعر وجهي قصير جداً، أجد منه تلك المزحات.





ذهبت أمس إلى الفيصلية بعد خروجي من العمل، لتناول الغداء، حيث اشتقت لوجبتي المفضلة من مطعم ساموراي في مجمع المطاعم، تيبنياكي. ورغم أن فترة الغداء في الأيام من السبت إلى الثلاثاء مسموحة لدخول العزاب، إلا أني وجدت رجل أمن نحيف وطويل يقف في الباب، كالعادة، بملابسه التي تشبه ملابس البودي جارد، يستوقفني رافضاً دخولي. أشرت إلى اللوحة وقلت ولكنه يسمح للعزاب بالدخول اليوم!

تمعن بي قليلاً، ثم قال: وش اسمك؟
قلت: سعد الحوشان!
فكر قليلاً.
قال: وش اسم اخوك؟
أنا ضاحكاً: وش تبي بأخوي؟!
هو: أنا أعرف أخوك!
ضحكت وهززت رأسي.
ولكنه أضاف: أعرفه، هو يشبه لك صح؟
هززت رأسي قاصداً:لا.
ثم هممت بالدخول، وقال: طيب لا تطول فوق، ترى دخلتك على مسؤوليتي!. لا تتأخر!!

النصاب...


كان أمس أقل ازدحاماً من المعتاد. ربما لأن المدارس والجامعات في إجازة. مع أن المكان كان ممتلئ بالفعل. كانت وجبة جيدة، ولكن مملة.






هل تتذكرون الكروت التي أضعتها للدكتور الذي أعمل معه؟ لقد وجدها على مكتبه، لا بد أنه أخذها في وقت سابق ونسي. حينما أخبرني لم أقل شيئا. ولكني لم أعد أشكك بنفسي كثيراً فيما يخص إضاعة الأشياء. فقد لاحظت أنه كثيراً ما يطلب مني البحث عن شيء، وربما يتوتر، ثم يكتشف أنه لديه.



هذا الأسبوع أشبه بإجازة، ولكني أذهب إلى العمل، حيث لا عمل حقيقي. الدكاترة لا يأتون كثيراً أو أبداً، الموظفون خاملون. لماذا لم يكن الاسبوع إجازة للجميع؟ قد يعمل المدرسون والطلاب لوقت طويل، ولكن الموظفين لا يوجد لهم إجازات منتصف العام أو الصيف، قد يعمل الموظف طوال العام باستثناء الأعياد.






أكلت أمس دون أن اعلم القليل من لحم البعير. شعرت بهذا بعدما ابتلعت قطعتين ربما. أنا لا آكل لحمه. أشعر بالخيانة لأنه لم يتم تحذيري.






سألني أمس شاب سوري يراجع الوزارة وهو تابع لشركة، سألني هل المطاوعة سيقولون له شيئا لو لم يصلي؟ حيث كان الظهر قد أذن له. لا حول ولا قوة إلا بالله. للأسف، لم يكن الوضع غريباً، فهذا السؤال متوقع من شباب دول الشمال والمغرب للأسف، فمثلاً، لن يسألك شاب مصري أو سوداني أو خليجي أو يمني هذا السؤال، ولو لم يصلي لأستحى أصلاً أن يسأل هكذا، ناهيك عن إذا كان لا يعرفك.






رأيت مصادفة في المطعم على ما أعتقد دعاية شامبو شعر. يظهر بالدعاية ذلك التركي السمج ذو الأسم الخربوطي، ولكنهم يسمونه مهند. يتراقص ويتقافز هنا وهناك وهو يلعب بشعره كالمخبول أو الشمبانزي، بوضع لا يبدو ملائماً لعمره. ويتكلم مبتسماً يمتدح شامبو الشعر. المشكلة أني حينما أنظر في وجهه لا أرى شيء مميز سوا أنه شديد الشقرة إلى حد الصهابة. رأيت صورة له بجانبها صورة لممثل تركي آخر ذو ملامح شرقية، لم يكن هناك مجال للمقارنة، الأخير أكثر وسامة بأميال وأكيال. ولكن المشهور هو مهند.

المشكلة أن الناس هنا أعطوه أكبر من حجمه بكثير. مما يظهرنا أمام العالم وكأن ذوقنا فقير، وكأننا لم نرى "نعمة" من قبل.







جافاني النوم على نحو غريب هذه الليلة. ولكن غداً الخميس، فلا مشكلة كبيرة. داهمتني العديد من الأفكار، والذكريات، والسيناريوهات لحياة أفضل، ومفاجئات.وكل هذه الرؤى والذكريات، تتشبث بعناصر من الماضي كإلهام أو مصدر.وليس الحاضر، وليس ما يبدو عليه المستقبل بالفعل. حيث أن الحاضر، والماضي القريب، ليسا حقيقيان كحياة عرفتها في وقت سابق، ولا يعني هذا أنها كانت سعيدة، ولكنها كانت حياة، وإن كنت لا أتمنى عودتها، رغم الملل الآن، أما غداً، فكيف سيختلف عن اليوم، لن يختلف. هذا ما اتخيله دائماً. إني أغفل الأحداث الجانبية مهما بدت جوهرية بالمنطق، فتعريفي للأحداث الحقيقية التي تعطي للحياة معناها مختلف، إنه ليس العمل، وليس البقاء عائماً على ما يرام، ولكن الحمد لله على كل حال، فهذا حال حسن رغم كل شيء.

أتخيل مما أتخيل، أخطاء صححت، ومعانٍ أستحدثت، وقلوب جمعت. أو، رأيت مما يرى المتيقظ، مما هو أقل حقيقة مما يرى النائم.






ذهبت الاسبوع الفائت للمرة الثانية إلى الأحوال المدنية، لأجل تجديد بطاقة الهوية. ذلك أنهم في المرة الأولى أخذوا أوراقي، وطلبوا من العودة بعد اسبوعين. في الأسبوع الفائت، كانت الأمور أكثر سوء. حيث انتهت أرقام الانتظار في الصالة الخاصة بالتصوير وأخذ البصمات، وكان مديرها عصبي، يجيب الناس إجابات استفزازية بدل طمأنتهم، يا له من غبي. قالوا لنا بأنهم سينهون أمر من معهم أرقام أولاً، ثم سيلتفتون إلى من ليس معهم أرقام، وسيبقون حتى المغرب لإنهاء الإجراءات! من يريد البقاء حتى المغرب؟ كذلك، كيف يضمن المرء ترتيبه بلا رقم؟! سيكون الأخير بعدما جاء الأول. فكرت بأن أذهب إلى مدينة أخرى لأنهي الإجراءات بعيداً عن هذا الزحام المحبط والتنظيم البدائي. اتصلت أستشير أبو محمد، وهو خبيري الأول وزميلي في العمل في الجامعة. ولكن لم يكن لديه خبرة. اتصلت على زوج أختي وهو من مدينة قريبة من الرياض، فنصحني أن أسألهم أولاً إن كان هذا ممكناً؟ فقد أعيد كامل الإجراءات في المدينة الأخرى، الأقل ازدحاماً بلا مقارنة، بل ربما الخالية من الزحام. ذهبت إلى مكتب مدير الجوازات، وسألت مدير مكتبه. أخبرني بأن أبقى هنا، فلا يوجد أكثر من 150 شخص وسينهونهم بسرعة! لم يكن هذا كلام مطلع على حقيقة الأمر، ولو كان صادقاً بالعدد، فهو ليس لديه أي فكرة عن حقيقة بطء التنفيذ. قلت بأني لا مانع لدي من الذهاب، وهل هو ممكن أو لا؟ طلب مني الانتظار، وسأل زملاءه بالمكتب، فأخرج عسكري معهم من جيبه أرقاماً، وأعطاني واحداً منها!!!! شكرته ونزلت. وجدت أن رقمي قريب. هذا حظ حسن، الحمد لله. حظي عموماً في هذه الأمور غالباً ما يسير أفضل من المتوقع من واقع الظروف، ولكن ليس دائماً. حينما دخلت وأعطيت بصماتي، أراد الموظف أن يصورني. ومع أني أسمع أنهم يصورون الناس كيفما اتفق ولا يسمحون بفرصة ثانية، إلا أن الرجل نظر إلى الصورة، ثم نظر إلي، وقد كنت متأكداً أن صورتي سيئة لأني لم أكن مستعداً، فعرض بطول بال وسعة صدر أن نعيد الصورة. شكرته بصدق. بعدما انتهيت وذهبت إلى الصالة الأساسية، أعطوني قسيمة لأراجعهم بعد اسبوعين! شهر كامل لاستخراج بطاقة هوية. الأجانب يحصلون على بطاقة الإقامة خلال يومين أو ثلاثة. عدت إلى مدير مكتب مدير الجوازات، ووقفت أنتظره يفرغ، لما التفت إلي وسألني عن حاجتي أخبرته بأني جئت فقط لأشكره، فوجئ وسألني إن كان خدمني، نسي، ثم ابتسم ابتسامة عجيبة، صار فمه معها متوازي أضلاع، بتوازي جوهرة، تخططه أسنان طويلة، بدا شكله صبياني جداً، بدا وكأن جزء منه لم يكبر.









أثارت تلك الفتاة صاحبة المدونة الجيدة موضوع ضد الرجال. ورددن زميلاتها الفتيات بردود جارحة وسخيفة بحق الرجال، والأسوأ أنها ردود جاهلة وعمياء. ومما زاد بانزعاجي هو ردود الرجال التي تتصنع المنطق وعدم إيقاف بعض السخيفات عند حدودهن، وهذا أمر جرأ الفتيات في الانترنت على ممارسة ضغوط وحصار نفسي ضد الرجال. لم أسكت، وأعتقد أني أديت جيداً، قبل أن أقرر التوقف. ولكن مع ذلك، انخدشت صورة المدونة وصاحبتها في عيني بشكل ما. كانت أكثر أدب من زميلاتها، ولكنها ملتوية. عرفت منذ وقت طويل على الانترنت أن الفتيات أغلبهن لعينات، لئيمات، يدسسن السم بالعسل كطبع فيهن. لا أمان ولا عهد لهن، أقول هذا بعد مشكلة واجهتني في منتدى كانت شعبيتي فيه ممتازة، بسبب حفنة حثالة من الفتيات المنافقات والغبيات، حيث إن لم تستجب لما تريد أو تهوى، أو لم تسكت أمام وقاحتها وانتقادها، أو خالفتها الرأي، أو حتى وقعت بمشكلة مع صديقتها، فإن كل هذا مبرر لتخرج كل ما لديها من سوء وأخلاق قذرة. ولكن مع ذلك، وقفن إلى جانبي أخوات رائعات، أخلصن لصداقتنا بالمنتدى أشد إخلاص، إلى جانب أصدقاء رجال، ولكني تركت المنتدى على أي حال. أشد المخطئات خطأ عادت بعد أربع سنوات تطلب مني أن أسامحها، بصيغة مضحكة غير حساسة إطلاقاً، غير مدركة لحجم الضرر الذي لحق بي، فتارة تقول أنها لن تبرر وتعقب هذا بتبرير أقبح من ذنب، وتارة تطلب السماح وبعدها تقول أن السماح والعفو لا يهمان طالما قرأت الرسالة!! لم أرد، ولم أسامح، ولن أسامح. ليس أني لا أسامح بالعادة، ولكن كان يمكنها أن تكون أكثر إحساساً وشعوراً، بحجم يكافئ ما لحق بي من ضرر. لو فعلت هذا، لربما فكرت بالعفو. قال لي في وقت سابق شخص أثق به أنها تبدو غبية، ولكن، لا يبدو الأمر هكذا، إننا نحن الأغبياء، لأننا نحسن الظن فيمن لا يستحق. إن أسوأ شيء بالاعتذار هو استباقه بمبرر، خصوصاً حينما يكون الخطأ جسيماً وشخصياً،أو مؤثراً على حياة أحدهم مهما بدا تافهاً. وكأن المخطئ يتهرب من خطأه، لا يتحمل مسئوليته، ولكنه الآن يتكرم بالاعتذار، لا، إن المخطئ لا يتكرم، ويجب أن يحرص أن لا يوصل هذا الشعور، وإلا فإنه حمار. والخطأ الأكبر الذي يقع فيه معظم الناس، هو القول عند الاعتذار: يمكني كنت معصب وقتها، وجت التعصيبه فيك! ويضحك، أما هذا، فهو ليس بحمار، ولكن قد يتخذه الحمار حماراً. بغض النظر عن حسن النية، هذا خطأ غبي جداً ويدل على سفاهة غير عادية.









أعمل منذ بداية اليوم، وبالنهاية، انحذف كل ما قمت به بسبب غلطة غبية، يا الله. لست راغب بالإعادة، ليس الآن. اتصل بي البارحة الدكتور الانتهازي، وهو لا يتورع عن الاتصال في أي وقت، مما يضايقني حقاً. وقد كان لم يأتي في الأسبوع الفائت، وهو إجازة للمدارس والجامعات، ولكنه يعمل بالوزارة فلا أعتقد أن الإجازة تشمله، مع ذلك، اتصل أمس يسأل عن ما قمت به خلال الأسبوع الفائت، ولم يرضه أني أنهيت ما طلبه مني، بل قال لماذا لم أكمل الباقي؟ والباقي، هو كل شيء تقريباً، وماذا يعمل هو؟! يا للبجاحة، لقد شعرت بسخافته وسطحية تفكيره البارحة كما لم أشعر من قبل. أرجو أن يسهل الله أموري وأخرج من المكان، مع أني أتصور بأن الأمر سيستغرق وقتاً فيما لو وافقوا على خروجي من عندهم. أمس السبت أخذت الرسالة الموجهة من الجامعة إلى الوزارة تطلب نقل خدماتي إليها. اعطيتها لمدير شؤون الموظفين وسألني عن ماهيتها. أخبرته باختصار، قرأها، ثم أخبرني أن آخذها إلى الوارد ليعيدها الوارد إليهم (!!) لن أفهم أبداً، أبداً، الغرض من هذه الدوائر، لماذا لا تسجل في قسمهم بالكمبيوتر؟ هل يجب أن تذهب إلى الوارد؟ ويزدحم الوارد بكل شيء؟. وقال بأنهم سيكتبون خطاب لمديري ليرون مرئياته. شكرته وخرجت. أنا أتجنبه بالعادة، وهو ينظر إلي بالعادة بطريقة غريبة، ربما بسبب الموقف الذي حصل حينما أردت الانتقال وهددت ضمنياً باللجوء إلى ديوان الخدمة المدنية، على أنه يجاملني أحياناً حينما يوقع على الأوراق التي أحضرها ويعاملني بذوق، ولكني لا أحب أحد من قسمه، فكلهم على جانب غير عادي من الصفاقة، أو أغلبهم. يا رب، يا رب، أعدني إلى الجامعة.

إن الدكتور الانتهازي يضعني بمأزق أخلاقي فعلاً، فلست أريد أن أجرحه وأعامله بصراحة رغم أني أستطيع ولا أخاف، ومع ذلك، وفيما لو استمريت بالعمل لديهم بالوزارة ورفضوا خروجي، أخشى أني سأضطر لذلك إذا ما تكررت اتصالاته المتأخرة وغير الملائمة.









شعرت بتعب اليوم في العمل، حاولت البقاء بقدر المستطاع، ولكن في النهاية وجدت أنه من الأفضل أن أغادر حتى لا يسوء وضعي ولا أستطيع القيام بما يطلب مني على الوجه الأمثل. غثيان وصداع وارتجاف. الآن أنا أفضل الحمد لله، ولكني لا أشعر بأني بوضعي الطبيعي المعتاد.




سعد الحوشان

السبت، 25 أبريل 2009

شهاب الأحلام (حلم،أحداث)



بسم الله الرحمن الرحيم

مما يخاف المرء؟ أقصد، على المستوى الحياتي. خطر هذا التساؤل في بالي بعدما كنت أخبر أختي بقصتي مع المشرف الدكتور في العمل، وكيف أني خفت أن يوبخني وأن يسمعني ما لا أحب أن أسمع. ضحكت أختي وقالت بأنها حسبت بأني لا أخاف من أحد. بالتأكيد، نظرت إلى تاريخي الحافل بالمشاكل مع الدكاترة بشكل عام ومصادماتي معهم. وآخرها مع وكيل الوزارة في القسم السابق الذي كنت أعمل فيه، وهو عالق في ورطة حالياً طالما أتينا على ذكره، المهم، أنها قاست بالتأكيد على تجاربي السابقة. هذه تناقضات، ولكني أعتقد بأني عرفت أصلها. إني أخاف حينما يكون من أمامي محترماً، أو محبوباً، أو طيباً. إني أخاف من عدة أشياء، إما يفهمني بشكل خاطئ، أو يخسر احترامي له وتقديري بفعل أخرق، أو أن يضطرني للرد عليه. حينما لا يكون محترماً من الأساس، حينما يكون إنسانا وضيعاً، حينها، لا يوجد سبب للخوف.







اثار غضبي موضوع بالعمل، حينما حصل خلاف حول مع أي دكتور يجب أن أعمل. كان المشرف قد كلفني بالعمل مع دكتور معين، بعدما كنت أعمل مع آخر. واتضح أن الآخر يجد أن من حقه أن أعمل معه وأن يقرر ماذا أصنع في عملي لديهم، لأنه قابلني حينما أردت الانتقال إليهم وأوصى بنقلي. أمر غير منطقي. المهم أنه أتخذ موقف غريب مؤخراً. استدعاني إلى مكتبه وطلب مني الجلوس. وأخبرني بأني يجب أن أعمل معه هو، فقد تحدث مع الدكتور المشرف، ومع الدكتور الذي أعمل معه، والمدير العام، وأنه شرح لهم أنه هو الذي أوصى بعملي لديهم، ومن هذا القبيل، ثم أوضح أنه حينما حادث المشرف، الذي طلب مني أساساً العمل مع الدكتور الآخر، أخبره بأن سعد(أنا) لك(للدكتور)،،، صدمت من هذا التعبير. لك؟! أسير حرب والا بس والا قوطي؟! يتعاطون الموظفين هكذا؟! وسألني وكان الغضب بادٍ عليه من الوضع، إذا ما كان الدكتور الذي أعمل لديه أخبرني بالأمر؟ قلت لا، ربما نسي. قال بأنه لم ينسى ولكنه لن يقول، ولكن ها أنا أعرف. خرجت من عنده، وبيدي كتب وعمل كثير كلفني فيه. عدت إلى المكتب وسألني الدكتور الذي أعمل معه حينما رأى ما بيدي، هل أعطاك الدكتور فلان عملاً؟ قلت بأنه يعطيني منذ البداية أعمال، وسألته بدوري هل قال لك شيء؟ قال نعم، وأخبرني بما قال. ثم عقب بأن الأمر مشكلة، فهم يحتاجونني لديهم. تناقشنا في الأمر، وقال بأنه يجب أن يكلم الدكتور المشرف. ولكن لاحقاً، كان يجب أن أسأل بوضوح، أي منكم عمله أولى الآن، أنت؟ أم الدكتور الآخر؟ قال بأنه لا يدري فهذه مشكلة، وسيكلم بها المشرف، ثم أعقب وهو يبتسم بأن الدكتور الآخر قال له بأنه هو من أوصى بي، وعليه فهو أحق بي. بدا الأمر غير منطقي. ولكن الدكتور قال بعد هذا بأن مكتبي قريب منه، ولهذا يجب أن أعمل معه هو. غير منطقي أيضاً. في اليوم التالي سألني مع من أريد أن أعمل؟ قلت بأني لا أدري. قال بأن العمل معه سيكون مجزياً، وله مستقبل أفضل. وهذا واضح بلا قول، ولكني أساساً لا أعتقد بأن لي مستقبل في الوزارة، ولكن يجب أن أختار في حالة لم تسر الأمور كما أحب وبقيت في الوزارة. وبقي أمر مهم، بل الأهم، بغض النظر عن المستقبل، العمل مهم، أنا أحب الترجمة، والدكتور الآخر العمل معه يشمل ترجمة، ولكنه كشخص لا أحبه، وغير مريح، ليس لأنه سيء على وجه الخصوص، لا، هو ودود ويحب التشجيع، ولكني لا أرتاح إليه، ولا أستطيع التعامل معه دون أن أتوتر وأشعر بأني سأنفجر. الدكتور الآخر ودود ومريح، وأحب العمل معه كشخص، ولكن لا أحب العمل المتوفر لديه، حيث يريدني سكرتيراً وقد أحصل على بعض الترجمة. اخترت الشخص في النهاية وضحيت في العمل من أجل التفاهم وراحة البال. ذهب ليكلم الدكتور، وخرج قائلاً بأنه اتفق مع الدكتور على أن أعمل معه. بدا لي أن الدكتور المشرف رغم شخصيته القوية على ما يبدو يخجل من الاثنين ولا يريد إغضابهما، فهو يعطيهما ما يريدان وإن تعارض الأمر. ولكن ظل الدكتور الآخر لا يدري، ويغضب حينما يتأخر عمله بسبب عمل الدكتور الذي أعمل معه، وصار يقول: ألم نتفق بأنك تعمل معي؟ إذا ما طلب منك عملاً، فقل له بأن العمل الآخر للوزير، فأيهما أبدى؟ عملك أم عمل الوزير؟ يا الله!! كيف يتخيل بأني يمكنني أن أقول هذا للدكتور الآخر، خصوصاً مع عمره الكبير، ولطافته معي، وإلى هذا يكلفني بأعمال وليس العكس!.صار الوضع أصعب، والاثنين يكلفاني بأعمال طويلة وتحتاج إلى وقت، ومستعجلة. طلبت من الذي أعمل معه أن يخبر الآخر بطبيعة الوضع الجديد. ولكنه لم يفعل بسرعة، ربما نسي. ثم قررت أن أضغط على نفسي حتى لا أجرح الدكتور الآخر، وأنتظر لأنهم قالوا بأنهم سيتدبرون موظف لأجله. فاتصلت على الدكتور الذي أعمل معه وطلبت منه أن لا يقول شيئا للدكتور الآخر، حتى لا أغضبه وأنا قد أستطيع التوفيق بين الأعمال، وافق على طلبي. ولكن، ذهب إليه مع ذلك!! لماذا؟! انتهى بهم الأمر مع الدكتور المشرف حسبما فهمت، واتفقوا على ما يلي: أن أعمل في أوقت الضغط مع الدكتور الآخر، بحيث تكون الأولوية له في تلك الأوقات، وباقي الأوقات لهذا الدكتور، أي أعمل للاثنين. لم أخالف، وفكرت بأني سأحاول أن أوفق رغم أن الأمر لا يبدو عادلاً، ولكن ربما استطعت التوفيق. ولكن ما حصل هو، أن الكل صار يطلب مني أن أعمل لأجله بنفس الوقت، دون تقدير لظرف الآخر بدعوى أن عمله مستعجل. شعرت بغيض كبير، حيث أني أنا ضحية هذا العناد، ودكتوري الأساسي الذي أعمل معه أثبت بأنه "مهوب شاطر" خخخخخخ، أمزح، هو رجل كبير وطيب ومتفهم، ولكنه لم يهتم أن الآخر يطلب عملاً كما توقعت أن يفعل، خاب ظني قليلاً. فقررت أن أتحرك من نفسي، وذهبت إلى الدكتور الآخر، وأنجزت أعماله، واقترحت أن يتدبر لي مكتب قريب منه حتى أعمل فيه دون مقاطعة في أوقات الذروة. أعجبه الاقتراح... آسف يا دكتوري الأول، ولكن أنت من أجبرني على هذا. ورغم كل هذا، فرج الله قريب، فقد استجد جديد سأتحدث عنه لاحقاً.




عجيب، كيف تتردد بعض الأمور في الأحلام، وإن كانت أضغاث أحلام، لا تدري ما الذي أتى بها، أو جعلها تزورك بانتظام. لقد حلمت حلم غريب، حلمت بابن أخي المتوفى منذ سنوات، وقد كان لا يستطيع الحركة في حياته، حلمت بأني أجاهد وأحاول أن أساعده ليمشي، و كان قد بدأ يمشي في الحلم. لقد حلمت بأحلام مشابهة عنه بشكل متكرر، بين كل فترة وفترة. لا خلاف بأن فكرة أن يمشي ويتحرك بشكل طبيعي كانت أمنية الجميع في العائلة، ولكن بعدما مات، استبدلت الأمنية بأمانٍ أخرى.لا أدري ما الذي يجعله يزورني بالحلم هكذا، لم أفكر فيه مؤخراً بصدق، ولكن أحلامي عنه تداهمني دائماً حالما أستغرق بالنسيان، فتطوف في ذهني شتى الذكريات عنه، وآمالنا جميعاً بخصوصه، ووفاته الفاجعة. لم يعد من جدوى في الحزن والتأسي، خصوصاً أني أعلم بأن الخسارة الكبرى لا زالت تحوم في قلبي والديه. يا الله! كم يبدو اسمه غريب الآن لفرط النسيان، شهاب، بعدما كان أكثر الأسماء طبيعية، بل وأجملها. كان محور اهتمام العائلة، والآن، ذكراه تكافح في الأحلام. لا، لن أنساك يا شهاب. إني لا أدري لماذا أتذكر صديق متوفى من الثانوية أكثر مما أتذكر شهاب، رغم أن لا شك لدي بأن شهاب كان أغلى بكثير، وفاجعتي فيه كانت أكبر بأضعاف لا عد لها. لماذا أنساه كثيراً؟ من الذي يختار أن أنساه؟ أنا؟ القدر؟ العقل؟ ما الغرض؟ ما الغرض، سؤال لا أدري ما الغرض منه، فلا أمل فيه. كان شهاب في الحلم حينما يقف يقف طولي أو أطول مني، وكأنما استمر بالعيش في مكان ما، ونمى رغم الموت. يا لسخافة آخر ما قلته له، في آخر مرة رأيته فيها. لا يأخذني ندم، إذ لم أكن أعلم بأنها الأخيرة. ولكني أعلم الآن أن كل لحظة، قد تكون الأخيرة في معيار ما، بالنسبة لشخص ما. كان يكفي إضافة اسم شهاب إلى اسم آخر ليعطيه جاذبية في ذهني الصغير سابقاً، وأحياناً، يكفي لوحده. كنت قد اقترحت تسمية فريق من فرق الحي باسمه، وقُبل اقتراحي، رغم أني كنت أصغر من أن ألعب معهم. كم كان الأمر ساذجاً، ولكن صادقاً. ليت الأمور صادقة أياً كانت صفتها، ليس لأني لم أعد صادقاً، ولكن، لأني صرت أحتاج صدق الآخرين بالإضافة إلى صدقي، والآخرين، خيبوا ظني، وإن زاروني في أحلامي بانتظام، وبلا رغبة مني. الأحلام مثل بيت أبوابه مشرعة. يمكنني أن أراهم دائما كما كنت آمل أن أراهم، راغبين بي لا عني، ولكني لم أعد آمل هذا، ورغم ذلك تتظاهر أحلامي بأن هذا هو أملي، أو هل أنا من يتظاهر بأنه لا يأمل؟. لا، إني حقاً أعتقد أنه لا أمل، لأنه لا جدوى. تعرف هذا حينما تفقد الإرادة، حينما يقترب الشيء حتى يمكن أن تمسه بيدك، ولكنك لا تفعل، لأنك تعلم بأنه لا فائدة، وقد لا تنظر إليه حتى. تعلم هذا حينما لا تستطيع أن تأمل بشيء حقيقي. ولكنك رغم كل شيء، عايش.


كانت نهاية الأسبوع الفائت غير جيدة. يوم الأربعاء لم أذهب إلى العمل. كنت قد استأذنت لأتأخر مثل الثلاثاء، ولكن، استغرق موعد أمي ساعات طويلة في الانتظار والإجراءات الأخرى. ويوم الخميس ذهب نصفه بالنوم بعد إرهاق الأربعاء، والنصف الآخر في تدريس اللغة الانجليزية، ليس النصف الآخر بالواقع، ولكن جزء كبير منه. الجمعة نوم في أغلبه لسبب أجهله، وفي الليل ذهبت للعشاء في منزل أختي، مشويات، لا يمكنها أن تصحح سوء اليومين الفائتين، لأني لا أحب المشويات عموماً.




هل لاحظتم الأيقونة على جانب الصفحة أسفل ملفي؟ هذا رابط إلى مدونتي المصغرة. التدوين المصغر شيء حديث نسبياً، وكنت لم أقتنع به من قبل. قد لا يكون لسبب واضح عدم اقتناعي. ربما كان بسبب تهافت الناس عليه، فهذا شيء يجعلني أتشكك بالشيء في حياتي، حينما يتهافت الناس على شيء معين بكثرة، فلا يصبح الأمر مميزاً، ويعطيني شعور بأن فيه علة ما، أو في الأمر بعمومه علة. عموماً التدوين المصغر فكرته هي توفير عدد محدد من الأحرف للمدون، 140 حرف، بحيث يوضح فكرة مباشرة ودقيقة، غالباً حول: ماذا تفعل الآن؟. لهذا كنت أشعر بأنه غالباً ما يتمحور حول الفرد بشكل فج، وهذه أحد اسباب عدم اعجابي، رغم أن مدونتي الكبرى تتحدث عني غالباً. المهم، مؤخراً لا أدري ماذا أثار اهتمامي لأبحث عن خدمات أخرى تقدم نفس الخدمة التي يقدمها الموقع الأشهر محل امتعاضي، وهو موقع تويتر. هو الموقع الأشهر، وفيه العديد من مشاهير العالم من رؤساء وغيرهم. وقد أصبح اسمه رديفاً للخدمة. وله تنسيق مبتكر حسبما أتذكر، فلم أطلع عليه سوا مرة واحدة، بحيث يظهر التدوينات الصغيرات على شكل خط زمني، ولكني شعرت في ذلك الوقت أن شكله يبدو بالغ التعقيد، وغير جميل. حينما بحثت وجدت عدة مواقع غير مشهورة تقدم الخدمة، ولم أكن قد قررت أن أخوض التجربة، كان مجرد فضول، تغير هذا حينما رأيت خدمة غير معروفة، ولكن جوجل تملكها. لأول مرة أسمع عنها، وكان ما أعرفه أنه أشيع أن جوجل حاولت شراء تويتر من صاحبه( وهو نفس الشخص الذي أنشأ وكان يملك بلوجر، الذي أستخدمه الآن للتدوين والاستضافة). بدا الأمر جذاباً لعدة أسباب، أحدها أنه تابع لجوجل، وإن لم تكن تطوره بشكل فعلي، حيث تركت الأمر لوقت فراغ عدة موظفين، سبب آخر أنه غير مشهور، وهذا شيء مهم، وسبب آخر أنه بدا بسيطاً جداً من ناحية الشكل والفكرة، يشبه المدونات الكبيرة. وعرفت ان استخدامه سهل، رغم أن خدماته قليلة. وقابليته للتعديل قليلة، وربما انطبق الأمر على تويتر. ولكن انتماءه لجوجل بشكل ما كان السبب الحاسم للتجربة. والآن، أعتقد بأنه مفيد لي بطريقة غير الطريقة التي كنت أتصورها عنه، فلا يهمني أن أخبر الجميع بماذا أفعل الآن أو أين أنا، ولكن كما يمكن للمرء أن يرى، مدوناتي الكبيرة هنا تأخذ وقت طويل في الكتابة، وأحياناً، أتوقف لأيام عن الكتابة لأسباب مختلفة، وهنا يفيدني التدوين المصغر في جايكو، الخدمة التي استخدم من جوجل، في ذكر بعض الأمور والمستجدات، أو التعليق على الحياة بشكل عام. على أني لا زلت غير متعود عليه، ولا أعرف ماذا أكتب معظم الوقت. ولكن يعجبني أن أجد مجال لكتابة أشياء صغيرة، بين الأشياء الكبيرة التي أكتبها هنا، حيث سيبدو الأمر سخيفاً لو كتبت جمله لا تتعدى 140 حرفاً. رغم أن جوجل لا تأخذ الخدمة على محمل الجد على ما يبدو، وهذا أمر تعيس.


هذه مدونتي المصغرة على أي حال:

http://saaddiary.jaiku.com/



ذهبت إلى معرض الحاسب السنوي في الرياض، ولم يتح لي رؤيته جيداً، إذ كان الغرض من القدوم هو شراء جهاز لأخي، وكنا قد ذهبنا في وقت ضيق أصلاً. ولكني في هذا الوقت الضيق رأيت عدة أشخاص أعرفهم، أحدهم سلمت عليه من قبيل المجاملة ولأن أخي رغب بهذا، ووجدته يسترق النظر إلي، بطريقة ذاهلة، لم يكن ما أشكل بيننا باليسير نظراً للظروف. وآخر ذهبت إليه بنفسي، وهو زميل هندي من الجامعة، باحث ودود، ويحب المراسلة على البريد الالكتروني. سلمنا وتكلمنا كثيراً، ثم لاحقاً أرسل رسالة يعبر فيها عن سعادته برؤيتي بالمعرض.




وردني خبر جيد اليوم. عرفت أن وكيل الجامعة وافق على انتقالي إليهم بمرتبتي الجديدة. الحمد لله. ولكني لا أدري هل سيوافقون هنا في الوزارة على انتقالي؟ الله يكتب اللي فيه الخير والصالح. كثير من إخواني ينصحني بعدم العودة إلى الجامعة. إنهم ينظرون إلى المستقبل المهني. وهم على حق من هذه الناحية، سأقبر في الجامعة. ولكن يوجد أمور أخرى غير المستقبل المهني في حياة المرء، يوجد الالتزامات الحياتية، وما يتوجب عليك تجاه الآخرين، وحتى تجاه نفسك في الدرجة الثانية. أحياناً، أطمع بما قد أتوصل إليه هنا في الوزارة، أشعر بأني قد أحقق شيئا كبيراً هنا، ولكن مع ذلك، ليس أول شيء أتخلى عنه لأجل شيء أهم وأعم فائدة. الجانب الخفي من الموضوع، هو أشلاء من حكاية قديمة، كنت أتصور بأني قد أطلع على بقايا منها في الوزارة لو بقيت أكثر. حينما اختار الديوان أن يوجهني إلى الوزارة، كان قد سبقني إلى هناك شخص آخر، حدثت لي معه مشكلات كبيرة، وأحداث خاصة ومميزة شغلت حياتي لوقت، ما بين شد وجذب، ومصالحة وانتقام. كنت أفكر بالقدر الغريب الذي كتب على أن أذهب إلى حيث ذهب ذاك. ولكني كنت أعلم بأني لن أعمل معه، ولن أكون قريب منه، ولن نصبح زملاء بالمفهوم المعروف. مع ذلك، كنت أوقع اوراق تأتي منه وتذهب إليه دون أن يدري عني، ولم ألقه رغم كل شيء. وكأنما أخذني القدر قريباً جداً، ليريني بأن الأمور ممكنه، ولكنها لا تحدث، كان هذا للأفضل أو للأسوأ. لا يسوءني هذا بأي شكل، أن لم ألقه، ولا يسعدني كذلك. إنه فقط يشعرني بأن ما كنت أقوله عن نفسي، القشة التي تعوم بلا هدى في ساقي، إنما هي تدور بحلقات في فنجان. أو ربما هي كذلك. سأعود إن كتب الله إلى الجامعة، إلى الساقي.




سعد الحوشان

الأربعاء، 8 أبريل 2009

آمال يدفعها الواجب قبل القلب(ساعات، أحداث، آمال)




بسم الله الرحمن الرحيم




سمعت خبر جيد اليوم، أخبرني مديري السابق أن موضوع نقلي إلى الجامعة يتم العمل عليه حالياً من قبل مدير شئون الموظفين. لم أتوقع هذا بصراحة، خصوصاً بعد المماطلة الأخيرة التي تعرض لها مديري هناك. قد لا تكلل المساعي بالنجاح بالنهاية، ولكني أسأل الله أن يتمم على خير. يبقى للأمر وجه آخر، هل ستوافق الوزارة التي أعمل بها الآن على انتقالي منها؟. أرجو ذلك من كل قلبي. المستقبل المهني أفضل هنا، الترقيات أفضل، الدورات والمكافئات أفضل، ولكن، لست أحب العمل هنا، الآن أنا أعمل فعلياً كسكرتير وليس كما أردت وأتفقت معهم عليه. على أني لا أرى في الأمر سوء نية أو إجبار، ولكن يبدو أن هذا هو العمل المتوفر لديهم، رغم أنه كان يجب أن أعلم من قبل، ولم يخبروني بالواقع. لقد تابع مديري السابق الأمر باهتمام بالغ، وهو أمر مشجع أن يكترث مديرك لأمرك إلى هذا الحد، ويزكيك أمام رؤسائه. قال لي اليوم أنه رفض إرسال ملفي إلى مقر عملي الجديد منذ أن غادرت، لأنه كان يأمل أن أعود، وقد لوح بملفي اليوم لمدير الموظفين كوسيلة ضغط وتحفيز لإنجاز أمري. حينما خرجت من الجامعة، كنت أنوي شراء هدية لمديري تقديراً لتعامله وطيبته معي لمدة سنتين، ولكن لاحقاً، فكرت بأني قد أعود، ويكون وضع الهدية غير مريح بالنسبة إليه.




وبذكر الهدايا، سأطلب إن شاء الله ساعة أخرى لي ولأخواتي من شركة الساعة الأولى، اليابانية طوكيو فلاش. سأعرض الساعة حينما أشتريها إن شاء الله هنا. (طبعا لا علاقة بما سبق بالهدايا، ولكن الساعات ارتبطت بذهني بالهدايا)




تقدم زملائي اليوم بطلب دورات خارجية وشملوني معهم. ولكني في حيرة من أمري، لو أخذت الدورة، وقد لا أمنح إياها، أقول لو أخذت الدورة، هل سيكون من الجيد ترك الوزارة بعد ذلك؟ هذا إن كتب لي تركها...




لقد غيرت شكل المدونة مضطراً، رغم أن الشكل القديم لم يكن جميلاً كذلك بصراحة. ولكن، غيرت سياستي، فاضطررت أن أغير الشكل أيضاً. لأول مرة في مدونة رسمية(وليس دعائية) أسمح بالتعليق على ما أكتب مباشرة من خلال المدونة. وربما لأني عبثت بالقالب القديم كثيراً، رفض السماح بشكل جيد للتعليقات، وحتى بعد تغيير القالب رفض. اضطررت أن اخزن المدونة كاملة، ثم ألغيها، وبعد ذلك أفتح أخرى بنفس العنوان، بنفس حسابي لدى بلوجر. لكن، لا يبدو أن احد يهتم بقراءة نصوص بهذا الطول، ومن ثم، يعلق.




أكتب الآن بعد وقت طويل من آخر ما كتبت أعلاه، لقد وصلت قبل قليل الساعات من اليابان، أوصلها البريد إلي بالعمل، في اليوم المحدد، وهذا ما لم يحدث في المرة الأولى التي طلبت فيها الساعات، تطور ممتاز، رغم أنهم اتصلوا في الثامنة والنصف الصباح ووصلني الطرد في الساعة الواحدة.

ساعتي:



الساعة مغطاة تماما بالفرو الطبيعي، فرو بقري.



كذلك، استلمت شيك فروقات الدرجة اليوم، وهذا شيء جيد، بعدما طال الأمر إلى حد غريب. ولكني لا أدري متى سأصرفه، أو ربما أودعه في حسابي في بنكي مباشرة.




فوجئت أمس برسالة من صديقي أمان، وهو محاضر هندي تعرفت عليه في جامعة الملك سعود، ونتواصل دائما، وأكلنا عدة مرات معا في خارج الجامعة. أمان قصته قصة. فقد عانى من ضغوط وقلق كبير لمدة طويلة حينما مرضت زوجته بالسرطان في رحمها، وكانت ستفقد حملها كذلك. كنا ندعوا لها كثيراً. وكانت أمي حتى متعاطفة مع الأمر، أمي التي يسميها حينما يسأل عنها: أمّتي، يعني عمتي. كم هو ودود ومحترم. المهم أن زوجته شفيت ولله الحمد، ولم تخسر رحمها، ولم تخسر الطفل، ما ألطفك يا ربي. أنجبت ولد واتصل يخبرني قبل فترة، وقد قل تحادثنا لأننا كنا نتحدث غالباً في الجامعة. فرحت له، وقال بأنه سيسميه إما محمد أو سعد. حينما قال سعد ظننت أنها مزحة، ونصحته بمحمد. أسماه في النهاية: محمد سعد!! تخيلوا؟ أحدهم سمى ابنه تيمناً بي. سعدت وقلقت، من أن الأسم قد لا يبدو جيداً في أعين مجتمعه، قد يبدو غريباً. ولكن سعادتي كبيرة حينما سمى أحدهم تيمناً بي، لم يفعل أحد هذا من قبل، وكان ينظر لإسمي دائما كأسم غير أنيق.




إني أعقد آمال كثيرة على عودتي إلى الجامعة. خصوصا بالنسبة لحياتي الخاصة. لقد تبدل الكثير منذ أن غادرتها، وحتى مستواي بالكتابة تردى، إن كتبت شيء يستحق الذكر أصلاً. لماذا؟ لأني صرت تعيس على الأغلب. كذلك، إني أعترف، لقد كان خروجي من الجامعة خيار شديد الأنانية من طرفي، وهو يستوجب التصحيح.




اتصل بي مديري السابق أمس المغرب. وأخبرني بأن أمور نقلي تسير على ما يرام من طرفهم. هذا خبر جيد، الحمد لله. ولكني صرت أحمل هم مكان عملي الحالي، هل سيسمحون لي بالذهاب؟ مجرد تبريري لرغبتي بالانتقال لهم لاحقاً يجعلني أحمل هم كبير. يا الله، كيف سأفهمهم؟ هذا لو سارت الأمور على ما يرام من طرف الجامعة حتى النهاية. الله يعين.




احتفلنا أمس بترقية مدير لدينا لمرتبة عليا ما شاء الله. تم هذا في مكتب الدكتور المشرف. حينما دخلت رأيت على طاولة الاجتماعات كيكتين شهيتي الشكل. كان الدكتور المشرف هو من قطع للناس ووزع. توقعت أن يسند المهمة لأحد آخر، ولكنه فعلها بأريحية، وهذا ما يفترض، الأريحية، وهي مفقودة لدى أقرانه بشكل عام. كان أمر رسمي، وليس بممتع بحد ذاته باستثناء أن الكيك لذيذ، ولكن حفلات الجامعة كانت أكثر ودية وصدق، رغم أن ما يتم إحضاره للاحتفال لا يلائم ذوقي بالعادة.




لاحقاً، جائني سكرتير المشرف يبحث عن معاملة بقلق، ليس لي بها علم، وإذا بها على مكتبي!! صدفة حلوة... أو لا؟ طبعاً لا. لا أدري هل نسيتها أنا، أم تركت على مكتبي، ولكنها مسئوليتي الآن. اعتذرت، وأخذ المعاملة، بعدما أخبرني بأنه بحث عنها كثيراً حتى في مكتب الصادر خارج المبنى. قلقت من عواقب الأمر. جائت سريعة، إذ أخبرني بأن المشرف يريدني، هل حانت لحظة الخطأ؟ مشيت إلى مكتبه، ودخلت، قطعت المسافة الطويلة في مكتبه الفخم حتى أصل إليه. بادرني بهدوء يقول بأن المعاملة موقعة منذ يومين، ونبحث عنها وهي على مكتبك. فكرت بأن المعاملة موقعة أمس على ما أعتقد. كنت قلق مما قد يقول، قد يفعل مثل العميد السابق في الجامعة حينما غضب لرفعي شكوى ضد دكتور سعودي آخر. أخبرته معتذراً بأن كثرة الأوراق على مكتبي وكثرة العمل لم تجعلني أنتبه لها، وأن الأمر لن يتكرر إن شاء الله، وبذلك تحملت المسئولية. قال بهدوء ولطف، ربما حتى بدأ قبل أن أنهي كلامي: جزاك الله،، خير جزاك الله، مو مشكلة. وكان يتحاشى النظر إلي في تلك اللحظة. خرجت وأنا أفكر بموقع جزاك الله خير، ولماذا تغير موقفه فجأة؟ ربما لأني تحملت المسئولية، وكان قد أعد نفسه ربما لتهربي منها. أو ربما أشفق علي؟ لا،، مستبعد، ربما. حينما خرجت كان زملائي يترقبون وضعي، هل وبخني؟. لم يسألني أحد، وكانوا ربما يتخيلون بأني سأشعر بالنقمة تجاه زميلي الذي أبلغ المشرف؟ لم أشعر بهذا بالطبع، كان يتجنب النظر إلي، ولكني كلمته بشكل طبيعي، فليست غلطته بكل تأكيد، حتى لو وبخني المشرف، ليس أي من هذا خطأه. ومن الواضح أن فوجئوا بأني لم أخرج حزيناً.

لأني لا أعرف كيف أسفط الغترة جيداً، وحينما أنجح لا أعرف كيف أحتفظ بها كما هي، ابتكرت تسفيطة شبه جديدة. قد تبدو للبعض تشبه الإهمال أكثر، أو اللامبالاة. ولكن، هذا هو المقصد، أناقه طبيعية، غريبة ولافتة. مع أنها تواجه خطر أن تكون مضحكة. تكون مثل التسفيطة المعتادة، برمي الطرف الأول إلى الخلف، ثم أخذ الطرف الآخر من خلف الرقبة ثم من فوق الكتف المقابل، يعني لو كان طرف الغترة الأيمن، يؤخذ فوق الكتف الأيسر، لينسدل إلى الأمام، ولكن ما فعلته هو أخذه من فوق الكتف وعدم تركها تنسدل، ورفعها مرة أخرى فوق الرأس بحركة دائرية، يترك هذا طرف مثلث صغير يتدل على الجانب على مستوى الوجه، بينما يتم تغطية نصف العقال الخلفي بطريقة غير معتادة، إما ببطن الطرف الأمامي، أو للاختلاف أكثر، الطرف الخلفي. قد لا تكون جيدة لكل مناسبة، وقد لا تعجب الأغلبية، أو تبدو غريبة، ولكنها أسعدتني، بأني ابتكرت ابتكار صغير في أمر لا أتقنه تماماً، لأحل مشكلة دائمة، كما أن شكلي يعجبني بها. على أني لم أتمرن بعد جيداً عليها.



هذه صورة لـ"موديل" متعاون وجدته يتسكع خرج الغرفة، تقريباً هكذا تبدو التسفيطة، ولكن بشكل أكثر مبالغة حينما أعملها على رأسي... يبدو أنها ليست ابتكار جديد بالنهاية، ولكنها تبدو غريبة علي لعدم إتقاني على الأغلب.






لقد اكتشفت خطأ الكثير من المعتقدات لدي فيما يخص عملي بالوزارة. صحيح أني لا أحب العمل كيفما اتفق بغير تخصصي، ولكن ربما كان التنويع لصالحي بالنهاية، في مجتمع العمل هذا الذي لا يقدر التخصص عموماً. كذلك، في القسم الذي أعمل فيه، أعرف بأنهم ليسو سيئين حقاً، حتى الدكاترة منهم على وجه العموم. الدكتور الذي أعمل معه حالياً متسامح إلى حد بعيد، والدكتور المشرف علينا من الواضح أنه يحب دعمنا جميعاً. إنهم جيدون، ولكن رغم كل شيء، يوجد اعتبارات أهم.



سعد الحوشان

الثلاثاء، 31 مارس 2009

حيرة دنيوية فقط



بسم الله الرحمن الرحيم



ذهبت أمس بعد خروجي من العمل إلى مجمع المطاعم في برج الفيصلية. أكلت وجبتي التي أتيت من أجلها من المطعم الياباني، استمتعت بها، كانت لذيذة، ولكن، ماذا بعد؟ لقد ذهبت وحدي، وليس للأكل متعة هكذا، خصوصاً إذا ما كان الطعام مميزاً. لم يكن يفترض بهذه التجربة أن تكون فردية، ولا يعني هذا أني لا أرغب بالذهاب وحدي في تجارب أخرى إلى المطعم، مثل وجباتي المعتادة في برجر كنج مع قراءة الجرائد، دون أن يزعجني أحد، حيث لا أفضل اصطحاب أحد إلى هناك. ولكن، يبدو أن هذا النوع هو المتاح حاليا، الذهاب منفرداً، لاستطعام الطعام، دون ذكريات حقيقية لاحقاً.



وجدت مدونة تكتب فيها فتاة، وهي تابعة لمدونات جامعة الملك سعود (ارتباطي بهذه الجامعة لن يموت قبلي على ما يبدو) المهم أنها ربما أمتع مدونة اطلعت عليها. ليس لأني أتفق مع الكاتبه في آراءها، أجد أني أختلف في كثير من الأمور، ولكن أمور أخرى يغفل عنها الناس أجد الكاتبة قد تنبهت لها، وهو أمر جدير بالتقدير. الغريب بالأمر هو، وأنا أتصفح المدونات القديمة، وجدت أن هذه الفتاة على الأغلب كانت زميلة في الكلية في القسم النسائي بالطبع، وربما، جمعتنا مدونات جامعة الملك سعود. وعلى الأغلب، أننا اختلفنا هناك بشدة، إن كانت هي من أعتقد، اكتشفت كل هذا بعدما رددت في آخر تدويناتها مشجعاً ومعبراً عن تقديري لما تكتب. لكن هي تلك الفتاة؟ أم لا؟ وإن كانت هي، ما الفرق؟ على أني حقاً أخذت انطباع شديد السوء عن تلك الفتاة، من حيث نذالتها. عرفت مدونتها قبل فترة دون أن أعير الأمر انتباها، حينما كنت أناقش دكتور متحذلق على مدونته، فأرادت هي تخفيف حدة النقاش واقترحت زيارة مدونتها.



الدكتور الذي أعمل معه لم يعد يأتي مبكراً أو يبقى كثيراً في المكتب، هكذا أريح. الله يذكرك بالخير يا أبو عمر... هل سأعود يوماً للعمل في الجامعة؟...



اكتشفت الاسبوع الفائت أن الوزارة لم تعطني حقي من حيث الدرجة الوظيفية (الدرجة تأتي بعد المرتبة، أي أن أهل المرتبة الواحدة يتفاوتون بالدرجات، أي الدرجة شيء فرعي) ناقشت مدير الرواتب في الأمر، ولكنه تمسك برأيه بأنه يعتقد بأن المترجمين لا يتعينون أصلاً على الدرجة التي ذكرت، وبالتالي لا يرتفعون مع بداية السنة إلى الدرجة التي أستحقها. حاولت إفهامه ولكنه طلب ورقة من الديوان، فهو لا يهتم بالكلام. لم يكن يعلم بأن المترجمين لهم وضع مختلف على السلم الوظيفي في بدايته. أتيت هذا الأسبوع بأوراقي التي تعينت على أساسها وباشرت. بدا خجلاً من تصلب رأيه، رغم أنه لم يكن قاسياً أو تعامل بسوء صدقاً، وهذه حالة استثنائية في هذه الوزارة الاستفزازية. تعاون معي جيداً، كما فعل حينما تعينت، ووعدني بأنهم سيصلحون الأمور إن شاء الله في الأسبوع القادم. لن يكون تصحيح الوضع ذا بال كبير بالنسبة لي، وحتى ما سيعطونني إياه من مستحقات بضعة الأشهر الفائتة لن يكون كبيراً، ولكن اهتمامي كان بسبب أملي بالعودة إلى العمل في الجامعة، حيث لا أريد أن أتعطل بسبب تصحيح قبل الذهاب أو بعده.



الانترنت سيئة جداً في الوزارة... بشكل عام، تجهيزات الوزارة تحتاج إلى إعادة نظر. رغم أن الوزارة تتفوق على الجامعة من ناحية نظافة المرافق والمكاتب، والاستعداد للصيانة.


أشعر بحيرة شديدة حينما أكون مقبلاً على اتخاذ قرار يختص بالحياة المهنية. السبب هو أني لا يمكن أن أستشير أحدهم ويتفهم حاجاتي الخاصة، وطموحي الخاص الذي يختلف عن طموحه فيما لو كان مكاني. أنا محاط بالعديد من الناصحين الصادقين، ولكني فقط غير قادر على إفهامهم خصوصية وضعي. لدي أخ موظف، وله صولات وجولات في وظيفته من ناحية نيل مستحقاته ورؤيته لما ينفع المرء وما لا ينفعه في العمل الحكومي. مشكلتي أني لا أستطيع أن لا أخبره بما أنوي القيام به لأني أعتقد بأنه لديه دائماً شيء ذكي ليقوله (بعكس شخص آخر، يقرر عني حينما أستشيره ويضع الخطط ويرمم نقص شخصيتي لتتلائم مع خططه الجهنمية، غريب؟ هو دكتور على فكرة.. اها). أخي هذا عاجز عن رؤية أن العمل البطيء التقدم ولكني أشعر براحة نفسية تجاهه أرحم بالنسبة لي من العمل سريع التقدم الذي أعيش فيه ببؤس وهم، كذلك، لا يدرك بأن رؤيتي للتقدم مختلفة عن رؤيته للتقدم. مثله مثل الناصح الآخر، يعتقد بأني لدي فرصة لأتقدم وظيفياً، أن أصبح مديراً بشكل سريع، أن انال دورات خارجية كثيرة، وأكون علاقات قوية مع... دكاترة إجمالاً، مهما اختلفت مسمياتهم وألقابهم. أنا لا أريد أن أكون مديراً في قطاع حكومي، هذا غير جذاب إطلاقاً، أريد أن أكون مديراً وفق شروطي الخاصة، أي ربما في عملي الخاص، هكذا فقط. لو كنت ممن يستطيعون البقاء في الخارج لفترات طويلة، لربما وجدت فرص جيدة في هذا العمل، ولكني لست كذلك، لذلك مميزاته لا تعنيني بشيء. هم لا يريدونني أن أعود إلى الجامعة التي تعتبر مدفن مهني، لا يتقدم المرء فيه ولا يترقى. ولكن من يعلم، الله وحده يعلم. أنا لا أشعر بأني سأعمر كثيراً كموظف. أخي أضاف أمر جعلني أتفكر، المركز الاجتماعي... لا يزال الناس يقدرون مدراء الحكومة. أقدر مدرائي، ولكني أريد أمر مختلف من حياتي.






ماذا يجب أن أسمي المدونة؟ ماذا يجب أن أسمي الرواية؟ بالنسبة للمدونة، وددت لو كان لدي أسم أفتخر به ويكون فريداً غير سعداوي، الذي أستخدمه مؤقتاً الآن، لأسميها فيه. ولكن الرواية لا أشعر بأني مقتنع باسمها، وهذا يؤخرني كثيراً رغم اكتمال الرواية. مشكلة الأسماء المهمة..








معروف أنا في العائلة بحبي للطعام الطيب، أني ذواق، ولست أكولاً. وقد رزقني الله بأختين مبدعتين بالمطبخ، وأم أسطورية فيه، وأخت ثالثة... ذواقة مثلي للأسف. كذلك، أنا محاط بزوجات إخوة جيدات بالطبخ في مجمل الأحوال، ويأخذن بخاطري في الأمر في بعض الحالات. المهم أن الدائرة تتسع كذلك لتشمل تقديمات بعض القريبات. واتسعت أكثر حينما شملت زميلة أختي في العمل (اللهم زد وبارك، واللهم لا حسد) كان الأمر حينما أقاموا سوقاً خيرياً في المدرسة حيث تعمل أختي، ونصحتها زميلتها الحجازية بشراء ما طبخت في المنزل، وهو كشري. اشترت أختي علبة واحدة لي، كانت أطيب كشري تذوقته في حياتي. المهم أن أختي أخبرتها بردة فعلي القوية والعنيفة، وطلبت طريقة التحضير، التي يبدو أنها مختلفة عن طريقة تحضيرنا الجيدة، ولكن التي لا ترقى بصراحة. علمت اليوم أن المرأة طبخت حافظة كبيرة من أجلي وأرسلتها مع أختي لي، مع عرض بتزويجي إبنتها (عرض مازح طبعاً). ليست أول مرة يصنع طعام من أجلي من مكان بعيد، ولكنهن كن من الأقارب دائما. فلا زلت لا أنسى حافظات خالتي، زوجة خالي الطيبة، وهي ترسل إلي ما أشتهي من أكلاتها المميزة(الهريس خصوصاً) قبل أن ننتقل من الحي. إن المطبخ أمر شديد الحساسية بالنسبة للمرأة، أو لنقل لمجمل النساء، حيث لا تعبأ إحدى أخواتي كثيراً بأمره. فحينما تعجب بأكل أمرأة فهذا أمر يمس شخصيتها مباشرة حسب رأيها، وحينما لا تعجب بأكلها، فالأمر مماثل كذلك، ولكني رغم كل شيء أمين في الأمر ولو كان ضد مصلحتي، حيث أني أنتقد بصدق وبحيادية، وهذا أمر يكسبني مصداقية ورأيي أهمية. وتداخل المطبخ بشخصية المرأة أمر عالمي على فكرة، بنفس المبادئ في كل مكان. جرب مثلاً أن تنتقد ترتيب مطبخ امرأة، أو نظافته وهذه أدهى وأمر. قرأت خبر عن امرأة من البيرو أو تشيلي اطعمت أبناءها وجبات من مكدانلدز، وتسمم الأطفال وأخذتهم للمستشفى. ذهبت إلى المطعم بطبيعة الحال، وبتصرف أي والد في مثل الموقف وبختهم، ولكن أحد العاملين في المطعم كان وقحاً حقاً، إذ قال للمرأة: مطعمنا أنظف من مطبخك!!. بالمنطق، أي مطعم أنظف من مطبخ امرأة تطعم أولادها وزوجها منه؟ كانت هذه إهانة لا تغتفر لقدرها كأمرأة. جن جنونها، ورفعت قضية ضد شركة مكدانلدز. طبعاً المقال كان يتحدث عن الأمور القانونية ولا يهتم بما أتكلم عنه هنا، ولكن لمن لديه فضول، فالمرأة خسرت القضية، وطولبت بتعويض!! وهكذا كان المقال يمثل على خطر الشركات الضخمة وطواقمها من المحامين البارعين، الذي يطحنون كل ما يعترض طريقهم ولو بالظلم.







في الحج، لا مجال للاحتجاج على الظروف التي يعيشها جميع الحجاج خارج المخيم. لا تستطيع أن تشتكي الزحام، أو الانفاس التي تلفح وجهك ورقبتك، أو الدفع، أو الأنانية. في صحن الحرم، وبغرابة، تجد أكثر الناس وقد صارت أمزجتهم أسوأ مما هي عليه في الجمرات مثلاً. رأيت أناس يطوفون وهم يطوقون نسائهم، ويصيحون بأعلى صوتهم لكل من يرميه حظه السيء قريباً منهم، وكأنما جاء الجميع لينالوا لمسة من نسائهم، وليس من أجل العبادة. كانوا على الأغلب الأعم سعوديين ومصريين، كانوا يسيئون لروحانية المكان بأقصى ما يستطيعون. والبعض تجده يتصرف وكأنه هو الوحيد الذي يعيش وضعاً صعباً في الزحام. أحياناً يدفعونك الناس رغماً عنك على بعضهم، والبعض لا يفهم بأنه لا يجب أن يلوم أي شخص يصطدم فيه. دفعني الزحام وضغطي على جانب رجل مصري ضخم الجثة، وحينما ترى ملامحه تحسبه سورياً بالواقع. المهم أنه صاح بي ودفعني بأقوى ما يستطيع وهو يصيح بأعلى صوته: اييييييييييييييييييييييه!! ذعرت أنا، وذعر مصري آخر يطوف إلى جانبنا، أخبرته بأن الناس دفعوني عليه ولم أقصد، بقي يتذمر ويوبخ، قال المصري الآخر شارحاً له بأن الناس يدفعونه هو أيضاً(يقصدني)، مثلما اندفع عليه، رغماً عني. ثم انبريت أنا أخبره بأني لم أقصد، وليس هناك ما يوجب هذا الزعيق، وهل جاء ليحج أم ليوبخ الناس؟ كنت قد انفعلت لأن زعيقه لسبب ما جرحني. استغفر الرجل بصوت مسموع واغمض عينيه، ثم التفت إلي وقال: معليش يا حبيبي أنا آسف، أنا آسف، تعال هنا. حاولت التهرب ولكنه سحبني تجاهه واحتضنني بقوة!. ولما تركني تركت للزحام تفرقتنا. بعد وقت ليس بقليل وجدته إلى جانبي، حالما رأيته صددت وهممت بالابتعاد، ولكنه اكتشفني ولاحظ نيتي، وناداني بلطف وضغطني إلى جانبه، ثم سحبني أمامه، وأحاط كتفي بكفيه وأمسكني بقوة ليساعدني على الطواف. ساعدني بالواقع حتى أفلت منه في وقت لاحق. إن قلبه رقيق. وبالمقابل، كان هناك من يتعمد ضربك، ليخيفك ويبعدك. إن المسلمين صاروا بالحضيض من حيث التحضر والوعي. قالت أختي قبل أمس بأنها تود أن أحج معها كمحرم في الموسم المقبل... يا الله! أعتقد أني أحتاج إلى سنوات لأرتاح من الحجة الأولى، لا زلت أتذكر الحمى، والإهمال من حملة الجميعة الفاشلة التي ذهبت معها، لا وفقهم الله.



يوجد محل مثير للاهتمام، وهو محل قديم في الرياض. هو محل ساعات، يأتي بماركات غير موجودة لدى الآخرين، وأسعاره عموماً مقبولة. صاحبه والعامل فيه رجل سعودي كبير، اسم عائلته العبيد، وهو اسم المحل كذلك. يوجد المحل في أسواق العويس شمال الرياض قرب المسجد، من جهة ألعاب الحسين. أعرف المحل منذ فترة طويلة، ربما غابرة، ولكني لم أكن من زبائنه حتى سنوات قريبة، ومع ذلك، لم أشتري لنفسي منه سوا لمرة واحدة. أذهب إليه مع اخواتي أحياناً ليأخذن من الأشياء المميزة لديه، وتعجبني الكثير من الساعات الحيوية الشبابية من ماركات غير معروفة، ولكنها تشمل ضمان. آخر ماركة لديه هي ماركة ايفر لاست. ولديهم أشياء حقاً جميلة، ولكن ماركته الرئيسية هي بوي لندن، ولديهم بعض الأشياء الجيدة. زرته مؤخراً بصحبة أختى بطلب منها، ورأى ساعتي، الموجودة صورتها في الأسفل في مقال آخر. شدت انتباهه، وطلب أن يراها، وسأل عن كافة المعلومات حولها. ثم قال بأنه يعرف الشركة من الأساس، لم أقتنع بصراحة. المهم أنه تكلم وخطط لأخذ وكالة الشركة، رغم أني أخبرته بأنها ترفض الوكالات. أتيت في اليوم التالي، لأن الأخت كالعادة ندمت لأنها لم تأخذ الموديل الفلاني، والآن لا تستطيع العيش بدونه. حينما دخلت وجدت العديد من الزبونات والزبائن، وعرفني على أقدم زبائنه، صبي مراهق، وأخته الأكبر منه. وأخبرهم عن ساعتي وأمرني أن أعطيها إياهم ليطلعوا عليها فهم يحبون الغرائب. وضعتها على الطاولة للفتاة حيث أن أخيها خرج من المحل قبل قليل. وانبهرت بطريقتها، وسألت إن كان يبيع مثلها، ولكنه قال بأنها غير موجودة بالسوق، فوالده (يقصدني) سفير في اليابان وهو من أحضرها له!! ضحكت من هذه الكذبة، ولكن كان يتكلم بجدية!!. جاء أخ الفتاة، وشرحت لهم طريقة قراءتها،، فقالت الفتاة بأنها شغله طويلة، وعلقت امرأة سورية كبيرة تجلس في المحل تنتظر الخدمة بأن قراءتها وجع قلب! ضحكت، وقلت بأنها تحتاج فقط إلى تشغيل للمخ، ويتعود المرء عليها ويقرأها بسرعة. الآن أفكر بشراء ساعة من نفس الشركة، ولكني أنتظر ردهم بخصوص بعض التفاصيل، كمصدر مواد السير ونوعية المعدن. عدت إليه بوقت لاحق من اليوم لأسدد المبلغ، حيث لم أستطع في أول مرة لتعطل شبكة بنكي، وقد أصر أن آخذ الساعة وأدفع لاحقاً. سألته إن كان يملك موقع على الانترنت؟ فبدا أنه يحمل همه. شرحت له بساطة الأمر. وطلب مني مساعدته بشراء عنوان للموقع. اكتشفت في المنزل أني لا أستطيع، لأن بطاقة الماستركارد مسبقة الدفع مرتبطة بحسابي مع جوجل، وهذا سيخلف تعقيدات. سأعيد له ماله اليوم أو غداً إن شاء الله وأرى كيف يمكنني مساعدته، فهو حقاً بائع لطيف وناصح.

متى سأبدأ تجارتي أنا؟





أطالع بين الحين والآخر أرشيف مدونتي السابقة على جهازي، لقد استمرت حوالي سنتين ونصف. أود لو أنشر بعض الاقتباسات، مع تواريخ، ليقرأها من يرغب:




01/24/2006




"لقد كنت أتخيل دائما، أن قلبي هو ثمرة يانعة. تنتظر أحدا ليقطفها. و لكن عندما أنظر الآن إلى الأمر، فهي ثمرة تحتاج إلى السقيا، إن كان هناك رجاء لتعود إلى الحياة. يبدو أن البعض استنزفها بلا قطف. و حرصي على أن لا يأخذها غير هذا البعض القاسي، زاد في ذبولها."




01/27/2006




"هذه قصة قصيرة كتبتها قبل فترة. تحكي واقع لحظات أعلم بأن الجميع قد عاش ما يشبهها، لو كان عاش حياة حقيقية. هنا، حيث يتداعى الواقع كبناء ضخم خارت قواه فجئة، واقع كنا نعتمد عليه إلى حد بعيد، ينهار و لكننا نبقى شاهدين عليه، بينما كنا نختبىء داخله بضعف و اتكالية..."




02/ 2/2006




"أخبرني يا صاحبي... في أي حكاية تجرعت غصتي... في أي درب لحقتك... و لم أحتضن سوا حسرتي... هل كنتُ إلا عنقود عنبٍ... تدلى في قلب نخلة... لعلك قبرة تأكل من ثمري... أو تمس عروق يدي... هل كنتُ إلا قلب تمرد على جسدٍ... لتدلكه يد طبيب... علها تكون يدك... هل كنتُ إلا فراشة تقصّف جناحيها... أجاهد لأقع عليك وردة... فتسعفني قبلتي... و لما وقعت على روحك أخيرا طعنتني... و لم تأبه لكونك في يوم استدرجتني... و قد قتل العسيب أعنابي... فذبلت مهجتي... و أعادتني يد غريب إلى قفصي... أنتحب وسط الأضلع... و عبثت بي الريح مع أوراقها... حين أماتتني أيام رحلتي... و هل كنت إلا جواد خلق لكبوةٍ... و كنت أنت كبوتي..."




ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ




انتهت الاقتباسات لهذه المرة...




لم يعد هناك كبوات، فأنا أعرج الآن...




عايش مع ذلك.




سعد الحوشان

الأربعاء، 25 مارس 2009

جريمة في بوفيه



بسم الله الرحمن الرحيم


لا يكون لدى المرء أحياناً الكثير ليقوله، وفي أحيان أخرى، يتساءل إذا كان سيصمت لو وجد الأذن الصاغية. هذا التباين لا يخضع دائما للمزاج حسبما يتخيل المرء في رأيي. إنه يخضع كذلك للحالة العقلية، وللظروف الحياتيه بغض النظر عن المزاج المتغير. حيث أن الظروف الحياتية تبدي لك أحياناً أنه لا فائدة من التحدث، حتى لو كنت في مزاج متكدر، وأحياناً، تنسى فقط ما يجب أن تقوله، رغم علمك بأنه لديك الكثير. لا أحد في الحياة، حتى من يضحكون ويسمون أنفسهم سعداء، لا يجد لحظات يعتقد فيها أنه مخلوق بائس، ولو نسي في لحظات أخرى.

اليوم هو الأربعاء، لقد مر الأسبوع سريعاً حقاً، وإن يكن مملاً رغم ذلك. إن العمل مع الدكاترة حقاً سقيم.

أمس، ذهبت مع أمي إلى الطبيب في أحد مواعيدها المعتادة، وهو طبيب طيب ومتمكن، وقد تحسنت صحة أمي كثيراً بفضل الله ثم بفضل أدويته. كنت قد تحدثت عنه في مدونتي الأولى على ما أعتقد. حيث يتذكرني أكثر من غيره. العديد من الأطباء يتذكرونني بالشكل بسبب سنوات من المراجعة، وبعضهم يتذكرني رغم قرب عهد معرفتي بهم كذلك، لكن هذا يتذكر اسمي حتى، وإن يكن في كل مرة ينسى بأني تخرجت من الجامعة. لم أتوقع بصراحة أنه يتذكر اسمي، ولكن، ناداني به عدة مرات أمس، وكأنما يؤكد على هذا. كان المؤسف أنه أخبرنا أمس بأنه سيتقاعد. كانت صدمة. جاملته أمي وأخبرته بأن يبقى ليأخذ أجر المسلمين، فهي عرفت التحسن في صحتها حينما بدأت تراجع لديه. شعرت بالخسارة حقاً بذهابه، وبالواقع، أشعر بأنه أصغر من أن يتقاعد، رغم أنه كبير بلا شك، ولكني أعتقد بأنه ليس كبيراً إلى هذا الحد. سألته إن كان سيعمل في القطاع الخاص؟ أخبرني بأن أتتبع أخباره من خلال العاملين بالقسم، فهو غير متأكد ماذا سيفعل. خسارة حقاً. لقد كان مخلصاً في عمله إلى درجة أنه حينما وجدني ذات مرة أقف في المستشفى سلم علي وسألني عن أمي، ولما علم أنها تخضع لعملية وتقيم منذ فترة في المستشفى نسق الأمر ليراها بسرعة، غضب لأنه لم يطلعه أحد على العملية التي أجراها قسم آخر.

أجد بعض الناس هنا لا يعملون تقريباً على الإطلاق، ويتهربون من العمل، وفضلاً عن كونه أمر غير عادل بالنسبة لمن يعملون حتى الإرهاق، يتساءل المرء، كيف يعيش هؤلاء بمثل هذه الطريقة؟ كيف لا يستحي من التهرب من العمل والمراوغة طوال الوقت؟ كيف لا يستحي من نفسه؟ كيف يرى نفسه أصلاً؟ ورغم ذلك، لا ألقي باللوم عليهم وحدهم، إنما ألقيه على المدراء الذين ييأسون منهم، وحينما يجدون من يتحلى بالذمة للعمل، يتركون كل العمل على عاتقه دون أن يتفكروا بما قد يشعر به وهو يعاني من عدم العدل، ولا أن يتفكروا بأن أحد ما يدفع رواتب لهؤلاء المهملين مقابل لا شيء، وأنهم شركاء بالإثم على ذلك، فذممهم تسع أيضاً ذمم موظفيهم. يوجد موظفون كثرة لدينا من هذه الشاكلة، وهو أمر صدمني بصدق، فلم يكن الأمر بمثل هذه الصراحة بالجامعة. صحيح أنه يوجد مهملين بالجامعة، ولا يؤدون عملهم على أكمل وجه، ولكن لا تستطيع أن تقول بأنهم لا يعملون إطلاقاً، أو يرفضون العمل ويتهربون منه بنفس درجة الوقاحة هنا. يوجد موظف منذ أن جئت وأنا لم أره يكلف بأي عمل على الإطلاق، فكل ما يقوم به هو التنزه بين المكاتب، وشرب الشاي. وقد رأيت زملائي الذين يعملون بجهد يتذمرون من وجوده الثقيل، وبقاءه في قسمنا رغم أنه غير تابع لنا!! وقد كان يوحي لي بالبداية بأنه شخصية عملية. الدكتور الذي أتو لي به مؤخراً حاول الاستفادة من هذا الموظف، وقد حاول الأخير كبت تذمره قدر الإمكان أمامي، ورغم أنه أتي به بوضوح ليحمل بعض المهام عني، إلا أني لم أرى له فائدة حقيقية حتى الآن، ويبدو أن سيتدبر طريقة للهروب من المكان، فحينما جاؤوا بالدكاترة وعلم بأن استخدامه للشبكة سيكون مقيداً بوجودي قريباً، تذمر وقال بأنه سيخرج من هنا ولن يعود، وتساءل لماذا أتو بهم!! لقد أتوا بهم ليعملون، هذا مكان عمل، ولكن لا يبدو أن أمثاله يستوعبون الفكرة، إن قيم العمل لدينا ليست راسخة، بل إن الأمر يتعدى هذا بالسوء، إن الكثير منا يعيش وكأنما على صدقة الحكومة، لا على عمله.


كان زملائي في القسم السابق قبل أن أنتقل منه، وهم شباب متخرجين حديثاً ويطمحون للعمل كمعلمين، يتعاملون أحياناً مع المراجعين بفضاضة غير عادية، تجعلني أتساءل أين تقع حدود صبر هؤلاء المراجعين، ويتعاملون مع مراجعين آخرين برقة وعذوبة تجعلني أتساءل عن المقياس؟! اتصل ذات مرة شخص يبدو من لهجته أنه شيعي وطلب تحويله إلى رقم آخر ووعده زميلي بذلك، ولكنه أغلق السماعة بوجه وضحك، هو وصديقه، لمعاملتهم لهذا الرجل هكذا. صدمت بالفعلة غير المبررة، فهو أجير بالنهاية لخدمة الناس لا لتقييم معتقداتهم. أخبرته بأن هذه ليست قيم مهنية، ولكن لا حياة لمن تنادي. إن ما يشعرني بالأسف، رغم أنهم لم يكونوا زملاء سيئون كلياً معي، إن ما يشعرني بالأسف أنهم قد يصبحون معلمين، وقد يعلمون الصغار أشياء خاطئة، أو لا يعلمونهم جيداً في أفضل الأحوال. إن الأجيال الجديدة من المعلمين أسوأ من القديمة، وإن كانت القديمة سيئة جداً بشكل عام، ولكن هؤلاء الجدد لا يتورعون عن تصوير الأطفال بكاميرات جوالاتهم ونشر المقاطع لإضحاك الناس عليهم. ولا يعلمونهم أو يهتمون بذلك جيداً كما أرى في تعليم أبناء إخواني.


ينقصنا معلمين يقومون بالأمر بوعي وباهتمام وشغف بالأمر، وخوف من الله قبل كل شيء. قد يكون سوء المعلمين عائد لعوامل كثيرة مثل الوسائل وظروف التعليم وعدد التلاميذ وعدم التحفيز والرجعية، ولكني متأكد بأن هناك خطأ في المجتمع الذي أفرزهم كذلك يحتاج إلى نظر وتوعية قبل أي شيء آخر. نرى المعلمين يضربون الطلاب أحياناً بقسوة ويتسببون بمشاكل صحية لهم، كما نرى تلاميذ يضربون معلميهم لدوافع مختلفة، وهذه مشكلة يجب أن ينظر إلى دوافعها قبل النظر باتخاذ مواقف ضد مرتكبيها. ويختلف الأمر جذرياً في الجامعات، فلا تسمع عن دكتور يضرب طالب، ولكن لأنه لن يضرب، يستبدل الأمر بطرق أكثر وضاعة، تدمر نفسيات ذخيرة الوطن وتحبط معنوياتهم، وتخرجهم معلمين معقدين لهؤلاء الصغار المساكين، الذين ينتظرون دورهم بالمستقبل ليذيقوا ما ذاقوا، وتكتمل الحلقة المفرغة.


قبل سنوات، ذم الناس طالب طعن دكتور في الجامعة في كتفه بسكين، ولكن لم يتساءل أحد عن الدافع. فداحة التصور للحادثة يجب أن لا تمنعنا عن التفكير في الفعل الذي ولد ردة الفعل بطبيعة الحال، فلن يطعنه الصبي بلا دافع، ولو كان الطعن حدث لدافع مختلف عن المتوقع، أي عن الظلم، لسمعنا بأنه طعنه ليسرق منه شيء، أو لأنه مريض نفسياً مثلاً. لم أتعاطف مع ذلك الدكتور، فأنا أعرف إلى أين يمكن للقهر أن يودي. إن الإنسان مهان الكرامة قد يقوم بأي شيء مجنون ما لم يتمالك نفسه. أتذكر أن أمي بكت وذعرت لأنها خافت أن هذا الدكتور قد يكون أخي، حيث أن الحادثة وقعت في القصيم حيث كان يعمل أخي، أتصلنا بأخي طبعاً من اجلها. أنا ضد الضرب، وضد الإهانة، مثلاً أنا ضد أن يضرب الطلاب مدرسهم، أو دكتورهم، لأن في هذا إهانة لإنسانيته، ولكني صرت أتفهم لماذا قد يصل بالمرء الأمر إلى هذا الحد من الإنحدار في الإحساس وتقييم الأمور. أتذكر أني اعترضت بشدة على ضحك طلاب وتفرحهم على دكتور حينما أتوا على ذكر ضربه من قبل طلاب آخرين وإهانته وترويعه. كان هذا الدكتور يتصرف كيفما أراد وهو يشعر بالحماية والقوة، يتوجه إلى الناس بالظلم والقهر دون أن يرف له جفن، رغم أنه كان انتقائي بالأمر، ولكنه اختار أن يظلم الأشخاص الخطأ، الذين ضربوه بالنهاية وحشروه تحت سيارته في مكان عام حسبما سمعت. كان الدكتور قد تغير جذرياً بعد الضرب وصار أكثر قبولاً، ولكني أنا لم أتجاوز بسهولة شعور الشفقة والتعاطف، والتفكير بالجرح والشعور بالإهانة الذي يأكل نفسه. دافعت عنه في ذلك الحين، وقلت بأن من ضربوه ليسوا رجال أصلاً، فكيف يتكومون على رجل واحد، ويهددونه أيضاً بمسدس، هذه ليست رجولة، لو كان أحدهم رجلاً لواجهه وحده، هذا ما قلت، ولكني أفهم الآن بأني فهمتهم وفهمت غرضهم بشكل خاطئ، على أني لا زلت أعتقد بأنهم ارتكبوا خطأ سيندمون عليه. رد علي زملائي بأخذ الموضوع من آخره، إذ سألوني: هل أتى الأمر بفائدة أم لا؟. عدت إلى نقطتي الأولى ولم أجب سؤالهم، ولكن الواقع هو أن الفعلة أتت بفائدة تجاه الطلاب، إذ صار هذا الدكتور أكثر احتراماً، ولكن هذا الإحترام المغصوب يحطم القلب حقاً. ولكن، حينما أقول بأنهم أخطأوا، لست أحاول أن أعطي الانطباع بأنه لم يجن على نفسه كذلك. صرت أتكلم بخصوص التعامل مع الناس وحدوده كثيراً مع زملائي، وكانوا يرون بأني مثالي فوق الحد حينما أتكلم عن إهانة الإنسانية، و جدوى الرد بالمثل على الأكثر. لا زلت أعتقد بأن هذا هو الصواب، ولكني صرت أكثر خوفاً من أني قد أسلك مسلك اولائك الطلاب المعتدين مع أحد ما. إني أعتقد بأني بالكاد أتمالك نفسي حينما أرى طبيب حجازي وجه إلي إهانة في مقابلة شخصية، على أني لا أريد أن أضربه، ولكن تصرفي الجامد حينما أراه يجعلني آكل نفسي من الداخل، وأنا أفكر بالصواب والخطأ. وغيره الكثيرون...
قد أمزق أحدهم،،، قد أمزق نفسي.


بالأمس، ناداني أحدهم وأنا بالدكان قبل أذان العشاء بقليل. كان زميلي في المتوسطة والثانوية، ولم أره منذ ربما سنتين أو ثلاث. آخر مرة رأيته علمت بأنه صار مدرساً متخصص بالتربية الخاصة، أي في تعليم الأطفال الذين يعانون من إعاقات ومصاعب، كان لتوه تزوج في ذلك الحين. حينما رأيته أمس كان قد تغير كثيراً، وبدا أكبر من عمره الحقيقي بكثير. قال لي هو كذلك: تغيرت!!. عرفت بأنه صار لديه طفلين. ولأن الوقت ضيق طلبت رقم جواله، وكان من الذوق أن أصر علي أن أزوره في بيته أو حتى أن نلتقي بالخارج، فهو يريد أن يتكلم معي بالكثير من الأمور. لم أكن شديد التفاعل لأني كنت ناعساً إلى أقصى حد، ولكني كنت سعيد من كل قلبي برؤيته. ما شاء الله، إذا لديه طفلين؟ نحن بنفس العمر، كان الممكن أن يكون لدي طفلين كذلك، لو كنت أريد أصلاً، هل أنا لا أريد؟ لا، لا أريد الآن. ولكن البعض يشعرني بأني تأخرت، ولا أستطيع أن أنظر للمتأخرين وكأنهم يقولون بأني لا زلت مبكراً. ولكن بغض النظر عن الشعور، يوجد خطط قبل الزواج.


لقد سافر مديري مع العديد من الناس في الوزارة إلى الخارج في مهمة، ولا أحد يستغرب، فهو كثير السفر من أجل مهام الوزارة. حينما أخبرت أحدهم بأنه يسافر كثيراً، قال اسأله هل يريد أحد ليحمل حقائبه؟.. إن الناس مجانين بالسفر.


أعرف الآن بأن أيام الخميس والجمعة مشغولة لدي أكثر من وسط الأسبوع. لدى أخواتي مهمة مستحيلة دائما في نهاية الاسبوع. وهذا أمر أدركته مؤخراً؛ إني أفضل إلتقاء الناس شخصياً في وسط الأسبوع، لا في نهايته، رغم ضيق الوقت. لم أعد أفضل الخروج مع أحدهم والبقاء طويلاً نتجول طوال الوقت ونقفز من مكان إلى مكان كما كنت أفعل مع بعض الأصدقاء، أريد أن ألتقي أحدهم في كوفيشوب أو في المنزل لوقت محدد. كذلك، لم يعد من أحد لأقضي معه الأمور كما كنت أقضيها.


اشتريت هاتف جوال من ماركة جديدة، لدي شك بأنها إماراتية، أو تايوانية. المهم أن جوالها الأول صغير الحجم، ولم أشتره بصراحة لأستبدل ما لدي حالياً، ولكن لمجرد التغيير والتجريب حيث شد نظري بشدة، ولأن سعره رخيص. اسم الماركة: نيو. حجمه صغير جدا أصغر من الكف، ولكن ليس هذا المميز بالنسبة لي، حيث يوجد من حجمه في السوق منذ مدة طويلة، ولكن المميز هو طريقة ترتيب واجهته، حيث تمسك بالجوال حينما تريد طلب رقم أو كتابة رسالة أو مشاهدة فيديو أو صورة بالعرض، لأن أزراره تأتي إلى جانب الشاشة وليس تحتها، كما أن تصميمه مميز، ليس فائق النعومة أو الإبهار(ربما كانت لتكون هذه المزايا نقيصة)، ولكنه لطيف وشبابي، شبابي ليس بالحس العربي أو السعودي، ولكن بالحس السليم. وهو إلى صغره يحوي بشكل مذهل الكثير من المزايا، كاميرا، بلوتوث، راديو، مشغل فيديو وموسيقى، انترنت وام ام اس، شحن بالوصل بالكمبيوتر، وغيره. ولكن ما يهمني حقاً هو طريقة مسك الجهاز بالعرض، أما غيره فلم يكن ليلفت انتباهي إطلاقاً، فلم تهمني يوماً الجوالات الأخرى من حجمه. وكان مفيداً جداً في فترة الحج لصغر حجمه، حيث يمكنني أن أضعه ولا يضايقني في الحزام المربوط على خصري في أصغر جيب فيه، هذه فائدة يستحق من أجلها الشراء. استريته بـ600، الآن ربما انخفض سعره 50 ريالا.



يوجد مدونة رائعة لأخ مصري. وهي تتحدث عن التسويق وقصص النجاح عموماً ونصائح في جوانب الحياة العملية التجارية، وهي مدونة محفزة جداً، خصوصاً إذا كنت تملك خطط حقيقية مسبقاً، وإذا لم تكن تملك يمكنك أن تتخذ المدونة كمصدر إلهام، بشرط ان تتحرك فعلاً. وهي تحتوي كتب قيمة من تأليف المدون نفسه. هاهي المدونة:




لقد اكتشفت أن مجموعة كروت أعطاني إياها الدكتور الذي أعمل معه حالياً ضاعت. كنت قد حفظتها بملف شفاف، وتركتها مع عملي على المكتب، وأنا بالواقع ليس لدي مكتب خاص، ولا دولاب لأحفظ فيه عملي، ولم أتمكن من تدبر الأمر كذلك لأنهم لم يكونوا متأكدين أين سأجلس. يبدو أن أحدهم أخذ الملف الشفاف بكروته. بحثت عنها جيداً ولم أجدها، ولكم أن تتخيلوا القلق الذي عشته. بطبيعة الحال، لن أسكت عن الأمر. ذهبت إلى الدكتور وأخبرته بأن الكروت التي أعطاني إياها ضاعت، حيث تركتها مع عملي وفقدت. كان سيعطيني وقتها كروت أخرى كما قال، رأيت بأنه ذهل مما جرى، وكان يريد أن يوبخني، إذ قال بأنه يعتقد بأن الأمر يدخل فيه الإهمال. إني أبذل قصارى جهدي، ولكن العمل كثير ولا يوجد مكان أضع فيه الأغراض، مع ذلك، صمت ولم أجب، إنها مسئوليتي رغم كل شيء. ولكن لحسن الحظ، لا أدري لماذا تجاوز الأمر وألقى باللوم على عدم وجود مكتب، وكأنه يريد أن يخفف وطأة الموضوع، هل بان الخجل والخوف من التوبيخ على وجهي؟. وقف وذهب معي إلى مكتب وطلب من الموظف الآخر أن لا يجلس على مكتبي ويجلس على الآخر، اعترض الآخر، الذي يتطفل أصلاً على قسمنا، حيث لا يعمل فيه أصلاً، بأن المكتب الآخر مجرد مخزن، وقال بأنه يملك مكتب في قسم آخر. كان كل هذا بلا داع، ولكن رضخ حتى لا يلتفت إلى وضعه الغريب والمشبوه مهنياً. كان حينما يكلمني الدكتور أجيبه وأنا انظر إلى مكان آخر، كيف ضاعت الكروت الضرورية؟. إن هذا ليس عملي، ليست مهنتي وليس ما أجيد القيام به عمل السكرتارية والمساعدة هذا، ولكن، صبر جميل. سأنتقل إن شاء الله. على أني أدرك حظي حينما لم يوبخني أو يقل شيئا مستفزاً، فهو يفعل هذا على ما يبدو مع الموظف المشبوه. إن التعامل مع الدكاترة السعوديين في الوضع العادي لا يهمني، يمكنني حتى أن أرفع ضغطهم، ولكن حينما أكون تحت إدارتهم وتصرفهم، فهذا أمر يوترني كثيراً ويجعلني أعيش وضعاً نفسياً وعقلياً صعباً، لأني أشعر بأني معرض للإهانة في أية لحظة، وهذا هو شعوري الدائم منذ أن عملت بالوزارة، لا أستطيع أن أعمل، ليس كموظف فقط، ولكن حتى كإنسان، ككائن حي له وظائف حيوية ووعي، لا أستطيع أن أعمل وأنا معرض للإهانة أو أتوقعها في أية لحظة. إني مفتقد لحماية مديري السابق، ومفتقد للشعور بالأمان النفسي، والأمان على كرامتي، وهذا يتعبني كثيراً.



جربت أمس عرض لمطعم سزلر هاوس في طريق التحلية. حيث أنه أعلن عن عرض بوفيه مفتوح لوجبة الغداء بـ35 ريال. وأنا كنت أعلم مسبقاً بأني سأدفع أكثر من هذا كعادة المطاعم، لكن لا بأس. كان البوفيه ممتاز بصراحة. ليس شيء لم تجرب مثله من قبل، ولكنه بالتأكيد جيد ومتنوع بما يكفي، رغم أني لم أرى حلويات وهذا أمر سيء. كنت لم آكل منذ غداء اليوم السابق سوا ربما قطعة شوكولاته أو بسكوت أو اثنين، وعليه، ارتكبت جريمة حرب في حق البوفيه. كان أفضل ما لديهم هو فيليه السمك، ولحم السيشوان البقري. الشوربة التي تذوقت كانت عادية أو أقل، شوربة الدجاج بالذرة. الأرز ليس أفضل الأنواع لدي، ولكنه النوع الذي تتوقع رؤيته في أي مطعم هنا نظراً لأنه الأكثر شعبية، وهو الأرز الهندي طويل الحبة، وقد أعد بطريقة البرياني، ومن الجيد أنهم لم يعدوه بالطريقة الصينية لأن هذا الأرز لا يصلح لها ولكن المطاعم تصر عليه. السلطة كانت متنوعة إلى حد جيد، ولكن الحمص سيء، كما أن الخبز لم يعبأ مكانه. ولكن لحم السيشوان كان مميزاً حقاً، أفضل لحم سيشوان تذوقته، رغم أنهم لم يعد بالطريقة الصحيحة، إذ كان يجب أن يكون جافاً قليلاً ومقرمشاً بعض الشيء. دفعت في النهاية 41، الزيادة من أجل المشروب ورسوم الخدمة، أي حتى لو لم آطلب مشروباً، لزادوا من أجل رسوم الخدمة، أي خدمة؟ إنه بوفيه أنا من يأتي بالطعام بنفسي، ولكن ربما من أجل حجز الطاولة، ورفعهم للصحون. عموما توقعت زيادة أسوأ. كان ذهابي إلى المطعم ملحاً، فلم أعد أستطيع احتمال أكل الوجبات السريعة طوال الوقت، بينما الطعام بالمنزل ليست أمي من يعده، ولا أخواتي، فلهذا لا أجده جيداً مطلقاً. اليوم هو اليوم التالي، لم آكل وجبة منذ تلك الوجبة، ولكن لا أعتقد بأني سأذهب إلى مطعم مماثل.
على أني فطنت أني لو استخدمت طريق عودة مختلف عن العادة، فسأمر بالعديد من المطاعم التي أحب.






قال لي الدكتور اليوم أني سأصبح إن شاء الله مديراً وسأرتقي السلم خصوصاً لحاجة مديري الدكتور الآخر لموظفين، قالها وهو مبتسم تلك الإبتسامة المعدة سلفاً، بلفتة يراد بها رفع معنوياتي. طبعاً، أقدر هذا. ولكني لا أطمح لذلك. أعلم بأن مستقبلي مهنياً أفضل هنا في هذه الوزارة من الجامعة، ولكن أهم مميزات الوزارة لا أستطيع الاستفادة منها لظروف حياتي، ولهذا، لا يستحق الأمر عناء البقاء، بالإضافة لملايين الأسباب التي تقف في وجه المحفزات في هذه الوزارة، من دورات وفيرة وانتدابات للخارج وفرص مادية كثيرة، كل هذا يوجد أسباب لتجاهله والرجوع للجامعة. وهي ليست كلها تتعلق بأسباب مهنية، ولا نفسيه، ولكن ظروف حياتية لا أحب أن أتكلم عنها حتى لا أفسدها. ربما كان يريد تشجيعي كتغطية على غلطتي أمس حينما أضعت الكروت؟. قال كذلك بأن أهتم بأمر الملفات كلياً، لأن الموظف الآخر لا يبدو أنه يريد أن يفعل شيئا، قالها بضيق، يعني الموظف المشبوه مهنياً. إذاً، لا أمل بالمساعدة. أحياناً أنسى رغبتي بالانتقال للجامعة أتخيل ما يمكنني أن أفعله هنا بالمستقبل، من دورات خارجية أو الانضمام لوفد، واو. ولكن، الله يعين. حينما خرجت من عند الدكتور جاء الموظف الآخر، ووجد ورقة ملاحظات لم تنل إعجاب الدكتور كتبها هو، في مكتبي، قلت له كاذباً بأن الدكتور طلب مني الاطلاع عليها، ولم أقل بأنه قال بأنها غير مجدية وغير جادة، أو شي من هذا القبيل. جلس زميلي هذا وأعطاني العديد من النصائح بخصوص بناء النفس والمستقبل، فهو يردد الكثير من الشعارات دائما. ولكن ما فاجئني هو أنه حائز على شهادة ماجستير، وقال بأن هذه شهادته وهذا منصبه والدكتور يريد منه إحضار قهوة!! لم ألمه على غضبه من المعاملة الفوقية، ولكني مع ذلك ألومه وأعتقد بأنه يتسبب على نفسه بهذا النوع من المعاملة حينما يتسكع ولا يعمل شيئا، كيف يقبل أصلاً على نفسه؟، وما فائدة المؤهل والمرتبة إذا كان المرء لا يعمل ولا يقدم شيئا؟ علمت كذلك بأنه يعمل على إكمال دراسته والخروج من هذا المبنى إلى مكان آخر للعمل. أتخيل بأنه بمؤهله لو كان جاداً، ولا يقضي وقته بالتسكع لربما فرض نفسه بشكل ما، رغم أني أشك بأن هذه الوزارة تفرق بين المؤهلات أكثر من قول: هذا دكتور، والآخر لا شيء. ليس وكأن الحكومة لم تعد كلها هكذا.



سعد الحوشان

الأحد، 15 مارس 2009

رحلات الحياة الفرعية



بسم الله الرحمن الرحيم




لقد اكتشفت اكتشاف جديد. أو لنقل، أني فلسفت ما يجري بالفعل منذ الأمد، بطريقتي الركيكة المعهودة. كان الاكتشاف تحت ضغط المواجع التي اختارت ليلة أمس لتفغر فاها، وتئن بيأس في قلبي المفطور الغافل. كان هذا حينما رأيت رسالة وصلتني في العاشرة ليلاً، ولم أطلع عليها سوا قبل النوم، حوالي الثانية. كانت من شخص كان صديق عزيز، ومُتعب. كان يبدي عدم رضاه عن حالنا، وهو حالنا منذ 6 أشهر، ويقترح أن نلتقي لنصلح الأمور. لقد علمت ما سوف أرد عليه، سأقول: إنك عزيز، ولكني أتمنى لك التوفيق في صداقاتك الأخرى. وهي الصداقات التي كان يحسبها تشكل علي، ولكنها لم تكن تعنيني، ولم يستطع أن يفهم هذا، وتفادى باحتراف مس العقدة ولب الموضوع، ليكون هو الضحية كالعادة، قبل أن نفترق. لم يحزنني افتراقنا في ذلك الوقت بصدق. ولم أحزن من رسالته التي تلت اصطدامنا غير المتوقع، ولكن الهادئ سوا من إعلان وصول رسالة جديدة على الجوال، لم أحزن من رسالته التي تلت هذا، التي يشرح فيها رأيه بي، ورؤيته للأمر، وكأنما يقول أعتقني، وأنا والله الأسير، أسير الاستنزاف. لم أرد على تلك الرسالة، كما لم أغضب، لقد كانت رغم جديدها جديرة بطريقته بالتفكير، جديرة بتملصه من المسئولية، جديرة بتبرير ضميره المعذب تجاهي، الذي لطالما أطل بوجه في علاقتنا، في ظل تقصيره واستنزافه الأناني. لم أغضب، ولم أرد على الرسالة كما يريد، فقط اعتبرت الأمر اتنهى وقررت أن أرتاح، فقد نلت ما يكفيني، ومنذ أمد بعيد لم يعد بي جهد لمواصلة الشد والجذب، لمواصلة النقاش. أرسل يعايدني في العيدين التاليين، ولم أجب. ليس غضباً، ولكني لست أجيب في العادة، ناهيك عن أني أريد أن لا يعاملني بأي خصوصية، أريد أن يواصل ويعاملني وكأنه المجروح وليس أنا، وكأنه الضحية وليس أنا، فقط لأفتَك. بيد أنه كعهدي به أذكى من هذا، ومع ذلك، لم يقوى ضميره إرادته كما عهدته أيضاً. تجاهلت كل الجروح وكأنها سيارة مرت من جانبي، في شارع مزدحم بالجروح الأخرى. ولكن رسالته أمس، مع أني كنت أعرف ما أريد منذ أن اطلعت عليها، إلا أنها سلبت النوم من عيني، بشعوري بالوحدة، باختياري للوحدة، بذكرياتي عن أراءه الجارحة، وتلميحه بأن هناك من يوافقه الرأي بخصوصي، رأي سلبي أعلم يقيناً بأنه غير صحيح، كما يعلم هو. كان إقحام الآخرين لإثبات رأيه هو القشة التي قصمت ضهر البعير، هو أقسى انتهاك لخصوصية صداقتنا، و بيان لما تحمله سريرته وما يخفيه عني، وهو عني. لم أنم طوال الليل البارحة، وها أنا في العمل بلا دقيقة نوم أمس. فقط بقيت أفكر بحياتي، وليس بهذا الرجل فقط. يا للرحلات التي قمت بها، يا للرحلات، التي لم يصل أي منها. كم من رحلة فرعية نسيِّر يومياً، في خضم رحلتنا الكبرى في الحياة. لا يقدر لكل الرحلات أن تصل وتستقر بهدوء، فقد يتعدى الأمر الكلاب النابحة، فيُغدر بالقافلة ويقتل الحب، وقد تغرق سفينة الصداقة قبل أن ترسو في شاطئ ما. هذا هو الاكتشاف، الرحلات. رحلات تنجو من الأخطار وتصل، ورحلات تضل الطريق، أو تتوقف فقط. البعض تنجو كل رحلاته، البعض بعضها، البعض لا شيء منها ينجو. قارنت نفسي أمس وأنا أفكر، بشخص تقاطعت رحلتينا في ذات وقت، ولكن، لم نشترك في رحلة. كل رحلاته على ما يبدو وصلت، وتصل، ليس هذا هو الحال معي.
بعدما أرسلت ردي أتمنى له التوفيق في صداقاته، رد بأني أنا صداقاته. لا، لم أكن بهذه الأولوية.. لم أرد، ولا أعتقد بأني سأرد. يجب أن ينتهي الأمر عند حد ما، ولا مجال لمراجعة الموقف، الذي ظل يختمر منذ أمد بعيد. لقد أُهملت حتى شبع مني الإهمال، وعوملت بما لا أستحق حتى بدأت أتساءل، هل يستحق الأمر كل هذا؟ وهل كل ما لا نتخيل أنفسنا بدونه، لن يكون حالنا أفضل لو كنا بدونه بالفعل؟ إن مثل هذا التفكير الذي يتساءل في أساسات الأشياء، وعمق الثوابت في حياتي من علاقات وكل شيء، هو ما جعلني أغير الكثير من الأشياء، وأتغير كثيراً وباضطراد.
كما لم يعد بي رغبة ولا جهد للصداقات.
إن الأمر يشبه البحث الملتاع عن أحد لا تدري أهو حي أم ميت، حتى يتعب قلبك لكثرة ما اعترضك من أمور، وليس بسبب اليأس وحده، قد تفقد الرغبة بالمواصلة قبل أن تيأس حتى، لتعب قلبك وعدم تحمله أكثر. أو هكذا صنعت بي تجاربي. إذ لا أقول بحزن بأني لم أعد قادر على نوع الصداقات التي أقيمها ، ولكن أقولها بإجهاد ونوع طفيف من الرغبة الجازمة والمتعجلة بالتخلص من الرواسب في نفسي.
عموماً ما باليد حيلة، ها أنا أواصل العيش.








كما قلت في تدوينتي السابقة، أحد أهم "ملحقاتي" الضرورية، التي لا آتي ولا أتوفر إلا بها، قد فسد أخيراً بعد خدمة متفانية مدتها خمسة سنوات. ذلك هو ذاكرة الفلاش المتنقلة، من نوع مايكروفولت من ماركة سوني. من المعروف أن هذا النوع من الذاكرة غير مأمون تماماً في الاحتفاظ بالمعلومات رغم تطوره المستمر وازدياد نسبة أمانه، وبالأخذ بالاعتبار جودة تصنيعه وهندسته من ماركة إلى أخرى. حينما أخذت ذلك الفلاش لم أكن متأكداً بأني سأستفيد منه تماماً، أخذته بعدما تحمست لعرض الشركة عليه، رغبة بالتخلص من الكميات على ما يبدو، إذ كان العرض يساوي 100 ريال (مع أنه السعة كانت 128 ميجا! الآن تجد أضعاف مضاعفة من هذه السعة بـ25 إلى 30 ريال.) كان حماسي لشكله المدمج إلى حد ما ( أحب وأشتهر بالأغراض المدمجة) ولبرنامج الضغط المباشر الذي يحويه، فيجعله يحمل أكثر بكثير من سعته الحقيقية بحركة ذكية من الشركة. انتهيت بعد شراءه بأني لم أعد أستطيع الاستغناء عنه أبداً. ورغم أني لفترات تمنيت أن يبدي بوادر القصور لأشتري شيء أحدث بمبرر لا يعذب ضميري، إلا أنه خيب ظني وظل يعمل بكفائة عالية. في آخر الأيام أحببت وفائه لي، حتى بدأ يعاني من مرض نفسي تجعله يرفض بعض الأمور مثل العمل على بعض الأجهزة أو التعديل على بعض الملفات أو استقبالها، فعلمت بأنه يكاد أن يتقاعد من تلقاء ذاته، فعملت النسخة الأخيرة من الاحتياطي الذي أحتفظ به وأحدثه بشكل دوري ( وهذا ما يجب أن يفعله كل مستخدم للفلاش للأسباب الآنف ذكرها)، رغم أن ملف واحد خرج تالفاً، إلا أني سعيد بفلاشي، وسأحتفظ به للذكرى، بلونه الزائل لكثرة ما لامسته يدي. ومنذ ان اشتريته، لم يعد يقنعني شراء فلاش من ماركة أخرى أياً كانت غير سوني، التي لا أحبها، بل أعاديها في مجالات ألكترونية أخرى (التلفاز، البلايستيشن،، إلخ). كنت منذ فترة جيدة الآن أود شراء الجيل الجديد من فلاشات شوني، تحديداً اصدار تايني من مايكروفولت سوني، وهو صغير حتى أشبهه بالظفر لنحافته وصغر حجمه. يتوفر بعدة سعات، وكل سعة لها لون محدد، كنت أريد السعة الأقل لعدة أسباب، أولها هو اعتقاد لدي غير أكيد أن السعة كلما كبرت كلما قل عمر الفلاش، والثاني أن 128 ظلت كافية لسنوات لصغر ملفاتي، فأنا لا أحمل أفلام أو أغاني مثلاً في الذاكرة، ولهذا لا أحب أن أسرف في مساحة لن أستخدمها، فجل ملفاتي تقريباً نصية. السعة الأصغر من هذا الإصدار هي 1 جيجا. وهي ذات لون أزق بعلبة سماوية جذابة، وهذا سبب آخر لأحب السعة الأصغر، فاللون الجذاب الآخر هو أعلى سعة، 8 جيجاً، أحمر برتقالي، وليس جمل من اللون لأصغر سعة مع ذلك. المشكلة هي، أن السعة الأصغر انقرضت من السوق. بحثت في أربعة أسواق وكل ما أجده السعات الأعلى، وأقل ما وجدت هي 2 جيجا الخضراء. شعرت بتعاسة بصدق، وهذا قد يكون عيب بي، حيث أثابر بشكل زائد عن الحد وبدقة بالبحث عن فروقات يمكن الاستغناء عنها. ورغم أني أقنع الناس بالعادة بأنه لا فرق في مثل هذه الحالات، إلا أني أعجز عن إقناع نفسي مما يشعرني بأني نصاب إلى حد ما. هوست لدرجة أني بحثت في الانترنت لأشتريه من الخارج ولو كلف ضعفي السعر، ولم أجد سوا حبة واحدة متوفرة في موقع مشهور، رفض الإيصال إلى السعودية. كانت آخر محاولاتي اليوم، في ثاني محل لعالم سوني أزورة وهو في العقارية. لم أجد السعة المطلوبة وأخبرني كما أخبرني محلهم السابق أنها لم تعد تأتي، وشرح لي معلومات بعضها مغلوط وبعضها صحيح عن الذاكرة في محاولة لإقناعي، ولم يفهم، كسائر الناس، سبب هوسي بالسعة الأصغر والشكل الأصغر. حزنت بصدق وفكرت أن أعود لاحقاً بعدما أقرر السعة الأكبر التي سآخذ إن رضيت نفسي، ولكنه ذكرني بمحلهم الآخر، في العقارية الثالثة في القبو،،، وهذا المحل الذي ذكرني به، الذي نسيته، هو المحل الذي اشتريت منه الفلاش الأول قبل خمسة سنوات!!! كيف نسيته؟؟؟ ذهبت إلى هناك، وصدقاً، لم أتوقع أن أجد ما أريد، ولكن كي لا ألوم نفسي، وفي الطريق مررت بكل المحلات التي قد تبيعه حتى وصلت، ووجدت آخر حبة من السعة التي أريد تتدلى بالعرض. الحمد لله، هذا حظ حسن بالتأكيد. أن أحصل على آخر حبة موجودة بالمعرض. اشتريتها بـ 29 ريال، كل هذا العناء انتهى بهذا الثمن البخس، وأتمنى أن يكون الفلاش الذي دخل الخدمة قبل قليل مثل سابقه إن شاء الله. هذه صورة للفلاش:









من المنصوح به عموماً، أن لا تعدل الملفات المتواجدة في الفلاش بشكل مباشر، إنما تأخذ الملفات به عن طريق القص، وتضعها على السطح المكتب مثلاً، تجري التعديلات التي تريد، كإضافة نص مثلاً، ثم تحفظها من جديد على الفلاش. هذا قد يطيل من عمر الفلاش.









كنت أقرأ عن آخر سلالات الصين الحاكمة، آخر فتراتها بالتحديد. يا له من تاريخ مثير للاهتمام، بكل تلك الدسائس والدوافع الخفية للمواقف. لست أرى فرق كبير بين تاريخنا وتاريخهم، سوا أن النساء لعبن دور أكبر وإن كان لنسائنا دور كبير، ولكن، لعل هذا هو الحال مع كل الأمم.







أتمنى أن لا يأتي الدكتور اليوم... أحيانا قبل النوم أفكر، هل أكل شيء سيء؟ قد يمغصه بطنه ولا يأتي...


جاء قبل قليل زميلي في القسم، وهو رجل طيب يبدو أصغر من عمره. حتى الآن لا علاقات حقيقية لي، وكالعادة، آخذ وقت طويل جداً بالنسبة للعرف السائد قبل أن أبدأ بالاندماج، كما حدث في عملي بالجامعة سابقاً، حيث طالت المدة إلى حوالي 4 أو 5 أشهر على ما أعتقد. زملائي هنا يحتجون على الأمر ويلمحون لي بأن أخالطهم أكثر. ولكن عموماً، عملي كثير مؤخراً ولا يسمح لي بحك رأسي. زميلي هذا لاحظت أنه يود أن يحادثني منذ فترة. جاء قبل قليل، وكان الأمر هو أنه يود فقط أن يتعرف أكثر علي. كان قد فوجئ بأني من القصيم قبل فترة، وقال بأنه لم يخمن من لهجتي، ولكن الحقيقة التي لا يدركها غالبية الناس في بدايات عملي معهم هي أني بالكاد أتكلم، فيصعب الحكم على أصلي. كوني من القصيم أعطاني دفعه على ما يبدو لديه. أحدهم، وهو رجل كبير من مفرزات البيروقراطية مما يبدو على شكله، احتج حينما علم أني من القصيم، وقال بأنه سيترك القسم لامتلاءه بالقصمان، بالواقع، لسنا إلا ثلاثة بالقسم من القصيم، رئيس القسم، وزميلي السكرتير، وأنا، ولكن ربما مواقع الاثنين الآخرين تشعر البعض بالحساسية بعض الشيء وإن تكلموا مازحين. تكلمنا بوجه العموم عن القصيم، وعرف بأن انتمائي للمكان شديد، ولكن رغبتي بالزيارة ضئيلة.



اليوم هو الأربعاء، سيأتي بعض الأطفال اليوم، كم أشتاق إليهم. يوجد طفل صغير عمره سنتين، ابن اختي، ذو شعر ملفلف جميل، حينما زرتهم بالبيت قبل يومين لأجل عمل معين استقبلني بالأحضان وظل يتمسح بي وبيديّ ويدور حولي وأنا واقف أخاطب والدته وكأنه قط صغير. تمسحه بي بانسيابيه ودورانه حولي ومسح وجهه بيدي جعلني أتفكر. ليست أول مرة بالطبع يفعل طفل هكذا معي، فلدي العديد من أطفال إخواني وأخواتي، بعضهم يحبني في مراحل معينة إلى هذه الدرجة، ولكني تفكرت بأمر المحبة ذاتها في مثل هذا العمر الصغير. لست أقوم بشيء خاص حتى يحبني هكذا، أكثر من كوني أظهر له محبتي الحقيقية، مما يجعلني أعتقد بأن الأطفال الصغار لديهم قدرة أكبر على تمييز الحب الحقيقي وقراءته أكثر من كل الكبار، مع استثناءات طفيفة أحب أن أفكر بأني منها، ليس لأني بريء، ولكن لأني مثير للتساؤلات داخل نفسي ودقيق التفحص لما أراه وأسمعه حينما يصبح الأمر جدياً. ورغم أني أحب كل أبناء إخواني، إلا أني بطبيعة الحال أميل لبعضهم أكثر من الآخرين، ومن لا أميل لهم كثيراً بالعادة، أشعر بأنهم يدركون هذا بالفطرة، ولا يهتمون لأمري كثيراً، وبالأغلب الأعم، يكونون هؤلاء من أبناء إخواني، بينما أبناء أخواتي غالباً ما يشغفون حباً بي، أو تقديراً على الأقل حينما يكبرون، فأنا مثلاً لا أجزم أن أكبر أبناء أخواتي يحبني جداً رغم أني أحبه، ومحبته تزداد في قلبي كما تزداد شفقتي عليه، ولكني أعلم بأنه يحترمني كثيراً، ويقيم تعامله معي جيداً ويحرض على رضاي عليه بدافع الاحترام، ولكن قد لا يضيره مثلاً أن أكون حزيناً كما يضير أبن اختي الآخر ذو العشر سنوات، الذي ما يفتأ يسألني ماذا يحزنني وبماذا أفكر وإن كنت غاضب عليه؟. ومهما بعدوا أو اقتربوا أبناء إخواني، إلا أنهم دائما ما يلهمونني بأشياء، وأشعر بفكرة مجردة دائما لا معنى لها، الفكرة هي أنهم جيشي.



حينما أرى من يعملون ويطورون في عملهم رغبة بأمور أخرى مختلفة عن التطوير بحد ذاته والنجاح، أشعر تجاههم بمشاعر مختلفة، تتراوح بين الشفقة، والاحتقار لما يقومون به، ليس المقصد من الاحتقار إحتقار الخُلق بقدر ما هو استصغار الانجاز، الذي يظل غير مكتمل بشكل ما. ألاحظ الكثير من الناس، يبحثون عن لفت الإنتباه إلى درجة أنهم يضعون أنفسهم في موضع المتزلفين قليلي القدر طمعاً بخطوات قصيرة إلى الأمام. حيث تجد أن إنجازاتهم غير مكتملة، وتشبه التزلف أكثر من كونها إنجازات قائمة بذاتها، حتى تريد أن تتوصل إلى معرفة الإنجاز النهائي الذي صنعت من أجله كل هذه الإنجازات/التزلفات. ولكن مع ذلك، يحدوني شعور بائس بأنهم هم من سينجح بالنهاية، في هذا العالم المنافق. أشعر بالأسف حينما أرى شخص كنت أحسبه يحترم ذاته أكثر من أي شيء آخر يتحول كالمسعور في مطاردة الإنتباه، وإضحاك الناس المراقبين عليه، هكذا فجئة، ولسانه حاله يقول: العمر سريع، وأنا بطيء. ربما عجلت به خطواته إلى الأمام فعلاً، ولكن الثمن لا يستعاد، حيث أنه إن كان يوماً قد قدر نفسه حق قدرها، فسيستعيد هذا التقدير يوماً، ويندم على ما فعل، وإن لم يكن قد قدر نفسه من قبل، وكان هذا طبعه طوال عمره، فالمرء يحصد ما يزرع، وإن سمده بخراء نفسه. أحياناً تكون هذه المنجزات مجرد أشياء صغيرة، كاستحداث لجنة حقوقية صداها الإنساني أكبر من عملها الحقيقي في الجامعة مثلاً، أو حتى نشر مجلة كان يمكن أن تكون مفيدة لو كانت صادقة ومن نوايا صادقة.



سأقابل مديري السابق إن شاء الله غداً الخميس في الجامعة، إن استطعت. أريد أن أستشيره بما يجب أن أفعل لأتحرك بالانتقال إلى الجامعة.




قبل قليل، قرأت رد صاحبة مدونة أجنبية على تعليقي في مدونتها. مدونتها تختص بالكتب، تراجع الكتب وتبدي رأيها فيها. أحد هذه الكتب هو كتاب عن السعوديين لكاتبته الباكستانية التي عملت قليلاً هنا. وجدت بعض الأمور المغلوطة في الكتاب من خلال المراجعة، وعلقت على هذا الأساس. الكاتبة إنسانة ذكية، وعميقة التفكير. قالت في معرض ردها أنها اطلعت على مدونتي، ولكنها تحتاج إلى برنامج يترجم اللغة العربية بطبيعة الحال، وعليه ستطلع لاحقاً. لا أعتقد أنها ستفعل مع ذلك، حيث يبدو أن أنشطتها كثيرة، وكلامي كثير. ولكن لو اطلعت، فلن تجد شيئا مميزاً مثلما تكتب، فالأمر هنا فوضوي، يميل إلى العشوائية في الطرح والمضمون، رغم أن مدونتي محصورة إلى حد ما، أو محضورة على الأصح عن بعض المواضيع بدافع ذاتي. ولكن لو لم ترى غير اعتيادية مدونتي، لو لم ترى إلا أنها شأنها شأن آلاف المدونات في كل العالم، قد يكون هذا شيء جيد بالنهاية. مدونتها من أشهر المدونات على بلوجر، ومن المدونات التي ينصح الموقع بزيارتها. لا يوجد تصنيف مماثل للمدونات العربية على بلوجر.





ذهبت إلى مديري السابق يوم الخميس بالجامعة، واتفقنا على تفاصيل إجراء طلب نقلي لأعود إليهم. ليس الأمر مضموناً بأي شكل، على أني أدعو الله أن يساعدني فيه ويحقق رغبتي، ولكن لا يتعلق الأمر بالجامعة فقط، فقد ترفض الوزارة التي أعمل فيها حالياً انتقالي عنها.






إن الأيام كالنسيم تمر سريعة ويسهل نسيانها، سوا أنها غير منعشة.





القلة يعلمون بأمر روايتي التي كتبتها الآن منذ مدة طويلة، ولا زالت غير منشورة، وكلما ظننت أنها اكتملت عدت لأنقحها. أمس، انتهيت من تنقيحها كلياً والحمد لله، ولكن بقي العنوان، وهو ما يسبب لي الصداع. لم أجد العنوان الملائم أبداً، وأخاف أني لن أجده... كنت قد أعطيتها في وقت سابق لوزارة الإعلام للفسح، ولكني استعدتها منهم لأغير العنوان، ويا الله، كم كان أمرهم عجيب. هناك موظفين يقرآن الروايات ويبحثان عن ملاحظات لعدم منحها الموافقة. ورغم أن روايتي لا مثلي غير مهتمة بإثارة الناس سلبياً وإزعاجهم، إلا أنهم وجدوا ما يقولونه من الجزء الصغير الذي قرأوه، حيث أنهم لاحظوا أسماء للمدن، وهذا لا يريدون رؤيته!! واقترحوا اقتراحات فنية سخيفة، ووقحة على المستوى الأدبي، إذ كيف تملي على الكاتب ما يجب أن يكتب؟! أخبرتهم بأن هذه الملاحظات الفنية هي ضمن خيارات المؤلف، مما جعلهم يتضايقون قليلاً ويقولون بأنهم لم يحاولوا التدخل. ولكن مستوى الموظف الذي تولى روايتي، من خلال نقاشه، لم يبشرني بخير بصراحة، فهو لا يبدو واسع الأفق، ولا يبدو ذكياً جداً، أو حائز على تعليم جيد، ووجدت أنه يفهم الأمور برمتها بشكل خاطئ على نحو كان أن يسبب لي الجنون، أشياء جداً بديهية. في النهاية خفف من موقفه، وقال بأن ما أخبرني به واقترحه لم يكن ملاحظات، ولا أدري لماذا خاف، ربما كان قد تم تحذيرهم مسبقاً؟. وقال بأن الأمر سيعود لمديرهم. الآن، لدي شعور قوي بأن روايتي لن تفسح لأن الأبطال من القصيم... ولكن لو لم تفسح، سأنشرها إن شاء الله على شكل كتاب في الانترنت ليحمله من يود القراءة، وسأعمل على تسويقه جيداً بعون الله، هذه هي فكرتي حالياً. بالنسبة للربح، كنت أتخيل بأني سأخسر أصلاً لو نشرته على شكل كتاب ورقي، خصوصاً أني لا أود التعاون مع ناشر مبدأياً. وعليه، قد تكون الانترنت بالنهاية أقل تكلفة، وإن لم تربح فهي لن تخسرني، ربما بضعة دولارات فقط للاستضافة ومن هذا القبيل.


جزعت من دكتور، فأتوا لي بإثنين... هذا ما جرى، سخرية تقليدية إلى حد غريب بالأحداث. ماذا عساي أن أقول؟ الحمد لله الذي لا يحمد على مكروه سواه... ما جرى هو أن مديري دخل علي لأول مرة، ودكتورين يتبعانه، وقال بأني من اليوم سأعمل مع هؤلاء في المشروع الفلاني، ولا أعمل بالمشروع فعلياً بقدر ما أعمل مساعداً، أو سكرتيراً بالمفهوم الحكومي بالواقع. أحدهما رجل كبير بالعمر، ومزعج، والآخر شاب فرح بنفسه، ومغرور على ما يبدو، والأدهى والأمر، أن دكتوري السابق لا يريد أن يتركني دون أن يستفيد هو الآخر من وقتي ومجهودي. لست أحب وليس عملي أن أرتب ملفات وأبحث عن معلومات عربية، ولكن هذه أول مرة يطلب مني مديري الدكتور شيء حقيقي، كما أن الوضع يبدو مؤقتاً وإن طال قليلاً، ولكني أتمنى أن أتمكن من العودة إلى الجامعة قبل أن ينتهي، دون أن أثيرهم برفضي فيتعنتون حين خروجي. وجدت أن الدكاترة حينما يجتمعون فهم يفقدون البقية الباقية لديهم من الإحساس بالغير، إن وجد إحساس أصلاً. يعتقد البعض أن هذه فرصتي بالتميز والصعود، وربما مديري يعتقد بأنه يصنع معروفاً بشكل ما، فقد بدا متحمساً وفخوراً وهو يطلب مني إحضار سيرتي الذاتية ليروها هؤلاء الدكاترة الجدد، رغم أنها فقيرة حقاً. كان اليوم متعباً ومتناقضاً إلى حد أنني أجهدت حتى خفت أن أقع مغشياً علي، حيث لم آكل منذ الصباح سوا قطعتي بسكويت. كان الدكتور الأول الذي أعمل معه أصلاً قد طلب مني بالبريد أن أنجز عمل معين، ولحسن الحظ، استدعاني مديري ليطلب عمل، وهي المرة الأولى، فوجدت أن ما يطلبه مماثل لما طلبه الأول، فاختصرت وقتاً، وبدا هو سعيداًَ لأني كنت انتهيت بالفعل من التنفيذ. ولكن تعديلاته كانت كثيرة على لب الموضوع، والدكتور الجديد متطلب جداً ومزعج ونزق، والآخر يتكلم ويطلب أشياء بنفس الوقت الذي يطلب فيه زميله. مما جعلني أفقد صوابي. وكان يلح علي بالاتصالات يريد مني القدوم لمناقشة عملنا القديم، ورغم أني أفهمته طبيعة تعليمات الدكتور الجديدة إلا أنه اعتاد على ما يبدو أن يعتمد علي في بعض الأمور. كان الوضع مقلقاً حقاً، أضف إلى هذا عدم رغبتي بالقيام بمهام السكرتارية التي أتيت هارباً منها إلى هذا القسم، ورغم علم الدكتور بحقيقة رغبتي، إلا أنه الآن يضعني حيث يعلم أني لا أريد، وبحماس أيضاً. قرب نهاية الدوام، عملت مع الدكتور الأول، و ساعدته بأمور كثيرة. وعلمت بحقيقة شعوره تجاه عملي كموظف، فهو يرى بأني أجيد ما أعمل، مع ذلك، يتمنى أن أعمل كالمكينة بلا توقف وأن لا أعود للمنزل، وهو مطلب مبالغ فيه. حدث بالمكتب ما كاد أن يسبب لي إنهياراً عصبياً، حيث أن عملي السابق، الذي أعجبه طوال المدة الفائتة، وجد أنه سيستغني عنه لأن الوقت ضيق، ولم يكمل هو ما عليه من عمل، ولهذا، سيستغني عن كل شيء من هذا الجانب حتى لا يكون ناقصاً. تخيل أنك اشتريت كيكة من حلويات الدبلوماسي، رائعة لا تشوبها شائبة، فيلقي بها أحدهم أمام ناظريك بالقمامة، دون أن تذوقها، أو يذوقها أحد، أو يوجد بها علة. ترجمتي كلها ضاعت هباء، رغم كل ما نالها من مديح. وقفت في مكان ما بالمكتب أنتظر خروج الأوراق من الطابعة في جو من الصمت، قطعه الدكتور قائلاً: سعد أنت درست برى؟ قلت: لا. قال: لغتك حلوة مرة. فكرت: هذاه ما نفع بك... قال بأنه يريدني أن أنتقل إلى جوار مكتبه، ولكني أخبرته بما استجد بصراحة أكبر. وبدا أن الأمر ضايقه بالفعل، وسأل إن كان الدكتور هو من أمر بهذا بنفسه؟ أكدت له ذلك. فاجئني بعد ذلك بأن العمل انتهى وأنه لا يريد أن يؤخرني أكثر من ذلك، قال هذا بلطف شديد فاجئني حقاً، فهو لا يقدر حاجة الناس لمغادرة العمل ليأكلوا ويناموا. سألته قبل أن أخرج إن كان يريد شيء آخر؟ نفى مبتسماً. ثم قال: أحياناً أكون دايركت أنا بالعمل يا سعد، لكن أنا مقدر تفانيك وإتقانك للعمل ومثابرت وانضباطك، أنا مقدر التزامك، وأنت مكسب للمكان اللي أنت فيه. شكرته، وخجل هو!! بصراحة، شعرت بنوع من تأنيب الضمير لنفوري منه، حيث بدا هذه المرة، عكس كل مرة، يريد أن يرفع من معنوياتي بصدق وليس لحاجة، ولكن لنفوري أسباب مع ذلك. ظننت أني حينما خرجت أن اليوم انتهى. ولكني فوجئت بأن مديري غاضب ويريد جدول صنعته منذ ما يبدو الأمد، يعني بداية اليوم. طبعته للسكرتير المذعور، رغم أننا أوصلناه للدكتور مسبقاً، ولكن يبدو أنه أضاعه أو نسيه. سمعته يوبخ بغض في الممر، فخرجت ووجدت أنه لم يقتنع بأن هذا هو الجدول. لا بد أنه نسي أو لم يستوعب. جاء السكرتير الآخر. ولم نفهم ماذا يريد بالضبط. ولكن السكرتير الآخر اقترح أن آتي بالجدول الذي عدل عليه المدير، ولما رآه هدأ غضبه، ونزعه وأعاده إلي، واحتفظ بالجدول الذي أعطيناه إياه أول مرة!! ذهلنا، وقلت حينما ابتعد: غريب، ليش معصب؟! بعدين وش كان يبي بالضبط؟ لم يعلم أحد بالحقيقة.


أتمنى أن يكلل الله ماسعيي بالتوفيق، لأعود إلى الجامعة، إلى مديري العزيز وزملائي الإخوة.





سعد الحوشان