بسم الله الرحمن الرحيم
لقد اكتشفت اكتشاف جديد. أو لنقل، أني فلسفت ما يجري بالفعل منذ الأمد، بطريقتي الركيكة المعهودة. كان الاكتشاف تحت ضغط المواجع التي اختارت ليلة أمس لتفغر فاها، وتئن بيأس في قلبي المفطور الغافل. كان هذا حينما رأيت رسالة وصلتني في العاشرة ليلاً، ولم أطلع عليها سوا قبل النوم، حوالي الثانية. كانت من شخص كان صديق عزيز، ومُتعب. كان يبدي عدم رضاه عن حالنا، وهو حالنا منذ 6 أشهر، ويقترح أن نلتقي لنصلح الأمور. لقد علمت ما سوف أرد عليه، سأقول: إنك عزيز، ولكني أتمنى لك التوفيق في صداقاتك الأخرى. وهي الصداقات التي كان يحسبها تشكل علي، ولكنها لم تكن تعنيني، ولم يستطع أن يفهم هذا، وتفادى باحتراف مس العقدة ولب الموضوع، ليكون هو الضحية كالعادة، قبل أن نفترق. لم يحزنني افتراقنا في ذلك الوقت بصدق. ولم أحزن من رسالته التي تلت اصطدامنا غير المتوقع، ولكن الهادئ سوا من إعلان وصول رسالة جديدة على الجوال، لم أحزن من رسالته التي تلت هذا، التي يشرح فيها رأيه بي، ورؤيته للأمر، وكأنما يقول أعتقني، وأنا والله الأسير، أسير الاستنزاف. لم أرد على تلك الرسالة، كما لم أغضب، لقد كانت رغم جديدها جديرة بطريقته بالتفكير، جديرة بتملصه من المسئولية، جديرة بتبرير ضميره المعذب تجاهي، الذي لطالما أطل بوجه في علاقتنا، في ظل تقصيره واستنزافه الأناني. لم أغضب، ولم أرد على الرسالة كما يريد، فقط اعتبرت الأمر اتنهى وقررت أن أرتاح، فقد نلت ما يكفيني، ومنذ أمد بعيد لم يعد بي جهد لمواصلة الشد والجذب، لمواصلة النقاش. أرسل يعايدني في العيدين التاليين، ولم أجب. ليس غضباً، ولكني لست أجيب في العادة، ناهيك عن أني أريد أن لا يعاملني بأي خصوصية، أريد أن يواصل ويعاملني وكأنه المجروح وليس أنا، وكأنه الضحية وليس أنا، فقط لأفتَك. بيد أنه كعهدي به أذكى من هذا، ومع ذلك، لم يقوى ضميره إرادته كما عهدته أيضاً. تجاهلت كل الجروح وكأنها سيارة مرت من جانبي، في شارع مزدحم بالجروح الأخرى. ولكن رسالته أمس، مع أني كنت أعرف ما أريد منذ أن اطلعت عليها، إلا أنها سلبت النوم من عيني، بشعوري بالوحدة، باختياري للوحدة، بذكرياتي عن أراءه الجارحة، وتلميحه بأن هناك من يوافقه الرأي بخصوصي، رأي سلبي أعلم يقيناً بأنه غير صحيح، كما يعلم هو. كان إقحام الآخرين لإثبات رأيه هو القشة التي قصمت ضهر البعير، هو أقسى انتهاك لخصوصية صداقتنا، و بيان لما تحمله سريرته وما يخفيه عني، وهو عني. لم أنم طوال الليل البارحة، وها أنا في العمل بلا دقيقة نوم أمس. فقط بقيت أفكر بحياتي، وليس بهذا الرجل فقط. يا للرحلات التي قمت بها، يا للرحلات، التي لم يصل أي منها. كم من رحلة فرعية نسيِّر يومياً، في خضم رحلتنا الكبرى في الحياة. لا يقدر لكل الرحلات أن تصل وتستقر بهدوء، فقد يتعدى الأمر الكلاب النابحة، فيُغدر بالقافلة ويقتل الحب، وقد تغرق سفينة الصداقة قبل أن ترسو في شاطئ ما. هذا هو الاكتشاف، الرحلات. رحلات تنجو من الأخطار وتصل، ورحلات تضل الطريق، أو تتوقف فقط. البعض تنجو كل رحلاته، البعض بعضها، البعض لا شيء منها ينجو. قارنت نفسي أمس وأنا أفكر، بشخص تقاطعت رحلتينا في ذات وقت، ولكن، لم نشترك في رحلة. كل رحلاته على ما يبدو وصلت، وتصل، ليس هذا هو الحال معي.
بعدما أرسلت ردي أتمنى له التوفيق في صداقاته، رد بأني أنا صداقاته. لا، لم أكن بهذه الأولوية.. لم أرد، ولا أعتقد بأني سأرد. يجب أن ينتهي الأمر عند حد ما، ولا مجال لمراجعة الموقف، الذي ظل يختمر منذ أمد بعيد. لقد أُهملت حتى شبع مني الإهمال، وعوملت بما لا أستحق حتى بدأت أتساءل، هل يستحق الأمر كل هذا؟ وهل كل ما لا نتخيل أنفسنا بدونه، لن يكون حالنا أفضل لو كنا بدونه بالفعل؟ إن مثل هذا التفكير الذي يتساءل في أساسات الأشياء، وعمق الثوابت في حياتي من علاقات وكل شيء، هو ما جعلني أغير الكثير من الأشياء، وأتغير كثيراً وباضطراد.
كما لم يعد بي رغبة ولا جهد للصداقات.
إن الأمر يشبه البحث الملتاع عن أحد لا تدري أهو حي أم ميت، حتى يتعب قلبك لكثرة ما اعترضك من أمور، وليس بسبب اليأس وحده، قد تفقد الرغبة بالمواصلة قبل أن تيأس حتى، لتعب قلبك وعدم تحمله أكثر. أو هكذا صنعت بي تجاربي. إذ لا أقول بحزن بأني لم أعد قادر على نوع الصداقات التي أقيمها ، ولكن أقولها بإجهاد ونوع طفيف من الرغبة الجازمة والمتعجلة بالتخلص من الرواسب في نفسي.
عموماً ما باليد حيلة، ها أنا أواصل العيش.
كما قلت في تدوينتي السابقة، أحد أهم "ملحقاتي" الضرورية، التي لا آتي ولا أتوفر إلا بها، قد فسد أخيراً بعد خدمة متفانية مدتها خمسة سنوات. ذلك هو ذاكرة الفلاش المتنقلة، من نوع مايكروفولت من ماركة سوني. من المعروف أن هذا النوع من الذاكرة غير مأمون تماماً في الاحتفاظ بالمعلومات رغم تطوره المستمر وازدياد نسبة أمانه، وبالأخذ بالاعتبار جودة تصنيعه وهندسته من ماركة إلى أخرى. حينما أخذت ذلك الفلاش لم أكن متأكداً بأني سأستفيد منه تماماً، أخذته بعدما تحمست لعرض الشركة عليه، رغبة بالتخلص من الكميات على ما يبدو، إذ كان العرض يساوي 100 ريال (مع أنه السعة كانت 128 ميجا! الآن تجد أضعاف مضاعفة من هذه السعة بـ25 إلى 30 ريال.) كان حماسي لشكله المدمج إلى حد ما ( أحب وأشتهر بالأغراض المدمجة) ولبرنامج الضغط المباشر الذي يحويه، فيجعله يحمل أكثر بكثير من سعته الحقيقية بحركة ذكية من الشركة. انتهيت بعد شراءه بأني لم أعد أستطيع الاستغناء عنه أبداً. ورغم أني لفترات تمنيت أن يبدي بوادر القصور لأشتري شيء أحدث بمبرر لا يعذب ضميري، إلا أنه خيب ظني وظل يعمل بكفائة عالية. في آخر الأيام أحببت وفائه لي، حتى بدأ يعاني من مرض نفسي تجعله يرفض بعض الأمور مثل العمل على بعض الأجهزة أو التعديل على بعض الملفات أو استقبالها، فعلمت بأنه يكاد أن يتقاعد من تلقاء ذاته، فعملت النسخة الأخيرة من الاحتياطي الذي أحتفظ به وأحدثه بشكل دوري ( وهذا ما يجب أن يفعله كل مستخدم للفلاش للأسباب الآنف ذكرها)، رغم أن ملف واحد خرج تالفاً، إلا أني سعيد بفلاشي، وسأحتفظ به للذكرى، بلونه الزائل لكثرة ما لامسته يدي. ومنذ ان اشتريته، لم يعد يقنعني شراء فلاش من ماركة أخرى أياً كانت غير سوني، التي لا أحبها، بل أعاديها في مجالات ألكترونية أخرى (التلفاز، البلايستيشن،، إلخ). كنت منذ فترة جيدة الآن أود شراء الجيل الجديد من فلاشات شوني، تحديداً اصدار تايني من مايكروفولت سوني، وهو صغير حتى أشبهه بالظفر لنحافته وصغر حجمه. يتوفر بعدة سعات، وكل سعة لها لون محدد، كنت أريد السعة الأقل لعدة أسباب، أولها هو اعتقاد لدي غير أكيد أن السعة كلما كبرت كلما قل عمر الفلاش، والثاني أن 128 ظلت كافية لسنوات لصغر ملفاتي، فأنا لا أحمل أفلام أو أغاني مثلاً في الذاكرة، ولهذا لا أحب أن أسرف في مساحة لن أستخدمها، فجل ملفاتي تقريباً نصية. السعة الأصغر من هذا الإصدار هي 1 جيجا. وهي ذات لون أزق بعلبة سماوية جذابة، وهذا سبب آخر لأحب السعة الأصغر، فاللون الجذاب الآخر هو أعلى سعة، 8 جيجاً، أحمر برتقالي، وليس جمل من اللون لأصغر سعة مع ذلك. المشكلة هي، أن السعة الأصغر انقرضت من السوق. بحثت في أربعة أسواق وكل ما أجده السعات الأعلى، وأقل ما وجدت هي 2 جيجا الخضراء. شعرت بتعاسة بصدق، وهذا قد يكون عيب بي، حيث أثابر بشكل زائد عن الحد وبدقة بالبحث عن فروقات يمكن الاستغناء عنها. ورغم أني أقنع الناس بالعادة بأنه لا فرق في مثل هذه الحالات، إلا أني أعجز عن إقناع نفسي مما يشعرني بأني نصاب إلى حد ما. هوست لدرجة أني بحثت في الانترنت لأشتريه من الخارج ولو كلف ضعفي السعر، ولم أجد سوا حبة واحدة متوفرة في موقع مشهور، رفض الإيصال إلى السعودية. كانت آخر محاولاتي اليوم، في ثاني محل لعالم سوني أزورة وهو في العقارية. لم أجد السعة المطلوبة وأخبرني كما أخبرني محلهم السابق أنها لم تعد تأتي، وشرح لي معلومات بعضها مغلوط وبعضها صحيح عن الذاكرة في محاولة لإقناعي، ولم يفهم، كسائر الناس، سبب هوسي بالسعة الأصغر والشكل الأصغر. حزنت بصدق وفكرت أن أعود لاحقاً بعدما أقرر السعة الأكبر التي سآخذ إن رضيت نفسي، ولكنه ذكرني بمحلهم الآخر، في العقارية الثالثة في القبو،،، وهذا المحل الذي ذكرني به، الذي نسيته، هو المحل الذي اشتريت منه الفلاش الأول قبل خمسة سنوات!!! كيف نسيته؟؟؟ ذهبت إلى هناك، وصدقاً، لم أتوقع أن أجد ما أريد، ولكن كي لا ألوم نفسي، وفي الطريق مررت بكل المحلات التي قد تبيعه حتى وصلت، ووجدت آخر حبة من السعة التي أريد تتدلى بالعرض. الحمد لله، هذا حظ حسن بالتأكيد. أن أحصل على آخر حبة موجودة بالمعرض. اشتريتها بـ 29 ريال، كل هذا العناء انتهى بهذا الثمن البخس، وأتمنى أن يكون الفلاش الذي دخل الخدمة قبل قليل مثل سابقه إن شاء الله. هذه صورة للفلاش:
من المنصوح به عموماً، أن لا تعدل الملفات المتواجدة في الفلاش بشكل مباشر، إنما تأخذ الملفات به عن طريق القص، وتضعها على السطح المكتب مثلاً، تجري التعديلات التي تريد، كإضافة نص مثلاً، ثم تحفظها من جديد على الفلاش. هذا قد يطيل من عمر الفلاش.
كنت أقرأ عن آخر سلالات الصين الحاكمة، آخر فتراتها بالتحديد. يا له من تاريخ مثير للاهتمام، بكل تلك الدسائس والدوافع الخفية للمواقف. لست أرى فرق كبير بين تاريخنا وتاريخهم، سوا أن النساء لعبن دور أكبر وإن كان لنسائنا دور كبير، ولكن، لعل هذا هو الحال مع كل الأمم.
أتمنى أن لا يأتي الدكتور اليوم... أحيانا قبل النوم أفكر، هل أكل شيء سيء؟ قد يمغصه بطنه ولا يأتي...
جاء قبل قليل زميلي في القسم، وهو رجل طيب يبدو أصغر من عمره. حتى الآن لا علاقات حقيقية لي، وكالعادة، آخذ وقت طويل جداً بالنسبة للعرف السائد قبل أن أبدأ بالاندماج، كما حدث في عملي بالجامعة سابقاً، حيث طالت المدة إلى حوالي 4 أو 5 أشهر على ما أعتقد. زملائي هنا يحتجون على الأمر ويلمحون لي بأن أخالطهم أكثر. ولكن عموماً، عملي كثير مؤخراً ولا يسمح لي بحك رأسي. زميلي هذا لاحظت أنه يود أن يحادثني منذ فترة. جاء قبل قليل، وكان الأمر هو أنه يود فقط أن يتعرف أكثر علي. كان قد فوجئ بأني من القصيم قبل فترة، وقال بأنه لم يخمن من لهجتي، ولكن الحقيقة التي لا يدركها غالبية الناس في بدايات عملي معهم هي أني بالكاد أتكلم، فيصعب الحكم على أصلي. كوني من القصيم أعطاني دفعه على ما يبدو لديه. أحدهم، وهو رجل كبير من مفرزات البيروقراطية مما يبدو على شكله، احتج حينما علم أني من القصيم، وقال بأنه سيترك القسم لامتلاءه بالقصمان، بالواقع، لسنا إلا ثلاثة بالقسم من القصيم، رئيس القسم، وزميلي السكرتير، وأنا، ولكن ربما مواقع الاثنين الآخرين تشعر البعض بالحساسية بعض الشيء وإن تكلموا مازحين. تكلمنا بوجه العموم عن القصيم، وعرف بأن انتمائي للمكان شديد، ولكن رغبتي بالزيارة ضئيلة.
اليوم هو الأربعاء، سيأتي بعض الأطفال اليوم، كم أشتاق إليهم. يوجد طفل صغير عمره سنتين، ابن اختي، ذو شعر ملفلف جميل، حينما زرتهم بالبيت قبل يومين لأجل عمل معين استقبلني بالأحضان وظل يتمسح بي وبيديّ ويدور حولي وأنا واقف أخاطب والدته وكأنه قط صغير. تمسحه بي بانسيابيه ودورانه حولي ومسح وجهه بيدي جعلني أتفكر. ليست أول مرة بالطبع يفعل طفل هكذا معي، فلدي العديد من أطفال إخواني وأخواتي، بعضهم يحبني في مراحل معينة إلى هذه الدرجة، ولكني تفكرت بأمر المحبة ذاتها في مثل هذا العمر الصغير. لست أقوم بشيء خاص حتى يحبني هكذا، أكثر من كوني أظهر له محبتي الحقيقية، مما يجعلني أعتقد بأن الأطفال الصغار لديهم قدرة أكبر على تمييز الحب الحقيقي وقراءته أكثر من كل الكبار، مع استثناءات طفيفة أحب أن أفكر بأني منها، ليس لأني بريء، ولكن لأني مثير للتساؤلات داخل نفسي ودقيق التفحص لما أراه وأسمعه حينما يصبح الأمر جدياً. ورغم أني أحب كل أبناء إخواني، إلا أني بطبيعة الحال أميل لبعضهم أكثر من الآخرين، ومن لا أميل لهم كثيراً بالعادة، أشعر بأنهم يدركون هذا بالفطرة، ولا يهتمون لأمري كثيراً، وبالأغلب الأعم، يكونون هؤلاء من أبناء إخواني، بينما أبناء أخواتي غالباً ما يشغفون حباً بي، أو تقديراً على الأقل حينما يكبرون، فأنا مثلاً لا أجزم أن أكبر أبناء أخواتي يحبني جداً رغم أني أحبه، ومحبته تزداد في قلبي كما تزداد شفقتي عليه، ولكني أعلم بأنه يحترمني كثيراً، ويقيم تعامله معي جيداً ويحرض على رضاي عليه بدافع الاحترام، ولكن قد لا يضيره مثلاً أن أكون حزيناً كما يضير أبن اختي الآخر ذو العشر سنوات، الذي ما يفتأ يسألني ماذا يحزنني وبماذا أفكر وإن كنت غاضب عليه؟. ومهما بعدوا أو اقتربوا أبناء إخواني، إلا أنهم دائما ما يلهمونني بأشياء، وأشعر بفكرة مجردة دائما لا معنى لها، الفكرة هي أنهم جيشي.
حينما أرى من يعملون ويطورون في عملهم رغبة بأمور أخرى مختلفة عن التطوير بحد ذاته والنجاح، أشعر تجاههم بمشاعر مختلفة، تتراوح بين الشفقة، والاحتقار لما يقومون به، ليس المقصد من الاحتقار إحتقار الخُلق بقدر ما هو استصغار الانجاز، الذي يظل غير مكتمل بشكل ما. ألاحظ الكثير من الناس، يبحثون عن لفت الإنتباه إلى درجة أنهم يضعون أنفسهم في موضع المتزلفين قليلي القدر طمعاً بخطوات قصيرة إلى الأمام. حيث تجد أن إنجازاتهم غير مكتملة، وتشبه التزلف أكثر من كونها إنجازات قائمة بذاتها، حتى تريد أن تتوصل إلى معرفة الإنجاز النهائي الذي صنعت من أجله كل هذه الإنجازات/التزلفات. ولكن مع ذلك، يحدوني شعور بائس بأنهم هم من سينجح بالنهاية، في هذا العالم المنافق. أشعر بالأسف حينما أرى شخص كنت أحسبه يحترم ذاته أكثر من أي شيء آخر يتحول كالمسعور في مطاردة الإنتباه، وإضحاك الناس المراقبين عليه، هكذا فجئة، ولسانه حاله يقول: العمر سريع، وأنا بطيء. ربما عجلت به خطواته إلى الأمام فعلاً، ولكن الثمن لا يستعاد، حيث أنه إن كان يوماً قد قدر نفسه حق قدرها، فسيستعيد هذا التقدير يوماً، ويندم على ما فعل، وإن لم يكن قد قدر نفسه من قبل، وكان هذا طبعه طوال عمره، فالمرء يحصد ما يزرع، وإن سمده بخراء نفسه. أحياناً تكون هذه المنجزات مجرد أشياء صغيرة، كاستحداث لجنة حقوقية صداها الإنساني أكبر من عملها الحقيقي في الجامعة مثلاً، أو حتى نشر مجلة كان يمكن أن تكون مفيدة لو كانت صادقة ومن نوايا صادقة.
سأقابل مديري السابق إن شاء الله غداً الخميس في الجامعة، إن استطعت. أريد أن أستشيره بما يجب أن أفعل لأتحرك بالانتقال إلى الجامعة.
قبل قليل، قرأت رد صاحبة مدونة أجنبية على تعليقي في مدونتها. مدونتها تختص بالكتب، تراجع الكتب وتبدي رأيها فيها. أحد هذه الكتب هو كتاب عن السعوديين لكاتبته الباكستانية التي عملت قليلاً هنا. وجدت بعض الأمور المغلوطة في الكتاب من خلال المراجعة، وعلقت على هذا الأساس. الكاتبة إنسانة ذكية، وعميقة التفكير. قالت في معرض ردها أنها اطلعت على مدونتي، ولكنها تحتاج إلى برنامج يترجم اللغة العربية بطبيعة الحال، وعليه ستطلع لاحقاً. لا أعتقد أنها ستفعل مع ذلك، حيث يبدو أن أنشطتها كثيرة، وكلامي كثير. ولكن لو اطلعت، فلن تجد شيئا مميزاً مثلما تكتب، فالأمر هنا فوضوي، يميل إلى العشوائية في الطرح والمضمون، رغم أن مدونتي محصورة إلى حد ما، أو محضورة على الأصح عن بعض المواضيع بدافع ذاتي. ولكن لو لم ترى غير اعتيادية مدونتي، لو لم ترى إلا أنها شأنها شأن آلاف المدونات في كل العالم، قد يكون هذا شيء جيد بالنهاية. مدونتها من أشهر المدونات على بلوجر، ومن المدونات التي ينصح الموقع بزيارتها. لا يوجد تصنيف مماثل للمدونات العربية على بلوجر.
ذهبت إلى مديري السابق يوم الخميس بالجامعة، واتفقنا على تفاصيل إجراء طلب نقلي لأعود إليهم. ليس الأمر مضموناً بأي شكل، على أني أدعو الله أن يساعدني فيه ويحقق رغبتي، ولكن لا يتعلق الأمر بالجامعة فقط، فقد ترفض الوزارة التي أعمل فيها حالياً انتقالي عنها.
إن الأيام كالنسيم تمر سريعة ويسهل نسيانها، سوا أنها غير منعشة.
القلة يعلمون بأمر روايتي التي كتبتها الآن منذ مدة طويلة، ولا زالت غير منشورة، وكلما ظننت أنها اكتملت عدت لأنقحها. أمس، انتهيت من تنقيحها كلياً والحمد لله، ولكن بقي العنوان، وهو ما يسبب لي الصداع. لم أجد العنوان الملائم أبداً، وأخاف أني لن أجده... كنت قد أعطيتها في وقت سابق لوزارة الإعلام للفسح، ولكني استعدتها منهم لأغير العنوان، ويا الله، كم كان أمرهم عجيب. هناك موظفين يقرآن الروايات ويبحثان عن ملاحظات لعدم منحها الموافقة. ورغم أن روايتي لا مثلي غير مهتمة بإثارة الناس سلبياً وإزعاجهم، إلا أنهم وجدوا ما يقولونه من الجزء الصغير الذي قرأوه، حيث أنهم لاحظوا أسماء للمدن، وهذا لا يريدون رؤيته!! واقترحوا اقتراحات فنية سخيفة، ووقحة على المستوى الأدبي، إذ كيف تملي على الكاتب ما يجب أن يكتب؟! أخبرتهم بأن هذه الملاحظات الفنية هي ضمن خيارات المؤلف، مما جعلهم يتضايقون قليلاً ويقولون بأنهم لم يحاولوا التدخل. ولكن مستوى الموظف الذي تولى روايتي، من خلال نقاشه، لم يبشرني بخير بصراحة، فهو لا يبدو واسع الأفق، ولا يبدو ذكياً جداً، أو حائز على تعليم جيد، ووجدت أنه يفهم الأمور برمتها بشكل خاطئ على نحو كان أن يسبب لي الجنون، أشياء جداً بديهية. في النهاية خفف من موقفه، وقال بأن ما أخبرني به واقترحه لم يكن ملاحظات، ولا أدري لماذا خاف، ربما كان قد تم تحذيرهم مسبقاً؟. وقال بأن الأمر سيعود لمديرهم. الآن، لدي شعور قوي بأن روايتي لن تفسح لأن الأبطال من القصيم... ولكن لو لم تفسح، سأنشرها إن شاء الله على شكل كتاب في الانترنت ليحمله من يود القراءة، وسأعمل على تسويقه جيداً بعون الله، هذه هي فكرتي حالياً. بالنسبة للربح، كنت أتخيل بأني سأخسر أصلاً لو نشرته على شكل كتاب ورقي، خصوصاً أني لا أود التعاون مع ناشر مبدأياً. وعليه، قد تكون الانترنت بالنهاية أقل تكلفة، وإن لم تربح فهي لن تخسرني، ربما بضعة دولارات فقط للاستضافة ومن هذا القبيل.
جزعت من دكتور، فأتوا لي بإثنين... هذا ما جرى، سخرية تقليدية إلى حد غريب بالأحداث. ماذا عساي أن أقول؟ الحمد لله الذي لا يحمد على مكروه سواه... ما جرى هو أن مديري دخل علي لأول مرة، ودكتورين يتبعانه، وقال بأني من اليوم سأعمل مع هؤلاء في المشروع الفلاني، ولا أعمل بالمشروع فعلياً بقدر ما أعمل مساعداً، أو سكرتيراً بالمفهوم الحكومي بالواقع. أحدهما رجل كبير بالعمر، ومزعج، والآخر شاب فرح بنفسه، ومغرور على ما يبدو، والأدهى والأمر، أن دكتوري السابق لا يريد أن يتركني دون أن يستفيد هو الآخر من وقتي ومجهودي. لست أحب وليس عملي أن أرتب ملفات وأبحث عن معلومات عربية، ولكن هذه أول مرة يطلب مني مديري الدكتور شيء حقيقي، كما أن الوضع يبدو مؤقتاً وإن طال قليلاً، ولكني أتمنى أن أتمكن من العودة إلى الجامعة قبل أن ينتهي، دون أن أثيرهم برفضي فيتعنتون حين خروجي. وجدت أن الدكاترة حينما يجتمعون فهم يفقدون البقية الباقية لديهم من الإحساس بالغير، إن وجد إحساس أصلاً. يعتقد البعض أن هذه فرصتي بالتميز والصعود، وربما مديري يعتقد بأنه يصنع معروفاً بشكل ما، فقد بدا متحمساً وفخوراً وهو يطلب مني إحضار سيرتي الذاتية ليروها هؤلاء الدكاترة الجدد، رغم أنها فقيرة حقاً. كان اليوم متعباً ومتناقضاً إلى حد أنني أجهدت حتى خفت أن أقع مغشياً علي، حيث لم آكل منذ الصباح سوا قطعتي بسكويت. كان الدكتور الأول الذي أعمل معه أصلاً قد طلب مني بالبريد أن أنجز عمل معين، ولحسن الحظ، استدعاني مديري ليطلب عمل، وهي المرة الأولى، فوجدت أن ما يطلبه مماثل لما طلبه الأول، فاختصرت وقتاً، وبدا هو سعيداًَ لأني كنت انتهيت بالفعل من التنفيذ. ولكن تعديلاته كانت كثيرة على لب الموضوع، والدكتور الجديد متطلب جداً ومزعج ونزق، والآخر يتكلم ويطلب أشياء بنفس الوقت الذي يطلب فيه زميله. مما جعلني أفقد صوابي. وكان يلح علي بالاتصالات يريد مني القدوم لمناقشة عملنا القديم، ورغم أني أفهمته طبيعة تعليمات الدكتور الجديدة إلا أنه اعتاد على ما يبدو أن يعتمد علي في بعض الأمور. كان الوضع مقلقاً حقاً، أضف إلى هذا عدم رغبتي بالقيام بمهام السكرتارية التي أتيت هارباً منها إلى هذا القسم، ورغم علم الدكتور بحقيقة رغبتي، إلا أنه الآن يضعني حيث يعلم أني لا أريد، وبحماس أيضاً. قرب نهاية الدوام، عملت مع الدكتور الأول، و ساعدته بأمور كثيرة. وعلمت بحقيقة شعوره تجاه عملي كموظف، فهو يرى بأني أجيد ما أعمل، مع ذلك، يتمنى أن أعمل كالمكينة بلا توقف وأن لا أعود للمنزل، وهو مطلب مبالغ فيه. حدث بالمكتب ما كاد أن يسبب لي إنهياراً عصبياً، حيث أن عملي السابق، الذي أعجبه طوال المدة الفائتة، وجد أنه سيستغني عنه لأن الوقت ضيق، ولم يكمل هو ما عليه من عمل، ولهذا، سيستغني عن كل شيء من هذا الجانب حتى لا يكون ناقصاً. تخيل أنك اشتريت كيكة من حلويات الدبلوماسي، رائعة لا تشوبها شائبة، فيلقي بها أحدهم أمام ناظريك بالقمامة، دون أن تذوقها، أو يذوقها أحد، أو يوجد بها علة. ترجمتي كلها ضاعت هباء، رغم كل ما نالها من مديح. وقفت في مكان ما بالمكتب أنتظر خروج الأوراق من الطابعة في جو من الصمت، قطعه الدكتور قائلاً: سعد أنت درست برى؟ قلت: لا. قال: لغتك حلوة مرة. فكرت: هذاه ما نفع بك... قال بأنه يريدني أن أنتقل إلى جوار مكتبه، ولكني أخبرته بما استجد بصراحة أكبر. وبدا أن الأمر ضايقه بالفعل، وسأل إن كان الدكتور هو من أمر بهذا بنفسه؟ أكدت له ذلك. فاجئني بعد ذلك بأن العمل انتهى وأنه لا يريد أن يؤخرني أكثر من ذلك، قال هذا بلطف شديد فاجئني حقاً، فهو لا يقدر حاجة الناس لمغادرة العمل ليأكلوا ويناموا. سألته قبل أن أخرج إن كان يريد شيء آخر؟ نفى مبتسماً. ثم قال: أحياناً أكون دايركت أنا بالعمل يا سعد، لكن أنا مقدر تفانيك وإتقانك للعمل ومثابرت وانضباطك، أنا مقدر التزامك، وأنت مكسب للمكان اللي أنت فيه. شكرته، وخجل هو!! بصراحة، شعرت بنوع من تأنيب الضمير لنفوري منه، حيث بدا هذه المرة، عكس كل مرة، يريد أن يرفع من معنوياتي بصدق وليس لحاجة، ولكن لنفوري أسباب مع ذلك. ظننت أني حينما خرجت أن اليوم انتهى. ولكني فوجئت بأن مديري غاضب ويريد جدول صنعته منذ ما يبدو الأمد، يعني بداية اليوم. طبعته للسكرتير المذعور، رغم أننا أوصلناه للدكتور مسبقاً، ولكن يبدو أنه أضاعه أو نسيه. سمعته يوبخ بغض في الممر، فخرجت ووجدت أنه لم يقتنع بأن هذا هو الجدول. لا بد أنه نسي أو لم يستوعب. جاء السكرتير الآخر. ولم نفهم ماذا يريد بالضبط. ولكن السكرتير الآخر اقترح أن آتي بالجدول الذي عدل عليه المدير، ولما رآه هدأ غضبه، ونزعه وأعاده إلي، واحتفظ بالجدول الذي أعطيناه إياه أول مرة!! ذهلنا، وقلت حينما ابتعد: غريب، ليش معصب؟! بعدين وش كان يبي بالضبط؟ لم يعلم أحد بالحقيقة.
أتمنى أن يكلل الله ماسعيي بالتوفيق، لأعود إلى الجامعة، إلى مديري العزيز وزملائي الإخوة.
سعد الحوشان
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ما رأيك بالقول؟