الأربعاء، 27 أكتوبر 2010

لا بد لبعض البرتقال أن يسقط (ألماني،أحداث،جامعة،قصيدة،مشتريات)





بسم الله الرحمن الرحيم  





تبدو الحياة أحيانا مستعصية على الفهم. ترخي الحبل من جهة وتشدة من أخرى، فلا يدري المرء؛ هل يتنفس الصعداء أم يشد شعره ويعض ثيابه. هذا حالي مؤخراً، ما كان لا يشكل أصبح مشكلاً، وما كان سقيماً بدا وكأنه يتعافى. أشعر وكأن أحد ما قد قيد قدماي بسلاسل، ثم ترك مفتاح القفل في يدي،ومضى. إن أفلت القيد أخاف أن أظل دربي إليه فلا أعود، وإن بقيت، أخاف أن تذهب الحياة. لماذا أعود إلى القيد، ولا أحد يرغمني؟ إنها المسئولية. لا تعطيك الوقت لتغفو، أو تحلم. تتركك لتضحك، ولكنها تحسب الضحكات، فهي مقننة، ولكنها لا تقنن دموع التعاسة، فهي من يغفو في ذلك الحين.

إن أمر المسئوليات أشبه بمحاولة إمساك أكثر من برتقاله في اليد الواحدة. قد تكون يد المرء كبيرة، وقد يعرف مع الوقت كيف يمسك برتقالة زائدة عن العادة. لكن، لن يمسك الإنسان أبداً القدر الذي يريده من البرتقال في اليد الواحدة.
وقد يتصور المرء أن لا أحد مرغم على هذا، يمكنه أن يستخدم كلتا يديه بأكثر من طريقة. لكن، ماذا إذا لم يكن لديك أكثر من يد واحدة؟ ماذا لو لم يكن في هذه اليد أكثر من ثلاثة أصابع، أو اثنين؟. يبدو لي أحياناً أن هذا حالي معنوياً، وإلقاء البرتقال الذي يتوجب علي التقاطه ثم حمله أبداً يتواصل، ويتواصل، ويتواصل...
سيسقط بعضه، لكن أيّه؟. 

هل حياتي برتقالة؟.
هل معنوياتي برتقالة؟.
هل قلبي برتقالة...
برتقالة زجاجية بالتأكيد...






ماذا بوسعي أن أقول؟ كانت هناك أحداث، ولكن تبدو لي كلها هامشية، باستثناء آخرها؛ حيث رأيت الدكتور الألماني أمس كالمرة الأخيرة. ولكن هذا سأتحدث به لاحقاً.كان سوء الحظ ملازم لأسبوع محدد، حينما تعطلت سيارتي، واستأجرت أخرى. تعطلت سيارتي لأن البطارية تلفت، رغم أنها ليست قديمة جداً. السيارة المستأجرة اصطدمت وأنا أقودها بسيارة أمامي. ورغم أن الصدمة خفيفة، إلا أن صدام السيارة الكبيرة أمامي معدني بالكامل، وأثر هذا على السيارة. المضحك أني لم أكن مسرعاً حتى، بل كنت أخرج من مواقف الجامعة في صف طويل. السيارة كوابحها سيئة، وكنت فوق مطب حاد، وتلك السيارة الكبيرة أمامي. أصلحت السيارة على حسابي قبل تسليمه وفق نصائح سمعتها، لكن المكتب لم يعجبه الأمر. إلا أن تعامله كان رائعاً ومتفهماً رغم غلطتي حيث لم أخبرهم بالصدمة، معتقداً أن إصلاحي لها يكفي. هو محل ابن عامر لأجار السيارات، المحل الذي لن أتعامل مع غيره الآن. كان صاحب الشركة متفهماً، ورغم أن موظف الفرع كان حازماً في البداية، إلا أنه سرعان ما حاول مساعدتي، وبفضل الله ثم جهوده مر الأمر بسلام.


خرجت سيارتي في ذلك اليوم، من لدى الميكانيكي المفضل لدي، ذلك السوري الضخم جداً، حيث لا أثق في غيره. هذه المرة كان ودوداً جداً معي. مع ذلك، أخبرني منذ البداية أنه لن يصلح المكيف. لماذا؟ لأن وكيل سيارتي باع كومبرسر معطل وصارت مشكلة كبيرة، لهذا لا يريد أن يتعامل مع سيارتي من ناحية التكييف. ضاق صدري. مع ذلك، طلبت منه أن يصلح الأشياء الأخرى، ويشرف على ما سيصلحه خارج الورشه. اتصل في صباح اليوم التالي ليطلب القطع التي يحتاج. سألني عن ماذا سأصنع بالمكيف؟ أخبرته بأني لا أدري حقاً. قال بأنه سيرسلني إلى أحد يعرفه جيداً بعدما يفرغ من إصلاح سيارتي. بدا أنه تعاطف. كان اهتمامه كبيراً بالسيارة والمتابعة معي، وحينما جئت لأحضر القطع، رأى الصدمة في السيارة المستأجرة، وبحث لي عن أحد جيد ليصلحها بسرعة. ذهب معي وفاصل الرجل كثيراً، وبعنف إلى حد ما. قدرت جداً ما قام به. سألني عن عملي، وتفاصيل من هذا القبيل. سألني عن الحاسبات، يقول بأنه يريد شراء واحد جديد، جيد ومعقول السعر والإمكانيات.


حينما فرغ من سيارتي، كان سعيداً جدا بالنتيجة، ومتحمساً جداً، لم أره فرحاً هكذا من قبل. سحبني ليريني إياها، ورصد ردة فعلي، ثم طلب مني الخروج لتجربتها وتعبئتها. خرجت وعدت، لكني اكتشفت أن السمكري لم يتقن جزء من السيارة، وأريته إياه. ضاق صدره جداً. استدعى السمكري، وأنبه، لكن السمكري قال بأنه اضطر إلى إدخالها للصبغ بسرعة حتى يقفل عليها الفرن، فلا يراها المرور لأنه ليس معها ورقة إصلاح. كانت الضربة أصلاً ليست ناتجة عن حادث حتى أحصل على ورقة إصلاح، لكن لن يفهمون المرور بالطبع، فهم لا يوظفون أشخاص لامعوا الذكاء عموماً، مثل الشرطة.

لكن تقرر أن آخذ سيارتي، وأعيدها لاحقاً ليصلحونها بالوقت الذي أريد لمدة يوم واحد. يجب أن يكون يوم خال من المسئوليات. ربما يكون ليل الثلاثاء القادم إن شاء الله.




هل أنت في الرياض، وتريد علاج أسنانك مجاناً؟ نعلم جميعاً مدى التكاليف المتعلقة بالأمر، خصوصاً أن أكثر الأطباء غير أمناء، والأمناء يكلفون كثيراً رغم جودة عملهم وحرصهم (أحيي الدكتورة سوزان، أفضل طبيبة أسنان بالعالم، وأكثرهم عصبية وخفة دم).

ماذا عن العلاج لدى طلاب، يشرف عليهم ويتابع عملهم شخص يحمل الدكتوراة، ويرصد غلطاتهم فيخافون؟ هؤلاء طلاب كلية طب الأسنان في جامعتنا. كنت قد حشوت من قبلي سني لديهم وكان عملهم متقناً، لأنهم، كما قال أذكاهم (بالمشاركة مع صديقه): يطبقون ما تعلموه، لا يتعلمون على أفواه الناس، لأنهم تعلموا بالفعل ما يجب القيام به مسبقاً. 
ولا يجب على المرء أن يقلق من المواعيد عموماً، لأن هؤلاء القوم يبحثون عن المرضى بحثاً، ويتصلون بك لتحضر لأن هذا من صالحهم. كما لا يجب أن تخاف، إذ أن الدكتور حولك في المكان، وسيأتي ويشرف أكثر من مرة ويشاهد عملهم في فمك، ويمكنك أن تخبره عليهم كذلك فيما أفترض (أحرّش عليهم).
الآن، لا تحتاج حتى إلى الذهاب إليهم، حيث أوجد أحدهم، زميل عزيز في الانترنت، صفحة تعبئ فيها بياناتك، أو بيانات طفلك، فيتصلون بك ليعطونك موعداً. ماذا يريد المرء أكثر من هذا؟. يعالجونك مجاناً ويتصلون بك لحجز المواعيد.
كنت قد تركت عنوانهم منذ فترة في الشريط الجانبي في مدونتي، لكن يجب شرح فوائد الأمر والتنبيه عليه.
هذا عنوانهم، زوروه وأزعجوهم بمشاكلكم:
http://talkodontics.com/de/stepone.htm






تسببت لي الجامعة التي تقدمت بطلب الدراسة بها بأزمه لبعض الوقت. اتصل بي موظف من عندهم، وأخبرني بأن علي أن أؤدي الامتحان للغة،،، الذي أديته بالفعل!!. كانوا قد أخبروني بأني نلت الدرجة الكاملة عليه، مع ذلك، يخبرونني الآن بأنه ليس لديهم علم بأني أديته. شعرت بقلق. أخبرني الموظف أن ملفي موجود مع الناس الذين لم يختبروا. أصريت على موقفي، وبدا أن الموظف توتر. تكرر الاتصال، وكان موقفي واحداً. شككت بأنهم أضاعوا أوراقي، لكن هذا مستحيل، فإن كانوا هم أضاعوا نتيجتي التي كانت لديهم، لا بد أنها لدى المركز المسئول عن اختبار الناس. بعد أيام، وصلني اتصال، يخبرني بأن علي الحضور لأداء المقابلة. أخيراً... لكن ماذا عن درجاتي؟ هل ضاعت حقاً؟. اتصلت بالشخص المشرف على البرنامج، وبعد جهد جهيد توصلت إليه، وأخبرني بأن درجتي موجودة لديه الآن، وهي كاملة.


كنت أول من وصل إلى المقابلة، وقال لي الرجل السوري الذي يلبس ثوب وشماغ أن مقابلتي في الساعة الثانية، أخبرته بأن الموظف الآخر، وهو الجديد، أخبرني أن مقابلتي في العاشرة. أخبرني بأن هذا خطأ منه، وظلا يتناقشان بالأمر والموظف الجديد يبسط الأمر ويقول بأنه لدى الدكتور وقت قبل المحاضرة ليقابلني. خفت أن يكون موقف الموظف الجديد حرجاً، فسألت إذا ما كانوا يريدونني أن آتي لاحقاً؟ فلا مشكلة لدي. لكن المسئول السوري رفض، وأرسلني مع الموظف الآخر، وهو يحمل أوراق كثيرة، إلى الدكتور. هناك خرج من المكتب دكتور أجنبي، لا أدري هل هو مصري أم سوري أم ماذا يكون بالضبط، لكنه بدا ودوداً جداً، صافحني وسألني أن أجلس في مقاعد قريبة خارج المكتب، حيث قابلناه. رأيته وسمعته يشرح له درجتي المكتوبة على الورقة، مما أكد لي أنها كان يجب أن تكون في ورقة مستقلة كما هو متوقع. حضرن فتيات، واستغربت وجودهن في مبنى الرجال. وجاء رجلين، فهمت أن أحدهما مثلي جاء للمقابلة، والآخر كان له موقف غريب، هكذا يبدو أن نفسيته نتنة، وله طلة دكتور، سعودي طبعاً. افترضت أنه دكتور، ولكنه كان متقدماً مثلي كما عرفت. دخل الجميع قبلي لسبب ما، رغم حضوري أولاً، باستثناء واحد. طالت مقابلات البعض. اتصلت بوالدتي وطلبت منها أن تدعو لي، كنت قلقاً. أخيراً جاء دوري، ودخلت في مكتب فسيح وفخم باعتدال وذوق، أعجبني بقدر ما رأيت ما شاء الله. كانت الإضائة رائعة، بالمشاركة بين الكهرباء والشمس من النافذة الكبيرة، بينما جلس الدكتور على أريكه ضمن أرائك صفت حول طاولة بعيداً عن مكتبه. ابتسم وصافحني، وطلب مني الجلوس. سألني عن ما سأقدمه للبرنامج وزملائي الطلاب. كم أكره هذا السؤال وما شابهه، إنه منطقي وذكي، لكني دائما غير مستعد له، لا أدري ما أقول؟ لو قلت ما أتصوره ببساطة، ما أتخيله مسبقاً، ربما بدوت ساذجاً. لكن كان هذا اختبار لعزيمتي، لأني كنت قد قررت أن أكون صادقاً معهم تماماً. قلت بأني سأتعاون بالبحوث، وتبادل المعلومات. لم يكن لدي الكثير لأقوله، وهذا ما يخطر في بالي دائماً، ولا أستطيع أن أفلسف الأمر أكثر. شعرت بأن إجابتي لم تكن مقنعة. سألني لماذا أود الدراسة لديهم؟. أخبرته بأني استشرت شخصاً خبيراً (الدكتور الألماني الكبير والعزيز)، وقارنا برنامجكم وبرنامج جامعتين أخريين، وقال بأنكم الأفضل بكثير. تأمل الرجل وهو ينظر باتجاه آخر. سألني ماذا أعجبنا في برنامجهم؟ قلت بأنها الخطة والمناهج والإمكانيات. سألني أي الجامعات قارنا؟ أخبرته بأنها جامعة أهلية أخرى، وجامعة الملك سعود. سألني بابتسامة إذا ما كنت قد تقدمت لهاتين الجامعتين الأخريين؟ قلت بصدق ووضوح: لا، لم أتقدم. ازدادت ابتسامته وفجر قنبلة: ألأنك واثق بأنك ستقبل هنا؟ أجبت بتلقائية رغم الصدمة، أجبت بعاطفة جلية يعلم الله أنها صادقة: لا لا، أنا فقط لا أريد أن أدرس في أي مكان آخر. صمت، وتأملني مبتسماً بغموض. فكرت مباشرة، ماذا كان يقصد؟ هل أعطيت إنطباع خاطئ؟ بأني واثق من نفسي أكثر من اللازم مثلاً؟ هذا أكثر ما أخشاه، لأنه أكثر ما أكرهه بالناس. كان المسئول السوري عن البرنامج، أو الجانب الإداري من البرنامج، موجوداً، وقد ابتسم هو الآخر. سألني أين أعمل؟ قلت في جامعة الملك سعود. استغرب. يبدو أنه لم يقرأ سيرتي الذاتية أو يطلع على أوراقي، ربما لأني لم أكن ضمن جدوله في اللحظة. قال مبتسماً: تعمل لديهم، لكن لا تريد أن تكمل لديهم؟ أنا: لا، لا أريد. اتسعت ابتسامته، بينما أطلق الرجل السوري زفرة صغيرة، كضحكة، فشعرت بالإرتباك. قال الدكتور: إذا سمعة برنامجنا جيدة؟ أنا: بالتأكيد. سأل هل سأستمر في الجامعة حينما أفرغ من البرنامج؟ قلت: غالباً لا. سألني ماذا سأفعل؟ قلت بأني أتمنى أن أبدأ تجارتي الخاصة. كانت المقابلة باللغة الانقليزية. أخربني بأن المقابلة انتهت، بابتسامة ودودة ،ووقف بتهذيب وصافحني لأخرج. ظللت أفكر وأفكر بما قلت وأبحث في سكناتي وحركاتي عن دوافع السؤال الغريب. لا، كيف أكون واثقاً جداً من نفسي وأنا مرتبك؟ إلا لو كنت منكوساً... سألني الموظف الجديد، الذي يشجع كل من يخرج، عن أدائي؟. أخبرته بأني أخاف بأني لم أؤدي جيداً. شجعني، ومضيت.
لا أريد أن أكون غبياً، وأحسب بأن الدكتور كان يجاملني، فهذه القرارات لا تتخذ سريعاً حتى يجامل.

ما لاحظته هو أن مقابلتي كانت عبارة عن لحظات، انقضت أسرع من الآخرين. ربما من كان بعدي كان مثلي.


لا زلت أنتظر اتصالهم. قيل لي أنه قد يكون في نفس اليوم أو يوم العمل التالي، ولكن لم يحدث هذا، غداً أكمل أسبوعاً. قيل لي بأن هناك آخرين لم يؤدوا الاختبار والمقابلة ويريدون أن ينهوا أمرهم أولاً، ثم يعلنون النتائج للجميع... يا للإنتظار الثقيل.



بعد تأجيل موعد لقائنا في المرة الأولى، التقيت الدكتور الألماني (الألماني الكبير) بعد عودته من السفر في نهاية الأسبوع الفائت. كانت ساعة تقريباً، أو هل كانت دقيقة؟ أم لحظة؟ أم ارتداد طرف؟. إني أعيش في تلك اللحظات بقلب لا ينبض فقط لأجل باقي الأعضاء، إنما أعيش بقلب يشعر بطمئنينة وارتياح لا عهد له بهما، ومع ذلك، يبدو له في تلك اللحظات أن هذا كل ما عرف في الحياة. نتحدث عن شتى الأمور التي أحب، أسمع الكثير من الحديث الممتع، المليء بطيبة الإحساس والحكمة وحسن الانتقاء، وأقول ما لا يهتم أي أحد آخر بسماعه مهما أحبني، واجد أذان صاغية، وقلب واسع وكريم. أشياء كثيرة، ومهمة جداً، تقال وتسمع في تلك اللحظات. لا تهمني أبداً أهميتها للناس، إنها مهمة بالنسبة لي. الأدب، التاريخ، العائلة، الموسيقى، التجارب، الرؤية للحياة، وما هي عليه، هنا وهناك وهناك. وحتى؛ الماء، وزهر الفانيلا، والخزامى.

ثم يقال لي؛ أريد أن أراك قريباً مرة أخرى، فهذا ما أحب أن أتكلم عنه، ولا أجد الفرصة هذه بالعادة.



نبدأ بالأول فالأول، وليس الأهم فالأهم، لأن كل ما صار مهم، وليس كل مهم يهمكم مع ذلك.


كنت قد جئته بأشياء جعلت أهلي يعدونها له. معمول خاص لولبي الشكل، لا يمكن أن يكون أكثر إتقاناً، لعلم أختي على حرصي على تقديم أفضل مما أتلقى بالعادة له. وتمر مكور ومغلف بدقيق البقل، أو الإقط. وهذا شيء لم أتذوق مثله من قبل إلا مؤخراً، وقد صدمتني النكهة الغريبة الرائعة، وأردت له تجربة جيدة، وغير متوقعه. أعجبه جداً، طبعاً، ما أتيت به. نزلنا إلى المقهى الذي يحب، ووجدنا الطاولة التي يحب خالية لحسن الحظ. جلسنا. تكلمنا حول الكثير من الأمور، وناقشنا أشياء جدلية، بالعادة أتجنب مناقشتها على وجه الخصوص مع الناس، فضلاً عن أني أتجنب النقاش ككل مع أي كان أصلاً. أخبرني بأنه يشعر بصداع شديد، لا يدري سببه. سألته لماذا إذا لم يؤجل اللقاء ليرتاح؟ قال بأننا أجلناه المرة الفائتة، وهو لا يحب تأجيل الأمور. عرفت بأنه سيطلب ماء، فتذكرت بأني أحضرت له معي ماء مدعم بالأوكسجين، وهو شيء أعتقد أصلاً أنه يساعد في الصداع. ذهبت وأحضرته من السيارة. أعجبه الماء جداً، وخفف من ألم رأسه. تحدثنا حول أبنائه، وقد فوجئ أني أعرف اسماء بعضهم فضحك لأنه نسي أنه أخبرني من قبل. لأحد أبناءه اسم استغربته على ألماني، قال بأنه غير دارج جداً، وقال بأن البعض يختصره إلى :توني. قلت بأنه كان لدينا زميل بالجامعة ندعوه توني، لأنه يبدو كلبناني. ضحك، وقال بأني أنا نفسي لا أبدو منتمياً تماماً للمكان. قلت بأن بعض الناس كانوا يدعونني بأسماء فارسية (بهلوي، آية الله، شاهنشاه، إلخ..)، معتقدين بأن هذا ما يلائم شكلي. ضحك، وقال بأن هذا ما كان يحيره، ولكنه عرف الآن، كان دائما يعتقد بأن شكلي غريب، وكأني من مكان آخر، ولم يستطع تحديد وجه الاختلاف والغرابة، هل هو شعري؟ أم حاجباي؟ ولكنه يعتقد بأني أبدو الآن من تلك الجهات، من فارس، واقترح بأننا ربما جئنا من هناك منذ زمن بعيد (!!) وأني ربما سليل "رومي". رومي؟ لم أفهم. تسائلت ما هو رومي؟ قال بأنه المسلم الشهير، ففهمت أنه يقصد الرومي، جلال الدين. فضحكت. قلت بأن هذا كان ليكون أمراً رائعاً لو كان لي صلة به، لكن بالواقع أنا أعود إلى قبيلة الدواسر، وهي تنقسم إلى شقين، وأنا من الشق الذي يعود إلى قبيلة الأزد، الذين غادروا اليمن في زمن سحيق (بعد انهيار سد مأرب، كما في القرآن الكريم). قال: نعم، صحيح، قد تبدو يمنياً، فهم شعب جميل، كان لدي طالب في مصر، كان شكله مختلفاً وأسلوبه مختلفاً، كان كثيراً ما يلفت انتباهي هذا الشيء، فعلمت أنه كان من اليمن، وقد كنت أحبه جداً، نعم، قد تبدو يمنياً.

سألني عن ما جرى في أمر المقابلة، أخبرته عنها، ما قلته، والوضع المحير الذي كانت عليه في رأيي. قال بأن إجابتي كانت ذكية، حينما قلت بأني لا أريد أن أدرس في مكان آخر. فكر أكثر، ثم أكد أنها ذكية مرة أخرى، وأنها ستعجب المسئول، إلا لو كان غبياً.

تحدثنا كذلك عن الأحوال هنا، حال الثقافة والحياة. أخبرته بأن الوضع كان على مسار مختلف قبل 30 أو 40 سنة. أخبرني بأن الكثير من الناس أخبروه بذلك، لكن ماذا جرى؟ أخبرته بما أعتقد؛ بأن المتدينيين فرضوا نوع من السيطرة، التي غيرت الكثير. ولكنهم الآن يحجمون بسبب هذا، وتشن عليهم حرب شعواء. قال بلا تعاطف بأنهم أسائوا إلى الثقافة. أي يقصد أنهم يستحقون. أجبت بأنهم أسائوا للأمر لأنه لم يردعهم أحد، إنها ليست غلطتهم أن سمح لهم وسكت عن كل قراراتهم، قد يكونون أخطأوا، لكن ليس خطأهم وحدهم، حيث لا يجب عقابهم عليه الآن. فمثلما غيروا المجتمع بشكل متشدد، إنما من يريدون الأخذ بزمام الأمور ومعاقبتهم الآن يريدون أخذ المجتمع باتجاه معاكس تماماً وبنفس التطرف، وبالتالي الإسائة إلى الثقافة بنفس الطريقة، قال مثل السماح للنساء بالعمل؟ كان مبتسماً. أجبت بأني لست ضد عمل النساء، لكن لا يجب فرض الأمور على الناس غير الموافقين وغير المستوعبين، يجب أن تبين للناس وجهة نظرك ومنطقك وأسبابك بوضوح وإجراءاتك، أن تقنعهم على نحو أفضل، لا أن تفرض الأمور عليهم قسراً. وأكملت بأن هؤلاء الناس حينما يقولون بأن أفواههم كانت مكممة حينما كانت السيطرة للمتدينيين، إنما يريدون تكمييم أفواه المتدينيين بنفس الطريقة، وهذا خطأ، وبهذا يرتكبون نفس غلطتهم، ويضرون بالمجتمع وثقافته، ويهدمون المكتسبات التي خلفتها سيطرة المتدينون، فمع أنهم كانوا متشددون ولا يفهمون جيداً، إلا أن نواياهم كانت طيبة. ما يجري الآن هو معاقبة هؤلاء الناس، رغم أن أجيال جديدة منهم ظهرت، أفضل تعليماً وأكثر منطقية، إنهم يعاقبون رغم أنهم أحرار بوجهات نظرهم، فقد يخسر المرء وظيفته كما حدث مع أحدهم لأنه أبدى وجهة نظره بأمر ما، وهذا أمر سيء، فهي وجهة نظره وهو حر بالتفكير، ولا يجب أن يكمم فمه. ساد صمت بعد ذلك، وقد كان يتأمل. قلت بعد لحظات بأني أعلم بأن ما أقوله قد لا يبدو منطقي بالنسبة إليه وإلى ثقافته، لكنه قاطعني، وقال بأنه يجد ما أقوله منطقي ومقنع. فوجئت.

كان يسأل كثيراً عن صحة والدتي، وابنة أختي، حيث يعلم أننا ذهبنا للهند لعلاجهن. وهو يبدي اهتماماً كبيراً بأمر أمي وصحتها، لعلمه ربما بتعلقي بها. أخبرته بأن أمي تقول قصائد جميلة جداً، وأنها امرأة ذكية وطموحة، لكن ظروفها لم تكن مواتية في أي وقت من الأوقات. حينما أكون مرتاحاً، حينما أحب أحداً حقاً وأقدره بصدق، فسيجد أني أخصه بحديثي عن أمي كثيراً. تحدثت أكثر طبعاً، أمثله عن قصصها وطفولتها، وطبيعتها الطيبة. كما حدثني عن أمه، التي تشبه أمي كثيراً فيما بدى لي. لكن، هل أشبهه أنا؟.


سألته ونحن خروج؛ هل تحب رائحة الفانيلا؟ قال نعم، فأعطيته زجاجة صغيرة. فرح بها وشكرني، وقال محتجاً بأني أعطيه الكثير. لكن، كان قد أهداني هو مسبقاً ذلك الكتاب الأثير عن قلعة نيوشونشتاين وبانيها، بالإضافة إلى كعك من صنع ابنته.

مضينا، ونحن نتكلم عن الأزهار، وعن العطور هنا. أخبرته بأن والدتي تحب الخزامى جداً، قال بأنه يجب أن يحضر لها إذا عطراً أو أزهارا منها حينما يذهب إلى أوروبا، فرنسا أو ألمانيا. أخبرته بأن لا يتعب نفسه، ولكنه أصر، لأن أمي غالية كما يقول. قدرت هذه المجاملة، التي ما كان ليذهب أحد إلى مداها، كان أمر بالغ اللطف. قال بأن علي أن أذكره بالأمر إن نسي.
قال بأن أحد ما أوصاه بالمجيء بعطر لا يصنع إلا في السعودية، وأنه يود مساعدتي بالأمر.

حدثته عن عم أمي رحمه الله، وهو شخص جميل ورائع، ولكن أولاده لا يشبهونه، سألني إن كنت قد التقيته؟ قلت بأني رأيته بضعة مرات. ثم أتينا على ذكر البدو عرضاً، حينما حكيت بمودة عن زوجة عم أمي رحمهما الله، التي ساهمت بتربيتها بحب، وهي بدوية، حيث أن أمي نشأت يتيمة. سألني عن ما يخطر في بالي حينما أتذكر البدو؟ قلت يخطر في بالي بأنهم أقاربي رغم أني لست بدوياً، حيث أن لدي عدة جدات بدويات(رحمهن الله). وأضفت؛ ولكني حينما أكون غاضباً، فإني أفكر بأشياء أخرى!!. ضحك، ثم سأل بجدية: مثل ماذا؟ هل تفكر بأنهم وسخون مثلاً؟. قلت لا، أفكر بأنهم مشاكسون.
وسخون؟ من الواضح أنه استمع لشكوى بدوي على الأغلب. هو مهتم جداً بفهم المجتمع. لكنه قد لا يجدني نموذجياً، ولو كان الأمر لائقاً، لأخبرته بأن ينظر إلي كمراقب مثله، ربما أجنبي أيضاً بشكل ما. أجنبي أصيل، مخلوق من طينة هذه الأرض، آصل وأكثر انتماء ممن لا يخامره الشك بانتمائه، لكن أجنبي بشكل ما، روح غير مستقرة تماماً في المكان، غريب أطوار، لكنه يعلم بأن طباعه إنما تنتمي لمكان وزمان آخر، فالأمر نسبي، وهو غريب أطوار بنظر البعض لأنهم جاهلون بأمره، وبالحقيقة، فقط.
وصلنا إلى بيته، وقال بأن علينا أن نلتقي أكثر، أنه يستمتع بما نتحدث عنه، وهنا لا يجد غيري ممن يمكنه التحدث معهم هكذا. قال هذا مع علمي بأن لديه أصدقاء كثر، مما أعطاني بعض الأمل في أني ربما لي نوع من الأهمية، أو ربما أحصل عليها لاحقاً. اقترح أن نلتقي الأسبوع القادم. قلت بأني لا أود أن أزعجه لعلمي بأنه مشغول. قال بأنه بالفعل مشغول، ولكنه يحتاج إلى الخروج من جو العمل. عبرت من خوفي من الإلحاح، قال بأني يجب أن ألح، فهو يحتاج أحياناً إلى الدفع.
مضى.


في الأسبوع الذي يليه، اتصلت به سائلاً عن رغبته باللقاء. توقعت بأنه لن يريد، لكني أردت أن أبين بأني مهتم. لكنه كان لديه مشاريع ليتحدث عنها في تلك المكالمة. أرادني أن أبحث له بخصوص أمر يتعلق بالقصيم (هذه فائدة مني أخيراً). و قال بأنه سيخبرني غداً عن إمكانية لقائنا بعدما ينتهي من أمر ما. اتصلت في اليوم التالي، وقد كان الجمعة، وأنا حقاً لا أتوقع أنه سيمكنه لقائي، إلا أني فوجئت بأنه يستطيع. أخذته إلى مقهى يبيع أفضل الشوكولاته الساخنة هنا، في رأيي على الأقل، اسمه كاريبو، وهو غير بعيد بمقاييسي عن منزلنا. حينما دخلنا، كان المكان مزعجاً قليلاً بوجود مجموعات متفرقة ممن يتحدثون بصوت مرتفع. لكن في لحظة دخولي، رأيت رجل غربي يجلس وحده أمام حاسبه، وقد نظر إلي بطريقة غريبة، مذهولة أو مروعه، مما شد انتباهي. كان الدكتور خلفي بقليل. مضينا لشراء المشروبات، ونحن نعود إلى المكان الذي اخترناه، كان الغربي ينظر إلي بطريقة فاحصة غريبة جداً. أردت أن أخبر الدكتور، لكن فكرت بأن هذا أمر غير مفيد. جلسنا، وكنا خلف الرجل، واكتشفت لاحقاً أنه يترك عمله، حيث أمامه الجهاز ودفاتر وأقلام، و يلوي ظهره لينظر إلي. ما الأمر؟، هل الأمر أني بصحبة شخص غربي؟ لكني أرى الكثير من الناس بصحبة غربيين، بالإضافة إلى أني دخلت قبله في البداية، فعلى الأغلب أنه لم يعلم مباشرة أننا معاً. تجاهلته عموماً، فالغرابة أمر حقيقي، وحتمي.
تكلمنا حول الكثير من الامور كالعادة، لكن الأمر اتخذ بعداً فلسفياً أكثر من العادة، وبالواقع، كان الدكتور يفاجئني أحياناً حينما يستغرق بالضحك فجأة، بينما أنا أتكلم بجدية. سألته أكثر من مرة، ما الأمر؟ ولكنه يكرر بأن طريقتي بالتحدث تعجبه، وأنه يجدها عجيبة. سألني عن ما جرى بأمر قبولي في الماجستير، وجدت الموضوع فضيعاً لأتحدث به، والتفكير بالمقابلة يجعلني طوال الوقت أشعر بالسوء والقلق والخجل، رغم أني لا أستطيع أن أضع يدي على ما كان خاطئاً من طرفي في المقابلة. غطيت وجهي وأنا أئن، وأقول بأن الأمر فضيع. المشكلة أنه كلما تقدم الوقت كلما شعرت بأن المقابلة مرت على نحو أسوأ، حينما أتذكر نظرات الدكتور التي قد تكون ساخرة. حاول أن يهون وقال ربما انتهاء المقابلة بسرعة يعتبر علامة جيدة. قلت ولكن هذا جانب من الأمر، المشكلة أن الرجل كان ينظر إلي مبتسماً ويتأملني بطريقة غريبة، وكأنما كنت شيئا مضحكاً رغم جديتي الكاملة ورسمية أسلوبي. قال بأنه ربما كان معجباً بأسلوبي، فسردت عليه هذه القصة:

" حينما أردت الانتقال من الكلية التي سجلوني بها إلى كلية اللغات، تطلب الأمر أن أقابل دكتور سعودي، وهو شخص غبي حقاً. في حين أني كنت صادقاً، كان يجد هذا الأمر مضحكاً على نحو ساخر. كان يجد صراحتي وإجاباتي الصادقة تماماً أمراً غبياً ومضحكاً، فكنت حينما أجيب يضحك وينظر إلى أخي، الذي كان حاضراً، وقد وكان طالباً بالكلية قبلي. شعر أخي بالخجل البالغ مني، ومن إجاباتي الصادقة الساذجة، بسبب ضحك الدكتور. مثلاً؛ سألني إن لم أنجح باللغة الانقليزية، ماذا سأفعل؟ أجبت بأني سأحول مساري إلى لغة أخرى أجد نفسي بها أفضل. وجد هذا مضحكاً، وربما افترض بأنه من الغباء أن أقول هذا. حينما خرجنا، قلت لأخي بأني لم أعد أريد أن أنضم إلى الكلية، ولكن الأوان كان قد فات...".

كان يستمع إلى القصة باهتمام، وبعد ذلك، طلب مني أن أنساها، وأن لا أعتقد أن كل الناس هكذا. ثم أخبرني عن فائدة الأفكار الإيجابية، وطرد السلبية وعدم الإستماع إليها. أخبرته بأن ما يقوله قد يبدو جيداً، ولكن الحياة ليست هكذا، ولا يجب على المرء أن يحسن الظن بالناس دائماً، يجب أن يكون حذراً ويفكر بواقعية، حتى يتفادى الصدمة. ضحك باستغراق فاجئني. قال: إذا، سيتوجب أن أنضم لدكتورك (يقصد النذل في الكلية)، وأضحك على ما تقول، مع أن سببي مختلف. إنك تتحدث بطريقة مميزة وغريبة، إن ظروفك غير العادية وطريقة تحدثك عن حياتك تخلق التعاطف الشديد في من أمامك، بحيث يرغب من قلبه في أن يساعدك بأي طريقة، ولكنك تخلق بنفس الوقت شعوراً بالذهول الشديد والصدمة، يجعل المرء يفكر بأن الضحك خير من البكاء.

يقول بأني مزيج غريب من الصدق والتشكك، من البرائة والنظرة السوداوية، ويضيف بأن هذا يشكل لغزاً، وأني حين أتكلم، فإني أصور العالم بتشككي وكأنما على وشك الإنهيار، ورغم كل هذا، يجدني راغب بمساعدة الناس بأقصى ما أستطيع، راغب بالتعاطف وجعل الأمور أفضل والتخطيط لهذا، ومصادقة الناس ومحبتهم، والضحك كذلك، مما يشكل تناقضاً يحيره، ويضحكه. يجد طريقتي بالتعبير عن الأمور مباشرة وصريحة، مع ذلك، لدي ما يتناقض مع هذه البساطة.
لم يحلل أحد شخصيتي على هذا النحو من قبل، ليس لأن هذا صعب، لكن، لأنه لم يكن الأمر مهماً لأحد من قبل.

كان قد أتى بكرة صغيرة لابنة أختي، لتلعب بها وتتمرن.
ربما هذه المرة كنا أقرب لطبيعتنا فعلاً.

تكلمنا حول الكثير، الكثير من الأمور. أخبرته بأن رؤيته تخلق لدي شعوراً طيباً يدوم. لم يفاجأ على ما يبدو، فخلاف أنه يعرف نفسه، يبدو أنه يعرفني بعض الشيء أيضاً.

المضحك هو أنه وجد قبعتي مادة للتطلع والضحك، ويبدي إعجابه بها بنفس الوقت، وبالقبعة السابقة. بوسعي أن أقول بأنه لديه تناقضاته هو كذلك. يقول بأن قبعاتي غريبة وجميلة، ومضحكة. كنت أرتدي قبعة هارلي ديفدسون، وهي مصنوع اكثرها من الصوف. أخبرته بأني أحب القبعات المختلفة، لكني لا أجدها كثيراً هنا، هذه أحضرتها من الهند. أخبرته بأني أحب القبعات التقليدية في بفاريا منذ أن كنت طفلاً صغيراً، وملابسهم كلها كذلك، وأني أرى الآن أنه من المؤسف أن الناس لم يعودوا يرتدوها باستمرار هناك.

سألته عن أعز أصدقائه، قال بأن له صديق عزيز في ألمانيا، وكانوا صديقين بالواقع، لكن أحدهما مات. ثم قال مبتسماً: لقد بدأ الناس يموتون من حولي. كان يشير إلى عمره الكبير. لكني رددت: وأنا مات لي أصدقاء أعزاء. شد الأمر انتباهه. اخبرته أن أحدهم مات منذ زمن طويل بفيروس في كبده، والآخر مات في حادث سيارة، في يوم استلامنا لشهادات المدرسة. تأثر. لكني أضفت: لكن الآن، لن يموت لي أصدقاء، لأني ليس لدي أحد. استغرب، بدا بأنه لم يتوقع هذا أبداً. كيف له؟ هو لا يعرف كيف الناس هنا، وماذا يتوقعون منك.
ودعته عند منزله. قررت أن أمنحه إجازة مني للأسبوع التالي.



متى سترد الجامعة؟ اتمنى أن يكون هذا قريباً إن شاء الله. حتى أخبر من يريد أن يعلم في هذه التدوينة.



اشتريت نظارة من موقع سكر. هذا الموقع يأتي بكميات محدودة من الماركات المشهورة، بالاتفاق مع موزعيها، ويعرضها لفترة محدودة بأسعار مخفضة، غالباً على نحو لا يفوت، وأحياناً على نحو لا معنى له، إذا ما احتسبنا قيمة الشحن من الإمارات. لكنه رائع، وقد اشتريت النظارة المميزة بصفقة رائعة جداً، من الماركة التي أحببتها من النظارة السابقة، أوكسيدو. هاهي:



والآن طلبت مع زميلي بالعمل بعض الحلي. هو لزوجته، وأنا لأمي. ما اشتريته بالأصل يباع بـ 450 تقريباً، ولكن بالعرض يباع بـ156. لا أعتقد أن ذوقي يعجب أمي، مع ذلك.

في هذا الموقع، الذي يجب أن ينتبه المرء إلى أنه في حال لم يكن الخصم مجزياً فلن يكون للأمر فائدة إذ سيكون هناك شحن حوالي 60 ريال إلى الرياض. مثلاً، لو كان الخصم سيوفر عليك فقط 50 ريالاً، فأنت ستدفع أكثر للشحن. أو لو كان سيوفر عليك مثلاً 200 ريال، فأنت رابح حتى مع الشحن. طبعاً قد تشتري بخسارة في حال اعتقدت أنك لن تجد السلعة أساساً بالسوق بسهولة. يوضح الموقع السعر قبل وبعد الخصم ليقارن المشتري.


يمكن الدفع بأكثر من طريقة. بالبطاقات الإتمانية (الفيزا والماستركارد) لن يدفع المرء غير قيمة السلعة ورسوم شحنها، أما لو أراد أن يدفع نقداً عندما يستلم من شركة الشحن، التي توصل الطرد إلى أي مكان يريد، العمل أو المنزل، فهو سيدفع رسوماً، أعتقد أنها أقل من رسوم الشحن، ربما بالخمسينات. مع ذلك، إذا كان الخصم الأساسي كبيراً جداً، فهذه مبالغ لا تذكر.


إذا أردتم الإشتراك في الموقع والإطلاع على عروضهم المؤقتة التي تتجدد باستمرار، يمكنكم استخدام هذا الرابط:




https://www.sukar.com/sales/registration/saad.mhh$0040gmail.com




حينما تستخدمون هذا الرابط للتسجيل، فستكونون كأنما لبيتم دعوتي، وسيضيف هذا إلى رصيدي نقاطاً حينما تستفيدون من الموقع. ستجدون الرابط كذلك في العمود الجانبي للمدونة.





وتحت الطلب أيضاً خواتم من أمريكا، تحدثت عنها مؤخراً، تستخدم مكائن الساعات المحلاة بقطع من أحجار كريمة صغيرة بتزيينها. بالإضافة إلى حلي نسائي بنفس الطريقة للأهل. لكن تركيز المصمم الأساسي على الأشياء الرجالية.
يبدو أنها وصلت اليوم إلى السعودية.. همممممم. إذا هل أنتظر قبل نشر التدوينة؟ ستكون تدوينة موضة (بمقاييسي المتواضعة طبعاً).


حصلت على الخواتم، بعدما سامني البريد السعودي، و، ويا للعجب، الشركة المرسلة، سوء العذاب.

بداية، تأخرت الشركة بإرسال الطلبية بأعذار واهية. ثم بعد إرسالها أرسلت لي رقم التتبع عبر البريد الممتاز. ومنذ ذلك الحين، بدأ البريد السعودي يكذب حالما وصل الطرد إلى السعودية ويقول للبريد الأمريكي أنه يحاول إيصال الطلب إلي (إلى عنواني، منزلي) دون استجابة. وقد حاول مرتين، في يومين. وفي كل مرة يكذب، ترسل إلي مسئولة وقحة من الشركة تتهدد بأن السلعة لو عادت إليهم، لو لم أستلمها، فإنهم غير مسئولين عن إعادتها!!!. شعرت بأنهم يتصورون أنفسهم جمعية خيرية، وأنا مستفيد من صدقتهم!. وكانت تكذبني بوقاحة حينما أخبرها بأن البريد لم يتواصل معي، ولما تواصل معه رفض الإيصال، وتخبرني بأنها يمكنها تتبع الطرد!!. كان البريد يقول لي بأنهم لم يعودوا يوصلون بالرياض، عكس باقي مدن المملكة (!!). طلبت إيصال الطرد إلى أقرب فرع للبريد إلي، في الجامعة حيث أعمل، فرفضوا، طلبت إيصاله على الأقل إلى صندوق بريدي الموضح عليه، فرفضوا!!. حاولت أكثر من مرة التفاهم، لكن قيل لي أن أذهب إلى الفرع الرئيسي على طريق الملك فهد لأستلمها، فلا حل غير هذا. ذهبت، وقد كنت منذ يومين أتشاجر مع الموظفة الأمريكية المجنونة والوقحة. وحينما وصلت قال لي الموظف: لقد أرسلنا الطرد منذ قليل إلى صندوق بريدك!!!. كدت أن أموت غيضاً. خرجت إلى الفرع حيث صندوق بريدنا، ووجدته مغلقاً. في اليوم التالي، أخبرني الموظفين هناك أنهم لتوهم استلموا الطرد!!. ما الذي جرى؟! كنت أحسب أن البريد تحسن بعد التحديث، ولكن هاهو يتدهور، وقد قرأت شكوى أكثر مرارة في الجريدة قبل أمس، من شخص أرسل أوراق بالبريد الممتاز إلى الرياض من حفر الباطن، واستمرت لديهم أربعة أيام رغم انها يجب أن تصل في اليوم التالي، وحضر إلى الرياض ليحل الأمر، لاحقاً بريده، ولم يتمكن مع ذلك!! وكل ما قالوه له: يوجد غيرك الكثير ممن لديه هذه المشكلة. أي: صه!.

عموماً هذه صور الخواتم:







أما الشركة، فلن أضع عنوانها، لأني لا أنصح بالتعامل معها. موظفتهم مجنونة ومتسرعة وتفهم بالمقلوب إلى حد كاد أن يصيبني بالجنون. ترسل إلى تهدد( تخيلوا!! يهددون زبونهم!!)، ثم تقول بأنه لم يشتكي أحد غيرك!! ولا أدري متى اشتكيت؟! أخبرتها بأن هذه أغرب وأسوأ خدمة عملاء مرت بي في حياتي كلها!.

لكني أحببت الخواتم جداً، المصمم صاحب الخواتم مبدع جداً برأيي، وقد أرسلوا شهادات تثبت أنها قطع أصلية بتوقيع المصمم.





التقيت الألماني الأصغر قبل يومين، كنت قد فكرت بالمرور والسلام عليه في الكلية. صادف بأنه خارج مع زميل له، قابلتهما أمام الكلية. لم يعرفني مباشرة، حتى هتفت باسمه وأنا قادم إليه. سلمنا وعلمت بأنه كان قادم إلى عمادتنا. اختصرت استفساراتهم بمكالمة بالهاتف. دخلنا إلى الكلية، حيث مضى زميله ليصحح بعض أوراقهم قبل الذهاب، فيما بقينا نحن نتكلم. ونحن ندخل، سألني إن كنت قد أتيت لأزوره؟ أخبرته بأن هذا ما أتى بي، فابتسم بسعادة واضحة، ونظر إلى الأمام، وقال بأنه سعيد جداً بهذا.

لم أتوقع قبل فترة بسيطة أن الأمور التي تردت في وقت معين قد تصلح معه، ولم أتوقع حتى قبل تردي الأمور أن تكون علاقتنا ودية نوعاً ما. كنت دائماً أتخيل بأني لا أستطيع أن أنجح عموماً في علاقة مع غربي، رغم أني لم أجرب، لكني كنت أتخيل بأني سأكون مملاً (هذا حالي مع من يفهم لغتي، فما بالك مع من لا يفهم) وربما أكون أكثر تقليدية، وأقل مرونة، مما يجب. لكن يبدو أن أموري تسير على ما يرام. بالإضافة إلى أن هذا الألماني تحسن بدوره.

تسائل وهو ينظر إلى النظارة وهي تتدلى من جيبي؛ هل هذه ألوان علم بريطانيا أم أمريكا؟ ضحكت، وقلت بأني لم أفكر هكذا حينما طلبتها. قال بالطبع، كان يجب فقط أن تكون مختلفة عن أي شيء يلبسه الآخرين، أن لا تكون سوداء طبعاً. كان يمزح ويجامل. تكلم عن حبي للتصميم، وقال بأنه يمكنه أن يحاول أن يكون مثلي، لكنه يخاف أن يسيء الإختيار وتأتي الجرأة بنتائج عكسية. حينما نلتقي، أجده يتفحص ما ألبس ويعلق عليه بشكل مضحك. لكنه يرفع معنوياتي إلى حد بعيد، وأنا أشعر بالامتنان لهذا. إني آكل لنفسي، وألبس لنفسي كذلك بشكل عام، لأني على ثقة بأن اللبس طالما لا يخالف الشرع والأدب العام، وإن كان مختلفاً، فهو ملائم طالما يسعدني. أخبرته بأن ذوقه هو نفسه جميل، وأن ملابسه جميلة ومتناسقة. تحدثنا لبعض الوقت عن مشكلة سيارته المفاجئة، يا لسوء حظه مؤخراً. لكن فوجئنا بشاب ليس صغيراً يأتي ويسلم علينا، ويسأل الألماني إن كان سيكلمه الآن بخصوص أمر معين؟. كانت مقاطعته الواثقة لنا لا تنم عن ذوق عال أو شعور بما يراه الآخرين. طلب منه الألماني الإنتظار قليلاً. لكن الرجل سأله أين ينتظر؟ هنا؟ يقصد معنا، إذ كنا نتكلم وقوفاً قرب مكتب الألماني، غير بعيد عن استراحات الطلاب. كان اقتراحه غريباً جداً، وجريئاً. أخذ الألماني على حين غرة، واقترح أن يفتح له مكتبه لينتظر فيه، لكني تدخلت وقلت بأني سأمضي الآن، ويمكننا أن نتحدث لاحقاً. لكن الألماني رفض. شعرت بأنه لم يرد للأمور أن تسير كما يريد ذلك الشاب الغريب. قال الشاب بأنه سينتظر، وكأنه سيقف غير بعيد عنا، ولكن الألماني اقترح عليه أن ينتظر هناك، قرب استراحة الطلاب، حيث يجلس الكثير من الناس على كراس مريحة يتحدثون. مضى الشاب، ووقف يراقبنا عند عمود، دون أن يجلس. كان ينظر إلينا بطريقة غريبة. وبالواقع، شعرت بأن الأمر ما كان يجب أن يتطور على هذا النحو، ربما كان يجب أن يتركني الألماني أذهب لينتهي من أمر الشاب، ونكمل حديثنا لاحقاً. كان لدى الألماني الكثير ليقوله، وبدأت أنا التحرك للنزول إلى الدور الأرضي ومغادرة الكلية، فجاء معي. حاولت تنبيهه أكثر من مرة للشاب، لكن بدا بأنه يريد أن يتركه ينتظر. في الأسفل، أخبرني بأنه ليس طالب لديه حينما سألت، إنما شخص يريد الذهاب إلى ألمانيا ويريد استشارات، أكاديمية على ما أفترض، فالألماني الأصغر ناشط بالأمر. طلبت منه أخيراً أن يعود إلى الشاب، بينما سأمضي أنا، أطاعني أخيراً.




مديري العزيز، يرفع معنوياتي مؤخراً كثيراً بالمسئوليات التي يوليني إياها، والثقة التي يعبر عنها في قدرتي على المساعدة. أشعر بأني سعيد جداً بالأمر، حتى لو بدا لي أنه يحصر المسئوليات التي كان يخطط لتوزيعها على مجموعة علي وحدي، قائلاً بأنه يعتقد بأن لا أحد آخر سيتمكن من إخراجها على أجمل نحو، فأنا أريد أن أؤدي للعمل خدمات خارج حدود الترجمة حينما يطلب هو مني، لأرد بعض جميله علي.


كنت قد كتبت مؤخرا ورقة ملاحظات حول العمادة، بأنظمتها ومدرائها وموظفيها، وكانت بشكل عام مملوءة بالمرارة والصراحة. طفح بي الكيل من أسلوب بعض الموظفين غير الإنساني مع المراجعين، وعن عدم فاعلية البعض، وضياع الوقت، والتنصل، وسوء التدبير. حينما كتبتها كنت أرجو أن تصل إلى المدير العام، بحيث تلفت انتباهه لأمور خارجة عن السيطرة، وأوساخ تدس باستمرار تحت السجادة. كان مديري راضياً حينما اطلع على الورقة، وطلبت منه إيصالها للمدير العام، ورفضت إقتراحه بإيصالها للعميد أو أحد الوكلاء؛ قلت بأني لا أريد التعامل مع دكاترة، لا أريد أن أخاطر بعرض أرائي أمام فئة لديها ميل عموماً لسوء الفهم. تفهم مديري رغبتي، وأخذت الورقة إلى المدير العام. أشاد بها، وطلب أن أعود إليه بشكل مباشر في حال لاحظت إشكالاً. حسبت الأمر انتهى، والأمانة أديت. بيد أن الأمر لم يتوقف عند هذا الحد. لقد وصلت الورقة بشكل ما إلى أحد الوكلاء، وهو بالواقع الأكثر تواضعاً وطيبة، لكن لا يمنع أني لم أرد المخاطرة معه. اسود وجهي، حسبما أتخيل، حينما أخبرني مديري. ثم جيء إلي بعجلة، وقيل لي أن الوكيل يريدني حالاً. ذهبت، ووجدته سعيد ما قرأ، وقال بأنهم يريدون مناقشتها في مجلس العمادة، وأن هذه النقاط بالضبط هي ما يحتاجون مناقشته. ولكنه يريدني أن أضيف إليها أمثلة، وأن أزيد من نقاطها أكثر، حيث أعجبه كونها جائت على شكل نقاط. أخبرته بأني لا أود أن يعلم الجميع بأنها مني، فقال بأنه كان يخطط لاستدعائي إلى مجلس العمادة لمناقشتي بها! عبرت عن أني لا أريد هذا، فاتفقنا على إلغاء اسمي من الورقة. زدت نقاط أخرى، تتعلق بالمدراء على وجه الخصوص. أطلعت مديري عليها، وأعجبته. كنت قد أضفت ملاحظة بأن هذه النقاط ليست عامة، وأن هناك حالات استثنائية.

قيل لي بأنها نوقشت، وأخبرني الوكيل بأنه كان سعيد بها وبما أثارته من جدل، وأن العميد سعد بها كذلك.
جيد، أتمنى أن تتحسن الأمور لدينا، خصوصاً على المستوى الإنساني، هذا الأمر يشغلني كثيراً، وهو في رأيي أهم نقطة ذكرتها وشرحتها. أعطيت مثالاً بالسخرية من الناس باللغة العربية، لأنهم لا يتحدثونها، وهذا أمر مشاهد في أقسام كثيرة لدينا، وكوني مترجم أعمل للعمادة كلها إلى حد بعيد، أرى ما لا يراه من يبقى في قسمه فقط.

فوجئت بأحد الزملاء من قسم آخر يهنئني على الورقة!! سألته متفاجئا: كيف علمت بأني أنا من كتبها؟! قال بأن الكل يعلم. بعد قليل، أخبرني من أخبره. أرجو أن يكون هذا في قسمه فقط، لأني لا أريد أن يذهب التركيز عن النقاط بحد ذاتها، إلى من كتبها.
لكن مديري يعتقد بأن الجميع في مجلس العمادة يعلم بأنه أنا، من نوعية الهموم وشمولية النقاط، خصوصاً أني ذكرت مرافقة الأجانب. ورغم وجود مترجمين آخرين، إلا أن مديري عبر عن أنه لن يظنوه أحد آخر لأن المترجمين الآخرين لا يغادرون مكاتبهم، وجاملني قائلاً بأن الجميع يعلم كذلك بأني أنا من قلبي على العمل.


علمت أمس بأني قبلت في الجامعة. أقول هذا لمن يهتم.

أخبرت أمي، وأخبرت الدكتور الألماني مباشرة. أخبرته برسالة الكترونية. قلت بأني سعيد، ولكني قلق، ولكني سعيد أكثر مع ذلك. ثم أخبرته بأننا يجب أن نحتفل بطلب شيء يؤكل مع القهوة حينما نلتقي، لكني سأعطيه إجازة مني لهذا الأسبوع، حتى لا أصبح كثيراً عليه.
رد بأنه سعيد، وأني أقلق كثيراً. وقال بأنه لا يحتاج إلى إجازة مني، وهو يريد أن يراني لأنه قد يغادر المدينة لبعض الوقت في الفترة المقبلة.

إذا، سأراه مرة أخرى هذا الأسبوع إن شاء الله، لحسن حظي.

غداً أول يوم في الجامعة. لا أعتقد أننا سندرس، سيكون الأمر تعريفياً، وربما يخبروننا بأن ندفع الرسوم (أسوأ شيء في الحكاية، لكن هذا اختياري) أرجو على الأقل أن يقبلوا التوفل، ويخفضوا المواد، وبالتالي المبلغ.

أتسائل إن كانت الجامعة ستساعدني؟ أقصد بالطبع الجامعة التي أعمل بها. لا أتوقع بصراحة، حيث سيتسائلون، لماذا لا تدرس عندنا؟! وهؤلاء الذين سيطرحون هذا السؤال ويتعجبون، هم الذين نالوا شهاداتهم من جامعات جيدة في الخارج، هل سأقول: يا أخي، لا يلدغ المؤمن جحر مرتين؟. ربما وزارة التعليم العالي يمكنها المساهمة؟ لا، لا أتوقع، حيث أنهم لا يبتعثون الناس على رأس العمل حتى داخلياً. لكن لو حصلت على مساعدة، سيمكنني التوفير لبدء مشروع لاحقاً إن شاء الله، أو حتى للزواج (وإن يكن بدرجة أقل من الحماس، لكن أيضاً، إن شاء الله). لكن، لا تأتي جميع الأمور كما يشاء المرء، بالإضافة إلى أني أشعر بالرضا بصراحة حينما أفكر بأني أكافح لأجل نفع نفسي.


اشتريت حقيبة للنتبوك، حيث أخطط لأخذه للجامعة عند الحاجة إن شاء الله.أعجبني شكلها، وهي تعلق بطريقتين، إما بطريقة ساعي البريد، أو على الخاصرة على نحو غريب. وهي ذات جيوب كافية لأشياء أخرى كالدفتر والأوراق. هاهي:



بالطبع سأعلقها على كتفي كما كنت أفعل في أيام الجامعة، بطريقة مائلة عبر صدري وظهري، بحيث تتدلى خلفي. أما تعليقها على الخاصرة، فهي طريقة جميلة جدا ومميزة وغير مسبوقة لحقائب من هذا الحجم والشكل، لكن يجب أن يكون المرء مرتدياً سروالا وفنيله، إذ لو لبستها هكذا بالثوب، فسأبدو كتهامي يرتدي وزرة بيضاء، أي لا يعرف في أصول الأناقة التهامية حتى، أي فاشل هنا وهناك.



يوجد الكثير من الأشياء لأتابعها، الكثير من الطلبات والحاجات التي أسئل عنها، غالبها يدخل في إطار المعروف الممتد تجاه آخرين. لكن في الفترة الحالية، سأخصص لهم وقت فراغي فقط.



حسناً، ذهبت إلى الجامعة في أول يوم، وأعطونا محاضرة تعريفية، شيء توقعت ما يشبهه، ووزعوا علينا ملفات ورقية جميلة تحتوي على كتيبات ومعلومات ممتازة عن البرنامج والجامعة، وخطابات قبولنا. نادوا على اسم في البداية حينما أرادوا التوزيع، ثم غيروا رأيهم، ثم نادوا على اسمي، كنت أول من نادوه. لهذا الأمر دلالات، ربما كنت أكثر من احتاروا في أمره، يقبلونه أم لا؟! ثم قالوا قبل إغلاق الملف، وهو الملف الأخير "يا رجال ما يضر..” ثم وضعوا ملفي في الأعلى. كان هناك في القاعة التي تشبه المسرح طلاب كثر نسبياً، وقد جلس الرجال في جهة، والنساء في جهة. كان المحاضر هو مدير البرنامج، وهو دكتور سعودي كبير بالسن. اضطررت لنفض رأسي، وفكرت بصفع خدي، حتى أتمكن من التركيز على ما يقول؛ لا على لكنته الثقيلة جداً ومخارج حروفه السيئة، إذ أن المحاضرة باللغة الانقليزية، شأنها شأن البرنامج كله.

لحظه، خبر سعيد لي؟ سعيد بالتأكيد، لكن كان يمكن أن يكون أسعد. الخبر السعيد هو أنهم لا يريدونني أن أدخل دروس اللغة الانقليزية، وهكذا وفرت حوالي 7000 ريال (الدولار=3.74 ريالات). أما الجانب السيء، هو أنهم أخبروني في البداية أن على من يريد تفادي هذه المواد أن يأتي بنتيجة مقبولة في اختبار التوفل. كنت أفكر لماذا لا يأخذون اختبارهم بالاعتبار؟ لكني قررت أن أجرب حظي مع التوفل، والحمد لله أني لم آحضر دورة تدريبية له كما نصحوني، رغم أن هذا بالتأكيد أضاع علي بعض الدرجات، إلا أنه خفف الخسارة، لأن الدورات حسبما فهمت تكلف أكثر من الامتحان(الامتحان أكثر من 800 ريال) والكتب التدريبية غالية أيضاً، وقد داهمني الاختبار وأنا أتردد بالشراء، لأن حسبما فهمت، لا يختلف الاختبار كثيراً عن اختبار الجامعة الذي حصلت فيه على الدرجة الكاملة، إنما اختلف بما يكفي لأخسر بعض الدرجات، وأجد الكثير من الإزعاج في وقت تسجيل صوتي لتقييم لغتي من خلال سماعة مهترئة. أتصور بأني حصلت على درجة مرضية مع ذلك، وقد قررت أن أعرض عليهم درجتي في أول يوم لخبروني عن إمكانية تفادي المواد الانقليزية. لكني فوجئت بمشرف البرنامج، السوري الذي يلبس الشماغ، يقول لي حالما رآني تقريباً، بأنه ليس علي أن أحضر المواد، فقد قرروا ذلك لأني حصلت على الدرجة كاملة في اختبارهم. ألجمتني المفاجئة، وقد كنت أخاف أن يطلبون الأوراق الرسمية لنتيجة التوفل التي لا أدري متى ستصل. سألته عن أمر التوفل؟ فقال بأنه لا حاجة لي به. طيب، الحمد لله، لكن ليتني عرفت قبل أن أدفع للتوفل.

عودة إلى المحاضرة التعريفية، كانت الامور على ما يرام، وكانت الخيارات التي شرحها مثيرة جداً في البرنامج. حينما سأل إن كان لدى أحد أسئلة، فضلت أن أصمت رغم أن بعض الخيارات التي شرح، وسنواجهها إن شاء الله قرب النهاية، كانت على بعض الغموض. لكني فكرت بقراءة الأوراق المفصلة أولاً، وإن لم أفهم فيمكنني مراسلته، كما أن أمامي حوالي سنتين قبل الاختيار. لكن، توالت بضعة أسئلة من النساء الحاضرات. ثم من بعض الرجال. النساء جادات حقاً في الأمر، وأقل بلادة منا ربما.

بعد ذلك، دعانا إلى الخروج وتناول بعض الأشياء، التي جهزت كترحيب بنا. فرحت، إذ أني كنت أنظر للشكولاتات وأفكر من أي صانع أتوا بها، ولمن ستكون؟ كنت أرجو أن تكون لنا، لا لضيوف لن يدفعوا شيء للجامعة، ولم يتمنوا أن ينضموا إليها.
خرجنا، وبدأنا بالأكل. كان هناك عصيرات من خمسين فاكهة(ما أثقل ظل هذا الاسم) وشوكولاتات من أنوش، وكيك، وفطائر متنوعة. فطائر السبانخ كانت مرعبة بلذتها. الفتيات المسكينات لم يستطعن أخذ الكثير على ما يبدو، إذ خجلن من التردد على مائدتهن أمامنا ثم العودة إلى الغرفة المخصصة لهن، لكن هذا أفضل للحمية بالتأكيد. كان البعض يسأل عن اللغة الانجليزية، وفوجئت بأحد المشرفين يؤشر علي ويقول للناس: مثل هذا، فهو لن يمر بدروس اللغة الانقليزية لأنه أخذ درجة جيدة في اختبارنا. التفتوا إلي بغتة، أعتقد أني كنت أمضغ شوكولاته كبيرة. سمعت نفسي كمثال بالأمر مرة أو مرتين أخريين. هتفن أمي وأخواتي حينما أخبرتهن: "بسم الله عليك!!”. حركة.

بعد فترة ليست بالقصيرة بدأ وقت أول درس. كان مدرسنا سعودي، لأننا لا زلنا في الطور التحضيري، ولهذا الطور سندرس على أيدي مدرسين من الجامعة نفسها، ثم بعد ذلك على أيدي أجانب. لغته ليست متقدمة كما قد يفترض المرء، على ما أعتقد، يمكنكم القول بأنه يفي بالغرض لو أحببتم، لكن فقط لو كان المستوى اللغوي متقارب معكم. حيث أني أحبطت حينما قلت أكثر من إجابة فتجاهلها، ثم قال أحد آخر نفس الإجابة، لكن بطريقة ملتوية بدون كلمات متقدمة تختصر الأمر، ففوجئت بأنه أخذ بها بحماس. كما أني أعتقد لم أكن مريحاً بقدر ما أراد. كان على الكل أن يعرف بنفسه، ويذكر اهتماماته، وكان الرجل ينكت ويمزح مع الكل. لكن ما قلته هو أني مترجم منذ سنوات في جامعة الملك سعود، ولم أتكلم عن اهتماماتي. وأجبت عن سؤاله لماذا أنا هنا. كان ما قلته غير مثير للاهتمام، لكن كان هذا عنوة. لكن من الواضح أنه لا يجدني كما يحب، فأنا ألاحظ بأنه لا يسمح لي بالإجابة أو المحاولة معظم الأحيان. ولا يريد معرفة اسمي على ما أعتقد. سألت بمداخلة حينما شرح لنا عن تقديم تقارير مختلفة لأناس مختلفون حول نفس الأمر: عفواً، لكن هل هذا الأمر أخلاقي؟. فوجئ بسؤالي، وبرد قليلاً، إلا أنه امتدح سؤالي مجاملة. صار يسميني بعد ذلك أخلاقيات، حتى في الأيام التالية.

عموماً، لا أجد نفسي مهتماً بأكثر من المادة، حيث لن نراه لمدة طويلة على ما أعتقد حتى ندخل في مادة أخرى ونتركه لنحصل على مدرس آخر. سوا أنه ينكت كثيراً، أكثر مما يجب في رأيي، بل إن المحاضرة كلها ضحك ومزاح. ولست ضد هذا، لكني أعتقد أن الجدية المطعمة بين فترة وأخرى أجدى، ربما.

في اليوم التالي جاء طالبين جدد، احدهما طبيب أخصائي سعودي. كان لديه رغبة عارمة للضحك على إجابات الزميلات، اللاتي يفصلنا عنهن جدار زجاجي حتى مقدمة القاعة، بحيث يظهر القسمين للمدرس، ولكن لا نرى بعضنا. كان على ما أظن يفترض بأنه لا بأس بالضحك والاستهتار طالما لا يرينه. كما قد يعبر ويتصرف وكأنهن لا يفهمن جيداً. لكن، أتمنى أنها صدمة اليوم الأول فقط. لم يطاوعني قلبي على أي حال أن لا أخبره بأن يترك بريده الالكتروني، هو والطالب الجديد الآخر، لدى زميلة كلفت بإعداد قائمة للجميع للتواصل مع المدرس.
حاولت عموماً أن أحجم مشاعري المبررة ضد الدكاترة السعوديين داخل نفسي، فهذا سيكون زميلاً إن كتب الله، لبعض الوقت.

لاحظت بأن غالبية الطلاب لا يبذلون مجهوداً يذكر لتحسين لكنتهم أو نطق الحروف على نحو صحيح، رغم أن الأمر سهل علينا نظرياً، فالحروف التي لا ينطقونها يستخدمون مخارجها بالفعل، وهي غير موجودة لدينا حتى ننطقها بطريقة أخرى في حياتنا اليومية. لكنهم فقط لا يهتمون، وهذا لا يعطي انبطاعاً جيداً. لكن لاحظت بأن امرأتين على الأقل ما شاء الله، لغتهن رائعة جداً. ويوجد طالب آخر، لا بأس به، وإن لم يكن بنفس الدرجة.

لا يعلم أحد ربما ممن يقرأ مدونتي هذه أن مدونتي الأولى، القديمة الي استمرت سنوات قبل أن أغلقها قبل سنوات، كان اسمها: دفتري الأزرق. وهو دفتر حقيقي، كان لدي في الجامعة لفترة طويلة، ولا يزال لدي، أي أنه يعيش من من سنوات طويلة جداً. ولا يزال في بضع أوراق شاغرة للكتابة. هو ما أخذته، هذا الدفتر المهترئ. أجد فيه الكثير من الذكريات، الملاحظات حول الناسن الخواطر، الرسومات، وأشياء أخرى.




اليوم كان الأخير من أول أسبوع دراسي، وهي أصلاً 3 أيام في الأسبوع فقط. ماذا بوسعي أن أقول؟ إني أفهم بعض الأمور، وبعض الأمور لا أفهمها أبداً. لكني أحاول أن أفهم بجدية، وأحاول أن أشارك، وأنجح أحياناً بقول أشياء صحيحة أو مثيرة للاهتمام على ما يبدو. لكن هذا عموما لا يبدو أنه يشفع لي لدى المدرس. هو لا يعاملني بسوء، لكن من الواضح أنه لا يرتاح إلي، ويتجاهلني كثيراً حينما أريد الإجابة. لكن لا بأس، لأنه بالواقع شعور متبادل، رغم أني لا أدري ما هي أسبابه، إلا أني أدري ما هي أسبابي. وكل الأمر لا يهم، لأننا إن شاء الله سنتجاوزه بعد فترة إلى غيره. ما يهمني هو أن تكون علاقتي بزملائي وزميلاتي جيدة أو مستقرة، لأنهم هم من سيواصل التعامل معي إن أحيانا الله.

أمر مضحك على فكرة، يبدو أن الطبيب يحسبني متزوج بإحدى الزميلات. هو مهذب عموماً، لكن خلف التهذيب، يكمن الاستهتار حسب ملاحظتي. كنا اليوم ضمن فريق واحد، أنا وهو، وقد اختاروني أنا لأن الجميع ادعى أن خطه سيئ، فيما قلت أنا أن كتابتي مقروءة، اختاروني طبعاً للكتابة. كتبنا شيء حسناً إلى حد ما، ولكن عند التقديم؛ تركت أنا لأقرأ وأناقش إنجازنا، رغم عدم إلمامي بكل ما جرى فيه!. لكن على الأقل، أخذنا استراحة قبل أن أقرأ، الحمد لله، وتمكنا من تصحيح بعض ما كتبنا بناء على استفداتنا من تجربة مجموعة أخرى، وفهمت بعض، بعض، فقط بعض، ما لم أكن أفهمه، خطوة إلى الأمام، صغيرة، لكنها إلى الأمام.






وهكذا تمضي الحياة، وتتلوى كأفعى، لو استقامت لما استطاعت التقدم. أرجو على أي حال أن لاتكون بطول الأناكوندا.



إني أتحسن...
حتى لتقول أني لم أكن...
إني أتحسن...
أتسائل إن كان القدر سيمهلن...
لكن...
ما بال قلبي لم يطمئن...
ما بال خفقه أقلقن...
ربما لم يتعود بعض الأمن...
ربما...
ربما فقط أعياه طول الزمن...
أو لعلي فقط أُمتحن...
لكني أتحسن...
بعد طول قهر وغبن...
إني أتنفس أخيراً...
وكأنما كنت طوال عمري غارقاً...
لعلي أتفائل...
لكن أسأل الله أن لا يخذلن...
أسأله أن يحفظ لي أمي وأخواتي...
أسأله أن يحفظ لي صديقي...
وأخيراً أن يحفظن...
ولو لبعض حين...
ربما بضع سنين...
ثم بحسن ختام ينتقين...
وبلطف رقيق يأخذن...



صارت التدوينة أطول مما توقعت.



سعد الحوشان

الاثنين، 27 سبتمبر 2010

تروس قلبي(أفكار،أحداث،نيوشونشتاين الرياض)

بسم الله الرحمن الرحيم






الذكريات التي نحملها عن أناس لم يعد لنا معهم تواصل، لا يحددها غالباً ما انتهت عليه الأمور، إنما كيف كانت حينما كانت نموذجية وتمثل طبيعتها البحتة، دون شوائب. 


كان لدي بضعة أصدقاء. أطولهم صداقة معي، والذي كنت أتواصل معه أكثر، لا أجد أني أسترجع عنه إلا ذكريات سيئة، وغير مريحة. أشعر بأني كنت أعمى وأصم إذ تركت لصداقتنا أن تمتد وهي بذلك السوء. أعرف بأنه كان هناك لحظات جيدة نسبياً، مقارنة بباقي الأوقات، لكنها لم تكن شيئا يذكر. وبالواقع، بتحسني كإنسان بعدما تخلصت من تأثيره، حتى معظم الأشياء الجيدة أصبحت بنظري سيئة.
الأمر مختلف مع صديق آخر، رغم أن الأمور انتهت على نحو سيء كذلك. رغم أن علاقتنا انتهت وهي لا تستحق ذلك، ورغم أنه أخطأ فعلاً وتسبب بإنهائها، إلا أني حينما أتذكره، أتذكر الأمور الطيبة. كان هناك لحظات سيئة بالتأكيد، لكنها لا تذكر أمام الأمور الطيبة.
أحياناً لا تحدد النهاية شعورنا تجاه الأمور والناس.


صديق ثالث، وجهة نظري فيه متناقضة، عاود الإتصال بي منذ وقت قريب. لم يؤثر اتصاله بي كثيراً، لكني اهتميت بأن يعلم بأن رد فعلي إيجابي. لا يعني هذا أني أريد أن نعود أصدقاء، لكن لا أرغب بالتجاهل كذلك. هو لا يستحق التجاهل.






كيف كان العيد؟ لم يكن سيئا تماماً. اليوم هو ثالث أيامه، وأنا في العمل الآن. لم أنزل من حجرتي حتى العصر، حينما استيقظت. وفي المساء، ذهبت إلى مسرحية ضمن برنامج الاحتفال بالعيد. يوجد العديد من المسرحيات، وبعضها قريب جداً من منزلنا. قررت الذهاب إلى مسرحية يوسف الجراح: ختم المدير. كانت في مدارس المملكة، ويوجد رجال أمن هناك، سألوني ماذا يوجد في حافظة الماء عند البوابة الخارجية، وفي البوابة الداخلية، قيل لي أن الماء ممنوع في الداخل. سخافة.
في البداية شغلوا موسيقى بصوت عال. لا أدري ما الداعي لها. خطرت لي فكرة مضحكة، ربما كانت الموسيقى أشبه بالتعويذة لطرد الملتزمين. أتصور بأن إذاعة الموسيقى بلا داع فكرة سخيفة، وقد تزعج البعض. أفهم لو كان هناك شيء يدعو للأمر ضمن أحداث المسرحية، لكن كان يبدو أن الموسيقى لإلهاء الجمهور، لكنها كانت مزعجة ومرتفعة الصوت. ليس لأن الأمر مسموح نبالغ باستخدامه، قد يكون الأمر مزعجاً أو مستغرباً. لن أستغرب لو حضرت حفل موسيقي، لكن هذا حدث قبل المسرحية، وقبل عرض أسماء المشاركين.
بدأت المسرحية في الوقت المحدد تقريباً. كان هناك ماجد العبيد، وقد كنت أتخيل حينما كنت صغيراً أنه أثقل أهل العالم ظلاً. لكنه كان ذو حضور مقبول هنا. يوسف ظهر بشخصية الحجازي التي استنزفها في الإذاعة وغيرها، وقد تغير شكله كثيراً. كان معروف بالطول الفارع والعرض ما شاء الله، لكنه أصبح الآن اسطوانياً، وليس عريضاً. وكأنك تنظر إلى اسطوانة غاز فارعة الطول ما شاء الله. كان شكله ينم عن المرض أكثر منه عن الصحة. وتقصيره لشعر وجهه، درتي فيس، زاد من شكله شحوباً. بدا بلا ملامح تقريباً.
كانت المسرحية تهريجاً لا تستحق التحدث عنها. كان هناك موقف أو اثنين مضحكين، لكن كانت مسرحية سطحية، أكثر سطحية مما توقعت، فأنا لم أتوقع أن تكون عميقة أو ذات مغزى مثلاً، فالمسرح لدى العرب عموماً للتهريج والتنكيت، الكل يريد أن يبدو مضحكاً بأي طريقة، إلا بالطرق الذكية. يعني المسرحيات مثل السيرك بالواقع هنا، السيرك الرديء، أما السيرك الحقيقي فأنا أثق بأنه فن كذلك. لم أتوقع أن يكون الأمر بهذا السوء. وأنا ألوم نفسي بالواقع على الحضور، فقد كنت أعلم بأني لا أحب هذه الأمور، التهريج والتنكيت السخيف لدينا، لكن لم يكن لدي شيء آخر لأفعله. يندم المرء غالباً بعد انتهاء مثل هذه الأمور الخائبة، لكني ندمت قبل ذلك بكثير. خرج بعض الناس قبل انتهاء المسرحية، بينما ضحك بعض الناس على أحداثها بلا سبب. كانت قصيرة جداً لحسن الحظ، ساعة وعشر دقائق ربما أو خمس. كان هناك أناس يريدون أن يصفقوا طوال الوقت، ولكنهم حالما يبدأون يتوقفون، لأنه لم يشاركهم أحد. 


كان الجراح يؤدي دور حجازي صاحب مكتب استقدام، بينما العبيد يعمل لديه، وهو نجدي. الجراح ساذج، ونصاب، بينما العبيد ذكي وفاسد، يخدع الجراح بطرق يفترض أنها كوميدية، ولكنها طرق غبية. لم أشعر بالاقتناع أن شخصية حجازي يفترض أن تظهر ساذجة، أتصور بأن الحجازي لا يُغش أو يُخدع بسهولة، وأعتقد أن هذا هو الانطباع العام عنهم. والخلطة الباقية معروفة، وقد استخدمت بسماجة. الإتيان بشخصيات من مختلف المناطق، والضحك على اللهجات والطبائع التي يحاولون الترسيخ أنها طبائع هؤلاء الناس. هناك القصيمي، الذي أعتقد أنه كان من الأفضل أن يكون من الخرج، فهو فضولي، وهناك الشرقاوي، ذو الشخصية التي لا معنى لها، فقط استعراض للهجة، وهناك التهامي أو الجيزاني، وقد كان الأكثر ابتذالاً ووقاحة. أتفهم لو صور الأمر بطريقة ذكية ومحترمة، لكن تصوير الشخصية الأخيرة أتى غبياً وتهريجياً أكثر من غيره. وكأنما ظهور الجيزاني بلهجته وملابسه المختلفة سبب للضحك. كان تقليد اللهجة، والزعيق المستمر لممثل لهذه الشخصية أمر مستفز.


أما الجراح فقد كان لديه حقه من الزعيق الحجازي، الذي أصبح سامجاً لكثرة تكراره في كل مناسبة يظهر بها. كأنما لم يعد يمكنه سوا الظهور بهذه الشخصية، خاضعاً لرغبة الناس بالضحك على الحجازي القح. حتى زعيقه يتكرر حتى حفظته. أتصور أن هذا الرجل، الذي أعتقد بأنه موهوب لكنه مخدوع أو مخطئ بمساره، لو قدر له أن يكتب مقالاً في جريدة، لتمكن من الزعيق عبر المقال بطريقة ما.


غنّا الجراح والعبيد بأكثر من مناسبة، مستعرضين مواهبهم بثقة، لكن لم ينقذ هذا أي شيء من المسرحية. أشعر بالمغص حينما أتذكرها.


السخيف بالأمر هو حشو النص في بعض اللحظات بملاحظات حول المجتمع، وقد أتى الأمر تلقينياً على نحو فج، إلا أنه حاز التصفيق مع ذلك. مثلاً يأتي شاب ليطلب استقدام خادمة، ويحدد مواصفات غريبة، أن تكون جميلة وتحت الخامسة والعشرين ومن هذا الكلام. ثم يظهر بأنه غير متزوج، ويريد جلب الخادمة لنفسه ليستغلها، كان أمر أحمق وساذج، أن يكون صريحاً وجاهلاً إلى هذا الحد. وعذره؟ هكذا يقول: "ماذا نفعل؟! كل شيء على العزاب ممنوع، كل مكان للعوائل، ولا مكان لنذهب إليه!!." أمر مضحك. هل يعني هذا أنهم لو سمحوا له بالدخول في أقسام العوائل، سيشبع هذا غرائزه؟!
طبعاً، صفق الناس بحرارة على هذا العذر. بينما كان الجراح يقف على نحو غير ملائم، وكأنه يوافق تلميذه فيما يرمي إليه، بينما كان حسب السياق غاضباً بالواقع. كان يحاول أن يشب مشاعر الجمهور، فالتصفيق على ما يبدو هو النجاح في نظره.


موقف آخر، يتكلم فيه الجراح عن نساء اليوم اللاتي لا يقمن بشيء، عكس نساء الأمس، اللاتي تلد الواحدة منهن وتقوم لتباشر أعمالها بعد قليل. نال هذا النقد المفتعل والمتكرر بسخافة التصفيق كذلك، وكأنما نكاية بنساء غير حاضرات. يا لها من حجة، يا لها من ملاحظة. هذه ملاحظة كل البائسين. لا يفكرون بأن الكثير من النساء هن من يصرف على منازلهن بالواقع لا الأزواج الأنانيون، الذي يصرفون على رغباتهم أو يدخرون رواتبهم. وهذا أمر شائع جداً. من يقولون هذا عن النساء يتحدثون عن النساء القديمات وكأنما هن أمهاتهم، لكن حينما لا تسمح الأجيال بالمقارنة بعد فترة، ماذا سيقولون. وأنا أتساءل إن كانوا يقارنون رجولتهم بالرجال المسئولين في وقت سابق، حيث كان من العيب أن تصرف عليهم نسائهم وهم قادرون، يعملون ويتحملون الكثير من المسئوليات والشقاء، إلى جانب النساء.
لو كانت هذه الملاحظة مطروحة بطريقة ذكية، لو كانت أي ملاحظة مطروحة بطريقة ذكية وتحترم عقول الناس، لربما فكر فيها المرء، وقلبها في رأسه أكثر.


انتهت المسرحية أخيراً. وخرج الممثلون بتتابع ليحيون الجمهور. حتى خرج يوسف الجراح أخيراً، فصفق الناس وصاحوا بحماس. اكتشفت أن شعبية يوسف الجراح كبيرة جداً، منذ بداية المسرحية. كان الناس يهتفون له على نحو غير عادي. كنت أعتقد أنه موهوب، لكنه غير ذكي، فلا يعرف كيف يطور نفسه وأعماله. لكني الآن أعتقد بأنه ربما لا يهتم بتطوير نفسه وأعماله، إنما يهتم بكسب المال طالما المسألة بهذه السهولة.


هو مخرج المسرحية أيضاً على فكرة.


رأيت صورة يوسف الجراح أمس في دعاية بالشارع، لصابون صحون ومواعين. المشكلة أنه يظهر على نحو مكثف حتى صار مملاً. حدث هذا قبل فترة وخفت قليلاً، والآن يعود، وكأنما لا يوجد غيره. لا يختار المكان الصحيح ليظهر أيضاً. يبدو أنه يائس من الجانب المعنوي، ويريد جمع المال فقط.






وجدت خواتم رائعة في موقع مصممها. المشكلة أن أسعارها مرتفعة، غير سعر الشحن، وأنا أحاول التقشف. سأرى ما يمكنني أن افعل. هي من النوع المطعم بقطع ميكانيكية، مكائن ساعات. أحب الأشياء ذات الطابع الميكانيكي جداً، خصوصاً حينما تكون الميكانيكا ظاهرة، بالتروس وما إلى ذلك، مثل ساعة اوديمار بيقيه التي وضعت صورتها في وقت سابق، أو مختلفة بوضوح، كأن تكون الأداة تعمل بطريقة مختلفة ميكانيكياً عن مثلاتها، مثل ساعتي التي تحدثت عنها في وقت سابق. من ناحية ظهور الميكانيكا؛هذا جزء مما يسمى أسلوب أو طابع الستيمبنك Steampunk.
قلبي، بات يتحول إلى هذا الأسلوب على ما يبدو. أشبه بمكينة قديمة لضخ الدم. لم تكن غلطتي، لكنها الحياة.
أشبه التكنيكات التي أتخذها بالتروس، هي التروس الضرورية ليعمل قلبي، حيث لم يعد قادراً على العمل بنفسه، لو تركته لعفويته الساذجة. التكنيكات هي توقع أي شيء من الناس، وصعوبة الثقة، واللا مبالاة كثيراً؛ فاليوم كالأمس، وغداً كاليوم. كاد الزمان أن يوقف قلبي معنوياً، ويجعل وضعي أسوأ.
لكن من يعلم، قد يوقع أحد ما بهذه التروس، في يوم ما، قد يتعلم قلبي أن يكون أذكى.
لكنه يعمل على أي حال.








التهم المجحفة جارحة حقاً. ليس أسوأ من اتهام شخص بأمر يعلم بأنه ليس فيه. لكن، ما يجرح أكثر هو حينما تكون التهم في مكانها، ويقف عاجزاً عن الإنكار، عن استبعاد هذا العيب عن نفسه. 
ولهذا الإشكال أيضاً تفاصيله، التي تتفاوت بالوقع. قد نتهم شخص بالأنانية، أو الغرور، وهو يعلم بأنها فيه، ويقف عاجزاً عن الرد على نحو مرضي، فيجرحه الأمر كثيراً. لكن الاتهام بصفات خاضعة للطبع المتبدل أمر أهون مما ليس للمرء حيلة فيه. كأن نتهم شخص آخر بالغباء، أو بطئ الفهم، وهو فيه. التهم من هذا النوع أنكى، وأسوأ وقعاً. وهي ما يجب أن يتجنبه المرء، مهما سائت الأمور.








جاء الألماني الأصغر من بلاده، وقد فوجئنا ببعضنا حينما حضر إلى قسمي. أخبرني بأنه اشترى لي خبزاً ألمانيا، لأتذوق ما كان دائما يتحدث عنه. شكرته بامتنان.
ذهبت إلى مكتبه وأخذت الخبز في اليوم التالي. هو أسود اللون، أو بني غامق. جاء في علبة صغيرة، وكل رغيف مغلف على حدة، يشمل خمس أنواع، من كل نوع رغيفين. لم أتذوقه بعد، أنتظر أختي الكبرى لتأتي لنأكل منه جميعاً.
سمعت مثلاً أوروبياً يتغنى بالمائدة التي تحوي الجبن الفرنسي، والخبز الألماني، وزيت الزيتون اليوناني على ما أتذكر. الخبز في ألمانيا كثيرة أنواعه جداً، كالجبن في فرنسا.


في اليوم اللاحق لأخذ للخبز، جاء إلى مكتبنا. وجدت أنه قد غير شكل شعره، الجانبي على الأقل، إذ لفه ونفشه. أمتدحت شعره. تحدثنا حول ما قيل له في ألمانيا، هذه أول إجازة له على حد علمي. قال بأنهم سألوه عن الحرارة هنا وكيف عاش رغم قسوتها. وسألوه عن تغطية النساء لأنفسهن؛ وأجابهم بأن هذا ما يجري هنا وهو لا يمانع، ولو طلبنا منه هو أن يرتدي العباءة لارتداها. ضحكت وأنا أتخيله مغطى بعباءة، بطوله الفارع ورأسه الكبير. كان يريد أن يريني بأنه يحترم ما نحن عليه.


تحدثنا عن الدراجات. أخبرته أني أبحث منذ سنوات الآن عن دراجة جيدة معقولة السعر، ولكني لم أجد. يا لحظهم، الدراجات الممتازة لديهم أسعارها معقولة، بالإضافة إلى أن بعض الدراجات الجيدة تباع مستعملة بأسعار بخسة.


المؤسف هو أنه لما عاد، وجد سيارته مصدومة من أحد الجهات، وأحد الإطارات مثقوب بمسمار. لا أدري لماذا. هل كان يقف بطريقة خاطئة، أو حيثما لا يجب أن يقف؟.
أذهلني حينما قال بأنه في الحوادث بين السعوديين والآسيويين، فإن الخطأ دائما سيكون على الآسيوي!. يا للحقارة في بعض هؤلاء الأجانب. ليس وكأننا لا نكلم الآخرين حتى يكذبوا عليهم معتقدين أن هذه الفكرة لن تجد من يصححها. قاتلهم الله.


تكلم عن الحوادث، وقال بأنه يريد أن يؤمن على حياته وسألني عن شركات التأمين. أخبرته ما أعرف. تسائل: لكن لو مت من سأفوضه ليأخذ الأموال من الشركة؟ ثم قال بأنه قد يفوضني أو الدكتور الألماني الكبير. كان يمزح أو يجامل. أتفهم أن يجاملني، لكني لم أتوقع أن يأتي على ذكر الدكتور الألماني الكبير. فهو على ما يبدو لا يحبه كثيراً، والآخر كذلك لا يبدو أنه يرتاح إليه كثيراً.




لقد أصبحت طباع هذا الألماني أفضل بكثير من السابق. أعتقد أنه أصبح أفضل كشخص. وأشعر بأنه أصبح أكثر راحة بتعاملاته، ويفهم أصول التهذيب الآن بالسلام والتوديع. الأجانب عموماً لا يفهمون هذه الأشياء، باستثناء القليل من البلدان هناك. أعتقد أنه تعلم بعض الأمور المفيدة هنا.






قابلت أمس شابين طيبين عرفتهم في الانترنت أولاً. هم يدونون في مدونة تدور حول دراستهم والأحداث التي يمرون بها من خلالها. دراستهم في كلية طب الأسنان. يكتبان بأسلوب رائع ومباشر، ويتلقون الإطراء المستحق حوله كما لاحظت. كنت قد اكتشفت أحدهم في معرض الكتاب قبل أشهر، إذ نشر صورته بضعة مرات، فاستوقفته وسألته إن كان فلاناً. كان هو، ولحسن الحظ كان صديقه معه. أخبرتهم من أنا، واتفقنا على اللقاء في وقت لاحق. مرت الأشهر، وبطبيعة الحال كانوا هم الأفضل، إذ راسلني أحدهم ليرتب للقائنا، لكني كنت في الهند. وحينما عدت، لم أتصل، ظللت أؤجل وأتطلع بنفس الوقت، كان الأمر يجمع بين الإهمال والنسيان والانشغال. حينما أتذكر وأفكر بترتيب موعد، أقرر أن اليوم الفلاني للتواصل أفضل، لظروف دراستهم مثلاً، يأتي اليوم الفلاني فأكون قد نسيت. رتبت الأمر أخيراً. يا له من لقاء. مرت ساعتين ونصف دون أن أشعر. تحدثنا حول مختلف الأمور، مثل الأدب وقراءاتنا، والالكترونيات، وكان أحدهم، معن، قد أحضر الآباد، فجربته أخيراً. وجدته أسرع مما توقعت بكثير، والغريب هو أن الطباعة عليه، رغم أن المرء يطقطق على زجاجة وليس على أزرار محسوسة، سلسة للغاية. لم أكتب الكثير، طبعت عناوين فقط، لكن هذا أكثر ما أذهلني، سهولة الطباعة. أكثر ما يجذبني بالجهاز منذ أن أعلنوا عنه هو حافظته الجلدية، التي تسفط بطرق مختلفة، أهمها برأيي هي الطريقة التي تجعل الجهاز مائلاً في مواجهة المستخدم في حجره أو على طاولة، حيث يمكنه الطباعة على نحو مبتكر وسهل. من المستحيل طبعاً أن أشتريه وهو بهذا السعر، خصوصاً لدينا، بالإضافة إلى انتظاري جهاز بنظام الكروم من قوقل، إلا أنه أذهلني فعلاً ما شاء الله.
هذه مدونتهم، معاذ ومعن:



خطر لي خاطر غريب جداً في فترة العيد. خطر لي أن أغير نهاية الرواية التي لم أجد لها عنواناً منذ الأزل. شعرت بالراحة لأني لم أجد عنواناً، لو وجدت عنواناً لربما كنت قد نشرتها، ولما أمكنني أن أغير النهاية. لم أتلقى أي شكاوى حول النهاية، على العكس. لكني أريد نهاية لا ترضي الناس بالضرورة وتشعرهم بالاطمئنان، إنما نهاية أكثر واقعية كنتيجة للأحداث، و، لا تنسى بسهولة، أو هكذا سأحاول. حينما فكرت بالرواية، وجدت أن نهايتها هي أكثر جزء يمكن نسيانه منها بعد فترة. إنها نهاية جيدة بالفعل، لكنها جيدة لأنها تشعر المرء بالرضا بعد الاضطراب. أعتقد أنها تشبه النهايات التي أتمناها لقصص حياتي ولا أحصل عليها أبداً. لهذا، لا يبدو أن نهاية مطمئنة هي أمر واقعي. الحياة أصعب، ولا علاقة للأمر بكيفية أمانينا لنهاية متاعبنا.
وربما يساعدني هذا على إيجاد عنوان للرواية. أسأل الله المعونة.



يخرج أحياناً أبناء وبنات إخواني بأسئلة مفاجئة وغريبة. آخرها كان من ابنة أختي. أخبرتني أنها تريد أن تسألني عن أمر ما، ولكنها تخاف أن تحرجني. أخبرتها أن تسأل. قالت ما عمرك؟؟. تصنعت الصدمة، وأغلقت فمي وزعقت زعقة مبتذلة. ضحِكًت كثيراً. أخبرتها به (تجدونه بالملف الشخصي للمدونة). سألتها لماذا تسأل؟ قالت بأنها أخبرت صديقاتها بأني في الرابعة والعشرون. استغربت، كيف يعرفنني صديقاتها؟ قالت بأنها تتحدث عني كثيراً. أمرهم مضحك هؤلاء الأطفال. ناصر، أخوها الأصغر، يعتبر نفسه غالباً ند لي، فهو يناقشني أحياناً بالزواج (عمره 10 أو 11 سنة). لماذا لا أتزوج؟ وكم عمري؟. أحياناً يسألني لماذا أنا حزين؟ ويصر بالسؤال، لأنه يريدني أن "أفضفض" على ما يبدو.
تأتي أسئلة أحياناً عن: من أكبر، أنا أم فلان أو فلانة من إخواني؟ قد يكون هذا أخي الأكبر، وهو يكبرني بأكثر من 20 سنة. 






غداً إن شاء الله سأعود إلى العمل، بعد اسبوع إجازة، الاسبوع الأول من عودة الموظفين. السيارة متعطلة، لكن لا بأس، سأستأجر سيارة وآخذها غداً للإصلاح إن شاء الله.






وال ستريت، Wall Street، معهد مشهور لتعليم اللغة الانقليزية، اكتشفت بأنه معهد سيء عكس ما توحي به الإعلانات والإلتزامات المخادعة التي يعطونها للناس حينما يأتون للاستفسار أو التسجيل. يقولون لك بأن معلميهم هم من أهل اللغة الأصليين، لكنهم ليسوا معلمين بالواقع. لن تجلس مع معلم ليناقشك بالأمور ويعلمك اللغة، إنما ستجلس أمام جهاز حاسب ببرنامج خاص لتتعلم منه، وبعد أيام ستحجز بنفسك ليقابلك الأستاذ لفترة قصيرة ويطلع على تقدمك!! حتى أنه لن يتابعك فعلاً. وهم لا يخبرونك بهذا قبل التسجيل. المشكلة أن سعرهم هو نفس سعر المجلس البريطاني مع الأسف. وقت التسجيل جلسنا مع موظف سوري صفيق، ولا مبالي. وقبله موظف مصري معسول اللسان، لكنه لم يوضح الأمور على حقيقتها.
كانوا قد وعدوا ابن اختي بـ15 يوماً بعد رمضان يدربونه فيها في جوانب النقص اللغوية، ويمنحونه الشهادة. بعد العيد وجد أبوابهم مغلقة، حتى وقت قريب. ولما ذهب إليهم قالوا له بأنه لن ينال سوا يومين  أو ثلاثة من الـ15 يوم، لأن الأيام مرت بعد العيد. أخبرهم بأنهم لم يفتحوا معهدهم بعد العيد، ردوا بأن الكمبيوتر يحسب الأيام على أي حال سواء كان المعهد مفتوحاً أو لا!!!. لم أسمع بحياتي أوقح وأجرأ من هذا العذر. بالنهاية وافقوا على منحه يوم زائد  ليحصل فيه على الشهادة!!!!


ولأنه أسلوبهم فاشل بالتعليم كما ذكرت، يخبرونك كإغراء بأنه يمكنك الحظور وقتما تشاء. أعتقد أن هذا ضد الالتزام الذي يجب أن يتحلى به طالب العلم، لو كان هناك بضعة أوقات محددة يختارها المرء لكان الأمر أفضل. لكن لأن الأمر يتم على الحاسب، وهم لا يخبرونك بهذا، تجد أوقاتهم مرنة.


لا أنصح أبداً حتى بالتفكير بهذا المعهد كخيار.








في بداية التدوينة، ترون صورة التقطتها قرب كلية اللغات والترجمة، المبنى الجديد. صورت منزل جميل، اسميه القلعة السوداء، مثل نيوشونشتاين، وهو غير واضح جداً في الصورة لأن المسافة بعيدة، و"الدواعي" الفنية زادت الطين بلة .
أراه كل يوم وأنا عائد من العمل، شامخ مقابل الجامعة. جمال تصميمه لافت للنظر، ليس لأنه مختلف، لكن لأنه مهيب حقاً. ولكني أعتقد بأن طموح تصميمه أكبر من النتيجة النهائية. هو ليس أجمل ما يمكن رؤيته، وليس حتى خالياً من العيوب. لكن تعجبني مهابته النادرة في بيوت وقصور الرياض، واختلافه الجريء، والانطباع الذي يعطيه بالغموض والقوة والتصميم والثقة. إنه يخلو من الزوائد والحركات التي لا داعي لها، إنه بعيد عن الطفولية، عكس الكثير من بيوت الرياض التي تبنى لتكون جميلة، حسب تخيلات غير ناضجة.
مع ذلك، لا أعتقد أنه في مكانه، مثل بيوت كثيرة هنا مسقوفة بالقرميد. إنه لا يجمل مدينتا، إنه يجعلها أقبح برأيي. فهو ليس في مكانه، الرياض تحتاج إلى تصاميم مختلفة. لكن فات الأوان، لقد أصبحت مدينة بشعة، بسبب أن الكل أخذ حريته ليبني كما شاء، أياً كان ما يبني. للأسف أن الحرية أتيحت حيث لا يجب أن تتاح، ولم تتح في مواضع أخرى.








أواجه مشكلة مع أحدهم. ليست مشكلة كبيرة، ولا تؤثر علي، لكن يزعجني أنها موجودة ولا يمكنني حلها، لأن الطرف الآخر لا يفهم. إنه لا يفهم بأنه بسبب أفعاله حل محل تقديري له ازدراء شديد، ولم يعد في قلبي أي تعاطف معه، ناهيك عن محبة. إني لا أرجو له السوء، فهو أتفه من أن يربطه المرء بشعور واضح. كل ما لدي له هو اللامبالاة، ولكنه لا يفهم. بين كل فترة وأخرى يقفز إلى المشهد، ليصبح النشاز الوحيد في يومي، الذي أحاول أن أحجمه حتى لا يتجاوز تلك اللحظة، وأنجح، فالأمر سهل. رغم أنه يختار أواقت ظهوره وفق معطيات تتكرر، أكون فيها في أفضل حالاتي دائماً.
ولا أقترح أن تتعاطفوا معه، فهو أيضاً لا يكن محبة حينما يعاود الظهور، إنه فقط يتمنى أن لا يطويه النسيان، لعلمه بأنه يسهل نسيانه، مما يجعلني أشك دائما بأنه لم يتلقى تقديراً في حياته قبل أن يتلقاه مني، وهذا أمر مبرر لكوني غبياً في تلك الأيام، وأسأت الفهم، لهذا لا يستطيع أن ينساني، ويتوقع بأني يجب أن لا أنساه، لتحتفظ الذكرى في ذهنه المبتذل بقيمتها.
هو لن يكف، لأنه لن يفهم أبداً. حينما أتذكر أني كنت أقدره يوماً إلى حد كبير، أشعر بامتعاض من غبائي في ذلك الوقت، أشعر حتى بالغثيان، بينما هو لا يزال يكتنز الأمر، متجاهلاً أنه كان بالحقيقة إنسان خسيس. يا للمسكين الكريه.








سعد الحوشان

الجمعة، 27 أغسطس 2010

كمين في جوف كمين (أفكار،قصيدة)

بسم الله الرحمن الرحيم









الملل، الملل من الأشياء التي لا يعطيها الناس حجمها. إنه دافع قوي للكثير من الحماقات.
لدي الكثير منه في حياتي، لكني لم أعد أرتكب الحماقات، لأني مللت الحماقات أيضاً.






اليوم أول يوم عمل في رمضان، ورغم أن وقت الدوام أقصر من السابق، إلا أنه يبدو أطول من الأيام العادية بدهور. لم يكن لدي شيء أقوم به اليوم تقريباً، العمل قليل اليوم على نحو غير مفهوم. وربما فاقم هذا من شعوري بالوقت.






ما العمل في الدعوات التي لا يرغب المرء في حضورها؟ تحرجني الدعوات إلى الإفطار التي أتلقاها من بعض الناس. تختلف أسباب نفوري من الدعوة. إما أن يكون الأمر أني لا أعرف الرجل إلى ذلك الحد، أو لا أرتاح إليه، أو لا أريد تطوير العلاقة أكثر. مع ذلك، أجد إصراراً من البعض، وعدم تفهم لإعتذاري.
والأسوأ من الدعوات، هي الهدايا. أحياناً تكون الهدية أكبر من العلاقة، وأحياناً لا تريد فقط أخذ هدايا من بعض الأشخاص. أحرجني أحدهم قبل أيام بتحدثه عن هدية أحضرها لي من بلده. عبارة عن ساعة. تضايقت حينما علمت، فأنا أرغب بتحجيم العلاقة بقدر الإمكان، لأني لاحظت أن الرجل يستنزفني كثيراً، وإن يكن بحسن نية، ولا يريد أن يقدم المثل، رغم أني لا أريد بصراحة المثل، لكني قررت اختباره قبل أن أقرر تحجيم العلاقة، وعلى أساس اختباري له قررت أن الأمور يجب أن لا تتقدم، إنما تتراجع.
قد يتخيل البعض أن الهدية هي شكل من التقدير والعطاء أيضاً، وأنا أقدر هذا كثيراً، لكني يمكنني شراء الساعات لنفسي، ولكن لا يمكنني شراء الشعور بالارتياح والعطاء المعنوي. أزعجني تحدثه عن هدية بعدما قررت مباشرة. وأزعجني أكثر أسلوبه بالطرح، رغم حسن النوايا بلا شك. حينما بان علي عدم السعادة بذكره للهدية ارتبك. إذ أخبرته وبالغت بأنه ما كان عليه أن يتعب نفسه. لكني لما رأيت ارتباكه كفيت مباشرة، وقررت أن أرفض حينما يأتي بها. 
هو يقدم هذه الأشياء المادية، والدعوات التي لا ألبيها، كتوكيد وائتمان على صداقتي وإدخالي بلا داع في أمور حياته باستمرار.
حينما جاء بالهدية، وهي ساعة كما ذكرت، لكنها بلا غلاف إذ لبسها بضع ساعات وأضاع غلافها، أخبرته بأن يعذرني عن أخذها، فأنا لن أشعر بالارتياح لو أخذتها. حاول أن يعرف لماذا، وأطال الموضوع كثيراً، كثيراً. لكني أصريت على موقفي، ولم آخذ الساعة، ولم أرها حتى.
هو سليم النية، وطيب، لكنه يحتاج إلى مجهود كبير حقاً، وقد يطلب أي شيء في أي وقت. ولا أتصور بأنه سيعطي بنفس الطريقة. كما أني صرت أشعر بالإرهاق منه كثيراً. وهذا ظلم له أيضاً، أني أتكلم معه كصديق في حين أني وصلت إلى مرحلة أني لا أريد أن أراه.
ربما كانت القشة التي قصمت ظهر البعير هي مجيئة إلى الجامعة قبل فترة، بطريقة غريبة، ليريني أنه جرح رأسه، حتى أخبره أن يذهب إلى المستشفى. أعتقد بأن لديه مشكلة مؤسفة، ربما يحتاج إلى الكثير من التعاطف.
في البداية حينما اتصل وأخبرني أنه ضرب رأسه بالجدار بالخطأ، ولكنه لا يدري عن حجم الجرح، إذ  أنه لا يستطيع أن يرى نفسه بالمرآة. قال هذا ضاحكاً، أنه لا يستطيع أن يرى نفسه، رغم صوته المتعب، ولكني علمت أنه يكذب حينما ضحك، كان يغطي على حقيقة أخرى. أقول في البداية، ظننت أنه ضرب رأسه في الجامعة، ربما وقع على زاوية جدار أو شيء، ربما كان قريباً من قسمي أو قادم إليه بنفس الوقت. لكن حينما رأيته، ورأيت الجرح البليغ على جبهته، وهو ينز، أخبرني، بل صدمني، أنه بالواقع ضرب رأسه بالخطأ في المنزل، لكنه جاء إلى هنا رأساً، ظاناً أنه ليس بذلك الجرح، وأنه يمكنه إيقاف النزف بالمنديل، ومتابعة شئونه هنا. كانت هذه كذبة، ولا أعتقد أنه توقع مني التصديق، لكن طالما تعود على إيجابيتي تجاهه، فلماذا يقلق؟. أخبرته مباشرة بأن يذهب إلى المستشفى، وبدى عليه الارتياح لاهتمامي. لكنه توقف، ونظر إلي، فهمت أنه يريدني أن آتي معه إلى المستشفى، كما فعلت في مرات من قبل. إلا أني لم أذهب. لم يكن النزيف شديداً، كان الدم ينز بخفة، وإذا ما مسحه بالمنديل مر بعض الوقت حتى يتجمع قليلاً. فقط أوصيته أن يذهب مباشرة، ويخبرني لاحقاً بما يجري. كان هذا كافياً إلى حد ما بالنسبة إليه. رأيته يأتي إلى مكتبي، إذ التقيته في البداية في قسم آخر بعدما اتصل، ولكنه خرج، لمحته وهو يخرج.
أخبرني لاحقاً أن الجرح استدعى الخياطة.
إني بطبيعة الحال لا أحقد عليه، بل إني أقدره، وأقدر بعض مزاياه، لكن لم يعد بمستطاعي تبديد جهودي ووقتي في أشياء غريبة، وغير طبيعية، ولا داعي لها. أعلم بأني سأواجه صعوبة، لكن قد يتغير الأمر لاحقاً. إني بصدق صرت أقلق من مكالماته التي تزداد مع الوقت، ومن نظراته التي تزداد غرابة.


حاولت أن أتجاهل مكالماته بقدر الإمكان، لكن لم يستغرق الأمر أكثر من يومين حتى أرسل رسالة طويلة في الجوال، يسألني إن كنت غاضباً من شيء، ويطلب السماح ويتحدث عن تقديره لي، وعدم رغبته بخسارتي. اعتذر كثيراً وهو لا يدري ما هو خطأه. كان يجب أن أتصل، وأخبره بأني لست غاضباً، إنما مشغولاً. لم أكذب، فأنا كنت مشغولاً أكثر من المعتاد، ولست بغاضب عليه فعلاً. قال بأنه لا يريد خسارتي، وأني مهم لديه، وأنه من الضروري أن نتحدث عند وجود ملاحظات. ربما سيغير من أسلوبه، ربما سيعيد النظر، لكني بأي حال سأستمر بالتقليص المنهجي للعلاقة.




يوجد نوعية أخرى من البشر، مثيرة للشفقة، ولكنها غير مريضة، إنما لديها سوء فهم مثير للشفقة. إنهم يحبون إشغال الناس بأنفسهم، وتجميع تعاطف أكبر عدد من الناس. هؤلاء يشعرونني بالشفقة، والغضب. أخبرني أحدهم، وهو يبتسم بنوع من الازدراء المبرر، أنه لا يستطيع أن يفعل شيء معين، لأن فلان، وهو دكتور سعودي، والده مريض، وهو يحب أن يحيط نفسه بالناس بقدر الإمكان في هذه الظروف. أخبرني بهذا حينما اتصل عليه دكتور أجنبي آخر ينسق معه بخصوص هذا الدكتور السعودي المتطلب. مع العلم أنهم لا يعرفونه منذ وقت طويل.






هذه المرة، لن يكون هناك إجازة. سآتي للعمل في الإجازة إن شاء الله، وأحصل على مكافئة. فكرت بأن هذا سيكون أمراً جيداً، إذ أني مقبل على دراسة إن شاء الله، لو سارت المقابلة على ما يرام. بالإضافة إلى أني لا أستمتع بالعيد فعلاً.






أجليت سكانة ذكرك من قلبي...
وسط أنينهم وأنيني...
إذ لم يعد هناك رجاء في حنيني...
وما عاد هناك جهد في سنيني...






جائت دعوة، ولم أتمكن من رفضها، رغم تخطيطي لذلك. هي من دكتور بريطاني، من أصل لبناني. ورغم معرفته باللغة العربية، إلا أنه يرفض أن يتحدث بها، متحججاً بأنه لا يفهم اللهجة هنا. أعتقد أن لديه سبب آخر، بعيد تمام البعد عن حجته هذه. لكني لا أتعب نفسي كثيراً في أمر خياراته. صحيح أني أزدري العرب الذين يتحدثون بلغة أخرى رغم أنهم يحادثون عرب آخرين، وأعتقد أن المجتمع السعودي بشكل عام له نفس النظرة، إلا أني لم أخبره، فسيضعني هذا في موقف محرج غير ضروري، نظراً إلى سطحية العلاقة.
هو ودود، ومتواضع إلى حد بعيد. للأسف أنه واجه الكثير من المتاعب في الجامعة مؤخراً، بسبب غباء الإجراءات، وضعف الضمير المهني لدى الكثير من الموظفين.
تعبت مؤخراً كثيراً من التغيب لفترات طويلة عن قسمي وتعطيل أعمالي لمتابعة مشاكله، لكن كان هذا أمر لا بد منه، لأنه لم يكن ليستطيع القيام بشيء وحده، فالموظفين غير متعاونين، خصوصاً في قسم الشئون المالية سيء الذكر، باستثناء موظف واحد هناك هداه الله لنا.
كنا نتكلم في أوقات انتظارنا عن شتى الأمور. أعتقد بأني كسبت ارتياحه سريعاً. فقد أراد تطوير العلاقة، وجعلها أقرب إلى الصداقة. لكن هذا شعور متغير. أخبرني كثيراً بأنه سيدعوني إلى لبنان، حيث دعى صديق له، دكتور سعودي، وأعجب كثيراً بقريته. ومرات يريد أن يدعوني إلى بريطانيا.
لكن بالنهاية، دعاني إلى الإفطار هنا، في مطعم لبناني، أو مقهى ومطعم بنفس الوقت.
كنت قد صدمته حينما كنا نتكلم ذات مرة، إذ سألني وهو واثق، إن كنت أحب الطعام اللبناني؟ فقلت لا. بدا على وجهه الذهول وعدم التصديق. وهذا شأن الكثير من الشعوب تجاه أمور معينة لديهم. فالسوري سيستغرب إذا قلت بأنك لا تريد أن تتزوج سورية، واللبناني سيستغرب إذا قلت بأنك لا تحب طعامهم أو أنك لا تعتقد أنهم أجمل شعب بالعالم، والمصري سيستغرب، إن لم يغضب ويرتكب جناية، إذا قلت بأنك لا "تحلم" بزيارة مصر. أخبرته بوجهة نظري، أنكم اللبنانيين والسوريين لا تعرفون كيف تطبخون، أنتم تشوون وتصنعون السلطات والأكلات البسيطة. أخبرته أنه إذا ما أراد أن يطلع على فن الطبخ هنا، فيجب أن ينظر في أطباقنا أو الأطباق المصرية. حاول أن يدافع، وقال بأني ربما لم أجرب الأكلات الأكثر تعقيداً، مثل الكبة. لم يبدو علي الاقتناع.
المهم أنه دعاني إلى مطعم على أي حال. وفي حين أني قدرت الدعوة، إلا أني نويت أن أعتذر بوجود ضيوف قبل الدعوة بيوم، إلا أن الظروف لم تأتي كما أردت. فاتصاله الموعود لتأكيد الدعوة جاء متأخراً في الليل بينما كنت نائماً، ثم أرسل رسالة، ولم أرها إلا في اليوم التالي. لم أرد الاتصال باكراً، لخوفي بأن يكون نائما. فلم يعد أمامي سوا إجابة الدعوة.
لم يكن الأمر سيئاً على أي حال. لكن حصل ما كنت أخشاه، لم أتمكن من أكل ما يكفي ليشعر بالرضا. رغم أنه لم يقل شيئاً باستثناء حثّي على أخذ المزيد، إلا أني أمكنني أن ألاحظ بأنه واع للأمر، وكان البوفيه ليس رخيصاً بالواقع، وأعطاني فكرة عن كرم الرجل. أنا لا أستطيع أن آكل كثيراً وقت الافطار. فأساساً نحن لا نضع في الإفطار غير التمر، واللقيمات، والعصيرات والقهوة والماء. لسنا كبقية العرب نضع كل شيء في نفس الوقت، فالعشاء لدينا يأتي في وقت لاحق. بالإضافة، أهم شيء بالنسبة لي على الإفطار هو الماء، هذا إفطاري الحقيقي. 
تمنيت أني أكلت أكثر، لكن لم تكن الأشياء، كرم الله النعمة، من الأشياء التي فعلاً أفضل، لو كان بإمكاني التحامل على نفسي. كان طعام لبناني، لم يكن هناك شيء أحبه فعلاً غير الحمص. حتى الحلويات العربية إجمالا أجدها سيئة، باستثناء الكنافة بالجبن حينما تكون متقنة.
كان قد سألني كثيراً من قبل، من باب المزاح كما كان يبدو لي، متى سأتزوج؟. وسألني من قبل، مازحاً، إذا ما كانت صديقتي قد اشترت لي ساعتي؟. أخبرته بأني أشتري أشيائي بنفسي، ولا صديقة لي. كان يريد أن يرى أي رجل أكون.
هذه المرة، اقترح وألح، أن أتزوج، وأنه يعرف فتاة لبنانية لأتزوجها. أخبرته بأني لا أفكر بالزواج حالياً. لكنه ظل مصراً، وحاول أن يقنعني بمزايا المرأة اللبنانية، وأنها برأيه أفضل نساء العرب. وظل يروح ويجيء على موضوع تزويجي لبنانيه. لاحقاً، أخبرني بأنه سيأخذني إلى طرابلس، حينما سألت عن بعدها عن قريته، لأرى عمته وبناتها. هل العروسة من بنات العمة؟.
استغربت من إصراره، وما استغربته أكثر هو إصراره على تزويجي لبنانية. لم يلمح إلى معرفته بها سوا لمرة واحدة.
كنت أوصله إلى منزله حينما أتى على الموضوع للمرة الأخيرة. فأخبرته بأني حالياً أخطط لإكمال تعليمي، ولن أملك المال الكافي للزواج لأني سأمول نفسي إن شاء الله.
حينما اقترح فتاة لبنانية، خطر في بالي الإغراء الوحيد في الأمر، أن تكون تحسن فعلاً صنع الحمص.




اليوم هو الثالث بعد الدعوة. جاء الرجل إلى مكتبنا، حيث أنه كان قد طلب تأشيرة لإحضار عائلته. كانت جاهزة. لكنه صدمني قائلاً بأن بعض الأوراق التي قدمها أصلية، ويحتاج إلى إعادتها. كان في تلك المرة قد أكد لنا أن الأوراق غير أصلية. هذا أمر ضروري، حيث أن الوزارة المعنية تشدد على عدم إرسال الأصول حينما لا تطلبها، لأن الأوراق لمثل هذه الطلبات لا تعاد. لماذا كذب علينا؟ سألته لماذا لم يخبرني أنها أصلية؟ فقد سألناه بوضوح، لم يجد غير الضحك إجابة. كان بإمكاني تصوير الأوراق بسهولة. يا الله، لا أدري إن كانت الأوراق ستعود، أم أنها أتلفت حتى...











قبل فترة، رأيت موظف أجنبي جديد في الجامعة، تعدى سلوكه الحد الذي يمكن تخيله من الوقاحة وسوء المنطق. هو شاب باكستاني طويل، وذو هيئة غريبة. يمكنك أن تخطئ وتظنه مصرياً من ملامح وجهه. استدعيت إلى القسم الذي يتعامل معه على وجه السرعة. حينما وصلت، وجدت نائب المدير هناك، وهو رجل شديد التهذيب، وواسع المعرفة بالنظام، وعدم الارتياح يبدو عليه. أول ما طلب مني قوله لهذا الرجل الباكستاني هو: أخبره أن أسلوبه الوقح غير مقبول هنا. علمت بأنه يرفع صوته على الموظفين، ويقذف اوراقه عليهم قذفاً لينفذوا معاملاته. ما كان من أحدهم إلا أن مزق أوراقه. أمر غير متوقع، خصوصاً إذا ما نظرنا إلى وداعة وتعاون الموظف الذي مزق الأوراق بالوضع المعتاد. لكنه كان قد فقد أعصابه بسبب تعامل هذا الرجل. وأمكنني تقدير موقفه بعد دقائق من محادثة الباكستاني هذا.
يعترف أنه وقح. ولكنه يقول: إذا كنت أنا وقحاً، هل تكونون مثلي؟!. قلت، وقد استثارني منطقه جداً: أجل، حينما تكون وقحاً فلا تتوقع من الناس أحسن مما تلقيت!.
كان نائب المدير يفكر بالرفع بهذا الرجل للشكوى. لكنه قرر التريث. وقفنا لوقت طويل ندور حول نفس الموضوع، وهو يرفض أن يفهم، ويضيع الوقت، وهو وقت الصلاة. كان يشتكي ويقول بأنه وقف لوقت طويل ينتظر أمام نائب المدير أو موظف آخر، وأنه كان ينتبه إلى المراجعين السعوديين قبله. الغريب هو أنه كان هناك أجنبي واقف معنا، وأموره تسيرعلى ما يرام. أخبرته بأن الأمر لا يتعلق بكون الآخر سعودياً، ونبهته أن ينظر إلى الاجنبي بجانبه، وهو مصري، ويسأل بقية الأجانب، الذين لم يشتكوا من الأمر مثله. ربما لا يفهم أنه انتظر على الأغلب لأنهم احتاجوا إلى ترجمة. ولا أعتقد أساساً أنه انتظر طويلاً إلا إن كان قد ترك لينتظر قبلاً، حيث كنت قد جئت مسرعاً حال استدعائي. حاول إخافة نائب المدير، وكأنما لم يكن هو الوقح بالواقع، بأن يطلب منه كتابة الأنظمة بخط يده والتوقيع عليها!!. ما المخيف بالأمر لا أدري، حيث أن الأنظمة أصلاً مطبوعة في كتاب رسمي كان يمسكه نائب المدير، والباكستاني العبقري يعرف ذلك. 
أعتقد بأنه غير سوي نفسياً. وأتخيل بأن مديره حتى ربما يواجه مشاكل معه، إذ رفض التعاون معه حسبما استشفينا، بينما كان يصور لنا أن أمورهم على ما يرام، ويحاول الكذب علينا حتى انتهى حبل كذبه فاضطر إلى الاعتراف.
مثل هؤلاء الناس أتمنى أن ينهى تعاقدهم، بدون تردد.




رجل آخر، باكستاني، كان قد حصل على رقمي، وظل يتصل على الطالعه والنازلة كما يقولون. وكأنما وظيفتي هي الرد عليه. لم يكن لديه إرادة لمساعدة نفسه والمتابعة. بالنهاية كفيت عن الرد عليه، أو على رسائله. حيث أنه أجهدني بكثرة شكاويه، واكتفائه بي لمتابعة شئونه، وعدم رضاه عن شيء.
جاء في بداية الإجازة، ورأيته ورآني، لاحظت بأنه يتتبعني بنظره بارتباك، وينتظر قدومي. لكني تجاهلته باستثناء ابتسامة واشارة برأسي، فلم يكن ما جاء لأجله جزء من عملي. إلا أنه استدعاني بالنهاية وجئت. سلمت، وكان المكان مزحوماً بالمراجعين. فوجئت به يعتذر عن إزعاجه لي بخجل، ويصر على أنه أخطأ بإزعاجي.
لم أتوقع هذا بصراحة.









نحن المسلمين، يا لنا من قوم كذوبين. المشكلة أن أكاذيبنا غير ضرورية وغير مبررة غالباً. نريد أن نختصر الطريق أحياناً، أو لمتعة الكذب، إن كان له متعة، وليس تعذيب للضمائر الحية.
لاحظت أننا فعلاً ميالون للكذب. وإن كنت أعتقد أن أهل الجزيرة العربية هم الأقل ميلاً للكذب، خصوصاً حينما لا يكون الأمر ضرورياً.
دكتور من المغرب العربي، حاول خداعنا بخصوص مدة خدمته، إذ كان لتوه جاء، وعقده قيد التجهيز. جيء به إلي. وقرأت شهادة الخبرة. أتصور أنه فكر قبل أن يجيء: "لن يعرفون قراءة شهادات الخبرة، هؤلاء الجهلاء، وسيعتمدون على ما أقول". أهل المغرب العربي عموماً يعتقدون أكثر من غيرهم بأننا أهل جهل وانعدام حضارة، في حين ينظرون إلى أنفسهم على أنهم أعلى منزلة حسبما سمعت. وجدت شهادة الخبرة مناقضة بوضوح لما يقول. المشكلة، غافلاً عن كوني مترجم متخصص، حاول التشكيك بفهمي للأمر بكل وقاحة. كنت أعلم بأنه يحاول خداعنا بقدر ما يستطيع، بتمثيل أنه واثق بما يقول، وأننا لا ندري وأننا نضيع وقته. قلت للموظف الذي جاء به إلي بأن هذه رؤيتي للأمر، وليس لدي غيرها، إن كان غير واثق، فيوجد مترجم آخر في القسم القريب يمكنه استشارته. رفض زميلي الموظف الفكرة، بينما ضعف موقف المغربي، وبدا عليه الهدوء فجأة، يبدو أن وجود مترجمين اثنين أخافه من الوقوع في إحراج أكبر على ما يبدو، فتنازل بلا مبرر واضح عن حجته، ووافق على رؤيتي للأمر. مع العلم أن الناس بالعادة قبل توقيع عقودهم، إن كان لهم وجهة نظر مغايرة عن وجهة نظر الجامعة، فإنهم يعاندون كثيراً قبل التوقيع، ولا يكفون عن محاولة شرح موقفهم، وحتى الصعود إلى مدير الجامعة، لأجل زيادة المزايا والراتب. لكن هو، كان فقط يخدع بلا حياء.










إجمالاً، أنا لا أجوع كثيراً وقت الصيام، حتى لو لم آكل الكثير في المساء. إن خطر العطش أكبر في الصيام بالنسبة إلي، نظراً لكوني تعودت منذ الصغر شرب كميات من المياه يتعبرها البعض مهولة. بيد أني حتى قبل رمضان بدأت تقل كمية المياه التي أشربها. ففي العمل، صارت الشركة الجديدة لا تبيع غير مياه صفا، التي لسوئها تسبب لي المغص في كل مرة أشربها.
يشكل الماء، حتى حينما أكون مرتوياً، هاجساً بالنسبة إلي، أو هوس. ليس الأمر أني أود أن أشرب باستمرار، رغم أن هذا واقع إلى حد بعيد، لكنه يتعداه بتسرب الماء إلى أفكاري وتخلله إياها، وخيالاتي، ورؤاي.
بقدر ما أحب هذه الأرض، بقدر ما يفزعني ويؤرقني افتقارها للماء. أشعر أحيانا أني أجنبي لهذا السبب، أني ربما وقعت بالخطأ، في المكان الخطأ، والزمان الخطأ. أني ربما كان يفترض بي أن أعيش إلى جوار جدول أو شلال صغير، أو ينبوع في جبل.
لا يمكنني أن أتوقف عند دكان هنا دون أن أجد الماء، فهو وفير، بغض النظر عن جودته. لكن يمكنني تخيل هشاشة هذه الحقيقة.
العراق، بلاد الرافدين، يستورد الماء الصالح للشرب بالقوارير من عندنا، ومن عند الأردن والكويت، ثلاثة بلدان بلا أنهار أو بحيرات حلوة.
لأي سبب، حرب أو غيرها، كارثة بيئية أو تقنية، ماذا سيفعل الناس لو انقطع الماء؟ هذه الملايين التي لم يكن للأرض عهد بها، ولا حتى بنصفها.








أتساءل أحياناً ماذا يضر بعض الناس إذا تعاملوا بلين، أو على الأقل بمهنية، مع الآخرين. كنت اليوم في المستشفى، الملك خالد الجامعي. حاولت محادثة طبيب، سعودي على ما أعتقد، ورفض التعاون، كان يمضي ويتركني فقط، ولا يجيب. كان ما أريده هو أن ينظر بوصفة دواء لدي، حولتني الصيدلية إلى عيادته لتصحح. دكتور آخر صححها لي بلا مجهود. وهذا استثناء، فأكثر الدكاترة سيئون هنا، السعوديين والعرب على وجه الخصوص. وقد يفاجئ المرء أنهم قرروا بالنيابة عنه أمر مصيري، دون أن يخبروه، وكأنهم أوصياء عليه. ففكرتهم هي أن الناس هنا قصر، وأغبياء، خصوصاً حينما لا يتحدثون اللغة الانقليزية مثلهم. وهذه عقدة نقص في الحقيقة، وامتساخ.
مثلهم الممرضات، ومجملهن أجنبيات. أمس كانت الممرضة ترفض أن تستمع إلي. إنهن يحتقرن الناس هنا، يعتقدن بأنهم غير متعلمين ولا يستحقون الانتباه، فالتعليم في عقولهن مرتبط بتحدث اللغة الانقليزية. حينما تتحدث اللغة، قد تحضى ببعض الانتباه. ادعت في النهاية أنها تستمع إلي، لكني أعطلها عن عملها، ولكن، أليس عملها هو خدمة الناس هنا؟. في حين أن كل ما كنت اريده هو ترك خبر كما فعلت من قبل بأني سأدخل على الطبيب قبل والدي، لكنها لم تكن تريد أن تستمع. أخبرتني بعد عدة  محاولات بأنها ليست الممرضة الوحيدة العاملة مع الدكتور في النهاية، ولا تدري إن كان ملف والدي تحت مسئوليتها. قلت: كان يمكنك إخباري بهذه المعلومة الصغيرة منذ البداية. قالت بأنها أخبرتني، قلت بأنها لم تفعل. لا يختلف الأمر، فأنا أثق أن المسئول عنها وعن زميلاتها خسيس مثلهن.
لا أعتقد أني وفقت لمراجعة المستشفى مع أهلي دون منغص، وسوء معاملة، وقلة إحترام لإنسانيتنا. فقد والدي ذات مرة وعيه، ونحن أمام المستشفى، بينما وقفن ممرضات ينظرن إلينا، رافضات القدوم للمساعدة، رغم صياحي في ذلك الصباح الخالي من الناس طلباً للمساعدة منهن ومن أي أحد، ورغم محاولتي وعجزي عن حمل والدي.


كما أن الأدوية الغالية الثمن، التي فعلاً لا يستطيع الناس شراءها، هي ما لا يتوفر، في حين يقال بأنها توفر فقط لمن لديه واسطة أو معرفة، كما قال طبيب لأختي؛ هي توفر للفي آي بي. وهؤلاء الفي آي بي، هم الدكاترة الآخرين، والشخصيات الغنية، وهم يستطيعون شراء هذه الأدوية بسهولة. 
لا يتخيل الناس البعيدين عن الأمر، لكن بعض الأدوية مكلف إلى درجة مخيفة.


هؤلاء الناس العاملين في المستشفيات الحكومية، كلهم، حتى المدراء، يفتقرون إلى إدراك حاجة الناس، ورغم أنهم في مستشفى، إلا أنهم على ما يبدو لا يدركون أن من يأتي إليهم هم المرضى، ومرافقيهم، الذين يعانون أكثر من العاملين بالمستشفى، مهما كان ضغط العمل لديهم. إنهم يفتقرون إلى الإحساس، والأدب، والإحترام، والإنسانية. وهذه سخرية، أن تفتقر للإنسانية وأنت تعمل حيث يُعالج الإنسان ويعتنى به من جراحه وآلامه.


أتمنى أن ينتقم منهم الله. لكن، منذ متى وامنياتي تتحقق.
على الأقل، أتمنى أن ينتقم الله من وزير الصحة، أن يجعله يعاني مما يعاني منه الناس، أن يبحث عن الدواء ولا يجده، أن يبحث عن الإحترام ولا يجده.
ومثله، مدير الجامعة، فالمستشفى الذي قضيت سنوات أراجعه مع أهلي، هو جامعي بالنهاية.










ماذا بوسع المرء أن يقول حينما يعاني من ظروف، لتوه شعر بها، أو توصل إلى الشعور الكامل بها، في حين أنها ظلت تتكون وتتراكم وتسوء منذ سنين، أمام عينيه.
يشعر المرء وكأنما كان يسير في إتجاه كمين محبوك منذ أن ولد، بيد أن الطريق إلى الكمين لم يكن ذا منظر خادع، لم يكن جميلا ومستدرجا للغفلة كما هي عادة الكمائن. كان يبدو وكأن الحياة كانت بالأساس كمينا، فإذا بها محشوة في جوفها البعيد بكمين أسوأ نية، حيث وصلت أخيراً.







الوحدة، والارتباط، أمرين يبدوان كضدين، لكن اجتماع الضدين هو ما يجعل الأمور فريدة من نوعها. يجعل السعادة فريدة، والحزن فريداً.








أنشر الآن أسرع مما اعتدت خلال الشهور الفائتة، لأني لا أتوقع قدوم أحداث مميزة في هذه الفترة، أو تغير شيء. ما ذكرته هنا حتى غير مثير للاهتمام، والمزيد منه سيجعل الأمر بالغ السوء.








سعد الحوشان