الاثنين، 18 أبريل 2011

شعر السعيد يطول (ألماني،جهاز،القصيم،قصائد،أحداث)

بسم الله الرحمن الرحيم












ينظر المرء لأمور مختلفة بأعين مختلفة. لكن مع الأسف، لاستبدال المنظور، يجب أن يتغير الوقت، فلا يستطيع المرء أغلب الأحيان رؤية بعض الأمور من أكثر من منظور بنفس الوقت، أحياناً لا يفطن المرء في خضم الحياة لضرورة هذا الأمر، فكل ما يرجوه الإنسان هو أن يختار المنظور الصحيح في كل مرة ينسى رؤية الصورة كاملة. قد لا يمتلك الخبرة كذلك، قد لا يدري بوجود أكثر من منظور للأمر الواحد في معظم الأحيان.


نظرت من مناظير غير ملائمة لوقت طويل، إلى مختلف الأمور. إني أفضل قدرة الآن على اختيار المنظور السليم، وهو المنظور الأشمل، ربما أكثر من منظور للأمر الواحد.
لكن، يظل اللبن المسكوب مسكوباً.
إني أود أحياناً أن أحذر بعض الناس، كثير منهم غرباء، من سوء عاقبة نظرتهم للأمور، التي يحسبون بأنها إيجابية، إذ أني مضيت سابقاً على نفس الدرب، وأعرف نهايته.


لكن هذا يجرني لأمر مهم؛ إنه يتعلق بأخ بعث إلي بكلام، ليخبرني من خلاله ببضعة أمور، وكم أشكره على ذلك. مع ذلك، لم يتح لي الرد عليه.
هذا الأخ أراد أن يلفت انتباهي إلى كتابات امرأة غير سوية بوضوح؛ ويحسن بالمرء تجنبها حينما يعرف هذه الحقيقة، لألا تسحبه إلى انحطاطها. إن أمرها يشبه المصيدة أو الفخ، قد يقع المرء بالفخ لأول مرة، لكن يجب أن يتفاداه في المرات القادمة، فالمؤمن لا يجب أن يلدغ مرتين من ذات الجحر، كما يحث الرسول عليه الصلاة والسلام.


لأكون صادقاً، لم أكن أريد أن أسمع، أو أقرأ، شيء عن الموضوع، مهما كان الغرض، لأنه مضيعة للوقت، أمر غير مهم بأي طريقة قلبته، إنه فقط مثال مؤسف، سبق وأن اطلعت عليه، على حدود الرداءة القصوى وسوء الخلق والتربية، والانحدار المستمر. 
لم استطع التواصل مع الذي أرسل إلي الأمر، إذ كنت أريد أن أخبره بوجهة نظري التي سأقولها الآن.
ما كنت أريد أن أقوله له هو نصيحة؛ أن لا يتفاعل مع تلك المرأة، ولا حتى أن يطلع على ما تقول، أياً كان. فتلك المرأة على جانب كبير من الخساسة وحب الأذية، وهي لا تستريح من المحاولة لجر الآخرين إلى مستواها الخفيض، ولا تهنأ إلا بالإسائة، وجرح الآخرين، حتى حينما يكونون غافلين عنها، وهي ليست من الذين يسلم المسلمين من ألسنتهم بسبب أو بدونه، هي مؤذية باختصار.


إن اختلاف البيئة، أو على الأصح اختلاف مستواها، يجب أن يؤخذ بالاعتبار. فهذا يجر أمور كثيرة، مثل نوعية التربية، ومستوى الرادع الذاتي لدى الناس. إن بعض الناس يخطئون على الآخرين ويجرحونهم كردة فعل، ردة فعل ليست بالضرورة على أذى أو شيء خاطئ، قد يكون اختلاف وجهات نظر أو حتى مجرد مجاملة، لكن هذا أفضل ما يحسنونه، فالخبيث لا يأتي منه إلا الخبث. وبعض الناس يذهبون إلى أبعد من هذا، إنهم يلاحقون الناس ليخطئوا عليهم، ليعاقبوهم على معرفتهم بهم، ليشعروهم بأنهم قادرين على الأذى والجرح والاستمرار به، دون كلل أو شعور بالندم.
إن بعض الناس خاوون، يعيشون حياتهم من خلال حياة الآخرين، فهم غير قادرين على الانشغال بأنفسهم، وغير مالكين لسمات تمنحهم القبول لدى الناس، فيحاولون إقتحام حياة الناس رغماً عنهم، وإيذائهم، لإشغال أنفسهم، وإشغال الآخرين بهم. وهؤلاء، أفضل ما يمكن للمرء أن يقوم به هو أن لا يراهم، أن يختفون من الوجود بالنسبة إليه بعدما يكتشفهم، ولو اضطره هذا لاتخاذ موقف مضاد ولكن حاسم، حتى لو كان على بعض القوة والحزم وربما شيء من القسوة، فهو يدافع عن نوعية حياته، ويدفع عنها الأذى الذي من الممكن أن يشغله ويقلقه بلا داع. المهم أن يجعل الأمور واضحة، حتى تقف عند حد معين على الأقل، وقد يتبع الأمر بعض الإزعاج، لكنه سيظل بسيطاً ويائساً.
لقد عايشت بعض الأشخاص من هذه النوعية، أو جمعتني بهم مواقف ومسائل. لقد عيشت حياتي عني أيضاً لبعض الوقت، أو اقتسمت معي، وإن يكن معنوياً.
إني صاحب تجربة، وقد يلومني رقيق لا يعرف بطانة الأمور ولم يعايشها، لأنه سعيد حظ.












فرحت اليوم، في قلبي، حينما علمت أن زميل لي كان ينوي أن يسألني سؤال سألته إياه، أي أنه كان لديه نفس الاهتمام والنية. سألته أين يصلي الظهر بالعادة؟ حيث نكون في العمل، فضحك، وقال بأنه كان سيسألني نفس السؤال، أخبرته، وسألته إن كان سيأتي معي اليوم للصلاة؟ وافق مباشرة، وبدا لي أن هذا كان غرضه منذ البداية.
صلينا في كلية الآداب، حيث ذكرياتي الكثيرة تقيم، حيثما كانت كلية اللغات والترجمة في نفس المبنى. المصلى جميل، ويحوي ذكريات كثيرة على وجه الخصوص. أتذكر حتى حينما جئت مع أخي للعمل على إجراءات تحويلي من قسم إلى قسم، وكان كل لحظة والأخرى يخرجنا ويدخلنا في المصلى، حتى أخبرني لاحقاً وهو يضحك أنه يقوم بهذا ليتعبني بخلع ولبس حذائي الصعب.
ثم في سنوات لاحقة، بعدما تخرج أخي من الكلية، واستقامت أموري بعد ذلك بفترة، بدأ المصلى يستهويني أكثر فأكثر، حيث يلتقي الناس للصلاة والجلوس للتحدث أو قراءة القرآن، أو التفكر والتأمل. حينما كنت أجلس متكئاً على عمود، ماداً رجلي أمامي، حقيبتي البريدية إلى جانبي، أفكر، وأتطلع للناس وللنخيل خلف الزجاج والشرفة، ونور الشمس من الجدران الزجاجية العالية يهيمن على المكان بمن فيه. ثم، يمر أحدهم ويحدثني بود وهو واقف أمامي، نبتسم ونحن نتحدث، ثم تقع عيني على شخص آخر، ينظر إلي بتركيز وهو يمر متباطئاً، وقد أضاق عينيه على نحو طفيف، واكتشافي لا يثنيه عن الاستمرار بالنظر، إنه يتجرأ على نحو غير مألوف.


تلك المرات التي أصف فيها للصلاة، فيود شخص أن يلفت انتباهي إلى تواجده على مقربة، يتنحنح، يمر من خلفي، ويصف ببطء، وبيني وبينه واحد. إنه يريد أن يثبت شيئاً، أن يخبرني بأني لا معنى لي بعدما أهنته في وقت سابق، أن ما قمت به لم يؤثر، فهاهو لا يبالي بوجودي. لكن الإمام يسلم منهياً الصلاة، ويتبقى لي ركعة او اثنتين، ويتبقى له كذلك ما لا أدريه من ركعات، لكن، وكانت صلاة مليئة بالترقب والسهو بفضله، أجده يسرع في أداء صلاته، على نحو غير مألوف، يريد أن ينهيها قبلي، ليتجاهلني فقط، بعدما يلفت انتباهي وكأنه لا يدري، كما يفعل حينما تسنح الفرصة. مع ذلك، يشاء الله أن يكون الرجل أكثر إخلاصاً، ولا ينهي صلاته قبل أن يتمها بالفعل، فيفاجأ بأني سلمت بعد إتمام صلاتي، كانت ركعة أو ركعتين فقط تنقصني، فيقوم من التحيات التي كانت الأولى له متباطئاً عكس قيامه في السابق، يائساً، إذ لم يعد للإسراع فائدة. أقوم وأنا أعلم بوعيه بي، لكني أمضي وقد وقف بعد قيامه البطيء على نحو متناقض بشدة مع سير صلاته السريع قبل انتهائي. حينما ابتعدت قليلاً التفت إليه، ووجدته واقفاً، مغطياً وجهه بكلتا يديه، لوقت طال.
كان يهتم كثيراً ليريني أنه لا يراني في مثل تلك الظروف، أني لا أساوي شيئاً. ربما أنه كان يريد أن يثبت لنفسه قبل أن يثبت لي، أن إهانتي القوية له لم تهزه.












على نحو مخالف للخطة المتفق عليها، قابلت الدكتور الألماني قبل قليل، لأول مرة في  المساء منذ زمن طويل. كنا سنلتقي في صباح الغد، ولكني ذهبت قرب بيته في مهمة، ولما فرغت اتصلت به، كان في البيت، فذهبنا إلى المقهى القريب.
كان يريد أن يعرف ماذا ردني الأسبوع الفائت عن لقائه. كان جاثوم تعرضت له قد أفسد خطط اليوم كاملة حينما حدث في وقت مبكر من نومي. حكيت له كل شيء، من دون أن أتوقع منه الاستيعاب أو التصديق. تناقشنا حول الأمر، وبما أني تعرضت له خلال حياتي لمرات متعددة، كانت لدي خلفية جيدة، وتفسيرات مختلفة قرأتها، وتفسير أعتقده.
كان قد حدث لأول مرة منذ سكننا في منزلنا هذا، في حين كان يتكرر علي في منزلنا القديم، وكانت تلك المرات أكثر شناعة وتأثيراً من المرة الأخيرة، بحكم أني أكبر الآن وأكثر تفهماً وشجاعة. 
يقول أناس بأنه الشيطان يجثم على صدر المرء ويخيفه ويشل حركته، ويقول آخرون بأنها عملية حيوية عبارة عن شلل مؤقت مثير للفزع والتهيؤات، أما أنا فأقول بأنه الأمرين على الأغلب. أعلم بوجود كيان آخر واع ومدبر في الأمر، وبنفس الوقت قد يكون كائن حي ينتهز الإشكال الحيوي ولا يسببه.
هذا جنون؛ لكن لمن لم يمر بالتجربة فقط، أو كما مررت بها. وأتمنى أن يظل جنوناً في نظر الآخرين، فهذا خير من أن يمروا بهذه التجربة.
إن الأمر في نظري هو تجاوز حد لا يجب أن يتجاوزه المرء، لأنه شيء غير طبيعي.


أخبرته بأمر مضحك؛ كان أحدهم قد اتصل بي في اليوم الفائت، فأخبرته بأني كنت أفكر به قبل أن يتصل، ففرح جداً. ضحكت وقلت ربما يجدر بي تقدير لطفه أكثر مما أفعل، فقال متحمساً بأنه يجدر بي ذلك. ليست أول مرة نتحدث عن هذا الشخص، والدكتور يحضني غالباً على إعادة النظر في نظرتي إلى هذا الشخص قليلاً. لكني أخبرته بأن المشكلة ليست في لطفه، لكن في ثقتي في هذا اللطف، الذي قد يتبدل بسرعة، لأي سبب. قال بأنه لاحظ بأن الناس هنا يعانون من مشكلة الثقة ببعضهم، بالتفكير بما ينويه الآخرين. أخبرته بأني لست هكذا؛ فلا يهمني ما يفكر به الآخرين طالما لم أواجه منهم مشكلة أو خطأ جسيم، فبعد الخطأ، أبدأ بالتفكير بتلك الطريقة. غني عن القول أن مرد عدم تقديري بشكل كبير للطف ذلك الشخص هو أنه أثبت في وقت سابق أنه لا يمكنني الاعتماد كثيراً على عاطفته الفياضة. أخبرت الدكتور بأني خاب ظني كثيراً، ربما بسبب هذه الطريقة التي أسير عليها، إحسان الظن.


حكيت له عن جانب من حياتي. رغم أني حكيت له الكثير من قبل، إلا أنه دائماً ما يظل لدي الكثير. كثيراً ما يذهله ما يسمع؛ ما مررت به، ما فكرت به، ما قلت، ما قيل لي. قال بأن حياتي مليئة بالكثير من الأمور المختلفة. ويقول بأن حياتي ضاغطة، أني أتحمل أكثر مما يجب. لكن، هذا هو الحال، ولا مجال لغيره.


حينما أوصلته إلى المنزل، شكرني على قدومي، وقال متفكراً، وهو ينظر إلى البعيد بأنه تعلم الكثير اليوم، أكثر مما حلم به. ضحكت وقلت بأنه لم يتعلم شيئاً، إلا أنه قال بأنه تعلم الكثير، وهو دائماً يتعلم مني. ثم قال، وكأنه يحدث نفسه بقدر ما يحدثني، بأن حياتي كون قائم، لا أحتاج إلى السفر لتعلم شيء، فحولي كل شيء. رددت بأني ربما أود لو سافرت، أود لو استرحت في بعض الأحيان من هذا الكون، لكني بالواقع صرت أستريح أخيراً حينما أراه، وهكذا أسافر خارج كوني.












ذهبت اليوم وأخي إلى وكالة رينو. كنت قد حجزت لديهم موعداً لتجربة سيارة. أعلنوا بأن من يجربها يحصل على ذاكرة فلاش (!!)، ومن يشتريها يحصل على آيباد (!!!). هي من صناعة أو تجميع كوري، وهي ليست من سياراتهم المشهورة، حيث أنهم لا يريدون بيع سياراتهم المشهورة هنا، لأن سعرها سيكون مرتفعاً كما قيل لي، مما أحزنني. اسمها فلوينس، وهي جميلة جداً من الخارج، رغم أني لا أحب الشكل العام لها، سيدان، وهو المنتشر بين السيارات مثل كابريس وكامري وخلافها، إلا أن خطوطها جميلة جداً برأيي. مريحة من الداخل، وتحتوي على تقنيات رائعة جداً. وسعرها أكثر من ممتاز بالمقارنة. أخبرني مسئول المبيعات بأن ذاكرات الفلاش منتهية من عندهم، وأني يمكنني المرور يوم السبت للحصول على واحدة. يعرف أني لن أعود من أجل فلاش، لكن ما أردته هو تجربة السيارة. خرجنا لتجربتها. الجلوس فيها مريح، إحساس التحكم بالمقود جيد، لكن عزم السيارة صدمني بسوءه. لا يمكن أبداً وصفه بأنه جيد، إنه مخجل بالواقع.
قال لي الرجل بأنهم لن يحضروا سيارة لاقونا، سيارتي الحلم، للبيع هنا. قال بأنها مكلفة، وأنهم أحضروا سيارات أخرى من سيارات رينو الشهيرة المصنوعة في فرنسا، وأصبحت مكلفة أكثر من اللازم. يا للخسارة؛ قطيعة، ولا عوض.
عموماً، الغريب أن الرجل دعاني للدخول بعد التجربة، وسأل مسئول آخر، يبدو أنه مديرهم: هل لدينا فلاشات؟. قال الرجل، وكأنه لم يتوقع سؤال كهذا: "نعم، لدينا." لا أدري لماذا قال في البداية أنه لا يوجد فلاشات. أخي يقول بأنهم يوفرونها ربما لأصدقائهم، وربما افترض بأني اقتنعت بالسيارة. أخذت الفلاش، وبصراحة، لا يمكن للمرء أن يتمنى فلاش يمكنه شراءه بعشرين ريالاً في بعض الأحوال، لكن كنت آمل أن يكون مطبوعاً بشعار الشركة، ولم يخب ظني. صغير جداً وموصول بطريقة معينة بقطعة بلاستيك تشبه الكرت، يندمج فيها حينما يطوى، فيكون قابلاً للوضع في المحفظة.




رينو،،، لاقونا كانت الحلم، وهو حلم لن يتحقق الآن.
فورد إذاً، إن شاء الله، بعد سنوات.












حضر قبل أسبوع تقريباً مدير المركز الذي أخذت الدورة منه في الجامعة، الدورة التي استمرت لمدة شهر بلا فائدة للأسف. كان أهدى طباعاً، وشعرت بالتوجس من أسلوبه. كان قد جاء لعمل له. اقترح علي المرور على مكتبهم، الذي أمر من أمام المبنى الذي يحتويه كل يوم وأنا أسير إلى الصلاة وأعود منها، لأخذ الشهادة المصححة. أخبرته بأني سأفعل. لم أنوي أن أفعل بصدق، فلم أكن أريد شهادة على دورة لم أستفد منها شيء. 
لكن اللافت هذا الأسبوع هو قدوم الكويتي ذو الجنسية الأمريكية، وهو رجل طيب ومثير للاهتمام، وكان ممن أعطونا بعض التدريبات في الدورة، والوحيد الذي اتفق كل من أعرف على فائدة وجوده وجودة أسلوبه. لكن كان حضوره في قسمنا غريباً. أعني طريقته بالتصرف، أما مظهره، فقد تغير قليلاً، لكنه يظل صاحب شكل صبياني محبب رغم جسده الكبير. كان شعره مقصوصاً بدقة حول رأسه، وكانت أذناه لافتتان للنظر كالعادة ببروزهما، وإن لم تكونا كبيرتين، مما يجعله يبدو كطفل كبير.


كان ينظر إلي بطريقة غير معتادة، وقد اقتضب السلام معي، وكنت أشعر بأنه يمر بحالة ذهول أو صدمة. بالطبع، يعرف هو أني أعمل هنا. أسلوبه كان مغاير لأسلوبه المعتاد معي، الأسلوب الذي يظهر منه الاهتمام والتقدير والرغبة بالتواصل. كان قد أخبرني في آخر يوم بعد الحفلة بأن أمر على مكتبهم من وقت إلى آخر للسلام، وهو سيراني في مكتبنا.
لكنه اقتضب تواصله بوضوح في قسمنا أمس، وقبل أن يذهب، أخبرني بأن آتي لآخذ الشهادة من عندهم، ومضى بهدوء.
الهدوء البارد أو الحذر الذي ظهر واختفى به كان مثير للتساؤل.


في اليوم التالي، جاء مرة أخرى، كان يريد إكمال عمل يخصه. سلم علي، وأخبرني من خلف الحاجز بأن أمر لآخذ الشهادة، أو بإمكانه أن يحضرها لي. كان هذا شيء محرج. أخبرته بأني أمر دائما قربهم وسآتي لآخذ الشهادة.
لأنه يعلم بأني مترجم، يحدثني باللغة الانقليزية، لكني أرد عليه دائما بالعربية.
في نفس اليوم، وأنا عائد من الصلاة، ذهبت إلى مكتبه، وفي نفس المكتب يجلس الشخص الأردني بالعادة، لكن لحسن الحظ لم يكن موجوداً، كان هناك فقط شخص آخر لم يبدو أنه مهم جداً بالنسبة إلى الكويتي الطيب. سلمت، ووقف ليعطيني شهادتي، كنت ألاحظ كل شيء، وقد تأكدت بأنه ليس نفس الرجل الذي كان يستقبلني بود وحماس من قبل، أو يتواصل معي بنفس الشعور. مع ذلك، لا يمكنني أن أقول بأن اهتمامه كان منقوصاً، إنما كان مختلفاً، إنه اهتمام أشبه بمن عرف أن للشيء الذي كان يثير اهتمامه وجه آخر، قد يكون مقلقاً، لكنه يريد أن يستكشفه، رغم حذره. وهذا أمر محمود، ففي نفس الموقف، يفقد الآخرين الأكثر سطحية الاهتمام. لم يكن لدي أدنى شك في تلك اللحظة بأنهم يعرفون بأن رأيي في الدورة شديد السلبية، لكن هل يعرفون أنه أنا من كتب الانتقاد القاسي واللاذع الذي وصلهم مع غيره؟ ربما. من المفترض أن لا يهتمون بمن كتبه، لأن أغلب من أعرف انتقدوا سلباً أشياء كثيرة، لكن قد يكون لديهم أسباب مجهولة للرغبة بمعرفة ماذا كتبت طالما لم أكتب أسمي، في حين أن آخرين كتبوا أسمائهم. كتابة البعض لأسمائهم أمر يضيق الخيارات في تحديد من كتب ماذا، ممن اختاروا إخفاء هويتهم في الاستبيان. لكن هل يهتمون بمعرفتهم؟!. هذا ما لم أستطع البت فيه. قال الرجل وقد عرفت أنه أعد التساؤل وأضمر النية معي سلفاً، قال باللغة الانقليزية بأنه يريد أن يعرف رأيي الصادق بالدورة. شعرت بأنه ربما ألح على حضوري لأجل هذا السؤال، وأنه على الأغلب انتظرني. هل خاب أمله حينما لم آتي أمس؟، لكن لديهم الاستبيانات، لماذا يسألني؟، ما أعتقده هو أن الدورة كانت كارثة بالنسبة إليهم، وقد تكون أفقدتهم توازنهم إدارياً، فقد كانوا يعاملون الأمر بحرص كبير، وقد أفردوا محاضرة حتى في الغرفة التجارية للدعاية لأنشطتهم وأفكارهم.
قلت بأني أعتقد بأن الكل لم يكن راضياً عن الدورة. رد بأنهم رأوا هذا بالاستبيانات. سألني عن الخلل. أخبرته بأنه ترتيب الأوليات في المادة، وسيطرة المدربين السيئة، وسوء اختيار المتدربين، وأشياء من هذا القبيل. كان يحثني على شرح النقاط، وكنت أشرحها، وكان يوافقني. 
الغريب بالأمر هو أنه طلب مني كتابة أني استلمت أصل الشهادة، وأن أوقع على صورة الشهادة، مع أنهم لم يطلبوا نفس الأمر في نهاية الدورة. ربما لأن التسليم كان احتفالياً؟. أو ربما كان أحد ما قد كتب شيئاً، ويهمهم أن يعرفون من هو، فيقارنون الخطوط؟. لا أدري. بعدما سمع كل ما يريد، دعا لي بالتوفيق وخرجت.















لن تتخيل...
لأني فعلت...
كيت وكيت...
وقلت...
كيت وكيت...
وربما أسرفت...
وأقمت وأقعدت...
لكن لن تتخيل...
أنك كنت عزيزي ولا زلت...
أني بعد نشوة جرحك حزنت...
أني للسعادة اعتزلت...
أني في الندامة المستدامة استكنت...



هذه قصيدة كتبتها قبل فترة طويلة. لا أعتقد بأن آخر بيتين يصحان على حالي الآن، أو على الأقل ليس لنفس الأسباب التي كتبت لأجلها القصيدة.














اليوم، جاء الدكتور الألماني إلى مكتبنا سعيداً، هو سعيد لأننا أنجزنا موضوع له بسرعة غير معتادة. هو حظه سيء معنا دائما،،، بالواقع؛ حظه ليس سيء، لكن لأن الأمور تتم عن طريقي، يؤثر حظي على الأمر. هذه المرة مرت الأمور على نحو ممتاز. تابعت الأمر وتحدثت مع كل من له علاقة بالأمر. 
أحضر الدكتور معه هدية، علبة كبيرة من الحلوى البلجيكية، وطلب أن توزع على الجميع، مزح زميلي بأنها لن توزع ولكن سيقتسمها معي، فنحن من اهتم بالأمر. طلب الدكتور أن تكون مسؤولية التوزيع علي إذاً. وزعت الحلوى، وللأسف أن بعض الناس لديهم نهم لا يخفونه، وهم قد يأخذون صف كامل من الحلوى في المرة الواحدة، رغم محدودية العدد وكثرة الناس. بالكاد احتفظت بثلاث لمن لم يأخذوا، وحافظت على الأخيرة حتى يأتي من تعب بالفعل في أمر المعاملة. أما أنا فلم أتذوقها، مما صدم الدكتور حين سأل عن رأيي، ثم أضحكه. قال بأنه أحضر العلبة لي بالأساس، لكن نظراً للموقف وحضور زميل آخر طلب توزيعها. قال بأنه سيحضر لي علبة خاصة لاحقاً.
















رأيت فيديو كرتون من سلسلة يصنعها شاب سعودي اشتهر منذ فترة بهذه الأمور. الفيديو الأخير ينتقد النظر بالأنساب عند الزواج. هذه وجهة نظر هو حر بها. لكن، كان الأمر الغريب هو الإهانات المبطنة والموجهة إلى أهل القصيم بالفيديو. الرجل بدوي، وكبعض البدو، يبدو أنه يحقد على أهل القصيم حقد أعمى. بالواقع، فرح الكثير من الناس بالأمر، والكثير من الناس يفرحون بالإهانات الموجهة إلى غيرهم لدوافع مختلفة، قد تكون تجربة سيئة مع فرد، أو تكون الغيرة، أو الاتجاه العام وأسلوب القطيع. جادل بعض الناس بأن الرجل استعرض البدو بانتقاداته في كرتون آخر من صنعه. رأيت كل ما صنع قبل الفيلم الأخير، وأرى الفرق بين الانتقاد والانتقاص الحاقد. حينما تنتقد مثلاً الشعراء المتملقون، فإنك تنتقد الشعراء فقط من ذلك الجنس من الناس، أما حينما تنتقد أهل الفتيات الذين يسألون عن الأصل عند الزواج، ولا يسألون عند توفر المال حتى لو كان المتقدم أجنبياً، فأنت تقدح بأنساب ومبادئ مجموعة كاملة متباينة من الناس. كان الأمر بعيد كل البعد عن حسن النية بوضوح، واستغلال واضح لإعجاب الناس ضعيفو الوعي، بإذكاء عداء قائم على ادعائات خبيثة حقاً أيما خبث. المحير أنه شاب صغير، ويحاول أن يبدو مثقفاً ومتعلماً. كيف طاوعته نفسه على الإساءة للناس هكذا؟ بهذا الوضوح والجرأة والخبث؟ إنه لأمر محير، فكونه صغير السن يجعلني أحسن الظن بالعادة، الصغار قلوبهم أطيب، ولم يتعرضوا بعد إلى الكثير من مساوئ الحياة، ولا يريدون عداء الناس إلى هذه الدرجة وهم لم يتعرفوا عليهم تماماً، في الأحوال العادية.
إن أول ما خطر على بالي حينما رأيت الفيديو هو أني تذكرت لورنس، ذلك الشاب قذيع اللسان الذي امتلأ الوب بمقاطعه الصوتية وهو يسيء لمختلف أنواع البشر والعوائل بأسوأ ما يمكن أن يقال، حيث خرج لاحقاً في الجرائد وقال، ويا للعجب، أنه إصلاحي، يريد تحسين المجتمع. لا فرق على الإطلاق، إنهما متماثلان من حيث المبادئ بغض النظر عن الأسلوب، لكن هذا الشاب أذكى بكثير، فقد انتقد أهله انتقادات بسيطة، حتى يظهر بمظهر المحايد الباحث عن الحق، ثم أخرج حقده بأسوأ طريقة ممكنة على أهل منطقة لعل الكثير منهم يهوون أعماله. إن الأمر يبدو لي مخططاً له، فأنا أتحدى أن يقول نفس الأمور تجاه أهله، وإلا لما انتقدهم بتلك الأمور التافهة فقط ليختار غيرهم لأجل الإساءة والإهانة والقدح في المبادئ والأنساب. هو لورنس القذيع بنسخة أخرى فقط.


يمكن لنا كلنا أن نقول مختلف الأشياء عن الآخرين، ويمكن للكثيرين أن يبدأوا فيديو بحديث شريف، ثم يشوهون أقوال الرسول عليه الصلاة والسلام بالإساءة لأناس يؤمنون به، الإساءة لمبادئهم وشرفهم وأعراقهم ومواقفهم. لكن خوف الله والانشغال بأمور أحسن هي الفارق.
لقد أصبح كل من ظن نفسه يعرف كل شيء يتظاهر بالبحث عن الإصلاح ولو أساء للناس وجرحهم.
فلا أقول إلا حسبنا الله، وهو نعم الوكيل.
هذا الشاب اسمه مالك نجر، وهو يصنع حالياً فيديوات مسامير لصالح صحيفة سبق الالكترونية.












مؤخراً، لم أعد أجد ما يمكنني قراءته. في المكتبة لا أجد ما يعجبني، وحينما وجدت اليوم اكتشفت أني لم أصرف ما يكفي من مال.
بيد أن متابعة مجلة ناشونال جيوقرافيك العربية سدت فجوة كبيرة لدي. صحيح أنهم يتعاطون مع بعض الأمور بسطحية نوعاً ما أو على نحو غير وافٍ، لكنهم يتعاطون مع أمور أخرى بجدية كافية، مع أنها تكون غالباً الأمور الأقل إثارة لاهتمامي الخاص للأسف. هي تترجم عن النسخة الانقليزية، ولا أعتقد أنهم يتصرفون بها كثيراً بالتغيير والانتقاء خلال التحرير، لأنها احترافية. لكن بعض القراء لا يدركون أن مجرد كونها تترجم إلى اللغة العربية لن يجعل منها صافية النوايا تجاه بعض القضايا، فلا يقرأونها على أساس أنها مترجمة وأمريكية بالنهاية، فيغضبون تجاه بعض وجهات النظر التي نعلم أنها وجهات نظرهم هناك، ونعلم أن المجلة مترجمة، فماذا يتوقعون؟! وجهة نظر مفتي المملكة؟!.
العدد الأخير عموماً كان سيئاً، لم يحوي الكثير من المقالات، ورغم أن الذي قبله لم يكن مثيراً جداً للاهتمام إلا أنه كان أفضل. لكن أتصور بأن العدد المقبل سيكون بمثابة المكافئة بالنسبة إلي؛ حيث أن العدد الانقليزي الآن يحتوي على تقرير عن حضارة الإنكا، الحضارة الأكثر اثارة لاهتمامي، وبالتأكيد، إن شاء الله، سيترجمونه. في عدد سابق تحدثوا عن حضارة الازتك، وكان أمرها مذهلاً، ومروعاً في نفس الوقت. لم أقرأ الكثير من الأمور الجديدة عنها، لكن كان هناك بعض الجديد نوعاً ما، وبعض الصور الجميلة.








التقيت الدكتور الألماني مؤخراً، وكان لقاء أطول من المعتاد بكثير، لأنه سيسافر لفترة. لديه أعمال تتعلق بالمجتمع هنا، يقوم بها لصالح الجامعة. كان مهتماً بآرائي، التي أحياناً تصدمه، لكنه يقتنع بها بالنهاية. النساء هنا، البطالة، وهذه الأمور. يأخذ آرائي على محمل الجد، ويتأملها، لكني أحياناً أفكر إذا ما كانت آرائي بالفعل تمثل شيئاً مهماً. يعد غالباً مواضيعه ويخبرني بأنه لديه بضعة أمور يريد أن يسمع رأيي فيها، بعدما يخبرني عن العمل الذي يتعلق بها.
دعاني إلى مطعم، رغم أن كلينا لم يكن جائعاً. حسب أني سآكل بأي حال. ولم أرغب صدقاً، لكن أمام إصراره وتلهفه، وخوفي من خيبة أمله، طلبت سلطة، فكرت بأنه مطعم كبير ولابد أنه أنظف من سواه. هو مطعم فابيانو الإيطالي.


تحدثنا عن أمور كثيرة جداً كالعادة، وهو لا خلاف لديه حول سماع سخافاتي عموماً. إنها سخرة من الله، أن ترزق بمستمع ومتحدث جيد دون سبب وجيه، دون ميزة حقيقية تقدمها في المقابل.
بما أنه كان يوم أربعاء، كان الإزعاج على أشده، وقد جلسنا في الخارج لأن هواء الليلة كان رائقاً. كان هناك شبان يدورون كالقطط الضالة، ويصرخون كالبابونات الجائعة. تناقشنا حولهم. قال بأن الشبان يفعلون هذا في كل مكان. اعترضت، قلت بأني ذهبت إلى الخارج؛ ماليزيا والهند، وكان الشبان هناك مختلفون. قال بأنهم مساكين هنا، لا مكان للترفيه أو أنشطة تشغلهم. قلت بأن هذا ليس سبب وجيه، ويوجد ما يشغلهم لو أرادوا، كما أنه لا يوجد مبرر لما يقومون به، هم فقط يريدون السيطرة على الحيز كاملاً لأنفسهم، وكأنما لا يوجد أحد آخر، الكل في الهامش، الكل فقط موجود لينتبه إليهم. لم ننتهي من هذا النقاش إلا وازداد الطين بلة؛ جائت مجموعة من الفتيات المتبرجات وجلسن خلفنا. وهو أمر غريب، أتوقع أنه يوجد قسم للنساء. لكن عموماً، لو جلسن صامتات لما أضارني وجودهن، لكن كان علينا سماع نعيقهن كلما قالت واحدة منهن نكتة أو شيء. كان أمر لا يحتمل، في لحظات كنا لا نسمع بعضنا رغم بعدهن النسبي. زعقت إحداهن بلا حياء، فالتفت في اتجاههن مكشراً فصمتت، وصمتن جميعاً، ثم عدت بنظري إلى الدكتور ليكمل، إذ توقف مجفلاً من الصرخة. لكنه لم يكمل، إنما ابتسم، ثم ضحك، ووصمني بأني أقسو على البشر. 
حكيت عن يأس الناس الذي لا يشعرون به بوضوح غالباً، إنه جزء من الحياة. حينما يعتقدون بأن كل شيء جيد ويعجبهم جدير بمكان آخر ومجتمع آخر. حينما يعجبهم أحدهم مثلاً، فيخبرونه: أنت لا تنتمي إلى هنا، أنت تنتمي إلى الغرب، أو يجب أن تعيش في الغرب، أو "شغل أمريكان". لم أخبره بالأخيرة عموماً. ونفس الشيء لدى شعوب أخرى؛ قد يقول لك غربي: أنت أذكى من أن تكون عربي أو سعودي، أو لماذا لا تأتي لتعيش هنا؟ ستبقى مع عائلتنا في المنزل وتكمل دراستك.


علق على شعري الذي طال قليلاً، هو يطول بسرعة، قال بأنه جيد. أخبرته بأن هذا الشعر الذي يعجبه كان مثار للسخرية لدى البعض، كان أخي يقول لأمي دائماً: يمه، انسجي لي بطانية من شعر سعد. ضحك على القصة وهو ينظر إلى شعري.
وأخبرته بأني في السابق حينما أحزن كثيراً، كنت أقص شعري في كل مرة، أذهب إلى الحلاق وأقصر شعري.
لا زالت مثل هذه الأفعال قابلة للتطبيق، وإن لم أكن أعلم مبرر الرغبة الملحة بقص شعري حال الحزن الشديد. ربما كان قلة الحيلة. ولكني لم أقصه بسبب الحزن منذ وقت طويل؛ أي أني لم أحزن حزناً بالقدر القديم منذ زمن الآن.
هل يَعجب أحد حينما أقول عندما أُسأل: لا أريد للزمن أن يعود؟.


قال بأن زيت زيتون الجوف، وهو زيت زيتون منتج محلياً في منطقة الجوف، هو أجود ما تذوق من زيت الزيتون هنا في السعودية. لم يكن لدي شك بأنه سيعجبه.




الآن، لن أراه لثلاثة أسابيع على الأقل. فكرت في البداية ماذا سأفعل في نهايات الأسبوع القادمة. لكني توصلت إلى أني يمكنني أن ألقى أصدقاء آخرين من الجامعة حتى يعود.








معاملة الناس وكأنهم أقل من ناس لأسباب غريبة، ولكن لا تقال، هو الأمر السائد هنا. إني أفقد قدرتي على الاحتمال مع الوقت أكثر فأكثر.
رفعت اليوم ممرضة هندية في المستشفى صوتها علي، وبطلب من زميلتها السودانية، صفقت الباب بوجهي. كنت أكلمها بهدوء محاولاً إفهامها بأن أمي لا يمكنها أخذ الطريق الطويل، بينما كانت تريد أن تمنعها عن المرور دوناً عن نساء أخريات.
ذهبت مجرجراً الإهانة التي يتعرض لها الجميع في المستشفى الجامعي حتى تعودوا عليها، دون أن يجدون من يشتكون إليه، ويفهم عمق الإهانة في التعامل مع العاملين في المستشفى، أجانب وسعوديون. حاولت الحصول لأمي على موعد جديد، لكن كان المكان مزدحماً بالنساء، مما اضطر أمي للقيام وأخذ الموعد لتجهزه بنفسها على خلاف العادة، مع العلم أنها تتعب طوال اليوم بعد السير لخطوات قليلة في المستشفى. عدت إلى الممرضة الهندية، وسألتها لماذا رفعت صوتها علي وصفقت الباب بوجهي؟ قالت بأنها لم تصفق الباب ولم ترفع صوتها، وأنها أخبرتنا بأن المرور ممنوع من تلك الجهة. والنساء الأخريات؟. سألتها لماذا لم تتركني أشرح لها، حيث أن أمي مريضة ولا تستطيع قطع مسافة طويلة، لماذا لم تستمع، ولماذا أهانتني بهذا الشكل؟ قد يكون صفق الباب ورفع الصوت مقبول في ثقافتها، ولكن ليس هنا، كانت تبتسم أحياناً بلا مبالاة. اعتذرت حتى تنهي الموضوع، قالت بأنها آسفة، قلت بأنها ليست آسفة حقاً، إلا أنها ردت بأنها آسفة بصدق، لكني لا أصدقها. كانت تحاول طوال الوقت أخذ الوصفة والموعد من يدي تريد قراءة أسم والدتي، وأنا أرفض، تقول بأنها تريد المساعدة بكتابة اسم أمي على الموعد، حيث لا يكتبه الطبيب على نفس الورقة. أخبرتها بأني سأهتم بالأمر بنفسي، ولكنها كانت مصرة. طبعاً، لم أعطها إياه، لقد أتيت هنا عبر السنين، وأعرف كيف تتم الأمور، فالوصفة تقدم مع الورقة وفيها الرقم والاسم، فيسجل الموعد على هذا الأساس. ذهبْت، وهي تحاول أن تتصرف وكأنها تصحح ما قامت به، لكن أسلوبها التمثيلي أقنعني بأنها تقوم بهذا تظاهراً فقط، وابتساماتها التي لم تغب أشعرتني بأنها لا ترى بأننا قابلون للإهانة، فنحن بلا كرامة في نظرها أساساً.
وجدت الطبيب الذي رأيناه في المراجعة، وهو شاب سعودي متوسط العمر، تعامله جيد مع أمي لكنه يحسب نفسه يفهم كل شيء، ويتصرف على هذا النحو، ويحكم على هذا الأساس على نحو لم يشعرني بالراحة تجاه آرائه حول صحة أمي. أخبرته بما حصل من الممرضات، بالإهانة وما جرى منهن، وسأل أي الممرضات، أخبرته أنها الهندية والسودانية البدينة فلانة. ابتسم ابتسامة واسعة وقال بهدوء بأنه سيكلمهن، وكأني كنت أطلب منه واسطة. وظلت ابتسامته تطفو على وجهه، وكأنه موظف خدمة عملاء مرائي، وكأنما يعتقد بأن الابتسامة هي المعروف الذي انتظرته بفارغ الصبر، في حين كنت أشعر بالإهانة الشديدة، التي تراكمت عبر وقت طويل ومواقف متقاربة في مختلف الأقسام. هل كان يريد مني أن أشكره؟ أن أقول جزاك الله خيراً وأمضي؟ ظل ينظر وهو يبتسم بذلك الشكل المصطنع، بينما تأملته وأنا أشعر بيأس ممزوج بالاشمئزاز، أوليته ظهري فجأة ومضيت بلا كلمة. قال: المَخرج من... لكني مضيت دون التفاتة. فوجئ بالطبع؛ إنه دكتور، ودكتور سعودي، وقد انعم علي بابتسامة، كيف لي أن أفعل هذا؟. هتف: سعد!. لكني تجاهلته ومضيت، لم يتوقف، لحقني وهتف بصوت أعلى، إذ كنت قد ابتعدت: سعد!. كذلك، تجاهلته. مشى خلفي، وهتف مرة أخرى: سعد!. لم أجب، انعطفت إلى ممر، كنت ذاهب إلى أمي، التي ظلت واقفة تنتظر فرصة بين النساء للحصول على موعد. أطل من نهاية الممر، وسألني سؤال غريب: سعد، أين أمك؟. لم يكن بوسعي أن أتجاهله في ممر له نهاية لا أستطيع تجاوزها، إذ تجلس النساء قربها. أشرت إلى أمي بإصبعي. فقال طيب، وكأنه اطمئن، رغم أنه يعلم بأني لن أضيع أمي بطبيعة الحال، هل سيكون أحرص مني عليها؟.
في طريقي للخروج رأيته في مكتبه يكتب؛ لم يخالجني شك بأنه نسي الأمر برمته.
خرجت من المستشفى كئيباً، شاعراً بقهر كبير، شاعراً بأني تحملت سوء التعامل والحط من الكرامة أكثر من اللازم. شعرت بكراهية تجاه مستشفى لطالما كافحت لأحبه.


وقبل أسبوع أو أكثر قليلاً من الحادثة هذه، كانت ممرضة في قسم آخر تتجاهل أمي، ولا تنظر إليها حتى وهي تكلمها. الممرضة كانت فلبينية. سألت الممرضة لماذا لا ترد على أمي أو تنظر إليها على الأقل؟ أم يجب أن تتحدث بالانقليزية؟ قالت بأنها أخبرتني من قبل بما تريد أمي معرفته، أجبت بأنها لم تخبر والدتي، وطالما والدتي تكلمها فيجب أن تنظر إليها وتبدي بعض الإحترام، فالكل يستحق الإحترام.  لم تجب بالطبع، ظنت أن الأمر إنتهى عند هذا الحد. وأصلاً هي وسواها كلهن اعتدن على هذا، لا أتذكر مرة واحدة جئنا فيها في مراجعة ولم نتعرض لنفس الموقف المتكبر. أما الموعد نفسه، فظلوا يدخلون زملائهم بالمستشفى قبلنا، ومن يعرفون من الناس، رغم حضورنا قبل الجميع، حتى مرت حوالي ساعتين من الانتظار. توترت أمي. وهي تتوتر في مثل هذه الحالات، وبالعادة أظل أنا رابط الجأش، سوا أني مؤخراً صرت على شفى الانهيار في مثل هذه المواقف، ولم أعد أحتمل، لم أعد أحتمل، لقد تلفت.
بالنهاية، اقترحت على أمي أن نأخذ ورقة الموعد لنعود بها إلى من حولنا بالأساس، أو حتى نذهب إلى مستشفى خاص. أمي ترفض هذه المقترحات دائماً، التي أقولها بالعادة لمعالجة توترها، لكن يبدو أنها أدركت هذه المرة أني أنا من يعاني، خصوصاً بعد موقف الممرضة، فوافقت. حاولت موظفة حجازية إقناعنا بالانتظار، لكني أصريت بأن تسحب ورقتنا التي جئنا بها، وشكرتها على اهتمامها. في طريق الخروج، مررت بالممرضة الفلبينية، وقلت لها بأني لدي نصيحة؛ أن تنظر إلى الناس على الأقل حينما يكلمونها، فهذا احترام يستحقونه. قالت بأنها تحترم الكل، ولم تقم بشيء خطأ، قلت بأن ما قامت به لم يكن إحتراماً. قال بأنها محترمة، أياً كانت وجهة نظري عن الأمر، وأنها لا تريد أن تناقش. رددت بأن الأمر لا يعود لي، فليست وجهة نظري مبنية على لا شيء، فإذا كانت تعتقد بأنها محترمة فلتتصرف على هذا الأساس، وحينها سيظهر بأنها محترمة وستكون وجهة نظري مغايرة. قالت بأنها لا تريد أن تناقش أحداً، وأنها تحترم الكل رغم كل شيء. كانت لا تنظر إلي، وكانت يديها تنتفضان توتراً. قلت بأنها ليست حرة بالإساءة إلى الناس ثم رفض النقاش، وإن كانت تعتقد بأنها محترمة، فلتظهر الاحترام الآن. حينما صارت تصر على نفس الكلمة، بأنها تحترم الكل، قلت لها بأني سأمضي، ولكن قبل أن أمضي، وطالما أنها لدينا هنا، فلتتعلم بعض الأخلاق الحسنة. سمعتها خلفي تقول بأنها لديها أخلاق، فالتفت وقلت: لماذا لم تظهر الأخلاق إذاً؟ أين هي أخلاقك؟. ومضيت.
تعبت في ذلك اليوم كثيراً في نفسي. إني عاجز عن توفير الاحترام الذي تستحقه أمي في المستشفى.












نزل العدد الأخير من مجلة ناشونال جيوقرافيك، الذي يحوي المقال عن حضارة الإنكا، الحضارة القديمة الأكثر إثارة للاهتمام بالنسبة إلي، إلى جانب الحضارات الأمريكية القديمة، قبل وصول الهمجيون.
رغم أن الغلاف يعرض صورة جميلة من مباني ماتشو بيكتشو العظيمة فوق القمة الشاهقة لجبل، إلا أن المقال خيب أملي كثيراً، ولم يكن بنصف جودة المقال عن الأزتك قبل بضعة أشهر. تحدث عن جوانب وأحداث تاريخية بتركيز أكبر من إنجازات الحضارة وتفردها  وأساليب العيش فيها. ركز عموماً على الملوك، ورغم أنهم مثيرون للاهتمام، إلا أنه لم يتطرق لأكثر من حروبهم بكثير.
خاب ظني كثيراً.










اليوم سأشتري جهاز ترددت كثيراً في شراءه إن شاء الله، وهو جهاز مذهل جداً. ساعدني على اتخاذ قراري شاب في المنتدى الذي أتابعه، اهتم باستشارتي للجميع بصدق، وأخذني بجدية. أنا ممتن.


اشتريت الجهاز، وهو رائع جداً ومتطور، شيء غير مسبوق فعلاً. هو جهاز محمول، للألعاب أساساً، لكن يمكن القول أنه متعدد الأغرض، حيث يمكنه عرض الفيديو وتشغيل الموسيقى وتصفح الانترنت والكثير خلاف هذا. هذا لا يختلف عن المعتاد بالطبع، لكن المميز أن الجهاز يحوي شاشة ثلاثية الأبعاد، أي أنها تختلف عن أي شاشة تعرفونها. حينما تنظر في الشاشة؛ تشعر بأنك تطل على بعد حقيقي في الداخل، يوجد عمق في الصورة، الأشياء تبدو مجسدة على نحو طبيعي، وليست مسطحة كما في الشاشات والصور والكتب. هذا لأنه يعرض صورة لكل عين، والمرء لا يدرك هذا، لكن هذا ما يجعله يرى الأمور بشكل جديد، مثل الواقع، فنحن نحدد أبعاد الأشياء لأن لنا عينين ثبتهما الخالق سبحانه في تباعد محسوب يدعم قدرتنا على تجسيد الأشياء وتقدير تباعدها عن بعضها. كما يحوي الجهاز، على كاميرا مثل العينين، حيث أن لها عدستين، فتصور صوراً ثلاثية الأبعاد. بالطبع، لا يمكن عرض هذه الصور على شاشات لا تدعم التقنية، مثلا لا يمكنكم رؤية الصور بشكل ثلاثي الأبعاد لو نشرتها على المدونة. لكنها صور رائعة جداً، لو مثلاً صورت شخص وهو يمد كوباً أو ورقة في إتجاهك، فسترى بوضوح أن الكوب يتقدم جسمه بواقعية.
الأمر مثل أجهزة التلفاز الغالية التي يعلنون عنها في الجرائد وفي كل مكان، لكن الفرق أنكم لا تحتاجون إلى نظارة خاصة لرؤية الصورة بشكل ثلاثي الأبعاد، إنما عينيكم فقط.
اسم الجهاز ننتندو ثري دي اس 3DS.






أما المؤسف، فهو أن جوالي، غير العزيز، قد فسد. وقد مللت حقاً من مشاكله مؤخراً. وقد قذفت به، لأول مرة، قبل فترة حينما لم يسمح لي بالرد على مكالمة. لكني أعتمد عليه كثيراً، أراجع وأسجل من خلاله مواعيد أمي وأبي ومواعيدي الخاصة، وأصور وأرفع الصور من خلاله، وأكتب الملاحظات، وأتابع بريدي أولاً بأول وأكتب عبره الرسائل، أقرأ، أراسل، أمسح الوثائق (سكانر)، أصور النصوص المهمة...
الآن، أنا عالق مع جوال أمي السابق، حيث كلما بحثت عن اسم ظهرت لي صديقتها والجارات؛ أم العتيبي وأم عبدالرحمن، وأم السماثى (جيراننا حينما كنا في فلوريدا... خخخخخخخ أمزح). كما لم أعرف كيف أخفض الصوت، فيكاد أن يسكت قلبي من الفزع حينما يجيب أحد مكالماتي.


المشكلة هي أني لا أجد جوال أريد أن أشتريه. يوجد جوال موتورولا الجميل، الذي وضعت فيديو عنه قبل فترة طويلة، لكنه أصبح قديماً الآن، ولن يستقبل بالتأكيد تحديثات جديدة، هذا إذا كان قد استقبل أبداً. ربما لو يظهر الجيل الجديد منه أشتريه. لكن ما أتمناه حقاً هو أن تعرب اتش بي أجهزة بالم بري وتنزلها هنا، أتصور بأني سأشتريها بلا تفكير، خصوصاً أني أرغب بتجريب شيء مختلف عن الأندرويد الآن.


أخذت الجهاز الجديد اليوم إلى العمل، وقد ذهل الناس به، إنه لشيء عجيب حقاً. يصعب وصفه على خلاف التقنيات الأخرى، ولا يتعلق الأمر بمجرد وجود الشاشة ثلاثية الأبعاد. إن دمج الجهاز في بعض تطبيقاته بين الواقع والخيال لهو أمر جدير بجعل أكثر الناس بروداً يحترقون حماساً وذهولاً. لم يسلم مديري من التأثير. وبالواقع، أثار مديري العزيز إعجابي لأنه لم يحتج الكثير من الشرح ليدرك الأمور، وقد أدرك أمر الشاشة مباشرة من تلقاء ذاته. جعلت مديري يصطاد السمك على مكتبه، وفوق أوراقه التي تنتظر توقيعه. الجهاز يضيف إلى الواقع في هذا التطبيق أشياء تتواجد على نحو واقعي وملموس في الشاشة، بحيث يشعر المرء بأنها بالفعل جزء من المكان. كانت الطاولة تتموج بواقعية وكأنها مغطاة بالماء، بينما قرب المدير الجهاز لينزل السنارة في الماء، ثم بعدما علقت سمكة سحبها سريعاً واصطادها. في تطبيق آخر، يظهر في الطاولة ما يشبه الحفرة، تطل فيها من مختلف الاتجاهات، وقد تضطر للوقوف والدوران لترى ما بداخل الحفرة وتجد أهدافك، وستقاتل تنيناً ينبثق من الطاولة على نحو مذهل.
حينما يترك المرء الجهاز في جيبه، في وضع شبه مغلق توفيراً للطاقة، يحسب الجهاز خطوات المستخدم، ويكافئه بنقاط عليها، يستفيد منها في فتح بعض الألعاب والتطبيقات. مشيت كالعادة إلى الصلاة وحزت سبع نقاط. في وقت لاحق، تركت جهازي في جيب زميل في المكتب كثير الحركة، لكن حد المرء في اليوم الواحد من النقاط هو عشرة.


ربما الميزة التي تصعق المرء في بدايات الجهاز هي التصوير والعرض ثلاثي الأبعاد وكل ما يتعلق بها. أخذت الجهاز اليوم معي إلى كلية الآداب، وقمت بتصوير بعض الأشياء، أعمدة متباينة البعد، نباتات مصطفة بأحجام مختلفة في الخارج، وأشياء من هذا القبيل. منظر الصور مذهل، ترى العمود الأقرب أقرب بالفعل، في مقدمة الشاشة، بينما الأعمدة الأبعد في عمق الشاشة، كل حسب بعده. لا أكف عن الشعور بالذهول. تصوير الناس والأشياء الصغيرة بالقرب منك أمر مذهل، لكن ليس بروعة تصوير أشياء كبيرة ومتباعدة. 
أتمنى لو كان بإمكاني عرض الصور عليكم كما أراها، فلا يمكنكم تخيل الأمر مهما حاولتم. لكن لو عرضتها لرأيتوها مجرد صور عادية، لأن شاشاتكم ليست ثلاثية الأبعاد.
أتمنى أن يصدر تطبيق لتبادل الصور على الجهاز، سيكون رائعاً.
كما يوجد تطبيق جميل للتعديل على الصور على نحو غريب، يمكنك رفع اجزاء من الأرضية مثلاً.
إني نادم لأني ترددت في شرائه.












قلت لزميلي بأني رأيت شخص يشبهه كثيراً في القسم الآخر، فقال بأنه "حلو" مثله بالتأكيد. ضحكت على ثقته، ما شاء الله، ولكنه سأل مازحاً لماذا أضحك؟ فهو يسمع كثيراً بأنه وسيم. كان يمزح، لكن ليس لدي شك بأنه صادق ما شاء الله. كدت أن أهتف:أتمنى لو كانت لدي مثل هذه الثقة.










وصلتني دعوة محولة إلى ندوة تنظمها السفارة النمساوية، عن مسلم نمساوي قديم ترجم معاني القرآن إلى اللغة الانقليزية.
هي بالأساس للصديق الألماني الأصغر، لكنه لا يستطيع الحضور، وقد تحدث مع المنظمين بشأني ويقول بأنهم لا خلاف لديهم بحضور شخص ذكي (مجاملة). الموضوع مثير للاهتمام، لكن، حتى أنا لا أدري إن كان لدي الوقت، فمعظم النشاط يدور في الصباح، حيث اكون في العمل.












مفاجئة غريبة وأمر غير مخطط له. سأذهب غداً إلى القصيم مع بعض أهلي. لا أدري لماذا شعرت بالإثارة، هل لأن الأمر لم يخطط له، أو لأنه يتعلق بمهمة غير اعتيادية في تلك الوجهة؟ فنحن ذاهبون لرؤية طبيب ألماني هناك. أخذت إجازة قبل خروجي من العمل، بعد الساعة الرابعة.  بالعادة، يأخذ التخطيط وقتاً طويلاً قبل أي رحلة بالنسبة لي.











في القصيم...
حيث يطيب الهواء...
ويخفق أخيراً القلب السقيم...
حيث تحل ذكرى محل الخواء...
ذكرى أناس باتوا الآن تحت الأديم...





أكتب الآن من المستشفى القصيم، حيث رأينا قبل قليل دكتور ألماني لأجل أمي وابنة أختي، الاثنتين اللائي ذهبنا بهن إلى الهند للعلاج العام الفائت... هل مرت سنة؟.


الطبيب الألماني يعرف الدكتور الألماني الكبير صديقي، بالواقع، يبدو أن كل الأطباء الألمان يعرفونه هنا، وسيرونه قريباً حسبما فهمت. كان الدكتور ودوداً، حتى قبل أن ندخل عنده. رأيته عند الاستقبال، حيث ابتسم لي، ولابن أختي حمودي(ذو الشعر الخويتمات)، الذي خاف منه واختبأ خلفي، مما أضحك الطبيب. وجدته مصراً على الابتسام والتأمل. بدا رجلاً مريحاً بشكل عام. حينما دخلنا عنده لم أتوقع أن يكون هو من سيرانا، توقعت آخر يبدو جافاً.
صافحني، وقال شيء باللهجة الشعبية لم أدركه تماماً. ثم سألتني ممرضة آسيوية إذا ما كنت أتحدث الانقليزية، حينما أجبت بدا أن هماً انزاح عنها، إذ كانت الممرضة الأخرى الألمانية لا تتحدث العربية. بدا أنه لم يسمع هذا، حيث سألني بعد قليل نفس السؤال. تحدثنا عن ما جئنا لأجله، ولم يبدو أنه قادر على مساعدة ابنة أختي لاختلاف التخصص، لكنه عرض أن يراسل مركزاً في ألمانيا، ليرى الإمكانيات هناك. بعد قليل سألت عن طبيب أوصاني الدكتور الألماني الكبير للسؤال عنه والسلام عليه، والقول بأني صديقه كتوصية. ذلك الدكتور ليس موجوداً، شرحت له سبب سؤالي، عرف دكتوري، وبدا عليه الاهتمام. تحدثنا قليلاً حول الأمر.


غادرنا ببعض التوصيات، والطلبات كذلك. يجب أن نقوم ببعض الإجراءات الطبية هنا في الرياض، لأرسل إليه النتائج.


حينما خرجنا من المستشفى، كان الليل قد حل، وكنا سنغادر القصيم.
في طريق العودة ونحن نعبر  الطريق الصحراوي، دخلت من النافذة رائحة صدمتني؛ كانت الصحراء تعج برائحة جميلة، يخيل للمرء حينما تحاصره أنه عرف طيب العيش أخيراً. وبدون أدنى مبالغة، كان الأمر كما لو كنا في داخل محل للورد والزهور ونحن في سيارتنا. قالت أختي بأن هذه على الأغلب رائحة الخزامى التي تنبت في هذه النواحي. كانت رائحة سحرية. ولم أتخيل أبداً أنه قد يكون للصحراء رائحة جميلة، ناهيك عن أن تكون قوية. أعلم بوجود بعض الأزهار الرائعة، لكن، كنت دوماً أتخيل بأن رائحتها محدودة فيها. ما كنت أتخيله دائماً هو التنزه في مكان أخضر مزهر في الخارج، والحصول على نحو المتوقع على نفس التجربة التي حصلت عليها في صحراء القصيم على نحو مداهم.


في طريق العودة، كما في طريق الذهاب، أشغلت نفسي بالجهاز الجديد، وقد بدد الوقت جيداً. أحضرت معي لعبتين، وهما ليستا مما أصدر خصيصاً للجهاز، حيث لم تعجبني الألعاب التي صدرت حتى الآن وقررت أن أنتظر ألعاب القادمة، إنما لعبت ألعاب الجهاز الذي سبقه، وهي تعمل عليه.


كانت رحلة ممتعة ومفاجئة، سوا أني تعبت لأني لم آكل جيداً.












قبل فترة، جلست مع صديق أجنبي من آسيا، وأتينا على ذكر قوات درع الجزيرة المرسلة إلى البحرين. قال بأنه رأى بالتلفاز مقابلة مع دبلوماسي سعودي، سأله فلسطيني لماذا لم يرسلوا قواتهم إلى فلسطين طالما أرسلوها إلى البحرين. قال بأن الدبلوماسي السعودي قام بما هو صحيح، ولم يجب. بينما يعتقد هذا الصديق بأن السؤال مشروع؛ لماذا لم نرسل قواتنا إلى فلسطين؟. قلت له بأن هذا سؤال غبي بالواقع، فليس لأن فلسطين في ورطة نضحي بأنفسنا وحياتنا بغباء لأجل العاطفة. كما أنهم لا يستحقون المساعدة في الوقت الحالي، حاولنا أن نساعدهم كثيراً من قبل، لكنهم لم يساعدوا أنفسهم، ولا حيلة لنا بهم. جمعناهم في مكة للإصلاح، وتظاهروا بالاتفاق، وعلى الأغلب أنهم عادوا بأموال طائلة معهم، وما أن وصلوا إلى هناك حتى استئنفوا القتال فيما بينهم، والتنكيد على قومهم البائسون. كيف نساعد أناس هكذا؟ كيف نساعد أناس لا يريدون مساعدة أنفسهم، منقسمون ويكذبون؟ هل نجابه دولة نووية، ومن خلفها أمريكا، لأجل أناس هكذا؟ مع علمنا بأننا لن نربح؟ هل نضحي بحياتنا ودولنا في الخليج لأجل لا شيء؟. وأضفت بأنه لا يمكن مساعدة أناس لا يريدون مساعدة أنفسهم، ويريدون أن يتكلون عليك في كل شيء، لهذا، السؤال غبي. نحن نتدخل حيث يمكننا التدخل وتصحيح الأمور، ولا ننتحر ونضحي تضحيات بهذا الحجم لأجل أناس ليس لديهم نية للاتفاق أو مساعدة أنفسهم.
اقتنع برأيي، أو هكذا أبدى، قائلاً بأنه بالفعل لا يمكن مساعدة من لا يريد مساعدة نفسه. كنت أعلم منذ البداية بأنه يريد أن يسمع رأيي في موضوع جدلي كهذا كالعادة. العاطفية الكبيرة لدى بعض العرب، والحقد لدى بعضهم الذي يريد منفذاً مهما كان ليتسرب منه حتى لو كان ضد أخيه، هو ما يسيء لقضايا الناس. ليس من المنطق أن نخسر كل شيء مرة واحدة، ونحن بوضوح الطرف الأضعف في المعادلة في كل النواحي المنطقية. إننا نساعد بقدر ما نستطيع، فيجب أن تصفى النوايا أكثر من جهة الآخرين المتربصين، وأن يقدروا الواقع أكثر بعيداً عن الحقد والكراهية التي لن تنفع أحداً. يجب أن يكونوا منطقيين فيما يتوقعون، وأن يقدروا ما يحصلون عليه معنوياً ومادياً.


إن الكثير منهم يعلق علينا كل مشاكله ومآسيه وفشله بعدما لاحظ وجودنا. لكن، لماذا لم يلاحظ وجودنا أحد حينما كنا نحن الفقراء، التعساء؟.


ولأن الشيء بالشيء يذكر؛ كنت اليوم أطالع خبر عن اعتقال رئيس ساحل العاج قباقبو أخيراً، بعد المشاكل التي اختلقها وعضه على الكرسي الذي لم يعد مشروعاً له. مر زميلي الملتزم الكبير، وقال بأنه يستغرب بأني أصبحت أطالع السياسة، قلت بأن بعض الأخبار تشد انتباهي أحياناً. قال بأسلوب متوقع: "كان فتحت على الأقل على أخبار ليبيا". قلت بأن المرء يمل هذه الأخبار، وإلى ماذا سينتهي أمرهم، كيفما انتهى؟ سيعود بائساً ومنقسماً. بالطبع، أتمنى أن يزول الألم والظلم عنهم، وأن يتخلصون من مشاكل القذافي، لكن، ماذا بعد ذلك؟. لو استمر القذافي بالتواجد وامتلك زمام الأمور من جديد، فسيعودون كما كانوا وأسوأ، ولو ذهب، فلست أتوقع بأنهم سينجحون بتنظيم أنفسهم وإنهاء المشاكل. قلت بأن العرب ومن لف لفهم من أفغان وباكستان مقرفين في هذه المواضيع، لا يصلحون للمساعدة أو الاهتمام بهذه الطريقة طالما كانت أساليبهم هي ما نرى. صدمه الأمر. وسألني ألست عربي؟ ألست مسلم؟ قلت بأنه يعرف هذا دون أن يسأل، لكن المرء يجب أن يقول الحق ولو على نفسه، فما بالك بالآخرين. نحن بطبيعة الحال نستخدم صيغة العرب حينما نريد التحدث عن الناس خارج الخليج لمجرد التفريق والمقارنة، مع علمنا بأننا أصل العرب. وأخبرته بأن ساحل العاج أصلاً مليئة بالمسلمين، فلماذا لا نهتم بها؟ هل لأنهم سود؟ ولماذا لم يفتح أحد فمه حول ما حدث في غينيا؟ ولا دولة مسلمة قالت شيئا بينما النساء هناك يغتصبن في الشوارع، والرجال يقتلون بالمئات، هل لأنهم لا يشبهوننا؟ هل إذا كانت المرأة سوداء لا تكون مسلمة؟ او حتى إنسانة؟ هل لا تكون عفيفة؟ هل يجب أن يحدث الأمر في افغانستان أو خلافها لنهتم؟. صمت. وأضفت بأن كل من ساعدناهم من قبل أثبتوا بأنهم لا يستحقون المساعدة، أنظر إلى أفغانستان بعد طرد الاتحاد السوفييتي ماذا صنعوا ببعضهم، حروب وفساد ولواط واستغلال للأطفال، وانظر إلى فلسطين التي جمعنا قادتها لدينا للإصلاح وخدعونا وأحرجونا وكأننا لم نفعل شيئاً. يوجد نماذج جيدة نسبياً مع ذلك، وإن كانت بطيئة التقدم، مثل البوسنة، أنظر كيف استقروا بعد الحرب، هؤلاء يستحقون المساعدة. وأضفت بأن الأجدر في رأيي هو الالتفات إلى أمم، مسلمة بالطبع، لم نلتفت إليها من قبل، بعدما أثبت من اهتممنا بأمرهم فشلهم وعدم جدارتهم. لم يعجبه كلامي كالعادة، وقال بأن دماغي مغسول، وأنه سيعيد غسله. قلت بأن هذه وجهة نظري، ودماغي ليس مغسولاً، كما أن له وجهة نظره.


بطبيعة الحال، لم أكن أبداً ضد مساعدة الدول العربية، لكني ضد تركهم ليفعلوا ما يشائون بمساعداتنا، أو أن تكون مساعداتنا بلا مقابل. إن كنا سنساعد بالمال، فيجب أن نمتلك الشجاعة لنوصل المال إلى من يستحقه وبالطريقة الصحيحة، فإن لم نمتلك الشجاعة فلا حاجة للمساعدة. وإن كنا سندعم تنمية الآخرين، فيجب أن يتم الأمر تحت إشرافنا المباشر، ورقابتنا، وبشروطنا ورؤانا، وبمقابل تسهيلات لنا إن كان ذلك مهماً، وأن لا ندع الأمور في أيد جاهلة أو أنانية لا يهمها صالح شعبها، فإن كان لا مناص منهم، فلا حاجة للمساعدة في هذا الوقت.
إني أتمنى الأصلح لكل المسلمين على الإطلاق، لكني لا أعتقد أن الكثير من متخذي القرار والمؤثرين في تلك الأقطار هم ممن يعتمد عليهم أو يجدر احترامهم. ما نحتاج أن نلتفت إليه ونقيمه هو حاجة تلك الشعوب المسلمة والعربية الحقيقية، والمناقشة والمجادلة حول حاجة تلك الشعوب، وليس وجهات نظر فئة صغيرة وغير جديرة منها.









سعد الحوشان

الأحد، 13 مارس 2011

غيبوبة اختيارية "2" (أحداث،دورات،قصة قصيرة،ألماني)

بسم الله الرحمن الرحيم










لطالما نظرت إلى أمي كنموذج ومقياس لأمور كثيرة. لقد شكلت مفاهيمي لأمور كثيرة في الحياة حينما كنت صغيراً، ولا زالت تلك المفاهيم التي توصل إليها عقلي الصغير في ذلك الوقت تؤثر على رؤيتي للحياة، ولا أبالغ إن قلت بأنها مفاهيم صاغت وتصوغ حياتي حتى الآن.
في نظري، كانت أمي دائما مثال على الحزن والبؤس، كانت كتلة من الحزن. كما كانت مثال على الطيبة الكاملة، والتسامح، واستيعاب المخطئين بمسامحتهم. بالإضافة، كانت تشكل مفهوماً بديلاً للتدين في نظري؛ ففي حين كان غالب الأشخاص المتدينين في حياتي حينما كنت صغيراً قساة وأنانيون، ولا زالوا على الأغلب، كانت هي شديدة التدين، ولكن تبدو وتتصرف على عكسهم، وكانت مشغولة بأمور مختلفة، وكانت رحيمة وتحض على الرحمة. صرت أتخيل دوماً بأن التدين الحقيقي إنما يمر عبر الحزن الدائم، والفضيلة الحقيقية إنما هي تضحيات بلا مقابل.
ولا زلت.
إني أقل تديناً الآن من أي وقت مضى مع الأسف. وبما أن التدين الذي كنت أسعى إليه هو تدين أمي، هل أنا أكثر سعادة؟ ليس بالضرورة.
هل أدعو لنفسي بالحزن، أي بالهداية؟. أم أدعو لنفسي بقسوة القلب، أي بالهداية أيضاً؟.
أعلم الآن يقيناً، مهما كان ما أحسست به، أن التدين والهداية ليسا حزناً ولا قسوة قلب بالضرورة، عليه، أعتقد أنه يجدر بي أن أدعو لنفسي بالهداية فقط.
كما أرجو أني لن أكون قاسي القلب أبداً. أما الحزن، فلا أحتاج أن أدعو به، وهو مما لا يدعى به أصلاً، ففي أبلغ حالات سعادتي، أعلم بأني حزين بالأساس، هذا ما أنا عليه.
على الأقل، لا زلت أحاول أن أكون رحيماً، أن أكون طيباً وإن لم أسامح طوال الوقت. إن حياتي لم تعد تسمح بخطأ الآخرين علي كي أسامحهم في أغلب الأحوال، فلم يعد من آخرين حقاً، لم يعد سوا القليل من الناس حولي، القليل من الثقات، ولم أعد أطمح منذ زمن بعيد بقرب أحد، مع استثناء واحد، وقد حصلت عليه.








لدي الكثير مما يجب علي القيام به، وربما بأسرع مما أستطيع بالواقع. سيارتي الأثيرة (والوحيدة) أصيبت بعطل مفاجئ منذ فترة، وهويجعلها لا تعود إلى الوراء مباشرة حينما أريد ذلك، بل علي أن أنتظر لفترة قد تصل إلى ٥ دقائق، وقد لا يطاوعني القير كذلك. وبذهابي إلى ميكانيكيي المفضل (وسوريي المفضل بالواقع)، اكتشفت أن الأمر لن يكون سهلاً تماماً. أرسلني لمتخصص يعرفه في منطقة بعيدة من المدينة، وهناك قيل لي بأن الإصلاح يستنزف الوقت والمال. أما سبب الخراب؛ فهو الحظ ببساطة. هكذا قال: الحظ. هذه الأمور تحدث هكذا فجأة، وأراني بضع سيارات بنفس الحالة وأسوأ، وأراني كذلك بأن الزيت المسئول عن هذا الأمر في سيارتي وضعه جيد وسليم، إذا فالأمر حظ. بالطبع، ورغم شيوع المشكلة، إلا أن الضمان لا يغطيها لدينا للفترة الكافية ككل دول العالم كما فهمت من أخي. لم أفاجأ بصراحة.
ماذا بوسعي أن أفعل؟ اقترح الميكانيكي السوري أن أعود إليه وأتجاهل الحلول التي طلبها المتخصص، حيث بدت غير منطقية إلى حد ما. يريدني الآن أن أشتري قير مستعمل، وهذا أمر لم ينصحني به شخص آخر، قائلاً بأن القير المستعمل لا يعمر حتى حينما يكون صالحاً، بسبب توقف السيارة لفترة طويلة، أو لأي سبب مجهول. أما شرائه من الوكالة فهو جنون كما وصف لي، وأنا أرجح الجنون في التعامل مع الوكالة عموماً (عبداللطيف جميل، وهذه آخر سيارة سأشتريها من عندهم).
ما العمل الآن؟ يقول أخي بأن علي أن أذهب إلى محلات متخصصة بالقير، وهو يعرف بعضها. أشعر بأني أرعى مريضاً.
أتمنى أن أتمكن من إصلاحها بأقل خسائر ممكنة، لا أشعر بأنه من المعقول أن أدفع الكثير لأن القير فسد دون خطأ مني.






أخيراً، انتهت إجازة منتصف العام للطلاب. وهذا خبر جيد، فسأتمكن من النوم أخيراً كما يجب بعد اسبوع من العذاب، إذ تحول منزلنا إلى ما يشبه محمية وحوش صيّاحة. صحيح أن الطريق إلى العمل سيعود إلى الازدحام، لكن لا بأس، فالنوم أغلى. . صحيح اني استمتعت  بصحبة محمدين، لكن الآخرين كادوا أن يميتوني بإزعاجهم وقلة إحساسهم.
لا أحب منزلنا صدقاً، حتى حينما يكون هادئاً، لا أحبه، لا أرتاح فيه، مسألة نفسيه ربما، لا أتقبله كمنزل.




ذهبت اليوم لقص شعري. وبينما الحلاق السوري يقص فيمنتصف المهمة، علق قائلاً: شعرك ثقيل مرة ما شاء الله!. فقال زبون تحت يدي الحلاق الآخر: طاح شعر الرجال!!. يمعنى أن الحلاق سيصيبني بعينه. ضحك الجميع. بالعادة، يتعامل مع شعري الحلاق الآخر، هكذا حظي، دائما ما يكون هذا مشغولاً حينما آتي. لكن أتذكر قبل فترة، حينما كان لوحده في المحل، علق على كثافة شعري بالمقدمة، أعتقد بأن شعري يعجبه، وهذا أمر نادر لدى الحلاقين. غالباً ما يعجب الحلاقون بشعر أنفسهم، فيقولون: لا لا يصلح ما تقول؛ لو كان شعري لربما أصبح ممكناً (!!). قال هذا لي حلاق أردني قبل زمن طويل.












مر قبل يومين عميد عمادتنا السابق، وهو دكتور أدعو الله أن يريه أيامه. ربما كان جيداً للبعض، لكنه أساء إلي وظلمني انتصاراً لدكتور آخر. السبب؟ ربما فقط لأنه دكتور مثله، ولن يضر إن كان أيضاً من نفس المنطقة، فكليهما من الحجاز. بعدما ظلمني بوضوح وبلا حياء، وبجرأة قال بأنه سيوقف شكواي هكذا، وإن كان لدي ما أريده فلأذهب إلى ديوان المظالم، وبعدما صار بعد فعلته هذه ينظر إلي بازدراء حينما تواتيه الفرصة، ويضحك بصبيانية، أستغرب الآن أنه لديه الجرأة لأن يلقي السلام بملئ فيه. رأيته في البداية في الطابق الأرضي أمام المصاعد، ثم تواجهنا في الأعلى حيث أعمل، في ممر يخلو إلا منا. نظرت إلى عينيه وأنا أمشي، وقال بترحاب غريب وصوت مرتفع، وكأنما يجرب: سلام. وكان سلام مبتور لسبب ما، ربما كان يريدني أن آتي إليه وأسلم؟ لكني عبرته وأنا أنظر إليه، ولم أجب سلامه. سمعته يمضي إلى مجموعة من الناس ويسلم عليهم. أخبرت مديري، الذي كان مطلع ومعايش لذلك الظلم، ولما أخبرته أني لم أجب السلام، أحنى رأسه وضحك. لن يلومني، لأنه يعرف. بالواقع، يسهل علي عدم رد السلام على الأشكال الخسيسة، ولدي فلسفة ووجهة نظر في الأمر، كنت قد تحدثت عنها في المدونة قبل زمن طويل.
هي باختصار أن المسألة تربوية؛ هؤلاء البشر حينما يعاملهم المرء وكأنهم لم يقوموا بشيء خاطئ، فإنهم سيصدقون هذا حتى لو كانوا يعتقدون في السابق بأنهم أخطأوا. هم يريدون مبرراً لما قاموا به، أو لا يريدون له أثراً على الأقل. ولكن حينما يرون أن الناس تتأثر بأفعالهم، وتحكم عليهم وتعاملهم على أساسها، قد يبدأون بالتفكير. وحينما يعاملهم المرء وكأنهم لم يخطئوا، بأي عذر كان، فإنه يساهم بتردي أوضاعهم، وظلمهم لآخرين. يتعذر بعض الناس بأنهم هم أنفسهم طيبون، وعاقلون، ومشغولون بأنفسهم بحيث ليس لديهم وقت لاتخاذ المواقف هذه تجاه الظالمين، لكن هذا فقط لأنهم يبحثون عن الترفع  داخل الهزيمة، وهذين ضدين. كان زميل لي قد قال بغباء وقلة ذوق بأن اتخاذ مواقف كهذه أمر سخيف، فمن سيربي العالم كله. لهذا كنت دائماً أقول له بأنه يربي عضلاته على حساب عقله، لكنه لن يفهم أبداً. لا يتعلق الأمر بالحقد، لا يتخذ المرء المواقف التي يعتقد أنها صحيحة على سياق ما أذكر هنا لأنه حاقد بالضرورة، لكن لأنها مسئولية.







تم قبولي في دورة في الجامعة، تستمر لمدة يومين، وهي عن إدارة الوقت. اليوم كان الأول، ولم يكن جيداً. الكل رجال راشدون، لكن يستغرب المرء من وصول الكثير من الناس إلى هذا العمر دون أن يعرفوا متى يتكلمون ومتى يصمتون، وما يمكن أن يقال وما لا يقال بأي حال من الأحوال. كما أستغرب لسطحية الكثيرين في الدورة، وضعف قدراتهم الفكرية، وقدراتهم على التنسيق والتواصل والتهذيب. رأيت الكثير ممن لا يراعون التفاصيل في تعاملهم مع الغرباء. والأسوأ من كل هذا؛ وجود ذلك الملتزم من الإدارة المالية، الذي يصعب أمور الناس ويسيء التعامل معهم. جلس إلى جانبي ملتزم من عمري، والكثير من هؤلاء يتجاهلونك حينما تكون غير ملتزم من فئتهم العمرية. لكن لا يهم، لقد اعتدت على هذا منهم. ربما سيتعلمون التصرف على نحو أفضل مع الوقت، حينما يضطرون للتعلم.
كان هناك رجل كبير خلفي، ملتزم وتبدو عليه التقليدية الشديدة. كان يتحدث بثقة غريبة عن أمور غير مطلوبة، تضعه في موقف لا يرجوه له أحد بالتأكيد، لكن يبدو أنه يعاني من علّه. وهو جلف التعامل، وحشري كذلك، أعانه الله على نفسه. تسائل المدرب؛ ما هي باعتقادنا أسباب الطلاق المتزايد؟ أجاب الرجل الملتزم:"الدشوش!." قد يكون للدشوش دور بشكل ما، لكنه أمر مضحك استخدام الدشوش كعذر بعدما أصبحت القنوات ذات التوجهات المحافظة تأتي عبرها مثل المجد. بالإضافة؛ كان حكم مطلق وغريب، وفي غير محله.
عموماً، كان الخروج سهل عن مجال الدورة، فالكثيرين فاقدين للقدرة على التركيز، وآخرين من أهل منتصف العمر يريدون استملاح أنفسهم وكسب الإعجاب والسيطرة على مجال الحديث باستمرار كالعادة.
ما وجدته محزناً، هو أنه حينما طلب منا تشكيل فرق من كل بضعة موظفين مع تعيين قائد، اتجه الجميع إلى تعيين الأكبر سناً كقادة. بدا الأمر كعينة صغيرة لأسباب فشلنا التلقائية.
لم أستطع المشاركة جيداً في النشاط، فقد فشلت بالتواصل، ثم كفيت.



حضرت اليوم التالي للدورة، نصفه الأول كان سيئاً، ونصفه الثاني كان أفضل إلى حد ما، لكني لا أعتقد بأني استفدت. ربما جرتني لا مبالاتي إلى المشاركة، عكس ما يتصوره المرء منطقياً. فقد صرت لا آبه كثيراً بالكيفية التي سيفهم فيها من أتواصل معهم ما أقول، خصوصاً أني أرجح أنهم لن يفهمون أكثر من نصفه، لأنهم لا يفكرون بما يقول الآخر قبل أن يجيبون عليه. المدرب المصري مسكين، يضطر للتعامل مع بعض الشخصيات الغريبة بصدر منشرح، ما أصبره. على أني كدت أن ألتهمه حياً في سياق تمرين أعطاه لنا، حيث طلب من الجميع تحديد استفادتهم من الوقت خلال أدائهم لمهامهم بالنسبة المئوية، أكثر الناس تراوحوا بين السبعين والثمانين، أنا وبضعة أشخاص قلنا تسعين. الملتزم في المالية قال ستين، مما حاز إعجاب المدرب، لكني أرجح أنها عشرة، وهذا كان ليكون أفضل، حيث أنه لو عمل لأكثر من 10 بالمئة من وقته لتعطلت كل أعمال الناس بسبب غبائه. المهم أن المدرب قال باستفزاز وسخرية مفاجئة: هل تريدون أن تخبروني بأنكم جيدون إلى هذه الدرجة فعلاً؟ قلت وريح الشراسة تتخلل صوتي: ولما لا؟ ما المشكلة يعني؟. فوجئ الرجل، وتدخل شاب آخر مبرراً سبب ارتفاع النسب بأن الأغلبية شباب، وإنتاجيتهم أعلى، فنظرت في تلك اللحظة إلى الملتزم في المالية لأرى وقع الملاحظة عليه، ولم يكن جيداً. البقية صمتوا، فبرر المدرب قنبلته بأنه أراد أن يستفزنا، فمن صمت فقد أعاد النظر في اعتقاده وصدق إجابته، ومن تكلم فهو واثق، ومن بين الأسباب فقد دعم بالحجة. تسائل، لماذا بعضنا شعر بالاستفزاز؟ وكان يعنيني، فأجبت بأن السبب هو أنه يقدح بمهنيتنا جميعاً هكذا، بينما طبيعتنا وظروف عملنا تختلف. بعد ذلك، لاحظت بأن تركيزه علي ازداد نوعاً ما.
لكن الدورة لم تكن موفقة برأيي. وأزعجني كثيراً تصويرنا بلا اهتمام بآرائنا بالأمر.





كنت في المستشفى يوم السبت، أطوف على بضع عيادات لتحديد المواعيد. في أحدها، في الدور الأول من المبنى الجديد، دخلت ووجدت رجل أسود، ضخم الجثة، مرتب الهندام، يغني للناس الجالسين في تزاحم، ويعلو وجوههم الوجوم. كان صوته جيداً، لكن كان الأمر الطاغي هو أنه مريض نفسي بوضوح. قال لي الرجل السوداني الطيب في استقبال العيادة، وهو واحد من حوالي خمسة موظفين فقط جيدين بالمستشفى، أقول قال وهو يكبت بصدق وجدية ابتسامة: الله يشفيه. أمنت على دعائه. حالما انتهت محاولته لتسجيل الموعد، إذ لم يتمكن لإقفال العيادة، وهممت بالمغادرة، قال الرجل الأسود لأحد الجلوس: صورتني؟؟ احذف احذف!!. رد الشاب ذو الهيئة المتعبة والمريضة: لا ما صورتك. لكن الرجل الأسود تحرك في إتجاهه، وبدا الأمر غير مريح، إذ لا يدري المرء بماذا سيأتي. كان الشاب يبدو متعباً جداً. لكن الأسود فاجئني بأنه غير طريقه، ووقف في الممر. كانت هناك منذ البداية امرأة طاعنة بالسن، ضئيلة الحجم، تستلقي على كرسي متحرك حوِّل إلى ما يشبه السرير بتنزيل ظهره على وضع مستلقي. كانت تبدو شديدة المرض شفاها الله، وكانت صامتة لا تأتي بحركة غير تقليب عينيها، الدامعتين من فرط الشيخوخة، بالمكان. وكانت معها امرأة كبيرة تهم بدفعها، وتناديها: يمه، إذ أنها ابنتها التي ترافقها بالمكان. تعاون رجل وممرضة بفتح الباب على مصراعيه للسماح بمرور العربة، بينما سأل الرجل الأسود الضخم ببهجة خفيفة المرأة: هذي أمك؟؟. أجابت المرأة: ايه هذي أمي. كانت وكأنها تجيب طفلاً، فمن الواضح أنها لاحظت حالته. لما تحررت العربة واتجهت إلى الخارج، استوقف الرجل الأسود العربة؛ ومال بجسده الضخم جداً، بكل حنان ورقة؛ وقبل المرأة العجوز، التي ازدادت ضآلتها بالمقارنة، على جبهتها قبلة حنونة، لا أدري إن كنت قد رأيت قبلة أصدق منها قط. ثم مضت المرأة تدفع أمها بعدما رفع الرجل رأسه وذهب. شعرت بتأثر شديد، تأثر يسيطر علي حتى الآن بعد أيام، أمام هذا الطفل الكبير، وهذه العجوز التي لا أدري إن كانت مدركة. كانت شابة صحيحة في يوم ما، وكان من الممكن أن يكون هو شاباً الآن، يتحرى المألوف والتقليد في حياته اليومية، لكنه مجرد طفل طاهر القلب محبوس في ذلك الجسد اللافت بضخامته.
لماذا ازداد عدد المرضى النفسيون الذين يعانون من علل جسيمة؟ أو هل الأمر أننا بتنا نخالطهم أكثر في بعض الاماكن، بينما يشاهدون في أماكن أخرى تسكنها فئات معينة؟ لماذا هذه الفئات مهمشة هكذا. الكثير من السود مهمشون، منسيون في أماكن سكنهم التي يخيم عليها الفقر والجهل، منسيون إلا من التهم والإزدراء.








أقرأ أحياناً في سياق ما أقرأ عن أصدقاء يعيشون في أماكن متباعدة، ويستضيفون بعضهم من وقت إلى آخر. كم أتمنى لو كان لدي أصدقاء من هذا النوع، وأنه يمكنني استضافتهم، ويمكنهم استضافتي. سيكون من الرائع أن أذهب إلى مدينة أخرى وأبقى لدى صديق لأسبوع مثلاً، ثم يزورني هو بعد فترة.
لكني بالأساس لا يسعني استقبال الناس في منزلنا هذا لأسباب كثيرة. 








تلقيت في الأسبوع الفائت مكالمة من شخص أجنبي، يسألني إذا ما كنت سعد الحوشان؟ تصلني إتصالات كهذه من وقت إلى آخر، وبالعادة تكون من هنود أو باكستانيون لتوهم وصلوا إلى السعودية للعمل في الجامعة، وقد أوصاهم أصدقائهم ممن لديهم رقمي بالاتصال بي حينما يريدون السؤال عن شيء. لكن هذه المرة كان الرجل صينياً، وهو لا يمت للجامعة بصلة. أخبرني بأنه صديق الدكتور فلان، الصديق الصيني الطيب الذي غادر السعودية بلا نية للعودة، وبلا وداع. قال بأنه يحمل هدية من ذلك الدكتور، أرسلها معه من الصين، وأنه يود أن يراني ليسلمها إلي. شكرته بذهول، لم أتوقع شيء كهذا، وقد غمرتني الفرحة أن ذلك الصديق يقدرني إلى هذا الحد. اتفقنا على اللقاء، وكان يعمل في شركة ليست بعيدة عن منزلنا. ذهبت إليه، ووجدت المبنى حيث يعمل أنيقاً، وفخم إلى حد ما. حينما جاء ليقابلني، رأيت فيه شاب بشوش، ضم يدي بكلتا يديه حينما تصافحنا، وحياني بحرارة. كان أنيقاً، وهيئته تذكرني بما نراه عن هونق كونق بالتلفاز. أعطيته صحن صغير، رتبت فوقه معجنات صنعتها أختي تواً. ومضينا ليعطيني هديتي. أراني فنيلتين مغلفتين، إحداهما صفراء بمقاس متوسط، والأخرى حمراء بمقاس كبير. الأحمر هو لوني المفضل، كما أن السعة أفضل من الضيق. شكرته، وحرص على أن أحملها بكيس أنيق تابع لشركتهم، قائلاً بأن الدكتور أوصاه أن يتأكد بأن يكون الكيس أنيقاً!. يا للطف. تمنينا أن نلتقي لاحقاً، وأكدنا على الأمر، ثم مضيت. في المنزل، أخرجنا الفنيله، وجدتها أديداس أصلية بلا شك، جميلة جداً، مخرمة بطريقة غريبة من الخلف، وطبع عليها في الزاوية العليا من الأمام: الصين. أعجبت أهلي كثيراً. أرسلت إليه أشكره، وأخبره من ضمن ما أخبرته بأن الهدية جائت في وقتها، حيث أنوي الانضمام إلى نادِ رياضي، فبدا على نحو غريب وكأنه يشعر بي ويشجعني. أخبرته بأني تمنيت لو لم أشكل عبئ عليه بهداياه الجميلة، وأنه يفسدني بتدليلي هكذا.
رد قائلاً بأن علي أن لا أقلق من ناحية قيمة الأشياء، فالأهم لديه هو أن أكون سعيداً. وقد بدا سعيداً بفكرة انضمامي إلى ناد رياضي، وشجعني على الأمر.
سعدت جداً بأنه لم ينسني، لقد ذهبت منذ فترة طويلة الآن...












اليوم، وصلني اتصال يخبرني بأنه يمكنني حضور الدورة التي تم قبولي بها كاحتياط!!. والله إني لا أدري لماذا قبلوني إحتياط أصلاً، فلو كنت أختبر نفسي لما قبلتها على أدائي في ذلك اليوم، صحيح أنهم فاجئوني بالمقابلة وأخذوني على حين غرة، إلا أني أستبعد أنهم وضعوا هذا في اعتبارهم. لكن الحمد لله، لم أتوقع أن كلمة احتياط لها معنى كبير، أنها قد تقود بالفعل لحضور الدورة، أنا سعيد جداً، وقلق جداً. اتصلوا بي حينما توقفت تماماً أمام المنزل عائداً من العمل. فرحت، واتصلت بعد قليل بمديري لأخبره بأني أريد إجازة لأنه تم قبولي بالدورة. كنت قد أخبرته من قبل بأمرها، ولحسن الحظ لم ينسى فهو كثير النسيان. شعرت بأنه لا يرغب تماماً بأن آخذ الإجازة الطويلة هذه (شهر)، ولكنه لن يرفض طلبي. ربما يريدني أن أراجع نفسي. فقد قال بهدوء، بأنه يمكنني أن آخذ الإجازة إذا كانت الدورة "تهمني كثيراً". قلت صادقاً بأنها تهمني كثيراً بالفعل. سألني إن كان لدي رصيد إجازات؟ فقلت بأن لدي الكثير. فسأل مستنكراً منذ متى أعمل؟ لعلي أقدم منه ولكني لا أقول؟ ضحكنا معاً. 
سيكون الدكتور الألماني قد عاد إن شاء الله. هل سيعجبه الخبر؟.


حظرت اليوم أول محاضرة، وقد انضممت إلى مجموعة من الشباب الذين أتوسم فيهم الخير، وكانوا لطفاء جداً. أرجو أن أكون مفيداً ضمن فريقهم، أتمنى ذلك من كل قلبي.
كان يوم طويل، كان علي الذهاب إلى القسم حيث أعمل، وأتقدم بطلب إجازة، وأسمع بعض التعليقات المازحة على شكلي بدون غترة، ثم أذهب إلى المستشفى (كتبت المستشقى، بالخطأ، لكن بالصح على ما يبدو)، وأتعامل مع الصيدلية وعيادة، ثم أعود أدراجي إلى الجامعة. كنت سعيداً عموماً.








واجهتني مشكلة جديدة مع القوقل دوكيومنتس، لم يعد يقبل التعديل على الملفات الكبيرة. وحتى البدائل من نفس النوع ترفض تخزين التعديل، ولا أدري ما المشكلة، كان في السابق يقبل.








اليوم، وبينما أنا أنزل الدرج في الكلية التي تعقد فيها الدورة، رأيت زملاء العمل يمشون في جماعة غير مألوفة، في ذلك المكان البعيد عن عمادتنا، فوجئت، وفرحت برؤيتهم، حينما رأوني فوجئوا بي، وألقوا ضحكة جماعية وأنا أنزل الدرجة بسرعة وأسألهم بنفس الوقت ماذا يفعلون هنا؟! ربما كان لشكلي بدون غترة ونزولي التلقائي وكأني في منزلي دور في ضحكهم. أخبروني بأنهم قادمون للخضوع لاختبار وظيفي، لكن ماذا أفعل أنا هنا؟!. أخبرتهم بأني في إجازة لمدة شهر، لأخضع لدورة. فوجئوا، سألوا عن الدورة، وأفهمتهم بأنه ليس لها علاقة بالعمل، تساءل بعضهم بذهول: "أخذت إجازة عشان تحضر دورة؟!، ما شاء الله عليك". ينظر البعض لهذه الفعلة على أنها مبالغة، ولم أكن أعلم صدقاً قبل أن أتخذ هذه الخطوة أنها ليست خطوة طبيعية حتى ووجهت باستغراب الناس أكثر من مرة. طلب مني زميلي في القسم، الذي كان ضمن المجموعة أن أدعو الله لهم.
في القاعة، استغرب زملاء الدورة من مجموعتي حصولي على إجازة لأجلها، وأعتبر أحدهم أن الأمر مضيعة، حيث كان يجب أن استمتع بالاجازة وأسافر. أخبرته بأني لا أسافر بالعادة، ولعلي استمتع هنا. هم شباب صغار، أصغر مني، بعضهم تخرج مؤخراً، والآخرين على أبواب التخرج. فوجئوا بتاريخ ميلادي (المذكور أعلى المدونةضمن معلوماتي)، ربما خدعتهم هيئتي، حضوري بحقيبة وبلا غترة. 






أحب الأطفال الصغار، والناس الذين يحبون الأطفال على نحو خاص كذلك. أفكر دائما ببعض أبناء إخواني، وأشتاق إلى نهاية الأسبوع لأراهم وأقبلهم.










برقر كنق، حيث أذهب كل يوم تقريباً لشرب الكولا بشكل أساسي، ركبوا انترنت لاسلكي لديهم، في خطوة لم أتخيل إطلاقاً حدوثها. الآن، لا فائدة حقيقية لجهاز الراوتر والكونيكت الذين أحمل، ولم أستفد منهما كثيراً. لكني متردد بالتخلص منهما مع ذلك. الانترنت في المطعم سريع جداً، خصوصاً أني الوحيد الذي يستخدمه. لم يكونوا يعلمون، حينما بشروني الأصدقاء العاملين في المطعم، أن الانترنت يحتاج إلى كلمة سر. قيل لهم بأنه بلا كلمة سر، لكن بالواقع، مثل بعض المقاهي، يمكن للمرء الدخول إلى الشبكة اللاسلكية، لكن تصفح الانترنت يحتاج إلى كلمة سر واسم مستخدم، إما يحصل عليها المرء من المطعم نفسه، أو باستخدام كلمة السر من الاتصالات الخاصة بالدي اس ال المنزلي من باقة شامل. وهذا سيعطل الكثير من الناس عن الدخول والاستفادة من الخدمة التي لا أعتقد بأن أحد سيعرف عنها أصلاً في المطعم فهم لم يعلنوا الأمر والناس لا يتوقعونها ليسألوا كما لو في مقهى.
توقف الانترنت لديهم عن العمل منذ 3 أيام... يا الله، حظي زي وجهي.


ثبت أن الانترنت في المطعم لا يمكن الاعتماد عليه..










يا الله، كم أجد صعوبة بالكتابة، وكأنما لا يوجد شيء لأكتب عنه. أعتقد أني تعودت على الكتابة عن الدكتور الألماني العزيز كثيراً، ولما غاب لبعض الوقت لم أجد شيئاً. فالكثير مما يوجد أعلاه هو مستقطع من التدوينة السابقة قبل نشرها، إذ وجدت أنها طويلة أكثر من العادة 
فقررت تأجيل بعض الأشياء لهذه التدوينة.
لكني سأرى الدكتور بعد غد إن شاء الله، وبعد ذلك سأنشر التدوينة.






أرسلت إليه اليوم قصة قصيرة كتبتها منذ زمن طويل، وترجمتها له مؤخراً على نحو سريع. أرسلتها لأني اعتقدت بأن قراءتها ستستنزف الوقت حينما نلتقي، وقد لا يكون أمراً ملائماً قراءة قصة طويلة نسبياً في جلسة. واخترتها لأنها قريبة إلى قلبي على نحو خاص. أخبرته بأن يقرأها حينما يجد الوقت، وأنا لا أتوقع أن يقرأها قبل أيام، لكني فوجئت برده مباشرة، إذ قرأها حالما وصلت ورد. قال بأنها مؤثرة جداً ومثيرة في لحظات، إلى جانب ما يعتقده عنها من أمور أخرى.
لكنه تمنى لو انتصرت الأخلاق العالية في النهاية، وأن الأخت انتصرت على الأخ. عموماً، أترككم مع القصة، وإن لم يكن لديكم اهتمام بقراءتها، فابحثوا عن الخط الأحمر في نهايتها. هاهي:


بسم الله الرحمن الرحيم






غيبوبة اختيارية




الكثير من الأمور اختيارية في الحياة، ونحن لا نحسبها كذلك. مهما بدت بعض الأمور عفوية، أو لها ظروفها الخاصة، تظل مدفوعة باختيار، بحافز ما، مهما قلنا. نحن نختار أن نضرب أو نصافح بذات اليد، نختار أن نقبل أو نشتم بذات الشفاه، نحب أو نكره بذات القلب. تبدو أحياناً بعض الأمور بلا خيارات، أو وكأننا لا نملك خيار آخر، ولكن بنفس الوقت، نظل نحاسب على ما حدث لأننا اخترناه بالحقيقة، وإن بدا وكأنه الخيار الوحيد، فهذا لأنه فقط يبدو لنا وكأنه الخيار الصائب.


بيد أن بعض الأمور لا تبدو وكأن الخيار متاح فيها أصلاً، ولكن هذا لأننا لا نتخيل بأن أحد سيختارها أصلاً، مثل الغيبوبة. يختار الناس الموت أو الاستمرار بالحياة في حالات معينة، ولكن لا أحد يختار مثل هذا الحل الوسط بالعادة.


كان هناك واحد اختار هذا الخيار. وكانت لديه أسبابه التي لم يعد تعدادها مهماً.


كان الجميع حوله بعد اختياره بساعات. قلقين ومذهولين مما جرا، غير مستوعبين لحقيقة الأمر. بعضهم حسب أن الأمر لن يطول.


" ولكن يا دكتور كيف يكون هذا؟ غيبوبة؟! وليس مجرد إغماء؟ ولكنه لم يشك من شيء طوال حياته!" 


هكذا قال أحدهم وهو ينظر بحزن إلى صاحب الخيار الذي يغمض عينيه برفق، ولكن بعزم داخل نفسه.


" ليس من المعقول بأنه لم يحدث أي شيء له يتسبب بهذا. هذا الشاب لا يعاني من أمراض مزمنة قد تتسبب بما حدث... ولكن هل تعرض إلى حادث ما؟ ربما ضربة بالخطأ على رأسه؟"


أنكر الجميع بأصوات عالية للذكور وبهمهمات للإناث للمرة العاشرة ربما. ولكن الجميع كان يعلم، دون أن يحكي، بأن الغيبوبة حدثت خلال مراقبة أخيهم لهم وهم يتشاجرون بعنف شديد على أمور تافهة، كانت لحظة يأس بالنسبة له، وقد كان يتهم بسبب هدوءه ومسالمته بأنه بارد الإحساس. كان سكوتهم سكوت خوف غير مبرر، خوف غير مسئول، وكانت لديهم تلك السمعة والخوف المرضي عليها.


كان يجلس على حجر كبير، قد شق بطن الأرض باتجاه البحر، ولم يصل إليه البحر، ولم يصل إلى البحر ذلك الحجر. بدا كل شيء ناقصاً، البحر لم يمتد على طول البصر، ويشوبه بياض في نهايته القريبة وكأنما لا يدري ما بقيته، الحجر الذي يجلس عليه تعلوه جسآت غريبة خشنة، وهو ملون بطيف ألوان في بعض أجزاءه، والرمل جميل، ليس شديد الرطوبة من حيث تمسه أقدامه وهو جالس على الحجر. كان صدره وبطنه عاريان، ولم يرتد سوا بنطال أبيض قصير بالكاد يمس ركبتيه. كان هذا بنطاله المفضل، والشيء الوحيد الذي أخذه من الواقع، إلى جانب نفسه. من حيث يجلس، كان يمكنه سماع إخوته من بعيد وهم يجادلون الطبيب أكثر من كونهم يستفسرون منه، وكأنه بغيبوبته قد أوقعهم بورطة، قد أشغلهم عن ما هو مهم  بالحقيقة. سأم حديثهم الذي لم يدركه كله، ووجده إزعاج، أصوات تتعدى الحد المؤدب المريح. فقام من مكانه مبتعداً بهدوء، وهو ينظر إلى البعيد، إلى نساء وأطفال يلعبون على الشاطئ، وضحكات الجميع يجلبها إليه الهواء، هادئة وجميلة. ذهب إلى الجميع، وتعرف عليهم، وكان قد سماهم قبل أن يصل إليهم فتسموا بتلقائية. الأطفال الأكبر بقليل يرتدون سراويل قطنية صغيرة، والصغار عراة، والنساء بدين وكأنهن يرتدين شراشف بحضوره بشكل مريح. كان الجميع لطيفاً، ولم يعبأ أحد منهم بوجوده على نحو استثنائي، وكأنه وجد هناك لدهور. أشارت إحداهن إلى نخلة عربية جميلة، وجدت بشكل لا يبدو خاطئا على الشاطئ، وقالت له بأن يزور تلك المرأة الجميلة الحلوة الجالسة تحتها. هناك وجد أمه، وقد كان يعلم بأنها متوفاة بالواقع. ولكنه سعد بوجودها هنا، وصدقه. قبلها وسلم عليها، وابتسمت له ابتسامة واسعة حتى بدت أسنانها، وكأنها تجامله وتدلـله. سألته عن أحواله بحب واضح كما كانت تسأل حينما كانت حية. جلس إلى جانبها، وظلا يتكلمان بهدوء، وبرِضا، وهذا ما لم يدعه أحد يحدث لهما حينما كانت على قيد الحياة. 


طال الأمر أكثر مما توقع الجميع. سنوات وسنوات حتى راح الشباب، دون أن يعلم هو. تباعدت الزيارات وإن لم تنعدم، وقلت الأسئلة وتكررت صيغتها حتى باتت بلا قيمة. حج عنه من حج، واعتمر الصغار عنه بطلب أمهاتهم، أما بعض الآباء فذبحوا له الأضاحي بالعيد بالتناوب، ودعا الله له بالشفاء بعض جيل غير الجيل الذي جعله يختار خياره.


تباشر الجميع ذات يوم باستيقاظه، الجميع، من عرفه ومن لم يعرفه من أبنائهم. انتشر الخبر أسرع مما يحدث بينهم بالعادة، كان حرصهم استثنائيا هذه المرة، وليس كحرصهم المتخاذل حين الدعوة إلى المناسبات، أو التبشير بالأحداث الطيبة المعتادة. 


كان شيء ما دفعه إلى الاستيقاظ، شيء جعله يعقد العزم على رؤية الواقع مرة أخرى.


تجمع الجميع حوله بالتدريج، في غرفته التي تكاد أن تكون مظلمة لألا يؤذي النور عينيه اللتين عاشتا في ظلام سنوات طويلة. سمع أول الحضور يتأسون بصمت على شبابه الضائع، وسمع همسات حزينة تحكي عن هذا العمر. ولكن حينما يتضح انتباهه تنقطع الهمسات وتواجهه الابتسامات وتضغط الكفوف على يديه بمحبة. سلم عليه أطباء شباب وضحكوا ببهجة، ودفعوه للابتسام بضعف. قال أحد الأطباء لإخوته الذكور خارج الغرفة، وأخت أنثى واحدة أصرت على السماع، بأن أخيهم يحتاج إلى تأهيل كامل، وربما لن يستعيد بعض قدراته، ولا يدرون حتى الآن عن مدى إدراكه لحقيقة وضعه. وحثهم على معاملته برفق، وإجابة أسئلته بروية، وعدم تعريضه للصخب والانفعالات، أو العدد الكبير من الناس. عاد الجميع حوله الآن. كان بعض أبناء وبنات إخوانه وأخواته ينظرون إليه بفضول، وبعضهم الآخر ينظرون إلى بعضهم. حكا أحد الإخوة تعليمات الدكتور بصفاقة أمامه، وهو يحاول بفشل أن لا يكشف كل ما قال الدكتور، وهو يحسب أن أخيه لا يفهم بشكل جيد. لم ينتظر حتى يتكلم فيما بعد، وكان سوء التدبير والحماقة طبع في معظم العائلة. لم يأبه، ولكنه قلب نظره بالجميع، ينظر للشباب والشابات الصغار، والقليل من الأطفال الذين أصر بعض إخوانه على جرجرتهم معهم إلى المستشفى بدافع التدليل. شد انتباهه شاب هزيل، في الرابعة أو الخامسة عشرة من عمره على ما يبدو. حلو القسمات، ينظر إليه باهتمام وتأثر. لم يعلم هل يكون خال هذا الولد أم عمه، ولكنه علم بأنه يشبهه، وشعر بأن هذا الولد قد سمع هذا كثيراً. فكر وقد تعود على طريقة غريبة بالتفكير، اعتباطية بالتعبير في غيبوبته:" هذا الولد حلو مثلي، يشبهني، قد يكون مسكيناً مثلي". هذا ما عناه الطبيب عندما تكلم عن إعادة التأهيل. أخرجتهم الممرضة ليرتاح حبيبهم جميعاً الآن. وخرجوا بعدما طبعن النساء والأبناء قبل على خده ذو النكهة الغريبة، نكهة الغياب الطويل.


عندما حضروا في اليوم التالي وجدوا هيئته أفضل بكثير، وقد قص شعره بشكل جيد وسرح فصار مليحاً، وزينت لحيته التي رشقها بعض البياض في أماكن مختلفة، فصارت قصيرة كما فضلها، ولكن لم يسمح له، بلطف، بالنظر إلى المرآة، مع إعلامه بأنه غاب طويلاً عن الوعي. بدا أمام الداخلين إليه وهو على سريره كعصفور جميل في عشه، ولكنه عصفور شائخ هزيل. كان الشاب الجميل يجلس قريباً منه الآن، وقد تجرأ ولمس يده. جلست قريباً أخته الكبرى التي صارت عجوزاً الآن، وابتسمت له طوال الوقت. تحدث الجميع حوله، وتكرر كثيراً قولهم السمج المفضوح بطريقتهم الثقيلة: "لا لا طيب إن شاء الله طيب". كانت نيتهم سليمة، ولكن لم يكن تعبيرهم عنها مؤثراً. قالت أخته الكبرى برقة حينما صمت الجميع للحظة:" سيطيب حبيبي قريباً، ويخرج من المستشفى ليقيم لدي، أخته حبيبته منذ أن كان صغيراً، أليس كذلك يا قلبي؟". ولكن أحد الإخوة الذكور، الذي كان له شكل عصبي، قال بصرامة ووقاحة:" لن يقيم لديك، أنت أكبر من أن ترعيه بالشكل المطلوب". تحرك الأخ الأكبر بما يوحي بأنه سيدلي بدلوه، وهو رجل مظهره يتوقد عزيمة وصرامة رغم كبر سنه ، وقال بثقة:" سيقيم لدي أنا، أنا أكبركم وأنا بمقام والده". انبرت أخت صغيرة نسبياً لتحتج بصوتها الرنان المثير للتوتر وقالت وهي تشير إلى أختهم الكبرى:"لست أكبر منها، هي من ربانا وهي من اهتم لأمرنا وهي حتى من زوجك، إنها أمنا بالفعل". كل هذا الجدل الذي يجري أمامه لم يكن بعد قد نفذ إلى مستوى فهمه وإدراكه، ولكنه استوعب أنهم يختلفون بشده، وأنهم لا زالوا يكرهون بعضهم. وكرد على هذه الأخت، زمجر شاب صغير بالثامنة عشرة من عمره وهو يصرخ بتحامل دفين على عمته، آخر من تحدث: "وما شأنك أنت وهو لن يقيم بحال عندك؟، إنك وراء كل خلاف وكل مشكلة بالعائلة، إن كانت هذه هي أمك فهي لم تحسن تربيتك". بقيت العمة المسكينة تنظر مصعوقة إلى ابن أخيها، وقد ألجمت وقاحته لسانها، وبدا بأنها لا تستطيع الرد لتجربة خاضتها في وقت سابق بخصوص ردة فعل إخوانها حين يتعرض أحد ما أبنائهم بشيء. وكان هذا ما استوعبه صاحبنا المسكين، إنهم ينقلون أمراضهم، كراهيتهم وغضبهم، وضاعتهم وقلة حشمتهم إلى أبنائهم، فلا أحد من هؤلاء الرجال، وحتى والده، قد أوقف هذا الشاب عند حده، أو أقام أدنى اعتبار للعمة. " يكفي!! بالله عليكم يكفي!! ليس هذا موضع ما تقومون به!" هكذا قال الشاب الصغير، شبيه صاحبنا، وهو يقف فجأة، وينتفض بانفعال، كان ولدا استثنائيا، لا يجرؤ شاب بعمره أن يتصرف مثله، ولكن أي الشباب عركه وسط كهذا حتى فقد الرهبة ممن أكبر منه. اختلطت المشاعر والأحاسيس لدى صاحبنا محل النزاع عندما وجد أنه لا رجاء بإخوانه، وأنّ أنين شديد مروع هو أول ما سمعوا منه بعد استيقاظه، وهو ينظر بذعر إلى كل مكان. لم يكن خائفاً منهم كما تخيلوا، ولكن لأن أمر ما دهمه، كانت عضلاته وأعصابه ونفسه، وجسمه وروحه ككل، على ضعف شديد بعد سنوات من عدم الحركة. صاح الجميع وجرى البعض إلى الخارج ليستدعوا الممرضات، جاء فريق منهن لأهمية الحالة، وأخرج بعضهن أقاربه بجلافة، كان آخر من خرج هو الشاب الصغير ذو الرابعة أو الخامسة عشرة، وهو ينظر إلى صاحبنا بخوف عليه لم يعش مثله من قبل، رغم أنه لم يعرفه إلا ليوم واحد، وقد كان خاله بالواقع.


لم يتح لهذا الرجل الاختيار هذه المرة، إذ اختاره غياب من نوع آخر بعد يوم من خياره الأخير،  غياب لا رجاء في الاستيقاظ منه. 






تمت بحمد الله


______________________________








لا أطيق انتظار الغد، حيث سأقابل الدكتور. إنه صديقي الوحيد بخلاف أمي وأخواتي. هو الأكثر مقاربة خارج المنزل لاهتماماتي ورؤيتي للحياة. وهو الشخص الوحيد الذين يهتم لشأني بصدق خارج المنزل. إنه الصديق الصدوق، وأفضل صداقة حضيت بها في حياتي. حضيت بصداقات جيدة، رغم أنه لا يحضرني غير واحدة، لكنها كانت مختلفة، كنت أحب ذلك الصديق لطيبته وقلبه الكبير، لكن فكرياً، وروحياً، كان بيننا حاجز كبير، أو مسافة طويلة.
الدكتور الألماني هو الصديق الذي لطالما حلمت به منذ أن كنت طفلاً صغيراً. بوسعي أن أقول: أتمنى لو عرفته قبل زمن طويل. لكن، قدري أن أصادقه بعد كل ما مررت به، ربما لأكون ما أنا عليه، بسيئاتي وحسناتي. إنه اللقية التي تركها الله سبحانه لي في طريقي، مكافئتي على صبري، وعزائي عن خيبات أملي، ومعيني على وحدتي، وغربتي الداخلية.
هل سيمن الله عليه بالإسلام يوماً ما؟.  سيكون يوم سعيد حتماً.








هل يمكن أن يشكل شراء حذاء أزمه لأي أحد؟ إنه يشكل أزمة لي منذ زمن. عموماً، إن كل ما أشتري تقريباً مما قد يدوم معي لبعض الوقت يشكل أزمة. لا زلت غير قادر على إيجاد حذاء جميل، وحينما أجد يفسد الأمر حينما لا يتوفر مقاسي، أو أجد علة لم أنتبه لها. إن وضعي مزري إلى حد بعيد.








أعتقد بأني اخترت العنوان المناسب للرواية من بين الترشيحات. تظل المشكلة التقنية هي المراجعة النهائية لها، حيث أواجه مشكلة مع خدمة مستندات قوقل. سيعين الله.










قابلت الدكتور اليوم، وياله من لقاء. أحضر لي القبعة التقليدية التي طلبت، ولم تكلف كما توقعنا، وقد وجدتها جميلة جداً، بملمسها المميز والحبل الجميل الذي يحيط بها. الاكسسوار الإضافي، البروش الجميل الذي يثبت بها والمحلى بنقش لوجه غزال بقرنين جميلين وشعر يجعله كالريشة، جاء به الدكتور على حسابه كهدية. بالإضافة إلى حلويات جميلة قضينا عليها بسرعة في المنزل أنا وأختي، وصفتها أختي بـ"المرعبة" لفرط لذتها.
لقد افتقدت رؤيته كثيراً. لم أعتد منذ زمن غابر أن يكون لي صديق أراه بشكل دوري.
كنت قد أحضرت إليه خبزة تقليدية، خبزتها له أمي من طحين البر مع بذور الشمر، وقسمتها إلى نصفين تحت طلبي، قسم بلا إضافات، وقسم مقطع ومفروك بخلطة من الطماطم والبصل والسمن. عجنت أمي الخبزة مع حبوب الشمر العطرية، وأنا أعلم بأنها من ألذ المخبوزات التي قد يتذوقها، مع أنه ألماني، وهم الأشهر بالخبز هناك.
أرسل إلي لاحقاً يخبرني بأن الخبزة من خارج العالم، وأنه استمتع بطعمها جداً. 
أما أنا، فأخبرته بأني سعيد بالقبعة، وأحببتها جداً، وأعجبت من حولي. وأخبرته بأنها أمنية طفولة تحققت أخيراً بفضل الله ثم بفضله.


تحدثنا حول مختلف الأمور كالعادة، وسعدت جداً حينما علمت بأن الفساتين أعجبت الطفلتين الصغيرتين، ووالدتهما، وهي ابنته. تكلمنا حول القصة القصيرة، التي يبدو أنها أشغلت باله بشكل ما. وكان مصراً على رأيه، كان يجب أن أجعل البطل يموت بعدما يثبت شيئا حسناً. لكني قلت بأني لا أعتقد بأن هذا أمر سليم أو صحيح، الطيبة والأخلاق الحسنة أشياء صعيفة وهشة، وقد لا تنتصر دائماً على القسوة، فهذا الواقع، ولكنها تظل موجودة، ويظل الأمل يصارع، حيث أن البطل توفي تاركاً خلفه ابن اخته الذي يشبهه، وهو من قد ينتصر للحق، أو ينجو بنفسه على الأقل. كان يضحك في بداية شرحي، فقطعت شرحي وسألته عما يضحكه؟ قال بأن طريقتي بالتعبير تعجبه، وطلب مني أن أكمل. في أحيان كثيرة أجد بأنه يضحك دون سبب واضح حينما أتحدث، لكني لم يساورني الشك أبداً بأنه يضحك علي، أو أنه يستخف بما أقول، ولن يساورني أبداً.


تحدثنا حول الطب هنا خصوصاً. أخبرته بقصة أمي حينما كانت حاملاً بي. كان وضعي في بطن أمي قد أصبح غامضاً فجأة، إذ توقفت عن الحركة، فظنوا بأني ربما مت. هناك، جائت ممرضة مصرية وقالت بأن الجنين (أنا) ميت، وأنه يجب إخراجي بالتوليد الاصطناعي. جاء طبيب غربي بصحبة مترجم، وأخبرته الممرضة المصرية برأيها، ولكنه فضل سؤال أمي، التي قالت بأنها تشعر بي أتقلب من جانب إلى آخر، ولكنها لا تشعر بحركة واضحة خلاف هذا. قال الطبيب الغربي بأن الجنين حي إذا، وطلب أن تترك أمي حتى تلدني. لكن الممرضة المصرية غضبت، إذ شعرت بالإهانة لأن الطبيب أخذ رأي أمي في الأمر (!!)، وتجاهل رأيها بالمخاطرة بالجنين. قالت هذا للطبيب بغضب واضح، ثم قذفت بقلم كانت تحمله بيدها على بطن أمي بشدة. طلب الطبيب مباشرة كتابة تقرير يفيد بما جرى، وأني لو مت، فإن الممرضة هي المسئولة، بسبب قذفها بشيء على بطن أمي، وطلب إبعاد الممرضة عن أمي في الحال. لكني بطبيعة الحال، لم أمت. حينما قلت هذا ضحك الدكتور، وقال بأن هذا الواضح، فهأنا أمامه، أحكي. قلت ربما لو حدث، لما اضطر للاستماع إلى هذري. قال بأني أستمع إليه أيضاً. أوضحت بأن الفرق هو أن حكاياته مبهجة، بينما حكاياتي أنا تجلب التعاسة لمن يسمع، وبالواقع، لا يوجد أحد خلافه ليسمع. كان رأيه هو أن التعاسة والأمور التي نمر بها هي ما يلهمنا للقيام ببعض الأشياء، فلو لم أمر بأمور صعبة، لما تمكنت من كتابة هذه القصائد والقصص. قال بأننا لو كنا دوماً سعداء لكان الأمر جميلاً، لكن لما قمنا بالكثير من الأمور.




خرجنا لاحقاً، كان أمامنا خيارين، إما أن نذهب إلى سوق لشراء حذاء لي، أو نذهب لشراء مؤونته من الطعام. الطعام أهم، رفضت الذهاب إلى السوق. لكن للأسف، انكسرت زجاجة زيت الزيتون بسبب سوء تدبيري، إذ حملته الكثير من الأكياس ولم أُقدر، وأطعته حينما قال بأنه لا حاجة لحملي الأكياس معه عند منزله. لكن ربما كان هذا للأفضل، قد أجد له زيت زيتون من الإنتاج المحلي، حيث بحثنا عنه بلا جدوى، فهو يفضل شراء الأشياء المحلية.


 هاهي القبعة على رأسي، وقد جلبت معها ضباب غابات الألب...
(والحرف اللي بالهوا بعد)








تعشيت مع همام اليوم، دعاني للعشاء للمرة الثانية على التوالي، ورفض تركي أدفع الحساب بالطبع، وهذا أمر محرج جداً. وما زاد الطين بله، هو أنه جاء بهدايا من الصين. شاي ياسمين بتغليف فاخر، وشكلين من الفطر الصيني المجفف، إذ يعلم بأني أحبه في المطاعم الصينية.
كان العشاء في مطعم تايلندي. لقد بدأت أفهم ذوقه جيداً، وهو مختلف إلى حد ما عن ذوقي. أتوا بمرق له رائحة نفاذة، وفيه قطع من السرطان والأسماك وما بدا أنه دجاج. شربت منها طاستين، رغم أنها بالواقع لم تعجبني. لكنه كان يتوعد بها، وكان علي أن أجامله وأن لا أشعره بالسوء. ثم جيء بلحم البط، وسلطة مسلوقة من الخضار الورقية، والأرز المقلي الذي لا يختلف عن الأرز في المطاعم الصينية. لحم البط أجربه للمرة الثانية، الأولى لم تكن موفقة، مع صديقي طلال البحريني حينما زار الرياض. أما هذه المرة فكان طعمه لذيذاً. إن لحمه غريب، أحمر، وقد تحسبه لحم بقرة لولا قوامه وشكله المختلف. إنه أقسى من لحم البقرة، والشحم يلتصق به بطريقة مختلفة ودقيقة من جهة واحدة، والشحم يبدو محتفظاً بدهنه وقسوته رغم الطبخ، فيسهل نزعه إلى حد ما والتخلص من الدهون. وهو رغم قوامه المتماسك ومرونته، لا يشبه لحم النعام، الذي يعتبر أقسى وأقوى، وأكثر خلواً من الدهون، وأقرب إلى العصب منه إلى اللحم لخلوه من الطراوة.
كان عشاء لذيذ عموماً، باستثناء الشوربة.


ثم دعوته إلى مقهى صدى التحلية، ليجرب حلوى السوفليه، لم أجربها منذ سنوات. وشربنا شراب السحلب معها، ولم يكن لذيذاً، كان مثل مهلبية غير ناجحة.


كنت محرجاً مع ذلك، إن أصدقائي يبالغون بتكريمي وهذا شيء محرج. كنت أنوي دعوة الجميع في الإجازة النصفية الفائتة، ولكن رغم أنها قصيرة إلا أن الجميع فر من البلاد فجأة.








في الدورة تسير الأمور على نحو متباين. يعتمد الأمر على جوانب كثيرة. المدرسين مختلفين، وهم يتبدلون حسب فصول المقرر. أحدهم كان جاداً ومفيداً حقاً رغم أن الفصول التي أعطاها لم تكن مفيدة كثيراً بطبيعتها. لكني فوجئت بفجاجة البعض بالتعامل. إن بعض الطلاب يتصرفون بمنة على منظمي الدورة لأنهم حاضرون!! يقول أحدهم للمدرس حينما طلب منه الانتباه بترجٍ مُحرج:" يلله يلله طيب بننتبه لك." هل تمنيت أن أصفعه؟. بالواقع، الكثير من الطلاب يتصرفون بضيق ويحاسبون المدرسين بالدقيقة حتى ينتهي الدرس. يقول أحدهم بعدما وعد مدرس آخر أن ينهي الدرس خلال ١٠ دقائق: "العشر دقايق تدبلت وصارت عشرين!!". كلنا كنا متضايقون بالواقع، لأن مادة الفصل والمدرس أحياناً لا يصلحون لما نريد حقاً، إلا أنه من الوقاحة والإساءة للصورة العامة أن نتصرف على هذا النحو.






مرضت في اليومين الأخيرين بشدة، ولم يكن هناك مقدمات، فجأة بدأت بالارتجاف وارتفعت حرارتي، وظللت طريح الفراش معظم الوقت. لم تكن أمي مقتنعة تماماً بأني مريض في البداية، حيث أنها سألت لماذا لم أذهب إلى الدورة؟ قلت بأني مريض جداً، فردت: أو بك نوم؟. كنت مريض جداً بالفعل. لاحظت لاحقاً بأن الأمر جدي، وأنه ليس مجرد عذر. تغيبت الآن ليومين  عن الدورة، الثلاثاء والاربعاء، وهذين اليومين قد ينهيان مشاركتي في الدورة... لكن الحمد لله أني تعبت الثلاثاء، فلو تعبت الاثنين او قبله لكان أملي قد انتهى تماماً باكمال الدورة. لم أذهب إلى طبيب، والدورة مضغوطة جداً إلى درجة أنهم قد لا يتسامحون مع غياب كهذا. أرجو على الأقل أن أشفى بسرعة، يا رب. خصوصاً أني يفترض أن أرى الدكتور الألماني غداً، وإذا ظللت متعباً، فلن أتمكن من رؤيته. هل سأتحسن غداً في الوقت المطلوب قبل اللقاء؟. لقد تحسنت بالواقع اليوم، إلى حد جيد، والحمد لله.
كم أكره المرض، لكن هل يحبه أحد؟!. يدرك المرء قيمة الصحة بقمة وعيه حينما يمرض.
لم أترك لأرتاح عموماً، فقد تسلطت المكالمات علي. وامتحنني دكتور أردني في الدورة يريد مساعدتي في القسم حيث أعمل، ولم يعلم بأني مريض لم أحضر الدورة حتى إلا في اليوم التالي. أرجو أن يكون قد تفهم عدم قدرتي على متابعة مشكلته كما يجب.
أعلم بأن حالي أفضل الآن، لكن لا أدري لماذا في النهار يكون حالي أسوأ.


أكتب بعد أيام، بعدما شفيت ولله الحمد. بيد أن نفسي لم تشفى إلى حد ما. لقد أثر المرض على معنوياتي على نحو غريب، ولم أعتده، ولا زلت أجر الأفكار المتعبة والهادّة في نفسي. إني أفضل عموماً، والحمد لله. في الدورة، لم يقولوا لي شيء، لعل الدكتور الأردني أخبرهم، لأن المدرس الآخر، الذي كان الجميع ينتظر دروسه، وهو على الأغلب من ساند تسجيلي في الدورة، سألني إن كانت صحتي أفضل الآن؟. هو شاب كويتي الأصل، أمريكي الجنسية. حينما رأيته لأول مرة لم أتمكن من تحديد هويته، فهو رجل طويل وجسيم ما شاء الله، وملامحه غريبة على أنها جميلة. فكرت بأنه ربما عراقي الأصل، أو ربما أردني، رغم أن كونه أردني أمر مستبعد، لكن من يدري. حينما ذهبت للتقدم لأجل الدورة، كلمته هو، وقال بأنه رآني في وقت سابق. أخبرته بأنه رآني على الأغلب في القسم حيث أعمل، فتذكر ذلك، وتذكر بأني الشاب الذي لاحظ بأنه يتكلم اللغة الانقليزية. أخبرته بأني مترجم بالواقع. أبدى اهتماماً بأمري، وسألني إن كنت أعرف شخص آخر من الحوشان، أخبرته بأنه ليس من أقاربي، ولكنه صديق أخي على الأغلب. فلأخي صديق من حوشان آخرين، من القصيم أيضاً، لكن لا ينتمون إلينا. الإشكال كان أن الدورة هذه المرة مخصصة لطلاب الجامعة. ولكنه بذل جهده لمساعدتي للانضمام، وأخذ بياناتي على نحو مستقل. لم أتوقع أن تثمر جهوده رغم أني قدرتها كثيراً، قدرت عفويته واهتمامه. مع ذلك، لم أتمكن من معرفة إلى أين ينتمي. قال في سياق حديثه: عَجل، يريد أن يقول: أجل. الكويتيين يقولون: عيل. أما الدمج بين النطقين فكان جديداً علي. فكرت إذا ما كان العراقيون يتحدثون هكذا؟ قد يكون عراقياً، فلو كان كويتياً لبدا سعودياً أصلاً. لاحقاً عرفت بأنه كويتي الأصل، ولكنه عاش في أمريكا لفترة طويلة، ولديه الجنسية. لم يخفى علي مع الوقت أنني على الأغلب انضممت للدورة بفضل الله ثم بفضل جهوده، فالمسئول الآخر عن التسجيل لم يبدو أنه كان راضياً عن وجودي تماماً. هل فُرضت عليهم؟ لماذا؟ لا أخفي بأني سعيد بالأمر، لكن هل أستحق هذا حقاً. حينما اتصل بي المسئول الآخر ليخبرني بأن آتي غداً لحضور الدورة، فرحت كثيراً. في الصباح التالي، اتصل الرجل الكويتي نفسه، الذي يكون اسمه الاخير اسم قبيلة عريقة، وبعد سلام قصير قال بالانقليزية بأنه لا يريد أن يطيل، هل علمت بأني قبلت بالدورة؟ وهل سآتي؟ أخبرته أني في الجامعة الآن، وشكرته على اهتمامه. لقد تعجبت وسعدت بأنه اهتم بالاتصال والاطمئنان للأمر. إني لا علاقة لي بصديق أخي، وحتى أخي  المعني لا علاقة له بشئون حياتي بالواقع، شأنه شأن كل إخواني الذكور.
أرجو أن لا أخيب الظن.




في الدورة، حصل موقف سخيف جداً. وفي ذلك اليوم عدت إلى المنزل بشعور بالانطفاء والتعاسة. كان الأمر أن مجموعة من الطلاب كانت تضيع وقت المحاضرة القصير بالجدل العقيم، ومحاولة استخفاف الدم وإغاضة الدكتور، وهو دكتور أردني طيب وبريء بخلاف الآخرين، وربما لهذا تجرأوا عليه كالأطفال. أضاعوا وقت طويل، وقد سئمت ومن حولي الأمر، فتدخلت سائلاً إياهم ترك المحاضرة تمضي. على نحو غريب، هجموا علي معاً بشراسة قائلين بأنهم يناقشون، ويوحون بأن لا دخل لي. كان سلوك طفولي. لكني لم أتوقف، وقلت بأنهم طرحوا وجهة نظرهم والدكتور طرح وجهة نظره والكل حر، ولسنا معنيين بسماع المزيد حول هذه النقطة، فللبقية حق من المحاضرة أيضاً ويريدون تعلم أشياء مختلفة. حاول الدكتور تهدئة التوتر بلا جدوى، فقد ظنوا تدخلي مهيناً لهم، رغم أن طلاب آخرين وقفوا في صفي أيضاً. حينما بدأ الدكتور بإكمال المحاضرة، صاروا كالعادة يتكلمون ويتمازحون، ويسخرون مني بوضوح لا يخفونه، ويطل أحدهم كل بضع لحظات من فوق الحاجز ليراني ثم ينزل. لما انتهت المحاضرة، سأل أحدهم الدكتور إن كانوا قد أضاعوا وقته؟ قال بطيبته بأنهم لم يضيعوه، لكن لكل وجهة نظره، وأن سعد، يقصدني، له الحق بقول وجهة نظره بالأمر أيضاً. قالوا بأن من حقهم النقاش، وإلا فسيكفي أن يبقوا بالمنزل ليقرأوا الكتاب بدلاً عن قراءة الدكتور للكتاب لهم (!!). تدخلت قائلاً بهدوء بأن من حق الجميع النقاش والسؤال، لكن ما قاموا به لم يكن نقاشاً، فقد كان جدالاً. كانت هذه إهانة أخرى حسب فهمهم، وصاروا بعد ذلك يحاولون استفزازي أحياناً. في اليوم التالي حينما دخلت القاعة لم يتواجد سوا واحد منهم، وقد رد سلامي الذي وجهته للكل كاملاً، وبما يشبه الحفاوة، لكني لم أنظر إليه. عرفت أنهم حاولوا جري مرة أخرى إلى نفس الموقف، لكن بعدما تبين حجم عقولهم، قررت أن أنأى بنفسي بقدر الإمكان. أحدهم على وجه الخصوص يقوم بتصرفات طفولية لم أتصور أن أرى شاب بعمره يأتي بها.




يصر زميل عزيز ضمن مجموعتي بالدورة، وهو ملح المجموعة، على التعليق على عمري على نحو مفاجئ ومحرج، أمام الآخرين حتى. كان قد انصدم أني أكبره بكثير، وهو يحسبني من عمره. وهذا شيء محرج. ليس فقط ما يقول (أحياناً يقول بأني "شايب")، إنما الأمر برمته، لا أحب مفاجئة الناس بحقيقة غير متوقعة حولي، أو تعليقاتهم حتى لو تخيلوا بأنها إيجابية. قال دكتور أردني ممن أجهدنا بتحدثه عن الأردن في الدورة، بأن عمري لا يبين على وجهي، بعدما سألني منذ متى أعمل في الجامعة. كان متفاجئاً. وفي ذلك اليوم خرجت ووقعت وشقت وجهي حديدة... لا، أكذب، لكني مرضت بالواقع، ولا أتوقع أن لعينه صلة بالأمر.
شكلي عموماً ليس صغيراً، إنما هيئتي قد تعطي إنطباعاً خاطئاً.
إني عموماً أسامح زميلي هذا على تعليقاته، حيث أن له قبول كبير لدي. وربما عدم هضمه للحقيقة يطيل من ذهوله منها.






اليوم كان استثنائياً إلى حد ما في الدورة. شارفت على الانتهاء، وكانت كل مجموعة تعمل على مشروعها الافتراضي. في مجموعتي، كل الأعضاء محبطون، لأن الدورة أتت مخيبة للأمر، ومضيعة للوقت. الفكرة جيدة، لكن التنفيذ سيء جداً عموماً. ضاع الكثير من الوقت على أمور غير مجدية، وانضغطت الأمور الأكثر أهمية ولم تقدم على نحو مفيد.
رأينا بعض الأشخاص يأتون بصحون في أكياس من محل معجنات وحلويات شهير، وقد تمنى زميلي خفيف الدم أنها لنا. لم أتوقع، لكنها بالفعل لنا. فوجئت، فسألت المدرب المتواجد في تلك اللحظة، وهو كويتي الأصل، سألته باستغراب ما المناسبة؟!. لم يبدو أن سؤالي مثير للإعجاب، لكني أردت أن أعلم، لا أن أذهب فقط لآكل. لكن بدا أنه لا يوجد مناسبة حقيقية، فقط اقتربت الدورة من نهايتها. أنبني زميلائي على سؤالي. ذهبنا إلى الغرفة الأخرى، في طريقي، صادفت اثنين من تلك المجموعة التعالية على الكل، وكان أحدهم من من رد سلامي بحفاوة قبل أيام، بينما الآخر هو ذو التصرفات الطفولية، وقد كان ماطاً شدقيه وكأنه ضبع. مررت وهما يتابعاني وكأنهما كاميرتي مراقبة. ألقيت بالسلام، فرد الأول السلام بحفاوة وصوت مرتفع. في الغرفة، علمت أن الشراكة الطلابية هي من أتى بالوليمة الصغيرة، إذ يفترض بأن الدورة خاصة بالطلاب مع بعض الاستثناءات التي أقع من ضمنها. ما لبثنا إلا قليلاً حتى جاء بعض المدربين. صافحنا أعقلهم جيداً، وهو اردني فلسطيني من جرش، ولما صافحني قال: "آه! سعد المترجم! انت تترجم بين لغتين والا بين لغة الإشار..." قاطع المزحة مسئول كبير في المركز الذي يعطي الدورة، وانشغل الجميع بالتحدث والأكل، بينما قدم العصير زميلي خفيف الدم في المجموعة، وهو شاب ملتزم من أظرف من قابلت في حياتي. كان أحياناً يعطي مزحات ثقيلة على المدربين، لكن حسن نيته لا حد له.
حينما فرغت، حملت صحني البلاستيك والكأس، باحثاً عن قمامة، لم أجد، ولكني لاحظت بأن الكويتي يراقبني بطريقة خفية، كان يريد أن يرى ماذا سأصنع بالصحن والكأس، إذ أني تجاوزت صواني الطعام على الطاولة. وجدت كيس في الخارج، تركت الأشياء فيه إلى جانب بعض القراطيس، ومضيت إلى كلية اللغات المقابلة، حيث أذهب كل يوم لشراء قهوة فانيلا تنشطني من المكينة.
تساءل قبل يومين الملتزم الظريف في المجموعة، إذا ما كنت قد ندمت على مشاركتي في الدورة؟. قلت بأنها لم تكن مفيدة، لكن لو لم أشترك بها لما عرفتهم. قلت هذا صادقاً من قلبي. وافقني، وقد سعد بهذه الإيجابية.
أرجو أن تكون لديهم نفس الرغبة التي لدي، أرجو أن لا تنقطع الصلات بعد نهاية الدورة.






أكتب بعدما انتهت الدورة، وكان هناك الكثير من الإحباط، لم أستفد منها، ولم يستفد كذلك الزملاء في المجموعة، وفوق هذا، صادفنا بعض التحطيم وعدم التقدير من مدير قاس في الدورة. أولموا لنا بالفطائر والكيك احتفالاً بانتهاء الدورة، وحتى في الحفلة لم يكف ذلك الطفل الكبير عن السخرية بي حينما لا أنظر، ثم التصدد حينما ألتفت!! كما لم يكف صديقه المقرب من التلطف تجاهي ومحاولة إفتعال المواقف. الشهادات كانت تحوي خطأ مطبعي، فسحبت لتعدل.
في اليوم السابق للدورة ذهبت تلبية لطلب همام إلى معرض لم أعلم عنه في البهو الرئيسي، معرض فيه لكل دولة من دول الطلاب الأجانب جناح، تقريباً لكل دولة. كان معرضاً رائعاً، ولكن كان ما يهم همام أن أذهب إلى جناح الصين. سألت همام إذا ما كان خالد في الجناح؟ قال بأنه هناك. يا لحسن الحظ، خالد هو الصيني الطالب الصيني الذي أسلم مؤخراً، وأجد أني أحبه كثيراً. ذهبت، ووجدت أن خالد أعطي مهمة بديعة في الجناح؛ كان يخط أسماء الناس باللغة الصينية على الأوراق، بريشة الخط الصينية التقليدية، والحبر الأسود القاتم. ما رأيته كان جميلاً جداً، جداً، لكن هل هو جميل لدى الصينيون أم لأني لا أميز المقاطع فقط وأراها كالزخرفة؟. حينما سلمت عليه كان منشغلاً إلى درجة أنه لم يتعرف علي مباشرة، ثم صاح عالياً، وترك يدي وأخرج ورقة، وخط عليها اسمي، كنت مستغرباً من ردة فعله، إذ لم أفهم أنه يكتب اسمي بالطبع. فرحت كثيراً حينما مدت إلي الورقة، ولكن أحرجت لأني سبقت الناس عن غير قصد.


تفرجت قليلاً فقط، لم يكن الوقت يسمح، وعدت.
لكن في آخر يوم، اقترحت على الزملاء الذهاب إلى المعرض بعد الحفل. كان الوقت متأخراً، وتلكأ البعض كذلك. حينما ذهبنا بالسيارات، رفض الحارس أن يدخلنا، جادلوه، ولكن قال إن كانوا موظفين فليدخلوا، وهذا قانون من عنده. بالواقع، كان المعرض في ختامه، وكان اليمنيون يعرضون فلكلورهم. لم أكلم الحارس، ذهبت لوحدي إلى خلف أسوار المعرض وأتصلت بزملائي فحضروا، يوجد مدخل مسدود بعلامة منع، وبأحواض دائرية فيها نخيلات صغيرة. أزحت عسيب نخلة عن طريقي ودخلت بصمت، كنا بجانب جناح بنقلاديش.
كانت الأجنحة تحزم أغراضها. لكني التقطت صورة برداء صيني ومروحة أعطاني إياها خالد، سألت إن كانت هذه المروحة للنساء؟ لكنه رد باستغراب بأنها لكل أحد، رجال ونساء. أمسكت المروحة كما قال لي، وصورنا زميلي صورة لعلها أفضل صورة ظهرت بها.




كان أخ مديري العزيز أبو عمر يعرض مع اليمنيون في فلكلورهم، وكان زفة للعريس، صورته وسلمت عليه، وقد لبس ملابس يمنية جميلة. أنوي أن أريها مديري لاحقاً.


افترقنا لاحقاً، إلى لقاء قريب إن شاء الله.






قابلت الدكتور الألماني اليوم مرة أخرى، بعد مضي أسبوعين دون أن نرى بعضنا.  كان متعباً بوضوح، ويعاني من صداع. لكن وضعه تحسن مع الوقت ونحن نتحدث. أخبرته عن الدورة وأخبرني عن عمله ومشاغله. بعد قليل شكرني، قائلاً بأني بطريقة ما أزلت صداعه. حاولت إقناعه بتجربة الكولا، ولكنه عدد لي مضاره، مع ذلك، جادلته في الأمر. سألني لماذا أريده أن يشرب الكولا؟ أخبرته بأن هذا لأني أعتقد بأنه يصيع على نفسه الكثير من المتعة حينما لا يتذوقه. ربما لم يتذوقه منذ أربعين سنة.
حينما كدنا أن نخرج، حدث الجدل المعهود حول دفع الحساب. يصبح أكثر عناداً في كل مرة. قال بأني لو كفيت عن محاولة دفع الحساب معه، ربما سيتذوق الكولا. ثم قال بأنه في في عمر والدي أو عمي أو حتى جدي، فلا يجب أن يدعني أدفع الحساب. ثم قال بأنه يدفع الحساب لأن ماله أكثر مني، سألته كيف يعرف، فابتسم،، هاها. ثم قال بأني أزلت صداعه عنه، ولهذا سيدفع الحساب كأتعاب لي. دفع الحساب بالنهاية، ساحباً بوك الفاتورة من بين أصابعي بسرعة.
حينما أوصلته إلى بيته، أعطيته ما أحضرت له؛ زجاجة زيت زيتون من منطقة الجوف في شمال البلاد، فرح بها كثيراً، ولكنه أراد سداد ثمنها. بالطبع هذا أمر غير قابل للنقاش، فشكرني وأخذ الزجاجة، وودعني شاكراً إزالتي لصداعه، قائلاً وهو يبتسم بأنه سينصح بي لأصدقائه، يقصد وكأني دواء. كان ممنوناً للأمر.
إذاً، أزلت صداعه، لكن، هل يدري هو ما أزال عني؟.
بنفس الوقت، ضحكت وأنا أفكر بامتنانه وفرحه بزوال الصداع؛ على الأغلب أني بقدر ما أزلت صداعه بشكل ما، ربما بالتكلم والضحك، بقدر ما سببته لأحد آخر بالسابق؛ لعله لا زال حينما يتذكرني يشعر بالصداع.






 ذهبنا صباح يوم في الأسبوع الفائت إلى مدينة الملك فهد الطبية، في أول موعد حقيقي لأمي هناك. هذه المرة الأولى التي أزورها على هذا النحو، إذ كانت المرة الأولى حينما ذهبت لوحدي ببعض أوراق أمي منذ زمن بعيد لأخذ استشارة من طبيب على نحو سريع. أما اليوم، فقد كنا نراجع معاً، وذهبنا إلى عيادة وانتظرنا كما يفعل الناس. ذهلت من كل شيء، فبعد جحيم مستشفى الملك خالد الجامعي، رأيت النعيم أخيراً في مستشفى حكومي.
كان الموظفون عموماً متعاونون، ومهذبون، عكس معظم موظفي الملك خالد، والممرضات أكثر احتراماً للناس بكثير، رغم أني لم أخاطبهن كثيراً، فلم أضطر لهذا لحسن الحظ، عكس ما يجري دائما في الجامعي. حينما جئنا لغرفة الانتظار، لم يسعني تصديق أنها استراحة للمراجعين والمرضى بالفعل، لم يبدو الأمر واقعياً. يوجد طاولة في المدخل، تحوي صواني من الأطعمة المختلفة، وأكثر من صينية لكل نوع من الأكل. يوجد صينيتين تحويان قطع من التوست بحشوتين مختلفتين، وصينية للفطائر والكروسون، وصينية للبسكوت والحلويات، وصينية تحوي تمور مغلفة، إلى جانب السكر، وغلاية الماء، وعلب عصير التفاح، وعلب الماء، وزمزمية (ثلاجة) قهوة عربية.  يعامل الناس هناك كأوادم، ويفهم أهل المستشفى أن المرضى والمراجعين بحاجة إلى الشعور بالتقدير والتعاطف والاهتمام. لم يأكل الناس كل شيء، بل بالكاد مس أحد الطعام، إن الناس ليسوا جوعى، إنهم لا يعانون من مجاعة، فهم لن يسببوا الخسارة للمستشفى، إنهم فقط يحتاجون إلى التقدير.
يوجد من يأتي بالطبع، وهو بحاجة ماسة لأكل شيء، وأنا أثق بنفس الوقت أن هذا ليس بتبذير، وأنه في نهاية اليوم، سيكون معظمه قد أكل.
كنا ننتظر دورنا، وأحياناً أخرج للاستكشاف، وقد وجدت طريقاً مختصراً جداً للخروج، ليتنا علمنا عنه حينما جئنا لنسلكه. وفي ممر العيادة، رأيت طبيبين، وتسائلت إذا ما كان أحدهما هو طبيبنا الذي جئنا لأجله. طبيبنا جنوبي، وكان لدى أمي إصرار للذهاب إليه دوناً عن غيره، حيث كانت قد عالجت لديه قبل سنوات. لم أره في ذلك الحين، حيث كان في مستشفى الحرس، وكانت تذهب برفقة أختي للمبيت هناك حيث كانت حالتها سيئة جداً في ذلك الحين، والحمد لله على كل حال. كان الرجل الذي رأيت في الممر كبير بالسن قليلاً، ذو لحية طويلة وجسد عريض، وملامحه يمكن القول عنها أنها جنوبية، فهي حلوة، وبشرته نظرة ما شاء الله، وخديه ورديين. كل هذه دلائل قالت بأنه جنوبي، لكن كان هناك مشكلة واحدة، حيرتني في أمره، كان رأسه ضخماً، وهذا قد يجعله سورياً، فلا يتسم أهل الجزيرة العربية عموماً بالرؤوس الضخمة، ورغم أن ملامحه ليست جلفة طبعاً كالسوريين، فهي كما أسلفت حلوة ولطيفة، إلا أن ضخامة رأسه أبعدته عن الترشيح. يجب أن أرى هذا الطبيب الذي أصرت أمي على طبيبنا في الجامعي على أن يرسلنا إليه، طالما سيرسلنا إلى مستشفى آخر، ولم يكن يمكنني قراءة شارته الذهبية، رغم أني بصراحة لم أهتم برؤيتها، لأن رأسه الكبير كفاني (فراسة).


المهم أننا دخلنا لاحقاً، ورغم أن الانتظار طال إلا أنه ليس كما توقعت وكما يجري في الجامعي، مع الاخذ بالاعتبار كثرة المرضى المنتظرين.
وكان في الغرفة هذا الطبيب ذا الرأس الكبير. وسألنا عن حالتنا، وراجع الملف أمامه وسأل عن بعض التفاصيل. سأل إن كنا أخذنا علاجنا سابقاً في مستشىفى الحرس؟ قلت نعم، أخذناه هناك، تسائل لماذا جئنا هنا هذه المرة؟ انبريت أشرح، وقد استبد بي القلق أن لا يجعلونا نرى طبيب أمي المرغوب، حيث أني أحمل ورقة حتى من طبيبنا في الجامعي لأجله، وقلت بأن أمي عالجت في الحرس لدى الدكتور مشبب العسيري، وقد انتقل إلى هنا الآن، لذلك طلبنا  أن نرسل إلى هنا لأننا نريده هو، نريد أن نرى هذا الدكتور. كان هذا تلميح ليجلبه لنا، أو لينصرف أو يصرفنا إليه. سأل باهتمام إن كنا قد قابلنا الدكتور مشبب العسيري؟ قلت لا، لم نقابله. فابتسم وقال بأنه هو. بدا من الواضح أنه سعيد بأننا لحقناه، وأن أمي لم تنسى أنه طبيبها، وظلت ابتسامته عريضة طوال الوقت. ضحكت، إذاً عسيرينا رأسه كبير. طمئننا على حالة أمي، وفرض إجراءات جديدة في علاجها، وطلب أن يرانا خلال مدة معينة. لكن أمي استعجلت، وقالت بأنها تريد أن تجري تحاليل الدم المطلوبة الآن، لأنها عطلتني عن عملي بما يكفي. كان لدى الدكتور الوقت ليتجاوب مع أمي، وهو ربما الدكتور السعودي الأول الذي يتعامل بهذه الإنسانية، أو الثاني بعد الدكتور خالد الغامدي. كليهما من الجنوب، أليس هذا مميزاً ودالاً؟. 
كنت محرجاً، وقد سأل أمي إن كنت وحيدها؟ قالت لا، قال إذاً هو الأصغر! قالت نعم، قال وأين الآخرين؟ قالت بأنهم لاهون مع زوجاتهم، وأني أنا من "أمسكوا بي" (!!). ثم سألني ماذا أفعل؟ قلت في الجامعة مترجماً. صمت قليلاً، بدا مشوشاً، ثم قال في السنة التحضيرية؟. قلت لا لا، أنا مترجم في الجامعة. أين؟ في القسم الفلاني. سأل إن كان مديري نذلاً؟ قلت  بعاطفة صادقة وجياشة لا، إنه رائع. ثم التفت إلى أمي وأخبرها بأنهم سيعطونني الأوراق اللازمة حينما أراجع معها، أو حتى إجازة، ولعلي أريد أن أغيب أصلاً!.
عرفت لماذا أمي أصرت على رؤيته، لقد عاملها كما يجب أن يعامل الطبيب مرضاه. والحمد لله أننا لحقنا به إلى هناك، فقد سعدت برؤية شخص مثله، ولو كان دكتوراً سعودياً في النهاية. لن أبالغ وأقول أنه جعلني أعيد النظر في الدكاترة السعوديون، لا، لكنه استثناء رائع.
كان مرن في نقاش الحالة، واستمع لكل ما أردنا قوله. وناقش كل شيء حتى رغم صعوبة تعبيري عن الأعراض كما يجب وبالمسميات الصحيحة.


خرجت من المستشفى وأنا سعيد وحزين بذات الوقت. لماذا لا يتاح لنا أن نراجع هنا دائماً، حيث نعامل كأناس؟. لن يكون لعملي في الجامعة حينها ميزة كبيرة جداً من ناحية قرب المستشفى، سوا أن مديري سيظل متفهماً، وستكون مراجعاتنا أقصر كذلك.
أشعر بالأسف الآن حينما أتذكر بأنه لن يكون مستشفانا أبداً، وأننا سنعود إلى المستشفى الجامعي، حيث الكل تقريباً وضيع. إني أحب المستشفى الجامعي، لأن أمي تحسنت بقدر معين لديهم، رغم أنهم أفسدوا بعض الأمور كذلك لديها، لكن، يا الله، كم أتمنى، أتمنى، أتمنى لو نراجع في مدينة الملك فهد الطبية لأجل كل شيء، كل شيء على الإطلاق، كم سيحسن هذا من واقعنا، بعون الله. على الأقل لن تراجع أمي لدى قسم العظام في الجامعي، اؤلائك الأنذال والقساة والجهلة الذين أفسدوا فقرات ظهرها.
لقد شعرت بمرارة أن تجرب شيئاً لن يمكنك الاستمرار عليه، مجرد تجربة، لتعود  بعد ذلك إلى ما لديك من واقع مقرف.
لقد بدأت أتخيل وأصنع القصص في ذهني؛ أتخيل بأننا صرنا نراجع هناك دائماً، وأن صحة أمي صارت أفضل، وأنهم ضحكوا حينما رأوا علّة ظهرها، وقالوا: ها! سهلة!!.








سعد الحوشان