الأربعاء، 5 مايو 2010

قلوب تحلم أبداً(...)

بسم الله الرحمن الرحيم





هاقد مرت عشرة أيام منذ مجيئنا إلى الهند، بالكثير من الأحداث، المجهدة والمستنزفة في غالبها. لكن منذ سكننا في المركز الطبي والأمور أفضل ولله الحمد. نعاني مما يعاني منه الناس عموماً، من انقطاع الماء والكهرباء باستمرار، لكن لا بأس.

تسليني أحياناً ملاطفات المحليين هنا، أكثر مما يسليني وجود الخليجيين حولي. ربما لأني تعودت على الأجانب منذ وجودي في الوطن. أجد أحياناً من بعض السعوديين نظرات سخيفة. خصوصاً واحد منهم، يا الله كم أشعر بأني أود لو فقأت عينه. لا يرد السلام، ومع ذلك يطيل النظر على نحو غير مفهوم، وحتى أحياناً لا يجيب السؤال. أعتقد بأنه رحل الآن من الهند. بشكل عام، شخصيتي وأسلوبي غير ملائمين لعموم السعوديين، أرى أنهم لا يقدرون السلام عند المرور، ولا يقدرون الابتسامة.

الاسم له أهمية واضحة للهنود هنا. فحينما تلمح نظرات الفضول أو الاعجاب في أعينهم، فتوقع سؤالهم عن اسمك مباشرة، حتى لو كان الأغلب هو أنهم لن يروك مرة أخرى في حياتهم. ربما الاسم يرسخ الذكرى لديهم، أو يصنع ارتباط. أحياناً حتى أفاجأ بالسؤال دون توقع. وحينما تطول الجلسة، فإنهم يحبون تخمين ما تفعله بحياتك، وغالباً ما أسأل إذا ما كنت طالباً. سأكون طالباً إن شاء الواحد الأحد.





لمجموعة الأصدقاء في البقالة القريبة فضول خاص، أحياناً يصعب الأمور. أتصور بأن مروري يعتبر حدثاً رغم أنه غير قليل، ولا أدري ما السبب. يمر الكثير من الخليجيين على الدكان، وحينما يصادف وجودي، أُسأل أنا، وليس الآخر، من أين يكون هذا الرجل؟ هل هو قريب من حيث أنتمي؟. والدهم أو قريبهم الأكبر يتحدث عربية جيدة، لا يستخدمها دائما للترجمة، حيث يحب الشباب التفاعل معي كثيراً. سألني إن كانت الرياض جيدة؟ قلت بأنها جيدة جداً. وكيف لا؟ كم أشتاق إلى الرياض رغم غيابي القصير. يذهل الأجانب حينما يزورون الرياض بتوفر أشياء لم يتوقعوها في أسواقها. أما أنا، فتكفي الجامعة لأشتاق، هواء الجامعة، حيث أعمل، كان صديق لي يتهمني أيام الدراسة بأن "سري" مقطوع في الجامعة، معبراً عن غموض حبي الشديد للتواجد فيها.  وحياتي اليومية، اشتاق إليها.
أخبرني الرجل الكبير بأنه ذهب إلى عمان، وقال بأن العمانيين أناس حارين، سريعي الغضب. فوجئت، فليس هذا تصوري عن العمانيين، ولكنه استثنى أهل صلالة. عمان، هي المكان الذي قد أختاره للعيش، لو اضطررت إلى مغادرة السعودية.





حينما يذهب الجميع لتلقي علاجهم، أبقى وحيداً في الغرفة، بانتظارهم، اقطع الوقت بالقراءة، أو الكتابة، لكني لا أغادر الغرفة حسب التوصية. من الجيد أن الجلسات لا تتعدى الساعة غالباً.





وجدت لديهم الكثير من المحلات الرجالية هنا. لا تهمني الملابس، لكن تهمني القبعات. يوجد لديهم تنويع مقبول، وأفضل مما في المحلات التي أزور في الرياض. لكن النوعية التي أفضل لا تزال نادرة. قبعاتي بالرياض اهترت لكثرة الاستعمال. اشتريت اثنتين، اتمنى أن أجد أكثر. كذلك، وجدت الخواتم، ستينلس ستيل، تباع بما يوازي ريالين وثلاثة، بينما في الرياض تكلف على الأغلب 35 ريالاً.





يمكنني تخيل ما سأفعل حينما أعود للرياض. سأعود للعمل في اليوم التالي كما وعدت، وسأستعيد نظام حياتي، وسآكل ما اشتهي، إن شاء الله. اعتقد بأني ساستمتع بحياتي أكثر من السابق إن شاء الله، فقد تعلمت الكثير من خلال هذه التجربة.





احضرت معي كتب ستكفي إن شاء الله. ثلاثة كتب، أحدها كبير، ولم أتوقع أني ساشتريه، لكني اشتريته لضيق الوقت، ولأني توقعت أنه سيمضي الوقت جيداً، وإن لم يكن أدباً حقيقياً. الرمز المفقود، كتاب دان براون الأخير، الذي كتب شيفرة دافنشي، التي أعتبرها فيلما مكتوباً أكثر من كونها أدباً. انهيت رواية: امرأة محاربة، ذكريات طفولة بنت بين الأشباح. عنوان غير مشجع، لكنها رواية مقبولة، أقرب إلى السيرة. عن حياة فتاة من المهاجرين الصينيين، وقصص أهلها، والأساطير الصينية، مزج عجيب. ليست من أفضل ما قرأت، لكنها مقبولة. أحضرت معي تيان آن مين، باب السلام السماوي، وهو من أفضل كتبي، وقد قرأته مسبقاً، لم أحضره لأجلي، لكن لأجل أختي. ليست تقرأ روايات بالعادة، لكن أحضرته فيما لو دفعها الملل لطلب كتاب، فأنا أضمن جودته. طلبت بالفعل، باليوم العاشر، وأعطيتها الكتاب، أعجبها جداً. والآن بدأت كتاب ذكريات طفولة بين الأشباح. أما أنا فأنهيت كتاب دان براون، خرابيط امريكان. رواية سخيفة حقاً.
بقي كتاب واحد لم أقرأه، و15 يوماً، أشعر بأني في ورطة.





هاهي أمي تريد أن تتوضأ لتصلي بعد عودتها من العلاج، لكن لا ماء. هي تلوم الرجال السعوديين بالأسفل، حيث يستهلكون الماء بطبخ العشاء وقهوتهم وشايهم، ويهملونه كما فهمت منها بتركه يجري.
أساساً، لا أدري ما المميز في العشاء الذي يعده لهم الطباخ الهندي، كان الله في عونهم على أكله. شاركتهم مرة بدافع الإحراج، وكان الطعام سيئاً جداً، وهم يأكلون مثله كل يوم. رغم ضعف الامكانيات، إلا أن أختي لا تقصر، وتطبخ عشاء لذيذ جداً لنا. نحاول التنويع قدر الإمكان. 

اكتشفت لاحقاً أن لا علاقة لطبخ الناس بالأسفل للعشاء الجماعي بانقطاع الماء. الخدمات هنا سيئة فقط.





كنت أمس في سوق القرية أو المدينة الصغيرة التي نقيم فيها. أشتري بعض الأمور المطلوبة وغير المطلوبة. حينما استدار رجل جسيم، يقف أمام سيارة صغيرة وحديثة، ونظر إلي بما يشبه الذهول. مد يده فجأة وصافحني، موقفاً اياي، وسألني عن حالي. عرفت أن سحنتي، المثيلة لسحنته، هي ما أستوقفه. كان رجل ربما في خمسيناته، أواخرها. يبرز بوضوح من بين الوجوه السمراء المحيطة. خالطني الشك، هل هو خليجي أم من عرب الشمال؟. لو كان من عرب الشمال لما اهتم ليسلم، إلا إذا كان يريد الاستفسار عن شيء أو يحتاج المساعدة، ولم يكن هذا ما أراد. كان ذو هيئة شديدة الأناقة، مرتب إلى حد مستحيل. شعره الأبيض القصير مسرح جيداً، بينما التمعت شعيرات قصيرة على ذقنه بشكل قفل. بدا إنساناً جميلاً، ونبيلاً ككل. سألني من أين أنا؟ وسألته، قال بأنه من الامارات. سألني عن سبب وجودي؟ وتمنى أنه ليس للعلاج. قلت بأنه للعلاج. كان استيقافه لي والسؤال ببساطة أمر غريب. سألته عن سبب وجوده، أخبرني بأنه يزور اصدقاءه، وأشار إلى هندي بجانبه. يا الله!! هذا الهندي نفسه رأيته أمس في الصيدلية المقابلة، وأنا أبحث عن دواء، وأخبرني بأنه يبحث عنه لصديقه الاماراتي ولم يجده في أي مكان!!. سبحان الله. صافحت الرجل، وأخبره بأنه رآني. عرض الرجل الاماراتي أي مساعدة، وافترقنا. لا أعتقد بأني سأراه مرة أخرى.





غالباً ما أسأل هنا عن جنسيتي بأحد طريقتين. الأولى: من أين أنت؟ وأشكالها. والثانية: هل انت اماراتي؟ وهذه غريبة، نظراً لكون السعوديين أكثر منهم بكثير هنا.
لم أشعر بالانجذاب إلى الامارات لزيارتها يوماً. لا أتذكر أني أردت ذلك. ولكن لا عجب، فأنا لا  أسافر عموماً، ولا آخذ الأمر بالجدية الكافية والحقيقية، لهذا أجد نفسي الآن، في الهند، في موقف غريب.
لكن لو ذهبت إلى هناك، للعيش لبعض الوقت، فأفضل أن أعيش في العين، أو ابو ظبي، أو الشارقة، ولكن ليس دبي. ولا بأس لدي إن لم أزر دبي أبداً. كنت قد زرتها مرة بالواقع، لنهار واحد، وأنا عائد من ماليزيا. لم أرى سوا سوق واحد. لم يعجبني الجو كثيراً، ورأيت رجل آسيوي مائع، يحمل حقيبة نسائية، رأيته من الخلف فحسبته امرأة.





أتسائل عن الكوري ومنقاوي، هل تفكر عقولهم الصغيرة، التي ربما تحملها ملعقة، بي؟. تقول اختي ان منقاوي يبحث عني بالمنزل، حيث تنوب عن أمي هناك بالإشراف عليه، وأنه يصعد إلى غرفتي يطرق الباب، ويسأل عني.
الكوري في بيتهم، إذ أن أمه معنا هنا بالهند، فلا أدري هل يتسائل عني. كان في السابق يسأل في  منزلهم عني: سحبال سعد؟. وش أخبار سعد.





خرجنا اليوم إلى البحر. رأيت المحيط، البحر العربي، إنه شيء مختلف عن أي شيء لدينا. لم تكن نزهة موفقة أبداً عموماً. لكن ذكرى المحيط، حفرت في ذاكرتي إلى الأبد.





للهنود في الوطن رائحة مميزة، وهي غير جيدة عموماً، لأكثرهم، وليس كلهم. قد تؤذي المرء وقت الصلاة، أو قد تمنعه من دخول محل. كان بعض الناس يقولون قبل أن نسافر: الله يعينكم على ريحة الهنود. لم أكن أجيب، لكني كنت أتفكر عن سبب الرائحة، وأردها دائما إلى نوعية الأكل. لكن هنا في الهند، لاحظت منذ البداية أنه لا رائحة مميزة لديهم، لا رائحة سيئة إطلاقاً، لأي أحد هنا، إنهم عاديون، مثل الناس الآخرين. لماذا لهم رائحة في بلدنا؟ لا أدري. لماذا يتهمون بالرائحة في البلدان الأخرى؟ لا أدري. قبل فترة، أوقفت الشرطة شاب كوري، طلب من مهاجر، بروفيسور هندي، أن يغير مكانه من الحافلة وأن لا يجلس جواره، لأن رائحة الهنود سيئة، هكذا، بهذه الوقاحة. تقول أمي لعلهم يجدون بهارات هنا لا يجدونها في مكان آخر، تجعل أكلهم لا يصبغهم برائحة سيئة. لكن حتى في الوطن، الكثير منهم لا رائحة سيئة له. أصدقائي منهم لم أجد منهم تلك الرائحة الحادة السيئة أبداً.





الخادمات ينظفن الغرفة الآن، وجودهن غير مريح، يثرن الكثير من الضجة، ويحملقن في بعض اللحظات. بتغير مواعيد أمي وابنة أختي العلاجية، صرن يأتين وأنا لوحدي بالغرفة، فلا أستطيع الخروج وتركهن لوحدهن مع الأغراض والأموال.





يوم الجمعة القادم، نكون أتممنا اسبوعين هنا، وبقي على العودة اسبوعين. لا أطيق الصبر.




كلمنا قبل قليل أهلي وابناء اختي بالمسنجر، بالصوت والصورة. الآن توقفت الانترنت،وتورطت بابنة اختي التي لا تصدق بان الانترنت توقف. كان الكوري، لقب ابن اختي، يحاول امساك والدته من الشاشة، ثم فصل سلك الجهاز وهو يخبر اخته بأن لا تعيد شبكه لنعود للمنزل. كان يبكي في بعض اللحظات على الشاشة، هو واخته الأخرى، كان شيء مؤلم. لا أعتقد بأني سأعيد الكرة واطلب تمديد الانترنت للغرفة.





أحلام تداهم في غير موقعها. حينما يتغير المكان، نتوقع أحلام مختلفة، لكننا نحمل أحلامنا معنا. "حلوم أهل نجد حديث قلوبهم" كانت أمي تخبرني هذا حينما أتسائل عن أحلامي حينما كنت صغيراً. لم يتغير قلبي. لكني صرت أعتبر هذه الأحلام أحلام مزعجة، بعدما كنت أعتبرها أحلام جميلة. قلبي لا يزال يحب هذه الأحلام، لكن عقلي، وله الغلبة، يجبرني على كراهيتها، لأنه يخاف أن يصدقها. فصرت حينما أفطن، أكرهها، واستسخفها. كنت قد سألت مفسري أحلام، لكن لا جدوى منهم بالواقع، كانوا يقولون أشياء جعلتني أصدق بعض الأحلام، لكن بالواقع، لم يتمخض الأمر عن شيء.





إن سارت الأمور على ما يرام، بعون الله، فلم يبقى سوى القليل لعمله. بقي اسبوعين على عودتنا الآن، مما يعني أننا قطعنا نصف المسافة. وأرجو أن يكون أصعب ما سنمر به قد مضى. في أول الأيام، كنت قد فقدت بطاقة الصراف للحساب المخصص للرحلة عن طريق خطأ في الفهم. كنت متعوداً على خروج البطاقة من آلات الصراف في السعودية حالما يؤكد المرء العملية، وبهذا لا ينساها، لكن هنا بعض الصرافات تختلف، يجب أن تأمر الآلة بإخراج البطاقة، فنسيتها بالداخل. والبنك الفرنسي الذي أخبرني بأن بطاقتي ستعمل بالهند، كان مخطئاً، فلم تعمل بطاقتي. وهنا، الفيزا غير متداولة. كلمت البنك الفرنسي، فأكد لي الموظف أن بطاقتي لا تعاني من مشكلة وأنها يجب أن تصرف، ونصحني بتجربة صراف آخر. لم تنجح العملية مع ذلك. تدبرنا أمورنا بما معنا، وحمدت الله اني صرفت مبلغاً جيداً قبل فقدان البطاقة. تواصلنا مع الأهل، وأرسل إلينا أخي ثلاث بطاقات، طال انتظارها، رغم الوعد بوصولها خلال 3 أيام من شركة آراميكس الكذابة. قبل وصولها، اتصل بي أخي، وطلب مني أن أجرب بطاقتي من البنك الفرنسي، جربتها فصرفت. يا لفرحتي. أخبرني بأنه كلم موظف يعرفه بالبنك الفرنسي "ففعل" البطاقة. كان البنك يكذب علي، أو أنه يوظف جهلة. ولا أدري ما المشكلة بتفعيلها بالخارج تلقائياً كما يفعل بنك الراجحي والعربي. قررت أني سأترك البنك حالما أعود إن شاء الواحد الأحد. فما قاموا به لم يكن شيء بسيط أبداً، ناهيك عن الجهد الذي تطلبه استخراج بطاقة فيزا، يلاحقونك بالعادة لتأخذها على مضض بالبنوك الأخرى. وصلت البطاقات بعد فترة، لكن لم أستفد منها حتى الآن، لأني صرفت الكثير من بطاقتي ولا زال يكفي ويفيض.
قاتل الله البنك الفرنسي، وآراميكس.





خرجت أمس للمتحف، وهو متحف صغير، ولكني لم أعلم بأنه بقي القليل ليغلق، وحتى قبل حلول الموعد بثلث ساعة، لم يسمح لي بالدخول. تنزهت بالأماكن المجاورة واستكشفتها. كانت غابات تتخللها البيوت، والمزارع، وسينما تعرض فيلم هندي رأيت دعايته كثيراً. لا يوجد الكثير لرؤيته بالجوار. مكان ممل.






هنا يوجد لصوصية عجيبة للأسماء، يوجد مطعم دجاج يسمي نفسه البيك، وعود الحرمين، وأشياء أخرى. التأثر هنا بالثقافة العربية كبير إلى حد ما، فالشاورما تباع على نطاق واسع. طبعاً لم أشتري منها، فلست أدري عن حل الدجاج وحرامة، فضلاً عن النظافة. أخبرني أحدهم بأن بطنه آلمه حينما آكل شاورما من محل مجاور. لم أكن لأخاطر على أي حال، كما أني لا أشتهي عملهم.



جئن الخادمات... قلق.



عدت قبل أمس بأغراض كثيرة، أطعمه وخلافه، وكان حملها ثقيلاً. نظرن إلي صيدلانيتين من المركز، حيث أن الصيدلية هي أول ما يقابل المرء، وتهامسن ضاحكات. كان من الواضح أنهن يلقين النكات حولي. تذكرت طبع الفتيات حينما كنت صغيراً. الفتيات هن الفتيات في كل مكان، غير مراعيات حينما يكون الرجل وحيداً ومسالماً، أو الصبي. طال الأمر، ولم ينتهي حتى ابتعدت.
لا أدري ما المضحك. ربما لون ملابسي غير المألوف هنا؟ أو شكلي ككل؟.
ذهبت إلى مستشفى قريب بحثاً عن دواء، وتجمعن فتيات الصيدلية، وتهامسن باسمات، بعضهن ضحك. ربما كان لصعوبة تواصلي مع الناس هناك دور، فاللغة الانقليزية هنا ليست جيدة عموماً. سألت صيدلانية محجبة، ذات بشرة أغمق عن المعتاد هنا بشكل ملحوظ، وكانت حسناء. بدا الأمر مربكاً لها ومضحكاً. فكرت بأن هذا ربما الطبع القروي في كل مكان.
كان الرجال في الصيدلية التالية، في نفس المستشفى، متعاونين جيداً، ولكنهم تصرفوا بغرابة نوعاً ما. بينما وقفن النساء الصيدلانيات بالخلف ينظرن ويتهامسن ضاحكات.





رفضت الخادمة الخروج حتى أعطيتها مالاً. حدث هذا لأول مرة. مشكلة.






يوجد شخص جديد هنا، مطوع، ذكرني مباشرة بشخص عزيز أعرفه. يصلي بنا الأوقات، وله ترتيل حسن جداً ما شاء الله، شديد الهدوء. شعرت بارتياح تجاهه، لكن لم يتسنى لي محادثته لبضعة أيام. لأني لا أنزل وأجلس مع الناس، فقد اكتشفت اني لا استمتع بمجالسة هذا العدد الكبير، الذي يسيطر فيه على المجلس رجال مسنون محددون، بمواضيع محددة. وجدته اليوم مع مطوع ودود آخر، وشخص آخر، يجلسون في العصر. دعاني المطوع الأول الذي يعرفني، وكنت قادم بلا دعوة أصلاً، حسب العرف هنا. قبل أن أجلس وقف الرجل وسلم علي وتعارفنا، كان مهذباً جداً. جلس وسأل عن حال من معي، ومن هذه الأمور. جاء رجل آخر، طيب ولكنه كما يقال: عيّار، أي شديد السخرية وكثيرها. لست أحب هؤلاء الناس بالعادة، لكني أجده طيباً جداً لا يكره، كما ان ابنه الصغير مؤيد يشفع له كذلك. سمعت لنقاشات بدأت ثقافية، ولكنها ظلت تنحرف وتنحرف إلى منحدر. تكلموا عن المتنبي، واتفق الرجل العيار مع الملتزم الذي يعرفني على وجهة نظر، صمت الرجل محل اهتمامي مبتسماً، ولم يخالفهم، لما طلبوا منه أن يبدي وجهة نظره قال بأنهم اثنين متفقين فلا شك إذا بصحة كلامهم، ثم قال عبارة أعجبتني جداً، إذ كثيراً ما قلتها: أنا لا أحب الجدل. جاء آخرون بعد ذلك، انتظرت قليلاً ومضيت. قبل قليل، في المساء، كان الكثيرون مجتمعين، وكنت عائد بعدما ناقشت الطبيب بأمر ما. رأيته، فذهبت للجلوس قريب منه. كان بيني وبينه المطوع الذي يعرفني، وهو شخص ودود، وصديق له على ما يبدو. جاء مؤيد إلي، كالعادة حينما يراني، وجلس أمامي، يطلب مشغل الموسيقى، أخبرته بأني سأعطيه إياه لاحقاً بعيد عن الرجال، وأعطيته جوالي الصغير الذي يحبه. انتقل المطوع الذي يعرفني إلى جانب ابنه الصغير في الجهة المقابلة، وبعد دقيقة انتقلت مكانه إلى جانب المطوع الجديد. بادرني بالسؤال، إذا ما كنت أنا طالباً؟ ضحكت بخيبة ظن، وقد بدأت أمل هذا السؤال هنا جداً. أخبرته بأني متخرج منذ زمن بعيد. تحادثنا حول شتى الأمور، وكانت مجالسته ممتعة. تكلمنا عن الحال هنا، حال اهله وأهلي مع العلاج، والأيام الباقية، وأين نعمل، والأهم تكلمنا عن التعليم.
سألني المطوع الجديد، إذا ما كنت متزوجاً؟ قلت: لا. قلتها بأسى فاجئني.
لا أتصور بأنه ستتاح لي الفرصة دائما لمحادثته، وفي حين أنه يوجد الكثير من الودودين، إلا أني لا أجد متعتي بمحادثتهم.

لست أنزل للجلوس معهم، خصوصاً مؤخراً، لأكثر من سبب. أنا منشغل كثيراً معظم الأيام، هذا أولاً. وثانياً، لا أجد متعتي بالجلوس معهم، يوجد العديد من الفوارق والاختلافات. وثالثاً، عشائهم بغيض الله يديم النعمة. لن يتغير شيء، لكني أرجو أن أجد هذا الشخص في فرص مماثلة لما جرى اليوم.




أرى الذين شارفت مدة علاجهم على الانقضاء، وأتساءل، متى يحين دورنا؟.




توقفت عن شرب الكوكاكولا هنا، فرغم أنه أطيب مما لدينا بالعلب والقوارير، إلا أني اكتشفت انه يؤلم بطني عند شربه. لا بأس، ليس أفضل من كولا برقركنق لدينا. كما أن الفانتا هنا تفي بالغرض، فهي رهيبة هنا، ليست كما لدينا.




رأيت قبل قليل فيلم وثائقي، the cove، وهو يحكي عن ذبح الدلافين الجائر وغير الإنساني في اليابان، التي غالباً ما تكون بعيدة عن الشبهات على نحو غير مفهوم. بطبيعة الحال، لست مؤيد للغرب، لكن لا يجعلني هذا في صف اليابان في العبث البيئي المنظم، الذي أسمع عنه منذ وقت طويل.
وجهة نظر الفيلم تنطلق من طبيعة الدلافين الواعية للذات. ولكنها ليست الحيوانات الوحيدة الواعية لذاتها كما قد يوحي الفيلم، فالقرد يعي ذاته، والفيل. القردة تؤكل في الصين، وأعتقد أن الفيلة تؤكل في أفريقيا، وهذه الحيوانات تستخدم في السيرك رغم وعيها الذاتي وشدة ذكاؤها.
أنا فقط ضد ذبح الحيوانات القاسي، وبأعداد أكبر من الاحتياج. اما خيار أكل الحيوان، فهو عائد للفرد نفسه، وثقافته. فلا يهمني أكل الكوريين للكلاب، أو الفرنسيين للخيول، كما لا أتوقع أن يهم الناس العاديين أكلنا للجمل.
أنا لا أحب تدخل الغرب في كل شيء، ومحاولته تعليم الآخرين كل شيء والتحكم بهم، حتى قبل أن ينظر إلى المآسي التي يقوم بها ضد بني البشر. لكني بالمقابل لا أتعاطف مع الخطأ، لأن من يقول هذا خطأ هو مجرم بالأساس. فالخطأ خطأ.
وربما لدي أساساً ميل للنظر لليابانيين على أنهم بشر عاديون، ربما أقل تحضراً في الجوهر مما نتخيل بكثير.
لديهم أمور جيدة، وأمور سيئة. لكن بعض صفاتهم السيئة، أُخذت على أنها جيدة في خضم الانبهار. فهم منغلقون أكثر من اللازم، لأنهم يعتقدون أنهم أفضل. وهم لديهم مشكلة مع الأجانب حسبما قرأت من تنبيه لهم من الأمم المتحدة. كما أن العالم يفرط بالتعاطف معهم بسبب القنابل التي أوقعتها عليهم أمريكا، متناسياً أنهم قتلوا آلاف من الصينيين والمنشوريين، وأخذوا نسائهم لمتعة جنودهم، وأجروا عليهم تجارب علمية مروعة، كالحقن بأمراض مميتة.
لست أكره اليابان، ولا أهتم لأمرها، ويعجبني التعليم لديهم، وتقدير الابداع، وتعجبني بعض منتجاتهم الثقافية كثيراً. لكني أكره المبالغة، والتعامي.
يريد الفيلم أن يضع الدلافين في مرتبة الإنسان من حيث الذكاء والعاطفة والوعي. يريد أن يشعرك بأن أطفال الدلافين هي كأطفال البشر. وهي فكرة موحشة، لكن لا أعتقد أن الدلفين بالنهاية اكثر من حيوان، يمكن أكله، كالبقر والغنم والحيتان والقرش والنعام. سأشعر بالأسى على أي عبث يهدد البيئة، وعلى الإسراف بالأمانة، وعلى المعاملة السيئة للحيوان. جميعنا نعلم بأن الإسلام يحث على إخفاء سكين الذبح عن الحيوان قبل الذبح، رفقاً بشعوره.




في أول الأيام، قبل أن نسكن في المركز الطبي نفسه، كنت أرى السعوديين، أسلم عليهم، ولكني كنت مشغولاً عن التعارف معظم الوقت. حينما صار لدي وقت، سألني أحدهم، وهو من القصيم، من أين أنا؟ حينما أخبرته استغرب. قال بأنه حسبني من جده. ضحكت، سألته لماذا حسبني من هناك؟. قال لأن الحجازيين "ما يعطون أحد وجه"، وأنه رآني وقد كنت مشغولاً ولم أتداخل مع الناس. أضحكني رأيه، لكن أعتقد أنه حسبني من جدة بالحقيقة لسبب مختلف. ربما ساهم انشغالي، لكن، أعتقد بأن هيئتي كان لها دور.



حقيقة مضحكة؛ لغتي الانقليزية هبط مستواها على نحو عجيب ومضحك، منذ أن جئت إلى هنا. لا أعرف نفسي حينما أتكلمها.
ليست موهبتي الأولى بالتأكيد.
مع ذلك...
يخطر في بالي أن هناك لغة قد أجيدها أكثر...






كان الحلم يتعلق بشخص قديم، كأنما مرت بي السنوات، ونسـيَـتْـه. كنا في مكان مألوف يسير فيه الناس. قال لي بأن كل شيء سيكون على ما يرام، لو اخترت الرأي الذي يقترح. كانت فرصة لأعكس ندمي. وافقت بهدوء وتعب. بدا أن كل شيء سيكون على ما يرام. احتضنته ممنوناً، واحاطني بذراعه بلطف. ثم افترقنا على افتراض اللقاء.

هذا من سخافات أحلامي.







فكرت بوضع قصة على شكل أجزاء في المدونة. قصة قديمة كتبتها وعرضتها في مدونتي القديمة. ربما أفعلها.




رغم أن وزني نقص هنا في الهند، إلا أني اكتشفت بأن بنيتي تغيرت أكثر مما تصورت على مر الوقت. أسمع الكثير من التعليقات، التي تشعرني بأني أخضع لرقابة خاصة من غالبية من أعرفهم بالعمل. غالباً ما يقال بأن وزني ارتفع، هل بدأت برفع الأثقال؟. بعضهم يقول: هكذا شكلك أفضل بكثير، ابقى على هذه الحالة. افترض أنهم يرون أن هذا هو شكل الصحة الطيبة. وبعضهم يقول: يجب أن لا يرتفع وزنك أكثر، أنت على الحد، يجب أن تخفض وزنك. أود أن أسأل الجميع: ما المهم بوزني؟!. لكني لم أعلم بأني تغيرت حقاً. كنت نحيفاً بحيث أن بنطال برمودا لدي حينما اشتريته قبل سنوات، في أيام الجامعة، وهو مرفق فيه حزامي تشميع على الجانبين، كنت اواجه صعوبة بوزنها حتى يبقى البنطال ولا يسقط، وربما استعنت بحزام أحياناً. حينما لبسته اليوم، لم أملأه فقط، إنما لم أربط الأحزمه واكتفيت بالزرارين الأماميين.
يتوقع الناس دائماً ممن يزداد وزنه أن يزداد في بطنه، أن يظهر كرشه. لم يتوقع أحد زملائي أن وزني هو ما أخبرته به في ذلك الحين، وقد كان أكبر من الآن بكثير، ونظر إلى بطني غير مصدق. اخبرته بأن لتمرين البطن أهمية، حتى حينما يتصور المرء بأنه نحيف.
على أي حال، أتصور بأني أريد أن أكون رياضياً، أعتقد بأني سأنضم إلى نادي صحي حينما أعود إن شاء الله.



الانترنت مقطوعة عن هنا منذ يومين الآن. وإلا لكنت قد نشرت التدوينة مسبقاً، ولما امكنني إضافة هذه الأحداث التافهة الجديدة.




إني أزور من وقت إلى آخر مكتب سفر قرب المركز، لأسباب عدة. مرة لتقديم موعد المغادرة، ومرات للاستفسار بشأن تصديق الأوراق، ولتسليمها للتصديق، والذهاب مع آخرين.
هناك، يوجد مدير المكتب، رجل كبير بالسن، وودود. عاملني جيداً، وابدى اهتمامه بي. قال بأنه أحبني منذ أن رآني لمحبته لصديق سعودي كما فهمت. واخبرني بأنه يود دعوتي إلى منزله عدة مرات. في مرة، أخبرني عن معضلة تواجه أبناء اخ زوجته، الذي توفي رحمه الله في السعودية في حادث مرور، ولم تدفع ديته منذ 7 سنوات، بينما يعيش أبناءه أوضاع صعبة. السفارة الهندية لا تقوم بالكثير، وهو يريد مساعدة من يستطيع لتحصيل مال الايتام والأرملة. أخبرته بأني سأرى ما يمكنني القيام به، وطلب مني تنسيق جهودي مع شخص آخر يحاول في الرياض مساعدته. سأحاول لوجه الله، وأتمنى أن أتمكن من تحريك الأمر. أظهر اهتمامه منذ البداية، ولم أعلم بأنه مدير المكان. كان يسألني ماذا أفعل بحياتي؟ وماذا أفعل هنا؟ كان يحسبني طالب جامعي.
اليوم ذهبت للسؤال عن الأوراق، وقيل لي أنها ستأتي قريباً إن شاء الله. أخبرني بأنه سيأتي هو وابنه اليوم لأخذي من المركز في الساعة السابعة، لأشرب الشاي معهم في المنزل. بصراحة، كانت أمي قلقة، ولكنها أخفت قلقها على غير المعتاد، حتى آخر لحظة على الأقل. جريت إلى بوابة المركز، أسفل المنحدر، وانتظرت هناك. جائت سيارة صغيرة، وركبت معهم. لم يكن منزلهم بعيداً. تكلمنا حول شتى الأمور بالسيارة. لديه وجهة نظر سيئة عن الأمان في السعودية، ولست ألومه بالواقع. يوجد أمان في بعض الأماكن، ولبعض الناس، منهم أنا على ما أعتقد، لكن يجب أن تكون كل الأماكن آمنة، وكل الناس آمنين، حتى لو كانوا غير سعوديين، أو غير مقتدرين مادياً. يشكوا الآسيويين دائماً من إهمال رجال الأمن لهم لدينا. لكني أعتقد أن الأمور ستتحسن إن شاء الله.
وصلنا المنزل، ودخلنا من بوابة صغيرة وجميلة. حينما أردنا الدخول نزعوا أحذيتهم، وحينما هممت بنزع حذائي حاولوا ثنيي، لكني أخبرتهم بأن هذا طبعنا في السعودية. هذا طبعنا فعلاً، منذ سنوات قليلة جداً، قبل أن يفسد الناس السيراميك السخيف. دخلنا، ابتسمت لي زوجة الرجل الكبيرة مرحبة، قبل أن تمضي إلى الداخل. كان نظام المكان مثلنا، مجلس، وباب يفصل عن الداخل. علق الرجل بأن نظام هذا المنزل بالتأكيد مختلف عما في السعودية، فأخبرته بأنه مماثل، فلدينا مكان لجلوس الرجال، ومكان لطعام الضيوف(مقلط) وهو يهز رأسه مبتسماً ومذهول، ويشير إلى غرفة أخرى لتناول الطعام، وقلت وباب يفصل النساء، مثل هذا المنزل. أحضروا حلويات هندية تقليدية، لم أتذوقها من قبل، وإن كنت أراها حتى في السعودية، وتفاجئت بأنها لذيذة حقاً. وفاكهة عجيبة، كانوا فخورين بها. كانت عبارة عن أقماع رخوة جداً وكأنها مطبوخة، تشبه الفلفل البارد بلون أصفر مشلوق من أسفله، ولكنها غير متماسكة مثله أبداً. ولها طعم عجيب حقاً، يجمع بين طعم المنقا والخوخ. أخبروني بأنهم سيجهزون بعضه لآخذه إلى أمي. أحضروا شاياً، وكنت قد ذكرت شاي الكدك وأنا أتمنى أنه هو، لكني لا أدري. تكلمنا عن شتى الأمور، ودخلن فتاتين صغيرتين، إحداهن بعد الأخرى، بين 5 و6 سنوات، وسلمت عليهن وقبلتهن. سألتهم إن كانوا يقبلون الاطفال هنا؟ قالوا بأنهم يفعلون. جاء ابن الرجل المتوفى، وقد كان شاب في التاسعة عشر من عمره، حسن الخلقة، هزيل الجسم ممتلئ الوجه، شفاف العينين. كانت لغته الانقليزية رائعة جداً، أفضل ما رأيت هنا ربما. كلموني عن عائلتهم، وعن الهند وتاريخها، وأمور شتى.
حينما انتهينا من الشاي، دلوني على حوض وصنبور بالداخل، ودخلت وغسلت فمي. كان الأطفال يخرجون من الغرف ليتفرجوا علي. قلت لجدهم بأنهم من الواضح غير معتادين على الأجانب، فضحك. بالواقع، كنت فرجة حتى لأمهم، التي ما فتئت تنظر إلي وهي تبتسم، كانت تجد وجودي في منزلهم أمر طريف. بينما نظرت امرأة أخرى إلي بفضول.
حينما خرجنا لنغادر، أراني والدهم الأشجار التي يأخذون منها الفاكهة في حديقتهم. حينما رأيتها صحت بأني رأيتها من قبل، في الجهة المقابلة من المنطقة، وأنا اتمشى خلف الحدائق الخاصة بالأعشاب الطبية. وقلت بأني حينما كنت أنظر إليها كنت أشعر بأن رائحتها قبيحة ولابد، ولكن رائحتها جميلة، وأني ربما ربطت بينها وبين فاكهة في ماليزيا. قال والدهم بأنها من نفس الفصيلة، لكن النوع في ماليزيا قبيح الرائحة فعلاً فقد جربه. قالوا لي أن اسم هذه الفاكهة هو الجاك فروت.

سألتهم عن حيوان عجيب رأيته قبل يوم في المركز، وهو يفر حينما رآني إلى خلف الغرف، حيث يوجد جدار خلفه حقول وغابات. وصفته بأنه يشبه الجرذ، لكنه ضخم جداً بحجم القط. حينما رأيته ذعرت، فقد بدا جرذاً أكبر من القطط وأضخم، ممتلئ بشدة على نحو مخيف، عرضه كبير على نحو غير متوقع في ظل هزال القطط هنا، له ذيل طويل جداً ووردي، وأملس لا شعر عليه، كالجرذ تماماً. بعد نقاش وتوضيح ضحكوا، وقالوا بأن هذا نوع من الجرذ فعلاً، جرذ الحقول، وأن حجمه بالفعل أضخم بكثير من الجرذ العادي. قالوا بأنه غير خطير، فهو لا يهاجم البشر. أشك بهذا، فالجرذ العادي خطير جداً. قالوا بأنه يحفر الحفر ليدخل المخازن. كنت قد سمعت عن نوع من الجراذي شديد الضخامة، وأجد الأمر صعب على التصديق، قرأت أنه في في الصين يوجد جراذ بطول متر أو شيء من هذا القبيل. لكن حتى في أجمح مخاوفي لم أتخيل أني سأرى جرذ أكبر من القط.
سألوني إن لم يكن لدينا جراذي في السعودية؟ قلت يوجد، لكن ليس بهذا الحجم. الجرذ خطير وحقود. في الأردن، قتل رجل أبناء جرذ يعشش في بيته، فاستفاق بالليل على صياح ابنه الرضيع، كان الجرذ قد أكل أصابع قدمه. قرأت هذا منذ زمن بعيد بالجريدة. هو من الفواسق، وهذه الأشياء خطيرة.
خرجنا، ووجدت أن العائلة كلها خرجت معنا، ووقفن النساء والأطفال بالشرفة ووالدهم يفرجني على الأشجار العالية والأخرى الضخمة في حديقته. قبل ركوب السيارة ودعت الجميع، وأشرت للأم مودعاً التي كانت تتبسم لي وتؤشر مودعة.
استمتعت اكثر مما توقعت. لا أدري سبب الدعوة بالضبط، لكن حتى لو كان لزيادة رغبتي بمساعدة الأيتام، فإني أنوي هذا بشدة منذ البداية إن شاء الله. لكن، كنت قد قلت هذا مسبقاً وأوضحت التزامي بالمحاولة منذ البداية.





حينما عدت من الدعوة، تعشينا مباشرة، بعدما تذوقت امي واختي الفاكهة العجيبة. ثم خرجت ونظرت إلى الرجل من فوق، حيث أن غرفتنا تطل على مكان جلوسهم في الأسفل، ورأيت المطوع الجديد. ذهبت وجلست إلى جانبه. كانوا قد تعشوا. ويبدو أن العشاء كان على حسابه في هذا اليوم. كان أحدهم يتكلم حينما التفت إلي المطوع وسألني بهدوء لماذا لم أتعشى معهم اليوم؟ فصمت الجميع. كان أمر محرج، قلت بصوت منخفض بأني لا أنزل بالعادة. لم يفهم، فكررت بأني لا أتعشى معهم بالعادة، لم يفهم كذلك. كان الجميع صامت ينظر في اتجاهنا، فاقتربت منه، وانزل رأسه إذ كان يجلس على كرسي وانا على الأرض، وهمست بصوت خفيض جداً: "ما أحب عشاهم" فهم أخيراً وضحك. لم يسمع أحد آخر، فأكملوا حديثهم. رجعت إلى الغرفة فجأة لأني رأيت الدكتور يحوم ليطمئن على المرضى قبل النوم. كنا نود مناقشته بأمر. لما فرغت عدت وجلست إلى جانبه، فوقف ودعاني إلى لحاقه، غير مكانه من المجلس قرب المروحة، لأنه شعر بالحر. لكنه سرعان ما ذهب، لأن الدكتور دعاه.
كنا قد تحدثنا اليوم بالنهار، وقد فهمت على نحو أفضل سبب أزمة الرهن في أمريكا. ورؤيته لحكاية الرهن الجديدة لدينا مستقبلاً.




أتساءل، هل اخطر على بال أحد في الجامعة؟. لو كان يمكن قياس المرء كفكرة في ذهن الناس، كل الناس، لأمكنني حذف نصف الوزن لأن أمي معي، لن تفكر بي كثيراً كما لو كنت بعيداً.

أتذكر بعض التفاهات في الجامعة. أشخاص سخفاء ومحبوبين مع ذلك  يوجدون هناك. قصص تنتظر الإكمال، أو الحشو، أو الانتظار عن قرب. ذكريات غابرة لا تفقد حيويتها، ولكن تصبح أكثر فأكثر غير أكيدة. سمنت، لم تسمن، وكأننا في مجتمع نسائي. جو يقال بأنه جيد. الدرامي الذي لا اشتاق إليه. أحمد، أبو عمر، حامد، ومن أيضاً؟.



يتوقع منك الناس أحياناً أكثر مما تستطيع. إنه ليس شيء تعجز عنه لضعف مواردك أو قوتك، إنه ببساطة غير قابل للتطبيق. لكن، بشكل لا واعي، يعتمد الناس على مثابرتك، ويستنزفونك، بلا شعور بما يفعلون، ولا شعور بالرضا، فهم لا يرضون لأنهم يريدون تحقيق المزيد من خلالك، يريدون خطوة أخرى إلى الأمام في شئونهم، بعد الخطوة التي كانوا يريدونها وتحققت.

إن الخيل الأصيل لا يتوقف عن الجري مهما تعب، لكنه يموت فجأة. وإن لم يمت، فقد يتلف ببساطة، ويُقتل لتوفير مؤنته.
(لماذا لم يفعل؟ لماذا لم يقل؟ لماذا لم يبذل؟) لا أحد يتسائل عن صالح المرء نفسه، أو عن مستطاعه، في بعض الحياوات.




حصل اصطدام بيني وبين موظف بارد في المركز. كانت البداية سخيفة. انتهى غاز الطبخ لدينا والعشاء لم ينضج، فنزلت في طلب اسطوانة أخرى. طال الأمر حتى تدبروا لي اسطوانة، لكنهم ركبوا رأس غير صالح للاستعمال. وخرجوا للعشاء. اتصلت بالرجل، وأخبرني بأنه سيحضر الآن. وكلما اتصلت، قال بأنه قريب وخمس دقائق. حتى مضت ساعة تقريباً. كدت أن انفجر. تركت الأسطوانة على كرسي مكتبه. وأرسلت إليه ليحضر المال الذي دفعته لأجلها إلى الغرفة. أحضره، ولم يكن مهذباً تماماً. صفقت الباب لما ابتعد. اتصل لاحقاً يريد مني النزول لأن الغاز يعمل جيداً، رفضت النزول وأنا أعلم بأنه لا يدري ما المشكلة بالضبط. لاحقاً نزلت، حتى يفهم ما المشكلة تماماً ولا يحسب بأني أكذب، حيث أن المشكلة كانت بعدم القدرة بالتحكم بالنار. أريته المشكلة ولم يقل شيئاً. في اليوم التالي وصلت اسطوانة. كان من الواضح أنه اصطنع حكاية، فقد رأيت الكراهية في عين موظف آخر كان ودوداً. لم أهتم، عرفت بأن الناس هنا هكذا، غير واقعيين، ميالين لانتقادنا ولكن ليس أنفسهم. تصرفت وكأن شيئاً لم يكن، ولم أحكي لهم عن سوء تدبيره وكذبه علي. مع ذلك، ظل ينظر إلي بغضب. من يهتم؟ إن حكيهم ومواقفهم كثيرة، ادركت هذا هنا. صرت أتفاداه بقدر الإمكان. اليوم، مر من أمام غرفتنا، رأيته قادم، وأنا أمسك بالحاجز أطالع وأتفكر. لم أتوقع أنه سيقول شيئاً، ولم اهتم بمروره. لكنه مسني من كتفي برفق، وسأل عن حالي وهو يمضي. شيء لا يقوم به بالعادة، حتى قبل الإشكال.
لست أدري كم من شخص حمله إلى سوء فهمي قبل أن يخف توتره. لكن من الجيد أنه خف بالنهاية.
 جاء قبل قليل، وحادثني. يبدو أنه لم يعد غاضباً. وطلب مني ارسال عنوان بريدي اليه.


في بداية أيامنا في المركز، كنت أنتظر الدكتور يفرغ لأناقشه في أمر في مكتبه. كان هناك آخرين بالانتظار. جلس شاب هندي غامق السمرة، حسن الهندام، في الصف الثاني. كان ينظر إلي ويتبسم . راقبني قليلاً، وجاء لاحقاً وسلم علي، ولا أدري كيف خمن أني أتكلم الانقليزية. تكلمنا وعرفت بأنه مندوب شركة طبية. وعرفت بأن زوج اخته يعمل لدينا بالجامعة. فوجئ حينما علم أني أعمل هناك. كانت متحمس للتعارف. بدا شاب بريء وطيب. وهو ليس من القرية أو المدينة الصغيرة التي نقيم فيها، لكنه يقيم مؤقتاً لغرض العمل. كان يريد أن نلتقي لاحقاً. صادف أن رأيته أمس مرة أخرى. كانت مفاجئة جميلة. تحادثنا كثيراً، وكان يعبر عن رغبة شديدة بالخروج للتنزه معاً، أو حتى لترتيب نزهة لي ولعائلتي. كان جاداً. نصحني بمطاعم، أخبرته أن المشكلة هنا بالفلفل. قال يوجد المطاعم التي تقدم الأسلوب العربي. جربنا الأمر، وكدنا أن نموت رغم تخفيف الفلفل.
كان رجل ودود. اتمنى له الخير.


أقف أحياناً على الحاجز أمام غرفتنا هنا، أطل على الناس الجلوس في الأسفل، وأسهم في علو نخيل جوز الهند. أفكر بالشعور المألوف الذي يخامرني، حتى لم يعد له طعم، لم يعد مراً. اتساءل، هل أغفلت أحد؟ هل يوجد أحد يجب أن أتصل به ولم أتصل؟.. صديق؟ عزيز؟ أي أحد قد يسأل عني بالمقام الأول؟ أي أحد أتصل فيه ليس عن شعور بالواجب والمجاملة.
لكن بشكل ما، أشعر بالطمأنينة لهذه المشاعر، أشعر بأني محمي من الخذلان. وأشعر بأني مستقل وحر من المحاسبة التي عودتني عليها صداقة قديمة. حر من التحطيم، حر من سوء الفهم وسوء الظن، حر من استنزاف من لا حق له.
الوحدة كالتدين كما أحسب، صعبة في البداية فقط.
لكنها دوماً كالقبض على الجمر.



سعد الحوشان


الجمعة، 23 أبريل 2010

بهارات (من بعيد)

بسم الله الرحمن الرحيم





أحدثكم الآن من الهند. حيث ذهبت لمرافقة أمي وابنة أختي مع أختي للعلاج بطب الايورفيدا القديم. نحن تحديداً في ولاية كيرلا. الأمور هنا لا بأس بها، والحمد لله على كل حال. ربما بدأت تستقر أحوالنا.




بدأت الأمور بشكل مقبول. فقد يسر الله سفرنا إلى حد بعيد. في المطار بالرياض، كانت الصفوف طويلة، جداً. كانوا جلهم هنود، حيث كنا سنسافر إلى الهند، وعبر الخطوط الهندية. ذهبت لسؤال شاب سعودي من موظفي الجوازات، وقال لي أن أذهب إلى فلان في الجهة المقابلة، وأخبره بأني قادم من طرفه. ذهبت، كان هناك اثنين، اعمارهم في الاربعينات، وأخبرتهم بما قال. وقف أحدهم، وهو ملتحي، من الرويجح أو الراجح، لست متأكداً، وسألني عن تفاصيل سفري، وطلب مني ترك أهلي ليستريحوا على الكراسي، وأحضر الحقائب التي يدفعها رجل إليه. حينما حضرت الحقائب، أخذ مني التذاكر، وتركنا صاحب الحقائب يستلمها من التفتيش عبر المكينة. هناك، سبقنا الصف، وشعرت بميزة أني سعودي في بلدي، أخيراً، وبكل صراحة. هناك، أعطى صاحب الخطوط، وهو هندي، تذاكري، وكلمه باسمه أن يضعنا معاً لأننا عائلة. جاء دور الحقائب، وشرح لي كيف اطابق الأرقام، علمت بأن جهلي وعدم خبرتي تبدو على وجهي، وتستجدي الشفقة. لم أمانع أبداً، فهذا هو الواقع، وحينما يكون معك عائلة، شخصين منها مرضى، وجلها أناث، فإنك تريد أي مساعدة وتبسيط. أنهى أموري سريعاً جداً، وكانت هذه مفاجئة سارة. حين أردت أن أدفع لصاحب العربة، لم أجد فكة تكفي، وكانت غالب أموالي ربيات. فقام الرجل الملتحي بسحب ريالين من صاحب العربة، حيث أعطيته سبعة، وأضافة خمسة إلى الخمسة التي أعطيته. حاولت أن أثنيه، ولكنه رفض، يا له من موقف. شكرته، وطلب الدعاء، فجزاه الله خيراً. أتمنى أن يقيض لي الله التعرف إليه حينما أعود، وأخدمه. وجدنا مكاننا في الطائرة خلف الحاجز بين الدرجة السياحية والأولى. هذا يعني مساحة كبيرة لتمديد أرجلنا، وهذا أمر ضروري جداً لأمي. أخشى أني في العودة لن أتمكن من توفير نفس الظروف. طائرتهم ضيقة، ومقاعدها غير مريحة. كنا سنتوجه إلى مسقط، ومن هناك إلى كاليكوت. لم أرى مسقط، ولم أرى كاليكوت فعلياً، لكني أثق بأن مسقط أفضل للعيش. كان صديقي سيد، وهو محاضر هندي، قد أخبرني أن الخطوط الهندية سيئة في ليلة السفر، لكن لم يكن هناك مناص عنها، فهي الوحيدة الشاغرة في أقرب فرصة. قال لي أن المضيفات كريهات فيها، وأنهم عموماً لا يوظفون إلا نساء فوق الأربعين لهذه الوظيفة. عموماً، أشعرتني ملاحظة عمر المضيفات بالارتياح، فهذا ربما سيجعلهن أكثر رزانة واحتشام بالتحرك. لاحظت مباشرة أن المضيفات غير احترافيات تماماً بالبداية. وأنهن قد يحتجن إلى بعض الإصرار للاستماع. كن هندوسيات كبيرات بالعمر بالفعل. شعرت بالضيق بالبداية لخوفي من عدم تقديرهن لظروفنا الخاصة. لكن يا لها من مفاجئة، حينما أطلعتهن على ظروفنا تفهمن، وساعدننا كثيراً. كن ودودات، ومتفهمات، لكن على نحو عفوي، وليس على النحو المصطنع عموماً لدى أهل المهن المثيلة. أراحت إحداهن مرتبة ابنة أختي إلى الخلف دون طلب، حينما رأتها نائمة، وزادتها وسادة بحنان. لم نكن السعوديين الوحيدين على الطائرة، كان خلفنا تماماً بضعة رجال كبار، يكبحون جماح الكلام الرديء بوضوح، لكنهم أزعجونا كثيراً بسلوكهم المراهق.


للأسف، تم اسبدال طاقم المضيفات في مسقط، وجائت حيزبون تدعى كمال، وظهرت البطون من تحت الساري وقد كانت مستورة(ويا ليتها ما ظهرت، كان بطن كمال يتدلى فعلياً كقطرة كبيرة حينما تنحني)، ووزعت الخمور بعد ذلك، وابتدأت المعاناة مع تجاهل واستهتار المضيفات، وقسوتهن أحياناً. ومن غير شر يا روز(رئيسة المضيفات السابقة) وجعلك يا كمال جارة ابليس بالنار.


كانت دورات المياة مزحومة طوال الرحلة، وحينما كنا في مسقط توقف الماء لوقوف الطائرة. أخبرني أحد الواقفين بهذا، وهو رجل وسيم الوجه لكنه رث الهيئة ككل الهنود تقريباً، وكان يبدو مسلماً. شيعتني وأنا أعود إلى مكاني بضعة ضحكات، هندوسية على ما يبدو. يبدو أنهم لا خلاف لديهم حول وجود الماء من عدمه.


مرت الرحلة عموماً، بعدما اصطدمت وكمال بخصوص الطعام وحله وحرامه، وأخبرتها بأني لا أثق بها بعدما أثبتت وقاحتها، وبعدما لم أنسها من تكشيرة خرجت من القلب حين الخروج، ولا أتذكر أن تكشيرة خرجت من قلبي من قبل.





في مطار كاليكوت، كنت أتوقع الأسوأ، ولكني وجدت مسار سهل للأجانب، فيه هنديتين لا يتحدثن الانجليزية، لكنهن مبتسمات. سهلن أمورنا جيداً، وكن يتوقع مالاً بعدما انتهى كل شيء. لم أفهم بسرعة. أعطيتها 50 ربية، لم تعجبها، كم تريدين؟ قالت بقدر ما تريد. ثم قالت:500 ربية. اعطيتها 150، ما يوازي 15 ًريال تقريباً، وأنا غير راض عن الفعل.

ساعدني بعض الطيبين على نحو فاجئني بإخراج حقائبي من السير المتحرك، وكان بعضهم يتحدث العربية جيداً. وتبسمت لي بشدة عجوز طاعنة مع زوجها الشيخ، وكانوا قد غادروا الرياض معنا.



في الخارج التقيت السائق، ومضينا. كان غاضب على ما يبدو لتأخر الرحلة، ولأني لم أخبره بتوقفها في عمان. ولماذا يهتم بتوقفها في عمان في حين أني أعطيته موعد وصولنا على التذكرة؟ حيث أخبرته من الرياض عن تأخر الرحلة لمدة ساعة.









الان أنا في كوتاكال، حيث نعالج لدى طبيب في مركز بسيط هنا. يوجد الكثير من أهل الخليج لنفس السبب، وهذا شيء مريح.








الطعام صعب هنا جداً، خصوصاً أننا لم ننتقل بعد إلى السكن بالمركز، ولا نستطيع تحضير طعامنا بأنفسنا. لا يفهمون الناس هنا وجود طعام بالعالم بلا فلفل. ولا يعرفون الخبز كما تعرفه، سوا أن التوست وخلافه يتواجد، لا يوجد معلبات، ولا جبن (أهم شيء بالنسبة لي) ولا ماء بارد حقاً، ولا زبدة فول سوداني، أو زبدة، أو زبادي، أو أي شيء. بقالاتهم فقيرة نسبياً، وأحياناً لا تحتوي على ثلاجة. كدنا أن نموت من  الفلفل حينما طلبت من مطعم، حرصتهم على عدم وضع فلفل.
ربما الوضع في كاليكوت أفضل، لكن ما الفائدة.









حاولت التواصل مع القنصلية في مومبي، وهي أقرب من السفارة في نيودلهي. لكنهم لا يجيبون، منذ الصباح وحتى الظهر. يحولني السنترال الهندي إلى شئون الرعايا، ولكنهم لا يجيبون، بينما يجيب شخص من شئون الرعايا في السفارة مباشرة، وهو متعاون جداً، حجازي على ما يبدو. يا إلهي، لماذا لم تكن السفارة أقرب إلينا من هؤلاء المهملين؟ لا بارك الله فيهم. أعطاني موظف السفارة اسمين، محمد مرعبة وعبدالمنعم المحمود، عبدالمنعم مجاز أو شيء من هذا القبيل، بينما الآخر لا يجيب، ولم يتم تحويلي إلى مكتب القنصل. هل هي توجيهات القنصل؟ حسبي الله ونعم الوكيل. سأنتظر قليلاً وأتصل، ثم إذا لم يحدث شيء سأحاول أن أحصل على مساعدة السفارة، رغم أنها لا تتعامل مع المراكز هنا كما قيل لي. غرضي هو الحصول على مساعدة فيما يخص مصادقة التقارير بأسرع وقت ممكن. كنت سأترك المهمة للمركز الذي نعالج لديه، ولكن أخبرني صديق أخي بالرياض بأنهم لا يصادقونها بالفعل، فهو منذ سنة لم يحصل على شيء منهم. لهذا قررت الاهتمام بالأمر بنفسي. أتمنى أن لا أضطر للسفار إلى مومبي وأترك أهلي هنا. لماذا الاستهانة بحاجات السعوديين هكذا من قبل القنصلية؟ أناس في بلد غريب ليس لديهم أحد، وهؤلاء يقبضون الرواتب والبدلات لمساعدتهم.
يا للإحباط.







كما أن أهل المركز غير منظمين، وسخفاء، ويتصرفون أحياناً وكأنها جمعية خيرية، وليس شيء مدفوع بالكامل.


حصل لي إشكال معهم، حينما قال أحدهم يتبجح بأنهم يحافظون على وعودهم، فأخبرته بأنه لم يحافظ على وعده فعلاً. فاختلق مشكلة. كان شيء سخيف، حتى الدكتور مدير المركز تدخل بالأمر. لاحقاً اعتذر الرجل وصافحني، لكني لم أجب بكلمه. وصار يتبسم حينما يراني او يسلم، لكني لا أتجاوب. لكن لأجل أمي، أعطيناه هدية، حتى لا يسيء للأمور فهو نمس.
لاحقاً استدعاني لتسجيل وجودنا لديهم، فحكومتهم تحب جمع الأوراق. وصار يتكلم ويتكلم ويلطف الأجواء. شعرت بالضيق لاضطراري لمسايرته في بعض اللحظات. كرهت المكان بأكمله، وشعرت بان اعتذاره لا يعنيني بشيء.











يوجد العديد من الخليجيين، وهذا شيء مريح ومطمئن في مثل هذه الأوضاع. أشعرني هذا بالاطمئنان حينما لم تسر الأمور على ما يرام في البداية. ولم يقصروا فعلاً بالنصائح القيمة والاهتمام. جزاهم الله خيراً. لكن أحزنني وضع بعضهم. السعوديين يجتمعون كل يوم بالمساء، الرجال، ليشربوا الشاي ويتعشوا، لكن الخليجيين عموماً لا يأتون. يوجد كويتيين جدد، تقريباً وصلوا معي، يأتون إلى الجلسة، ويوجد بحريني طيب يأتي، لكن الآخرين لا يأتون بشكل غريب.








نزلت أمس وجلست معهم قليلاً، وقد اخذت ابنة اختي معي، واجلستها في حجري. خسارة لم يأتي مؤيد ليراها، وهو طفل مريض شفاه الله، لكنه مهتم برؤية كل الفتيات!! كانوا لطفاء. تكلمنا حول عدة أمور، ثم أخذت البنت إلى أعلى وتعشينا. من الجيد أننا نطهو طعامنا الآن، حيث مكثنا بالفندق 5 أيام عسيرة. طرق الباب بعد قليل علينا أحد الصبية الذين كانوا بالجلسة، وسألني إن كان يمكن لأخته القدوم إلينا للعب مع ابنة اختي؟ جائت بعد قليل، وهي نكتة غير عادية. اسمها اميرة، من قرية بالمنطقة الشرقية، وهي تتكلم بلا سكوت. صارت تأتي كلما أرادت، حيث يعجبها الشاي بالحليب لدينا. تتكلم وتتكلم،وتعطي أفكار غريبة مضحكة؛ نصحت اختي بعدم استقدام الخادمات…"الكويتيات"!!. فهن كيادات، ويضربن الأطفال، ولا حول ولا قوة إلا بالله. وحكت لنا عن تجاربهم مع الخادمات الكويتيات، وبالكاد تماسكت عن الضحك حتى خرجت وابتعدت فانفجرت.
أما أخوها، وهو صبي ربما في الثالثة أو الثانية عشر، فهو مفتون بي بشكل غريب. لست أرغب بالعشاء مع الجماعة، يكفيني الجلوس قليلاً ثم الذهاب، فأنا أفضل العشاء مع أهلي. مع ذلك، يأتي كثيراً لدعوتي للعشاء، ويهددني بزعله مني. وكانت أكبر تهديداته حينما جاء دورهم بالتكفل بالعشاء. نزلت أمس قبل العشاء بكثير، وجلست معهم ومعي الطفلة. أخبره والده بأن يحضر الكاميرا لتسجيل الذكرى بما أنه دورهم اليوم، وتصوير الرجال، فقال الصبي بأن أول من سيصوره هو أنا. نظر إلي والده مبتسماً. لم يكن هناك مناص من التصوير. جلس معي على العشاء وحدثني عن الكثير من الأمور، وقطع اللحم للموجودين كلهم، أحدهم أكبر من والده. بعد العشاء، جاء الصبي ليأخذ رقم جوالي في السعودية، وأخذه، ثم جاء ليخبرني بأن أشغل شريحتي السعودية لأن والده سيتصل، شغلتها، ولكنه جاء لاحقاً وقال أنها مقفلة، وأن والده يقول بأن أشغلها في السعودية. طلبت رقم والده بالمقابل.









في الخارج، يصعب التواصل عموماً، فأكثر الناس لا يجيدون لغة أخرى. لكن صادقني أهل بقالة قريبة، وجدوني شيء غريب على ما يبدو. وقد اشترى لي والدهم شاي تقليدي كضيافة. وفي بقالة أخرى صار بامكاني الشراء بالدين حيث عرض علي صاحبها ذلك، لكني لم افعل، رغم تقديري لعرضه.












شغلت جهاز الموسيقى الذي احضرته معي، غنت وعد:يا أحلاهم. كم أحب هذه الأغنية بصوتها وإحساسها. تقول الاغنية:


يا أحلاهم.
تلفت صوبي وطالع فيا يا محبوبي يا أحلاهم.
والا عامل حالك يعني مو شايفني يا أحلاهم.
أدري انك تدري اني ميت فيك.
وأدري انك تدري اني ذايب فيك.
خف شويا وطالع فيا.
ياللي تدري اني اعانيك.
تلفت صوبي وطالع فيها يا محبوبي.








لا تمثل يا حياتي ان بالك مو معاي.
ويا اصحابك تسولف..
يعني مو سامع نداي؟.
أدري انك تدري اني ميت فيك.
وأدري انك تدري اني ذايب فيك.
خف شويا وطالع فيا.
ياللي تدري اني اعانيك.
تلفت صوبي وطالع فيها يا محبوبي.






التفت لي يا حياتي.
حن لي يا قسوتك.
نظرتك ياهي وحشتني.
وابتسامة نظرتك.
أدري انك تدري اني ميت فيك.
وأدري انك تدري اني ذايب فيك.


خف شويا وطالع فيا.
ياللي تدري اني اعانيك.
تلفت صوبي وطالع فيها يا محبوبي.

انتهت




احب هذه الغنية لتعلقها بالنظرات كثيراً. غموض النظرات وما تعبر عنه، وما تفضحه، أيا كان، كثيراً ما اثار اهتمامي، وغير الكثير في حياتي.
نظرات متفحصة، فضولية، غير مرتاحة، حاقدة رغم الابتسامة، ومحبة رغم الجفاء.















الآن اكملت اسبوعاً في الهند، وقد تدبرت إرسال الأوراق المطلوبة للتصديق عبر مكتب، حسب توجيهات القنصلية.

أسأل الله أن يسارع بالأيام على خير، ويعيدني إلى الوطن. لماذا لم يكن العلاج في القصيم أو الدمام أو جده او أبها؟ أي مكان بالوطن، حتى سدير قد تكون أفضل على ما أعتقد.









تكونت في ذراعي بقعة حمراء خفيفة، لكنها تسبب حكة شديدة، واعتقد انها قاسية بعض الشيء. استخدمت مرهم اعطي لنفس السبب لابنة اختي، وقد اخفى الحكة مباشرة، وإن لم يختفي اللون. رائحة المرهم تشبه رائحة الودكه (شحم مذاب). يع.




أكثر الأشياء متعة هنا هو التكتك، وهي وسيلة تنقل بسيطة. مثل سيارة صغيرة بثلاث عجلات، أو دباب بثلاث عجلات مغطى بهيكل، بمقعد بالخلف يتسع لثلاثة. القيادة هنا متهورة عموماً، ويعجب المرء كيف لا يصطدمون. كون التكتك مكشوف من الجانب يجعل المخاطرة أكبر، فلا يوجد باب من جهة الركوب، إنما يوجد حاجز في الجهة الأخرى حيث نُجلس أمي. هل تعرفون الشعور الممتع بالخطر غير الحقيقي في بعض ألعاب الملاهي؟ هنا الشعور مثيل، سوا أن الخطر حقيقي. التنقل بالتكتك رخيص جداً، رغم اننا لا نحصل على اسعار الهنود. مشوار طويل نسبياً سيكلف ريال ونصف.




انشغلت كثيراً منذ أن اتيت، ولم أثن رجل كما نقول 90% من الوقت. لكن الأمور الآن أكثر استقراراً، والحمد لله.




شربت أمس كوكاكولا، مصنوع بالامارات، لأول مرة منذ جئت. لم يكن جيداً، ورغم سوئه في السعودية إلا أن كولا الامارات أسوأ. لا شيء مثل كولا برقر كنق. كنت قد ودعت العاملين في الفرع الذي ازوره كل يوم في ليلة السفر. وقد اهتموا كثيراً. منطقي، أزورهم كل يوم، واتكلم معهم، صرت فرد منهم، صاروا اصدقاء.



السفن اب هنا مضاف اليه نكهة القرفة. لكني لم أجد به طعم مختلف حينما تذوقته. ربما تذوقته على عجل.






لا شيء يسير دون تيسير الله. لكن هنا، أرجو أن يضاعف الله تيسيره كثيراً.







في النهاية، أرجو أن نجد النتيجة المرجوة بعون الله. في ذلك الحين، لن يهم أي من الضيق الذي مررنا به، سيكون لكل شيء مبرر.








دعواتكم، لكن الصادقة فقط.












سعد الحوشان.