الخميس، 27 أغسطس 2009

هل أنا إلا أمر طارئ.(أحداث،أفكار،ماء)

بسم الله الرحمن الرحيم













ماذا يحتاج المرء ليكون سعيداً؟ أعني، لو قلت تخيل نفسك سعيداً، ماذا ستتخيل مباشرة؟. في أبسط الخيالات، ستتخيل أنك تضحك فقط، وغالباً ستكون طفلاً إذا كانت هذ هي حدود خيالك. ولكن، ما دامنا كلنا راشدين على الأغلب، سيكون ما تتخيله هو ما تتطلع إليه بشكل نهائي، أو ربما صورة مبسطة عنه، أو مبالغ فيها. تخيل الآن أنك وصلت إلى سعادتك النهائية والدائمة، ماذا تتخيل؟ أجد الأمر مثيراً للاهتمام، ربما أحياناً مريح للقلب، حينما أعلم بأن هناك ما أتطلع إليه كثيراً، دون أن أفهم ماهيته تماماً. ماذا أتخيل؟ لا أدري لماذا، أتخيل نفسي دائماً جالس في مكان معزول جداً، شديد الخضرة، بارد إلى حد ما ورطب، والماء وفير ونقي، يجري وفي آبار، والجبال محيطة، والبيت قريب وكافي، وأمي معي، والأحباب على مقربة. يشبه هذا الجنة كثيراً في نظري.
 










إذاً اليوم أول أيام رمضان؟ جاء بسرعة، مرت السنة بسرعة. لقد كان رمضان مقياس بالنسبة لي، رمضان والعيد. تبدو لي الفترة قصيرة، هذه السنة التي مرت، وكأنما خُدعت بشكل ما. هكذا، مرت سنة كاملة، سنة كاملة من الراحة من جهات معينة. حيث أنه في رمضان الفائت انتهت صداقة طويلة بيني وبين أحدهم. كانت تطول وتطول ليس لأنها جيدة وقوية وتستحق، ولكن لأني تنازلت كثيراً على ما أعتقد، و تغاضيت عن الاستنزاف كثيراً. أشعر بأني بدأت أتعافى منها في هذه السنة الأخيرة، وأتغير للأفضل، وأنزع التأثيرات غير الضرورية، والسلبية من فكري وحياتي. يفترض أن أشعر بالغضب حينما تنتهي صداقة طويلة ويفترض أنها حميمة، أن أشعر بالحزن، ولكني صرت واقعي أكثر، يوجد أشياء حينما ننظر إليها بتجرد، لا تستحق الحزن من أجلها. حزنت لأجل فقد صداقات أقصر عمراً من هذه الصداقة، ولكنها كانت أصدق.








هنأت أحدهم بقدوم رمضان، ولأول مرة على حد علمي أهنئ أحد عن طريق رسالة، سواء بالجوال أو البريد. كنت قد تكلمت في التدوينة السابقة عن الأمر، وهذا الأمر بالغ الأهمية على فكرة، من أهم الأمور الموجودة. لقد وصلني رد، وسعدت به جداً، جداً.








تكلمت عن دكتور تركي فقد محفظته بكل ما فيها في التدوينة الفائتة. لقد استعاد محفظته، وجدها شخص واتصل فيه. لاحظت أن الأتراك عموماً يميلون إلى سوء الظن، قال لي حينما جاء بأنه يعتقد بأن من أعطاه إياها هو من سرقها لما لم يجد مالاً. على أي حال، قد يكون هذا فعل دارج لديهم. سألني إن كنت من المدينة؟... لا حول... قلت لا، لماذا؟ قال لأنه سمع أن أهل المدينة هم الأكثر تعاوناً ومن هذا الكلام. هل أهل المدينة حقاً هكذا؟. سأل من أين فأخبرته بأني من القصيم. لاحقاً، خلط بين الخبر والقصيم. شخص آخر، آسيوي جديد، أخبرني بأنه حينما رآني شعر بانجذاب تجاهي، وارتياح، وشعر بأني بريء، ومتدين!! يا للمشاعر اللطيفة دفعة واحدة. شكرته على مشاعره الجميلة، ثم طلب أن نكون أصدقاء، وأن أسمح له بزيارتي بالعمل حينما يستطيع، قبلت وشكرته. بشكل عام، الآسيويين حساسين وسريعي التأثر، ومعبرين، هذه ليست المرة الأولى أو حتى الثانية التي أصادف فيها مثل هذا الموقف. سأل بعدها بقليل إن كنت أنا سعودياً؟! يا للسؤال الغريب، سمعته كذلك كثيراً من الأجانب بشكل عام، وسمعته مرة من سعودي في محل يبيع الحلويات والتسالي والكاكاوات، وهو البائع هناك، شاب ملتزم. سألني إن كنت سعودياً؟ قلت باسماً بأقصى لطف رغم المفاجئة: مهوب واضح؟. انصدم على ما يبدو بلهجتي، ولا أدري لماذا لم يحاول التأكد قبل أن يسأل، قال بأن الأمر واضح. أفترض بأنه حسبني سائق باكستاني. لا يمكن مثلاً تعبير شكلي بأني هندي، أو سوري، أو مصري. أكثر ما شبهت به من الأعراق هو العرق الفارسي.











أخيراً، تم الانتهاء من إجراءات استلام مستحقاتي من الوزارة التي كنت أعمل فيها قبل شهرين. شهرين لأستلم ثلث راتبي من عندهم. ذهبت إلى مديري العزيز لأخبره بأني خلال هذا الأسبوع سأخرج من العمل لأرافق والدي في موعد بالمستشفى، وفي يوم آخر من نفس الأسبوع لأرافق والدتي، فمتى يقترح أن أذهب لاستلام مستحقاتي؟. أخبرني أن أذهب متى شئت، شرحت له بأني أخاف أن استئذاني لثلاث مرات في نفس الأسبوع سيكون له تأثير سيء، وربما تأخري لو ذهبت بنفس يوم موعد أمي أو أبي سيكون له أثر سيء كذلك، وعليه أريده أن يختار من أجلي. قال بأنه لا مشكلة في الأمر، وأنني حر بالخروج متى أردت إلى الوزارة. شكرته. يا لكرمه معي. أتمنى لو أكون عند حسن ظنه. سأذهب غداً إن شاء الله. بعد استلام الشيك، سأصعد إلى قسمي السابق، وأسلم على الأصدقاء، وأرجو من كل قلبي أن أجد الدكتور المشرف.










أمس في الليل دخلت محل يبيع أنواع الشكولاتات والحلويات الأخرى. بحثت عن كاكاو سنرايز، وقعت عيني بعين البائع مصادفة فتصلبنا معاً. كان مدرسي المفضل في الثانوية، ويبدو أنه رأى أن شكلي مألوف. سلمت عليه، كان وكأنه لم يتغير أبداً رغم السنين الطويلة. ذكرت له اسمي وأني كنت طالب لديه، فسأل عن إخواني، وكان قد درس اثنين منهم، ذكر اسم احدهم بشكل صحيح، ما شاء الله. كنت معجب بهذا المدرس إلى حد بعيد، هو مدرس ملتزم، مطوع، وكان يدرسنا الفقه أساساً، ومواد دينية أخرى أحياناً. كان ذكياً وممتعاً في دروسه، وشديد التهذيب والثقافة. له ملامح طفولية بريئة، وشكل مميز مريح. لا أتذكر بأني رأيته غاضب أبداً، أو يظلم أحد، أو يكرهه أحد. لا زلت أتذكر اسمه كاملاً حتى. ذات مرة، كنت أرفع يدي لأجيب، ولكنه لم يخترني لفترة طويلة، حتى تلفت أعصابي وقلت: استاذ عطني وجه تكفى!! كان صوتي عالياً ومحتجاً. التفت إلي من فوره، وقال بهدوئه المعتاد: سم، آمر، تدلل. كان أمر محرج جداً. ذهبت إليه لاحقاً واعتذرت منه، قبل اعتذاري بلطف ليس له مثيل. سألته ذات مرة عن اسم أخت النبي موسى عليه السلام، حيث رأيت فيلماً سماها مريم. قال بأنه سيبحث ويخبرني. لم أتوقع أن يبحث، ولكنه أخبرني بعد فترة قصيرة بأن اسمها مريم. كان بالمقابل مدرس آخر، ودود ولطيف جداً، ولكنه سطحي. سألته ذات مرة سؤال عن المواريث، ابتكرته، كان أشبه بلغز. قال بأنه سيبحث بالأمر، ولكن لم أسمع عن الأمر شيئاً، هو عموماً لم يكن يبحث عن إجابات، أو يدفعنا للبحث، رغم أن دفع الطلاب للبحث لم يكن تقليدياً، وليس عادة حتى الآن على ما اعتقد. عموماً، سعدت جداً أن رأيت مدرسي هذا، سعدت إلى أقصى حد. كان كل ما هنالك أني سلمت عليه، ولكن مع بعض الناس الطيبين، يكفي هذا ليثير سعادتك، ومع آخرين طيبين، لا يكفي إلا أن تكسب صداقتهم.











رجعت قبل دقائق من الوزارة، حيث استلمت مستحقاتي أخيراً بعد جهد جهيد. سلمت على بعض الزملاء هناك، لم أجد الكثير منهم. ولم أجد مديري الدكتور العزيز، ولا الدكتور المشرف، شعرت بالأسف الشديد لأجل الأخير خصوصاً، حيث أن مديري الدكتور رأيته مرتين منذ أن انتقلت، ويوجد فرصة لرؤيته بالجامعة، أما هذا، الدكتور المشرف، فلم يعد لي فرصة لأراه أبداً. خسارة فوق الوصف. لست أعرف الرجل جيداً، ولكن، أعتقده بأنه من الناس الذين يعتبرون مكسباً على المستوى الإنساني، وكان السلام عليه للمرء الأخيرة لي في الوزارة سيسعدني. قالوا لي بأنه سيأتي بعد وقت طويل، لا أستطيع الانتظار فيه على حساب العمل.










قبل يومين، طلبت سلطة من برجر كنج، ووجدت فيها سرو، دودة! السرو هو الدود الذي يوجد في الطحين القديم، رغم أن السلطة لا تحتوي على طحين. يمكنكم تخيل الصدمة، كنت قد وجدت ملاحظة من قبل على السلطة، ولكن ليس دودة. احترت ماذا أفعل. كنت أعلم أنه لا فائدة من التبليغ، خصوصاً على مطعم ينتمي لشركة ضخمة، ملك لشخصيات نافذة ومؤثرة، كما أني تصورت بأن هذا ربما جاء بسبب المورد، مورد الخضار. المهم أني وبختهم، ورفضت استبدال السلطة طبعاً، أخذت مالي وخرجت. جئت غداً وسألني المدير سؤال فاجئني، إذا كنت أريد سلطة؟ أخبرته بأني لن أشتري أبداً شيء يعدوه بأنفسهم بالمحل، مهما كان، لن أشتري سوا الكولا وفطائر هيرشي، وهي تأتي معلبة من أمريكا. جلست وقرأت الجريدة، وشربت الكولا الجيد، الذي يأتي هو الآخر معلباً من أمريكا قبل أن يوصل بالمكينة. جاء بعد قليل المدير، وأخبرني بأنه خجل مني عما جرى، خصوصاً أني أقول بأنها ليست المرة الأولى، ولأني دائم الحضور لديهم في أوقات وجباتي. اعتذر كثيراً، وشرح بأن هذه الفترة فترة صيف، وهم يأتون بالمواد من مودين محليين خلال الفترة، وتجهز منذ الصباح وتحفظ مبردة، لهذه العوامل ربما وجدت ما وجدت، لكنهم على استعداد لتجهيز السلطة من أجلي متى ما طلبتها، يجهزونها بالوقت الذي أطلبها فيه حتى تكون جيدة، أخبرته بأني لا أريد أن آكل طعاماً جيداً لوحدي، أريد جميع الناس أن يأكلوا طعاماً جيداً، يجب أن يحرصوا على هذا حين اعداد الطعام، ثم سألته لماذا اقترح حالما رآني أن أطلب سلطه؟ هل يعتقد بأني مجنون أو غبي؟ اعتذر وقال بأنه أراد أن يظهر لي بأنهم سيعدونها من أجلي. شكرته على اهتمامه، ولكني لا زلت عند رأيي، لن آكل شيء يعدونه.









 
لا أحتاج إلى الصيام لأتذكر نعمة الماء، حيث أني إنسان شروب للماء إلى حد غير عادي، أحياناً إلى حد مخيف. لكن الصيام يزيد من تأملي للأمر وشكر النعمة. لي مزاج خاص وصعب في شرب الماء، وكثير من أمنياتي تتعلق بالماء. خبرتي ازدادت في الماء بعدما علمني أحدهم عن مقاييس جودته، أقصد الماء المعبأ بقوارير. ومع الأسف، معظم الماء المعبأ لدينا رديء. المقياس هو في نسبة الصوديوم والعسر، مع أني أقترح الانتباه إلى الصوديوم أكثر. كلما كان الصوديوم أقل كلما كان أفضل. معظم المياه المعبأة لدينا تدور في فلك العشرين، وهذا شيء سيء للغاية. من المياه الدارجة، قد تكون أفضل خياراتك هي نوفا وأكوافينا، حيث الصوديوم حوالي 16. لكن إن كنت مثلي، تهتم حقاً بالماء الذي تشرب، تعرف بأن الماء له طعم وإن قال الجميع عكس ذلك، فستشتري أنواع أكثر ندرة، ولكن، يا الله، كم هي مروية، كم هي منعشة. يوجد نوع انتشر قبل سنوات عديدة، ثم انقطع لفترة طويلة. عاد فجئة وهو مصنع بالبحرين، ثم بالسعودية، هذا النوع هو مياه أروى التي تنتجها كوكاكولا، الصوديوم فيها 4.1 أو 5.3 يعتمد، وهذه نسبة قليلة جداً، أقل حتى من الكثير من المياه الأجنبية الجيدة. أكوافينا كما هو معروف تنتجها بيبسي، مع ذلك هي أقل جودة بكثير. مياه أروى مختلفة، ما إن تتذوقها حتى لا ترغب غيرها، إن كان لديك الاستعداد طبعاً لتقييم ما تشرب. يوجد كذلك مياه تنورين اللبنانية، وهي أعلى سعراً، ولكنها ممتازة، بنسبة صوديوم تساوي 4. أشفق حقاً على من يعتقدون بأن المياه تتشابه، وأنها واحدة، أشفق أكثر على من يضحك على من ينتقي الماء الذي يشرب، أشفق على من لا يختلف الأمر لديه. أحب تجريب الماء الجيد، اشتريت أنواع عدة من الخارج، ولكن بصراحة، لا أدري، أروى ليس لها مثيل. طبعاً، يوجد نوع مختلف من المياه، النوع المشبع بالاوكسجين، وغالباً ما يكون مصفى من الصوديوم، رغم أن وجود الصوديوم بنسبة قليلة ضروري على حد علمي. هذا الماء ليس لإرواء العطش بقدر ما هو نوع من الصرعة، يقال بأنه يفيد الجسم والرأس. جربته عدة مرات، من شركات مختلفة. قد يتبادر إلى ذهن المرء أن ما يدعى حول هذا الماء نصب، ولكن أعتقد بأنه صنع بعض الاختلاف بعدما شربته. أفضل نوع جربته هو نوع يعبأ في اندونيسيا، بتقنية حفظ وتعليب مختلفة ومثيرة للاهتمام. خارج العلبة تجد نصيحة الشرب، تقول النصيحة أن تشرب الماء من القارورة مباشرة، لا تسكبه في كأس، وتشربه جميعه دفعة واحدة ما أمكن، أو دفع كبيرة وسريعة ومتقاربة. لهذا الماء نقاء غير عادي، أقصد هذا النوع بالذات المعبأ بإندونيسيا حسب تقنية ألمانية، أقول له نقاء ويعطي شعور غير عادي. بعد شربه، كنت أشعر بأن ذهني صار أصفى بكثير، وأشعر بالنشاط. هل أنا واهم؟ كما يسمونه الأطباء البلاسيبو؟ ربما، ولكني لا أعتقد حقاً. هذه المياه غالية بطبيعة الحال، ولم أجدها منذ زمن بالأسواق، بالواقع، لم أبحث جيداً منذ زمن، بعدما افتقدتها لفترة طويلة.
لست أتحدث عن الماء لأني صائم وعطشان، لا أشعر بعطش كبير حتى الآن على الأقل، لكني منذ فترة طويلة أود التحدث بالأمر، وربما رمضان فرصة جيدة لتقدير نوعية الماء.
عموماً، يجب أن تجربوا مياه أروى. بعضها يأتي بتغليف بلاستيكي شفاف، وبعضها مصمت، والقوارير نفس الشيء لا تختلف تقريباً. كلها جيدة وممتازة، لكني أفضل ذات التغليف المصمت، الصوديوم فيها  4.1.
متى سأشرب من مياه صافية تجري بالطبيعة؟ على الأرض؟ أو في شلال صغير؟.











جالست بعض الأشخاص قبل قليل. زملاء في الجوار. تكلمنا عن أمور كثيرة، وجدت لدى بعضهم منطق غريب عن القراءة، رغم أني أشعر بأنهم أذكياء بالأساس. كانت جلسة ممتعة عموماً. وجدت بعضهم مهتمين جداً بتطوير الذات، وهو مجال لا أثق فيه كثيراً. من الصعب المناقشة والبوح بوجهات النظر أحياناً في جلسات كهذه. أحدهم من القصيم، من الربادى كما نقول. لاسم هذه العائلة ذكرى مميزة، ومضحكة قليلاً في نفسي، ومحببة بنفس الوقت.









ما أبطأ الوقت...









تحدثني أمي كثيراً عن أيامها السالفة، حينما كانت صغيرة، ولا أمل حديثها أبداً. أتمنى أن أعود وأرى ما كانت ترى، وأعرف بعض من كانت تعرف؛ عمها رحمه الله، الذي ليس له مثيل، جدتها، خالاتها، بعض المعارف، رحم الله من توفي منهم. لكن حينما تحدثني، لا يمكنني إلا أن أتخيل بأني مجرد شيء طارئ على حياتها، رغم أني عاصرتها الآن لمدة تفوق مدة طفولتها، إلا أني أشعر حينما تحدثني، وكأني زائر لها في البيت الطيني، وسط المزرعة وقرب البئر الصافي، أمام الباب الذي ينامون عنده في الصيف، وكأني أرى ذلك الزير بمائه البارد الذي لطالما أثار فضولي حديثها عنه، ومخزن التمر. أشعر بأني مجرد حاضر، أكثر من اللازم، ولست جزء من ذكريات جميلة. أود لو شربت من ذات الماء الذي شربت.




سعد الحوشان

الاثنين، 17 أغسطس 2009

بعد اختمار(أحداث،آمال،كتاب)

بسم الله الرحمن الرحيم











يوجد أمور لا يعاد فيها النظر، وهي ما يسمى بالمسلّمات بالعادة. ولا بأس بوجود المسلمات، ولكنها تحتاج إلى جرد، وتصنيف من وقت إلى آخر، فبعض ما كان من المسلمات، قد يتغير وضعه بعد فترة. من هذه الأشياء، ما نتخذ تجاهه موقف ونحسب موقفنا من المسلمات التي لن تتغير، ونعتقد هذا لفترة طويلة، وإن نسينا إعادة النظر، قد نعتقد هذا إلى الأبد، ولو لم يكن الأمر منطقياً.

من هذه المواقف، ما نتخذه ونحن لا نريد، مرغمين لسبب ما، دون تروي، دون اختمار. أعرف بأني تخليت عن بعض العلاقات بعد اختمار قرار إنهاء العلاقة، واختمار الموقف وتأكدي، ولم يساورني الحزن تجاه الأمر لاحقاً. ولكن، ماذا عن المسلمات الأخرى؟ العلاقات التي تخليت عنها مرغماً بشكل ما؟ وظللت أفكر بأن لا حيلة في الأمر، صار البُعد من المسلمات. لماذا؟ لا زلت حزيناً ونادماً على ما آلت عليه الأمور، والأهم، لا زلت أعتقد بأني أسأت التصرف، وكان يمكنني التصرف على نحو أفضل، كان يمكنني إنقاذ الأمر لو كنت أكثر حكمة وتوازن في قراراتي، وفهمي. أنا أعتقد بأن هذه الأفكار، جائت قرب رمضان لحسن حظي، رمضان مناسبة خير، وخير مناسبة للإصلاح. لست من الذين يرسلون الرسائل ليهنئون برمضان أو العيد. ولكن، ها قد وجدت سبباً للتواصل مع أحدهم، وإبلاغه بشكل ما، بأنه لا يزال مهماً، وربما طرح نفسي عليه كفكرة. فكرت؛ لماذا دائما أفكر؟ أعني بما جرى؟ لماذا لم ينتهي الأمر مثل غيره. الآن عرفت بوضوح أكثر من أي وقت مضى، بأنه لم ينتهي، لأنه سار بسوء غير عادي، وغير منطقي، لقد شوه الأمر وأسيء إليه حتى غدا شيء يحتاج إلى تصحيح جذري، لا يمكن تجاهل التشويه الذي لحق به، لا يمكن تجاهل سوء الفهم الكامل الذي أحاط به، هذا ما يجعله أمر ضروري، إصلاح غلطة شديدة الوقع، غلطة معقدة وغير عادية، ولا مبرر حقيقي لها، لهذا، يجب أن أصححها، ولهذا كذلك لم أنسى. لا أستطيع تحمل خسارة إنسان بهذه الجودة والتميز، مع ما حصلت عليه من تقدير من قبله، تقدير لم أستحقه تماماً، لا أستطيع أن أخسره لأني كنت غبياً في وقت ما. على الأقل، يجب أن أقوم بشيء، يجب أن أحاول، أن لا أستسلم هكذا وأقول: قَدَر. لقد كنت بالغ الشجاعة حينما ارتكبت غلطتي، كنت كما كنت دائماً، شديد المثابرة، والآن، يجب أن أكون شجاعاً في إصلاحي أيضاً، لماذا نكون شجعان حينما نتوجه بشكل خاطئ؟ يجب أن أكون كما أحببت وكافحت دوماً أن أكون. ولكن الفرق بين الشجاعة التي دفعتني في وقت سابق، والشجاعة التي ستدفعني الآن، هو أن تلك الشجاعة كانت شجاعة غبية، حمقاء خرقاء، بعيدة كل البعد عن المنطق والحكمة، والآن، أنا بعد سنوات أحكم وأذكى.

ولكن، لم يعد الأمر سهلاً عملياً كما كان، بعدما فرقتنا السنين ورمتنا كل في جهة. أتمنى لو كان الأمر معاكساً، لو كان التواصل صعباً في ذلك الحين وسهلاً الآن. هو شخص مهم الآن، ورغم أنه يمكنني الوصول إلى بريده، إلا أني لا أضمن الوصول إليه هو شخصياً، فلست أدري إن كان يطلع على بريده بنفسه. سأحاول، سيعينني الله.








يوجد دكتور ألماني جديد لدينا، وهو شخص ودود على ما يبدو. غالباً لا يحتاج إلى خدماتي المباشرة لحضوره على الأغلب مع دكتورين مصريين يتحدثان الألمانية، وهي لغة لها صوت غريب، وغير جميل على نحو استثنائي. مع ذلك، يهتم بالتواصل معي، ويحاول أن يكون ودوداً معي. يسلم كلما رآني ويفتتح محادثة، يبدو لي أنه ربما يود التعرف على سعوديين من غير السقماء، أعني الدكاترة، حيث ثقل الدم والافتعال والعقول الصغيرة أمر منفر حقاً. حضر لوحده قبل يوم، وهو أمر غريب، وطلب الحصول على جواز سفره. كان الموظف الذي يحمل المفتاح غير موجود، فقلت له بأني سأتأكد إن كان يوجد مفتاح احتياطي، بحثت ومعي الزملاء، وأجريت اتصالات، فوجدت المفتاح. أخرجه زميلي المسئول عن الأمر. شكرني، وقال بأنه يثق بي كثيراً ويقدرني. يا للفرق، يوجد استرالي مسلم، مطوع، ولكنه بغييييييييييييييييييييييض، وسخيييييييييييف، ونذللللللللل. كلهم غربيين، أو على الأقل من أصول غربية بالنسبة للأخير، وهذا الاسترالي مسلم وملتزم بعد من زين الطبايع، ولكن الفرق واضح. رأيت الألماني لاحقاً عند المصعد، نقل الكتب ليسلم علي بيده اليمنى. وسألني إن كنت سآخذ إجازة، أخبرته بأني لن آخذ قريباً، سألته، فأخبرني بأنه سيغادر غداً. سألته من أين هو في ألمانيا؟ قال من ميونخ، قلت: في الجنوب؟ قال: نعم، قلت: يعني من بفاريا؟ قال نعم، هل تعرف الكثير عن ألمانيا؟ قلت لا، القليل فقط. ضحك، وقال ربما أعرف جيداً بالجغرافيا. أحب بفاريا، فهي جميلة جداً حسبما سمعت، و كذلك، لدى أهلها ملابس تقليدية بديعة، لم يعودوا يلبسونها على ما يبدو، الملابس كنا نراها كثيراً في الكرتون، بناطيل قصيرة غامقة إلى مستوى الركب، معلقة بالأكتاف بسيور سوداء، يسمونها الليدن هوزن على ما أتذكر، وقبعات ذات طرف أمامي مستدق، وحزام يحيط بقبتها المجوفة إلى الداخل. كذلك، رأينا هذه الملابس كثيراً في افتتاحية ودعايات كأس العالم هناك في عام 2006. منذ أن كنت صغيراً وأنا أتمنى قبعة من قبعاتهم الجميلة. في شمال ألمانيا، قرب هولندا، يلبس الناس تقليدياً أحذية مصنوعة من الخشب، كنا نراها في بعض الأفلام، ولكن الآن، سمعت أنه لا يلبسها إلا كبار السن. هذه الأحذية أمنية بالنسبة لي، أعلم بأني لو ذهبت إلى هناك، ولن أذهب، سأشتري ما أستطيع من هذه الأماني. عودة للألماني، قال بأني يجب أن أزورهم هناك. رددت: ربما يوماً ما. خرجت وبقي هو، كان سيصعد إلى الطابق الخامس.










اليوم، وأمس، لم يكن أدائي جيداً في دورة السباحة. رغم جهودي، إلا أن هناك بعض الأمور أعجز عنها. أؤدي المطلوب، ويعجب المدرب أدائي، ولكن في لحظة معينة أفقد القدرة على التنفس، ويفسد كل شيء. لا زال رأسي يؤلمني بعد ساعات من الدورة. بعدما امتدح أدائي المدرب في لحظة معينة وأنا في قمة تركيزي، وطلب مني التوقف، لا أدري ماذا حصل، كان كل شيء على ما يرام، ولكني فجئة لم أستطع التنفس جيداًً، فهبط جسمي في الماء، ورغم أني أعرف كيف أخرج، إلا أني لم أستطع، وجدت نفسي أنزل كحجر ثقيل إلى القاع، ورئتي فارغة من الهواء، حتى وجدت نفسي أقف بذهول في قاع المسبح، لم يحدث من قبل، كنت لا أستطيع الهبوط في السابق. حاولت الصعود سباحة ولم أستطع، بحثت عن يد المدرب، فسحبني، وضحك بالأعلى علي. أخذنا لاحقاً إلى المسبح الكبير، وبعد أداء ناجح لتمرين معين، انتقلنا منذ اليوم إلى ذلك المدرب الأسود المزوح، والمخيف. طلب منا القفز من منصة مرتفعة، إلى المسبح. أعلم بأني لن أغرق إن شاء الله، لكون المدرب ينتظرني بالأسفل، ويطمئنني، كنت الأول وكنت مذعوراً، قاومت خوفي الشديد مع ذلك، حتى لا أؤخر الناس خلفي، وقفزت. تمكنت من الصعود إلى السطح، ولكني لم أتمكن من السباحة كما يفترض، مد المدرب الأسود يده الضخمة، ليساعدني، فاحتضنتها! ولصقت بها، حاول أن يطمئنني كي لا أخاف وأسبح، ولكن لا فائدة، رفضت إفلات يده، ثم طلب مني التمسك بكتفه، ففعلت بعد تفكير ومحاولة استعادة للتركيز. عاونني وحاول إصلاح وضعي لأسبح، وأنا أسبح بنجاح منذ أيام الآن، وكل شيء على ما يرام، ولكن لم أستطع السباحة!!! رفض جسمي الارتفاع، فساعدني حتى وصلت إلى طرف المسبح الأقرب. شعرت بالغضب وأنا أصعد الدرجات تحت الماء من أدائي في اليومين الأخيرين، أداء سيء حقاً. رغم أن المدرب الأول كان قد زكا الجميع أمام هذا المدرب، ومنهم أنا.










ذهبت اليوم إلى سوق الرياض جاليري، وهو من آخر الأسواق المفتتحة في السنوات الأخيرة هنا. وبالواقع، لا أرى فائدة من هذه الأسواق السخيفة، لأنك ستجد محلات الشركات العالمية نفسها تتكرر في كل سوق على نحو ممجوج وسخيف. اليوم ذهبت مع أختي وأبنائها، ولم نشتري الكثير، لم ندخل الكثير من المحلات بالواقع. كان المكان مزدحماً جداً، على نحو يشعر المرء بالأسف على حال هذه المدينة، وأهلها المساكين. كان وجود النساء كثيف إلى حد لا يصدق، ولست أدري لماذا بدت علامات الاستمتاع الشديد على وجوه بعض الناس هناك، في مكان غير مميز، وغير جميل. لم أجد محلات تبيع الأشياء الرجالية الجيدة أو المميزة، ولم أكن أبحث عن ملابس، فلم أعد ألبس غير الثوب منذ زمن سحيق، وأجد ملابسي الموجودة منذ ذلك الوقت وافية بالغرض لو فكرت باللبس، فأكثر ما أرى هو الأشياء التي تكون إما قبيحة، أو مكررة بفعل الماركات المنتشرة في كل مكان. كنت أبحث عن اكسسوارات، قبعات مثلاً، محافظ، ميداليات، أشياء من هذا القبيل. كان من أول الأشياء التي فعلتها، هو الذهاب إلى محل الحميضي للساعات، والنظر إلى ساعتي الحلم، كونينو لامبورقيني، وجدت أنهم أصدروا لون إضافي، ولكني لا زلت أحب ذات السير الأحمر، ودخلت لأسأل عن ساعتي المثلثة، وقالوا لي: 4200 ريال. كنت أرجو أن يكون سعرها قد انخفض، وإذا به زاد... مشينا أنا وأختي نتكلم، مررن قربنا فتاتين فقالت أختي حينم تعديناهما: الله ياخذتس!! سألتها لماذا تقول هذا؟ قالت: ما سمعته؟ تغازلك!! قلت بأني لم أسمع. قالت بأن الفتاة قالت: ناظرنا يا حلو!!. لم أسمع هذا، ورغم أن أختي هي الأقرب إلى مكان الفتيات، إلا أني أعتقد بأن هذه لعبة من حركاتها المعتادة، يعني لماذا لا تغازلني الفتيات إلا بحضرتها وليس بحضرة أختيّ الأخريين؟! محاولة مشكورة لرفع المعنويات. ضحكت حينما رأيت شكلي بالمرآة في أحد المحلات.

خرجنا بعدها بساعتين، وقد صدع رأسي ولم أستمتع. إني أكره المولات، ولا أجد فيها ما يمتع، وتزعجني حقيقة تشابهها. تواجد الكثير من العرب الأجانب كذلك، وبعض الإخوة الخليجيين، ورغم أن سلوك العرب الأجانب تحسن عن السابق نوعاً ما، أعني بالذات عرب الشمال وليس المصريين المؤدبين، إلا أن وجودهم لا يزال ثقيلاً على المكان.








غيرت من خبز وجبن، وعدت إلى سعد الحوشان، أعني اسم المدونة. لماذا؟ اكتشفت بالبحث على جوجل أن خبز وجبن لن يجدي نفعاً بالبحث عن المدونة.









رمضان على الباب، طق طق. بقي القليل فقط على هذا الشهر الفضيل. سيكون لدي الكثير من وقت الفراغ. لا يوجد خطة واضحة لدي. سأهتم أكثر إن شاء الله بالتراويح. ولكن غير هذا، لا أدري. سيكون الأصدقاء مسافرين لكون هذه إجازتهم السنوية، أعني أجانب الجامعة.













يوجد جوال جديد من سامسونج، من نوع أجهزة اللمس المتطورة. وهو ذو المعالج الأسرع بين هذه الأجهزة، وبشكل واضح يتفوق على جوال إل جي أرينا. يعجبني جداً هذا الجوال، دعايته تظهر بالجرائد على نحو مكثف، ومراجعاته أكثر من ممتازة. لكن، لا أدري إن كنت سأشتريه أم لا. أملك المال الكافي، ولدي الرغبة، ولكن أشعر بتردد لا أدري سببه. ربما لخوفي بأن حاسبي سوف يتعطل قريباً أو يسوء حاله أكثر، فلم يعد يعمل جيداً كما كان، وصار يظهر رسائل غريبة عند بدء تشغيله وكأنما بدأ الهارد دسك يتلف، أما الفيروسات فلا يوجد فيه منها شيء. لا أريد أن أشتري كمبيوتر و جوال جدد بنفس الوقت، فرغم أن أمي يبدو أنها لن توافق على سفرنا إلى الخارج لاحقاً، إلا أني لا زلت يحدوني الأمل. كمبيوتري لدي منذ حوالي 5 سنوات، وأطمح بأن يكمل 6 على الأقل قبل أن استبدله، لا لشيء إلا لأني أحب حقاً أن أستهلك ما لدي جيداً، كما أن استخداماتي لا تتطلب تجديد حاسبي بشكل دوري، كمن يلعب مثلاً الألعاب على الحاسب، فكل ما أحتاج إليه هو التصفح والكتابة والقراءة ومشاهدة الأفلام، وجهازي يفي بالغرض جيداً. على أني أحياناً، أشعر بأني أريده أن يتوقف عن العمل أو يبدي ذلك، لأني أود تجربة ماركة أخرى، أود تجربة لابتوبات لينوفو.










أنهيت قبل لحظة رواية يوسف زيدان الأولى، وهو مؤلف الرواية التي تحدثت عنها في المرة السابقة؛ عزازيل. روايته الأولى لها اسم غريب، هو: ظل الأفعى. ومن خلف الكتاب، تجد امتداح غير تقليدي للرواية، ومبالغة عربية بنوعيتها. الرواية باختصار سخيفة وقبيحة، ويبدو أن هذا ليس بالغريب على الكاتب، إنما الغريب هو خروجه بالنصف الجيد من روايته التالية. يضيع نصف الرواية هذه، لا، أكثر من نصفها بكثير، بهوس جنسي لا مبرر له، بأخيلة وتوصيف قبيح وقليل أدب، رغم محاولات التورية السخيفة، التي يشبهونها خلف الكتاب بـ"المكر الشديد" و"القدرة البلاغية" ما يعجز عنه الكثير من علماء اللغة!! يا للكذبة الماحقة، يا للتسويق الرخيص. يبدو الأمر بعيد عن الواقعية، وبلا حبكة حقيقية منذ البداية، وأنت تقرأ وتقاوم وتصبر نفسك لتصل إلى نهاية هذا الهراء كله. تتخيل بأنك تشاهد فيلم مصري رخيص، ككل أفلامهم، وأنت ترى توصيفه لكيف يحمل السروال أرداف البطلة، أو كيف تسير بإغواء طبيعي!! هأوأو. لا أنصح أبداً بدعم هذه الخدعة بالشراء، فهذا الكتاب حينما يكف عن هذه الإباحية غير المبررة، يبدأ بمحاولات التفلسف الرديء، غير الذكي. وبشكل سخيف جداً، يحاول أن يصدم القارئ بأراء غريبة ومبالغ في تطرفها، ثم يعود إلى مجاملة معتقد القارئ المفترض، وهو المسلم على الأرجح، فلا أعتقد أن النصارى في مكان آخر قد يضطرون لشراء هذا الهراء، وكأنه يتفادى غضبة أو تهمة، أو ربما يتفادى شعور ذاتي بالهرطقة، حينما يجعل النهاية مفتوحة، والآراء غير مواجهة بآراء أخرى، على موضة إثارة التساؤل، على أن التساؤلات هنا إما أنها عقيمة من الأساس، أو لم تطرح بالشكل الصحيح. وما شد نظري أكثر ما شده، هو أنه بدأ الرواية بحديث شريف كما فعل في روايته الأخرى، وأنا أعتقد بأن هذا الحديث هو تعويذة عملية، وشهادة بحسن نيته من الأساس. وأنا لا أشكك بنية الرجل، إنما أحلل ما أراه. مع ذلك، أجد استخدامه هذا للأحاديث استغلال سخيف لها، وكتابه هذا موضع قذر لا يليق بحديث، إن سلمنا على مضض بأن الكتاب الأول كان أكثر نظافة ومنطقية.
سخيف يا يوسف زيدان... سخيف.

لا أدري ما المشكلة بالإعتدال والتوازن بين متعة الكاتب ومتعة القارئ؟ كثيراً ما يقرأ المرء أفكار في الكتب الغربية، أفكار غريبة، وغير ملائمة لطريقته في التفكير، ولكن، يظل الأمر مقبولاً ومنطقياً. إنه الإحتراف، واحترام القارئ. أعتقد بأن يوسف زيدان يعاني من مشكلة مخيلة غير صحية. صدمني بمثل هذا القرف من قبل الكاتب الياباني موراكامي.












البخل رأس كل مذمة، هذا شيء مؤكد. ليس أبغض على نفسي من البخل والشح. قد يفكر المرء أنه لا يحتاج إلى الناس، لهذا لا يهمه كرمهم من بخلهم، ولكن هذا تفكير خاطئ. إن البخيل أقرب إلى الخيانة والنذالة، وأقرب إلى الاستغلال والجحود. عرفت أشخاص في وقت سابق يتوقعون منك أن تصرف عليهم في كل مرة حينما يخرجون معك، وحينما تدخل معهم إلى محل، وتنتهون عند المحاسب، يتلكأون بإخراج المال، ويقلبون محافظهم على أمل أن تدفع الحساب كاملاً. لا خلاف لدي أبداً بخصوص دفع الحساب عن شخص يستحق، كريم بطبعه ولا يمنعه الشح عن الدفع، ولكن أولائك الناس البخلاء يثيرون اشمئزازي. كان لدي صديق حجازي أعتبره من أكرم الناس الذين واجهت. كنا نخرج معاً كثيراً، وتمر أوقات أدفع الحساب بنفسي لفترة طويلة في كل مرة نخرج فيها، لعلمي بأنه شخص كريم بطبعه، لا يردعه البخل أوالشح عن الصرف حينما يتوفر لديه، بالواقع، لم يكن دفع الحساب مشكلة بيننا، كنا وكأننا نصرف من جيب واحد. بالمقابل، عرفت شخص،،، يا للبخل العجيب فيه، ولا أدري كيف لا يستحي من جعل الناس يدفعون عنه ويصرفون عليه طوال الوقت، ولا يستحي من نوعية ضيافته في أغلب الأحيان بالمنزل. حينما افترقت عنه، شعرت بأن العلاقة أصلاً طالت أكثر من اللازم. ولاحقاً، صرت أختصر الأمور حينما يهم شخص بخيل بتكوين صداقة معي.
أشعر برغبة قوية بتأليف شيء جديد...












جاء قبل قليل دكتور تركي، كان قد وصل للمملكة منذ فترة قريبة لأول مرة. دائماً ما يبدو عليه الذهول، أقصد الذهول عما حوله، فهو لا يركز كثيراً لسبب ما. يحاول أن يتلطف كذلك. للأسف أن مثل هؤلاء المساكين هم من يتعرض غالباً لسوء الحظ. لقد سرقت محفظته أمس، وفيها كل شيء تقريباً. كان لون وجهه متغيراً، ومعه زميله، تركي آخر. شعرت بأنه على حافة البكاء. قال بأنه يتمنى لو أخذ السارق كل المال بالمحفظة، ولكن أعاد البطاقات. بطاقة البنك، البطاقة الائتمانية، أرقام قد تدل على أرقامه السرية، و رخصة القيادة، وبطاقة إقامته هنا، وهي الأهم. كان تواصله معي فقط، إذ لا يجيد اللغة العربية، فهو ليس من الأتراك السخفاء في الجنوب. كان يأكل في المطعم وفقدها، سرقت بالتأكيد. ما أكثر من لا يخافون الله في هذا الزمن.









رحل قبل قليل صديق أسترالي، حكيت عنه في مدونة سابقة. لم أعرفه منذ فترة طويلة، ولكن رحيله أشعرني بانقباض شديد. تعرض هنا للكثير من المتاعب والظلم. ورغم أني لم أره منذ وقت طويل، إلا أني أشعر بحزن شديد لأني لن أراه مرة أخرى. إنها صداقة بالقلب على ما أعتقد، شيء لا يحدده زمن المعرفة. مكثت مع أشخاص لفترة شهور في عملي السابق بالوزارة، رأيتهم كل يوم، بعضهم كانوا لطفاء جداً، ولكن، لم أهتم بأني لن أراهم مرة أخرى، صحيح أني اهتميت وحزنت لأني لن أرى بعضهم، ولكن، ليس كلهم، وليس كما شعرت بالحزن على هذا الاسترالي المسكين. لدي العديد من الأصدقاء الذين رحلوا إلى بلدانهم. أتمنى رؤيتهم في يوم ما.







الصورة بالأعلى التقطتها لأبني أختي وابن أخي، حينما أخذتهما إلى مسابح رعاية الشباب حيث أتعلم السباحة. لم أسبح في ذلك اليوم. لم يعلموا بأني أصورهم، أخرجت الجوال بسرعة لأحتفظ بهذه العفوية والصداقة الجميلة، غير الملحوظة. عدلت الصورة في بكنك.









سعد الحوشان

الأحد، 9 أغسطس 2009

تداعي (أحداث،أفكار،فيلمين)

بسم الله الرحمن الرحيم



















متى يعتبر المرء شريراً؟ لماذا نعتبر البعض أشراراً بسبب أفكارهم التي لا تؤثر على حياتنا، ولكن نصنف آخرين على أنهم طيبون رغم سوء أفعالهم المؤثرة علينا؟. هؤلاء الطيبون، قد يرتكبون أفعالاً شريرة وعدوانية، لأنهم فقط أساؤوا الفهم، وقد تكون أفعالهم مدمرة، وليست بقدر ما قد ظنوا بأنه يمسهم بشكل ما. مع ذلك، نتخيل بأننا ننظر إلى نواياهم، ونقول: إنهم أساؤوا الفهم فقط. لمجرد أننا كنا نتخيل بأنهم طيبون، لا يمكننا أن نعود ونصنفهم أشراراً بسهولة، خصوصاً حينما يكونون مقربين جداً إلينا لسبب أو لآخر. ولو سمعنا عن نفس فعلتهم تجاه آخرين غيرنا، لربما قلنا بأن من قام بالفعلة شخص رديء. المقصد هو، أننا لأننا طيبين، فإننا لا نملك معيار واضح وعادل لتقييم الشر، عادل تجاه أنفسنا. إن من يخرج أسوأ ما لديه حينما يظن سوءاً في من أمامه، لهو شخص شرير. ومن يخرج أسوأ ما في قاموسه، لمجرد أنه ظن أن الآخر أهانه، أو ينوي إهانته، أو حتى لا يتجاوب كما يحب هو، لهو شخص يحتاج إلى إعادة النظر في نفسه، فالجزاء يكون من جنس العمل، حيث لا يجب أن يكون الرد بأقصى طاقة المرء هو ديدنه. قد نضطر أحياناً إلى استخدام لهجة وكلام قاسٍ، ولكن، يجب أن يكون هذا هو الاستثناء في شخصيتنا.
لقد صنفت أناس على أنهم طيبين لفترة طويلة، أطول من اللازم بكثير، فترة من عمري.









اصبت بالتهاب في حلقي نهاية الاسبوع الفائت، ولم أنتظر وأحاول معالجة نفسي بالماء والعسل كالعادة، ولكني اشتريت مضاد حيوي، حيث شعرت بأن الأمر قد يتطور بسرعة. وفعلاً، حدث ما لم أتوقعه. ساءت حالتي في العمل جداً، على نحو مفاجئ. شككت بأني ربما اصبت بانفلونزا الخنزير، وهذا أمر لا أستبعده نظراً لظروف عملي، حيث أتعامل مع أجانب طوال الوقت، كثير منهم لتوه وصل إلى السعودية. ذهبت إلى المستشفى الجامعي للعمل على تنسيق موعد لأمي. وسألت عن الفحص عن الحمى. لم يكن لدى الاستقبال فكرة، وفي عيادة الرجال الأولية، قالت لي الممرضة أن لا أقلق طالما ما أعاني منه هو صداع والتهاب حلق وأذن وغثيان... فقط!! قالت بأن المرء عليه أن يعاني من استفراغ مستمر، ودرجة حرارة مرتفعة. فكرت بأن الأمور قد تجري بالتدريج. استأذنت من مديري، وخرجت إلى مركز صحي في حي الرائد. فحصني الطبيب، وطلب مني التوجه إلى مستشفى الشميسي. هناك، قالوا بأن حرارتي غير مرتفعة، وهذه علامة على أنها انفلونزا عادية على الأغلب. وكان الطبيب متضايقاً من كون حرارتي منخفضة!! وكأنما ضاع وقته، كان يجب أن أكون مريضاً جداً ومعرضاً للموت حتى أساوي وقته الثمين. رطن باللغة الانجليزية حتى يفهم الآخرين معه، وهو اردني على ما يبدو. كتب لي أدوية، وطلب مني العودة لو ارتفعت درجة حرارتي أكثر. وأخبرني أحد العاملين معه أن أحضر ورقة من العمل ليتم تحليل دمي. فيجب أن تكون حرارتي مرتفعة أو أحضر ورقة، ليتجنبون تحليل كل الناس لدمهم! وتظاهر بأنه هو العامل بالمستشفى لم يستطع تحليل دمه!! كذبة ماحقة. أخبرته بأني لست مهتماً بتحليل الدم، طالما أن الأعراض لدي لا ترقى إلى الخطر، وخرجت.
مات أمس اثنين، وقد تأخر اكتشاف حالتهم أكثر من اللازم. هنا، مثل بقية المتأخرين، وعكس كل المتقدمين، حياة الناس ليست الأولوية.









عدت إلى المنزل مبكراً، حيث نال مني التعب والغثيان. اتصلت بالمدير لأخبره بما جرى كما طلب، وأخبرته بأني لن أعود إلى العمل، وقد كان الدوام قد انتهى بالفعل، ولكن بقي وقت خارج الدوام. نمت طويلاً، نوم مُتعب أكثر مما هو مريح للجسد، ولكني حلمت حلماً جميلاً، حلمت بأني فتحت ثلاجتي، ووجدت ثلاث علب روتبير، وقلت لنفسي: ما أغباني، وأنا أبحث عنه بالسوق طوال هذه الفترة. قمت وقد صدقت الحلم لفترة قبل أن أستوعب أنه مجرد حلم للأسف. ولكن، فاتني كذلك تسجيلي وتسجيل أبناء إخواني معي في دورة السباحة، وقد عذروني لحسن الحظ. أتمنى أن يقبلوننا بالدورة اليوم. شعرت بالراحة لاحقاً حينما اتبعت نصيحة زميلي الملتزم الكبير، الذي اتصل ليطمئن، حيث نصحني بعصر الليمون الأخصر الصغير في كوب شاي. ارتحت حقاً والحمد لله. ولكني قبل قليل وأنا أفرش أسناني، شعرت فجئة بالغثيان، وكدت أن أستفرغ. أتمنى أن ينتهي الأمر بسرعة. يا رب.








الآن في العمل. لا أشعر أني على ما يرام. سأحاول أن أنهي ما لدي من معاملات، ربما سأغادر بعد أو قبل الظهر. لا أشعر بالقدرة أو حتى الرغبة بالقيام بأي شيء.










أكتب الآن في اليوم التالي. صحتي أفضل الحمد لله، إلى حد بعيد. عدت باكراً أمس إلى المنزل، و نمت حتى العصر. كان حالي أفضل بعدما صحوت. ولكن لم أكن على ما يرام، ولا زلت. على أني كنت مضطراً للخروج أمس، لأذهب وبعض أبناء إخواني لحضور دورة بالسباحة كنت أنسق لها منذ الاسبوع الفائت. أريد بشدة أن أتعلم السباحة، مع أني لم أكن أمس أشعر بأني بحال يسمح، ولكن لم يكن بوسعي ترك الأولاد لخيبة الأمل. ذهبنا، وسجلنا، أنا، واثنين مراهقين، وابن أخي الصغير. الدورة بـ250 ريالاً للفرد، في رعاية الشباب، قرب عملي السابق في الوزارة. سألني المدرب حينما دخلنا المسبح، كنت مع ابن اخي و ابن اختي المراهقين، سألني إن كنت أدرس؟ في الثانوية أم الجامعة؟ أخبرته بأني متخرج، سأل: من الثانوية أم الجامعة؟ قلت بأني أعمل، وقد ذهلت من استصغاره لعمري إلى هذا الحد! قال: بسم الله ما شاء الله، فهو مصري. أعتقد بأن تقصيري لشعر وجهي إلى حد كبير يساهم بسوء تقدير البعض لعمري. أغضت الولدين بقولي لاحقاً بأنه يحسبني أخوهم الصغير. تدربنا في أول يوم على بضعة أمور، ولم نكن لوحدنا مع المدرب، كان هناك مجموعة كبيرة، سوا أن معظمهم سبقونا بيوم. شرح لنا المدرب كيف أن سحب نفس عميق وكتمه، ثم غطس الوجه بالماء وإرخاء الجسم، سيجعل المرء يطفو على سطح الماء منبطحاً. جربنا، وكان الأمر جميلاً. طلب منا بالبداية فعل هذا الأمر مع دفع أنفسنا من جدر المسبح بأقدامنا، مع مد أيدينا إلى الأمام وفتح أعيننا، لنتحكم بمسارنا، ثم، جربنا بمد يد واحدة بينما الأخرى إلى جانب الجسم مسفوطة، ثم، دون مد أي يد، وهذه الطريقة الأخيرة، خلفت لدي شعور جميل جداً بالتحرر، دفعت نفسي ذهاباً، ووجدت أن مساري جيداً وأعيني مفتوحة تحت الماء، في العودة، دفعت نفسي واستمر جسدي يتقدم إلى الأمام، وأنا أكتم نفسي وأنظر أسفل الماء، لم أعلم أن المدرب تقدم إلي، ووضع يده بين بطني وصدري، وحركني دافعاً إياي برفق، خطر لي العديد من الخواطر الجميلة. شعرت بأني في منطقة وسيطة بين الحياة والموت، حيث يمكن للمرء أن يختار دونما خوف، أو ربما يطلع على الجانبين، ويحتار بطمئنينة لوضعه. خفتي وعدم حركتي، ووعيي الحي رغم ارتخاء جسدي الطافي مقلوباً فوق الماء، أشعراني بأني بوضع لم يسبق أن عشت له شبيهاً، وكأنما ولجت منطقة محظورة بشعوري. يشبه وضعي في ذلك الحين وضع قشة في ساقي، في مزرعة قديمة منسية، حية بشكل ما.










في اليوم التالي، أمس، انضممنا للبقية المتقدمين علينا. وكان هناك تمرين نقفز فيه بالدور، نسبح كاتمين أنفاسنا بمساعدة عوامة، تجاه المدرب. لما طلب منا الانطلاق، ظننته يريد من الكل الانطلاق، فقفزت! وسببت لخبطة إذ قفز اثنين من اصحاب الدور بنفس الوقت، ولم أعلم سوا حينما وصلت المدرب، الذي اتجه إلي وكأنما هو دوري، فرأيت الكل ينظر إلي مستغرباً!! يا للإحراج. بعد ذلك صرت أنتظر دوري بانتباه. لما تمرنا نفس التمرين، ولكن بالتشبث بيد واحدة بالعوامة، وصلت إلى المدرب، وقال: ممتاز، أفضل من المرة السابقة. تساءلت إن كان أدائي في المرة السابقة سيئا جداً؟ إحراج وسوء أداء.


أود لو تعلمت بسرعة، رغم مرضي إلا أن أموري تتحسن تماماً حالما ألج المسبح. وحينما ننتهي ونغادر أشعر بنشاط غير عادي، ومعنويات مرتفعة على نحو لم أعهده من قبل. يظل وضعي حسناً حتى يحين وقت نومي، فيسوء بضيق التنفس.

لا أستطيع الصبر حتى أتعلم السباحة، أشعر بأني سأسبح جيداً لو تعلمت. وخطتي هي الاشتراك بمسبح الجامعة، لأداوم على الأمر.

في اليوم الثالث في الدورة، تعلمنا كيف نسبح بمساعدة العوامة في أماكن أعمق بكثير. يوجد العديد من المشتركين الآن، ويوجد حتى رجال ربما تخطوا الخمسين أو شارفوا، على أن الغالبية هم من الشباب. قفزت قفزة مضحكة، حينما كنا نتعلم كيف نعوم بشكل عمودي، وضحك الناس،،، هل سأقوم كل يوم بأمر محرج؟. عموماً كان الجو مرحاً، على أننا لم نتعرف على أحد، أقصد أنا وإبني إخواني المراهقَين. يوجد مدرب أسود ضخم، يدرب الناس على القفز من أماكن عالية إلى الماء العميق. وكان يتخير منا، نحن من لا نعرف السباحة، من يجعلهم يقفزون على سبيل التحدي والمرح. اختار واحد، ثم لاحقاً قال: فيه واحد بينكم جايز لي، شعره طويل. لا يوجد من شعره طويل بشكل استثنائي بيننا، ولكن، أنا وشخص آخر شعرنا هو الأطول، ضففت شعري إلى الخلف بسرعة، ولكن كان أحدهم قد أشار إلي ضاحكاً، فضحك الآخرين. مع ذلك، لم يذهب أحد في المرة التالية لحسن الحظ.
يوليني المدرب عناية خاصة لسبب ما، فكثيراً ما يهتم بطريقة أدائي ويصححها، ويسبح بجانبي وأنا أطبق تمارينه ليعدل وضع جسمي ويعطيني ملاحظاته أكثر من الآخرين. غالباً ما يكون أدائي في المرة الأولى سيئاً جداً، ثم في المرة الثانية يشرح لنا المدرب عملياً، أدرس حركته جيداً، وأجد أمور كنت لم أستوعبها، يتحسن أدائي في المرات الثانية عموماً. مع ذلك، أداء إبن أختي السيء جداً، والذي ينال توبيخ المدرب لعناده وعدم استجابته يعطيني الثقة في نفسي.

تذكرت مع هذا المدرب، اخصائي العلاج الطبيعي حينما كانت قدمي متعبة بعد تخرجي من الجامعة. كان ممتازاً ومعروفاً، وهو مصري كذلك، ولكنه عصبي جداً، ويوبخ المراجعين كثيراً. في البداية حينما رأيته يوبخ ويصرخ خفت جداً، فأنا لا أحب أن يصرخ في وجهي أحد، وهو كان بصراحة مخيفاً حينما يعصب. ولكن لسبب ما، كان يخصني بمعاملة رقيقة، واهتمام خاص. شعرت بارتياح كبير حينما رأيت بأنه لا يحب توبيخي، ويبدو أنه لن يفعل حتى لو أخطأت. اعتنى بي جيداً، واهتم بحالتي. هل حظي جيد مع المصريين؟.
أخبرته ذات مرة بألم مفاجئ ألم بركبتي وأنا أؤدي التمارين المطلوبة، فأخذني إلى حجرة وفحص ركبتي، ودلكها بمرهم، وصار يسألني عن أمور كثيرة، ماذا أفعل بحياتي؟ ماذا أدرس؟ وكم عمري؟ فوجئت بأنه يعتقد أيضاً بأنني صغير. لو سمع زملائي هذا لضحكوا، ولو سمع من كانوا أصدقائي هذا لكان الوضع أسوأ، ربما باستثناء أحدهم، فراس، باستثناء فراس.







قبل أيام قال لي زميلي، وهو إمام بريء الملامح، بأني أحب الأشياء الغريبة. كان ينظر إلى ساعتي التي تظهر الوقت بالضوء، وإلى خاتمي المعدني الأسود المزخرف. أخبرته بأن هذا ما يجلسني معه، فضحك. خالد لديه قلب طيب جداً، ربما من أطيب القلوب التي تنبض. ولكن، يؤسفني القول بأنه غير حكيم تماماً. إنه يتكلم كثيراً عن الاستفادة من الوقت، عن الأداء الجيد في أمور الحياة، وهو يفلسف الأمور ويعطي النصائح، والأراء، ولكنه لا يجرب. وهذه مشكلة متفشية، عدى أن ما يبرزها لدى زميلي هذا هو إظهاره للحماسة دونما نتيجة، حتى أنه يسوف الأشياء الضرورية. ناقشني اليوم عن حبي للروايات، وهو لا يفهم الجدوى من الروايات، مثل الكثيرين بالمجتمع هذا، والمجتمع عموماً لا يفهم الجدوى من أشياء كثيرة، كالمسرح، والرسم، والفلسفة، مع أنك تجد لهم العذر في عدم فهمهم لقيمة الموسيقى، حتى لو استمعوا لها واستمتعوا بها، مع أن الموسيقى الرائجة هذه الأيام لا تضيف عموماً. أخبرته بأن الروايات كالشعر، كلها قد تكون خيالية، ولكن فيها المفيد البناء، وفيها التافه. لا أحد يجادل أبداً على جدوى الشعر هنا، رغم أن أكثر الشعراء هذه الأيام هم من الفقراء فكرياً وعاطفياً، ولكن الشعر أمر موروث ويفهمه الناس، وهم للأسف مغلقون عما لا يفهمون. إن ما أود فعله هو؛ حمل أمثال زميلي هذا، من لم يجربوا ولم يقرأوا، أو من جربوا ولم يجدوا في الأمر جدوى بسبب سوء الاختيار، ما أود فعله هو حملهم على التجربة والفهم بشيء ملائم وراقي. مشكلة الكثيرين هنا هي مع الخيال، فهم أعداء للخيال، وبشكل لا واعي يقرنونه بالكذب، فهو لا أساس له برأيهم، مع أن لكل شيء أساس، كل شيء تقريباً. أخبرت زميلي هذا بأن هذه لم تكن مشكلتنا حينما ألفنا كليلة ودمنه، وهو كتاب لو تكلم عنه أي أحد هنا، رغم أن لا أحد يقرأه، سوف يجزم بالنهاية بأنه شيء له قيمة، دون أن يطلع عليه، فقط شيء موروث، رغم أن الكتاب قصص عن الحيوانات، فكيف لهذه القصص أن تكون واقعاً؟، إن الأمر يتعلق بعدم الاطلاع وسوء الفهم فقط. بدا عليه الذهول حينما أخبرته بأن كليلة ودمنه تدور حول الحيوانات، مما أثبت وجهة نظري.
ليس زميلي هذا من يعاني من هذه المشكلة. يوجد من هم أسوأ منه. أكثر الناس حولي في العمل من الصعب تحفيزهم للقيام بشيء مختلف عن المعتاد. خارج الدوام يحفزهم على المكوث، والقيام بالمزيد من العمل لو استلزم الأمر، ولكن لاحظ: "المزيد من العمل"، هل هذا شيء مختلف؟ لا، إنهم فقط يحافظون على روتين معين، ويتكاسلون عن كسره، وتتثاقل أنفسهم عن تعلم شيء جديد، أو تجربته، لماذا؟ لأن تحفيزهم صعب، لقد تربوا بشكل عام على أن غالب أمور الحياة عبارة عن تفاهة، وما يكتفون به يعتبرون أنه هو فقط الأمر الجوهري، دون أن يعيدوا النظر.









لقد تأخرت كثيراًَ هذه المرة في إنزال التدوينة. هذا بسبب مرضي الاسبوع الفائت، وانشغالي الشديد.








أنهيت عزازيل قبل أيام. وهي رواية اشتهرت مؤخراً، خصوصاً بعد منح كاتبها يوسف زيدان البوكر العربي عنها. الأمر معقد بخصوصها نوعاً ما، ولكن لا شك أنها رواية جميلة وممتعة في معظمها، وأنصح بقراءتها بكل تأكيد. تدور الرواية حول راهب نصراني، في وقت يسبق ظهور الإسلام، وتقعد الأحداث في البداية في مصر، ثم في فلسطين وبلاد الشام. الراهب شخصية غير عادية،  مثيرة للإهتمام والتعاطف، ولها رؤية نافذة في الناس من حولها. وليست الرواية تدور في أكملها حول الرهبنة، ولكن يوجد شخصيات قليلة ولكن جيدة تظهر في المحيط، وتؤثر بشكل غير عادي، وإن كان الجيد منها حقاً لم ينل حقه في الظهور مثل الشخصية الوحيدة التي لا معنى لها. وهذه الشخصية الوحيدة التي لا معنى لها خطيرة بالواقع، أعني خطيرة على جودة الرواية وإحساس القارئ. تظهر هذه الشخصية التي يتم التلميح لها منذ البداية في الربع أو الثلث الأخير من الرواية، وهي شخصية امرأة شابة اسمها مرتا. ورغم أنها ستجر الراهب، أو على الأصح، ستشاركه الخطيئة، فهو على استعداد غريب وغير محسوب من قبل الكاتب لمجاراتها، إلا أنها ليست الوحيدة التي تسيء لتاريخ الراهب الذي يفترض فيه الطهارة، رغم ذلك، ستجد أنك تحب وتتعاطف مع الفتاة الأخرى في أول الرواية، الفتاة اليونانية اوكتافيا، وستكره وتتعجب من وجود مرتا في نهاية الرواية، وكأنما وجدت بشكل منفر ومقحم لإيصال فكرة معينة أو إشباع نزوة مريضة. كل ما يتعلق بهذه المرتا، وحتى توقيتها، هو أمر ملغوم تجاه فهم الرواية، أو النوايا من خلفها، وفي كل الاحوال، وجودها سخيف ومسيء للرواية برأيي. ففي الوقت الذي كان من الممكن أن يعيش فيه الراهب البحث عن جواب لتساؤلاته، والقلق على صديقه الأسقف المُوحد نسطور (نستور على ما أعتقد أن الكاتب يريد)، واتخاذ قرار مثمر وحقيقي، أو منطقي على الأقل، نجده يمارس الخطيئة مع مرتا، ويفتتن بها، ويتصرف كشخص عاهر بلا تدرج ولا مقدمات تليق براهب، وفي النهاية يبدو وكأنه لا يستوعب حقيقة ما قام به، لهو أمر قمة بالسخف. كان وجود مرتا مقحماً حقاً، والآن وأنا أقرأ رواية أخرى للكاتب، لا أجد أن وجود مرتا عجيب، فالعجيب هو الجودة التي سبقت ظهور هذه في النص. هذا ما خلصت إليه بخصوص مرتا كقارئ عادي.
مع كل هذا، أرجو أن لا يثنيكم ازدرائي للجزء الأخير والضئيل من الرواية عن قرائتها، فما يسبق هذا الجزء لهو درر ومتعة صرفة. إنه لجميل ومدروس ما كتبه المؤلف منذ البداية حتى سخافة النهاية. وقد أذهل المؤلف النقاد بدقته التاريخية والعلمية، وهذا شيء مشجع وغير مألوف في بيئتنا الإبداعية. لقد جعلني المؤلف أفكر بالاسكندرية لأول مرة، وأفكر برؤيتها. وزودني بفكرة أكبر عن تلك الفيلسوفة والعالمة اليونانية المظلومة، التي قتلها النصارى في تعصب كما يظهر من الرواية، وإن كان ما أعرفه من إطلاع سابق أن أسباب قتلها كانت أعجب من التعصب، كانت قد قتلت لرفضها للرذيلة على حد معرفتي. ستحبون اوكتافيا، الوثنية الأخرى، وتحبون بساطتها وطيبتها رغم مجونها. ستحبون نستور وطيبته ومنطقه وذكاؤه وحنانه. ستحبون الراهب البطل، هيبا، وتحبون براءته قبل أن يفاجئكم المؤلف بغباء بالنهاية ويعرفكم على هيبا بشكل غير واقعي.

إن التوصيف الغريب لبعض الممارسات الجنسية في الرواية لم يكن كله مبرراً أو ضمن السياق المعقول، خصوصاً مع مرتا، ربما لأن شخصية الراهب كانت قد صقلت في ذلك الوقت، وأثبت نقائه، ليس كما كان الأمر مع اوكتافيا. خطر في بالي أن المؤلف مصري، ولم يستطع أن يتخلص من العقدة الأزلية لإنتاج المصريين، الإغراء الفج ومخاطبة الغريزة حتى حينما تفترض في عملهم الرقي، كان يبدو وكأنه قد قاوم الأمر حتى النهاية، حينما جاء دور مرتا.


أنا حالياً أقرأ رواية المؤلف الأولى، رغم أني تركتها لمللي قبل يومين، ولكن ربما سأتكلم عنها لاحقاً.






يبدو أن السفر إلى نيوزلاندا لن يكون. يبدو أن أمي قد كدست الأعذار منذ الآن... ولكن أنا وراه والزمن طويل. إن إنتهى الربيع في نيوزلاندا ولم نسافر، فسيبدأ في مكان آخر ونسافر بإذن الواحد الأحد.




عن جابر بن سمرة رضي الله عنه قال :
رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في ليلة أضحيان وعليه حلة حمراء، فجعلت أنظر إليه وإلى القمر، قال : فلهو أحسن في عيني من القمر .
رواه الدارمي والترمذي والحاكم في المستدرك ووافقه الذهبي وأبو يعلى . ومعنى أضحيان : أي مضيئة مقمرة .

عن البراء بن عازب رضي الله عنه قال :
كان النبي صلى الله عليه وسلم مربوعاً ، بعيد ما بين المنكبين ، له شعر يبلغ شحمة أذنيه ، رأيته في حلة حمراء لم أر شيئاً قط أحسن منه .
رواه البخاري ومسلم .

ما الجامع بين الأحاديث التي وصلتني بالبريد؟ ما لفت انتباهي هو أن الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم يلبس حلل حمراء في اثنين من الأحاديث. كان قد قيل لي أكثر من مرة أن لبس الأحمر مكروه للرجال!!! مع أن ثلاثة أرباع الشعب يلبسون الشماغ، إلا أنه يصبح مكروهاً حينما يكون تي شيرت مثلاً. حتى أن شخص كان صديقاً قال بأن الرجل الملتزم الذي قابل شخص يجلس معنا لفت الانتباه إلى قميصه الأحمر لأنه مكروه، وعليه، تضايق!!. لا أدري ما أساس الفكرة. لكن اللون الأحمر هو أحب الألوان إلى قلبي، وأحب لبسه حينما كنت ألبس غير الثوب في العصور الغابرة.







اليوم، طلب مني أخي الكبير أن أنضم إليه في استراحته القريبة، التي اشتراها مؤخراً. كان يريدني أن أجلس معه ومع زميله وصديقه الأمريكي. وجدت الأمريكي رجل ودود إلى حد جيد، وكبير جداً بالعمر. كان متوسطاً، ليس بالممل، وليس بذلك المثير للاهتمام. تكلمنا عن بعض الأمور السطحية، ووجدت أن له اهتمام كبير بحساب دخول الشهور الهجرية، فكرت بأنه يصلح لمجالسة والدي. تكلمنا عن القهوة، وأوضح أنه يعشق قهوتنا، ويحب شاينا. أخبرته بأني لا أحبهما. وتكلمنا عن طرق تجهيز الشاي في الأماكن المختلفة، تدخل أخي ليخبره بأني أحب الشاي الأخضر والهوت تشوكليت، وأخبره بجدية أني خبير بهما، ضحك الأمريكي. تكلمنا عن الشاي الأخضر وجودته، أخبرته بأن الناس هنا لا يعرفون كيف يحضرونه جيداً، فهم يحضرونه مثل الشاي العادي، ثقيلاً، بينما يجب أن يكون هو خفيف جداً. تكلمنا عن الحلال وطريقة ذبح الحيوانات، وصحح لي بعض المفاهيم. تكلمنا عن الطعام كذلك، فانبرى أخي الكبير يخبره بأني خبير بالمطاعم هنا، فأي شيء يحب أن يسأل عنه في هذا الخصوص، أين يأكل أو ماذا يتجنب فليسألني. بدا الأمر مضحكاً، خيل إلي بأن اعتدال جسمي يعتبر انتقاص لمصداقيتي. سألني عن الطعام الصيني الجيد هنا، وقال بأنه مل الطعام الصيني الكانتوني، ولم يجد من يوفر الأكلات السيشوانية والهينانية، أخبرته بأنه لن يجد خلاف الكانتوني، عدا عن بضع أطباق غير جيدة من المناطق الصينية الاخرى. تكلم أخي عن ما يحب تجربته من طعام، وهي أمور غريبة. وحكى لنا الأمريكي عن الطعام الغريب الذي صادفه في أوروبا. سألته إن كان قد أكل الجمل؟ قال بأنه أكله، ثم سألته عن الضب؟ فلم يعرف ما هو. أخبرته بأنه نوع كبير من السحالي. سأل إن كان هو الوزغ؟ لم يفهم أخي ما يقصد، فأخبرته، فضحكنا حقاً. بعد شرح فهم وبدا أنه يعرفه ولكن لم يجربه، ولا الجراد أيضاً. سألته إن كان الناس يأكلون القنادس في أمريكا؟ قال لا. أعتقد بأنه صادق، ولكني أعلم بأنهم في مرحلة ما كانوا يأكلونه. السناجب؟ قال بأن البعض يأكلها، ولكن لا يبدو أنه أكلها. ماذا عن الثور الأمريكي؟ البايسون؟ قال بأنه يؤكل على نطاق واسع، ويعتبر صحياً. تكلم عن بيئة مدينته، وسألته إن كان في منطقته طيور طنانة؟ قال بأنها كثيرة هناك، ولزوجته قنينة معلقة لإطعام الطيور. أخبرته بأني أتمنى لو رأيتها. قال: أنتم ليس لديكم منها هنا؟ فكرت: يا لها من فكرة مضحكة. قال أخي عني هذه المرة: بأني أقرأ وأطلع كثيراً على الشعوب وعاداتهم، وأقرأ عن الطبيعة والحيوانات وأحبها. وأنه نصحني كثيراً بالتوجه للعمل في الخارج في السفارة، فهكذا سأرى العالم وأرى الطبيعة، وأتعرف على الناس، ولكن، يبدو أني متردد فيما يخص الأمر. شعرت بالإحراج. قال الأمريكي بأن هذه صفات ديبلوماسية في دعم لوجهة نظر أخي. لم أجاوب. فكرت بأن أخي لا زال يفكر بعملي السابق، حيث كان يتمنى لو خرجت للعمل في الخارج وكان ينصحني كثيراً بالأمر في ذلك الوقت، كان شديد الحماس تجاهه، سوا أني خرجت من العمل وخيبت أمله، ولم يفهم اختلاف أولوياتي، ولكن يبدو مع ذلك أنه لا زال يتخيل الأمر. سألني الأمريكي إن كنت قد درست في الخارج؟ أخبرته بأني لم أفعل. قال بأن لكنتي جيدة، وأنه افترض بأني درست بالخارج. كيف اكتسبتها؟ اخبرته بأني اكتستبها بالممارسة. قال في الجامعة؟ أخبرته بأني تخرجت ولم أكن اجيد التحدث تماماً، ولكني مارست التحدث في العمل. امتدح لهجتي مجدداً. ولكنه لم يحدد نوعيتها. وأنا أعلم بأني لا أتحدث مثل أحد على وجه الخصوص. غالباً ما يتكلم الناس عن اللهجة البريطانية والامريكية، متناسين لهجات أخرى، وغير مستوعبين أنه لا يوجد ما يسمى باللهجة البريطانية. كنت أحب دوماً اللهجة الانجليزية التي لن أكتسبها أبداً، ولكني لست أتكلم بلهجة محددة، أو أحاول أن أتقن لهجة محددة، مع ذلك، أسمع أن لكنتي جيدة، دون تحديد لنوعيتها، أعتقد أن الآخرين مدركين كذلك أني لا أتحدث مثل أحد من أهل اللغة، إذا، كيف تكون لكنتي جيدة؟ لا أعرف كيف يُشرح الأمر، ولن يبدو وضعي جيداً لو سألت أحداً عنه.
ودعتهم لاحقاً قائلاً بأني سأذهب للصلاة، التي ابدى الأمريكي اعجابه بصوت مؤذنها القريب. طلب مني أخي أن أعطي ضيفه بطاقتي الشخصية، ولم يكن لدي يوماً بطاقة شخصية!! أخبرته. احتج أخي، لماذا لم يعطوك في الجامعة؟َ! فطلب أن آخذ بريد ضيفه، الذي أعطاني بطاقته. في مثل هذه الحالات، بالعادة أقترح إرسال بطاقتي الشخصية الالكترونية عن طريق البلوتوث، حيث يوجد ميزة البطاقة الالكترونية في جوالي، ولكن جوال الأمريكي لم يكن من النوع الذي يحوي بلوتوث فصمتُْ. ودعني بلطف وخرجت.






يعمل في الجامعة زميل لي، تخرجنا معاً. هو شخص طيب ولطيف، ولكني لا أقابله كثيراً رغم أنه يعمل بالجامعة أيضاً. سوا أننا في الفترة الأخيرة صرنا نتقابل أو نتكلم بالهاتف كثيراً لأنه اشترى جهاز حاسب جديد ويحتاج إلى مساعدة في بعض أموره. انتيهنا من موضوع جهازه، وفاجئني بزيارة إلى قسمي في يوم من الأسبوع الفائت. تكلمنا في الممر المجاور. ولطالما وجد طريقة للضحك علي وعلى غفلتي بحسن نية. كان قد أخبرني قبل فترة بأنه ارتاح للخروج معي، حينما خرجنا للأسواق للبحث عن كمبيوتر له والاطلاع. قال بأني أمشي في حالي، ولا أهتم بمن حولي، مما يجنبنا المشاكل، حيث علمت بأن أحد أقاربه ينظر كثيراً للنساء، وهو ما يقوده للجنون حينما يخرج معه. أردت أن أخرج شيء من جيبي، فخرجت صورة لي صغيرة، كنت قد طبعتها لدورة السباحة وبطاقة الجامعة، فأخذها وتأملها. قال بأني وسيم، قال هذا بطريقة شخص أكتشف الأمر لتوه. فكرت؛ بالعادة الناس يقولون بأن الصور جميلة حينما ينظرون إليها وأصحابها إلى جانبهم، أما جمال الشخص نفسه فالمفترض أن يكتشف بالواقع وليس بالصورة.






لدي زميل، كنت قد حكيت عنه سابقاً، لا أدري هل حكيت في هذه المدونة أم في مدونتي القديمة المحذوفة. ينتمي هو إلى العرق الأسود، رغم لونه البني الفاتح. وكثيراً ما يعاملني بانبهار ساخر، بحكم أني أبيض، وهو يسخر من كل شيء، حتى نفسه وعرقه. وهو كما يقولون، دائما ما يحاول أن "ينفخ رأسي" ويضحك علي، ويشاركه في هذا زميله الآخر، الأبيض. يتكلمون وكأني "هاي كلاس" كما يعبر الناس. ويستغلون كل شاردة وواردة للتعليق. ودمهم خفيف فعلاً، ولا أجاريهم بالتعليق، فلا أرد على تعليقاتهم غالباً. وغالباً ما يبدي هو وزميله ذهولهم المصطنع من أتفه الأشياء التي تخصني، ويخرجون بتعليقات مضحكة. لكن، ما كان يشد انتباهي منذ فترة جيدة الآن، أن زميلي الأسمر الذي يقترح دائما بأن نسافر معاً، كثيراً ما يقترح بأن نسافر إلى اسبانيا، وأن ألبس هناك تي شيرت فرنسي، ولا أدري ماذا يقصد بالضبط، رغم أنه يشير إلى قصة معينة للياقة، ولكني أفترض بأنه يقصد ذلك التي شيرت الموضة الذي انتشر كالنار في الهشيم قبل فترة، حيث كانت رؤيته تضايقني، إذ أشعر بأن من يلبسه يجدر به تربية صدر يليق بامرأة. كان أخي يلبسه، وأصدقائي يلبسونه، وكثيراً ما شعرت كم هو قبيح. ويقترح بأن ألبس مع التي شيرت الفرنسي بنطال برمودا، وأن أرقص هناك لأجذب الاسبانيات. كنت أستغرب من هذا السيناريو، ولا أفهم أي ضرب من الرقص يقصد حينما يهتز بطريقة غريبة، سوا في آخر مرة حينما قال، ترقص كذا، وهز جسده وضرب رجليه بالأرض وقلد صوت دقات حادة. فطنت فجئة، وسألته: فلامنكو؟ ولكنه صمت، فهو لا يدري ما اسم الرقصة، ولكني فهمت ما يعني. وأكمل القصة عن تجمع الفتيات الحسناوات وشيء من هذا القبيل. فهمت لماذا اسبانيا بالذات، ولماذا يتخيل هكذا. هذه الرقصة، الفلامنكو، رقصة تقليدية هناك، يرقصها الرجال والنساء، ولكن لكل طريقته. تركيز الرجال عموماً على حركة أقدامهم، بالقرع على أرضية خشبية للمساهمة بالموسيقى، أو حتى التعويض عنها في مقاطع معينة. ينطبق الأمر على النساء غالباً، ولكن النساء يتوجب عليهن القيام بحركات أكثر بأجسامهن، وفي بعض أساليب الرقص الإقليمية، تتجاهل النساء حتى الأقدام ويركزن على أشياء أخرى. كنت قد فتنت بهذا الضرب من الرقص منذ أن كنت صغيراً، حينما رأيته في فيلم أمريكي يدور في أسبانيا، في الفترة القصيرة التي امتلكنا فيها جهاز فيديو، حيث كان ممنوعاً بالمنزل، حتى فترة متأخرة من حياتنا. كنت في الصف الثالث الابتدائي، وبدا لي هذا الرقص الغريب هو الأجدر بالتعلم، بينما كنت حسب ثقافتنا لا أهتم بالرقص ولا يشد انتباهي أصلاً إلا في حالات استثنائية قليلة، حينما تعتلي المنصة امرأة ترقص وهي مميزة في أحد الأعراس مثلاً. لا زلت شخص لا يجيد الرقص، ولا يهتم حقاً مثل بعض الشباب. ولكني أحب دائما الإطلاع على الرقصات الشعبية لمختلف الشعوب، وليس الرقص الحديث. أحب مراقبته ودراسته، ومقارنته كثيراً. وقد فجر هذا جدلاً في منتدى أشارك فيه، حينما عرض أحدهم مقطع فيديو لشباب سعوديون في الشرق، يبدو أنهم يدرسون هناك، ويشاركون في حفل اجتماعي، فلما حانت فقرة السعودية، شغلوا أغنية جميلة لراشد الفارس، ورقصوا رقص جميل ماتع، أفسده دخول بعض الشباب الأغبياء مع العارضين لأنهم تحمسوا، ولكن فكرة الرقص لم تواجه اعتراضي، بينما قال الآخرين بالمنتدى بأن هؤلاء "فشلونا". تكلمت عن أنهم رقصوا فقط، وأن من لا يسمح لهم برستيجهم بالرقص، فيجب أن لا ينتقدوا الناس إن رقصوا، خصوصاً أنهم لم يرقصوا في غير موضع الرقص ولم يزعجوا الناس، كان استعراض لفلكلورنا. واحتجوا بأنه ليس فلكلورنا، قلت بأنه مزيج منه، وشرحت بأني لا أرقص، ولكني مهتم بالرقص الفلكلوري، وتنوعه لدينا، ومراقب له. يسهل الغضب من الناس وانتقادهم دونما سبب، بينما لا ينتقد هؤلاء أنفسهم أولاً على تعصبهم ونظرهم للآخرين من أعلى، ولا ينتقدون حتى سراويل اللوويست أو الأشياء المقرفة الأخرى التي قد لا يحجمون عنها.
عموماً، لم أكن لأرقص في مكان أولائك الشباب لسبب بسيط، أني لا أعرف. ولو كنت سأتعلم كيف أرقص، لتعلمت رقص الفلامنكو الذكي والذي يحتاج إلى مهارة حقيقية. ولا أخفيكم، لقد كانت هذه أمنيتي منذ أن عرفت عنه، ولا زالت.










أنهيت اشتراكي أخيراً في محل الفيديو، الماسة الزرقاء. وكنت أنوي هذا منذ فترة طويلة. حيث أنه صار سيئاً، ويوفر كل أفلامه للبيع وليس للأجار إلا في حالات قليلة، متذرعاً بأن هذه قوانين بعض شركات التوزيع. حينما تنهي اشتراكك، يحق لك أخذ فيلمين لك بدلاً من قيمة الاشتراك التي دفعتها. لم أتردد بالاختيار، بل كان الأمر بديهياً. أحدها كان: الرقص في لونسا، وهو فيلم عن مسرحية ايرلندية، أعتبره من أجمل ما رأيت. يتكلم عن عائلة من خمس من الأخوات العوانس، وأخوهن الذي عاد معتوهاً شائخاً من أفريقيا، وحبيب الصغرى ووالد طفلها غير الشرعي الذي يحكي القصة. تقوم على الجميع الأخت الكبرى، التي تؤدي دورها مريل ستريب، الممثلة الأكثر مهارة واحتراماً. وهي هنا متدينة، متسلطة إلى حد ما، شكاكة ومزعجة، ولكنها لها دوافعها، إنها رائعة، قلبها دافئ، محبة للجميع، ولكنها مهووسة بصورة الجميع في الخارج كذلك. تتكالب الأقدار على هذه العائلة البائسة، على نحو يدعو للشفقة، وتتفكك بشكل ما. إن ما يذهل في هذا الفيلم هو الأداء الطبيعي جداً، العفوي جداً. حتى الأخت التي تعاني من تخلف خفيف. هذا الفيلم من الأفلام القليلة التي تحرك شعوري بطريقة مألوفة إلى نفسي، بطريقة تشعرني بأني لدي شيء مثيل. الفيلم الآخر هو فيلم اسباني، اسمه متاهة الفون. وهو يدمج بين الواقع المرير القاسي للحرب والثورة المكبوتة، وبين الخيال الغريب، الذي لا يخلو من رعب في بعض لحظاته. من أروع ما رأيت.

فقط انظروا إلى الإبداع في هذا الفيديو:






كانت أمي تبحث عمن يأخذ جوازها وصورها لغرفتها، حينما أخذته منها، وطلبت الاحتفاظ بصورة من صورة الموجودة في نفس الظرف، فرفضت. ألحيت، فتمنت بأنها لم تعط المظروف لي!. وافقت بعد جهد جهيد على مضض. هي مثلي على ما يبدو، لا تفضل احتفاظ الآخرين بصورها . حينما نظرت إلى الصورة في الجواز تذكرت صورة أم شخص آخر، كنت قد ساعدت في أمر تأشيرة لها. يا للشبه!! حتى نفس النظرة. أقصد شبه الصور والانطباع طبعاً.




الصورة في أعلى الموضوع لمصلى الكلية، حيث أصلي الظهر كل يوم. يبدو أحياناً أن الأمور تتداعى، ونحن نصلي، إما غافلين، أو مؤمنين.




سعد الحوشان