الأربعاء، 14 ديسمبر 2011

إختلاجات قلب رقمي (ألماني،أفكار،قصيدة،أحداث،نشر الرواية أخيراً)

بسم الله الرحمن الرحيم












اليقين، الأمر المؤثر في العلاقات التي يؤمل في أن تبدأ أو هي على مفترق طرق. يستغل عامل اليقين في أحيان كثيرة لإيذاء الطرف الآخر، والتلاعب بشعوره. يريد الناس دائما الوقوف على أرض صلبة تجاه موقفهم من الأمور؛ هل انتهت؟ هل ستبدأ؟ على ماذا يعول المرء، هل يوقف نفسه أم يمضي بحياته؟. بشكل خاص، أعلم بأن الكثير من الناس الذين خرجوا من تجارب لم ينضجوا منها بعد، أو فقط لمجرد التحذلق، تستفزهم فكرة وقف الذات، ولا يريدون سماع ذكر لها. الرؤية لديهم هي أن لا شيء يستحق وقف الحياة لأجله. لكن القرار لا يرجع بشكل كامل لنا، ربما يرجع جزئيا، وربما يزداد هامش إرادتنا تجاه الأمور، لكن في بعض الحالات يصبح الأمر خارج عن اليد، سواء لأننا عاجزون عن تقبل الخسارة، أو عدم الكسب، أو لأننا فقط لم نعطي الوقت مجاله ليعمل عمله.
يريد المرء أن يسمع أحياناً ما يدمي قلبه، ولكن يمنحه اليقين؛ لكن حتى هذا معروف أكبر من أن يمنح له في رأي بعض الناس ذوو القلوب القاسية.
قد يكون الأمر تخلي أو رفض غير معلن، تجنب جارح، ورفض شرح السبب، أو حتى رفض مجرد الإقرار بأن الأمور انتهت فعلاً بالنسبة لهم.
لقد عبرت بي مواقف مشابهة، سواء اطلعت عليها أو عشتها بنفسي، وكان الأمر معذباً بلا شك. لكن بمراقبتي للأمور، خلصت إلى أن هذا إشكال قد يكون بلا حل، وقد يزداد سوءً لأن المرء قد يفكر إن كان الطرف الآخر يملك اليقين هو نفسه تجاه الأمور. وعليه، إن الحل الأمثل هو الاختيار الصحيح منذ البداية، الاختيار الجيد لمن تريد التعامل معه على نحو عميق ومؤثر في الحياة، سواء كانت العلاقة صداقة، محبة، عمل، تعاون، أو أي يكون.














تمر أوقات أشعر معها أن العمر لا يكفي للقيام بمسئولياتي الملحة، ناهيك عن اللحاق بطموحاتي. ولا تكف المسئوليات عن التوالي. لكني أجزم بأن الكثير من الناس يساورهم نفس الشعور، فتعساء الحظ أكثر من الأغبياء هنا، أقول الأغبياء لأني لاحظت أنه لا ينجح في هذا البلد بشكل عام ويرتقي إلا الأغبياء، والقساة. طبعاً، يوجد استثناءات، يحضرني بسرعة ذلك الوكيل في الوزارة التي عملت بها، كان ناجحاً، ومستحق لنجاحه بقدر ما عرفت عنه، رغم أنه دكتور. كانت المقارنة بينه وبين من حوله من الدكاترة أمر يبعث على الذهول، فيما كان يفترض أن وضعه هو السائد ووضعهم هو الشاذ، لكن هنا العكس صحيح دائماً، دائماً. ربما لا يجدر بي ظلم دكتور من الذين عملت معه على نحو مباشر، كان طيباً معي، لكن فهمه كان يساء بسهولة من قبل الآخرين، كما أنه لم يكن بمستوى الوكيل، بشخصيته الجذابة والمميزة، وذكائه اللماح، وحسن تعامله وتفهمه للآخرين.



















قبل سنوات، جاء موظف شاب من خارج عمادتنا، وطلب مني أن أترجم ورقة شخصية للدكتور الذي يعمل تحته، وكان قد أرسله إلي مدير إدارة في العمادة دون مشاورتي. كان مقال ربما يريد نشره بالجريدة، أمر شخصي، ودكتور راتبه أكثر من 20000 ريال، ولا يريد أن يدفع قليلاً في الخارج ليترجم أمر يخصه ولا يخص العمل. كان يمكنني ترجمة هذا المقال، ولكن ماذا سأجني؟ حتى أنه هذه الأشكال لا أجر بها، كما أني أعلم بأن هذا الدكتور لا يدري ولن يدري بوجودي، ناهيك عن شكري. وبالأساس؛ أنا لا أخدم الدكاترة السعوديين بشكل عام خارج نطاق عملي لأنهم من المستحيل أن ينفعوا أو يساعدوا أي شخص ليس من "فئتهم"، ولو طلبتهم حق من حقوقك لما بالوا بأمرك. لقد كان بعضهم يأتي يطلب الخدمات، ويحتفي ويصافح حينما يرى الموظف بالصدفة، ثم إذا انتهت حاجته صار يتصدد ويتظاهر بأنه لا يعرفه. رفضت ترجمة المقال المذكور، وخسرني ذلك الشخص كزميل لأني لم أمكنه من مجاملة ذلك الدكتور، فبعض الناس أقصى طموحهم هو مجاملة من هو أعلى منهم مرتبة. وبعد ذلك، صار الشاب هذا لا يرد سلامي. ولم أبالي صدقاً، فأنا حتى لا أعرف اسمه، لكن ملاحظة كيفية تفكير بعض الناس كان أمر مثير للاهتمام.

أما اليوم، فقد جاء هذا الرجل مرة أخرى، ومعه ورقة من دكتور آخر، وطلب مني بعد سلام ومجاملة بأن أترجم الورقة هذه من خارج العمادة. قائلاً بأني لو ترجمتها لجنبتهم ترجمتها في الخارج. فنظرت إلى الورقة، ووجدت بأنها لا تخص عمادتنا ولا عملي في شيء، بل إنها تخص ذلك الدكتور ولا أحد سواه. أخبرت الشاب بأني لا أترجم أشياء من خارج العمادة، وقد رفضت من قبل أن أترجم أشياء من هذا القبيل ولا يمكنني القيام بذلك الآن. شعر بالإهانة، رغم أن الورقة ليست له. اقترحت عليه أن يرى مترجماً آخر، ولكنه لم يعطني فرصة لأوضح بأنه يوجد أكثر من مترجم في العمادة ربما أحدهم يقبل بالمساعدة، إنما قال بنزق بأني لو لم أترجمها فسيترجمونها في الخارج، فلم أشأ أن أواصل ما بدأت من اقتراح. وقال بحنق بأنه سيتكلم مع مديري، أوضحت له بهدوء بأن مديري بالأساس ضد ترجمتي لأشياء من خارج العمادة أو ليس لها علاقة بعملنا، ورفضي تم دائماً بمعرفته، ولكنه يمكنه محادثته لو أحب. فقال بأن الدكتور أصلاً أرسله لمحادثة مديري وليس لمحادثتي، قاصداً الإهانة، لكني لم أشعر بشيء صدقاً، بعض الناس يصعب أن تشعر بالإهانة منهم.
ذهب بغضب باحثاً عن مديري. وعلمت بأنه جاء قبل أن يراني وسأل أحد الزملاء، وهو مدير لوحدة في إدارتنا، قائلاً أين مترجمنا. فرد زميلي باستغراب من مترجمكم؟ هل أنت من العمادة؟ فقال ذلك الشاب لا، فقال زميلي إذا هو ليس مترجمكم، إنما مترجمنا نحن، ودله علي قائلاً هذا المترجم "حقنا".

لاحقاً، أخبرت مديري بما جرى، وقال بأنه لم يرى أحداً، ولكن حينما يأتي مرة أخرى يجب أن أرفض، قال مديري هكذا، وأضاف بأن أجعله يأتي إليه حتى يخبره بأننا لن نقوم بمثل هذه الخدمات خارج إطار عملنا في العمادة.

لماذا أكذب؟ إني أترجم، وبمعرفة مديري وبعد اذنه، بعض الأشياء من خارج العمل، في أوقات فراغي، في بعض الحالات. فمثلاً جائنا طلاب عدة مرات، ينشدون المساعدة بترجمة أوراق رسمية للضرورة. هل أقول لطالب بأن يذهب ويدفع ٥٠ ريالاً على الورقة؟ ٥٠ ريال هي ميزانية بالنسبة لهؤلاء المساكين. غالباً ما أخبرهم أو يخبرهم مديري بنفسه بأنه ليس لدينا ختم معتمد(وهذا واقع)، فإن كانوا يريدون ترجمة بدون ختم على صحة الترجمة فلا بأس، ويكون هذا حينما أملك الوقت. واترجم من حين إلى آخر تقارير طبية، إما للتوضيح أو لمساعدة أحد من خارج العمل، لأناس غالباً ما يكونون محتاجين للمساعدة لأسباب مختلفة، حينما يوافق الأمر قدراتي بالطبع، وقد أترجم لبعض الأجانب المأزومين بعض الأمور. لكن أدائي لبعض الخدمات الطوعية لا يعني بأني لا أملك الخيار. لدي مقاييسي الخاصة، ولا أحترم مطلقاً من يبخل بماله أو يحاول أن يستغل الظروف. يصعب إحراجي في مثل هذه الأمور، وأعرف من يستحق المساعدة ومن لا يستحق، وحينما يحسبني أحد ما ساذجاً، غالباً ما يعرف بأنه أخطأ بسرعة. ولا يكون هذا من قبل الدكاترة السعوديين فقط، لكن بعض العرب انتهازيين أيضاً.









يقصر نظر بعض الناس سوا عن آخر ما حدث، وغالباً ما يعلقون عليه أي تغيير جذري يحدث بعده. ويستغل بعض الناس هذه الحقيقة، فيبحثون فقط عن عذر أخير، وإن بدا للآخرين عذر وحيد وغير كاف، لإنهاء علاقة لم يعودوا يريدونها. إنه مسلك يائس، يلجأ إليه المرء حينما تثقله التراكمات التي لا حل لها، فيبدأ بالتساؤل؛ ماذا جنيت؟. وربما لا يبحث عن العذر من حيث أنه يوجده بالضرورة، إنما فقط يقتنص العذر حينما يحين. هذا ما جرى معي في بعض الظروف، لقد بحثت عن أعذار أخيرة لأنهي علاقات مستنزفة ومجهدة للنفس، ولم يهمني كثيراً أن يتسائل الطرف الآخر عن استحقاق العذر لإنهاء العلاقة، أو عن وجود تراكمات أدت إلى لقاء العلاقة لحتفها. أني أسلك هذا المسلك المحير للآخرين، والذي قد يظلمني في نظر أناس لا يرون إلا ما يسبق الخاتمة مباشرة، وليس امتداد العلاقة، وتراكماتها التي لا يمكن إصلاحها، ما يؤدي في النهاية إلى الختام. مع ذلك، لا أجد منفذ آخر من بعض العلاقات الجائرة، مهما فكرت. صرت أحاول أن أعرف قبل أن أتعمق بأي صداقة أو معرفة، وأبقي الأمور سطحية حتى أتأكد، وغالباً ما تبقى علاقات على مستوى منخفض لا يتطور، عكس ما يريد الطرف الآخر، لكن لأني أعلم مبدأياً بأن شخصيته غير ملائمة، ولا أريد أعرض أعصابي ووقتي للتلف.
أعتقد بأن التجارب القديمة صقلت سمة الإنتقاء في نفسي إلى حد بعيد، وهذا أمر جيد.








إذا، فسدت حاسباتي إلى حد بعيد في وقت متزامن نوعاً ما. حاسب المنزل القديم كان قد بدأ يفسد منذ فترة طويلة، وقد أعدته إلى إعدادات المصنع، أي كما شغلته أول مرة، حوالي 4 مرات في ظرف أشهر قليلة. أعتقد بأنه بلي، وعلى الأغلب أن الهاردّسك قد انتهى عمره. لكن ما "جرح شعوري" هو أن كمبيوتر قوقل التجريبي لم يعد كما كان. بعد آخر تحديث صار لا يفتح صفحات الانترنت من حسابي المسجل عليه، بينما يفتحها على ما يرام في حساب الضيف الذي لا يصلح لحفظ الإعدادات والبرامج، أي أنه أصبح أداة لمجرد التصفح أكثر مما كان عليه حتى. لم يعد بمستطاعي الوصول إلى قائمة مواقعي المفضلة وخلافه من مزايا، ولم يعد بوسعي حفظ الخط الذي أريده وغيره من التفصيلات. حاول موظفو قوقل مساعدتي عبر البريد، وقد تجاوبوا جيداً، لكن يبدو أن وضعي ميئوس منه، لأن آخر ما اقترحوا بعدما أعيتهم الحيلة هو فك الجهاز وتعديله من الداخل. مع أني غير مقتنع بالأمر، فهو حينما أعيده إلى وضعه القديم قبل التحديث الأخير يعمل جيداً، لكن المشكلة أنه من مميزات الجهاز أنه يحدث نفسه تلقائياً، ولا خيار لي بهذا. ولا يبدو أن المستخدمين الآخرين يعانون من نفس الإشكال، وقد حاولوا مساعدتي في مجتمعهم بلا جدوى. هذا حظ سيء فقط.
منذ فترة تراودني فكرة شراء جهاز جديد، على الأقل بديلاً عن جهاز المنزل. أما وقد فسد جهازي المتنقل أيضاً، فيجب أن ينوب الجهاز الجديد عن الاثنين. المشكلة أن كمبيوترات لينوفو التي أحب لم أرها للبيع هنا، فما يباع هنا منها هي المخصصة إجمالاً للترفيه وخلافه، ولا بأس بها، فأنا أعرف أن جودتها عالية، لكني أحببت فئة الأعمال أكثر. لكن ربما أفضل الحلول هو شراء نتبوك جديد، بسعر رخيص كالذي اشتريته قبل فترة طويلة ولم يعد معي الآن. لكن حينما أتذكر وقت الانتظار عند التشغيل حتى يعمل الويندوز، أشعر بأني لا أريد بديلاً عن الكروم. المكان الوحيد الذي يبيع أجهزة كروم هنا هو الاتصالات السعودية، وهي جشعة جداً بالسعر. كما أني قرأت اليوم شائعة مفادها أن htc، الشركة التايوانية الشهيرة، قد تكون تعمل على تصنيع جهاز يجمع الكروم والاندرويد في بنية جهاز لوحي ونتبوك بنفس الوقت. هذا أثار حماسي جداً، وسأنتظر الإعلان، أتمنى أن يكون الصدور في بداية 2012، يا رب، فأنا عازم على شرائه لو احتوى على لوحة مفاتيح جيدة وكان سعره معقولاً، أو مرتفعاً على نحو معقول.

طالما يمكنني القيام بأقل القليل حتى الآن، لا بأس. لكني أفقد صبري أحياناً بسبب ضياع الوقت والمشاكل المفاجئة.













كنت أمس في المستشفى مع والداي. وكنت مع والدي لأن والدتي في قسم نسائي، ولأن والدي يحتاج إلى مرافقتي أكثر. إنه يحتاج إلى تعامل خاص الآن، ويحتاج إلى انتباه ومسئولية. لا يتفهم المارة والجلوس هذا بالعادة، ويصعب عليهم التفكير بأبعد مما يرون. لا يتفهمون مثلاً ندائي الملحّ لوالدي لأنه يحتاج إلى لفت انتباه دائم ليقوم بما يجب من مشي وخلافه، وقد يظن البعض بأني أقسو عليه هكذا حينما أناديه بتكرار ووضوح، أو حينما أمنعه من الذهاب إلى مكان معين أو أوجهه لفعل شيء، أو حينما أبقيه جالساً معي ولا أدعه يجلس في مكان آخر حتى لو طلب وألح. نالني تدخل جارح أو اثنين، وكانا بحسن نوايا، لكنهما جارحان. هذا من عامة الناس، أما الأطباء فيتفهمون عموماً. الناس بعمومهم يتفهمون عمر والدي، ولا يهتمون بما قد يجري لهم حينما يكونون بالقرب، وأحياناً يتفادون النظر وكأن كل شيء طبيعي، لكن لا أحد يميل إلى تفهمي، أو التفكير بسبب سيطرتي المحكمة عليه حينما يكون معي. أتصور بأن أول ما يطرأ على تفكيرهم هو أني عاق لأني أتصرف كالوالد، لا كالإبن. بالطبع لا أرفع صوتي على والدي كما يرفع الأب صوته على ابنه، لكني لا شك لدي بأني الأب الآن خلافاً لهذا. وهذا يصعب على العقلية التي تقولب البر بناء على طبيعية الآباء وتمام قدرتهم على الحكم والتحكم. وسوء الفهم هذا عام جداً، حتى أن بعض إخواني يعانون منه، ولا يمكنهم تقبل أو استيعاب حقيقة أن والدي لم يعد كما كان، وأنه يحتاج إلى عناية وتعامل من نوع آخر. أنا أواجه تعاسة عميقة بسبب الأمر، وأفقد اتزاني كثيراً، لكني لا أحاول أن أنسى فهمي للأمر وتبدل الأدوار على نحو غير طبيعي.
كان هناك رجل بالأمس في صالة الانتظار يجلس مقابلنا، ونحن قد فرغنا من موعدنا وننتظر خروج أمي من موعدها في قسم النساء. كان والدي مصر على الذهاب والتحدث مع ذلك الرجل الذي لا نعرفه، واقترح الرجل أن أسمح لوالدي، في حين لا يقترح الناس هذا بالعادة، لكني رفضت شاكراً، وابقيت والدي معي بإصرار. كان ما أفكر به هو أن هذا الرجل لابد أنه يفكر بأني قاسي، وبلا حياء، لا شك أن كل من رأوا المشهد الذي يتكرر بشكل أو بآخر قد اتخذوا نفس الفكرة. إني أحاول أن لا أفكر بالأمر، لكنها سكينة مغروسة في قلبي، تنتفض مع كل نبضة.
حينما خرجت والدتي، وأخذت والدي للانتظار في الخارج ريثما أذهب إلى مبنى المواقف وأحضر إليهم السيارة، صادفت الرجل مرة أخرى قرب المصعد في مبنى مواقف السيارات. بادرني بالسلام والمصافحة، والابتسامة الصادقة والعميقة، وأنا لا أشكك بحسن نوايا الناس حتى حينما ينظرون إلي بصورة سيئة؛ إنه فقط قصور بالوعي والتجربة، والتفهم، فما كان من الممكن أن أسيء الظن بهذا الرجل، لكني انتظرت نصيحة طويلة حول كيفية التعامل، وربما حتى فائدة البر، وأنا قلبي يدمى. خصوصاً أن الرجل الطويل كان ذو لحية ليست صغيرة. لكن ما حدث هو أنه فاجئني بشكري على بري والدعاء لي، وتبيان أنه تفهم موقفي حينما أصررت على عدم ذهاب والدي إليه، رغم أنه أحب لو تحدث معه، فقد كان والده رحمه الله بنفس الحالة، وقد ذكره به، وسأل الله لي العون. أثر بي الموقف عميقاً، وأنا في طريقي إلى السيارة، امتلأ صدري دفئاً سرى في جسدي حتى غمره، في ذلك الجو البارد في المبنى المفتوح بلا جدران خارجية.

إني لست بار بما يكفي، ولا يمكن للإنسان أن يكون باراً بما يكفي، لكن خصوصاً تجاه والدي، إني أعتني به كموظف أمين، وهذا يزيد جرحي جرحاً، والضغوط لا تسمح لي بالتأني مع نفسي.

















في المنتدى الذي أشارك فيه أحياناً، وهو يختص حول ألعاب الفيديو والترفيه عموماً، نشر شخص، مغسول الوجه بمرق كما نقول، خبراً في المنتدى العام عن زيادة رواتب أهل الامارات 100%. وكتب في عنوان الموضوع بعد خبر الزيادة: "ما شاء الله". غني عن القول أن هذا الرجل اماراتي، ولكن تجدر الإشارة إلى أن غالبية أهل المنتدى العظمى سعوديين، ونسبة غير قليلة من غير أهل الخليج. كما قد يتوقع المرء بعد هذا الموضوع الخاص ببلد معين، ثارت المقارنات بينه وبين السعودية ووضع أهلها الذي لا يتحسن، وتمنى بعض الشباب على نحو جارح لو لم يكونوا سعوديين. كان أمر مؤلم، لكني توصلت إلى خلاصة بعد فترة طويلة من المتابعة: الكثير من أهل الخليج يطربون لألم السعوديين وسوء حظهم بالمقارنة، ويشعرهم هذا بأنهم في حال أفضل أكثر مما هم عليه بالواقع، ولا تكفيهم فرحتهم، لكنهم يحبون جر الأسى على السعوديين دائماً. يمكن قراءة هذا حتى من العنوان الذي كتبه ذلك الأحمق.
يعلم الله أني لا أحسدهم، لأن ما يجري في بلدهم أو بلدانهم لا يهمني، ولست من النوع الذي يتطلع إليهم، فيوجد من هم أجدر بالتطلع على مستويات كثيرة. لكني تزعجني قلة الذوق واحترام الشعور، والتلذذ الوضيع بإبراز ما يتمناه الناس لكن لا يحصلون عليه، حيث يكونون الأغلبية. تخيل هذا معي: منتدى لعلاج العقم، يسجل شخص غبي فيه ويكتب: "باركوا لي ولدت زوجتي أربعة توائم!!(ما شاء الله)". العلة ليست أنه منتدى لعلاج العقم، لكن العلة هي معرفتنا بأن أكثر المسجلين فيه إن لم يكن كلهم يعانون من مشكلة بالإنجاب، أتفهم لو تم هذا في منتدى عادي، كما سأتفهم لو تم الإعلان الأحمق محل الجدل في منتدى اماراتي. ورغم كل ما قيل من أماني الشباب المخزية، وندب الحظ وما إلى ذلك، تجد أن الكاتب وأهل بلده لا يعلقون على الأمر بجدية، مطالبين بالتهاني فقط (وجيههم وسيعة)، ويستمرون بالنقاش الاحتفالي، دون أي مواساة ولو من باب التقدير وحسن الذوق.
إن أكثر ما سائني هو كتابة الموضوع رغم الاحتمالية الكبيرة لحدوث المقارنة والإساءة لبلد آخر بحكم تجارب سابقة، دون أي مبالاة.
لم أتوقع تدخل من إدارة المنتدى، التي يمثلها شخص واحد غالباً، تجاه هذا الوضع، فلطالما كانت سطحية وضيقة الأفق، فهوايتها الأولى ومهنة حياتها هي الألعاب، لعبها، لا إنتاجها حتى. بالإضافة، الكاتب الاماراتي مشرف في المنتدى.
كتبت بأن هذا الموضوع لم يكن يفترض أن ينشر. رد الكاتب مبرراً بسرعة، دون السؤال عن رأيي حتى، وبدا أسلوبه عدائياً، ذلك النوع من الدفاع الذي لم تظهر له ضرورة بعد. دار نقاش قصير، خصوصاً بتدخل أحدهم كالعادة دون أن يفهم ما الأمر، فقط لمجرد الظهور بمظهر البسيط والمتواضع، والذكي بنفس الوقت، وقد فشل فيما أراد. لاحقاً، جاء المشرف، وهو شخص أعرفه منذ زمن بعيد، رجل سطحي الهم، حساس لكن تجاه نفسه فقط، وعلى كثرة أخطائه لم أره يعتذر أو يبدي ندمه قط. معرفتي له تمتد إلى حوالي عقد، وقد جمعتنا علاقة صداقة انترنت لم يستحقها، فقد تكبر كثيراً بفضل ما يعتبره إنجازات في عالم "المنتديات"، في حين ضعف اهتمامي بها إلى أقصى حد منذ سنوات. كان قد حدث بيننا قبل زمن طويل سوء فهم كبير، جعلني أغلق خط الهاتف في وجهه، مما ولد لديه حقداً دام لوقت طويل، فصار يستفزني حينما يجدني، ويحاول طردي وإلغاء عضويتي، لم يكن لديه القدرة على إدارة الأمور على نحو حيادي، في حين كان يأخذ عمله في المنتدى بجدية كبيرة ولكن غير موفقة، وكان هذا تناقضاً، لكنه تناقض جدير بقصور مستواه الفكري. على أنه في السنوات الأخيرة تجاهلنا بعضنا إلى حد بعيد حينما أكون حاضراً، وبدى أنه نسي حقده. ويمكنني القول حتى بأنه نسي حقده حتى الآن، لكنه هو نفسه لم يتغير، لا يزال ذو عقل صغير مستبد وعنيد. كتب كالعادة قوله الحاسم، بأن الموضوع غير حساس وأن من يتحسس فلا يجب أن يدخل، مهدداً بالمخالفات (يعطي نفسه زخم مضحك، ويشجعه صغار السن على هذه السلطة!)، دون تفكير أو سؤال، لأن كاتب الموضوع مشرف في المنتدى وصديق على ما يبدو، ورغم كل ما جرى من مقارنات مؤسفة، ورغم كون الاماراتيين أساساً قلة صغيرة في المنتدى لا تهم أخبارهم الخاصة خصوصاً بهذا السياق. رديت موضحاً على أسلوبه السخيف بأن إبداء الرأي الشخصي حول شيء بلا مبالغة ليس خروج عنه، وأضفت بأن التحسس أمر نسبي (يعتمد على ولائك للبلد على الأغلب، فهو أجنبي الأصل، ولطالما ازدرى أهل المنطقة الوسطى بدعوى أنهم "بدو"، بينما هو أصبح حجازياً، وهو حضرمي بنفس الوقت)، وقلت بأن المواضيع موجودة لتعطى الآراء حولها، وطلبت منه باستفزاز بأن يعطي مخالفته أو حضره لعضويتي.
استمر النقاش، ولاحظت بأنه يحاول أن لا يصعد، لكن عناده وكبريائه كانا يكادان أن يقولان: اصمت بلا نقاش. لكن مع ذلك، موقفه السقيم كالعادة، وأسلوبه الذي لم يخلو من مكابرة واستفزاز، جعلاني أصر على النقاش، وأفحمته بطبيعته الحال، فمنطقه مختلط أساساً وغير سليم، ربما بسبب ما يحشو رأسه به. بدا لي أن تجنبه للحضر طال أكثر من المعتاد، لكني كنت أسعى للحضر وأقترحه بسخرية لأوصل رسالة لبعض الحمقى الذين لا يدركون: إنه مجرد منتدى ترفيهي، إنه ليس بتلك القيمة والأهمية، إنك لا تستطيع أن تنسب ما تقوم به فيه إلى نفسك كثيراً حينما يكون لافتاً للانتباه، إنك لا تستفيد حقاً الكثير إلا في حالات استثنائية، خلاف لهذا، هو للترفيه فقط ولا يجب أن تسمح لهذه الأشكال الرديئة أن تتحكم بك أو تخيفك!، فقط استمتع هنا حينما تريد ولا تأسف إن خرجت. مع أني لا أتصور بأن الشباب السطحي في معظمه، الذي يريد فقط أن يضحك ويتكلم عن لعبة، سيفهم، لكن سيكفيني لو فهم واحد فقط. في النهاية، حضرني ساخراً، دون أن يجيب على حججي طبعاً، وقال بأنه يعتقد بأن هذا ما أريده. حسناً، لقد منحه لي بغباء، فهو لا يعرف أحسن من هذا. أردت أن أوضح لمن يفهم بأن الأمر بالنسبة إليه لا يتعلق بمخالفة تعطى لأمر محدد، إنه أمر مزاجي بالنسبة إليه حتى لو ادعى التنظيم، لهذا لا يجب أن يؤخذ على محمل الجد، أو كشخص عاقل وحكيم.  لكن الغريب بأن حضره لم يكن دائما، كان لشهرين أو ثلاثة لست متأكداً، ولم تكن هذه عادته معي.

أما صاحب الموضوع الاماراتي، فقد حاول أن يرد، لكن ردوده جاءت أغبى حتى من رد الآخر، ولضعف حسه لم يستوعب العلة، وضعف الحس يولد ضعف الحياء، وكانت هذه علة موضوعه، إنه لا يحس. ولست أكتب عن هذه التجربة ليقرأوها، فليسوا ممن يقرأ الكثير بحسب ما رأيت منهم، فيصعب إرسال رسالة إليهم ما لم تكن في لعبة، أو فيلم كرتون، لكنها تجربة أرجو أن تكون قد وضحت شيئاً مما أعتقد أنه يجدر بنا التعامل به تجاه المنتديات بشكل عام. لا يجب أن تؤخذ بعاطفية وتقدر كثيراً، ولا يجب أن تعطى أهمية في حياة المرء. كنت أتابع بضعة أخبار من خلال المنتدى، أسأل عن حل لمشكلة تقنية، وربما حينما أجد الوقت أرى أمور عشوائية قد يكون بعضها مثيراً للاهتمام.


















كنت قد كتبت قبل فترة طويلة عن رحلتي إلى القصيم، للوصول إلى مركز طبي يعمل فيه أطباء ألمان جدد متخصصين في مشاكل العظام وما تعلق بها، وقد ذهبنا لأجل أمي وابنة أختي. لم نجد الطبيب الذي أوصاني صديقي الدكتور الألماني أن أبلغه سلامه، وقد كان هو رئيس هؤلاء الأطباء، والشريك في المشروع على حد علمي. لكننا وجدنا آخر، وقد فحص وأعطانا رأيه، وطلب مني إجراء أشعة من نوع خاص لا تتوفر في مركزه، أجريها في الرياض وأرسلها إليه بالبريد. ما حدث هو أن اسطوانة الحاسوب التي تحوي الأشعة ضاعت بعدما وصلت الطبيب، ولم أتمكن من الحصول على نسخة أخرى لأني لم أجد الفاتورة أو رقم الأرشفة للأشعة، حيث أن أمي لا تملك ملفاً في ذلك المستشفى. مر وقت طويل قبل أن يجدوها مجدداً. ولكن كان حال المركز قد تبدل على ما يبدو. كان الطبيب الذي فحص أمي قد غادر لبعض الوقت إلى بلده، حيث راسلني من هناك، وقد أخذ الاسطوانة معه وأعطاها إلى متخصص بمشكلة أمي ليعطي رأيه. حتى ذلك الوقت لم يتوقف صديقي الألماني الكبير عن متابعة الأمر مع رئيسهم، والإلحاح عليه للبحث عن الاسطوانة أو فعل شيء. اقترح ذلك الطبيب بعض الحلول، ولكن حينما ظهرت الاسطوانة طلب مني التواصل، والإلحاح، على الطبيب الذي أخذها إلى ألمانيا ليعطيني معلومات الأسطوانة لأحصل على نسخة. فوجئت برسالة من الطبيب في القصيم يخبرني بأنه ينوي في وقت ما القدوم ليوم واحد إلى الرياض ليفحص أمي في المنزل. قدرت هكذا كثيراً، حيث لم أطلب هذه الخدمة، وهي أكبر من أن تطلب في رأيي. لم أتوقع أن يحضر خصيصاً مع ذلك. إلا أن هذا ما حدث، حضر خصيصاً ليرى أمي مع أخصائي آخر، وأخذتهم إلى المنزل ليفحصوها. الجيد أن أمي لم تفقد ثقتها بالجميع بعد كل التأخير من ذلك الطبيب الأول، الذي يبدو أن الطبيب الرئيسي يلومه كثيراً على نحو غير مباشر. إلا أني لا ألومه، إني آسف لحاله، فقد رأيته، وقرأت ما يكتب، إنه يعاني من علة ما في حياته بوضوح، ولا شك لدي بهذا، ولا شك لدي بأنه كان يريد المساعدة ولا زال، لكنه مشتت رغم حسن نواياه. فقد عرض المساعدة على نحو يتعدى المعتاد، وبذل جهداً، كان ببساطة حينما قابلناه لا يريد أن يقول لا حينما أسأله المساعدة في شيء، ولكن الإشكال كان في تشتته الذي يعود إلى سبب واضح، وليس الإهمال. كان الدكتور الألماني، صديقي، يلومه على التأخير، ويبدو أن رئيسه الطبيب الألماني الآخر يلومه كذلك منذ فترة، لكني شرحت للدكتور وجهة نظري في لقائنا المعتاد في نهاية الأسبوع، ضحك، وقال بأن قلبي طيب، أخبرته بأن هذا لا شأن له بقلبي، إن له شأن بما رأيته من الرجل ولاحظته، وإني على ثقة بأنه مأزوم ويستحق التعاطف. تفكر الدكتور قليلاً، وقال بأنه يعتقد بأنه مأزوم بالفعل.

حينما جاءوا، وذهبت لآخذهم إلى المنزل، أخبرني الطبيب بأن قدومه كان خصيصاً لنا، احتراماً لوالدتي التي عانت كثيراً بسبب تأخير الدكتور فلان، وأنه أصر على الحضور إلينا لينظر في الأمور بنفسه. أحد أبناء إخواني يعاني من مشكلة أيضاً، وسألت الطبيب بطريقة معتذرة إن كان بإمكانه أن يراه أيضاً، ابتسم وقال لي بأن أحضر من أريد، وأن أستغل الفرصة طالما هو موجود. كنت قد رتبت لحضور الصبي مسبقاً، فرآه هو وزميله الطبيب الآخر. رفض أخذ أي مبلغ، وطلب مني أن لا أتحدث عن الأمر.
يأتي بأسئلة غريبة كما في آخر مرة. وغالباً ما يحاول أن يكون عميقاً فيها، لكن بلا جدوى. وربما لأنه جاء ليفحص هذه المرة، كان جاداً أكثر من المرة الفائتة، ووجدت التفاهم معه على شيء من الصعوبة.
قد نذهب في فترة قادمة إن شاء الله لنراه هناك. أتمنى أن يشفي الله أمي.

كان قد أذهله أن علم، مرة أخرى، أني من القصيم، وبدأ هو وزميله بتخمين من أي بلدة أنا. بالنسبة لي، كان شيء مضحك. إني لا أركز بالواقع على انتمائي إلى تلك البلدة، المذنب، إن انتمائي للمنطقة ككل.



هذه صور ابن اختي الجديد. لذيذ لكنه كريه ونذل، لا يحب القبلات الكبيرة. سموه فهد، وهو اسم لا يعجبني، لكن على الأقل ليس من الأسماء الحديثة الغبية.


كوكي













نشاهد أحياناً أنا والدكتور الألماني فيلم من اختياري، ودائما ما يكون من أفضل الأفلام التي أحب. حينما ننتهي، تناقش في أمره. غالباً ما أنظر في القيمة الفلسفية للفيلم، والعبرة منه، وأكون قد جمعت ملاحظات يحب الدكتور سماعها. إنه صديق يحب سماع أرائي، ليس بقصد دحضها أو استصغارها، وهذا أمر غير معتاد بالنسبة لي، وقد بدأت بالانطلاق بالتحدث عن أفكاري وأرائي على نحو لم أعهده في صداقة من قبل، سواء كان بسبب التضييق النفسي والفكري من الطرف الآخر، أو بسبب تفاوت الرؤى والهموم، باستثناء أختي الكبرى، التي أجد فيها الصديقة الأبدية والنهائية.

كان آخر الأفلام هو فيلم صيني، التنين المُخبأ , النمر المتحفز (Hidden Dragon, Crouching Tiger). وهو قد أثار زوبعة حينما صدر قبل سنوات، وكسب ورشح لجوائز اوسكار. ما يلفت الانتباه لأول وهلة هو القدرة الإخراجية الحركية والخيال الواسع، التقافز الحالم للمقاتلين في مطارداتهم. لكن الفيلم يخبئ فلسفة عميقة، وأحاسيس راقية خلفه، بدون المبالغات السخيفة في بعض الأفلام الصينية، هذا الفيلم وقور وجاد رغم كل ما يحوي من خيال. الشعور اليائس فيه يجعلني أشعر بالأسف، إنه يعرض نموذج متكرر كثيراً في الحياة، تلك الشخصيات التي تعيق حياتك بلا مبالاة أو إحساس بالمسئولية، شخصيات غارقة بالأنانية ولا تعرف ما تريد رغم كل شيء، وأنت ليس بمستطاعك أن تتخلى عنها، حتى تجرك للدمار في شق من حياتك، أو حياتك كلها، دون أن تكون أنقذتها، ودون أن تتوصل تلك الشخصيات في النهاية إلى معرفة ما تريد، والخروج بخلاصة، إنها شخصيات مليئة بالفراغ، ومحاطة به بقدر ما تفهم، وتتخبط، وتفقد الإحساس بما تجنيه على الآخرين. إنها شخصيات كان يجب أن تكرهها وتمضي بحياتك، لكنك لا تستطيع لسبب أو لآخر. تناقشنا حول رؤيتي هذه، وكان يبدو أن الدكتور لم يلاحظ هذا وهو يشاهد الفيلم، لكنه فهم الفيلم على نحو أفضل مع نقاشنا، وازداد إعجابه به، بعدما حسبه في البداية مفرط العاطفية، لكنه بالواقع لم يكن كذلك، إنما كان حول فلسفة حياتيه، لا علاقة لها بالشر كما نعرفه وكما تمثله الشخصية الشريرة في الفيلم، ولا بالأبطال بحد ذاتهم، لكن بالقدر الذي تجرهم إليه شخصية الفتاة الغرة والأنانية التي تجذب الجميع إلى هاويتهم، دون أن تستحق حب أحد وتضحياته. قالت الشخصية الشريرة في النهاية، وهي امرأة مقاتلة عجوز، كانت قد ربت كخادمة الفتاة النبيلة وعلمتها سراً فنون القتال، بأن السم ليس السم الذي نعرفه، إنما السم هو فتاة ذات ثمان سنوات، مضللة. كان هذه المجرمة قد أحبت هذه الطفلة من كل قلبها، واستنزفت نفسها لأجلها، لكنها في النهاية وقفت عند حد معين لتنهي ما بدا بأنه موقف ميئوس منه ومسدود، فاستخدمت الفتاة كطعم، لتقتلها وتقتل عدوها، الجانب الخير في القصة. قالت بأن الفتاة هي حبيبتها، وعدوتها النهائية، قبل أن تموت. أداء الممثلة هذه بارع على نحو لا يوصف، وبالواقع جميع الممثلين في الفيلم غير عاديين. لا ينتهي الفيلم هكذا عموماً. كم من أحبابنا، هم أعدائنا في النهاية؟ سواء قصدو أم لا.

مشينا في آخر مرة في ممشى طريق الملك عبدالله، كنت قد اقترحت هذا، وأعجبه الاقتراح. استمتعنا بالمسير والتحدث، وتناقشنا حول مختلف الأمور. كاد أن يقتنع قبل فترة بشراء جوال ذكي، لكنه فقد الحماس بعدما تشتت بين شراء جوال أو لوحي.
هو يتحدث 7 أو 8 لغات. سألته ما اللغة التي يريد أن يتعلمها لو كان سيتعلم لغة جديدة؟ قال اللغة العربية. هذا شيء أعرفه، سألته عن غيرها؟ فقال بأنه لا يريد أن يتعلم غيرها، إن لم يتعلمها يريد أن يتمرن على اللغات التي يعرف، خصوصاً لغتين قلما مارسهما. رغم أنه يحب النرويج، إلا أنه لا يتحدث لغتهم إلا قليلاً جداً، يفهم فقط القليل. ضحكت، قلت بأن صوت اللغات الاسكندنافية مضحك، خصوصاً النرويجية، لكني أحب صوتها. سألني لماذا؟ قلت لأنها عكس باقي اللغات صوتها يجعلها تبدو بدائية، وهذا يجعلها أكثر إنسانية بالنسبة لي. ضحك على الفكرة، مع أني صادق.
سألني ماذا أريد أن أتعلم بدوري؟ قلت بأني أريد أن أتعلم الكتابة والقراءة بالكورية، لكني غير مهتم بالتحدث، لماذا؟ قلت بأن نظام الكتابة لديهم شديد التطور والابتكارية، لأنه نظام حديث نسبياً، وهو يعتمد على المنطق إلى حد بعيد. سألني عن لغة أريد أن أتحدثها؟ قلت بأني كنت أفكر بالاسبانية، يمكن للمرء أن يتواصل كثيراً في أمريكا الجنوبية عبرها، لكني وجدت نفسي تعافها. حينما سألني عن السبب، قلت بسبب كل ما قاموا به تجاه الناس هناك. أريد أن أتعلم ربما الكيتشوا، بدأت أفكر بهذا مؤخراً، رغم أنه أمر مستحيل. سألني لماذا؟ قلت بأنها ستفتح المجال للتواصل مع أناس غير مألوفين على نحو أوسع، أناس لا نعرف عنهم شيئاً بخصوصيتهم وثقافتهم. هذه لغة السكان الأصليين في البيرو وربما الاكوادور.
اتفقنا على أن أعلمه العربية بقدر المستطاع، بدءا من اللقاء القادم. أتمنى أن أتمكن من إفادته، فليست لي خبرة في تدريس اللغة العربية، فأنا فاشل في القواعد نظرياً، رغم أني كنت أحب البلاغة وأفهمها جيداً.
ذهبنا إلى دبينقو، أو دبينغو كما يكتبها المحل، وهو متخصص بالشوكولاتة. مشروب الشوكولاتة لديه غير جيد، رغم ارتفاع سعره، فالكأس بـ19 ريال، وهذا الأرخص من حجمين.








قررت قراراً جديداً بشأل الرواية التي كتبتها منذ سنوات ولم أنشرها. قررت أن أنشرها على الانترنت، في مدونة خاصة بها ومجهزة ككتاب. للقرار أسباب كثيرة. كنت أريد أن أنشرها ذاتياً لأتعلم الصنعة، لكني لست بواثق من ظروف حياتي، ولست بواثق من استمرار مدخراتي على حالها في الأشهر القليلة القادمة (لن أتزوج). بهذه الظروف وهذه الحياة، والرواية المتروكة للغبار في مستندات قوقل، لا أشعر بالتشجع تجاه أكثر من تحريرها، فنشرها سيتطلب مجهوداً لا أدري إن كان لدي الوقت لمتابعته في الوقت الحالي، خصوصاً الفسح وما شابه (مررت بتجربة سقيمة مع وزارة الإعلام من قبل لأجل الرواية). ولست بواثق بأنها ستكون مربحة أو تكافئ العناء، أو أن تعلمي من نشرها سيتمخض عن شيء نظراً لظروفي. كلما فكرت بها، كلما رأيت بأني تأخرت كثيراً إلى حد ضار، بحيث أني أفقد رضاي عن إنتاجي أكثر فأكثر.
ومن يدري، ربما كان النشر على الانترنت باب لأمر مهم، فأنا لدي بعض الأفكر، لكن مرة أخرى؛ لا أدري عن الوقت، وأضيف؛ الحظ.
على الأغلب أني سأنشرها على شكل فصول، لأتمكن من الإعلان عنها في البريد وعلى الشبكة الاجتماعية أكثر من مرة دون أن أحرج نفسي. أتمنى أن يستمتع بقرائتها أكبر قدر من الناس، وربما يطلع عليها أحد مهتم بالإعلان وخلافه.

وهكذا؛ ذرت الرياح الإلكترونية آخر آمالي بالتواجد على نحو ملموس بالنسبة للقراء. إن ما تقرأونه مما أكتب تقرأونه بوساطة رقمية، وعلى ما يبدو سيظل كل ما يقرأ لي يظهر على هذا النحو، وليس هذا بأمر محزن بحد ذاته. خطر في بالي مؤخراً بأني ترقمنت بشكل ما، ترقمنت كشخص جزئياً. يظهر التعبير الإنساني عن ذاتي، وهذا من أهم جوانب الحياة في رأيي، على أكبر نحو هنا، في المدونة، على الانترنت، رقمياً، حيث يختار الناس القدوم والقراءة، دون أن أفرض نفسي. الحيز الضيق الذي أعبر به عن ذاتي خارج النطاق الرقمي يحوي قلة من الأشخاص؛ الدكتور الألماني على النحو الأكثف، أمي، أخواتي. لكن، هؤلاء هم فقط دائرتي الأقرب. لأي أحد آخر يلاحظني، أتخيل بأني أبدو لهم شيء رقمي؛ شيء يقرأون ما يقول على مدونته أو شبكة قوقل الاجتماعية، أرى كيف يبحثون عن سعد الحوشان على الشبكة فيصلون إلى مدونتي، لكن في الواقع، لا أحد يبحث عني، ولا أقول هذا بحزن، لكن ما أريد إيصاله هو أني بالنسبة للغالبية العظمى من الناس صفحة تُحدث كل شهر، حكايات غريبة لا توجد إلا في العالم الرقمي، وهذا بشكل ما، يجعل مني في أذهانهم فكرة رقمية، لا أتواجد خارج الانترنت فعلاً، سلسلة حكايات تظهر كل شهر.
ربما جزئياً أردت أن أظهر بشكل آخر لنفس الناس، ولسواهم، أردت أن أظهر على نحو ملموس، في كتاب يباع، أرسله إليهم عبر البريد مع رسالة شكر بخط يدي، يدي عبرت فوق أول صفحة، لتخط شكراً إلى شخص يهتم بالقراءة لي، يريد كتابي ويشتريه، يدرك وجود أعمق لي.
لكن يبدو أني سأظل رقمياً بالنسبة للناس؛ قلب رقمي ينبض بمشاعر وأفكار. ولا بأس، فهذا عادل بما يكفي؛ أتواجد بالنسبة لأحدهم بشكل ما على الأقل.

لكن؛

إني لست مجرد صفحة على الشبكة...
ولن أكون مجرد صفحات كتاب...
قد أبدو رقمياً للجميع...
لكني حقيقي...
موجود بقلب وعينان...
وكل ما يمكن تصوره عن إنسان...
ولعل كتفينا تلامستا...
ثم تبادلنا الابتسام...
أو أنك شممت عطري...
بعدما مضيتُ من مكان...
إني حي...
بروح متشرنقة صارخة...
تنتظر ككل الأرواح الانعتاق...
لتتعلق بأكتاف الملائكة...
كفراشة على وردة متفتحة...
أو كبتلة وقعت على غدير رقراق...








في البارحة، قرأت في جريدة خبر عن شخص عملت معه سابقاً، وقد تمت ترقيته إلى درجة استاذ. تم استعراض سيرته العلمية والعملية على نحو غير مألوف، لكنه جدير بشخص يقدس العلاقات العامة وتملق الناس. عرفت أنه يعمل الآن في السفارة السعودية في أمريكا، حالما قرأت هذا ابتسمت، ودعوت الله بأن يعين الرعايا السعوديين هناك. لست أكرهه، وإن كنت أنفر منه بشدة، لكني أجده إنسان غير مقبول، وغير صادق، وغير منتج، وبياع كلام. لم أشتري منه كلاماً، لكن يا الله، كم أتلف أعصابي وهو يحاول بيعي الكلام!. لكن، أليسوا هؤلاء هم من ينجح، ويرتقي في مهن الحكومة. كنت أشعر بنفور غير عادي منه، من كل ما يخصه، وكنت قد كتبت عن هذا كثيراً في تدويناتي الأولى هنا، حينما انتقلت للعمل في وزارة. كان من النوع الذي يتخيل بأنه يعمل حينما يعطي الأفكار الفاشلة ويذهب لينفذها الآخرين، ثم يُرفع العمل باسمه، وهذا ما جرى لي. لا أنكر بأنه حاول تعويضي بطرق اخرى، رغم علمه، وضيقه، بنفوري الشديد منه، وربما شعر بالأسف لذهاب جهودي لصالحه فقط. كنت أكره حضوره وأسلوبه المتملق المزيف حتى حينما كان يحاول أن يكون لطيفاً أو يمنحني شيئاً، فكنت أرفض. أتذكر أنه حتى أراني حسابه في البنك، وهذا شيء لا يقوم به أحد، ليريني بأنه ناجح باستثماراته، وليقنعني بأن أستثمر تحت رعايته ونصيحته، أو أدعه يستثمر لي مع إخوانه. وكان هذا عرضاً صادقاً أصر عليه لوقت طويل رغم تهربي ورفضي؛ لم أرد أن يربطني به شيء، رغم أنه لم يمكنني إلا أن أقدر ثقته. وكان يعلم ويضيق بنفوري طوال الوقت، وكان هذا يبدو على وجهه، ولم يكن يحاول أن يتقرب لي حباً في شخصي أو انجذاباً إلى شخصيتي، لكني أعلم بأنه كان يشعر بأنه يجب أن يعوضني بشكل ما. وربما كان لا يفهم لماذا أنفر منه كل هذا النفور، فاستغلاله لجهدي لم يكن يستحق كل هذا، رغم أنه شيء سيء جداً، لكن كما كنت قد قلت بأن الأرواح جنود مجندة حينما تحدثت عنه، ما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف، ولا زلت مؤمنا بأن روحي تهرب من روحه، ولو احتضنني لهربت روحي من جسدي نفوراً. أتذكر حتى بأنه وصل إلى حال أن يضغط على نفسه، ويفرض طبيعته المتملقة فرضاً على نفسه، في حين كان يجب أن يعاملني ببرود وربما بكراهية تجاه برودي ونفوري الذي يزداد وضوحاً كلما تلفت أعصابي أكثر. كنت حتى قد أغلقت خط الهاتف في وجهه ذات مرة، بعدما لم أعد أستطيع أن أحتمل استغلاله غير الطبيعي، بعدما أعادني للعمل بعد نهاية الدوام لأجل أمر تافه كان يمكنه القيام به، وبعدما عدت كان يغلي من الداخل، لكن لم يقم بشيء يذكر. كان يعتقد بأني موهوب بالترجمة وجمع المعلومات وترتيبها، وكان هذا ما يجعله يحاصرني ويعصرني معنوياً وعملياً عصراً بكل طريقة ممكنة، فلم يكن لمديحه جدوى، ولم يكن لإعجابه بعملي تأثير. كان حتى يتصل بي أحياناً في الساعة الثانية عشرة في الليل، ليسأل ماذا فعلت بالعمل، وإلى أين وصلت. كان أمر منفر، حصار غير عادي. ورغم أن العمل لم يكن يتأخر أبداً لدي، وكان هذا من ضمن ما يعجبه، إلا أنه كان يريد أن يتابع باستمرار لمجرد الفضول والإصرار على بذل المزيد. قال ذات مرة بإعجاب صادق، مجرد على غير العادة، بأني أعمل على نحو فعال جداً في الصباح. لم يفكر بأن هذا يحدث لأنه لم يكن موجوداً في الصباح. قبل أن أنتقل عائداً إلى الجامعة، قال بطريقة أشعرتني بالقهر: سعد، ليش تروح؟ أنا أحتاجك هنا!!. شعرت بأني لم أحصل على ميزة لنفسي من جهودي. حينما طلبت الانتقال، كان مديري، أو من يتنازعني مع ذلك الدكتور، يحاول اقناعي بالبقاء، وكان الأمر بالنسبة إليه ليس عملاً فقط، لكنه عبر عن تقدير شخصي أيضاً، كان قد بدأ يرتاح إلي ويحبني، وقد شعر بالأسف لذهابي، حتى لأجل لفتات صغيرة من العناية بشؤونه. أما الوكيل، فلم يقصر بعرض تحسين وضعي ومساعدتي. لكن لم يكن هناك مجال للتفكير، كان يجب أن أكون قرب المستشفى الجامعي لأجل أهلي، دون هذه الميزة، لن يكون لأي شيء آخر معنى.
حاول الدكتور الانتهازي أن يتظاهر بأن المميزات التي عرضت علي حينما طلبت الانتقال من عندهم كانت بإيعاز منه، لكنه لم يكن صادقاً، وقد قالها بطريقة تحوي كل اللطف المنافق، لكن كان الأمر أشبه بالمنة برد الدين.


وبالواقع، ذهابه دبلوماسياً في أمريكا جعلني أشعر بأن الدكاترة الذين يرسلون بمهام مشابهة يتمتعون بالنقائص المطلوبة على ما يبدو، إذ أني أعرف أكاديمي آخر شديد الغباء ويعمل ملحقاً في الخارج، لكن له سماته المختلفة، ففي حين أن الأول الذي عملت معه لم يكن شريراً أو يتعمد جرح الناس، كان الآخرعكسه تماماً، كما أنه يتملق على مستويات أعلى، مما يضاعف من خسته، وهو بعيد عن التعاطف لمن هم دون عنه، قريب من النذالة والقسوة، ولم أرى أحد يعشق الكذب أكثر منه.











منذ أيام نزل تحديث جديد لمتصفح كروم، وهذا يعني أن نظام كروم سيتم تحديثه بعد ذلك بفترة قصيرة. كنت أدعو الله أن يصلح هذا التحديث جهازي، الذي تعرض للفك والتعذيب بواسطة أخي بلا جدوى، وتم إزعاج قوقل ومجتمع مالكي الجهاز بخصوص مشكلتي معه دون طائل. حينما صحوت صباح اليوم باكراً جداً (أنا مريض هذه الأيام، ربما لهذا لم أنتظر المنبه) شغلت الجهاز وإذا ووجدت أن هناك تحديث. كانت لحظات انتظار عصيبة. لكن في نهايتها؛ الجهاز عمل كما كان، والحمد لله والشكر. أنا سعيد، ولم أعد مستعجلاً على شراء كمبيوتر.






سوني اريكسون، التي اشتريت منها واختي وابنها جوالات مؤخراً، أضافت خدمة رائعة لمستخدمي الجهاز حصرياً. يوجد موقع لرفع الملفات وتعديلها ومشاركتها اسمه بوكس، وهو يعطي مجاناً 5 قيقا للمستخدم، لكن بالاتفاق مع سوني، سيمنح مستخدمي جوالاتها 50 قيقا. عرض مجنون. سأستفيد منه إن شاء الله، رغم أني لا زلت أجد خدمات قوقل كافية، لكن من يدري.








زرت مطعم مكسيكي جديد نسبياً قرب حينا، أو فرع جديد من مطعم ليس بجديد على حد علمي. إني أعرف الآن بأن الطعام المكسيكي بغض النظر عن جودة تحضيره ليس مما يستهويني كثيراً صدقاً. يمكنني أن آكله، وأستمتع به، لكنه ليس أفضل خياراتي، وليس مما أتحمس إلى أكله. ذهبت باثنين من ابناء إخواني إلى هذا المطعم للتجربة، وأكثر ما أذهلني هو الخدمة غير العادية هناك، والود واللطف الشديد الذي يعاملونك به. بصراحة، لا أعرف مطعماً متخصصاً بالطعام الفاخر يتمتع بطاقم ودود بصدق، فجلهم إما فلبينيون مغرورون أو لا مبالين، أو هنود يفتقرون إلى الخبرة وأحياناً اللطف، ومن النادر رؤية نيباليين، وهم بالعادة لطفاء بحسب تجربتي وحسنو الحضور. في هذا المطعم، فتح لنا الباب بترحاب لطيف، وأخذنا إلى طاولة، وعرفنا النادل على نفسه بلطف، وهو فلبيني، وقال بأنه هو المسئول عن خدمتنا، لنناديه حينما نحتاج إلى أي شيء. كان الطعام جيداً بكل تأكيد، وكميته كافية جداً باستثناء الأرز، الذي أعتقد بأنه كطبق هو أطعم ما يحوي المطبخ المكسيكي بالنسبة لي. كان النادل يحضر ليطمئن على استمتاعنا بالوجبة وليرى حاجتنا لأي شيء. وحينما لا يحضر هو إذا انشغل بشيء، يلاحظ نادل آخر ويأتي للاطمئنان، وقد يعبر أحدهم ويرى كأس المشروب فارغ فيعرض ملئه لنا دون أن نطلب. كما قلت، لست من هواة الطعام المكسيكي، لكني استمتعت بالوجبة جداً بسبب الخدمة، ولأنها بغض النظر عن تفضيلاتي كانت جيدة. إن سعر الطعام غال لديهم، لكنك تدفعه بسعادة.
جاء مدير المطعم، وتسائل عن تجربتنا، واستمع لما قلت جيداً، ملاحظتي حول، لطف العاملين هناك، الطعام وجودته المرضية، وقلة الأرز، حيث عرض إحضار المزيد، لكني رفضت بالطبع، كانت مجرد ملاحظة ولم يكن يمكنني أكل المزيد، فاللحم كان كثيراً.
حينما خرجنا ودعونا، وودعتهم قائلاً بأني سأراهم في المرة القادمة، فرد النادل الذي فتح لنا الباب بسعادة قائلا: إن شاء الله. وهو فلبيني آخر، وليس فرانسيسكو الذي اهتم بنا.

كنت مسروراً بالمعاملة إلى درجة أني دعوت همام، صديقي الصيني، ليجرب المطعم بعد اسبوعين (في الأسبوع الأول لم يتمكن من لقائي). ذهلت حينما وجدت أن فرانسيسكو يتذكرني، ويسأل عن ابناء أخي، الذين قلت بأني لم أحضرهم، فأنا لا أريد أن أفرط بتدليلهم (أرجو أن لا يقرأوا هذا!!). أعجب همام بالطعام كثيراً، وأعجب بالخدمة أكثر. كانت المرة الأولى له في مطعم مكسيكي. لم أتوقع أن يعجبه الطعام إلى هذا الحد بصراحة، لأني افترضت بأنه سيجده غريباً وثقيلاً. كان تعاملهم يشعرني بأني استضفت صديقي على نحو جيد.
اسم المطعم إل-تشيكو. الفرع الذي ذهبت إليه هو في طريق الملك عبدالعزيز في أقصى الشمال، في مجمع المطاعم على الدوار الذي يتسيده مطعم مكدانلدز.


أتمنى لو كان لدينا أنواع أخرى من المطاعم، من ثقافات ودول جديدة على السوق. قرأت بأن الموضة ستصبح الآن في عواصم الطعام للمطابخ الأمريكية الجنوبية، فهي غير مستكشفة، لكن الرياض هي عاصمة الشاورما والمثلوثة، حيث يأكل الناس بلا تفكير أو تذوق، مجرد حشو ذاتي.

وبذكر الطعام، انتظر اليوم، الاربعاء، من بداية الأسبوع. زميلة أختي صانعة شوكولاتة محترفة، وقد تعلمت في دورات خارجية كيفية صنعها. تقول أختي بأن ما تصنع لا يوصف، لذلك طلبت لأجلي بضع حبات (هي تبيعها للناس، لكن لا يبدو لي أنها تعرف كيف تسوق لنفسها على نطاق واسع). رفضت المرأة صنع النوع الذي طلبته أختي، مقترحة، بما أني ذواق للشوكولاتة، أن ترسل إلي نوع آخر. لا يسعني الانتظار. للشوكولاتة قيمة كبيرة في قلبي. كما كنت قد قلت في أول تدويناتي؛ ألذ شوكولاتة تذوقتها جاء بها وكيل الوزير من سويسرا في الوزارة التي عملت بها مؤقتاً. لكن، لا يعني هذا بأنها أكثر ما استمتعت به، لأنه يوجد شوكولاتة قلبية، يؤتى بها خصيصاً لك دون طلب أو ضغوط.
للأسف، تعرضت المرأة الفاضلة إلى حادث سيارة، أسأل الله لها السلامة. طمأنتني أختي بأنها على ما يرام، لكن لا بد أنها ترتاح في المنزل. إن الحوادث ليست بالأمر الهين، حتى لو لم يصب المرء.





من محل للشاي الصيني، على طريق الملك عبدالعزيز قرب مطعم الرومانسية، اشتريت قبل فترة علبة شاي أخضر مكلفة. كانت أول الأوراق لا مثيل لها، لم أرى أوراق شاي كاملة قبل ذلك، ولم أتذوق شاي أخضر بنفس روعة الرائحة والنكهة، إلى درجة أني مباشرة تعودت عليه بلا سكر، بل أصبحت أشرب الكوب تلو الآخر بتلذذ. لكن، بعد قليل من الاستهلاك، اكتشفت بأن الأوراق الجيدة في الأعلى، أما تحتها، فهي أوراق مفتتة وذابلة على نحو منفر، وتتخلها الأغصار الطويلة التي تأكل من الكمية الصالحة للاستهلاك؛ إنهم غشاشون. شعرت بالقرف من هذه الوضاعة، ولن أشتري من المحل مرة أخرى. أعتقد ان اسمه روح الطبيعة، هو عموما في طريق الملك عبدالعزيز في حي المصيف.
ربما سأجرب قوشويندر أو شيء من هذا القبيل، محل ذو اسم صعب، ولكن يبدو أنه أكثر احترافية.






رأيت قبل قليل مقطع لوزير الزراعة، مقطع لم يزدني إلا اقتناع بأن معضلتنا تتجلى بالقسوة وضعف إدراك حاجة الناس ومشاعرهم، أي الأنانية. الأمر يطول الحديث حوله، لكني يائس إلى حد بعيد.





زميلي الملتزم العصبي سيذهب لأسابيع لأجل امتحاناته، لن يذهب وحده، لكني سأفتقده أكثر، سأفتقد اللطف الذي يخصني به، والذي أقدره كثيراً.










سعد الحوشان

الخميس، 20 أكتوبر 2011

نفاذ القدر إلى الأمل المبتذل (أحداث،قصة قصيرة،ألماني،جهاز)



بسم الله الرحمن الرحيم






كثير ما كتبته منذ رمضان الفائت في تدوينة فقدتها قبل قليل بغباء مطلق. كنت أستعد للنشر الآن. أليس هذا مضحك؟ أن تفقد ما عملت عليه فقط حينما تنهيه. أفكر الآن، ضمن كل ما كتبت، ما هو أهم ما كتبت؟ أشعر بأن كل ما كتبت كان يهمني أن يقرأه أحد آخر، كله على الإطلاق.
قررت الآن أن لا أكتب سوا في مستندات قوقل، فهي أكثر اعتمادية. لكن، لا يمكنني سوا بالتفكير بكل الوقت الذي ضاع بالكتابة. ربما كان هذا للأفضل، الله أعلم.



في أيام العيد، أرادت أرامكو، شركة النفط الشهير لدينا، أن تنظم حفلاً موسيقياَ من نوع خاص، امتداداً لأنشطتها الثقافية الغريبة منذ الصيف، والتي لم تشعر الكثير من الناس بالراحة.
كان المشروع بالواقع قفزة غير متوقعة، وجريئة بالنظر إلى طبيعة الناس هنا. كانت النية هي إقامة محاورة موسيقية بين الشرق والغرب، وذلك بإحضار العازف العراقي الشهير نصير شمه،  وعازف اسباني شهير اسمه بينانا. لكن لم تتم الأمور كما خطط لها، حيث أن نصير لم يمنح التأشيرة ليأتي. بدا الأمر غامضاً، وعلق نصير في البداية بأن حصوله على التأشيرة قد تأخر لهذا لم يتمكن من المحضور. ويبدو أن هذا أثار الكثير من اللغط لدى العرب الأجانب، لأن نصير طلب لاحقاً عدم الإساءة إلى السعودية والسعوديين أو حتى المتشددين، الذين قال أخيراً بأنهم هم من تسبب بمنعه. ورغم أنه طلب عدم الإساءة لأحد، إلا أنه خالف نفسه وتوجه بالتجريح إلى من يسميهم المتشددين، مما خيب ظني، حيث أن الإنحدار في التعاطي الذي نهى عنه إنما وقع به بسهولة، فذم من يسمون بالمتشددين من أي أحد صار أمر عادي وحق للجميع، وصار يسهل ضم الناس تحت لواء التشدد حينما يختلفون في وجهات النظر عن الآخرين أو حينما يكون لديهم تحفظات. يوصف نصير شمة دائما بأنه مثقف راقٍ وذو شخصية جذابة وفكر عميق، وأسلوب محافظ، لكن أسلوبه في التعاطي مع الأمر لم يشهد في صالحه، لقد هبط بمستواه عن سمعته، وعن ما نصح الناس به مع الأسف.
بغض النظر عن ما يراه الجميع في الخارج، ما يجب أن يفهموه هو أن رؤيتهم غير مهمه فيما يخص أسلوب حياتنا وما يجري بيننا. فالأمر خاص بنا، ويمكننا النقاش حوله في الداخل، لكن وجهة نظرهم غير مطلوبة طالما الأمر لا يمسهم. حتى نصير شمه، لا يجب أن يتخيل بأن وعده من قبل شركة بأن يأتي ويؤدي هو وعد قاطع، فهذه السعودية وليست أرامكو، الشركة التي تحتاج إلى إعادة نظر في رأيي. وبكل الأحوال، الحصول على تأشيرة والقدوم إلى هنا ليس حق للجميع لأي سبب كما يتخيلون، إنه أمر خاص وامتياز انتقائي. ولا أدري لماذا الهوس بكل ما يتعلق بالسعودية، وما تفعل أو لا تفعل، والهوس بالإساءة إلى أهلها، أو خنقهم بعناق من يزعم التعاطف وهو لا يقصده.
إني أحب الموسيقى، وأتصور بأن ما يعزفه نصير شمه، وبينانا، هو مما قد يعجبني سماعه، فأنا أحب الموسيقى التقليدية. لكني لا أريد أن يقحم في الأمر رسالة تسطيحية حول ما نعيشه ونشعر به. هل يريد الناس هنا فعلاً الحوار على أي مستوى تطاله أيديهم مع الغرب؟ وهل قضيتنا معهم ناعمة ورقيقة إلى هذه الدرجة، حتى تعامل بهذا التبسيط والرومانسية؟. لا خلاف لدي بأن أسمع لكل منهما يعزف، لكن بدون هذه المسحة الدرامية التي لا تلائم حقيقة الأمور، لا أريد أن أراهما يعزفان معاَ هنا، لأني لا أريد أن تعرض قضيتنا وفكرتنا عن الأمور على هذا النحو السطحي والنفاقي البعيد عن الواقع والشعور، بهذا الاصطناع والاستغفال.

أما أرامكو، فهي تبدو كالواثق بحماقة بقبوله الشعبي. إني لم أكن أبداً من المرتاحين إلى استثناء أرامكو من القيود التي تحكم الحياة هنا. ولكن يبدو أن أرامكو قد دفعت على نحو غبي للتأثير على الناس، الذين يتطلعون إجمالاً إلى كفائتها بعين الإعجاب على مستوى العمل. لكن دخولها المفاجئ للمستويات الشعبية في المهرجانات التي قامت بها مؤخراً جعل الناس يستغربون، فقد رمت بثقلها فجأة، ونظمت الأمور بنفسها، رغم أنها ليست جهة ثقافية، ولم تنظم الأنشطة لموظفيها فقط كذلك. هل هي نموذج يراد له أن يعمم على البلد؟ أو أن يقود البلد إلى نقطة معينة؟. هذا يشعرني بأن هناك من يستعجل الأمور، ويريد القفز بالناس إلى مناطق غير مألوفة، بغض النظر عن رأيهم، ولما كان لا يستطيع القيام بهذا بنفسه، أوعز لأرامكو أن تطلع الناس على نموذجها وتقودهم. كثيرون هم البعيدون عن الواقع، وأرامكو ليست أقرب هؤلاء إليه، بل هي الأبعد. إن وضعها غريب وشاذ، ففي حين كان يجب أن تخضع هي لرؤى وأولويات الناس، أو المطبقة على الناس، نجد بأنها مستقلة فيما تقوم به، وتحاول الآن إتاحة أولوياتها المختلفة والمتغربة للجميع. لا يكفي أن هناك سينما والنساء يقدن السيارات دوناً عن أي مكان في البلد بلا مبرر، لكن الآن تريد أرامكو أن تري الناس كيف يجب أن يعيشوا وينظروا للأمور، بأساليبها المتأمركة الناتجة عن إرث عملي أقدر فاعليته كأسلوب عمل، لكن يجب أن يدعو ثقافتنا وشأنها، ويجب أن نناقش نحن ثقافتها الآن، فكما قلت؛ هذه السعودية وليست أرامكو. ولست أقول بأن السينما وقيادة النساء للسيارة أخطاء، لكني أرى بأن العدالة خير من إتاحة بعض المتع أو حتى الضروريات للبعض وحرمان الآخرين منها، سواء كانت تلك الأمور جيدة أم سيئة، فالجميع يجب أن يتساوون.
إني مستغرب من هذا الغباء المطبق الذي دفع أرامكو على وجهها بهذه الثقة العمياء، ولا أدري على أي ضمانات كانت تستند، لكني أثق بغباء من دبر لهذه الأمور فيها مهما كانت نواياه، لأنه يحسب أن أولويات جميع الناس هي أولوياته.
لكان الأمر أهون لو كان من قام بهذه الخطوة هي جهة ثقافية أو حكومية، لكان الأمر  قابل للنقاش والأخذ والرد. لكن إقحام شركة ذات إرث غير منسجم، وأولويات وأساليب مختلفة عن بقية الشعب كان خيار غبي.

ربما كنت سأهتم لو قامت جهة أخرى بعرض موسيقى راقية هنا، وربما كنت سأحضر لأستمع أيضاً، بدون حكاية الحوار مع الغرب هذه، لكن هل يريد الناس بمجملهم مثل هذا النشاط بنطاقه الواسع أن يحدث لديهم، حتى لو لم يحضروه؟. على نطاق ضيق غير مؤذي؛ يمكن تقبل الأمر ربما، وربما لن يخالفوا كثيراً لو تم الأمر بطريقة أكثر تحفظ وتماهي مع رؤى الناس للأمور هنا. لكن حينما يتسع النطاق، ويصل إلى حد تبجح أرامكو، يصبح الأمر يتعلق بأناس خائفون على ثقافتهم، ولا يمكن لومهم في رأيي على قلقهم. لأن الثقافة موروث يملكه الجميع، وهو يتم العبث به الآن بالفعل على نحو عشوائي ومقلق، بينما يجب الانتباه للتأثير والتركيز على الانتقاء الذي يتراوح بين المرونة والصرامة بحسب الموقف.
على سبيل المثال، كان هناك معرض قبل سنوات عن الثقافة اليابانية، وقرع عازفون تقليديون الطبول وأسمعوا الناس موسيقى يابانية تقليدية، وصفق الجميع، ولم يعترض أحد، أو يسبب مشكلة.

كان يمكن لأرامكو أن تعطي المال لجهة تفهم الناس ونفسياتهم هنا، كمركز ثقافي مثلاً، دون أن تتدخل، لكن، ليس هذا ما تريد بالطبع. كان يجب إقحام مسألة الحوار هذه، واستقدام شخص مشهور والدعاية بمبالغة والإقدام على الإعداد للأمر بجرأة.

تناقشت أنا والدكتور الألماني حول الأمر، وقد كان مهماً بالنسبة لي أن يعرف لأن نصير شمه أحد معارفه حينما كان في مصر، وهو يقول بأنهم كانوا أصدقاء حتى. أعتقد بأني صدمت الدكتور برأيي. نعم أحب الموسيقى، لكن لا أريدها أن تكون ذريعة لشيء أو تمييع لقضية، أو تزييف لشعور، ولن تتوقف الدنيا لأنها لا تعزف هنا.
قال بأني لم أسمع مثل هذه الأنشطة، ولو سمعتها لأعجبتني، وحكى عن مثال حضره، دمج موسيقي مماثل بين فنانين مصريين وهنود. قلت بأني لا خلاف لدي على الحوار الموسيقي مع الهنود والصينيون أو أي أحد، لكن ليس مع الغرب، ليس وقضيتنا معهم هكذا. قال بأني ضد الغرب إذا، قال هذا وهو مبتسم. قلت بأني لست ضد أحد، لكني ضد ما يقومون به هنا وبالعالم. وضد أنشطة أرامكو الأخيرة، بثقافتها المتأمركة وأولوياتها المختلفة، وعدم عدالة وضعها، وضد تدخل الأجانب وتعيير الناس وإلقاء اللوم على المتشددين، حيث أصبح كل من له رأي مختلف وواضح متشدداً في نظرهم. وقلت بأنها صارت مشكلة، وصم الناس بالمتشددين دائما هكذا، وتشويه سمعتهم وتصويرهم على نحو سيء، لاختلافهم بالرأي وأسلوب الحياة. قال بأنها مشكلة بالفعل.
أضفت بأني لا أعتقد بأن من كانوا خلف إيقاف الحفل قد أوقفوه للأسباب التي أراها صائبة، لقد أوقفوها لأسباب أخرى بالتأكيد، فالأمر كثير عليهم أن تعزف الموسيقى بهذا الشكل، ويستقدمون الأجانب كذلك لعزفها بدعاية ضخمة للأمر كحدث مستقل. لكن لحسن الحظ وافق الأمر رؤيتي ولم يتم الأمر. لكن في المرات القادمة، لا أتوقع أن توافق الأمور رؤيتي، ولن يكون الحظ حسناً دائما.







مررت بتجربة فريدة هذا العيد؛ لقد حضرت المناسبة!. لم يكن أمر مخطط له، وكنت في الليلة السابقة، ككل ليلة تسبق العيد، قد ذهبت إلى السوق واشتريت ما أحب من الشكولاتات والمشروبات، وتأكدت من وجود شيء لأقرأه أو أراه، لأني لا أنزل لمقابلة الزوار بالعادة في هذه المناسبة. لكن في الصباح الباكر سألتني أمي أن أذهب بها إلى صلاة العيد، فذهبنا. لما عدنا، كان بعض الناس قد بدأوا بالتوافد، فشعرت بأن الوقت تأخر على الصعود، وشعرت بأني أود أن أقبل الأطفال وأتفرج على ملابسهم حينما يأتون.
كان الأمر مفاجئاً لبعض الأقارب. وقد علق أكبر أبناء عمومتي بأنهم لم يروني منذ خمس سنوات، وهذه مبالغة،لكنه أبدى اهتماماً برؤيتي واحتفاء، وهو بالواقع الأطيب بين الجميع، سواء إخوتي أو أبناء عمومتي، فهو رجل يحاول أن يكون أخ كبير للجميع، ويهتم بتبيان اهتمامه دائماً. أصر علي لأدخل لأتناول العيد، وهي الوجبة الأساسية في اليوم، ولكني رفضت؛ لم يكن هناك من سيقدم القهوة لمن عادوا من تناوله، لأن جميع إخواني ذهبوا في الفرصة الثانية لتناول الوجبة، وكنت قد أرسلت ابن اختي ليرتاح في غرفتي لأنه كان مريضاً. لكن ابن عمي أصر، فاضطررت لترك شقيقه بينما كان يسألني عن حياتي، بطريقة أشعرتني بأني قريب جديد ظهر فجأة.

العيد لدينا عبارة عن أطباق متنوعة، من كل بيت طبق، وهي أكلات شعبية. ما يأتي من بيت آل فلان فهو عيد آل فلان، وما يأتي من بيتنا فهو عيدنا، والفكرة هي تذوق أعياد الكل. وجدت إلى جواري ابن لأحد أبناء العمومة، فجاملته سائلاً عن عيد والدته ( أي الذي أعدته)، وكان هذا لحسن الحظ، فقد كان لذيذاً جداً. لكن الأفضل كالعادة كان ما قدمته خالتي المصرية، وهي زوجة ثانية لأحد أعمامي، مشهورة بالطبخ، خصوصاً ما يجدنه المصريات بشكل عام من محاشي وخلافه. لكنها في العيد تماشياً مع العادة جائت بجريش، ورغم أني لا أحب الأكلة بالأصل كثيراً، لكنها من يديها تصبح شيء آخر. كان أنعم وأطعم و جريش تذوقته وأكثرها تعقيداً من حيث النكهة، وهكذا الجريش الذي تأتي به دائما. لا زلت أتذكرها، كانت من ألطف النساء، كانت تقول حينما تراني، وحتى لو رأتني أكثر من مرة في المناسبة: إزيك يا سعد؟. بابتسامة من ألطف وأكثر الابتسامات عطفاً في العالم.

خرجت قليلاً مع ابن ابن عمي، ليريني سيارته الجديدة، وهي هيونداي شكلت صدمة بالنسبة لي، فهي ما شاء الله جميلة وأنيقة ومتطورة جداً، مليئة بالمزايا التي تجعل المرء لا يصدق سعرها. لكن كان يعيبها شيء واحد؛ إن الراكب يشعر بكل ما في الطريق من تحته، وربما لو داس حجر صغير لعلم بتفاصيله. بخلاف هذا؛ ما شاء الله، شيء غير معقول.

كان الشيطان لا يزال مكبلاً حتى ذلك الوقت على ما يبدو، أو أنه كان لا يزال قادماً من مكان بعيد؛ حيث أن أحد ابناء العم، وهو ذو نوايا سيئة حقاً، لم ينظر تجاهي حتى.

فكرت أن أنام حينما خرج الناس، وأن أغير برنامجي في الليل حتى؛ أن أرى الأقارب من طرف أمي الذين يخصص المساء لهم. لم أكن انزل في السنوات السابقة حتى في المساء، وحتى حينما كنت أنزل في الصباح. لكني غطيت بنوم عميق ولم أصحو. كان هذا للأفضل، فلا تسلم الجرة مرتين.

إني لست مقرب عموماً من الأقارب. نأيت بنفسي قبل فترة طويلة، وربما ببعض التدريج. لدي أسباب، فضلاً عن طبيعتي الانتقائية فيما أحسب.
كنت في السابق أضطر لحضور بعض المناسبات مجاملة لقريب معين، لكن بعد انتفاء الأسباب لم أعد مضطراً لمثل هذه المجاملات.







حدث إشكال كبير قبل فترة بين اثنين من الزملاء. احدهما يهمل العمل كثيراً، مما يوقع الكثير من الضغط على الآخر ذو الطبيعة الانفجارية. الآخر الانفجاري هو شخص تكلمت عنه بضع مرات في المدونة منذ زمن طويل، فهو رجل ملتزم، وكان يعاملني بحذر وفضول يجعلني أشعر بأنه كان يخاف مني. تغيرت الأمور كثيراً، وبات يتحدث معي على نحو طبيعي، يمزح، ويأتي ليتكلم ويناقش في الأمور دائماً، أو أنا آتيه.
بعد الاصطدام الذي وقع بينه وبين الشخص المهمل، كان ثائراً إلى حد بعيد، وقد أكثر من التوبيخ والوعيد، مما ضايقني بصراحة، ففقدانه لأعصابه يذهب إلى أبعد مدى في بعض الأحيان.
كان بعد ذلك مباشرة ينظر إلي بطريقة غريبة؛ كان من الواضح أنه ينتظر رأيي، لكني لم أكن لأعطيه إياه وهو في ذلك الحال. جاء لاحقاً، وتحدث في الأمر. أخبرته برأيي؛ إنه بالغ، لقد غضب أكثر من اللازم، وقال ما لا حاجة لقوله. قال معترفاً بأن لديه مشكلة مع الغضب، ولكن للناس مشاكل يحلونها، وتذهب، وأنه يعمل على مشكلته هذه ليتحسن. فوجئت وأعجبت كثيراً بشفافيته النادرة. فلم أتوقع أن يعترف بالأمر؛ بهذه الصفة، وأنه يأخذ أمرها على محمل الجد، ويريد التخلص منها. لكن لم يكن يسعني أن أكذب، فلدي شق شخصي أقلبه في ذهني في مثل هذه المواقف التي تحدث بينه وبين الآخرين حينما يفقد أعصابه، أخبرته بصدق بما أشعر به، قلت له بأني أخاف منه، إني أخاف دائماً أن يحدث سوء فهم بينه وبيني ويفقد أعصابه ويسيء إلى معرفتنا. قال بأنه لا يمكن أن يقوم بمثل هذا الأمر معي. قلت بأنه قد يفقد أعصابه، لكنه أكد بأنه لن يقوم بمثل هذا معي أبداً. ثقته هذه جعلتني أفكر بأنه قلب الأمر في ذهنه مسبقاً، وعلى ارتياحي لطمئنته، إلا أني شعرت بغرابة فكرتي عن الأمر؛ أنه فكر بسيناريو لما قد يفعل لو حدث بيني وبينه سوء فهم.

في يوم لاحق، حدث موقف ما كان يجب أن يحدث. تجادلنا قليلاً، وأنبت زميلي. جاء إلي لاحقاً يعرض مساعدته بعدما سمعني أناقش أختي على الهاتف في أمر مدرسة ابنتها الجديدة. سألته إن كان غاضب مني؟ قال مبتسماً بأنه لو كان غاضب لما جاء ليكلمني. فهمت بأنه لا يريد لعلاقتنا أن تتأثر، وقد قدرت هذا كثيراً.

هو كريم، وهذه صفة أقدرها كثيراً، وهي أندر مما يتصور البعض. هو من القلة الذين يتكبدون عناء إحضار شيء لإبهاج الناس في القسم.
وكان قد دعانا قبل فترة إلى منزله لتناول العشاء. كانت الدعوة بلا مناسبة. جلسنا في البداية في خيمة حديثة أمام المسجد، حيث يعمل مؤذناً هناك، وكنت قد أحضرت معي لابنته دمية، أو دميتين متصلتين على الأصح، على شكل قنفذ صغير وإلى جانبه أمه الكبيرة (وقد أفزعت أمي حينما أطلت بالكيس الذي تركته قبل ذهابي، ووصفتها بأنها دمية قبيحة، للأسف هذا ذوقي).
هناك، كان قد دعا أيضاً بعض أصدقائه، وهم ملتزمين كذلك. إلا أن واحد منهم بدا غير مرتاح إلي إطلاقاً، ولم يستطع التفريق بين ما أقوله قاصداً، وما أقوله مازحاً فيضحك عليه البقية بينما يأخذه هو بحساسية.
كان يوماً ممتعاً.






قبل أيام، حدث موقف آلمني كثيراً، وأفسد نفسيتي لأيام. شعرت بضعف الحيلة، مهما فعلت وأجهدت. كتبت قصة قصيرة مباشرة بعد هذا الموقف. نقحتها لاحقاً بالطبع. قد لا تكون جيدة، لكنها صادقة، يمكنني قول هذا. أسميتها: نفاذ القدر إلى الأمل المبتذل. لغير المهتمين بقراءة القصة، يمكنهم النزول والبحث عن الخط الأحمر، فهي تنتهي قبله، ومن هناك يواصلون.


نفاذ القدر إلى الأمل المبتذل




كنت مستلقياً في مكان غير مألوف، مسترخياً أمام بحر، وتحت الشمس التي أهرب منها في العادة. بيد أن الشمس كانت ألطف هناك، والهواء عليل. كنت في أقصى حالات الراحة، وقد أمنت على ظهري نظافة الرمال تحتي، بينما ستر جزئي الأسفل سروال فضفاض ولا يغطي ركبتي. تصلني موسيقى محلية من خلفي، من وسط ما يبدو أنه جزيرة خضراء صغيرة. أحياناً، يتحرك شيء في الأجمة خلفي، سرعان ما أكتشف أنه حيوان صغير. وتتساقط ثمار جوز الهند كل لحظة وأخرى، وفي ذلك الحين ألتفت باحثاً عنها وأنا في مكاني، حتى أستمتع بشكل السرطان الجميل والضخم، الذي قصها من أمها، وهو ينزل.
بين كل لحظة وأخرى، أملأ رئتاي بنفس عميق، حينما أفطن إلى جودة الهواء التي لم آلفها، وأشعر بأني أعيش تلك اللحظات لأجل نفسي فقط.
لم ألبث كثيراً حتى سمعت وقع خطوات هادئة، وبدا أنها قادمة في اتجاهي. لكني لم أجفل، ولم أحفل بالجلوس أو التهيؤ لاستقبال أحد؛ بدا فقط أن الترحاب يكفي على خلاف العادة، ببساطة رائقة. حينما أقبل صاحب الخطى، التفت إليه، وأجفلت في اللحظة الأولى. كان رجل ضخم الجثة، ذو لون توقف في درجة بنية غير جميلة، له وجه هو الأكثر دمامة مما رأيت في حياتي. كانت لحيته موزعة كقطيعات حول وجهه، شعره كان يشبه صوفاً رديئاً بلون يراوح بين السواد والرماديه، وهو  قد رد إلى الخلف بكفاح واضح رغم طوله الذي قد يمس الكتفين لو كان شعراً منسدلاً. بينما حاجباه الكبيرين كانا عريضين وطويلي الشعر، يعلوان عينين تكادان أن تلتصقاً لشدة تقارب موضعيهما. أنفه كذلك غريب، صغير وبارز وغير متناسب الأبعاد، ويكاد أن ينتمي إلى جبهته. وله أسنان شديدة الصفرة، ورغم تفرقها غير الطبيعي جمعها شكل من التكلس على نحو غريب. رغم كل صفاته، كان تحديد عرقه أمر مستحيل، كان شكله ينتمي إلى الدمامة فقط. ستر أسفل جسمه بقماش نظيف ومزخرف. وبخلاف دمامة وجهه المخيفة، إلا أنه بدا عليه السكون والمسالمة. ابتسمت مرحباً، في تحامل على نفوري، قاصراً عن نطق شيء، لأن الحدث جاء على خلاف ما تخيلت. لكنه نطق مرحباً، بلغة كلغتي. هالني الأمر، فالتفت مبتسماً إليه. قلت: أهلاً وسهلاً، هل أنت أجنبي أيضاً؟
هو: لا، ليس وأنت معي هنا.
ضحكت، فكرت بأنه يقصد بأننا نستأنس ببعضنا.
أنا: من أي مكان أنت؟.
قال: كل ما تطأه رجلاي.
لم تكن إجابة ملائمة. مع ذلك، ظللت على ابتسامتي وكأن الأمر مقنع.
سألني لماذا أنا هنا؟.
قلت بأني هارب.
ممن؟.
أجبت: من حياتي، لكن لبعض الوقت فقط.
نظر إلي بتأمل، ولما ساد الصمت ولم يعلق، التفتُ تجاه البحر، وكنت لا أزال مستلقياً.
هبت نسمة عليلة، فسحبت نفساً جاء كتنهيدة.
قاطع سكينتي قائلاً: قابلتها قبل قليل.
أنا: من؟
هو: حياتك.
ضحكت، فكرت بأنه مجنون. لكني سرعان ما قلقت؛ إذ خطر في بالي أنه قد يكون مجنوناً تقطعت به السبل هنا. وإلى قلقي أضفت قلقاً؛ لماذا قلقت؟. شعرت بضيق شديد، وبدا أن وجودي هناك صار بلا معنى. أعقب الضيق سريعاً شعور بالبؤس والاكتئاب.
سألت لأتأكد أكثر: وكيف كانت؟.
قال: كما تعرفها، لم تتغير.
ضحكت لسخرية الأمر، رغم انقباضي لسوء الفأل. لكنه لم يضحك. وحينما نظرت إليه، كان تأمله لي قد ازداد غموضاً، لكن هذا لم يقلقني، شعرت بأني معتاد على هذا.
قال متلفتاً حوله: هل أنت سعيد هنا يا سعد؟.
كدت أن أجيب، لكني أجفلت. قلت باستغراب: كيف عرفت اسمي؟.
لم يجب. فكرت بأن المحليين ربما أخبروه عني، لهذا أتى إلي، لكني لا أتذكر أني قابلت محليين أصلاً؟!. ظللت مستلقياً، فقط لأقاوم قلقي، وأتظاهر بأني لا زلت مسترخياً.
قلت: وما اسمك؟.
أجاب: لا اسم لي. ماذا تحب أن تدعوني؟.
استفزني هذا، ومنذ متى أعرفه حتى يقترح أن أسميه؟ ناهيك عن شعوري بأنه ليس مجنوناً، ولكنه شخص يهزأ بي.
سألت بأسلوب عدائي: من أنت؟.
صَمَت.
أنا: تكلم!.
هو: أنا قدرك.
التفت إليه في تلك اللحظة، وقد اكتشفت بأني كنت قد وضعت يديَّ بلا شعور على عيناي منذ فترة؛ أجفلتني هذه الحقيقة. أما كونه يدعي بأنه قدري، فهو أمر صدقته حالما التفت إليه. صدقته، لم يحتج إلى أن يحلف، ولم أصدقه لأنه بالغ الدمامة والبؤس، لكن لأن الموقف بدا أقرب إلى واقع آمالي البائسة بابتذاله، بكل ما في الموقف من ابتذال وسخرية؛ وجودي في تلك الظروف غير المنطقية، استرخائي المبتذل بلا سترة لجزئي العلوي، الموسيقى المبتذلة، الهواء المبتذل، كل هذا الكمال المبتذل والنفاقي المتآمر. ثم بعد ذلك، جاء واقع لا يقل ابتذالاً ليذكرني بنفسه؛ حضور قدري الدرامي المبتذل، الحوار المبتذل معه، وبعد التأمل؛ لماذا يرتدي هذا القبح ذلك القماش اللؤلؤي الجميل؟ هل لينفذ بسهولة إلى آمالي؟ كيف لم ألاحظ منذ البداية؟، أمر لا يصدق، فعدم ملاحظتي هذه، هو أمر مبتذل أيضاً.
بعدما وعيت حضوره أكثر وانتهيت من أفكاري الداخلية، تأملته أكثر، لم أتمكن من التوقف، كان يزداد بشاعة وأنا أنظر وأستكشف وجهه. وكان ينظر إلي بنفس الطريقة منذ البداية، لكني فهمت الآن؛ كان قدري، لفرط دمامته  هو، مشفقاً علي أنا.
عند هذا الفتح، اكتشافي لتعاطفه المذهل والمثير للشفقة من حيث المبدأ، اتكأت على ذراعاي ودفعت بجذعي ببطئ إلى الأعلى. متكئاً على مرفقاي؛ نظرت إلى قدري بذهول، وفزع.
كانت السماء قد اكفهرت، وريح غير محسوسة صارت تمحو كل شيء خلفي، والبحر بدأ ينسحب ويزول، بينما صار قدري يقترب بهدوء، وبطريقة مدروسة؛ فهو قدر في النهاية. رغم أن الأسف لم يغب عن وجهه.
لم أذهب بعيداً بما يكفي، عرفت هذا، لا يوجد مكان بعيد بما يكفي.
لا فوق قمم الخيال، ولا في وديان الأحلام.
ولا على شواطئ الأمل.





تمت

___________________________________





ذهبنا أنا وأمي إلى طبيب طيب في أحد مراجعاتنا الأخيرة. لكنه كثير الحكي، ويحاول أن يبدو متواضعاً على نحو مصطنع، ليس أنه في الحقيقة غير متواضع، لا أدري ربما كان كذلك، لكنه يفتعل التواضع ليثبته بالتأكيد. هو سعودي، وكبير بالسن. وفي كل مرة نزوره، يجب أن أحكي له قصة حياتي، فهو في كل مرة يسألني عن كل شيء لسبب ما. أحياناً أكون قد نسيت بطاقة الجامعة معلقة على جيبي، فيسحبها ويقرأها ويسأل عن كل التفاصيل، وهي نفس التفاصيل في كل مرة. في المرة الأخيرة تذكر لأول مرة أنه رآني من قبل، لكن هذا لم يعفني من التعارف من جديد. سألني إن كنت عضو هيئة تدريس. فقلت: لا لا، أنا موظف. فقال بطريقة مسرحية: طيب وش فيه الموظف؟ الموظف أحسن من الدكتور!!. توجه بكلامه هذا إلي وإلى طلابه. رددت بأنه لا يحتاج إلى أني خبرني، فأنا موقن بهذا. شد هذا انتباهه، وقلت بأن السعودي لا يصلح أن يكون دكتوراً، وربما كان هو استثناء، لكني أتحدث بشكل عام. كان لا بد من التأدب. كتم طلابه ضحكاتهم. وسألني عن رأيي وسببه، فقلت بأن المجتمع يفسدهم، ويغدون متكبرين وبلا فائدة. وتكلمنا كثيراً في الأمر، وهو يحاول أن يستوضح أكثر، بينما أمي تقبع على كرسي الفحص تنظر من خلال البرقع، وكأنها حمامة. لم أكن أريد للنقاش أن يطول، لكنه كان يشعبه، ويخرج عنه، فجأة يسأل من أين نحن، وفجأة يسأل أين درست. قال بأني مثير للاهتمام (!!). طلب مني أن يتحدث باسم جميع الدكاترة السعوديين، فرجوته أن لا يفعل، وأن يتحدث عن نفسه فقط، فأنا أعرفهم جيداً، بينما هو لا يمثلهم إذ أنه متواضع. قلت بأني أعرفهم لأني أراهم بالعمل، وقد درست على أيديهم، ولي أقارب منهم. تسائل وهو يتلفت إلى طلابه، وهو يفعل هذا حينما يشعر بأن ما يقوله هو أمر بالغ الدهاء؛ ماذا لو أصبحت أنت دكتوراً؟ هل ستقول نفس الكلام عن نفسك؟ فقلت: إن شاء الله أني لن أكون. فتح عينيه مندهشاً، وبهذا هدم كل تواضع حاول أن يوحي به، رغم أني بالواقع لم أكن مصدقاً تمام التصديق أنه متواضع إلى ذلك الحد، لكن كلهم يتخيلون بأنهم بلغوا نهاية طموح كل إنسان حينما حازوا شهادة دكتوراه. تسائل لماذا؟ يقصد لماذا لا أريد أن أصبح واحد منهم، ولكنه لم يتركني لأجيب، فقد علق بتمعن بأن هيئتي تبدو مثل هيئة عضو هيئة تدريس!. وسأل طلابه، فوافقوه. كان خبراً سيئاً. أسوأ من حينما أبلغني صديقي الهندي سيد بأني أذكره بالممثل شاه رو خان. سأل طلابه ماذا أصلح أن أكون؟ هل أصلح أن أكون طبيباً؟ فقال أحدهم بأني أصلح أن أكون طبيباً نفسياً. ربما كانت سخرية، وأنا أغلب هذا.
قال بأن التحادث معي مثير للاهتمام، لهذا يريد أن يراني مرة أخرى، ولكن ليس في موعد، إنما في لقاء تعارف، ليغير وجهة نظري عن الدكاترة السعوديين (طَموح). كان يجامل.

أذهلتهم أمي بمعرفتها باستخدامات الدواء وما يتعلق به من أمور. وهي كثيراً ما تذهلهم. حينما كنت صغيراً، نومت في المستشفى وكانت أمي معي. إلى جوارنا كانت امرأة معها رضيع، في يده انبوب متصل بزجاجة المغذي. حاولت المرأة حمل ابنها إلى الحمام على ما يبدو، وجر زجاجة المغذي من الماسورة التي علقت بها، وكانت ذات إطارات. لكن حينما حملت الطفل ومضت بضع خطوات، بدأ دم الصبي يصعد عبر الانبوب إلى الزجاجة، فصرخت بحدة وعادت مسرعة ووضعت ابنها على السرير، ولكن لم يصلح هذا الأمر، إذ استمر الدم بالصعود في الأنبوب.  ولكن أمي كانت قد وقفت واتجهت إليهم بالفعل منذ أن صرخت المرأة، طمأنتها أمي وقامت بشيء تجاه الصمامات تحت الزجاجة، فبدأ الدم بالعودة مع السائل. كن الممرضات يستعن بأمي في الأمر معي. كنت فخوراً جداً في ذلك اليوم، ولا زلت.





قبل أيام، رأيت أساتذة غربيون يخرجون من المصعد، بينما كنت أنتظر أنا أن أدخل. كان معهم سعودي، خرج قبلهم، ثم خرجن بعده ثلاث نساء، ثم بقي رجلين كبيرين بالسن. أحدهما توقف ينظر لمن خارج المصعد، وبدا أنه يفكر بقول شيء، حتى خرج وقال لمن ينتظرون الدخول: تفللوا!. كان يريد أن يقول تفضلوا. كنت العربي الوحيد، وأشك بأن الآخرين، وهم هنود، قد فهموا ما يريد أن يقول. شعرت برغبة بالضحك، خصوصاً أنه توجه إليهم بهذه المجاملة. حينما أخبرت الدكتور الألماني ضحك هو الآخر. ثم سألني عن مسألة تفضل، لماذا لم يقل تفضل، وقال تفضلوا؟ شرحت له مسألة الجمع. ثم سأل ليتأكد: إذا لو كان أمامي شخص واحد، أقول له: "إتفضل"؟ ضحكت. عاش الدكتور لفترة طويلة في مصر، وما يعرفه من اللغة العربية دائماً ما يكون بلهجة مصرية. شرحت له أن هذه اللهجة المصرية، وأنه من الأفصح أن يقول مثلنا: تفضل.

في الأسبوع التالي، رأيت مجموعة كبيرة من الأساتذة الغربيون والغربيات، وهم يمشون خلف سعودي. عرفت من جريدة الجامعة أنهم وفد للاعتماد الأكاديمي. رأيت الرجل صاحب: تفللوا. نظر إلي وابتسم، وأشار بحاجبيه، لسبب ما. هو بالواقع لم ينظر إلي أمام المصعد في ذلك اليوم، ولم يرني، كان ينظر حصراً إلى مجموعة الهنود العاملين في الجامعة. وظل يبتسم، ويلتفت، حتى بعدما ابتعدوا. شعرت برغبة عارمة بالضحك، وتمنيت لو أمكنني السلام عليه مجاملة وتقديراً.
كان يبدو على المجموعة عموماً الشعور بالإثارة.





لست من عشاق البيتزا من خارج المنزل، إذ لطالما وجدت أن بيتزا أهلي أطعم وأصح. حتى أني لا أشارك في العادة حينما يكون العشاء بيتزا من خارج المنزل. وإن شاركت، فقطعة واحدة كثيرة علي، وتجعلني أعاف اليوم.
لكن، اكتشفت مطعم بيتزا جديد، جذبني صغر حجمه، ولوحته واسمه. اسمه بيتزا 
ستوكهولم.

ذهبت إليه في يوم اجتمع فيه الكثير من الأهل، ودخلت لأطلب. كنت أتسائل إن كان المطعم من السويد فعلاً، أم أن أحد القرويين أعجبه الاسم ووجد به الغموض والجاذبية المطلوبة. لكنه بالفعل من هناك، عرفت هذا حينما قرأت قصة المطعم، هو مطعم سويدي افتتح في السبعينات، افتتحه إيطالي حاول أن يراعي الذوق السويدي في الأكل، وأضاف المكونات السويدية المألوفة إلى البيتزا. طمأنني هذا؛ لدى المطعم فرصة ليكون مختلفاً عن الأسلوب الأمريكي المصطنع والمكرر حتى مللته.
كانت المفاجئة الثانية في الأحجام والأسعار. إنها نفس أسعار المطاعم الأخرى، لكن لديهم في هذا المطعم مفهوم مختلف عن الأحجام، فهم يطعمون عمالقة في السويد على ما يبدو، أو أن الناس هناك يأكلون الكثير. فالحجم المتوسط لديهم يكلف مثل المتوسط في المطاعم الأخرى تقريباً، في حدود 45 ريال إلى خمسين ونيف. لكن حجمه يماثل الحجم الكبير في المطاعم الأخرى تماماً، أي أنه أرخص بالواقع بكثير. أما الحجم الكبير، فهو كبير إلى درجة أنه يمكنك أن تأكل منه ثم تمهد طفل بعمر سنة ونصف بالباقي، أو يمكنك أن تقدمه على تبسي مفاطيح (الصحون الكبيرة التي تحوي ذبائح كاملة أو نصفها)، وربما لن ينتقدك كبار السن. وهو بسعر البيتزا الكبيرة لدى المطاعم الأمريكية، لكني لا أتخيل بأني قد أشتري شيء مماثل، لأن هذا جنون، إلا إذا نويت تقديمه في حفل كبير، في مناسبة مقامة في استراحة مثلاً.
يد موظف المطعم ممسكة بالحجم الوسط، بينما تمثل الدائرة الكبيرة حجم البيتزا الكبيرة حسب مقاييس المطعم


كل هذه معلومات حسنة ومشجعة، لكن الأهم هو أن ما اشتريته منهم كان أطعم وألذ بيتزا تذوقتها في حياتي من خارج المنزل. وهي خفيفة ولذيذة إلى درجة أني أكلت أكثر من قطعتين. لها طعم خاص ومميز، بهارات غير معتادة، وصلصة صفراء لذيذة تأتي مع نوع المارقريتا الثالث.
إني من عشاقها الآن.
تجدونها على طريق الملك عبد الله، بعد تقاطعه مع طريق التخصصي وأنتهم متجهون غرباً إلى جامعة الملك سعود، في الزاوية إلى اليمين على القاطع يوجد مطعم كودو، بعده بقليل وقبل برقر كنق يوجد المطعم.






قرأت قبل فترة مقولة غريبة منسوبة للشيخ بكر ابو زيد. والله أعلم إن كان قد قال هذا بالفعل أم قيل على لسانه، لكن لا يبدو على أي حال أن الناس يلاحظون العلة. هذه هي المقولة.
( هذه اللفظة باللغة الإنجليزية بمعنى { الأخت } وقد انتشر النداء بها في المستشفيات للممرضات ، وبخاصة الكافرات .وما أقبح لمسلم ذي لحية يقول لممرضة كافرة أو سافرة { يا سستر } أي : يا أختي ! وأما الأعراب فلفرط جهلهم ، يقولها الواحد منهم مدللاً على تحضره ! نعم ، على بَغَضِهِ وكثافة جهله .) انتهت.

لا خلاف لدي على رؤيته بخصوص تسمية الممرضة الكافرة سستر، لكني أستغرب من تخصيصه للمسلم ذي اللحية بالانتقاد، كأنما يُتوقع من كل ذي لحية الكمال، أو وكأنما كل حليق لا يرجى به الخير. عموماً هذا إشكال تعودنا عليه، ولا يبدو أن الناس يدركون أن اللحية هي شأن المرء مع ربه، فما أكثر المنحرفين ذوو اللحى، وما أكثر العكس، اللحية ليست دليل قاطع، وهي سنة يتقرب بها المسلم من ربه، لكنها ليست أمارة على شيء بالضرورة.
أما الإشكال الآخر في رأيي، فهو قوله الكافرة ثم قوله تخييراً: "أو سافرة". هل تتساوى المؤمنة السافرة بالكافرة؟ لا أقول أبداً بأن السفور هو أمر طيب، كما لا أقول بأن حلق اللحى هو أفضل خيار، لكن من المستحيل أن أساوي بين من تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله، اللهم صلي وسلم عليه، وبين كافرة من حيث المبدأ. إنها مؤمنة، لماذا يُحط من منزلتها وقدرها إلى هذه الدرجة، وذكرها على نحو مشبوه بدلاً من الدعاء لها بالهداية؟. لا أجزم بأن كل الأخوات البوسنيات كن محجبات حينما كانوا يشهدون حرباً هناك، لكن لم يساويهن أحد بالكافرات، وذهب العديد من الناس للجهاد والدفاع عن الأعراض هناك.

أما الثالثة، والأكثر غرابة، فهو ما يقوله عن الأعراب. إنه يتهم البدو أنفسهم بالجهل المفرط والبغض بينما يرى بأن قيام سواهم بنفس الخطأ هو ما يوصف بالقبح، وليسوا هم أنفسهم بالضرورة قبيحون وبغضاء.
إنه شيخ معاصر وحيّ، ويعلم الجميع أن البداوة المقترنة بالجهل لم تعد موجودة، فالكل متعلم الآن، وحينما يجهل المرء شيء لا يكون مرده إلى أصله. كما أن الجهل ليس عيباً، إن الجاهل يُعلم، ولا يحتقر أو يهان، ومِن مَن؟ ممن يفترض به توعية الناس بالحسنى. إن من يخطئ يبحث له عن عذر، ولم يكن الجهل عيباً من قبل، ولكن لطالما كان التفريق هو العيب. الجاهل يستحق التعاطف والأخذ باليد، والشيخ، إن كان بالفعل هو القائل، يعرف كيف يمثل الأسلوب هذا بالقول للرجل الملتحي على نحو مقبول. لا أدري سبب مراكمة الكراهية والحقد في التوكيد على الأوصاف، والأسلوب المليء بالازدراء.
هذا أسلوب ملئ بالكراهية والعنصرية في رأيي. فبغض النظر عن الشيخ نفسه، إني أتحدث عما قيل، سواء هو من قاله أو سواه.

حينما حاولت لفت انتباه زميلي الملتزم العصبي تجاه الأمر، لم يرى في الأمر إشكالاً. وبعد تداول قصير، وضع ثقته بالشيخ، بأنه يعرف ما يقول. احتد اسلوبه قليلاً، لأن وصفي لما قاله الشيخ بالصفاقة استفزه. لكنه عاد لاحقاً، ووضع أمامي قطعة حلوى، وطلب مني أن لا أغضب منه.







يصعب صنع مشروب كوكاو جيد في المنزل، وحتى في المقاهي غالباً ما يصنعونه على نحو سيء، فهو لا أهمية كبيرة له في ثقافتنا، بالتالي؛ لا يهم كثيراً أن يكون جيداً بالفعل، فمن يشربه لا يلاحظ الفرق عموماً. في المنزل، العملية معقدة إلى حد ما، ويصعب إتقان صنعه من بودرة الكوكاو الخام، رغم أنه حينما ينجح يكون رائعاً بالفعل. أما المنتجات سهلة الإعداد فهي ملائمة للاطفال أكثر، بامتلائها بالسكر والمكونات الأخرى.
لكن يوجد حل مقبول جداً. اشتريه منذ فترة طويلة الآن. إنه منتج يستورد من أمريكا، اسمه سويسميس Swissmiss. يأتي على شكل مظاريف مليئة بالبودرة الموزونة على نحو مقنع مع السكر، فلا يحتاج إلى زيادة. إنه أفضل المتوفر، رغم أنه ليس أفضل ما تذوقت أو ما أطمح إليه، لكن كونه من الأفضل هو أمر كاف جداً. يوجد نوعين، نوع بالحليب ونوع غني بالكوكاو، الثاني هو الأفضل، وبفارق كبير.

وهو رخيص كذلك، إذ يباع بحوال ١٤ أو ١٥ للعلبة المليئة بالمظاريف. على أن التميمي زاد السعر قبل فترة إلى الضعف أو أكثر، بدافع الطمع أو بالخطأ، الله أعلم، وامتنعت في ذلك الحين عن شراء المنتج حتى رخص.

ولكن، الكوكاو يكمله غالباً الكوب الجيد. أي كوب يصلح بالطبع، لكن الأكواب الجميلة والمميزة تساهم في جو المشروب. أحب شراء الأكواب بصراحة والكؤوس، وقد خُصص لي دولاب في المطبخ، يفقد هيبته للأسف أمام بعض العناصر غير المتحضرة والتي يصعب التفاهم معها أو إخافتها، كما أن سيتي، خادمتنا المسنة الطيبة، تفقد الإرادة للدفاع عن أشيائي في حضور هذه العناصر، ولا ألومها. إن أحد أكوابي، الذي كان مثار حسد لزجاجه الشفاف المضبب، قد أصبح غير قابل للاستعمال بعدما انطبع على حافته "برطم" ضخم بصبغة لا تزول من الشاي.
عموماً، اشتريت كوب جديد، وهو جميل جداً بشكله البدائي وزجاجه شديد الشفافية، وغير متوازن الأبعاد من الداخل، تزخرفه على نحو متقشف شمس بدائية من الخارج. اشتريته من إبو Epo، وهو محل ياباني جديد على نمط دايسو، لكنه ليس جيداً بنفس القدر، ربما يعجب النساء أكثر لأنه مليء بالأشياء النسائية وسخافات أخرى.
الغريب أنه رغم أن المحل ياباني مثل دايسو، إلا أن الكوب صناعة اسبانية. إن أكثر ما يوجد في المحلين هو صناعة صينية لصالح المحلين، وليست أشياء صينية عادية، لكن وجود صناعة اسبانية عادية جعلني أفكر بأن إبو ليس وجهة ثقافية بقدر دايسو.







عاد الصديق الألماني الأصغر من ألمانيا بعد العيد بخبر سعيد؛ لقد اعتنق الإسلام. وأنا هنا لا أتحدث عن صديقي العزيز الدكتور الألماني الأكبر، الذي أسأل الله أن يهديه إلى الإسلام. لم يكن الأمر مفاجئة كبيرة، كان قد أطلعني على أنه يفكر بالأمر، ومنذ أن جاء إلى السعودية كان يبدي حماساً، وقد أخبرني بأنه يشعر بأنه مسلم بالأساس. لكن هذا لم يمنع بعض "الارتطامات" من أن تحدث بيننا، إذ كنت قد كتبت في وقت قديم عن احتكاك خلف بعض المشاعر السيئة لبعض الوقت، جرى بيننا عبر البريد الالكتروني، وكاد أن ينهي علاقتنا كأصدقاء.
زار مكتبنا، ولم يطلبني للسلام، إنما سأل عن إجراءات تصحيح وضعه كمسلم جديد. أخبرني زميلي لاحقاً، وهو على ما يبدو لا يدري بأننا أصدقاء. فرحت بالخبر، لكني خمنت بسرعة أنه لم يخبرني في البداية حتى يبين بأن الأمر ليس مهماً جداً. لكني زرته بمكتبه، واتفقت معه على تناول العشاء معاً في تلك الليلة، بعدما سلمني بعض الهدايا اللذيذة؛ خبز ألماني، وحلوى شعبية من هناك لم أتذوق مثلها من قبل.

في تلك الليلة، التقينا في مطعم برقرايزر، الذي كان يسمى برقر هاوس. تحدثنا حول إسلامه، وحاول أن يوضح بأنه ليس بأمر ذا بال، فهو لا يشعر بتغير كبير لكونه كان دائماً يشعر بأنه مسلم بالأساس. لم تتغير وجهات نظره كذلك، وهو له طبيعة غير عادية من حيث حب صدم الناس بآرائه واستمتاعه بالأمر، لكن أراهن على أنه لم يستمتع كثيراً معي، لأنه يصعب صدمي بالآراء، ويصعب شعوري بالإهانة تجاه بعض آراءه الغريبة، حيث أني كنت منفتحاً على النقاش. قال، وهو يريد أن يتأكد، بأنه يعرف بأني أشعر بصدمة من رأي معين قاله، لكني ضحكت وقلت بأني غير مصدوم، فأنا أعتقد بأنه لا أحد يمكنه إهانة الإسلام. أعتقد بأن كل هذا مقدمة لآخذ أمر إسلامه ببساطة، لكني لا آخذ إسلام أحد كأمر كبير جداً أصلاً، لأني أعتقد أن إسلام الإنسان هو معروف تجاه نفسه قبل أن يكون تجاه الآخرين.
بعد فترة في المطعم، وبينما أنا أحمل صينية الطعام، صادفت شخص كان صديق لي في وقت غابر. سلم علي، وقال بأنه سيأتي إلى طاولتي، تاركاً إياي أذهب، وقد ذهب هو ليغسل بعد وجبته على ما يبدو.
انتظرت بشيء من الوجوم حضوره، جاء إلينا ووقف الصديق الألماني وتصافحا، قال له بالانجليزية، بنفس الأسلوب الذي استمر منذ أيام الطفولة، بأن اسمه كذا وكذا، بتأتأة مشوبة بثقة ولا مبالاة على نحو غريب. ولما رد الألماني معرفاً عن نفسه طلب منه أن يستمتع بوجبته والتفت إلي. حينما طلب ذلك، كان يقول كلمات مهذبة، لكن بأسلوبه، كانت طريقة واضحة ومباشرة لأمر الرجل بالجلوس حتى يلتفت إلي بكل انتباهه، وبهذا كان الأمر سلطوياً ولا مبالياً بالواقع، رغم حسن النوايا. لم يكن هذا صادماً، كانت هذه طبيعته الصميمة منذ أن كنا أطفالاً، وحتى بداية سنوات الجامعة.
تحدثنا قليلاً جداً، وجاملنا بعضنا بالأسئلة، ثم طلب رقم هاتفي لنتحدث ونرى بعضنا لاحقاً، ومضى.
لم أكن في حيرة من أمري، ولم يكن شعوري متناقضاً؛ لقد كنت أتمنى لو أني لم أرى هذا الشخص.
وهذا ليس أني أتمنى له السوء، إني أتمنى له التوفيق كما كنت دائماً، لكني أتمنى أن يتوفق بعيداً، حتى عن التفكير. إن صداقته كانت من أغبى الأمور التي تشعرني بالمرارة حينما أتذكرها، لم يكن لها أي قيمة إيجابية، كانت مضيعة للوقت وللفرص الجيدة، وللثقة بالنفس.
لن أنكر أبداً بأنه ظل هو الأكثر تواصلاً في نهاية صداقتنا، ولكنها لم تنتهي لقلة التواصل؛ لقد انتهت لأني أردتها أن تنتهي، وقد طال التواصل أكثر مما أردت. بالواقع، لطالما كان اتصاله وزياراته أمور استنزافية بمعنى الكلمة، للشكوى من معاناة، لإسقاط أراء عن الآخرين، وأمور مشابهة. وهذا يذكرني بآخر صداقة حميمة كانت لي مع شخص من سني، كانت صداقة استنزافية هي الأخرى.
لقد كنت دائماً أرجو أن لا يحصل على رقم هاتفي، أو يصادفني، فلن يكون لدي له غير الترحاب، ولكني لم أرد بالمقام الأول رؤيته. شخصيته لم تلائمني حالما ازداد وعيي بالقدر الذي يمكنني من الإلتفات إلى الوراء وتقييم نفسي وصداقاتي، وهذا كان في الثانوية. وحالما دخلت الجامعة أردت للأمور أن تموت من تلقاء ذاتها، وهذا ما كان. لم أحب أبداً شخصيته التي تفرض إرادتها، وتعطي لنفسها الامتيازات، المحسنة الظن بالنفس إلى أقصى حد رغم كل العيوب، المتمحورة حول الذات، التي تذهب إلى أبعد مدى حال الحقد. لم أحب رغبته بقيادة أي مجموعة، انتقاداته التي لا تنتهي، استغبائه للكل، رؤيته المفرطة بالإشفاق على ذاته وظروفه وبالتالي استنزاف الآخرين.

الأمر الذي قد يثير السخرية، هو أني لطالما حاولت تجاهل ذكراه أو التفكير بحاله، ولطالما بنفس الوقت تسائلت عن حال والدته، وما يجري معها؛ إذ كانت امرأة طيبة بقدر ما كلمتها، وكان هذا كثيراً حينما كنا نتواصل عبر الهاتف، وكانت مريضة دائماً، وذات حظ تعيس. لطالما ذكرتني بوالدتي رغم اختلاف الطباع.

قد يقول البعض بأني جبان، أو ضعيف لا يتحمل، أو حتى قاسي القلب.
لكن لا أعتقد أن الهدف من الصداقة السوية هو اختبار الشجاعة.
ولا تجريب القدرة على التحمل.
ولا أعتقد أننا يجب أن نترك أنفسنا نهباً للآخرين مهما سلمت نواياهم.
فأنا أعلم بأنه على الأقل في آخر سنوات صداقتنا كان يخلو من النوايا السيئة تجاهي، لكن طبيعته كانت سيئة بالنسبة لي، وكان هذا كافياً.

كان الصديق الألماني الأصغر قد أحضر معه هدية من ألمانيا، خبز ألماني مغلف، وحلوى تقليدية. لم تعجب الحلوى أي من أهلي، لكني وجدتها رائعة جداً بمذاقها الغريب اللاذع، حيث أنها مصنوعة ببهارات لا يتوقعها المرء من تلك الجهات من العالم. قال لي بأن تلك الحلوى تؤكل في المواسم الباردة لتشعر الناس بالدفئ.









كنا نتكلم أنا والدكتور الألماني مؤخراً عن شخصية عامة. قلت بأنها شخصية صارمة، وهذه ميزة على الأقل، أفضل ممن ليس له أي ميزة. ابتسم وقال شخصية صارمة مثلك. ربما يعتقد بأني صارم لأني ضد المحاولات السخيفة لإحراجنا أمام العالم التي يقمن بها نساء من وقت إلى آخر حينما يقدن السيارة. إني مع الكلام والنقاش حول الأمر، ولست أرى بأن قيادة المرأة للسيارة هي أمر محرم بحد ذاته، ولا أعارضه حتى، لكني أعتقد بأننا يجب أن نصلح البيئة التي سيقدن النساء السيارة بها، والقوانين. كما أني انتقد الشباب المتغرب أمام الدكتور، وكذلك الشباب التافه، وقد قلت في لحظة عصبية في اليوم الوطني بأني أكره الشباب، مما أضحكه. لكن ربما كل هذا جعله يعتقد بأني صارم.

أخبرته بأني لست إنسان صارم كما يتخيل، إني أعتقد بأني مرن، وقابل للنقاش. وافقني سريعاً، لكني أضفت بأني أغير رأيي حتى بلا مشكلة حينما لا يكون جيداً، لكن ما يراه بي ليس صرامة، إنما التزام. طلب مني التحدث أكثر حول الأمر، فأوضحت بأنه التزام بما يعتقد المرء بأنه صحيح، وأسهبت في الأمر وفصلت قليلاً. اقنعه هذا في النهاية.

قضينا وقت طويل جداً في السيارة في اليوم الوطني، بسبب المرضى الذين يوقفون سياراتهم فجأة فيسدون الشارع، ثم ينزلون ليرقصون وهو يتمايلون ويهزون أردافهم. كان أمر مقرف، لكن لحسن الحظ أنه كان معي، فقد تكلمنا كثيراً وقطعنا الوقت.
سألته إن كان يعتقد بأن الطبيب الألماني، الذي قضينا معه بعض الوقت قبل فترة وكتبت عن الأمر، يصلح أن يكون سياسياً؟. ذهل وقال لا، إنه أبعد ما يكون عن السياسة، إنه ساذج، لكني أجبت بأن هذا بالضبط ما يجعله مؤهلاً للأمر. ضحك الدكتور بقوة، ويبدو أنه حسبني أمزح، لكني كنت جاداً، فعلق قائلاً وهو يضحك: ما هذا؟ فلسفة جديدة من فلسفات سعد الغريبة؟. شرحت له بأن الأكثر سذاجة وبعداً عن عمق التفكير هم من ينجحون بالعمل السياسي، وعلى الأقل الطبيب الذي نعرف رجل طيب وذو نوايا سليمة، ولديه الكاريزما كما يعتقد الدكتور أيضاً، وأضفت: أما أنت، فلعمق تفكيرك وبعد نظرك، لن تصبح سياسياً. وافقني على أن من يتميزون بالحكمة والعمق لا يصبحون سياسيين.

رأينا في وقت لاحق سيارة أعشقها، ويعشقها الدكتور أيضاً. لنا نفس الذوق في السيارات إلى حد بعيد، فهو يتفهم حبي للسيارات الفرنسية والإيطالية، ويشاركني إياه. السيارة التي رأينا لا تباع هنا، فلا وكالة لها، وهي إيطالية صغيرة من نوع فيات، وكانت ذات سقف مكشوف، وأتصور بأنها مصنوعة في أمريكا، حيث بدأت الشركة الإيطالية بالتصنيع هناك لأجل سوقهم، وبدأت التسويق على نحو مبتكر (يوجد من السيارة تصميم بالتشارك مع ماركة أزياء).
أحيي هذا الشاب على ذوقه. لكن من أين أتى بالسيارة؟ ما شاء الله.

في وقت لاحق، رأيت العجب من المحتفلين باليوم الوطني. لطالما ظننت بأننا شعب جميل بعمومه، واعتدت أن أرى الوجوه الوسيمة في كل مكان، لكني في ذلك اليوم شككت بأننا أقبح شعوب الأرض، إذ رأيت ما جعلني أحتار إن كنت قد اكتسبت فجأة القدرة على رؤية الثقل الثاني.
رأيت شاب يشبه السنجاب القديم في فيلم آيس ايج، يلتفت إلي من وقت إلى آخر وهو جالس على نافذة سيارة، ورأيت شيء آخر شككت بأنه اسطوانة غاز مسروقة أو هاربة، حتى التفت فخيل إلي بأني أرى دابة آخر الزمان. وكان يسير بين السيارات مع حفنة من الشباب، وقد ضرب شخص في سيارته مفتوحة النافذة بعصا معه ثم تظاهر بأنه يمزح.
كان الناس يوقفون سياراتهم في منتصف الشارع، فيتوقف الجميع، لينزلون ويرقصون رقص سامج متخنث، ويتقابلون بالرقصات البطيئة والقبيحة وهم يتخيلون بأنهم يؤدون إنجازاً، ويشدون نظرات الإعجاب. لا أقول بأن هوياتهم الجنسية غير واضحة بالنسبة إليهم، لأني لا أعتقد بأنهم كانوا يحاولون إغراء أحد، فحتى ذبابة لن تشعر بالإغراء لتحط عليهم.
كان من الواضح أيضاً بأنهم جائوا من أماكن بعيدة عن المنطقة ليحتفلون، فمنطقة العليا ملازمة للإحتفالات السخيفة والأشكال المشبوهة مع الأسف، فأقصى طموح البعض هو أن يستعرض تفاهته في العليا ويلفت الأنظار.

أتمنى لو كان اليوم الوطني يوم للتذكير بالمكتسبات، لا لتشويه المناظر والتعدي على الأنظمة. لقد رأيت شباب يسدون معظم طريق الملك عبدالله بسيارتين في المسارين، ثم ينزلون ليرقصون دون أن يقول لهم أحد شيئاً.

ولماذا لا يكون هناك أيام أخرى تذكر بأمور مهمة؛ كالأحداث الجسيمة من قبيل الحروب والمآسي مثل مذبحة تنومة، حتى لا ينسى الناس هذه الأمور، ويقرأوا التاريخ جيداً ويعرفوا أعدائهم، ويشكروا الله على النعمة.



أخبرت الدكتور قبل فترة بإسلام الألماني الآخر، وقد فوجئ بالأمر. ثم قال بأن همام (صديقي الصيني، عسى الله أن يشفيه من مرضه) أسلم والآن فلان (يقصد الألماني الآخر)، وكان مبتسماً وهو يقول هذا. قال لي هذا لأنك دعوتهم. كان يريد أن يريني بأني مؤثر، لكن لم يكن هذا واقعاً؛ فقلت: لا، أنا لم أدعو أحداً. وأوضحت له بأننا تناقشنا حول الدين حينما أرادوا هم ذلك، وتكلمنا حول الأمور وفق سياق النقاش، لكني لم أحاول إقناعهم باعتناق الدين.
إني لا أحاول إقناع بالكلام أحد لأني أعتقد بأن هذا قد ينفر الناس، خصوصاً حينما لا يشكون عدم اقتناعهم بدينهم. إن ما أحاول القيام به، لأجل نفسي بالمقام الأول بكل صراحة، هو أن أريهم مثالاً عن جودة الإسلام كأسلوب حياة بقدر ما أستطيع.
قد يعتقد البعض بأني يجب أن أبذل مجهوداً أكبر طالما أحظى بصداقات وقبول عدد من غير المسلمين، لكني لا أعتقد بأن هذا مجهود صائب لأبذله، في حالتي وطبيعة شخصيتي. إني أرى بأن تكون الدعوة عملية، بالمثال الحسن والواقعي، بالعفوية وبدون قصد؛ إنك يجب أن تمثل المسلم الجيد بقدر ما تستطيع، ولا يكلف الله نفساً إلا وسعها، ودون نفاق، إنك يجب أن تتصرف فقط على طبيعتك، وإن كانت طبيعتك سيئة، فحسنها. إني أفرح لأصدقائي حينما يعتنقون الإسلام، لأني أرى فيه أملهم بالجنة، لكني لا أرهق نفسي بالألم حينما أفكر بأنهم قد لا يسلمون أبداً، يكفي أنهم من خيرة الأصدقاء عموماً، خصوصاً همام وذلك الدكتور الصيني الذي رحل، وبطبيعة الحال، وفيما لا يحتاج إلى قول وتحديد؛ الدكتور الألماني. كما قلت سالفاً، إن إسلام المرء معروف تجاه نفسه بالمقام الأول، وزاد من قناعتي هذه رؤيتي لابتزاز بعض الأجانب لمشاعر المسلمين بدخولهم الإسلام ثم توقع الكثير.
وبالواقع، أنا لم أؤثر في قرار الاثنين للدخول في الإسلام. الألماني كان يفكر بالأمر منذ الأزل، أما همام فقال بأن نموذجي كان له تأثير جزئي. كان الدكتور الصيني معجب بطريقتي مع الأمور؛ لكنه لم يسلم رغم مشاعره الروحانية، وأسأل الله أن يهديه للإسلام... هل سأراه مرة أخرى؟ أسأل الله أن يكون لقاءاً ساراً في يوم ما.





سألني الدكتور عن ما أقرأ حالياً؟ إني أقرأ أكثر من العادة مؤخراً، لكن للأسف الشديد قرائتي غير مركزة، إنها مشتتة بين الكثير من المصادر، الموسوعة الحرة وكتابين ومجلة وأشياء متباينة.
لكننا تكلمنا حول الإنكا، حيث أني أحاول أن أقرأ الكتاب الممتع الذي لدي عن هذه الحضارة بأقصى تركيز، لكن ربما يجب أن أحاول بطريقة أخرى.
سألني إن كنت أعتقد بأن الإنكا هي أرقى حضارة مرت على البشرية؟ من شأن إجابة ساذجة على هذا السؤال أن تكشف عن مرض عقلي، أو ، وهو الأسوأ، سذاجة لا عذر لوجودها. قلت بأن المقارنة بين الحضارات أمر ليس سهل، إنه قياسي، يجب النظر فيه باعتبار الظروف. طلب مني أن أوضح. شرحت بأن الإنكا أنجزوا الكثير من التقدم رغم احتكاكهم المحدود إلى حد بعيد بحضارات أخرى راقية، على عكس الحضارة الأوروبية التي وصلت إليهم بتقدم تقني أعلى (البنادق على وجه الخصوص)، وذلك لأن الحضارة الأوروبية استفادت كثيراً من كل حضارات العالم التي حولها في ذلك الوقت، وراكمت علومهم وإنجازاتهم، وليس انجازاتها وحدها فقط. هب الدكتور، وبدا عليه الاستغراب، قائلاً: ولكني أعتقد بأن الاستفادة من إنجازات الآخرين وعلومهم هو أمر طيب. قلت بأني لا خلاف لدي على هذا؛ لكني لست أتكلم عن المسلك الأفضل للتحضر والرقي، إنما أحكي عن الظروف والفرص. وأضفت بإعجاب: وعلى هذا، انظر إلى الإنكا، ما حققوه وما وصلوا إليه من تلقاء ذاتهم، أمور حتى لم يصل إليها الآخرين رغم تراكم علومهم (كانوا متفوقين بالفلك والرياضيات، والبناء، حيث أن قلعة لديهم وصفت بأنه لم يرى مثل بهائها وهيبتها من حيث الضخامة في أوروبا، قبل أن يتسلط عليها الهمجيون الأسبان، الذين وصفوها بذلك الوصف). وسألته أن يتخيل لو تركوا ليتقدمون بطريقة طبيعية، إما بمعزل عن بقية العالم أو بالاستفادة منه، كيف كان سيصبح حالهم. وحكيت له عن نظامهم الاجتماعي الفريد، وسياساتهم السابقة لوقتها من حيث التعامل مع الانشقاقات والاحتجاجات.
هز الدكتور رأسه موافقاً، وهو يتأمل نظاراً إلى اتجاه آخر، كعادته حينما يستغرق بالتفكر بما يقال. وافقني، وسألني إذا ما كنت أتمنى لو وصلت إلى الإنكا قبل الأسبان. قلت بأني أتمنى ذلك، حتى أحذرهم. لقد أخذت تلك الأمم عموماً على حين غرة، وكانت لديها فرصة للدفاع عن نفسها لولا سوء فهم للأمور بالنسبة لبعضها، وتكالب ظروف وسوء حكمة لآخرين. منذ أن كنت مراهقاً، كنت أتسائل، ماذا لو وصل المسلمين إلى اؤلائك الناس قبل غيرهم.
ثم سألني باسماً؛ هل لدي اهتمام بالفراعنة؟. قلت لا. ضحك، وقال بأنه توقع هذا، وسألني لماذا؟ قلت بأني سمعت عنهم أكثر من اللازم، فحينما يحيط بك مصريون منذ طفولتك يتحدثون عن الفراعنة يصبح الأمر مملاً جداً. وقلت بأني أعتقد بأن الاهتمام الذي يطالهم يجعل الناس يتجاهلون بضارات أخرى جديرة بالاهتمام لا يعرف الناس عنها الكثير، وهذا أمر مؤسف أحاول أن أتفاداه. وافقني على ذلك. يسهل تجاهل أمور كثيرة جيدة حينما يركز جميع الناس بقيادة مجموعة صغيرة على مجال ضيق.
إني أقرأ أحياناً عن الفراعنة، لكن صدقاً لا أشعر باهتمام كبير تجاههم.







كان يوم أمس يوم مضن في نصفه الأول، وجيد في نصفه الثاني. في نصفه الأول، فسد جوالي للمرة التي لا أدري كم، إذ اضطررت إلى إعادة تهيئته، أو تمهيده كما يقول الدليل، ويبدو أن هذه أقوى عمليات التهيئة، حوالي 3 أو 4 مرات. صار مؤخراً يقرر في بعض الأيام "اعتزال الفن" , ويتحجب، صابغاً شاشته بالسواد (حنبلي)، فيتوقف عن العمل حتى بأبسط الصور، أو ينكد علي أي شيء أحاول القيام به من خلاله. الغريب أنه في اليومين الذين سبقا كان قد تحسن قليلاً، مما أغراني بتأجيل شراء جوال جديد، مع أني أخرج كل يوم لأشعر بالحيرة تجاه جوال محدد. ثم ضرب ضربته في أسوأ ظرف، حينما كنت أنتظر اتصالاً مهماً من المنزل، حيث أصبحت ولادة أختي متوقعة. كان يقهرني بإطفاء نفسه حينما أحاول القيام بشيء، أو يعرض علي اتصالاً ويتركني أحاول أن أرد دون جدوى، ثم يغفو. اتخذت التدابير الضرورية، رقم زميلي الملتزم الطيب والعصبي أعطيته لأمي (والحمد لله أني كنت أستخدم أندرويد، حيث يخزن هذا النظام كافة أرقام ووسائل الاتصال في البريد الالكتروني على نحو متزامن). وأجريت اتصالاً بمن اتصل بي، وهو الدكتور الذي عملت تحت إدارته في الوزارة حيث عملت قبل زمن، وكان طيباً معي. كان يريدني أن أتابع له أمر ما، إني أشعر بالسعادة حينما أجد بأنه لا زال يحب أن يعتمد علي ويثق بي.

جاء الاتصال الموعود، وعدت إلى المنزل، وأخذت أختي، وفي المستشفى الجامعي الفاشل حيث تتابع حملها ويفترض أن تضع، قيل لنا بأنهم لن يستقبلونا لامتلاء الحضانة. كان هناك الكثير من النساء، وكانت إحداهن تبكي على كرسي متحرك، مما فطر قلبي. أجريت اتصالاً بأخي الذي يعمل بالجامعة أيضاً، وحاول المساعدة، لكني قمت بجهودي التي أثمرت، لأن الممرضة في الحضانة قالت بأن لي معاملة خاصة طالما كنت أعمل في الجامعة، ورغم أنها أختي وليست زوجتي، إلا أنها تعاطفت واتصلت بالطبيب المسئول، الذي أمر بإدخال أختي. كن الطبيبات مشدودات الأعصاب في الأسفل، وقيل لي لماذا لم أقل بأني موظف في الجامعة؟ كانت بطاقتي معلقة على جيبي، وكانت الممرضة المسئولة تراها.


قررت شراء جوال اندرويد بلا تأجيل، فلم يعد هناك جدوى من الانتظار وجوالي فسد، وأمالي في الأساس قد تحطمت في نظم التشغيل الأخرى بالوقت الحالي.
كنت أذهب كل يوم لأشاهد جوال معين، وأعود إلى المنزل لأقرأ عنه أكثر، وأمر محلات مختلفة لأتعلم أكثر عنه. إنه يعجبني جداً، لكني كنت خائفاً من الندم لاحقاً رغم أني لم أجد به عيباً، وقد كان يلائم ذوقي من كل الجهات فلا أرى به نقيصة. ربما لأني لأول مرة أشتري جهاز من سوني اريكسون، وربما لأن الأندرويد هو نظام جهازي الذي فسد، رغم اختلاف الإصدار. قرأت أربعة تقارير تشيد بالجهاز من مواقع ومجلات عالمية. وربما لفساد جوالي زال التردد، لأني علمت بأني مضطر ولذلك لن أندم كثيراً في حال ندمت، لأنه لا يوجد خيارات أكثر ملائمة. لكني الآن سعيد جداً لأني اشتريته، وأرى بأنه ما كنت أحلم به كجهاز إلى حد بعيد. أتمنى أن يستمر جيداً، وأن لا يخيب ظني نظام أندرويد مرة أخرى. اسم الجوال اكسبيريا ميني برو.




حجمه الصغير جداً وذو التفاصيل الغريبة يلائم ذوقي كثيراً. مميزاته رائعة بالنسبة إلى سعره، والأهم هو وجود لوحة أزرار منزلقة بالعرض، جيدة للكتابة، وبحروف عربية، وتبدو رائعة المظهر تحت الشاشة الصغيرة. وهذه تسهل علي الكتابة، إذ أنه لحسن الحظ بإصدار يدعم تحرير مستندات قوقل، وهكذا سأجد ما أقوم به في أوقات الانتظار في المستشفى بخلاف القراءة. كما أنه جيد كمصدر للانترنت اللاسلكي للأجهزة الأخرى، وقد جربته اليوم، حيث اتصلت بالانترنت على جوال أختي من خلال جوالي كنقطة واي فاي، وكان الأمر سلساً جداً، وحملت لها برنامج بلا مشكلة.

والإنجاز الآخر لنفس اليوم، والذي كان إنجازاً حلواً ومراً، كان إيجادي أخيراً لطريقة لتشغيل شريحة الجوال على جهازي بنظام تشغيل كروم الذي حصلت عليه قبل فترة الآن في إطار برنامج التجريب المجاني من قوقل، وكتبت عنه هنا.
كانت الطريقة بسيطة، ورغم بحثي حينما اقتنيت الجهاز ومحاولاتي إلا أني لم أهتدي للطريقة المناسبة. ولا أدري هل العلة أنها لم تكن مكتوبة في الدعم الرسمي للجهاز في ذلك الوقت أم أني لم أبحث جيداً. المهم أن الطريقة بسيطة، وتشبه إلغاء قفل أجهزة الجوال القادمة من أمريكا لتعمل على شبكاتنا المحلية. لكني كنت أظن بعدما لم أجد إجابة في السابق بأنه ربما يجب الاتصال بقوقل لتقوم بذلك عن بعد، مثلما يفعل أخي حينما يأتي من أمريكا مع جواله الخاص. لكن تبين أن الطريقة بسيطة، سطر برمجي من الدعم الفني الرسمي للجهاز ويُلغَى القفل. حالما وضعت الشريحة عملت، وقد أذهلني هذا، لأنها لم تحتج إلى إعدادات كما يحدث مع الكونيكت، كان الأمر فائق السلاسة على نحو غير معتاد.
كنت قد عانيت إلى حد ما في الفترة التي سبقت هذا الإنجاز، ليس بسبب الجهاز، لكن بسبب الراوتر اللاسلكي الذي كنت أحمله معه، فتنتهي بطاريته أحيانا فأضطر للتوقف عن العمل، أو أحتاج إلى توصيله طوال الوقت بالحاسب ليشحن ويستنزف البطارية، أو أشحنه في السيارة وهذا أمر أنسى أحياناً القيام به مثلما أنسى شحنه بالمنزل، ولكونه ليس بالسرعة التي توقعتها رغم كونه معقولاً، لكني لم أفهم أبداً لماذا تزول إشارة الجيل الثالث حالما أتصل به. أما بوجود الشريحة الآن داخل الجهاز، فقد أذهلتني سرعة الانترنت، حتى في الأماكن التي لا يستقبل بها جيداً داخل المطعم ذلك الراوتر (في نفس المطعم تختلف الكفاءة من جهة إلى أخرى على نحو غريب)

الآن لا أدري ماذا سأصنع بالراوتر، الذي أقدر خدماته. فحينما فكرت بإعطائه اختي انتبهت بأنها يمكنها استخدام الكونيكت مباشرة، فلا فائدة منه. والمقرف أكثر في الوضع أن الجوال الجديد كان سيؤدي الغرض مثل الراوتر، فكنت سأوفر ثمنه لو كان لدي جوال أحدث.
لا أدري إن كنت سأبيعه، لا أتوقع بأن هناك من يحتاجه عموماً.

بعد شراء الجوال، علقت كما توقعت بدون إعدادات جيدة للانترنت أو رسائل الوسائط المتعددة. موبايلي لا ترسل الإعدادات الصحيحة إن أرسلت. بعد محاولات مضنية معهم، وإرسال إعدادات مختلفة عن بعضها  على نحو مريب في أكثر من مرة، فكرت أن أفعل الأمر يدوياً كما كنت أفعل مع جهازي الأخير، وعن طريق موقع سامسونق، حيث اعتقدت بأن الاعدادات ستكون واحدة طالما كانت الأجهزة بنفس النظام. اخترت القالاكسي اس2، لأن اصداره من نظام أندرويد مثل اصدار جهازي (رغم أن سعره عموماً حوالي الألفين وأحياناً أكثر وسعر جهازي 1300 ريال). وفوجئت بخدمة جديدة، إنهم يرسلون الإعدادات إلى جوالك مباشرة، ولا حاجة للإدخال يدوياً، وهذا أمر رائع، رغم أني اضطررت للتعديل على أحد الإدخالات، فنجح الأمر. وجدت متصفح الجوال يحول مباشرة إلى موقع سامسونق، لأنهم أرسلوا لي الإعدادات، شيء مثير للسخرية.




وضعت أختي المولود، بعدما حقدتُ (أنا) عليه كثيراً بسبب المتاعب التي سببها. اتصلت أمي بي وأنا في العمل، في اليوم التالي، وكنت على وشك الخروج لانتهاء الدوام. أطلعتني على الخبر، وأمرتني بأن أذهب إلى المستشفى حالاً وأكافئ نيابة عنها الممرضة التي اتصلت بها (عادة البشارة لدينا)، وأطمئن على أختي والمولود إن استطعت، الذي لا زلنا نجهل جنسه بسبب التكتم المفروض في المستشفيات حالياً. تسترن الممرضات على من اتصلت، وقيل لي بأنه لم يتصل أحد ولا يوجد أحد بذلك الاسم. كدت أن أصدق، لكن علمت لاحقاً بأن الممرضة موجودة، لكنهن يخفن من الإخبار لأن الاتصال ممنوع بتلك الطريقة. كل هذا رغم شرحي بأن كل ما في الأمر هو هدية من أمي. قدرت الممرضة التي تكلمت معها هذا الشيء، لكن لم تخبرني بالحقيقة مع ذلك. طلبت مني أن أنتظر لنصف ساعة حتى يخرج اللئيم من غرفة الولادة، لأراه. ثم نادتني، ورأيته، وسألتني الممرضة التي معه بضع أسئلة لتتأكد من قرابتي، ثم سمحت لي بتصويره، وكان ولداً جميلاً جداً ما شاء الله، حالما رأيته شعرت بالبهجة تملأ قلبي، وتصالحنا. فتح عينيه في اتجاهي، كان رائعاً ما شاء الله.  سيعاني من قبلاتي لسنوات مقبلة، إن أحياني الله.
أريد أن أربيه عندي.
لحظة خروجه من غرفة الولادة





إذا، دخل المحمدين الروضة لهذه السنة، وتخلى أحدهم عنها مبكراً. أشعر بالحماس مع ذلك لأجل الآخر، رغم أنه متكتم على أسرار المدرسة والاصدقاء، ويرفض التحدث كثيراً. هذا ذو الشعر الخويتمات. أما الآخر فقد أحزنتني المصاعب التي واجهته وصغر عقل معلمته. هذا بالمناسبة مصر على أن لون شعر وجهي أخضر، ودائماً يتسائل باستنكار لماذا أصبغ شعر وجهي باللون الأخضر؟ أخبره بأني لا أصبغ لحيتي القصيرة، وأنها بالواقع سوداء، لكنه يوضح لي أن اللحية السوداء هي لحية والده، وليست لحيتي. أعتقد أن كون لون بشرتي أفتح يجعل اللون مخادعاً لعينيه، ويتعب نفسيته!!. إنه يستهجنني بوضوح لاختيار هذا اللون، الأخضر، وهذا أمر مضحك.




عاد همام، الصديق الصيني، من بلاده أخيراً. أرسل إلي رسالة يخبرني، وفي اليوم التالي جاء إلى المكتب لينهي إجراء صغير. صدمت حينما رأيته، كان مفتقر للحيوية، وكان يبدو عليه الضعف والانطفاء. شعرت بالألم للأمر. خمنت بأنه يريد أن ينهي ما جاء لأجله وينصرف، لأن التشتت كان باد عليه، لهذا قصرت سلامي من خلف حاجز الاستقبال، ولم أكثر الكلام، وصدق تخميني. ساعدته سريعاً بعمله، وقال بأنه يريد أن يراني قريباً، قلت بالتأكيد. اتفقنا أن نلتقي في الليل.
كان حاله أفضل قليلاً، لكن كان لا يزال غير مركز أو متزن تماماً، ويبدو عليه التعب عموماً. لم يشفى من المرض، واضطر للعودة إلى هنا حتى لا تنتهي تأشيرته. احضرت له حبوب، مكمل غذائي، استعملته في الفترة الأخيرة وشعرت بأن حالي أفضل بكثير. أتمنى أن يفيده. شعرت بالعجز عن المساعدة، وكان هو خجل من اهتمامي واقتراحاتي. رفض إكمال العلاج هنا، لأنه يريد أن يعالج على الطريقة التقليدية في الصين. كنت قد أخبرت والدتي بأنه جاء من بلاده، حيث كانت تدعو له ليشفى، وأخبرتها بأنه لم يشفى، وأنه بدى عليه الضعف الشديد. اقترحت أمي أن ترسل إليه ماء وزيت مقروء فيه القرآن. وافق على الاقتراح. أتمنى أن يشفيه الله إنه على ذلك قدير.
رغم كل شيء، لم ينسى المجيء بهدايا، مما أثر بي كثيراً. أحضر إشاربات من الحرير الأصلي لوالدتي وأخواتي. لم أرى قماشاً أجمل منها، إذ لم أرى في حياتي قماش يلمع على هذا النحو البديع، بدا سائلاً أكثر منه قماشاً. كان من الواضح بأنها غالية، بوجود علامة معلقة وتغليف جيد. تمنيت لو لم يتكلف هكذا. كانت والدته قد ساعدته بالاختيار كما خمنت، وعلقت بأنها لهذا تبدو جميلة.

تناولنا العشاء، وأراني صور ابنة اخته التي أحضرها كما وعدني، كانت طفلة جميلة جداً ما شاء الله، ذات خدود كبيرة وفم فائق الصغر. وهي ليست ابنة اخته تماماً لأنهم في الصين لا ينجبون بشكل عام أكثر من طفل واحد، لكنها ابنة ابنة خالته، وهي كأخته.





اجتمعنا أنا والدكتور الألماني في الأسبوع الفائت لنشاهد فيلماً،Spirited Away، الذي أعتقد أن أسلم ترجمة لاسمه هي اختفاء أو تلاشي. وهو فيلم صنعه فناني المفضل هياو ميازاكي، أفضل فنان أعرفه على ما أعتقد، فهو أيضاً الذي صنع فيلم الأميرة مونونوكي Princess Mononoke. اختار الدكتور أن يراه لأنه مهتم بهذا الفنان أيضاً، فقد أحضرت خيار آخر.
كنت قد توقعت منذ البداية أن يعجبه أكثر من مونونوكي، فهو بالأساس، وبغض النظر عن تفضيلي لمونونوكي عليه، أعتبره من أروع ما قد يراه المرء؛ إنه فن خالص. أخبرت الدكتور عن تخميني، وسألني لماذا اعتقدت هذا؟  قلت بأن الناس إجمالاً لهم نفس الرؤية، وهي لها ما يبررها، هذا الفيلم مبهر أكثر ربما، وهو ليس سيء، بل إنه ثاني أفضل فيلم رأيته في حياتي بعد مونونوكي، ويقبع قريباً جداً من مونونوكي من حيث الجودة والروعة في رأيي. إنه لا يوصف. مع ذلك؛ يحتل مونونوكي مكان خاص في قلبي، لأنه ينطوي على فلسفة تعجبني، بينما هذا ينطوي على إنسانية محضة وخيال مجرد بمواضيع متعددة لا تركز على فلسفة؛ إنه أشبه بقصيدة بمقاطع مختلفة، كل مقطع مختلف ومؤثر، خصوصاً مشهد القطار والمسافرون عليه، والمحطات التي يمر بها، اؤلائك الناس المصنوعون من الظلال، بأشكالهم البائسة، وانتظارهم الذي لا ينتهي، كان هذا المشهد قصيدة. ابتسم الدكتور، وقال بأن هذا مشهد رائع جداً، وأنه يعتقد بأنه أعجبني هكذا لأنه يشبه حياتي. يرى الدكتور حياتي هكذا. ربما كان محقاً، لأني منذ أن رأيت هذا المشهد قبل زمن طويل، رأيت حياتي فيه.
أكملت بأن هذا الفيلم عبارة عن رؤية إنسانية، أو خيرية، أما مونونوكي فهو ينطوي على فلسفة، وهو أعمق. قلت بأن الناس بالعادة لا يتمكنون من الوصول إلى هذه الخلاصة مع مونونوكي، ووضع أيديهم على ما يريد صانعه أن يقول من خلاله. قال الدكتور بأنه يريد أن يراه مرة أخرى إذاً، ليفهمه على نحو أفضل.






تكتب امرأة في جريدة الرياض عن الابتعاث منذ فترة، والجدل الدائر حوله. اسمها حسناء القنيعير، وهي هجومية تجاه من لديه وجهة نظر سلبية عن الابتعاث أو بعض جوانب البرنامج، وتتحدث عن أصحاب وجهات النظر هذه بطريقة صفيقة وعلى جانب من الشراسة. شعرت بالحزن وأنا أقرأ بعض مقاطع مقالاتها. لماذا لا يمكن احترام وجهات نظر الناس وشعورهم. ألا يمكن التفكير بأن لهؤلاء الناس دوافعهم للإنتقاد والتخوف، إنهم لديهم ثقافة هم ملتزمين بها، وخائفون عليهم، سواء ظن المرء أن خوفهم في محله أم لا. لكن هذه المرأة، مثل الكثير من الكتاب، لا تعرف سوى أن تتفنن بالاحتقار واستصغار العقول. لا يأخذون حسن النوايا بالاعتبار لأنهم لا يحسنون النية تجاه الناس مع الأسف، ويظنون أنهم مصلحون. مثل هذه المرأة كثيرون، وهم أناس لا يبحثون عن الحقيقة أو أفضل الخيارات وأقربها إلى السلامة بقدر ما يبحثون عن تطبيق ما فيه مخيلتهم في الواقع، أو ليّ الواقع وتشكيله بكلماتهم بما يوافق ما يرونه في رؤوسهم، لهذا ترى شراستهم وانعدام السياسة والأخذ والعطاء في الحوار أو إعطاء وجهات النظر.
تجدها تقسو مرة بعد أخرى في التعاطي مع أمرهم، ولا تكتفي فيظن المرء بأنها تحمل حقداً كبيراً تجاه فئة معينة من الناس. وهذا أمر محزن، ويقوض مصداقيتها في عيناي، لأن المبالغة الجوهرية الزائدة عن الحد لا تعطيني انطباعاً بسلامة حكم من أقرأ له.

كنت قبل فترة طويلة قد رددت في مدونة دكتور سعودي من النوع الذي وصل إلى منتصف العمر وبات يستخف دمه بلا مراجعة لما يقول، أو كما نعبر: يتميلح، مثلما يفعل هذا الذي يكتب زاوية سوانح طبيب في جريدة الرياض اسمه بن سعيد، على ان بن سعيد أكثر تعقل وتهذيب. اسم الدكتور الذي أتحدث عن ردي في مدونته هو العبدالكريم، وكان يسخر ممن يقرأون الروايات، ويتهمهم بنقص العقل والفراغ. حاولت مناقشته في الأمر، فتبين بأن كل ما يريد الوصول إليه هو إثبات وجهة نظره، وتصيد التفاصيل الصغيرة غير المهم والبعد عن الجوهر. لما أخبرته بهذا، قال بأن محاولة البحث عن شتى الطرق لإثبات أن وجهة النظر صحيحة أمر طبيعي. أخبرته بأن ما أبحث عنه حينما أناقش هو الحقيقة، والآن بعدما تحول الأمر إلى جدل، لم يعد يلائمني. حاول إطالة الأمر، إلا أني أوضحت وجهة نظري، حيث أننا نبحث عن أمور مختلفة. كنت قد أفحمته بالواقع، ربما لهذا لجأ إلى الأساليب الملتوية، وقد لجأ إلى السخرية في النهاية، ولما لم يجد نتيجة، وضع وجهاً حزيناً. كان يصادر وجهات نظر الناس بلا حياء، وربما لم يتوقع بما أنه دكتور أن يبين له أحد ما بأنه لا يقدر أفكاره عن الناس وأسلوبه في طرحها. حينما أعود إلى مدونته المستضافة على خدمة مدونات الجامعة، أجد أنه كل فترة وأخرى يحذف رداً من حوارنا. لكن لا يهم، لأني أتمنى أن يكون قد استفاد، وتعلم أن يتأدب مع اهتمامات الناس ومشاعرهم.

هذا الدكتور العبدالكريم، وتلك حسناء القنيعير، وهي دكتورة أيضاً (هذا يفسر الكثير على ما أعتقد)، كثرة أمثالهم ووصولهم للناصب ومنابر الرأي هي من أسباب تراجعنا في رأيي.

لست ضد الابتعاث، ولا أعتقد بأن هناك من كان ضده قبل زمن، قبل أن يفتح الباب له بطريقة مفاجئة وغير مريحة، لفئات سنية صغيرة ولعدد كبير جداً منهم. الابتعاث كان موجود منذ عقود دون أن يثير جدلاً، على العكس، كان مجهود يحترمه الناس لتطوير البلاد. إذا الخلل والاعتراض ليس على الفكرة في حد ذاتها.
أعتقد بأن فكرة الابتعاث تنطوي على شيء من الظلم للبلد، ففضلاً عن إرسال شباب صغار دون معايير كافية للانتقاء هو أمر قد يسيء لثقافة البلد على الأغلب. الانتقاء ضروري في كل شيء. إرسال أشخاص ناضجون سيساعد كثيراً على عودة خبرات متزنة إلى حد بعيد. من الممكن إرسال شباب صغار بأعداد تسهل متابعتها في الخارج إن كان هذا ضرورياً، وبعد اختيار الملائم منهم بصرامة، وحتى هذا أمر غير مريح بالنسبة لي.
كما أني أرى بأن ميزانية الابتعاث الضخمة تظلم من سيتابع تعليمه داخل البلاد. رأيي هو أن الأجدى قسم الميزانية وإحضار أساتذة أكفاء من الخارج بأعداد كبيرة، من دول متقدمة حقاً، ليعلموا أكبر عدد ممكن من أبنائنا، وليس بعضهم ممن سيتعبوننا بمصاريف كل شيء في الخارج بأعدادهم الضخمة.
وبصراحة، لو كان الأمر بيدي، لما قسمت المال المخصص للأمر أصلاً، لجعلته كله ينحصر بإحضار الأساتذة الأجانب من الخارج، حتى للتعليم العام، وإحضار الخبراء لتطوير التعليم وإدارة الجامعات من الناحية الأكاديمية في أقل الأحوال. ويمكن ابتعاث من يستحق من الكبار إلى الخارج مثلما كان الحال في السابق في نفس الوقت.



هذه صورة لبطاقة مراسلة اشتريتها ضمن بطاقات أخرى، لأرسلها إلى بعض الأصدقاء في الخارج. كلها تحتوي على صور لمنازل قديمة في السعودية، وكلها جميلة، كل المنازل أجمل من أي منزل يسكنه الناس الآن في المدن الحديثة هنا.

هذا البيت في الصورة أعلاه يقع في عسير، وهذا واضح من طراز البناء. ربما هو أجمل البيوت في الصور لدي، رغم أن الحكم صعب حقاً، فهي كلها جميلة بنفس القدر تقريباً. لكن، هذا البيت الذي حالما رأيته؛ تمنيت بشدة لو كنت أعيش فيه. ولا أدري ما السبب تماماً، ربما لأنه الأكثر موافقة لذوقي، مع أن البيوت الجميلة الأخرى تقع في مزارع وجنات. 
إنها صور متقنة، تلك المطبوعة على هذه الكروت، ويوجد توضيح باللغة العربية والانقليزية حولها في الخلف، فوق مساحة كتابة الرسالة.
حينما أرى هذا المنزل، أفكر بالذوق الراقي للأجداد في عسير ونجد، والجزيرة عموماً، لم يكونوا بالبساطة التي نتصورها، ولسنا أفضل منهم بالواقع بالكثير من النواحي الحياتية؛ فقط قارن بين مساكننا ومساكنهم الأكثر منطقية وجمال في بيئتهم.
هذه البطاقات تطبع في الرياض، وتباع في أماكن متعددة؛ يمكن إيجادها في سوق التميمي، وفي محل صغير لبيع الكتب والكماليات داخل يورومارشيه، وأتصور في المكتبات كذلك.

لا يحتاج المرء إلى أحد ليرسلها إليه، لأن جمال الصور سبب كاف للشراء، أحب تأملها، وقد اشتريت نسختين من الصورة في الأعلى بالذات، واحدة لأرسلها والأخرى لأتأملها وأتفكر بها. ويمكن كذلك إلصاقها في مكتب، أو وضعها في إطار.





هذا الأسبوع، كتب رئيس تحرير جريدة الجامعة عموده المعتاد، ولست أقرأه بالعادة بصراحة، لأنه لا يقدم ما يفيد، كل ما في الأمر غالباً هو مديح وخلافه. لكن هذه المرة لفتت انتباهي عبارة، أرسلت إليه أطلعه عن رأيي في إيرادها في المقال، وعنواتها: الأولويات المختلفة. هذه هي الرسالة متضمنة العبارة:
"السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

قرأت عمودك في رسالة الجامعة هذا الصباح، وبغض النظر عن رؤيتك لما تحدثت عنه، أعتقد بأني رأيت أمر آخر جدير بالانتباه. إنك يا دكتور تنتقد غفلة عضو هيئة تدريس عن معمل على بعد أمتار قليلة من مكتبه، لكن الواضح أنك تغفل بأن أهم عنصر في الجامعة هو الطالب. يمكن رؤية أنك تحمل هم أعضاء هيئة التدريس أكثر من الطلاب والموظفين، وذلك عند قولك: (فمن يرى أن عضو هيئة التدريس أو "حتى" الموظف والطالب إذا لم نتح... إلى آخره). إن ما يجذب انتباهي دائماً هو غفلة أعضاء هيئة التدريس، السعوديين على وجه الخصوص، عن رؤية الأولويات الحقيقية التي تهم الناس. وقد تكون عبّرت على هذا النحو دون قصد، أو بإلهام مما يشغل بالك من الرسائل غير الدقيقة التي تصل من أعضاء هيئة التدريس، أو أنها فكرة متأصلة في وعيك. لكن هذه مجرد خواطر مرقت في خاطري، وأحببت إطلاعك عليها، فأرجو أن لا تجد فيها ما ينغص.

أشكرك على سعة صدرك مقدماً.

سعد الحوشان"
انتهت.

لم أتوقع منه رداً، كما أني أشك بأنه يطالع البريد على أي حال، لكن ربما تعلم شيئاً جديداً، وصار أكثر وعياً، مع أني أشك في ذلك أيضاً.



سعد الحوشان