الخميس، 20 أكتوبر 2011

نفاذ القدر إلى الأمل المبتذل (أحداث،قصة قصيرة،ألماني،جهاز)



بسم الله الرحمن الرحيم






كثير ما كتبته منذ رمضان الفائت في تدوينة فقدتها قبل قليل بغباء مطلق. كنت أستعد للنشر الآن. أليس هذا مضحك؟ أن تفقد ما عملت عليه فقط حينما تنهيه. أفكر الآن، ضمن كل ما كتبت، ما هو أهم ما كتبت؟ أشعر بأن كل ما كتبت كان يهمني أن يقرأه أحد آخر، كله على الإطلاق.
قررت الآن أن لا أكتب سوا في مستندات قوقل، فهي أكثر اعتمادية. لكن، لا يمكنني سوا بالتفكير بكل الوقت الذي ضاع بالكتابة. ربما كان هذا للأفضل، الله أعلم.



في أيام العيد، أرادت أرامكو، شركة النفط الشهير لدينا، أن تنظم حفلاً موسيقياَ من نوع خاص، امتداداً لأنشطتها الثقافية الغريبة منذ الصيف، والتي لم تشعر الكثير من الناس بالراحة.
كان المشروع بالواقع قفزة غير متوقعة، وجريئة بالنظر إلى طبيعة الناس هنا. كانت النية هي إقامة محاورة موسيقية بين الشرق والغرب، وذلك بإحضار العازف العراقي الشهير نصير شمه،  وعازف اسباني شهير اسمه بينانا. لكن لم تتم الأمور كما خطط لها، حيث أن نصير لم يمنح التأشيرة ليأتي. بدا الأمر غامضاً، وعلق نصير في البداية بأن حصوله على التأشيرة قد تأخر لهذا لم يتمكن من المحضور. ويبدو أن هذا أثار الكثير من اللغط لدى العرب الأجانب، لأن نصير طلب لاحقاً عدم الإساءة إلى السعودية والسعوديين أو حتى المتشددين، الذين قال أخيراً بأنهم هم من تسبب بمنعه. ورغم أنه طلب عدم الإساءة لأحد، إلا أنه خالف نفسه وتوجه بالتجريح إلى من يسميهم المتشددين، مما خيب ظني، حيث أن الإنحدار في التعاطي الذي نهى عنه إنما وقع به بسهولة، فذم من يسمون بالمتشددين من أي أحد صار أمر عادي وحق للجميع، وصار يسهل ضم الناس تحت لواء التشدد حينما يختلفون في وجهات النظر عن الآخرين أو حينما يكون لديهم تحفظات. يوصف نصير شمة دائما بأنه مثقف راقٍ وذو شخصية جذابة وفكر عميق، وأسلوب محافظ، لكن أسلوبه في التعاطي مع الأمر لم يشهد في صالحه، لقد هبط بمستواه عن سمعته، وعن ما نصح الناس به مع الأسف.
بغض النظر عن ما يراه الجميع في الخارج، ما يجب أن يفهموه هو أن رؤيتهم غير مهمه فيما يخص أسلوب حياتنا وما يجري بيننا. فالأمر خاص بنا، ويمكننا النقاش حوله في الداخل، لكن وجهة نظرهم غير مطلوبة طالما الأمر لا يمسهم. حتى نصير شمه، لا يجب أن يتخيل بأن وعده من قبل شركة بأن يأتي ويؤدي هو وعد قاطع، فهذه السعودية وليست أرامكو، الشركة التي تحتاج إلى إعادة نظر في رأيي. وبكل الأحوال، الحصول على تأشيرة والقدوم إلى هنا ليس حق للجميع لأي سبب كما يتخيلون، إنه أمر خاص وامتياز انتقائي. ولا أدري لماذا الهوس بكل ما يتعلق بالسعودية، وما تفعل أو لا تفعل، والهوس بالإساءة إلى أهلها، أو خنقهم بعناق من يزعم التعاطف وهو لا يقصده.
إني أحب الموسيقى، وأتصور بأن ما يعزفه نصير شمه، وبينانا، هو مما قد يعجبني سماعه، فأنا أحب الموسيقى التقليدية. لكني لا أريد أن يقحم في الأمر رسالة تسطيحية حول ما نعيشه ونشعر به. هل يريد الناس هنا فعلاً الحوار على أي مستوى تطاله أيديهم مع الغرب؟ وهل قضيتنا معهم ناعمة ورقيقة إلى هذه الدرجة، حتى تعامل بهذا التبسيط والرومانسية؟. لا خلاف لدي بأن أسمع لكل منهما يعزف، لكن بدون هذه المسحة الدرامية التي لا تلائم حقيقة الأمور، لا أريد أن أراهما يعزفان معاَ هنا، لأني لا أريد أن تعرض قضيتنا وفكرتنا عن الأمور على هذا النحو السطحي والنفاقي البعيد عن الواقع والشعور، بهذا الاصطناع والاستغفال.

أما أرامكو، فهي تبدو كالواثق بحماقة بقبوله الشعبي. إني لم أكن أبداً من المرتاحين إلى استثناء أرامكو من القيود التي تحكم الحياة هنا. ولكن يبدو أن أرامكو قد دفعت على نحو غبي للتأثير على الناس، الذين يتطلعون إجمالاً إلى كفائتها بعين الإعجاب على مستوى العمل. لكن دخولها المفاجئ للمستويات الشعبية في المهرجانات التي قامت بها مؤخراً جعل الناس يستغربون، فقد رمت بثقلها فجأة، ونظمت الأمور بنفسها، رغم أنها ليست جهة ثقافية، ولم تنظم الأنشطة لموظفيها فقط كذلك. هل هي نموذج يراد له أن يعمم على البلد؟ أو أن يقود البلد إلى نقطة معينة؟. هذا يشعرني بأن هناك من يستعجل الأمور، ويريد القفز بالناس إلى مناطق غير مألوفة، بغض النظر عن رأيهم، ولما كان لا يستطيع القيام بهذا بنفسه، أوعز لأرامكو أن تطلع الناس على نموذجها وتقودهم. كثيرون هم البعيدون عن الواقع، وأرامكو ليست أقرب هؤلاء إليه، بل هي الأبعد. إن وضعها غريب وشاذ، ففي حين كان يجب أن تخضع هي لرؤى وأولويات الناس، أو المطبقة على الناس، نجد بأنها مستقلة فيما تقوم به، وتحاول الآن إتاحة أولوياتها المختلفة والمتغربة للجميع. لا يكفي أن هناك سينما والنساء يقدن السيارات دوناً عن أي مكان في البلد بلا مبرر، لكن الآن تريد أرامكو أن تري الناس كيف يجب أن يعيشوا وينظروا للأمور، بأساليبها المتأمركة الناتجة عن إرث عملي أقدر فاعليته كأسلوب عمل، لكن يجب أن يدعو ثقافتنا وشأنها، ويجب أن نناقش نحن ثقافتها الآن، فكما قلت؛ هذه السعودية وليست أرامكو. ولست أقول بأن السينما وقيادة النساء للسيارة أخطاء، لكني أرى بأن العدالة خير من إتاحة بعض المتع أو حتى الضروريات للبعض وحرمان الآخرين منها، سواء كانت تلك الأمور جيدة أم سيئة، فالجميع يجب أن يتساوون.
إني مستغرب من هذا الغباء المطبق الذي دفع أرامكو على وجهها بهذه الثقة العمياء، ولا أدري على أي ضمانات كانت تستند، لكني أثق بغباء من دبر لهذه الأمور فيها مهما كانت نواياه، لأنه يحسب أن أولويات جميع الناس هي أولوياته.
لكان الأمر أهون لو كان من قام بهذه الخطوة هي جهة ثقافية أو حكومية، لكان الأمر  قابل للنقاش والأخذ والرد. لكن إقحام شركة ذات إرث غير منسجم، وأولويات وأساليب مختلفة عن بقية الشعب كان خيار غبي.

ربما كنت سأهتم لو قامت جهة أخرى بعرض موسيقى راقية هنا، وربما كنت سأحضر لأستمع أيضاً، بدون حكاية الحوار مع الغرب هذه، لكن هل يريد الناس بمجملهم مثل هذا النشاط بنطاقه الواسع أن يحدث لديهم، حتى لو لم يحضروه؟. على نطاق ضيق غير مؤذي؛ يمكن تقبل الأمر ربما، وربما لن يخالفوا كثيراً لو تم الأمر بطريقة أكثر تحفظ وتماهي مع رؤى الناس للأمور هنا. لكن حينما يتسع النطاق، ويصل إلى حد تبجح أرامكو، يصبح الأمر يتعلق بأناس خائفون على ثقافتهم، ولا يمكن لومهم في رأيي على قلقهم. لأن الثقافة موروث يملكه الجميع، وهو يتم العبث به الآن بالفعل على نحو عشوائي ومقلق، بينما يجب الانتباه للتأثير والتركيز على الانتقاء الذي يتراوح بين المرونة والصرامة بحسب الموقف.
على سبيل المثال، كان هناك معرض قبل سنوات عن الثقافة اليابانية، وقرع عازفون تقليديون الطبول وأسمعوا الناس موسيقى يابانية تقليدية، وصفق الجميع، ولم يعترض أحد، أو يسبب مشكلة.

كان يمكن لأرامكو أن تعطي المال لجهة تفهم الناس ونفسياتهم هنا، كمركز ثقافي مثلاً، دون أن تتدخل، لكن، ليس هذا ما تريد بالطبع. كان يجب إقحام مسألة الحوار هذه، واستقدام شخص مشهور والدعاية بمبالغة والإقدام على الإعداد للأمر بجرأة.

تناقشت أنا والدكتور الألماني حول الأمر، وقد كان مهماً بالنسبة لي أن يعرف لأن نصير شمه أحد معارفه حينما كان في مصر، وهو يقول بأنهم كانوا أصدقاء حتى. أعتقد بأني صدمت الدكتور برأيي. نعم أحب الموسيقى، لكن لا أريدها أن تكون ذريعة لشيء أو تمييع لقضية، أو تزييف لشعور، ولن تتوقف الدنيا لأنها لا تعزف هنا.
قال بأني لم أسمع مثل هذه الأنشطة، ولو سمعتها لأعجبتني، وحكى عن مثال حضره، دمج موسيقي مماثل بين فنانين مصريين وهنود. قلت بأني لا خلاف لدي على الحوار الموسيقي مع الهنود والصينيون أو أي أحد، لكن ليس مع الغرب، ليس وقضيتنا معهم هكذا. قال بأني ضد الغرب إذا، قال هذا وهو مبتسم. قلت بأني لست ضد أحد، لكني ضد ما يقومون به هنا وبالعالم. وضد أنشطة أرامكو الأخيرة، بثقافتها المتأمركة وأولوياتها المختلفة، وعدم عدالة وضعها، وضد تدخل الأجانب وتعيير الناس وإلقاء اللوم على المتشددين، حيث أصبح كل من له رأي مختلف وواضح متشدداً في نظرهم. وقلت بأنها صارت مشكلة، وصم الناس بالمتشددين دائما هكذا، وتشويه سمعتهم وتصويرهم على نحو سيء، لاختلافهم بالرأي وأسلوب الحياة. قال بأنها مشكلة بالفعل.
أضفت بأني لا أعتقد بأن من كانوا خلف إيقاف الحفل قد أوقفوه للأسباب التي أراها صائبة، لقد أوقفوها لأسباب أخرى بالتأكيد، فالأمر كثير عليهم أن تعزف الموسيقى بهذا الشكل، ويستقدمون الأجانب كذلك لعزفها بدعاية ضخمة للأمر كحدث مستقل. لكن لحسن الحظ وافق الأمر رؤيتي ولم يتم الأمر. لكن في المرات القادمة، لا أتوقع أن توافق الأمور رؤيتي، ولن يكون الحظ حسناً دائما.







مررت بتجربة فريدة هذا العيد؛ لقد حضرت المناسبة!. لم يكن أمر مخطط له، وكنت في الليلة السابقة، ككل ليلة تسبق العيد، قد ذهبت إلى السوق واشتريت ما أحب من الشكولاتات والمشروبات، وتأكدت من وجود شيء لأقرأه أو أراه، لأني لا أنزل لمقابلة الزوار بالعادة في هذه المناسبة. لكن في الصباح الباكر سألتني أمي أن أذهب بها إلى صلاة العيد، فذهبنا. لما عدنا، كان بعض الناس قد بدأوا بالتوافد، فشعرت بأن الوقت تأخر على الصعود، وشعرت بأني أود أن أقبل الأطفال وأتفرج على ملابسهم حينما يأتون.
كان الأمر مفاجئاً لبعض الأقارب. وقد علق أكبر أبناء عمومتي بأنهم لم يروني منذ خمس سنوات، وهذه مبالغة،لكنه أبدى اهتماماً برؤيتي واحتفاء، وهو بالواقع الأطيب بين الجميع، سواء إخوتي أو أبناء عمومتي، فهو رجل يحاول أن يكون أخ كبير للجميع، ويهتم بتبيان اهتمامه دائماً. أصر علي لأدخل لأتناول العيد، وهي الوجبة الأساسية في اليوم، ولكني رفضت؛ لم يكن هناك من سيقدم القهوة لمن عادوا من تناوله، لأن جميع إخواني ذهبوا في الفرصة الثانية لتناول الوجبة، وكنت قد أرسلت ابن اختي ليرتاح في غرفتي لأنه كان مريضاً. لكن ابن عمي أصر، فاضطررت لترك شقيقه بينما كان يسألني عن حياتي، بطريقة أشعرتني بأني قريب جديد ظهر فجأة.

العيد لدينا عبارة عن أطباق متنوعة، من كل بيت طبق، وهي أكلات شعبية. ما يأتي من بيت آل فلان فهو عيد آل فلان، وما يأتي من بيتنا فهو عيدنا، والفكرة هي تذوق أعياد الكل. وجدت إلى جواري ابن لأحد أبناء العمومة، فجاملته سائلاً عن عيد والدته ( أي الذي أعدته)، وكان هذا لحسن الحظ، فقد كان لذيذاً جداً. لكن الأفضل كالعادة كان ما قدمته خالتي المصرية، وهي زوجة ثانية لأحد أعمامي، مشهورة بالطبخ، خصوصاً ما يجدنه المصريات بشكل عام من محاشي وخلافه. لكنها في العيد تماشياً مع العادة جائت بجريش، ورغم أني لا أحب الأكلة بالأصل كثيراً، لكنها من يديها تصبح شيء آخر. كان أنعم وأطعم و جريش تذوقته وأكثرها تعقيداً من حيث النكهة، وهكذا الجريش الذي تأتي به دائما. لا زلت أتذكرها، كانت من ألطف النساء، كانت تقول حينما تراني، وحتى لو رأتني أكثر من مرة في المناسبة: إزيك يا سعد؟. بابتسامة من ألطف وأكثر الابتسامات عطفاً في العالم.

خرجت قليلاً مع ابن ابن عمي، ليريني سيارته الجديدة، وهي هيونداي شكلت صدمة بالنسبة لي، فهي ما شاء الله جميلة وأنيقة ومتطورة جداً، مليئة بالمزايا التي تجعل المرء لا يصدق سعرها. لكن كان يعيبها شيء واحد؛ إن الراكب يشعر بكل ما في الطريق من تحته، وربما لو داس حجر صغير لعلم بتفاصيله. بخلاف هذا؛ ما شاء الله، شيء غير معقول.

كان الشيطان لا يزال مكبلاً حتى ذلك الوقت على ما يبدو، أو أنه كان لا يزال قادماً من مكان بعيد؛ حيث أن أحد ابناء العم، وهو ذو نوايا سيئة حقاً، لم ينظر تجاهي حتى.

فكرت أن أنام حينما خرج الناس، وأن أغير برنامجي في الليل حتى؛ أن أرى الأقارب من طرف أمي الذين يخصص المساء لهم. لم أكن انزل في السنوات السابقة حتى في المساء، وحتى حينما كنت أنزل في الصباح. لكني غطيت بنوم عميق ولم أصحو. كان هذا للأفضل، فلا تسلم الجرة مرتين.

إني لست مقرب عموماً من الأقارب. نأيت بنفسي قبل فترة طويلة، وربما ببعض التدريج. لدي أسباب، فضلاً عن طبيعتي الانتقائية فيما أحسب.
كنت في السابق أضطر لحضور بعض المناسبات مجاملة لقريب معين، لكن بعد انتفاء الأسباب لم أعد مضطراً لمثل هذه المجاملات.







حدث إشكال كبير قبل فترة بين اثنين من الزملاء. احدهما يهمل العمل كثيراً، مما يوقع الكثير من الضغط على الآخر ذو الطبيعة الانفجارية. الآخر الانفجاري هو شخص تكلمت عنه بضع مرات في المدونة منذ زمن طويل، فهو رجل ملتزم، وكان يعاملني بحذر وفضول يجعلني أشعر بأنه كان يخاف مني. تغيرت الأمور كثيراً، وبات يتحدث معي على نحو طبيعي، يمزح، ويأتي ليتكلم ويناقش في الأمور دائماً، أو أنا آتيه.
بعد الاصطدام الذي وقع بينه وبين الشخص المهمل، كان ثائراً إلى حد بعيد، وقد أكثر من التوبيخ والوعيد، مما ضايقني بصراحة، ففقدانه لأعصابه يذهب إلى أبعد مدى في بعض الأحيان.
كان بعد ذلك مباشرة ينظر إلي بطريقة غريبة؛ كان من الواضح أنه ينتظر رأيي، لكني لم أكن لأعطيه إياه وهو في ذلك الحال. جاء لاحقاً، وتحدث في الأمر. أخبرته برأيي؛ إنه بالغ، لقد غضب أكثر من اللازم، وقال ما لا حاجة لقوله. قال معترفاً بأن لديه مشكلة مع الغضب، ولكن للناس مشاكل يحلونها، وتذهب، وأنه يعمل على مشكلته هذه ليتحسن. فوجئت وأعجبت كثيراً بشفافيته النادرة. فلم أتوقع أن يعترف بالأمر؛ بهذه الصفة، وأنه يأخذ أمرها على محمل الجد، ويريد التخلص منها. لكن لم يكن يسعني أن أكذب، فلدي شق شخصي أقلبه في ذهني في مثل هذه المواقف التي تحدث بينه وبين الآخرين حينما يفقد أعصابه، أخبرته بصدق بما أشعر به، قلت له بأني أخاف منه، إني أخاف دائماً أن يحدث سوء فهم بينه وبيني ويفقد أعصابه ويسيء إلى معرفتنا. قال بأنه لا يمكن أن يقوم بمثل هذا الأمر معي. قلت بأنه قد يفقد أعصابه، لكنه أكد بأنه لن يقوم بمثل هذا معي أبداً. ثقته هذه جعلتني أفكر بأنه قلب الأمر في ذهنه مسبقاً، وعلى ارتياحي لطمئنته، إلا أني شعرت بغرابة فكرتي عن الأمر؛ أنه فكر بسيناريو لما قد يفعل لو حدث بيني وبينه سوء فهم.

في يوم لاحق، حدث موقف ما كان يجب أن يحدث. تجادلنا قليلاً، وأنبت زميلي. جاء إلي لاحقاً يعرض مساعدته بعدما سمعني أناقش أختي على الهاتف في أمر مدرسة ابنتها الجديدة. سألته إن كان غاضب مني؟ قال مبتسماً بأنه لو كان غاضب لما جاء ليكلمني. فهمت بأنه لا يريد لعلاقتنا أن تتأثر، وقد قدرت هذا كثيراً.

هو كريم، وهذه صفة أقدرها كثيراً، وهي أندر مما يتصور البعض. هو من القلة الذين يتكبدون عناء إحضار شيء لإبهاج الناس في القسم.
وكان قد دعانا قبل فترة إلى منزله لتناول العشاء. كانت الدعوة بلا مناسبة. جلسنا في البداية في خيمة حديثة أمام المسجد، حيث يعمل مؤذناً هناك، وكنت قد أحضرت معي لابنته دمية، أو دميتين متصلتين على الأصح، على شكل قنفذ صغير وإلى جانبه أمه الكبيرة (وقد أفزعت أمي حينما أطلت بالكيس الذي تركته قبل ذهابي، ووصفتها بأنها دمية قبيحة، للأسف هذا ذوقي).
هناك، كان قد دعا أيضاً بعض أصدقائه، وهم ملتزمين كذلك. إلا أن واحد منهم بدا غير مرتاح إلي إطلاقاً، ولم يستطع التفريق بين ما أقوله قاصداً، وما أقوله مازحاً فيضحك عليه البقية بينما يأخذه هو بحساسية.
كان يوماً ممتعاً.






قبل أيام، حدث موقف آلمني كثيراً، وأفسد نفسيتي لأيام. شعرت بضعف الحيلة، مهما فعلت وأجهدت. كتبت قصة قصيرة مباشرة بعد هذا الموقف. نقحتها لاحقاً بالطبع. قد لا تكون جيدة، لكنها صادقة، يمكنني قول هذا. أسميتها: نفاذ القدر إلى الأمل المبتذل. لغير المهتمين بقراءة القصة، يمكنهم النزول والبحث عن الخط الأحمر، فهي تنتهي قبله، ومن هناك يواصلون.


نفاذ القدر إلى الأمل المبتذل




كنت مستلقياً في مكان غير مألوف، مسترخياً أمام بحر، وتحت الشمس التي أهرب منها في العادة. بيد أن الشمس كانت ألطف هناك، والهواء عليل. كنت في أقصى حالات الراحة، وقد أمنت على ظهري نظافة الرمال تحتي، بينما ستر جزئي الأسفل سروال فضفاض ولا يغطي ركبتي. تصلني موسيقى محلية من خلفي، من وسط ما يبدو أنه جزيرة خضراء صغيرة. أحياناً، يتحرك شيء في الأجمة خلفي، سرعان ما أكتشف أنه حيوان صغير. وتتساقط ثمار جوز الهند كل لحظة وأخرى، وفي ذلك الحين ألتفت باحثاً عنها وأنا في مكاني، حتى أستمتع بشكل السرطان الجميل والضخم، الذي قصها من أمها، وهو ينزل.
بين كل لحظة وأخرى، أملأ رئتاي بنفس عميق، حينما أفطن إلى جودة الهواء التي لم آلفها، وأشعر بأني أعيش تلك اللحظات لأجل نفسي فقط.
لم ألبث كثيراً حتى سمعت وقع خطوات هادئة، وبدا أنها قادمة في اتجاهي. لكني لم أجفل، ولم أحفل بالجلوس أو التهيؤ لاستقبال أحد؛ بدا فقط أن الترحاب يكفي على خلاف العادة، ببساطة رائقة. حينما أقبل صاحب الخطى، التفت إليه، وأجفلت في اللحظة الأولى. كان رجل ضخم الجثة، ذو لون توقف في درجة بنية غير جميلة، له وجه هو الأكثر دمامة مما رأيت في حياتي. كانت لحيته موزعة كقطيعات حول وجهه، شعره كان يشبه صوفاً رديئاً بلون يراوح بين السواد والرماديه، وهو  قد رد إلى الخلف بكفاح واضح رغم طوله الذي قد يمس الكتفين لو كان شعراً منسدلاً. بينما حاجباه الكبيرين كانا عريضين وطويلي الشعر، يعلوان عينين تكادان أن تلتصقاً لشدة تقارب موضعيهما. أنفه كذلك غريب، صغير وبارز وغير متناسب الأبعاد، ويكاد أن ينتمي إلى جبهته. وله أسنان شديدة الصفرة، ورغم تفرقها غير الطبيعي جمعها شكل من التكلس على نحو غريب. رغم كل صفاته، كان تحديد عرقه أمر مستحيل، كان شكله ينتمي إلى الدمامة فقط. ستر أسفل جسمه بقماش نظيف ومزخرف. وبخلاف دمامة وجهه المخيفة، إلا أنه بدا عليه السكون والمسالمة. ابتسمت مرحباً، في تحامل على نفوري، قاصراً عن نطق شيء، لأن الحدث جاء على خلاف ما تخيلت. لكنه نطق مرحباً، بلغة كلغتي. هالني الأمر، فالتفت مبتسماً إليه. قلت: أهلاً وسهلاً، هل أنت أجنبي أيضاً؟
هو: لا، ليس وأنت معي هنا.
ضحكت، فكرت بأنه يقصد بأننا نستأنس ببعضنا.
أنا: من أي مكان أنت؟.
قال: كل ما تطأه رجلاي.
لم تكن إجابة ملائمة. مع ذلك، ظللت على ابتسامتي وكأن الأمر مقنع.
سألني لماذا أنا هنا؟.
قلت بأني هارب.
ممن؟.
أجبت: من حياتي، لكن لبعض الوقت فقط.
نظر إلي بتأمل، ولما ساد الصمت ولم يعلق، التفتُ تجاه البحر، وكنت لا أزال مستلقياً.
هبت نسمة عليلة، فسحبت نفساً جاء كتنهيدة.
قاطع سكينتي قائلاً: قابلتها قبل قليل.
أنا: من؟
هو: حياتك.
ضحكت، فكرت بأنه مجنون. لكني سرعان ما قلقت؛ إذ خطر في بالي أنه قد يكون مجنوناً تقطعت به السبل هنا. وإلى قلقي أضفت قلقاً؛ لماذا قلقت؟. شعرت بضيق شديد، وبدا أن وجودي هناك صار بلا معنى. أعقب الضيق سريعاً شعور بالبؤس والاكتئاب.
سألت لأتأكد أكثر: وكيف كانت؟.
قال: كما تعرفها، لم تتغير.
ضحكت لسخرية الأمر، رغم انقباضي لسوء الفأل. لكنه لم يضحك. وحينما نظرت إليه، كان تأمله لي قد ازداد غموضاً، لكن هذا لم يقلقني، شعرت بأني معتاد على هذا.
قال متلفتاً حوله: هل أنت سعيد هنا يا سعد؟.
كدت أن أجيب، لكني أجفلت. قلت باستغراب: كيف عرفت اسمي؟.
لم يجب. فكرت بأن المحليين ربما أخبروه عني، لهذا أتى إلي، لكني لا أتذكر أني قابلت محليين أصلاً؟!. ظللت مستلقياً، فقط لأقاوم قلقي، وأتظاهر بأني لا زلت مسترخياً.
قلت: وما اسمك؟.
أجاب: لا اسم لي. ماذا تحب أن تدعوني؟.
استفزني هذا، ومنذ متى أعرفه حتى يقترح أن أسميه؟ ناهيك عن شعوري بأنه ليس مجنوناً، ولكنه شخص يهزأ بي.
سألت بأسلوب عدائي: من أنت؟.
صَمَت.
أنا: تكلم!.
هو: أنا قدرك.
التفت إليه في تلك اللحظة، وقد اكتشفت بأني كنت قد وضعت يديَّ بلا شعور على عيناي منذ فترة؛ أجفلتني هذه الحقيقة. أما كونه يدعي بأنه قدري، فهو أمر صدقته حالما التفت إليه. صدقته، لم يحتج إلى أن يحلف، ولم أصدقه لأنه بالغ الدمامة والبؤس، لكن لأن الموقف بدا أقرب إلى واقع آمالي البائسة بابتذاله، بكل ما في الموقف من ابتذال وسخرية؛ وجودي في تلك الظروف غير المنطقية، استرخائي المبتذل بلا سترة لجزئي العلوي، الموسيقى المبتذلة، الهواء المبتذل، كل هذا الكمال المبتذل والنفاقي المتآمر. ثم بعد ذلك، جاء واقع لا يقل ابتذالاً ليذكرني بنفسه؛ حضور قدري الدرامي المبتذل، الحوار المبتذل معه، وبعد التأمل؛ لماذا يرتدي هذا القبح ذلك القماش اللؤلؤي الجميل؟ هل لينفذ بسهولة إلى آمالي؟ كيف لم ألاحظ منذ البداية؟، أمر لا يصدق، فعدم ملاحظتي هذه، هو أمر مبتذل أيضاً.
بعدما وعيت حضوره أكثر وانتهيت من أفكاري الداخلية، تأملته أكثر، لم أتمكن من التوقف، كان يزداد بشاعة وأنا أنظر وأستكشف وجهه. وكان ينظر إلي بنفس الطريقة منذ البداية، لكني فهمت الآن؛ كان قدري، لفرط دمامته  هو، مشفقاً علي أنا.
عند هذا الفتح، اكتشافي لتعاطفه المذهل والمثير للشفقة من حيث المبدأ، اتكأت على ذراعاي ودفعت بجذعي ببطئ إلى الأعلى. متكئاً على مرفقاي؛ نظرت إلى قدري بذهول، وفزع.
كانت السماء قد اكفهرت، وريح غير محسوسة صارت تمحو كل شيء خلفي، والبحر بدأ ينسحب ويزول، بينما صار قدري يقترب بهدوء، وبطريقة مدروسة؛ فهو قدر في النهاية. رغم أن الأسف لم يغب عن وجهه.
لم أذهب بعيداً بما يكفي، عرفت هذا، لا يوجد مكان بعيد بما يكفي.
لا فوق قمم الخيال، ولا في وديان الأحلام.
ولا على شواطئ الأمل.





تمت

___________________________________





ذهبنا أنا وأمي إلى طبيب طيب في أحد مراجعاتنا الأخيرة. لكنه كثير الحكي، ويحاول أن يبدو متواضعاً على نحو مصطنع، ليس أنه في الحقيقة غير متواضع، لا أدري ربما كان كذلك، لكنه يفتعل التواضع ليثبته بالتأكيد. هو سعودي، وكبير بالسن. وفي كل مرة نزوره، يجب أن أحكي له قصة حياتي، فهو في كل مرة يسألني عن كل شيء لسبب ما. أحياناً أكون قد نسيت بطاقة الجامعة معلقة على جيبي، فيسحبها ويقرأها ويسأل عن كل التفاصيل، وهي نفس التفاصيل في كل مرة. في المرة الأخيرة تذكر لأول مرة أنه رآني من قبل، لكن هذا لم يعفني من التعارف من جديد. سألني إن كنت عضو هيئة تدريس. فقلت: لا لا، أنا موظف. فقال بطريقة مسرحية: طيب وش فيه الموظف؟ الموظف أحسن من الدكتور!!. توجه بكلامه هذا إلي وإلى طلابه. رددت بأنه لا يحتاج إلى أني خبرني، فأنا موقن بهذا. شد هذا انتباهه، وقلت بأن السعودي لا يصلح أن يكون دكتوراً، وربما كان هو استثناء، لكني أتحدث بشكل عام. كان لا بد من التأدب. كتم طلابه ضحكاتهم. وسألني عن رأيي وسببه، فقلت بأن المجتمع يفسدهم، ويغدون متكبرين وبلا فائدة. وتكلمنا كثيراً في الأمر، وهو يحاول أن يستوضح أكثر، بينما أمي تقبع على كرسي الفحص تنظر من خلال البرقع، وكأنها حمامة. لم أكن أريد للنقاش أن يطول، لكنه كان يشعبه، ويخرج عنه، فجأة يسأل من أين نحن، وفجأة يسأل أين درست. قال بأني مثير للاهتمام (!!). طلب مني أن يتحدث باسم جميع الدكاترة السعوديين، فرجوته أن لا يفعل، وأن يتحدث عن نفسه فقط، فأنا أعرفهم جيداً، بينما هو لا يمثلهم إذ أنه متواضع. قلت بأني أعرفهم لأني أراهم بالعمل، وقد درست على أيديهم، ولي أقارب منهم. تسائل وهو يتلفت إلى طلابه، وهو يفعل هذا حينما يشعر بأن ما يقوله هو أمر بالغ الدهاء؛ ماذا لو أصبحت أنت دكتوراً؟ هل ستقول نفس الكلام عن نفسك؟ فقلت: إن شاء الله أني لن أكون. فتح عينيه مندهشاً، وبهذا هدم كل تواضع حاول أن يوحي به، رغم أني بالواقع لم أكن مصدقاً تمام التصديق أنه متواضع إلى ذلك الحد، لكن كلهم يتخيلون بأنهم بلغوا نهاية طموح كل إنسان حينما حازوا شهادة دكتوراه. تسائل لماذا؟ يقصد لماذا لا أريد أن أصبح واحد منهم، ولكنه لم يتركني لأجيب، فقد علق بتمعن بأن هيئتي تبدو مثل هيئة عضو هيئة تدريس!. وسأل طلابه، فوافقوه. كان خبراً سيئاً. أسوأ من حينما أبلغني صديقي الهندي سيد بأني أذكره بالممثل شاه رو خان. سأل طلابه ماذا أصلح أن أكون؟ هل أصلح أن أكون طبيباً؟ فقال أحدهم بأني أصلح أن أكون طبيباً نفسياً. ربما كانت سخرية، وأنا أغلب هذا.
قال بأن التحادث معي مثير للاهتمام، لهذا يريد أن يراني مرة أخرى، ولكن ليس في موعد، إنما في لقاء تعارف، ليغير وجهة نظري عن الدكاترة السعوديين (طَموح). كان يجامل.

أذهلتهم أمي بمعرفتها باستخدامات الدواء وما يتعلق به من أمور. وهي كثيراً ما تذهلهم. حينما كنت صغيراً، نومت في المستشفى وكانت أمي معي. إلى جوارنا كانت امرأة معها رضيع، في يده انبوب متصل بزجاجة المغذي. حاولت المرأة حمل ابنها إلى الحمام على ما يبدو، وجر زجاجة المغذي من الماسورة التي علقت بها، وكانت ذات إطارات. لكن حينما حملت الطفل ومضت بضع خطوات، بدأ دم الصبي يصعد عبر الانبوب إلى الزجاجة، فصرخت بحدة وعادت مسرعة ووضعت ابنها على السرير، ولكن لم يصلح هذا الأمر، إذ استمر الدم بالصعود في الأنبوب.  ولكن أمي كانت قد وقفت واتجهت إليهم بالفعل منذ أن صرخت المرأة، طمأنتها أمي وقامت بشيء تجاه الصمامات تحت الزجاجة، فبدأ الدم بالعودة مع السائل. كن الممرضات يستعن بأمي في الأمر معي. كنت فخوراً جداً في ذلك اليوم، ولا زلت.





قبل أيام، رأيت أساتذة غربيون يخرجون من المصعد، بينما كنت أنتظر أنا أن أدخل. كان معهم سعودي، خرج قبلهم، ثم خرجن بعده ثلاث نساء، ثم بقي رجلين كبيرين بالسن. أحدهما توقف ينظر لمن خارج المصعد، وبدا أنه يفكر بقول شيء، حتى خرج وقال لمن ينتظرون الدخول: تفللوا!. كان يريد أن يقول تفضلوا. كنت العربي الوحيد، وأشك بأن الآخرين، وهم هنود، قد فهموا ما يريد أن يقول. شعرت برغبة بالضحك، خصوصاً أنه توجه إليهم بهذه المجاملة. حينما أخبرت الدكتور الألماني ضحك هو الآخر. ثم سألني عن مسألة تفضل، لماذا لم يقل تفضل، وقال تفضلوا؟ شرحت له مسألة الجمع. ثم سأل ليتأكد: إذا لو كان أمامي شخص واحد، أقول له: "إتفضل"؟ ضحكت. عاش الدكتور لفترة طويلة في مصر، وما يعرفه من اللغة العربية دائماً ما يكون بلهجة مصرية. شرحت له أن هذه اللهجة المصرية، وأنه من الأفصح أن يقول مثلنا: تفضل.

في الأسبوع التالي، رأيت مجموعة كبيرة من الأساتذة الغربيون والغربيات، وهم يمشون خلف سعودي. عرفت من جريدة الجامعة أنهم وفد للاعتماد الأكاديمي. رأيت الرجل صاحب: تفللوا. نظر إلي وابتسم، وأشار بحاجبيه، لسبب ما. هو بالواقع لم ينظر إلي أمام المصعد في ذلك اليوم، ولم يرني، كان ينظر حصراً إلى مجموعة الهنود العاملين في الجامعة. وظل يبتسم، ويلتفت، حتى بعدما ابتعدوا. شعرت برغبة عارمة بالضحك، وتمنيت لو أمكنني السلام عليه مجاملة وتقديراً.
كان يبدو على المجموعة عموماً الشعور بالإثارة.





لست من عشاق البيتزا من خارج المنزل، إذ لطالما وجدت أن بيتزا أهلي أطعم وأصح. حتى أني لا أشارك في العادة حينما يكون العشاء بيتزا من خارج المنزل. وإن شاركت، فقطعة واحدة كثيرة علي، وتجعلني أعاف اليوم.
لكن، اكتشفت مطعم بيتزا جديد، جذبني صغر حجمه، ولوحته واسمه. اسمه بيتزا 
ستوكهولم.

ذهبت إليه في يوم اجتمع فيه الكثير من الأهل، ودخلت لأطلب. كنت أتسائل إن كان المطعم من السويد فعلاً، أم أن أحد القرويين أعجبه الاسم ووجد به الغموض والجاذبية المطلوبة. لكنه بالفعل من هناك، عرفت هذا حينما قرأت قصة المطعم، هو مطعم سويدي افتتح في السبعينات، افتتحه إيطالي حاول أن يراعي الذوق السويدي في الأكل، وأضاف المكونات السويدية المألوفة إلى البيتزا. طمأنني هذا؛ لدى المطعم فرصة ليكون مختلفاً عن الأسلوب الأمريكي المصطنع والمكرر حتى مللته.
كانت المفاجئة الثانية في الأحجام والأسعار. إنها نفس أسعار المطاعم الأخرى، لكن لديهم في هذا المطعم مفهوم مختلف عن الأحجام، فهم يطعمون عمالقة في السويد على ما يبدو، أو أن الناس هناك يأكلون الكثير. فالحجم المتوسط لديهم يكلف مثل المتوسط في المطاعم الأخرى تقريباً، في حدود 45 ريال إلى خمسين ونيف. لكن حجمه يماثل الحجم الكبير في المطاعم الأخرى تماماً، أي أنه أرخص بالواقع بكثير. أما الحجم الكبير، فهو كبير إلى درجة أنه يمكنك أن تأكل منه ثم تمهد طفل بعمر سنة ونصف بالباقي، أو يمكنك أن تقدمه على تبسي مفاطيح (الصحون الكبيرة التي تحوي ذبائح كاملة أو نصفها)، وربما لن ينتقدك كبار السن. وهو بسعر البيتزا الكبيرة لدى المطاعم الأمريكية، لكني لا أتخيل بأني قد أشتري شيء مماثل، لأن هذا جنون، إلا إذا نويت تقديمه في حفل كبير، في مناسبة مقامة في استراحة مثلاً.
يد موظف المطعم ممسكة بالحجم الوسط، بينما تمثل الدائرة الكبيرة حجم البيتزا الكبيرة حسب مقاييس المطعم


كل هذه معلومات حسنة ومشجعة، لكن الأهم هو أن ما اشتريته منهم كان أطعم وألذ بيتزا تذوقتها في حياتي من خارج المنزل. وهي خفيفة ولذيذة إلى درجة أني أكلت أكثر من قطعتين. لها طعم خاص ومميز، بهارات غير معتادة، وصلصة صفراء لذيذة تأتي مع نوع المارقريتا الثالث.
إني من عشاقها الآن.
تجدونها على طريق الملك عبد الله، بعد تقاطعه مع طريق التخصصي وأنتهم متجهون غرباً إلى جامعة الملك سعود، في الزاوية إلى اليمين على القاطع يوجد مطعم كودو، بعده بقليل وقبل برقر كنق يوجد المطعم.






قرأت قبل فترة مقولة غريبة منسوبة للشيخ بكر ابو زيد. والله أعلم إن كان قد قال هذا بالفعل أم قيل على لسانه، لكن لا يبدو على أي حال أن الناس يلاحظون العلة. هذه هي المقولة.
( هذه اللفظة باللغة الإنجليزية بمعنى { الأخت } وقد انتشر النداء بها في المستشفيات للممرضات ، وبخاصة الكافرات .وما أقبح لمسلم ذي لحية يقول لممرضة كافرة أو سافرة { يا سستر } أي : يا أختي ! وأما الأعراب فلفرط جهلهم ، يقولها الواحد منهم مدللاً على تحضره ! نعم ، على بَغَضِهِ وكثافة جهله .) انتهت.

لا خلاف لدي على رؤيته بخصوص تسمية الممرضة الكافرة سستر، لكني أستغرب من تخصيصه للمسلم ذي اللحية بالانتقاد، كأنما يُتوقع من كل ذي لحية الكمال، أو وكأنما كل حليق لا يرجى به الخير. عموماً هذا إشكال تعودنا عليه، ولا يبدو أن الناس يدركون أن اللحية هي شأن المرء مع ربه، فما أكثر المنحرفين ذوو اللحى، وما أكثر العكس، اللحية ليست دليل قاطع، وهي سنة يتقرب بها المسلم من ربه، لكنها ليست أمارة على شيء بالضرورة.
أما الإشكال الآخر في رأيي، فهو قوله الكافرة ثم قوله تخييراً: "أو سافرة". هل تتساوى المؤمنة السافرة بالكافرة؟ لا أقول أبداً بأن السفور هو أمر طيب، كما لا أقول بأن حلق اللحى هو أفضل خيار، لكن من المستحيل أن أساوي بين من تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله، اللهم صلي وسلم عليه، وبين كافرة من حيث المبدأ. إنها مؤمنة، لماذا يُحط من منزلتها وقدرها إلى هذه الدرجة، وذكرها على نحو مشبوه بدلاً من الدعاء لها بالهداية؟. لا أجزم بأن كل الأخوات البوسنيات كن محجبات حينما كانوا يشهدون حرباً هناك، لكن لم يساويهن أحد بالكافرات، وذهب العديد من الناس للجهاد والدفاع عن الأعراض هناك.

أما الثالثة، والأكثر غرابة، فهو ما يقوله عن الأعراب. إنه يتهم البدو أنفسهم بالجهل المفرط والبغض بينما يرى بأن قيام سواهم بنفس الخطأ هو ما يوصف بالقبح، وليسوا هم أنفسهم بالضرورة قبيحون وبغضاء.
إنه شيخ معاصر وحيّ، ويعلم الجميع أن البداوة المقترنة بالجهل لم تعد موجودة، فالكل متعلم الآن، وحينما يجهل المرء شيء لا يكون مرده إلى أصله. كما أن الجهل ليس عيباً، إن الجاهل يُعلم، ولا يحتقر أو يهان، ومِن مَن؟ ممن يفترض به توعية الناس بالحسنى. إن من يخطئ يبحث له عن عذر، ولم يكن الجهل عيباً من قبل، ولكن لطالما كان التفريق هو العيب. الجاهل يستحق التعاطف والأخذ باليد، والشيخ، إن كان بالفعل هو القائل، يعرف كيف يمثل الأسلوب هذا بالقول للرجل الملتحي على نحو مقبول. لا أدري سبب مراكمة الكراهية والحقد في التوكيد على الأوصاف، والأسلوب المليء بالازدراء.
هذا أسلوب ملئ بالكراهية والعنصرية في رأيي. فبغض النظر عن الشيخ نفسه، إني أتحدث عما قيل، سواء هو من قاله أو سواه.

حينما حاولت لفت انتباه زميلي الملتزم العصبي تجاه الأمر، لم يرى في الأمر إشكالاً. وبعد تداول قصير، وضع ثقته بالشيخ، بأنه يعرف ما يقول. احتد اسلوبه قليلاً، لأن وصفي لما قاله الشيخ بالصفاقة استفزه. لكنه عاد لاحقاً، ووضع أمامي قطعة حلوى، وطلب مني أن لا أغضب منه.







يصعب صنع مشروب كوكاو جيد في المنزل، وحتى في المقاهي غالباً ما يصنعونه على نحو سيء، فهو لا أهمية كبيرة له في ثقافتنا، بالتالي؛ لا يهم كثيراً أن يكون جيداً بالفعل، فمن يشربه لا يلاحظ الفرق عموماً. في المنزل، العملية معقدة إلى حد ما، ويصعب إتقان صنعه من بودرة الكوكاو الخام، رغم أنه حينما ينجح يكون رائعاً بالفعل. أما المنتجات سهلة الإعداد فهي ملائمة للاطفال أكثر، بامتلائها بالسكر والمكونات الأخرى.
لكن يوجد حل مقبول جداً. اشتريه منذ فترة طويلة الآن. إنه منتج يستورد من أمريكا، اسمه سويسميس Swissmiss. يأتي على شكل مظاريف مليئة بالبودرة الموزونة على نحو مقنع مع السكر، فلا يحتاج إلى زيادة. إنه أفضل المتوفر، رغم أنه ليس أفضل ما تذوقت أو ما أطمح إليه، لكن كونه من الأفضل هو أمر كاف جداً. يوجد نوعين، نوع بالحليب ونوع غني بالكوكاو، الثاني هو الأفضل، وبفارق كبير.

وهو رخيص كذلك، إذ يباع بحوال ١٤ أو ١٥ للعلبة المليئة بالمظاريف. على أن التميمي زاد السعر قبل فترة إلى الضعف أو أكثر، بدافع الطمع أو بالخطأ، الله أعلم، وامتنعت في ذلك الحين عن شراء المنتج حتى رخص.

ولكن، الكوكاو يكمله غالباً الكوب الجيد. أي كوب يصلح بالطبع، لكن الأكواب الجميلة والمميزة تساهم في جو المشروب. أحب شراء الأكواب بصراحة والكؤوس، وقد خُصص لي دولاب في المطبخ، يفقد هيبته للأسف أمام بعض العناصر غير المتحضرة والتي يصعب التفاهم معها أو إخافتها، كما أن سيتي، خادمتنا المسنة الطيبة، تفقد الإرادة للدفاع عن أشيائي في حضور هذه العناصر، ولا ألومها. إن أحد أكوابي، الذي كان مثار حسد لزجاجه الشفاف المضبب، قد أصبح غير قابل للاستعمال بعدما انطبع على حافته "برطم" ضخم بصبغة لا تزول من الشاي.
عموماً، اشتريت كوب جديد، وهو جميل جداً بشكله البدائي وزجاجه شديد الشفافية، وغير متوازن الأبعاد من الداخل، تزخرفه على نحو متقشف شمس بدائية من الخارج. اشتريته من إبو Epo، وهو محل ياباني جديد على نمط دايسو، لكنه ليس جيداً بنفس القدر، ربما يعجب النساء أكثر لأنه مليء بالأشياء النسائية وسخافات أخرى.
الغريب أنه رغم أن المحل ياباني مثل دايسو، إلا أن الكوب صناعة اسبانية. إن أكثر ما يوجد في المحلين هو صناعة صينية لصالح المحلين، وليست أشياء صينية عادية، لكن وجود صناعة اسبانية عادية جعلني أفكر بأن إبو ليس وجهة ثقافية بقدر دايسو.







عاد الصديق الألماني الأصغر من ألمانيا بعد العيد بخبر سعيد؛ لقد اعتنق الإسلام. وأنا هنا لا أتحدث عن صديقي العزيز الدكتور الألماني الأكبر، الذي أسأل الله أن يهديه إلى الإسلام. لم يكن الأمر مفاجئة كبيرة، كان قد أطلعني على أنه يفكر بالأمر، ومنذ أن جاء إلى السعودية كان يبدي حماساً، وقد أخبرني بأنه يشعر بأنه مسلم بالأساس. لكن هذا لم يمنع بعض "الارتطامات" من أن تحدث بيننا، إذ كنت قد كتبت في وقت قديم عن احتكاك خلف بعض المشاعر السيئة لبعض الوقت، جرى بيننا عبر البريد الالكتروني، وكاد أن ينهي علاقتنا كأصدقاء.
زار مكتبنا، ولم يطلبني للسلام، إنما سأل عن إجراءات تصحيح وضعه كمسلم جديد. أخبرني زميلي لاحقاً، وهو على ما يبدو لا يدري بأننا أصدقاء. فرحت بالخبر، لكني خمنت بسرعة أنه لم يخبرني في البداية حتى يبين بأن الأمر ليس مهماً جداً. لكني زرته بمكتبه، واتفقت معه على تناول العشاء معاً في تلك الليلة، بعدما سلمني بعض الهدايا اللذيذة؛ خبز ألماني، وحلوى شعبية من هناك لم أتذوق مثلها من قبل.

في تلك الليلة، التقينا في مطعم برقرايزر، الذي كان يسمى برقر هاوس. تحدثنا حول إسلامه، وحاول أن يوضح بأنه ليس بأمر ذا بال، فهو لا يشعر بتغير كبير لكونه كان دائماً يشعر بأنه مسلم بالأساس. لم تتغير وجهات نظره كذلك، وهو له طبيعة غير عادية من حيث حب صدم الناس بآرائه واستمتاعه بالأمر، لكن أراهن على أنه لم يستمتع كثيراً معي، لأنه يصعب صدمي بالآراء، ويصعب شعوري بالإهانة تجاه بعض آراءه الغريبة، حيث أني كنت منفتحاً على النقاش. قال، وهو يريد أن يتأكد، بأنه يعرف بأني أشعر بصدمة من رأي معين قاله، لكني ضحكت وقلت بأني غير مصدوم، فأنا أعتقد بأنه لا أحد يمكنه إهانة الإسلام. أعتقد بأن كل هذا مقدمة لآخذ أمر إسلامه ببساطة، لكني لا آخذ إسلام أحد كأمر كبير جداً أصلاً، لأني أعتقد أن إسلام الإنسان هو معروف تجاه نفسه قبل أن يكون تجاه الآخرين.
بعد فترة في المطعم، وبينما أنا أحمل صينية الطعام، صادفت شخص كان صديق لي في وقت غابر. سلم علي، وقال بأنه سيأتي إلى طاولتي، تاركاً إياي أذهب، وقد ذهب هو ليغسل بعد وجبته على ما يبدو.
انتظرت بشيء من الوجوم حضوره، جاء إلينا ووقف الصديق الألماني وتصافحا، قال له بالانجليزية، بنفس الأسلوب الذي استمر منذ أيام الطفولة، بأن اسمه كذا وكذا، بتأتأة مشوبة بثقة ولا مبالاة على نحو غريب. ولما رد الألماني معرفاً عن نفسه طلب منه أن يستمتع بوجبته والتفت إلي. حينما طلب ذلك، كان يقول كلمات مهذبة، لكن بأسلوبه، كانت طريقة واضحة ومباشرة لأمر الرجل بالجلوس حتى يلتفت إلي بكل انتباهه، وبهذا كان الأمر سلطوياً ولا مبالياً بالواقع، رغم حسن النوايا. لم يكن هذا صادماً، كانت هذه طبيعته الصميمة منذ أن كنا أطفالاً، وحتى بداية سنوات الجامعة.
تحدثنا قليلاً جداً، وجاملنا بعضنا بالأسئلة، ثم طلب رقم هاتفي لنتحدث ونرى بعضنا لاحقاً، ومضى.
لم أكن في حيرة من أمري، ولم يكن شعوري متناقضاً؛ لقد كنت أتمنى لو أني لم أرى هذا الشخص.
وهذا ليس أني أتمنى له السوء، إني أتمنى له التوفيق كما كنت دائماً، لكني أتمنى أن يتوفق بعيداً، حتى عن التفكير. إن صداقته كانت من أغبى الأمور التي تشعرني بالمرارة حينما أتذكرها، لم يكن لها أي قيمة إيجابية، كانت مضيعة للوقت وللفرص الجيدة، وللثقة بالنفس.
لن أنكر أبداً بأنه ظل هو الأكثر تواصلاً في نهاية صداقتنا، ولكنها لم تنتهي لقلة التواصل؛ لقد انتهت لأني أردتها أن تنتهي، وقد طال التواصل أكثر مما أردت. بالواقع، لطالما كان اتصاله وزياراته أمور استنزافية بمعنى الكلمة، للشكوى من معاناة، لإسقاط أراء عن الآخرين، وأمور مشابهة. وهذا يذكرني بآخر صداقة حميمة كانت لي مع شخص من سني، كانت صداقة استنزافية هي الأخرى.
لقد كنت دائماً أرجو أن لا يحصل على رقم هاتفي، أو يصادفني، فلن يكون لدي له غير الترحاب، ولكني لم أرد بالمقام الأول رؤيته. شخصيته لم تلائمني حالما ازداد وعيي بالقدر الذي يمكنني من الإلتفات إلى الوراء وتقييم نفسي وصداقاتي، وهذا كان في الثانوية. وحالما دخلت الجامعة أردت للأمور أن تموت من تلقاء ذاتها، وهذا ما كان. لم أحب أبداً شخصيته التي تفرض إرادتها، وتعطي لنفسها الامتيازات، المحسنة الظن بالنفس إلى أقصى حد رغم كل العيوب، المتمحورة حول الذات، التي تذهب إلى أبعد مدى حال الحقد. لم أحب رغبته بقيادة أي مجموعة، انتقاداته التي لا تنتهي، استغبائه للكل، رؤيته المفرطة بالإشفاق على ذاته وظروفه وبالتالي استنزاف الآخرين.

الأمر الذي قد يثير السخرية، هو أني لطالما حاولت تجاهل ذكراه أو التفكير بحاله، ولطالما بنفس الوقت تسائلت عن حال والدته، وما يجري معها؛ إذ كانت امرأة طيبة بقدر ما كلمتها، وكان هذا كثيراً حينما كنا نتواصل عبر الهاتف، وكانت مريضة دائماً، وذات حظ تعيس. لطالما ذكرتني بوالدتي رغم اختلاف الطباع.

قد يقول البعض بأني جبان، أو ضعيف لا يتحمل، أو حتى قاسي القلب.
لكن لا أعتقد أن الهدف من الصداقة السوية هو اختبار الشجاعة.
ولا تجريب القدرة على التحمل.
ولا أعتقد أننا يجب أن نترك أنفسنا نهباً للآخرين مهما سلمت نواياهم.
فأنا أعلم بأنه على الأقل في آخر سنوات صداقتنا كان يخلو من النوايا السيئة تجاهي، لكن طبيعته كانت سيئة بالنسبة لي، وكان هذا كافياً.

كان الصديق الألماني الأصغر قد أحضر معه هدية من ألمانيا، خبز ألماني مغلف، وحلوى تقليدية. لم تعجب الحلوى أي من أهلي، لكني وجدتها رائعة جداً بمذاقها الغريب اللاذع، حيث أنها مصنوعة ببهارات لا يتوقعها المرء من تلك الجهات من العالم. قال لي بأن تلك الحلوى تؤكل في المواسم الباردة لتشعر الناس بالدفئ.









كنا نتكلم أنا والدكتور الألماني مؤخراً عن شخصية عامة. قلت بأنها شخصية صارمة، وهذه ميزة على الأقل، أفضل ممن ليس له أي ميزة. ابتسم وقال شخصية صارمة مثلك. ربما يعتقد بأني صارم لأني ضد المحاولات السخيفة لإحراجنا أمام العالم التي يقمن بها نساء من وقت إلى آخر حينما يقدن السيارة. إني مع الكلام والنقاش حول الأمر، ولست أرى بأن قيادة المرأة للسيارة هي أمر محرم بحد ذاته، ولا أعارضه حتى، لكني أعتقد بأننا يجب أن نصلح البيئة التي سيقدن النساء السيارة بها، والقوانين. كما أني انتقد الشباب المتغرب أمام الدكتور، وكذلك الشباب التافه، وقد قلت في لحظة عصبية في اليوم الوطني بأني أكره الشباب، مما أضحكه. لكن ربما كل هذا جعله يعتقد بأني صارم.

أخبرته بأني لست إنسان صارم كما يتخيل، إني أعتقد بأني مرن، وقابل للنقاش. وافقني سريعاً، لكني أضفت بأني أغير رأيي حتى بلا مشكلة حينما لا يكون جيداً، لكن ما يراه بي ليس صرامة، إنما التزام. طلب مني التحدث أكثر حول الأمر، فأوضحت بأنه التزام بما يعتقد المرء بأنه صحيح، وأسهبت في الأمر وفصلت قليلاً. اقنعه هذا في النهاية.

قضينا وقت طويل جداً في السيارة في اليوم الوطني، بسبب المرضى الذين يوقفون سياراتهم فجأة فيسدون الشارع، ثم ينزلون ليرقصون وهو يتمايلون ويهزون أردافهم. كان أمر مقرف، لكن لحسن الحظ أنه كان معي، فقد تكلمنا كثيراً وقطعنا الوقت.
سألته إن كان يعتقد بأن الطبيب الألماني، الذي قضينا معه بعض الوقت قبل فترة وكتبت عن الأمر، يصلح أن يكون سياسياً؟. ذهل وقال لا، إنه أبعد ما يكون عن السياسة، إنه ساذج، لكني أجبت بأن هذا بالضبط ما يجعله مؤهلاً للأمر. ضحك الدكتور بقوة، ويبدو أنه حسبني أمزح، لكني كنت جاداً، فعلق قائلاً وهو يضحك: ما هذا؟ فلسفة جديدة من فلسفات سعد الغريبة؟. شرحت له بأن الأكثر سذاجة وبعداً عن عمق التفكير هم من ينجحون بالعمل السياسي، وعلى الأقل الطبيب الذي نعرف رجل طيب وذو نوايا سليمة، ولديه الكاريزما كما يعتقد الدكتور أيضاً، وأضفت: أما أنت، فلعمق تفكيرك وبعد نظرك، لن تصبح سياسياً. وافقني على أن من يتميزون بالحكمة والعمق لا يصبحون سياسيين.

رأينا في وقت لاحق سيارة أعشقها، ويعشقها الدكتور أيضاً. لنا نفس الذوق في السيارات إلى حد بعيد، فهو يتفهم حبي للسيارات الفرنسية والإيطالية، ويشاركني إياه. السيارة التي رأينا لا تباع هنا، فلا وكالة لها، وهي إيطالية صغيرة من نوع فيات، وكانت ذات سقف مكشوف، وأتصور بأنها مصنوعة في أمريكا، حيث بدأت الشركة الإيطالية بالتصنيع هناك لأجل سوقهم، وبدأت التسويق على نحو مبتكر (يوجد من السيارة تصميم بالتشارك مع ماركة أزياء).
أحيي هذا الشاب على ذوقه. لكن من أين أتى بالسيارة؟ ما شاء الله.

في وقت لاحق، رأيت العجب من المحتفلين باليوم الوطني. لطالما ظننت بأننا شعب جميل بعمومه، واعتدت أن أرى الوجوه الوسيمة في كل مكان، لكني في ذلك اليوم شككت بأننا أقبح شعوب الأرض، إذ رأيت ما جعلني أحتار إن كنت قد اكتسبت فجأة القدرة على رؤية الثقل الثاني.
رأيت شاب يشبه السنجاب القديم في فيلم آيس ايج، يلتفت إلي من وقت إلى آخر وهو جالس على نافذة سيارة، ورأيت شيء آخر شككت بأنه اسطوانة غاز مسروقة أو هاربة، حتى التفت فخيل إلي بأني أرى دابة آخر الزمان. وكان يسير بين السيارات مع حفنة من الشباب، وقد ضرب شخص في سيارته مفتوحة النافذة بعصا معه ثم تظاهر بأنه يمزح.
كان الناس يوقفون سياراتهم في منتصف الشارع، فيتوقف الجميع، لينزلون ويرقصون رقص سامج متخنث، ويتقابلون بالرقصات البطيئة والقبيحة وهم يتخيلون بأنهم يؤدون إنجازاً، ويشدون نظرات الإعجاب. لا أقول بأن هوياتهم الجنسية غير واضحة بالنسبة إليهم، لأني لا أعتقد بأنهم كانوا يحاولون إغراء أحد، فحتى ذبابة لن تشعر بالإغراء لتحط عليهم.
كان من الواضح أيضاً بأنهم جائوا من أماكن بعيدة عن المنطقة ليحتفلون، فمنطقة العليا ملازمة للإحتفالات السخيفة والأشكال المشبوهة مع الأسف، فأقصى طموح البعض هو أن يستعرض تفاهته في العليا ويلفت الأنظار.

أتمنى لو كان اليوم الوطني يوم للتذكير بالمكتسبات، لا لتشويه المناظر والتعدي على الأنظمة. لقد رأيت شباب يسدون معظم طريق الملك عبدالله بسيارتين في المسارين، ثم ينزلون ليرقصون دون أن يقول لهم أحد شيئاً.

ولماذا لا يكون هناك أيام أخرى تذكر بأمور مهمة؛ كالأحداث الجسيمة من قبيل الحروب والمآسي مثل مذبحة تنومة، حتى لا ينسى الناس هذه الأمور، ويقرأوا التاريخ جيداً ويعرفوا أعدائهم، ويشكروا الله على النعمة.



أخبرت الدكتور قبل فترة بإسلام الألماني الآخر، وقد فوجئ بالأمر. ثم قال بأن همام (صديقي الصيني، عسى الله أن يشفيه من مرضه) أسلم والآن فلان (يقصد الألماني الآخر)، وكان مبتسماً وهو يقول هذا. قال لي هذا لأنك دعوتهم. كان يريد أن يريني بأني مؤثر، لكن لم يكن هذا واقعاً؛ فقلت: لا، أنا لم أدعو أحداً. وأوضحت له بأننا تناقشنا حول الدين حينما أرادوا هم ذلك، وتكلمنا حول الأمور وفق سياق النقاش، لكني لم أحاول إقناعهم باعتناق الدين.
إني لا أحاول إقناع بالكلام أحد لأني أعتقد بأن هذا قد ينفر الناس، خصوصاً حينما لا يشكون عدم اقتناعهم بدينهم. إن ما أحاول القيام به، لأجل نفسي بالمقام الأول بكل صراحة، هو أن أريهم مثالاً عن جودة الإسلام كأسلوب حياة بقدر ما أستطيع.
قد يعتقد البعض بأني يجب أن أبذل مجهوداً أكبر طالما أحظى بصداقات وقبول عدد من غير المسلمين، لكني لا أعتقد بأن هذا مجهود صائب لأبذله، في حالتي وطبيعة شخصيتي. إني أرى بأن تكون الدعوة عملية، بالمثال الحسن والواقعي، بالعفوية وبدون قصد؛ إنك يجب أن تمثل المسلم الجيد بقدر ما تستطيع، ولا يكلف الله نفساً إلا وسعها، ودون نفاق، إنك يجب أن تتصرف فقط على طبيعتك، وإن كانت طبيعتك سيئة، فحسنها. إني أفرح لأصدقائي حينما يعتنقون الإسلام، لأني أرى فيه أملهم بالجنة، لكني لا أرهق نفسي بالألم حينما أفكر بأنهم قد لا يسلمون أبداً، يكفي أنهم من خيرة الأصدقاء عموماً، خصوصاً همام وذلك الدكتور الصيني الذي رحل، وبطبيعة الحال، وفيما لا يحتاج إلى قول وتحديد؛ الدكتور الألماني. كما قلت سالفاً، إن إسلام المرء معروف تجاه نفسه بالمقام الأول، وزاد من قناعتي هذه رؤيتي لابتزاز بعض الأجانب لمشاعر المسلمين بدخولهم الإسلام ثم توقع الكثير.
وبالواقع، أنا لم أؤثر في قرار الاثنين للدخول في الإسلام. الألماني كان يفكر بالأمر منذ الأزل، أما همام فقال بأن نموذجي كان له تأثير جزئي. كان الدكتور الصيني معجب بطريقتي مع الأمور؛ لكنه لم يسلم رغم مشاعره الروحانية، وأسأل الله أن يهديه للإسلام... هل سأراه مرة أخرى؟ أسأل الله أن يكون لقاءاً ساراً في يوم ما.





سألني الدكتور عن ما أقرأ حالياً؟ إني أقرأ أكثر من العادة مؤخراً، لكن للأسف الشديد قرائتي غير مركزة، إنها مشتتة بين الكثير من المصادر، الموسوعة الحرة وكتابين ومجلة وأشياء متباينة.
لكننا تكلمنا حول الإنكا، حيث أني أحاول أن أقرأ الكتاب الممتع الذي لدي عن هذه الحضارة بأقصى تركيز، لكن ربما يجب أن أحاول بطريقة أخرى.
سألني إن كنت أعتقد بأن الإنكا هي أرقى حضارة مرت على البشرية؟ من شأن إجابة ساذجة على هذا السؤال أن تكشف عن مرض عقلي، أو ، وهو الأسوأ، سذاجة لا عذر لوجودها. قلت بأن المقارنة بين الحضارات أمر ليس سهل، إنه قياسي، يجب النظر فيه باعتبار الظروف. طلب مني أن أوضح. شرحت بأن الإنكا أنجزوا الكثير من التقدم رغم احتكاكهم المحدود إلى حد بعيد بحضارات أخرى راقية، على عكس الحضارة الأوروبية التي وصلت إليهم بتقدم تقني أعلى (البنادق على وجه الخصوص)، وذلك لأن الحضارة الأوروبية استفادت كثيراً من كل حضارات العالم التي حولها في ذلك الوقت، وراكمت علومهم وإنجازاتهم، وليس انجازاتها وحدها فقط. هب الدكتور، وبدا عليه الاستغراب، قائلاً: ولكني أعتقد بأن الاستفادة من إنجازات الآخرين وعلومهم هو أمر طيب. قلت بأني لا خلاف لدي على هذا؛ لكني لست أتكلم عن المسلك الأفضل للتحضر والرقي، إنما أحكي عن الظروف والفرص. وأضفت بإعجاب: وعلى هذا، انظر إلى الإنكا، ما حققوه وما وصلوا إليه من تلقاء ذاتهم، أمور حتى لم يصل إليها الآخرين رغم تراكم علومهم (كانوا متفوقين بالفلك والرياضيات، والبناء، حيث أن قلعة لديهم وصفت بأنه لم يرى مثل بهائها وهيبتها من حيث الضخامة في أوروبا، قبل أن يتسلط عليها الهمجيون الأسبان، الذين وصفوها بذلك الوصف). وسألته أن يتخيل لو تركوا ليتقدمون بطريقة طبيعية، إما بمعزل عن بقية العالم أو بالاستفادة منه، كيف كان سيصبح حالهم. وحكيت له عن نظامهم الاجتماعي الفريد، وسياساتهم السابقة لوقتها من حيث التعامل مع الانشقاقات والاحتجاجات.
هز الدكتور رأسه موافقاً، وهو يتأمل نظاراً إلى اتجاه آخر، كعادته حينما يستغرق بالتفكر بما يقال. وافقني، وسألني إذا ما كنت أتمنى لو وصلت إلى الإنكا قبل الأسبان. قلت بأني أتمنى ذلك، حتى أحذرهم. لقد أخذت تلك الأمم عموماً على حين غرة، وكانت لديها فرصة للدفاع عن نفسها لولا سوء فهم للأمور بالنسبة لبعضها، وتكالب ظروف وسوء حكمة لآخرين. منذ أن كنت مراهقاً، كنت أتسائل، ماذا لو وصل المسلمين إلى اؤلائك الناس قبل غيرهم.
ثم سألني باسماً؛ هل لدي اهتمام بالفراعنة؟. قلت لا. ضحك، وقال بأنه توقع هذا، وسألني لماذا؟ قلت بأني سمعت عنهم أكثر من اللازم، فحينما يحيط بك مصريون منذ طفولتك يتحدثون عن الفراعنة يصبح الأمر مملاً جداً. وقلت بأني أعتقد بأن الاهتمام الذي يطالهم يجعل الناس يتجاهلون بضارات أخرى جديرة بالاهتمام لا يعرف الناس عنها الكثير، وهذا أمر مؤسف أحاول أن أتفاداه. وافقني على ذلك. يسهل تجاهل أمور كثيرة جيدة حينما يركز جميع الناس بقيادة مجموعة صغيرة على مجال ضيق.
إني أقرأ أحياناً عن الفراعنة، لكن صدقاً لا أشعر باهتمام كبير تجاههم.







كان يوم أمس يوم مضن في نصفه الأول، وجيد في نصفه الثاني. في نصفه الأول، فسد جوالي للمرة التي لا أدري كم، إذ اضطررت إلى إعادة تهيئته، أو تمهيده كما يقول الدليل، ويبدو أن هذه أقوى عمليات التهيئة، حوالي 3 أو 4 مرات. صار مؤخراً يقرر في بعض الأيام "اعتزال الفن" , ويتحجب، صابغاً شاشته بالسواد (حنبلي)، فيتوقف عن العمل حتى بأبسط الصور، أو ينكد علي أي شيء أحاول القيام به من خلاله. الغريب أنه في اليومين الذين سبقا كان قد تحسن قليلاً، مما أغراني بتأجيل شراء جوال جديد، مع أني أخرج كل يوم لأشعر بالحيرة تجاه جوال محدد. ثم ضرب ضربته في أسوأ ظرف، حينما كنت أنتظر اتصالاً مهماً من المنزل، حيث أصبحت ولادة أختي متوقعة. كان يقهرني بإطفاء نفسه حينما أحاول القيام بشيء، أو يعرض علي اتصالاً ويتركني أحاول أن أرد دون جدوى، ثم يغفو. اتخذت التدابير الضرورية، رقم زميلي الملتزم الطيب والعصبي أعطيته لأمي (والحمد لله أني كنت أستخدم أندرويد، حيث يخزن هذا النظام كافة أرقام ووسائل الاتصال في البريد الالكتروني على نحو متزامن). وأجريت اتصالاً بمن اتصل بي، وهو الدكتور الذي عملت تحت إدارته في الوزارة حيث عملت قبل زمن، وكان طيباً معي. كان يريدني أن أتابع له أمر ما، إني أشعر بالسعادة حينما أجد بأنه لا زال يحب أن يعتمد علي ويثق بي.

جاء الاتصال الموعود، وعدت إلى المنزل، وأخذت أختي، وفي المستشفى الجامعي الفاشل حيث تتابع حملها ويفترض أن تضع، قيل لنا بأنهم لن يستقبلونا لامتلاء الحضانة. كان هناك الكثير من النساء، وكانت إحداهن تبكي على كرسي متحرك، مما فطر قلبي. أجريت اتصالاً بأخي الذي يعمل بالجامعة أيضاً، وحاول المساعدة، لكني قمت بجهودي التي أثمرت، لأن الممرضة في الحضانة قالت بأن لي معاملة خاصة طالما كنت أعمل في الجامعة، ورغم أنها أختي وليست زوجتي، إلا أنها تعاطفت واتصلت بالطبيب المسئول، الذي أمر بإدخال أختي. كن الطبيبات مشدودات الأعصاب في الأسفل، وقيل لي لماذا لم أقل بأني موظف في الجامعة؟ كانت بطاقتي معلقة على جيبي، وكانت الممرضة المسئولة تراها.


قررت شراء جوال اندرويد بلا تأجيل، فلم يعد هناك جدوى من الانتظار وجوالي فسد، وأمالي في الأساس قد تحطمت في نظم التشغيل الأخرى بالوقت الحالي.
كنت أذهب كل يوم لأشاهد جوال معين، وأعود إلى المنزل لأقرأ عنه أكثر، وأمر محلات مختلفة لأتعلم أكثر عنه. إنه يعجبني جداً، لكني كنت خائفاً من الندم لاحقاً رغم أني لم أجد به عيباً، وقد كان يلائم ذوقي من كل الجهات فلا أرى به نقيصة. ربما لأني لأول مرة أشتري جهاز من سوني اريكسون، وربما لأن الأندرويد هو نظام جهازي الذي فسد، رغم اختلاف الإصدار. قرأت أربعة تقارير تشيد بالجهاز من مواقع ومجلات عالمية. وربما لفساد جوالي زال التردد، لأني علمت بأني مضطر ولذلك لن أندم كثيراً في حال ندمت، لأنه لا يوجد خيارات أكثر ملائمة. لكني الآن سعيد جداً لأني اشتريته، وأرى بأنه ما كنت أحلم به كجهاز إلى حد بعيد. أتمنى أن يستمر جيداً، وأن لا يخيب ظني نظام أندرويد مرة أخرى. اسم الجوال اكسبيريا ميني برو.




حجمه الصغير جداً وذو التفاصيل الغريبة يلائم ذوقي كثيراً. مميزاته رائعة بالنسبة إلى سعره، والأهم هو وجود لوحة أزرار منزلقة بالعرض، جيدة للكتابة، وبحروف عربية، وتبدو رائعة المظهر تحت الشاشة الصغيرة. وهذه تسهل علي الكتابة، إذ أنه لحسن الحظ بإصدار يدعم تحرير مستندات قوقل، وهكذا سأجد ما أقوم به في أوقات الانتظار في المستشفى بخلاف القراءة. كما أنه جيد كمصدر للانترنت اللاسلكي للأجهزة الأخرى، وقد جربته اليوم، حيث اتصلت بالانترنت على جوال أختي من خلال جوالي كنقطة واي فاي، وكان الأمر سلساً جداً، وحملت لها برنامج بلا مشكلة.

والإنجاز الآخر لنفس اليوم، والذي كان إنجازاً حلواً ومراً، كان إيجادي أخيراً لطريقة لتشغيل شريحة الجوال على جهازي بنظام تشغيل كروم الذي حصلت عليه قبل فترة الآن في إطار برنامج التجريب المجاني من قوقل، وكتبت عنه هنا.
كانت الطريقة بسيطة، ورغم بحثي حينما اقتنيت الجهاز ومحاولاتي إلا أني لم أهتدي للطريقة المناسبة. ولا أدري هل العلة أنها لم تكن مكتوبة في الدعم الرسمي للجهاز في ذلك الوقت أم أني لم أبحث جيداً. المهم أن الطريقة بسيطة، وتشبه إلغاء قفل أجهزة الجوال القادمة من أمريكا لتعمل على شبكاتنا المحلية. لكني كنت أظن بعدما لم أجد إجابة في السابق بأنه ربما يجب الاتصال بقوقل لتقوم بذلك عن بعد، مثلما يفعل أخي حينما يأتي من أمريكا مع جواله الخاص. لكن تبين أن الطريقة بسيطة، سطر برمجي من الدعم الفني الرسمي للجهاز ويُلغَى القفل. حالما وضعت الشريحة عملت، وقد أذهلني هذا، لأنها لم تحتج إلى إعدادات كما يحدث مع الكونيكت، كان الأمر فائق السلاسة على نحو غير معتاد.
كنت قد عانيت إلى حد ما في الفترة التي سبقت هذا الإنجاز، ليس بسبب الجهاز، لكن بسبب الراوتر اللاسلكي الذي كنت أحمله معه، فتنتهي بطاريته أحيانا فأضطر للتوقف عن العمل، أو أحتاج إلى توصيله طوال الوقت بالحاسب ليشحن ويستنزف البطارية، أو أشحنه في السيارة وهذا أمر أنسى أحياناً القيام به مثلما أنسى شحنه بالمنزل، ولكونه ليس بالسرعة التي توقعتها رغم كونه معقولاً، لكني لم أفهم أبداً لماذا تزول إشارة الجيل الثالث حالما أتصل به. أما بوجود الشريحة الآن داخل الجهاز، فقد أذهلتني سرعة الانترنت، حتى في الأماكن التي لا يستقبل بها جيداً داخل المطعم ذلك الراوتر (في نفس المطعم تختلف الكفاءة من جهة إلى أخرى على نحو غريب)

الآن لا أدري ماذا سأصنع بالراوتر، الذي أقدر خدماته. فحينما فكرت بإعطائه اختي انتبهت بأنها يمكنها استخدام الكونيكت مباشرة، فلا فائدة منه. والمقرف أكثر في الوضع أن الجوال الجديد كان سيؤدي الغرض مثل الراوتر، فكنت سأوفر ثمنه لو كان لدي جوال أحدث.
لا أدري إن كنت سأبيعه، لا أتوقع بأن هناك من يحتاجه عموماً.

بعد شراء الجوال، علقت كما توقعت بدون إعدادات جيدة للانترنت أو رسائل الوسائط المتعددة. موبايلي لا ترسل الإعدادات الصحيحة إن أرسلت. بعد محاولات مضنية معهم، وإرسال إعدادات مختلفة عن بعضها  على نحو مريب في أكثر من مرة، فكرت أن أفعل الأمر يدوياً كما كنت أفعل مع جهازي الأخير، وعن طريق موقع سامسونق، حيث اعتقدت بأن الاعدادات ستكون واحدة طالما كانت الأجهزة بنفس النظام. اخترت القالاكسي اس2، لأن اصداره من نظام أندرويد مثل اصدار جهازي (رغم أن سعره عموماً حوالي الألفين وأحياناً أكثر وسعر جهازي 1300 ريال). وفوجئت بخدمة جديدة، إنهم يرسلون الإعدادات إلى جوالك مباشرة، ولا حاجة للإدخال يدوياً، وهذا أمر رائع، رغم أني اضطررت للتعديل على أحد الإدخالات، فنجح الأمر. وجدت متصفح الجوال يحول مباشرة إلى موقع سامسونق، لأنهم أرسلوا لي الإعدادات، شيء مثير للسخرية.




وضعت أختي المولود، بعدما حقدتُ (أنا) عليه كثيراً بسبب المتاعب التي سببها. اتصلت أمي بي وأنا في العمل، في اليوم التالي، وكنت على وشك الخروج لانتهاء الدوام. أطلعتني على الخبر، وأمرتني بأن أذهب إلى المستشفى حالاً وأكافئ نيابة عنها الممرضة التي اتصلت بها (عادة البشارة لدينا)، وأطمئن على أختي والمولود إن استطعت، الذي لا زلنا نجهل جنسه بسبب التكتم المفروض في المستشفيات حالياً. تسترن الممرضات على من اتصلت، وقيل لي بأنه لم يتصل أحد ولا يوجد أحد بذلك الاسم. كدت أن أصدق، لكن علمت لاحقاً بأن الممرضة موجودة، لكنهن يخفن من الإخبار لأن الاتصال ممنوع بتلك الطريقة. كل هذا رغم شرحي بأن كل ما في الأمر هو هدية من أمي. قدرت الممرضة التي تكلمت معها هذا الشيء، لكن لم تخبرني بالحقيقة مع ذلك. طلبت مني أن أنتظر لنصف ساعة حتى يخرج اللئيم من غرفة الولادة، لأراه. ثم نادتني، ورأيته، وسألتني الممرضة التي معه بضع أسئلة لتتأكد من قرابتي، ثم سمحت لي بتصويره، وكان ولداً جميلاً جداً ما شاء الله، حالما رأيته شعرت بالبهجة تملأ قلبي، وتصالحنا. فتح عينيه في اتجاهي، كان رائعاً ما شاء الله.  سيعاني من قبلاتي لسنوات مقبلة، إن أحياني الله.
أريد أن أربيه عندي.
لحظة خروجه من غرفة الولادة





إذا، دخل المحمدين الروضة لهذه السنة، وتخلى أحدهم عنها مبكراً. أشعر بالحماس مع ذلك لأجل الآخر، رغم أنه متكتم على أسرار المدرسة والاصدقاء، ويرفض التحدث كثيراً. هذا ذو الشعر الخويتمات. أما الآخر فقد أحزنتني المصاعب التي واجهته وصغر عقل معلمته. هذا بالمناسبة مصر على أن لون شعر وجهي أخضر، ودائماً يتسائل باستنكار لماذا أصبغ شعر وجهي باللون الأخضر؟ أخبره بأني لا أصبغ لحيتي القصيرة، وأنها بالواقع سوداء، لكنه يوضح لي أن اللحية السوداء هي لحية والده، وليست لحيتي. أعتقد أن كون لون بشرتي أفتح يجعل اللون مخادعاً لعينيه، ويتعب نفسيته!!. إنه يستهجنني بوضوح لاختيار هذا اللون، الأخضر، وهذا أمر مضحك.




عاد همام، الصديق الصيني، من بلاده أخيراً. أرسل إلي رسالة يخبرني، وفي اليوم التالي جاء إلى المكتب لينهي إجراء صغير. صدمت حينما رأيته، كان مفتقر للحيوية، وكان يبدو عليه الضعف والانطفاء. شعرت بالألم للأمر. خمنت بأنه يريد أن ينهي ما جاء لأجله وينصرف، لأن التشتت كان باد عليه، لهذا قصرت سلامي من خلف حاجز الاستقبال، ولم أكثر الكلام، وصدق تخميني. ساعدته سريعاً بعمله، وقال بأنه يريد أن يراني قريباً، قلت بالتأكيد. اتفقنا أن نلتقي في الليل.
كان حاله أفضل قليلاً، لكن كان لا يزال غير مركز أو متزن تماماً، ويبدو عليه التعب عموماً. لم يشفى من المرض، واضطر للعودة إلى هنا حتى لا تنتهي تأشيرته. احضرت له حبوب، مكمل غذائي، استعملته في الفترة الأخيرة وشعرت بأن حالي أفضل بكثير. أتمنى أن يفيده. شعرت بالعجز عن المساعدة، وكان هو خجل من اهتمامي واقتراحاتي. رفض إكمال العلاج هنا، لأنه يريد أن يعالج على الطريقة التقليدية في الصين. كنت قد أخبرت والدتي بأنه جاء من بلاده، حيث كانت تدعو له ليشفى، وأخبرتها بأنه لم يشفى، وأنه بدى عليه الضعف الشديد. اقترحت أمي أن ترسل إليه ماء وزيت مقروء فيه القرآن. وافق على الاقتراح. أتمنى أن يشفيه الله إنه على ذلك قدير.
رغم كل شيء، لم ينسى المجيء بهدايا، مما أثر بي كثيراً. أحضر إشاربات من الحرير الأصلي لوالدتي وأخواتي. لم أرى قماشاً أجمل منها، إذ لم أرى في حياتي قماش يلمع على هذا النحو البديع، بدا سائلاً أكثر منه قماشاً. كان من الواضح بأنها غالية، بوجود علامة معلقة وتغليف جيد. تمنيت لو لم يتكلف هكذا. كانت والدته قد ساعدته بالاختيار كما خمنت، وعلقت بأنها لهذا تبدو جميلة.

تناولنا العشاء، وأراني صور ابنة اخته التي أحضرها كما وعدني، كانت طفلة جميلة جداً ما شاء الله، ذات خدود كبيرة وفم فائق الصغر. وهي ليست ابنة اخته تماماً لأنهم في الصين لا ينجبون بشكل عام أكثر من طفل واحد، لكنها ابنة ابنة خالته، وهي كأخته.





اجتمعنا أنا والدكتور الألماني في الأسبوع الفائت لنشاهد فيلماً،Spirited Away، الذي أعتقد أن أسلم ترجمة لاسمه هي اختفاء أو تلاشي. وهو فيلم صنعه فناني المفضل هياو ميازاكي، أفضل فنان أعرفه على ما أعتقد، فهو أيضاً الذي صنع فيلم الأميرة مونونوكي Princess Mononoke. اختار الدكتور أن يراه لأنه مهتم بهذا الفنان أيضاً، فقد أحضرت خيار آخر.
كنت قد توقعت منذ البداية أن يعجبه أكثر من مونونوكي، فهو بالأساس، وبغض النظر عن تفضيلي لمونونوكي عليه، أعتبره من أروع ما قد يراه المرء؛ إنه فن خالص. أخبرت الدكتور عن تخميني، وسألني لماذا اعتقدت هذا؟  قلت بأن الناس إجمالاً لهم نفس الرؤية، وهي لها ما يبررها، هذا الفيلم مبهر أكثر ربما، وهو ليس سيء، بل إنه ثاني أفضل فيلم رأيته في حياتي بعد مونونوكي، ويقبع قريباً جداً من مونونوكي من حيث الجودة والروعة في رأيي. إنه لا يوصف. مع ذلك؛ يحتل مونونوكي مكان خاص في قلبي، لأنه ينطوي على فلسفة تعجبني، بينما هذا ينطوي على إنسانية محضة وخيال مجرد بمواضيع متعددة لا تركز على فلسفة؛ إنه أشبه بقصيدة بمقاطع مختلفة، كل مقطع مختلف ومؤثر، خصوصاً مشهد القطار والمسافرون عليه، والمحطات التي يمر بها، اؤلائك الناس المصنوعون من الظلال، بأشكالهم البائسة، وانتظارهم الذي لا ينتهي، كان هذا المشهد قصيدة. ابتسم الدكتور، وقال بأن هذا مشهد رائع جداً، وأنه يعتقد بأنه أعجبني هكذا لأنه يشبه حياتي. يرى الدكتور حياتي هكذا. ربما كان محقاً، لأني منذ أن رأيت هذا المشهد قبل زمن طويل، رأيت حياتي فيه.
أكملت بأن هذا الفيلم عبارة عن رؤية إنسانية، أو خيرية، أما مونونوكي فهو ينطوي على فلسفة، وهو أعمق. قلت بأن الناس بالعادة لا يتمكنون من الوصول إلى هذه الخلاصة مع مونونوكي، ووضع أيديهم على ما يريد صانعه أن يقول من خلاله. قال الدكتور بأنه يريد أن يراه مرة أخرى إذاً، ليفهمه على نحو أفضل.






تكتب امرأة في جريدة الرياض عن الابتعاث منذ فترة، والجدل الدائر حوله. اسمها حسناء القنيعير، وهي هجومية تجاه من لديه وجهة نظر سلبية عن الابتعاث أو بعض جوانب البرنامج، وتتحدث عن أصحاب وجهات النظر هذه بطريقة صفيقة وعلى جانب من الشراسة. شعرت بالحزن وأنا أقرأ بعض مقاطع مقالاتها. لماذا لا يمكن احترام وجهات نظر الناس وشعورهم. ألا يمكن التفكير بأن لهؤلاء الناس دوافعهم للإنتقاد والتخوف، إنهم لديهم ثقافة هم ملتزمين بها، وخائفون عليهم، سواء ظن المرء أن خوفهم في محله أم لا. لكن هذه المرأة، مثل الكثير من الكتاب، لا تعرف سوى أن تتفنن بالاحتقار واستصغار العقول. لا يأخذون حسن النوايا بالاعتبار لأنهم لا يحسنون النية تجاه الناس مع الأسف، ويظنون أنهم مصلحون. مثل هذه المرأة كثيرون، وهم أناس لا يبحثون عن الحقيقة أو أفضل الخيارات وأقربها إلى السلامة بقدر ما يبحثون عن تطبيق ما فيه مخيلتهم في الواقع، أو ليّ الواقع وتشكيله بكلماتهم بما يوافق ما يرونه في رؤوسهم، لهذا ترى شراستهم وانعدام السياسة والأخذ والعطاء في الحوار أو إعطاء وجهات النظر.
تجدها تقسو مرة بعد أخرى في التعاطي مع أمرهم، ولا تكتفي فيظن المرء بأنها تحمل حقداً كبيراً تجاه فئة معينة من الناس. وهذا أمر محزن، ويقوض مصداقيتها في عيناي، لأن المبالغة الجوهرية الزائدة عن الحد لا تعطيني انطباعاً بسلامة حكم من أقرأ له.

كنت قبل فترة طويلة قد رددت في مدونة دكتور سعودي من النوع الذي وصل إلى منتصف العمر وبات يستخف دمه بلا مراجعة لما يقول، أو كما نعبر: يتميلح، مثلما يفعل هذا الذي يكتب زاوية سوانح طبيب في جريدة الرياض اسمه بن سعيد، على ان بن سعيد أكثر تعقل وتهذيب. اسم الدكتور الذي أتحدث عن ردي في مدونته هو العبدالكريم، وكان يسخر ممن يقرأون الروايات، ويتهمهم بنقص العقل والفراغ. حاولت مناقشته في الأمر، فتبين بأن كل ما يريد الوصول إليه هو إثبات وجهة نظره، وتصيد التفاصيل الصغيرة غير المهم والبعد عن الجوهر. لما أخبرته بهذا، قال بأن محاولة البحث عن شتى الطرق لإثبات أن وجهة النظر صحيحة أمر طبيعي. أخبرته بأن ما أبحث عنه حينما أناقش هو الحقيقة، والآن بعدما تحول الأمر إلى جدل، لم يعد يلائمني. حاول إطالة الأمر، إلا أني أوضحت وجهة نظري، حيث أننا نبحث عن أمور مختلفة. كنت قد أفحمته بالواقع، ربما لهذا لجأ إلى الأساليب الملتوية، وقد لجأ إلى السخرية في النهاية، ولما لم يجد نتيجة، وضع وجهاً حزيناً. كان يصادر وجهات نظر الناس بلا حياء، وربما لم يتوقع بما أنه دكتور أن يبين له أحد ما بأنه لا يقدر أفكاره عن الناس وأسلوبه في طرحها. حينما أعود إلى مدونته المستضافة على خدمة مدونات الجامعة، أجد أنه كل فترة وأخرى يحذف رداً من حوارنا. لكن لا يهم، لأني أتمنى أن يكون قد استفاد، وتعلم أن يتأدب مع اهتمامات الناس ومشاعرهم.

هذا الدكتور العبدالكريم، وتلك حسناء القنيعير، وهي دكتورة أيضاً (هذا يفسر الكثير على ما أعتقد)، كثرة أمثالهم ووصولهم للناصب ومنابر الرأي هي من أسباب تراجعنا في رأيي.

لست ضد الابتعاث، ولا أعتقد بأن هناك من كان ضده قبل زمن، قبل أن يفتح الباب له بطريقة مفاجئة وغير مريحة، لفئات سنية صغيرة ولعدد كبير جداً منهم. الابتعاث كان موجود منذ عقود دون أن يثير جدلاً، على العكس، كان مجهود يحترمه الناس لتطوير البلاد. إذا الخلل والاعتراض ليس على الفكرة في حد ذاتها.
أعتقد بأن فكرة الابتعاث تنطوي على شيء من الظلم للبلد، ففضلاً عن إرسال شباب صغار دون معايير كافية للانتقاء هو أمر قد يسيء لثقافة البلد على الأغلب. الانتقاء ضروري في كل شيء. إرسال أشخاص ناضجون سيساعد كثيراً على عودة خبرات متزنة إلى حد بعيد. من الممكن إرسال شباب صغار بأعداد تسهل متابعتها في الخارج إن كان هذا ضرورياً، وبعد اختيار الملائم منهم بصرامة، وحتى هذا أمر غير مريح بالنسبة لي.
كما أني أرى بأن ميزانية الابتعاث الضخمة تظلم من سيتابع تعليمه داخل البلاد. رأيي هو أن الأجدى قسم الميزانية وإحضار أساتذة أكفاء من الخارج بأعداد كبيرة، من دول متقدمة حقاً، ليعلموا أكبر عدد ممكن من أبنائنا، وليس بعضهم ممن سيتعبوننا بمصاريف كل شيء في الخارج بأعدادهم الضخمة.
وبصراحة، لو كان الأمر بيدي، لما قسمت المال المخصص للأمر أصلاً، لجعلته كله ينحصر بإحضار الأساتذة الأجانب من الخارج، حتى للتعليم العام، وإحضار الخبراء لتطوير التعليم وإدارة الجامعات من الناحية الأكاديمية في أقل الأحوال. ويمكن ابتعاث من يستحق من الكبار إلى الخارج مثلما كان الحال في السابق في نفس الوقت.



هذه صورة لبطاقة مراسلة اشتريتها ضمن بطاقات أخرى، لأرسلها إلى بعض الأصدقاء في الخارج. كلها تحتوي على صور لمنازل قديمة في السعودية، وكلها جميلة، كل المنازل أجمل من أي منزل يسكنه الناس الآن في المدن الحديثة هنا.

هذا البيت في الصورة أعلاه يقع في عسير، وهذا واضح من طراز البناء. ربما هو أجمل البيوت في الصور لدي، رغم أن الحكم صعب حقاً، فهي كلها جميلة بنفس القدر تقريباً. لكن، هذا البيت الذي حالما رأيته؛ تمنيت بشدة لو كنت أعيش فيه. ولا أدري ما السبب تماماً، ربما لأنه الأكثر موافقة لذوقي، مع أن البيوت الجميلة الأخرى تقع في مزارع وجنات. 
إنها صور متقنة، تلك المطبوعة على هذه الكروت، ويوجد توضيح باللغة العربية والانقليزية حولها في الخلف، فوق مساحة كتابة الرسالة.
حينما أرى هذا المنزل، أفكر بالذوق الراقي للأجداد في عسير ونجد، والجزيرة عموماً، لم يكونوا بالبساطة التي نتصورها، ولسنا أفضل منهم بالواقع بالكثير من النواحي الحياتية؛ فقط قارن بين مساكننا ومساكنهم الأكثر منطقية وجمال في بيئتهم.
هذه البطاقات تطبع في الرياض، وتباع في أماكن متعددة؛ يمكن إيجادها في سوق التميمي، وفي محل صغير لبيع الكتب والكماليات داخل يورومارشيه، وأتصور في المكتبات كذلك.

لا يحتاج المرء إلى أحد ليرسلها إليه، لأن جمال الصور سبب كاف للشراء، أحب تأملها، وقد اشتريت نسختين من الصورة في الأعلى بالذات، واحدة لأرسلها والأخرى لأتأملها وأتفكر بها. ويمكن كذلك إلصاقها في مكتب، أو وضعها في إطار.





هذا الأسبوع، كتب رئيس تحرير جريدة الجامعة عموده المعتاد، ولست أقرأه بالعادة بصراحة، لأنه لا يقدم ما يفيد، كل ما في الأمر غالباً هو مديح وخلافه. لكن هذه المرة لفتت انتباهي عبارة، أرسلت إليه أطلعه عن رأيي في إيرادها في المقال، وعنواتها: الأولويات المختلفة. هذه هي الرسالة متضمنة العبارة:
"السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

قرأت عمودك في رسالة الجامعة هذا الصباح، وبغض النظر عن رؤيتك لما تحدثت عنه، أعتقد بأني رأيت أمر آخر جدير بالانتباه. إنك يا دكتور تنتقد غفلة عضو هيئة تدريس عن معمل على بعد أمتار قليلة من مكتبه، لكن الواضح أنك تغفل بأن أهم عنصر في الجامعة هو الطالب. يمكن رؤية أنك تحمل هم أعضاء هيئة التدريس أكثر من الطلاب والموظفين، وذلك عند قولك: (فمن يرى أن عضو هيئة التدريس أو "حتى" الموظف والطالب إذا لم نتح... إلى آخره). إن ما يجذب انتباهي دائماً هو غفلة أعضاء هيئة التدريس، السعوديين على وجه الخصوص، عن رؤية الأولويات الحقيقية التي تهم الناس. وقد تكون عبّرت على هذا النحو دون قصد، أو بإلهام مما يشغل بالك من الرسائل غير الدقيقة التي تصل من أعضاء هيئة التدريس، أو أنها فكرة متأصلة في وعيك. لكن هذه مجرد خواطر مرقت في خاطري، وأحببت إطلاعك عليها، فأرجو أن لا تجد فيها ما ينغص.

أشكرك على سعة صدرك مقدماً.

سعد الحوشان"
انتهت.

لم أتوقع منه رداً، كما أني أشك بأنه يطالع البريد على أي حال، لكن ربما تعلم شيئاً جديداً، وصار أكثر وعياً، مع أني أشك في ذلك أيضاً.



سعد الحوشان

الاثنين، 1 أغسطس 2011

الراحل إلى أمانيا (ألماني،قصائد،كتب،إنكا،فيديو)

بسم الله الرحمن الرحيم




خيبة الأمل، هل هي فقط التعبير الذي تظهره وجوهنا حينما يحدث ما توقعنا خلافه، و مجرد الشعور المؤلم في القلب حينما يقوم شخص نحبه بجرحنا من حيث لم نتوقع. كل هذه أمور لحظية، حينما يحدث خلاف ما توقعنا فإنه أمر حدث في لحظة معينة، وليس حدثاً مستمراً؛ لقد تبدل القدر وعلينا أن نتأقلم، وحينما يجرحنا أحد ما، ويحطم قلوبنا، فإننا قد اتخذنا موقفاً في تلك اللحظة؛ لقد خاب ظننا، وعلينا أن نبدل من رؤيتنا للأمور وما نفعله مع ذلك الشخص. ليست هذه أمور مستمرة. لكن هل هذا كل ما هنالك؟ هل خيبة الأمل نفسها أمر لحظي؟ أم أمر قد يعيش مع المرء طوال حياته.
إني أرجح أن خيبة الأمل ليست شيء يحدث وينتهي في لحظته؛ إنه تجربة، وبعض التجارب قد لا نغادرها، أو لا تغادرنا. إن ما سبب خيبة الأمل، من خلاف للتوقعات أو جرح للقلوب، هو الأمر الوحيد الذي توقف عن التطور والاستمرار بعدما اكتشفناه، فاختلاف المتأتي عن المتوقع لا يصدمنا بعد أول مرة، وجرح القلب قد يستمر ألمه، لكنه ليس متكرراً بطبيعته على الأغلب. لكن خيبة الأمل نفسها هي أمر آخر، يحتاج إلى تعامل، أو نظر وتأمل، على حدة.

قد تنتهي الأمور التي خاب أملنا فيها، وينتهون أهلها من حياتنا، لكن خيبة الأمل تظل تطبع رؤيتنا لكل ما يشبههم، ولو مبدئياً، إنهم يظلون معنا ويعيشون في قلوبنا ليس من خلال حبنا السابق لهم، وليس من خلال جرحهم لنا وشعورنا المستمر بالأذى، ولكن من خلال خيبة الأمل التي فاقت تحملنا وأخضعتنا.



حينما تمطر بخيبة الأمل عيناي...
ويضيع قلبي في الغيم بين حناياي...
ويبدأ الصقيع بالتكون حيثما وقعت خطاي...
سيظل قلبي ينبض...
طالما بقيتم فيه...
يا أحبائي...
وأعدائي...
يا دافع حياتي...
ومصدر شقائي...
ضائع في متاهة متصدعة...
تشبه قلبي حيث تضيعون...
لعلكم لا تجدوا لها نهاية...
حتى تنهار جدران متاهتي...
فتغفون في قلبي...
إذ أنام للأبد...



كنت قد أوضحت من خلال الفيديو في التدوينة السابقة أني مقدم على أمر مهم. بالواقع، لم يتم الأمر، والحمد لله. ماذا كان؟ كانت قوازه واتفركشت، قُم الصعايدة وفركشوها بالبارود (وكسروا بريق الغضارة اللي على راس الرقاصة).
لا، أمزح عليكم بالطبع. كان الأمر هو خطة سفر للعلاج، مع نفس الثلاثي "المرح" في العام الفائت، أمي وأختي وابنتها، ولكن ليس إلى الهند، إنما إلى ألمانيا. لم أكن مرتاحاً لا للسفرة هذه المرة ولا لترتيباتها ولا الضليعين في الترتيبات، وقد كان شعوري في محله، لهذا، أحمد الله ألف مرة. كنت مأزوماً بالواقع طوال الفترة الفائتة. لكن لم يكن لي من القرار شيئاً، كما قلت لأختي؛ أنا لا أقول إذهبوا أو ابقوا، أنا فقط أذهب إن ذهبتوا وأبقى إن بقيتوا.
الآن، يمكنني أن أستأنف حياتي في الصيف كما خططت إن كتب الله. كأنما كسبت وقتاً جديداً، غير محدوداً. فنحن لم نكن نعرف متى سنعود ولو على وجه التقريب، عكس رحلة الهند في العام الفائت. مع أنه لا بد مِن مَن سيحاول أن يأكل من وقتي، ويقوض خططي. 






غداً موعد قصير لأمي في مدينة الملك فهد. إن من يجد لي أقل القدر لديه، أو حتى يكن لي كراهية معقولة ومتعقلة، أسأله أن يدعو الله لأمي وصحتها، وأن يكون كل شيء على ما يرام.







التقيت بالدكتور الألماني في منزله الاسبوع الفائت، كنا ننوي مشاهدة فيلم الأميرة مونونوكي معاً. لكن الجهاز الذي أحضرته معي، وهو ليس جهازي لأن جهازي ضخم جداً، لم يشغل الاسطوانة للأسف. أمضينا الوقت بالتحدث عموماً، ومناقشة بعض الأمور. كان لديه آية من القرآن الكريم يتسائل حولها، وقد وجد لها أكثر من تفسير. جرنا هذا لأمور أخرى مشابهة، وتكلمنا حول رؤية الدين لقصة أحد الأنبياء عليهم السلام، وقال بأن التوراة تقول كذا. قال هذا بتأكيد، فقلت بأني لا أصدق هذا، فبالنسبة إلي التوراة مبدلة. قال بأنها لم تبدل، إنما تعبيرها تبدل. واستمر يتحدث عن رؤيتها ورؤية الانجيل. فأوضحت بأن هذه مصادر فاقدة للمصداقية بالنسبة إلي، على عكسه، وهذا يحصر مصادري أكثر، ويجعل فهمي للأمور أسهل. بدا أن ما قلته لم يكن متوقعاً، أو غير مرغوب، لأنه سيحصر النقاش كثيراً.
لكن في خضم نقاشنا، وقد كنا نتناقش عن سبب حمل الإنسان للأمانة بعدما رفضتها الأرض والجبال، ووصفه بالجهل، سألته عن سبب اهتمامه بهذه الآية بالذات، فقال بأنه يريد أن يفهم لماذا قبِل الإنسان، ولماذا وصف هكذا. أخبرته بأن أكثر ما شد انتباهي منذ أن كنت صغيراً في هذه الآية ليس الإنسان، فهو أحمق بطبيعته عموماً وهذا أمر مفروغ منه، هكذا خلق، لكن كون الأرض لها إرادة، وكأنما لها روح أو هي حية. هذا، جعله لاحقاً يقول بأني أنحاز للطبيعة دائماً، وأكره الإنسان. هو عموماً اتهمني كثيراً بأني أكره الإنسان من قبل. أنا أكره الإنسان، ولكني أحب الناس.


إني أعمل حالياً على تدوينة أجمع فيها فيديوها وآرائي بها وتأثيرها علي، وليست الفيديوهات هي المعنية بقدر الأفلام التي اقتبست منها وما أريده قوله حولها. أرجو أن تنتظروا التدوينة.






يضايقني طبع بعض الناس الذين يأتون من ثقافات مختلفة أحياناً. إني أجد لهم العذر، لكن أحياناً يفوق الأمر احتمالي. بعض الناس مثلاً يقترب منك حينما يريد محادثتك إلى حد لصيق. ومهما تراجعت للخلف يظل يقترب، وحتى حينما تبدأ بالتراجع بوضوح وبرد فعل سريع على اقترابه يظل يقترب أكثر. غالباً لا تكون رائحة أفواههم مقبولة، وهذا يزيد المشكلة، السيئة أصلاً، سوءاً في نظري. أبدأ بفقد التركيز، والتوتر كلما اقتربوا أكثر. أخشى أحياناً بأني سأمد يدي واوقفهم على مسافة معينة برفق، لكن هذا سيكون جارحاً. أتذكر أن أحدهم طاردني وأنا أتراجع إلى الخلف باستمرار وأصر على الاقتراب من وجهي وهو يتحدث حتى حصرني على جدار، دون أن ينتبه أني لا أريده أن يقترب إلى هذا الحد، مما جعلني أفكر ببديهته البطيئة. كنت أتراجع بقوة لأن رائحة فمه كانت فضيعة. يجب أن تتحمل الكثير حينما تكون مترجماً، لكن ليست كل التجارب هكذا بالطبع، إن الترجمة المباشرة للناس وبينهم أمر جيد غالباً.

بشكل عام، السعوديين حساسين عموماً تجاه اقتراب الناس إليهم، خصوصاً إلى وجوههم. بينما الهنود يتلاصقون على نحو عجيب حينما يريدون التواصل.
قد يقترب السعوديين من بعضهم عند السلام، لكن ليس إلى درجة لصيقة، باستثناء حينما يقبلون بعضهم بالخد.







قرأت قبل قليل مقابلة للداعية العريفي. كنت قد قلت من قبل بأني لا أجده مريحاً، هو والقرني. في المقابلة تأكد شعوري أكثر بأن هذا الرجل لا يعجبني. لا تعجبني ثقته بنفسه، وإشاراته الواثقة والمباشرة لجمال شكله، الذي صدقاً أراه عادياً أو أقل. أما على المستوى الفكري، فأيضاً لا يعجبني. أشعر بأنه سطحي محب للظهور المفرط وغير الرزين تماماً، مثل القرني، وهذا قد يلائم البعض، لكنه لا يلائمني.
ورغم أني اكتشفت بأني لا أحب الرجال من كبار السن في مجتمعنا، إلا أني أحب الشيخ المطلق.







أمس يوم الاثنين، وقد التقيت الدكتور الألماني على خلاف العادة. أخبرني برسالة الكترونية مبكراً في نفس اليوم أنه سيسافر، إذ توفي أخيه، وأنه يمكننا أن نلتقي قبل أن يذهب في المساء، طالما لن يكون موجوداً في نهاية الأسبوع. عزيته، وأخبرته بأني سآتي. فكرت بأنه لو كان يريد أن يخلو بنفسه لقال بأنه سيسافر فقط.
كانت وفاة أخيه متوقعة منذ مدة، فقد كان مريضاً جداً، وقد كنت على علم بهذا. وجدت الدكتور في حالة جيدة وإن يكن أكثر هدوءاً، سوا أن ذهنه يشرد أحياناً، ويتنهد في أحيان أخرى بصمت. تحدثنا عن أخيه، وأهله. يجب أن يذهب سريعاً ليبقى مع العائلة في وقت الدفن والعزاء.
كان يجب أن نتحدث عن أمور أخرى، وحاولت أن أسليه، فأمامه وقت مشحون بالأسى والعاطفة.
أراد أن يعرف آخر أخبار صحة أمي كالعادة، وآخر أخباري. تناقشنا حول بضعة أمور أخرى.
اتصل به شخص، كان الدكتور يقول له، وقد طالت المكالمة كثيراً، بأنه غير قادر على فهمه، وأن الضجيج عال هنا؛ كان الدكتور يلمح بتهذيب لإنهاء المكالمة. لكن الآخر استمر بالتحدث، وبالكاد انتهت المكالمة. خمنت مباشرة بأن المتصل دكتور سعودي، وكان هذا صحيحاً. عرفت لأنه لحوح، ولا يفهم بسرعة، ويريد التحدث كثيراً وبلهفة غير عابئ بما يقول الدكتور، وكأنما التحدث معه امتياز يجب أن يستفيد منه إلى آخر لحظة، فلو كان يكلم دكتور سعودي مثله، لما طالت المكالمة رغم التلميحات التي قيلت، لتفهم أو حتى فقد الاهتمام، فالدكاترة العرب والسعوديين عموماً مبهورين بنظرائهم الغربيين. قال الدكتور بأنه يواجه مشكلة مع هذا الدكتور لأن لغته الانقليزية سيئة. ينخدع الناس بالدكاترة السعوديين وكل من درس في أمريكا، بل إن الدكاترة ينخدعون بانفسهم. بشكل مجمل لغتهم الانقليزية سيئة قواعدياً، محدودة المفردات، استعراضية على نحو سمج، ويحبون التظاهر المستميت بأنهم يجيدون اللغة كأهلها أمام من لا يتحدثها، مما يجعلهم يصرون على التحدث مع الأجانب لفترات طويلة أمام الآخرين غير المدركين لمهزلة ما يقولون. ويحبون كذلك أن يحكمون على لغات الآخرين، خصوصاً حينما يريدون القول بثقة بأن لغتهم جيدة، وكأنما لغتهم هم ليست بمحل سؤال، وهذا هو المغزى. وتبلغ بهم الجرأة أحياناً حد انتقاد ما يكتبه الآخرين، ومحاولة تصحيحه باستماتة لإثبات بأن لغتهم جيدة جداً، وقد حدث هذا لزميلي المترجم الآخر في العمل. أما نطقهم لما يقولون، فهم كالغراب الذي أراد تقليد الحمامة فنسي مشيته ولم يقلد الحمامة، يحاولون أن يبلعوا الحروف دون وعي أو علم بأنهم يبدون سخفاء (يعنني امريكان)، وذلك لخداع السامع، ويحاولون الاتيان بمفردات شعبية وقد تقارب السوقية أحياناً للتفاهم مع الأجانب كدليل على اندماجهم بالثقافة. إنهم مثيرين للشفقة، مجموعة سطحية بمجملها من الناس المغلفين بغلاف رخيص وممزق، لا يخفي بالحقيقة الجوهر البسيط غير المثير للاهتمام.


إني أذهل لقدرة الدكتور على السيطرة على مشاعره، رغم أنه إنسان بالغ الطيبة والرقة. 
لم أتحدث عن دفع الحساب هذه المرة، تركته يدفع بصمت.







فوجئت باتصال أختي باكراً صباح اليوم، إذ أخبرتني بأن السائق تعرض لحادث بعدما أوصلها ومضى، وقد اعتدى عليه الطرف الآخر في الحادث، وهو رجل باكستاني حسبما علمت. لأن زوجها قد ترك سيارته في الورشة، ذهبت أنا لأقوم بما يلزم. وجدت سائق أختي، وهو هندي مسالم وغير صغير، يبدو عليه الإرهاق، بينما زجاج السيارة الكبير الجانبي الخلفي قد تحطم. ثم جاء السائق الباكستاني، وهو سائق حافلة، وسلم علي. وجدته شاب غير كبير، ذو عينين شفافتين ووجه حسن، ولا تبدو عليه العدوانية. إلا أن أثار أظافره كانت على رقبة سائقنا. سألته لماذا ضرب السائق. أنكر في البداية، ثم علل بأن سائقنا حاول إبقائه في سيارته رغماً عنه وأخذ المفتاح حتى لا يهرب، رغم أنه لم ينوي الهروب. وهذا ما يقول سائقنا عكسه. وبالواقع، أرجح بأنه حاول الهروب، لأن الحادث لم يترك أثراً على سيارته، ولم يبدو عليه أنه شخص صادق. قال بأنه سيدفع لنا التكاليف. لكن لابد من استدعاء المرور أو نجم، وهي شركة متعاونة مع المرور. بالتواصل مع موظف نجم، وقد كان موظفهم صبوراً علي إلى حد بعيد، إذ لا يوجد أي أسماء شوارع في الحي الحديث أو معالم واضحة، تمكنت من مواعدته وإحضاره إلى مكان الحادث. أغلِّب بأن الشاب الذي جاء شيعي من القطيف، بحكم لهجته وسحنته. سرعان ما أبدى الشاب عدم اقتناعه بما يقول الباكستاني، ثم بدا عليه القرف منه بعدما أخبرته بأنه ضرب سائقنا وشاهد آثار الضرب، وسأله عنه. اقترح رجل نجم أن يحول الأمر بأكمله إلى المرور، للتعامل معه كحادث جنائي. لكن سائقنا رفض، وقال بأنه فقط يريد أن يدفع الباكستاني تكاليف الإصلاح. أفهمته بأن الخطأ على الباكستاني وسيدفع الثمن، وأنه لا يجب أن يخاف، إذ من حقه أن ينظر في موضوع الضرب، ولكنه رفض باصرار. سأل الشاب إذا كنا نريد أن نتفق دون حضور المرور. كان الباكستاني يريد هذا، فهو أصلاً لا يسوق الحافلة بالرخصة اللازمة، أي أنه مخالف للنظام. بعد وصف الأمور لزوج أختي، طلب مبلغاً تقديرياً، رفضه الباكستاني قائلاً بأنه كثير، وأنه سيحضر معنا ويدفع التكاليف بنفسه. طلب زوج أختي أن أستدعي المرور إذاً. لم يتأخر المرور كثيراً. وأخذ الباكستاني، وسط نظرات الكثير من الباكستانيين الذين توقفوا ونظروا بغير رضا.










ماذا بوسع المرء أن يقول عن فتاة تدعي أنها رجل على الانترنت، وتتمادى في الأمر، بحيث لا يصبح عذر تجنب أصحاب الأخلاق السيئة معقولاً، بعدما أصبحت أخلاقها هي سيئة بفعلتها؟.
في بدايات الانترنت، انتشر دخول الفتيات بأسماء رجال لأجل النظرة الاجتماعية ولتفادي الاحتكاكات الفكرية والعاطفية والشبهات. ولكن سرعان ما صرن النساء يدخل بأسماء مستعارة انثوية أو حتى أسماء حقيقية كاملة أو غير كاملة. صار ادعاء فلانة بأنها رجل أمر غير مقبول، إذ صار من الأولى تجنب مواطن تجمعات المشبوهين من الأساس بعدما أصبحت الأمور أكثر وضوحاً. وصار من المعروف أن الفتاة تفرض نوعية التعامل معها بعرض أخلاقها منذ البداية.
مع ذلك، ظل هناك من تدخل باسماء رجالية أو ذكورية، وتوهم الناس بأنها رجل، فتكسب صداقات الرجال بطريقة مخادعة، وتتسبط بالتحدث معهم، وربما ذهبت إلى ابعد من التبسط بقبول أن تدعو رجلاً "حبيبي"، بحكم أنه لا يدري أنها فتاة. أتسائل كيف لأي فتاة تعتقد أنها محترمة، وقد تصر على ذلك، أن تقبل مثل هذا الأمر على نفسها. أن تتشبه بالرجال بطريقة أو بأخرى، ثم تقول لهم ما قد يعطي انطباعاً آخر عنها لو علموا بأنها أنثى. فتاة متنكرة بالرجولة تقول لرجل بحكم الصداقة: حبيبي، وتبدي تقديرها الشديد وأطيب الأماني، وتبالغ بعرض الحميمية. كيف سيفكر بها المرء حينما يعلم أنها فتاة؟. إنها تعود إلى أنوثتها بعد كل شيء، وتمارس الفضيلة التي لا مراء فيها، بتناقض غريب.
إني أجد الأمر خسيس على كافة الدرجات. فهي تحط من قدرها بالكذب في البداية، وما أجبرها الله بالتداخل مع الرجال إلى هذا الحد، ثم تحط من قدرها أكثر بالتبسط معهم بذريعة أنها رجل، ثم تحط أكثر وأكثر حينما تتصرف وكأنه لا شك يلحق بأخلاقها.
إني أتفهم ما كان يجري في بدايات الانترنت، حذر الناس وبناتهم ورغبتهم بأشياء محددة، الصداقة مع الرجال ليست منها. لكني ألوم الآن من تحاول نفس الشيء بعد تغير الزمن، وألوم كذلك من كانت تدخل باسم ذكوري حتى في البداية وتتسبط أكثر من اللازم.
أتذكر قبل زمن طويل، كان لدي صديق في الثانوية والجامعة، وقد كان يدخل التشات كثيراً. وقد كون صداقات مع الكثير من الناس، وكانت له غرفة محادثة خاصة وفكرية، فقد كان يرى في نفسه مثقفاً من طراز خاص. المهم أنه حدثني عن صديق جديد له، خفيف دمه وودود جداً، من المنطقة الشرقية. وكان معجب جداً بذلك الصديق المضحك. بعد فترة طويلة، تعدت السنة بكثير على الأغلب، أخبرني صديقي بصدمة بأن من شاركه الأحاديث وربما الأسرار أخبره في النهاية بأنه فتاة، لهذا رفض مقابلته حينما زار المنطقة الشرقية. كان مذهولاً لاتقان الدور. وقد تفكرت أنا في كل ما قاله لي صديقي هذا عن حكايات هذا الشخص، قوله حينما رأى صورته بأنه جدير بناد للمعجبات.
هل كانت لتتحدث بهذا الارتياح لو أنها كتبت بأنها فتاة؟ لا أتصور. إذا، هل هي نفس الشخص أم لا؟ هل كانت تنظر للأمر من هذه الناحية؟ خصوصاً أنها لم تكن مضطرة لأي من هذا؟. إن هذا يشبه خلع بعض النساء لملابس الحشمة حينما يغادرن الأجواء السعودية، مع فارق كبير، أن النساء في الطائرة لن يقمن بالضرورة بالتبسط مع الرجال. ولم يقتحمن مجتمع الرجال هكذا، أو يخدعنهم، أو يعبثن بشعورهم.

لا أتحمل هذا النوع المنافق من الناس. قد يكتب الناس بصفة مجهولة لأي سبب من الأسباب، وقد يقوم الناس ببعض الذنوب خفية؛ كل هذا معقول. لكن هذا النوع من النفاق الخالي من الندم يثير اشمئزازي.






ذهبت قبل فترة إلى كلية الحاسب في الجامعة، لأسأل عن بعض الأمور الأكاديمية لأجل ابن أختي، الذي تخرج الآن من الثانوية. هناك، وجدت مكتباً مفتوحاً، وفيه رجل ذو وجه طويل وغريب. وكان يتصرف بنذالة غير عادية مع الطلاب حوله، الذين جائوا حسبما أتخيل للتسجيل للدراسة في الصيف أو لإجراء أكاديمي آخر. كان لا يعطيهم حتى فرصة ليتكلموا، إنما يقاطعهم، ويرفع صوته عليهم، ويتكلم بطريقة ساخرة، وحينما سأله أحدهم قلماً، قال بجلافة: ماعندي!. ظللت واقفاً، وهو يعلم بوقوفي، لعله يتكرم  وينظر فيما أريد، لكنه ظل على تجاهله عنوة، وعرفت بأنه يحسبني طالب، ينتظرني لأكلمه فيسيء التعامل معي. لذلك، سألت أحد الطلاب عما أريد، فتدخل هو وسألني ماذا أريد، وحينما بدأت السؤال لم يتركني أكمل، إنما سخر مني، وحاول إظهاري بمظهر الغبي، رغم أن المرء لا يسأل إلا عن جهل بطبيعة الحال، كما أنه لم يدعني أسأل فعلياً، فأخبرته بأني أسأل عن شيء آخر وليس ما يتحدث عنه، وسأل بجلافة وهو رافع صوته عن أي شيء أسأل؟. هززت رأسي باشمئزاز لم أخفه، وأنا أنظر في جوالي، حيث نقاط ابن اختي التي يريد مني أن أسأل عنها مسجلة، ثم وجهت سؤالي إليه، فاتضح بأنه ليس لديه فكرة، وهب الطلاب لمساعدتي، مما جعلني أشعر بشفقة كبيرة عليهم. حينما أردت الخروج، شكرت الطلاب، وودعتهم. ربما انتبه بأني لست طالباً، وأني على الأغلب موظف، لأني تجاهلته بسهولة.
عدت في وقت لاحق إلى الكلية للسؤال أيضاً، وهي تمتلئ بغرباء الأطوار، ووجدت موظف غير شاب اقترب من الدرج حينما رآني صاعداً، وظل يتأملني بطريقة غريبة وغير مهذبة، ولم يرد السلام حتى نظرت إليه فجأة. كنت أسمع ضجيج مرتفع في الأعلى، وضحك لشخص واحد، وكان هذا هو الرجل ذو الوجه الطويل، كان يتحدث بالجوال وكأنه وحده في مجلس بيته، وصدى صوته يردح في أرجاء الكلية. حينما رآني تنبه، وأنهى المكالمة. كنت سأتجاهله وأمضي إلى قسم محدد، لكنه استوقفني وسألني بود بماذا أأمر؟. أخبرته بهدوء أني ذاهب إلى القسم الفلاني، فقال بأني سأجد فلان وفلان هناك، وأنهم سيساعدونني. وسألني بلطف أكبر إن كنت أريد شيء آخر. شكرته ومضيت. 
لم يتغير موقفي منه، لأني بالواقع لم أغضب لنفسي، إنما غضبت لأجل الطلاب المساكين. سيظل الطلاب يعانون من الجميع، ويظلون الطرف الأضعف، في مفارقة لكونهم الطرف الأهم بالواقع.

لا زلت أتذكر أيامي في الكلية، وكم كانت عصيبة مع الموظفين وخلافهم. الموظفين في الكليات غالباً ما يكونون مجموعة من ضعيفوا التعليم والوعي، من لا سلطة حقيقية فوقهم. ورغم أنهم محتقرون من الدكاترة، إلا أنهم لا يملكون عليهم سلطة حقيقية، فتكون العلاقة غالباً بينهم ما بين شد وجذب على نحو خفي ودسيس، مغلف بابتسامة التملق والنفاق المغصوبة من قبل الدكاترة حتى لا تتعطل أمورهم بالكيد وإضاعة الأوراق، وابتسامة البلاهة الأبدية من معظم موظفي الكليات.
كان هناك مسجل الكلية، وهو كان رجل لا يعرف غير الصراخ ومحاولة تصعيب الأمور. الكل يتخيل بأن الطلاب لا يجب أن تتم خدمتهم وفق ما يريدون ويحتاجون وفق الأنظمة ولا أن يمنحوا الكرامة، ليبقوا تحت السيطرة. هذا الرجل رأيته بعدما توظفت، وقد انطبعت في ذهني دائماً صورته المراوغة والقاسية، وقد أصبحنا زملاء كموظفين في الجامعة. كان قد تغير مظهرياً على الأقل، وقد أطال لحيته وأصبح متديناً. صادفني ذات مرة مع زميل طيب، وهو صديق له على ما يبدو، وقال بأنه يتذكرني، أني كنت طالباً في الكلية وأنه لطالما أحس أن شكلي مألوفاً حتى تذكر، وضحك، لكني كنت بارداً معه، وتفاديت ملاطفاته بقدر ما يسمح به التهذيب، تجاهلته ففهم وتوقف. قد نكون أنداداً الآن، أن يحترمني لهذا، لكني ما عرفته عنه هو أنه لا يحترم من هو بحاجته، من هو أضعف منه، وهذا شيء لا يمكنني أن أنساه، ولا أرغب بذلك.
إن اجترار ذكريات أيام الدراسة دائماً ما يعود علي بالمرارة، والتفكر بما حدث. لقد حدث الكثير، الذي ليته لم يحدث؛ لا لي، ولا لغيري.
لكن، هذا لن يغير من الأمر شيئاً؛ لن أنسى، ولن تتوقف معاناة الآخرين.








رغم استعانتي بالجوال والانترنت في تنظيم مواعيد أمي وأبي، إلا أن فعاليتي رغم كل جهودي هي محل شك. اكتشفت ضياع موعدين مؤخراً دون أن أنتبه، لأني نسيت أساساً أن أسجلها في التقويم. أشعر بأني مهما حاولت لا يمكن أن أكون جيداً فعلاً فيما أقوم به، مما يوقع الحزن واليأس في قلبي.








ظهرت خدمة جديدة لقوقل، مثل فيسبوك. اشتركت حالما استطعت، إذا تطلب الأمر دعوة في البداية، ولم تنجح العملية بسرعة. لكني الآن أتسائل عن إمكانية استمراري. ليس لسلبية فيها، بل هي جذابة وسهلة الاستخدام، وليس لأنها مملة ولم تلائمني، إنها ممتعة؛ لكني أخاف أن تضيع وقتي. كما أخاف من الكمية الكبيرة من الناس الذين يصعب التأكد من أنهم ملائمين حينما يطلبون التواصل، خصوصاً أني فوجئت بالكثير من الناس يطلبون المتابعة دون سابق معرفة أو مجال مشترك في الاهتمامات أو العمل.
ولا أدري إن كنت أحتاج الخدمة أم لا. سأقرر في الأيام القادمة إن شاء الله، على الأغلب أني سأتخذ إجراءات لتجعله ملائم إن لم أوقف حسابي فيه، أو أحصره لاستخدامات معينة، أو أغلقه وأتركه حتى أجد له فائدة أو نفع واضح.

لكن، رأيت مشاركة من شخص طيب علق في مدونتي بضع مرات. هو معاذ الدوسري، وهو مدون له مدونة عن طب الأسنان وأخرى عن الفن السينمائي. مشاركته كانت رابط لمقال عن رجل سفيه اشتهر مؤخراً هو وطفله المسكين؛ مشعل ويدللونه ميشو. الوالد يعرض فيديوهات لابنه ذو التربية الغربية، ينتقد فيها مجتمعنا وطريقة حياتنا بشكل عام، ويتحدث بفوقية تربى عليها بوضوح، وهذا أمر مؤسف فعلاً. وقد ولد هذا ردات فعل مختلفة، أغلبها غير متعقل، ففريق يؤيد الطفل ووالده وينبهر بهم، رغم أنه لا يوجد ما يبهر، وفريق صب جام كراهيته تجاه طفل في السادسة أو السابعة لا حول له ولا قوة، وليس تجاه من يلقنه هذه المبادئ الخسيسة.
لاحقاً، أنزل الأب فيديو صوتي فقط، يتحدث فيه عن أرائه حول مشاكل المجتمع، بأسلوب لا يقل سفاهة وسطحية عن ابنه ذو السنوات القليلة، مع فارق الكبر والاستعلاء الواضح بنبرة الصوت. وهو كبر ناتج عن الثراء وربما الخلفية الاجتماعية على ما يبدو، ففكرياً؛ لا أدري بماذا قد يفتخر مثل هذا الرجل. وكان المقال عن هذا الفيديو على وجه الخصوص.
رددت على مشاركة معاذ في القوقل بلس، وقد كان في قلبي الكثير لأقوله رغم اني اختصرت؛ فهذا موضوع كنت أنوي الكتابة عنه منذ زمن في المدونة، وقد جاء هذا المقال والفيديو كمثال جيد على ما أريد قوله.
هذا رابط المقال، ويحتوي رابط الفيديو:
إضغط
بداية؛ سأضع ردي على معاذ، وهو باللهجة العامية إلى حد ما:

قرأت المقال. هذا التبلد والغرور يلقى تشجيع غريب من الناس. الحقيقة ان هذا الرجل السطحي مجرد مثال متطرف على موجة تسود المجتمع بدون ما يدري. يكفي فقط الاطلاع على أوصاف الناس لأنفسهم في ملفاتهم الشخصية ومدوناتهم، أوصاف خالية من أي تواضع. ابو الطفل المسكين مجرد مرآة مقعرة، تكبر اللي يحصل في جزء كبير من المجتمع.
لأكون صادقاً، لم أكن في السابق سأمثل على رأيي بهذه الطريقة، المقال والفيديو، وربما رأى البعض أن العلاقة بعيدة عن ما أريد قوله، لكن كما قلت، الدليل أعلاه مجرد مرآة مقعرة (أو محدبة؟)، وما كنت سأتحدث عنه هو الحالة العامة والسائدة دون أن تُلاحظ، عكس ما عكسته المرآة سالفة الذكر، فالأمر بالنهاية واحد إلى حد بعيد، لكن شيء متطرف بشدة، وشيء مستمرأ مع الأسف، وكليهما سيئان. لكني كنت سأتحدث عن الملفات الشخصية، وأوصاف الناس لأنفسهم في تعريفهم لها كتابة، كشكل من أشكال انعدام التواضع عموماً لدينا دون أن ندري. صار مديح الذات الزائد عن الحد وغير المبرر بشكل عام وعلى نحو لا يبدو أن هناك من يراه غير طبيعي هو الأمر السائد؛ وينظر إليه كتعزيز للثقة بالنفس أو كوصف محايد للذات رغم مراوغته وإيجابيته المريبة.
لا شك لدي بأنه ليس كل الناس الذين يكتبون هكذا عن أنفسهم هم بطبيعتهم مغرورون، إنهم فقط رأوا الآخرين يكتبون هكذا فظنوه أمر لائق ويعطي انطباع جيد كتسويق للذات. لكن من يقول أن الطبيعة البشرية لا تتغير، وأن النفس لن تصدق كل حرف تقوله عن نفسها بمبالغة؛ حتى يحسب المرء نفسه أفضل الناس؟، كما أن الناس لم يعودوا يستحون أبداً في التسويق لأنفسهم وشخصياتهم، كل شيء صار مقبولاً، وكل شيء يقال صار مع الأسف محسوباً، بطريقة غبية في الأغلب الأعم، ليصطاد أقوال رجيعة من المديح والإعجاب والاقتناع بما يقال، إنه فقط تصيد للمديح. تخيل أنه أُتي إليك بكأس فارغ، ولوِّن من الخارج بلون العصير حتى قرب فوهته، ثم عرض عليك؛ هل سيمكنك القول بأن العصير لذيذ؟ العصير غير موجود أصلاً. هذا ما يحدث، الناس يعرضون أشياء قد تكون غير موجودة، في حين أن من يقدم العصير الحقيقي سيسألك عن رأيك بعدما تتذوقه، وليس قبل ذلك.
 لقد سادت ثقافة تتجاهل فضيلة التواضع في رأيي؛ وبات التواضع مفهوم لا يخطر على البال كممارسة حياتية ضرورية؛ إنه فضيلة تذكر في القصص فقط، وليست ميزة حسنة في المرء تحسب لصالحه.
وصار النجاح وجاذبية الشخصية مجرد كلام يقال؛ وشهادات يقدمها المرء لنفسه بكرم، والملفت أنه لا أحد يفكر بأن الأمر بالواقع مثير للسخرية والعجب؛ كيف تقبل شهادة المرء بنفسه، خصوصاً حينما يبالغ كما يحدث الآن؟.
إني لا أرى مع الأسف أي جانب في الحياة الاجتماعية يطرح التواضع ومسائلة الذات كأمر له الأولوية، بل إني لا أرى أمثلة جيدة فيمن يعدون أنفسهم أمثلة جيدة. بعض الدعاة يمتدحون أنفسهم كثيراً بإعجاب حينما أقرأ لهم مقابلات بالصدفة أو مقالات عنهم أو لهم. والكثير من المسئولين، كمدير جامعتنا، كثيراً ما روجوا لفكرة أن كثرة الحكي عن النفس والخطط والإيجابيات هي إنجازات كافية بحد ذاتها.
إنه حب البروز، أمر يشبه من خطر في باله أن يقف بينما الجميع جالسين حتى يميز نفسه، فإذا بالجميع يقفون معه، ولما أدرك كل فرد أنه كالجميع رغم هذا المجهود الصغير للتميز، بدأ الجميع بالقافز للفت الإنتباه، في مجهود لا جدوى منه أساساً.











قبل قليل وأنا أكتب في المطعم على الجهاز، سمعت شاب يقف قريباً من طاولتي، وهو يتحدث بسخرية عن فتحي لجهاز الحاسب على طاولة المطعم، وهو لا يدري أن المطعم أصلاً يوفر الانترنت اللاسلكي، كما وصلت به قلة الذوق إلى الإشارة باصبعه والتندر على جهاز الانترنت الذي شغلته أمام النافذة، قائلا بأن هذا تطور. كان يتحدث وكأني لا أسمع، رغم أني لو وقفت ومددت يدي للمسته لقربه إلي، ولما التفت لأنظر إليه تظاهر بأنه لا يراني. فعدت للكتابة. لكنه قاطعني بتحية، سألاً إن كان هذا جهاز انترنت لاسلكي، فقلت نعم دون أن أنظر إليه، فاستأذن بأنه يريد استخدامه إذا سمحت بعد قليل، وتسائل إذا كان عليه كلمة سر؟ فأخبرته بأني سأطلعه على الكلمة حينما يريد استخدامه. شكرني ومضى مع رفيقه إلى طاولتهم. في اعتقادي أن هذا الشاب اعتاد على السخرية من كل ما يرى دون أن يسمعه الناس، ولكن لكثرة ما جرى الأمر على لسانه، وصار من طبعه، نسي أني أسمع، وأني قد يكون لي رد فعل. ولما لم أرد بأكثر من النظر ولم يتمكن هو من مبادلتي النظر، أتصور بأنه شعر بالخجل، وأراد أن يغطي على ما قام به بالتظاهر باللطف وحسن الذوق. لكن، هل يغير هذا أي شيء من وقاحته المتأصلة؟ قد تجد أحياناً بعض الشباب يعلقون على مشتريات الناس في السوق وهم يسمعون. قال أحدهم ذات مرة معلقاً على عربتي: شف شاري كل هالمويه! فرد صاحبه بصوت عال: وش عليك منه ياخي، خله ينبسط (!!).
استمر شاب المطعم بالنظر إلي من طاولته، وقد كانت تفصل بيننا زوايا المطعم بزجاجها، ولم يطلب رقم الانترنت.
كانت مثل هذه المواقف تتكرر كثيراً معي في الجامعة، من طلاب آخرين لا أعرفهم. وربما لأني لا أعرفهم ولا يعرفونني لا يجدون ضيراً من التندر بي حينما أمر، لإضحاك من معهم. وحين النظر إليهم؛ يتظاهرون بأنهم يتكلمون عن أحد آخر، وبعضهم ينظر باسماًى بسخرية.

يوجد انخفاض غير عادي بوعي الكثير من فئات المجتمع بضرورة التأدب مع الآخرين، أنها ليست مجرد فضل، إنها واجب صارم.








اليوم يعود صديقي الحقيقي الوحيد.








كم أشعر بالحنق على المسئولين عن التعاقد مع الأجانب في الجامعة من الدكاترة السعوديين الحمقى، عمداء ووكلاء ورؤساء أقسام. كثيراً ما يعطون وعوداً خيالية بدون إستشارة الجهات التي تصنع العقود وفقاً للتنظيمات المحددة، فيأتون الأجانب متوقعين شيء لا ينطبق مع التنظيمات المحددة لمميزات العقود. أحياناً يكتشفون منذ البداية، إذ يكون الراتب أقل بكثير مما وعدوا، فيقال لهم هذا ما لدينا؛ والدكتور الذي تواصل معك لم يكن يعرف الأنظمة أو الحدود. ويكون الأجنبي قد ترك وظيفته في بلده أو البلد الذي يعيش فيه، وجاء لمختلف الأسباب، إما للعيش في مجتمع مسلم يصدمه مسئوليه هكذا، أو لمجرد تحسين حياته فيجد أن الأمور ليست كما وعدوا. وآخرين يكتشفون لاحقاً، مثل الذي قيل له اليوم بأنه لن يحصل على تكاليف تعليم ابنه، رغم أن العميد وعده بها، لأن ابنه أصغر من العمر القانوني، ولا ألومهم، لكني ألوم العميد الأحمق، ولو كنت مديراً للجامعة؛ لأرغمته على الدفع من حسابه الخاص للرجل، حتى يتعلمون بأن حقوق الناس وآمالهم ومشاعرهم ليست للتلاعب والاستهتار.
كما أقرف أشد القرف ممن يسرقون مجهودات الآخرين، سواء أجانب أو طلاب في مشاريع تخرجهم، حيث يشاركونهم على الورق دون أن يبذلوا أي مجهود، وحينما يمانعون أصحاب الفكرة والعمل، يكون جزاء الأجنبي الطرد المهين كما شهدت، أما الطالب، فعلى الأغلب أنه سيموت قهراً في قلبه فقط.
أتخيل بأن قولي بأن الدكاترة والدكتورات السعوديين هم من أهم أسباب تخلفنا لأسباب كثيرة لن يكون قابل للتصديق في أول وهلة، لكنه الواقع الذي لا يقبل الشك لدي.








قررت أن لا أضيف من لا أعرف أو لا أجد معلومات كافية أو مثيرة للاهتمام في ملفه على قوقل+، الخدمة الجديدة الشبيهة بالفيسبوك، حينما يضيفني. أعتقد أن هذا أمثل عن الازدحام. قد أعطي أحدهم فرصة وأضيفه، لكن حينما أكون لا أعرفه، ولا يعجبني ما يكتب أو أنه يكتب ويشارك أكثر من اللازم، سأحذفه من دوائري.
هذا حل ملائم للوقت الحالي، حتى أجرب وأرى إن اقتنعت.
عموماً، هذا هو عنوان ملفي هناك، أعتقد أنهم سيطورونه لاحقاً ليصبح بالحروف او اسم المستخدم بدلاً عن الأرقام:
بعد يومين سأفقد الأمل من الرفقة الوحيدة التي أتطلع إليها خارج المنزل إلى ما بعد العيد بفترة. سيسافر الدكتور الألماني إلى بلاده، بعدما عاد لوقت وجيز من جنازة شقيقه. التقينا، وشاهدنا معاً أفضل فيلم أحبه على الإطلاق، الأميرة مونونوكي، وقد كان متحمساً لرؤية أهم فيلم لدي، لأنه يتخيل بأنه لا بد سيكون لدي سبب وجيه ومميز. أحياناً أجد نفسي عاجزاً عن وصف كل أسباب حبي لهذا الفيلم وإلهامه لي على نحو يشعرني بالرضا، أشعر بأنه يوجد دائماً نقاط أغفلها. استمتعنا بالفيلم المميز والذي لا أعتقد أن الدكتور رغم استمتاعه به سيرى ما أرى فيه. مع ذلك، ناقشني فيه مطولاً، يريد أن يرى ملاحظاتي، ورؤيتي للوارد في الفيلم. لا يمكنني أن ألخص هذه الأمور؛ لكن يمكنني أن أقول بأني قلت للدكتور ضمن ما قلت بأني أحببت الإصرار اليائس على تصحيح الأمور ومساعدة الآخرين، التضحية من خلال هذا الإصرار المؤلم، وبراءة الطبيعة حتى في مقاومتها. حينما انتهينا تقريباً من النقاش، وقفت لأجمع الأشياء، الجهاز الضخم والاسطوانة والأسلاك وحقيبتي بجهازي وخلافه، لكنه استوقفني متسائلاً باستغراب أين سأذهب؟ قلت بأن الوقت تأخر، وأنه  ينام باكراً، لكنه أخبرني بوضوح بأن أبقى، لأحكي له قصصي المسلية. وليحزم أمري، قام ليحضر لي علبة سفن آب، وقد اشترى كمية جيدة رغم أنه لا يشرب هذه الأشياء، حتى حينما آتي إليه أشرب.

من ضمن ما سألني عنه كان الرئيس البشير، في السودان، الذي سماه مجرماً، وأخبرني بأن دكتور سعودي قد قال له بأن هذا ما يريدنا الغرب أن نراه. أنا أجد هذه الإجابة، صحت أم لم تصح، هي إجابة خليقة بدكتور سعودي لابتذالها، فهي معلبة بحيث تبدو  ذات مدلول وحجة، في حين أنها لا تساوي شيئاً بذاتها، وقد صارت تقال في كل مناسبة، حيث تجدها العقول المقفلة والكسولة ملجأ يسهل الوصول إليه بلا تفكير. قلت بأني لا أعتقد بأنه مجرم بالضرورة بقدر ما أعتقد أنه غبي. ذهل، إذ يبدو أنه لم يتوقع هذه الإجابة، أن لا أعتقد بأنه مجرم. ذكرني بأمور كثيرة؛ الحروب التي خاضها البشير والمذابح التي يتهم بها، فأخبرته بأني لا أعلم عن هذه الأمور، فهو يدعي خلافها، ويدعي أن الجنجويد هم من أسائوا لأهل الجنوب، ولو كان مجرماً بالفعل، فهو ليس المجرم الوحيد في العالم، أما المآسي فقد ارتكبت بسبب غباءه في النهاية، أكان المجرم أم لم يكن. فهؤلاء في الجنوب كانوا أصلاً منقسمون كما يدعي، وأنه لانقسامهم كان لا يستطيع الاتفاق معهم، وهذا غباء من طرفه أيضاً، عذر غبي للإهمال المادي والمعنوي الذي لحق  بأهل الجنوب. لقد رحل الجنوب الآن، وهو ليس خسارة للسودان فقط، لكن لكل المسلمين في رأيي، بسبب الإهمال والاحتقار الذي سمح به البشير. بدا أن هذا منطقي إلى حد ما بالنسبة للدكتور، وقال بأنه ربما كنت على حق، فهو لا يعلم الكثير بدقة حول ما جرى هناك.
تكلمنا حول الجنازة هناك، ولم يبدو الأمر بائساً للحد الذي تخيلته، ربما لأن الميت كان متوقع له المصير منذ فترة نظراً لمرضه، ورضا العائلة عن مستوى التصالح والتواصل الحميم معه قبل وفاته المتوقعة.
ثم نظرنا إلى صور عائلية جديدة، ومزرعته في أحد بلدان البحر المتوسط. كانت صور جميلة؛ خصوصاً صورة لحفيدته الصغيرة المليحة، بعينيها الجميلتين ووجهها المستدير كالقمر ما شاء الله. اسمها كلارا. وحجمها أكبر مما يراه المرء هنا لأطفال من سنها. بالواقع، إن أطفالنا أصغر حجماً عموماً من أطفال الآخرين. في عملي القديم في مركز طبي، حملت ابن زميلة مصرية، وقد كان ما شاء الله ثقيل إلى حد صدمني، ورغم عمره الصغير إلا أني واجهت مشكلة في حمله على ذراعي بسبب حجمه الكبير وطول أطرافه. هذا رغم خبرتي بحمل الأطفال التي تمتد إلى سنوات طفولتي أنا. لم أتعجب كثيراً بعدما رأيت والده عموماً، الذي يعمل مندوب مبيعات، فقد كان خليقاً به أن يعمل في المصارعة الحرة وفقاً لشكله وحجمه، وموقفه كذلك.
تكلمنا كذلك عن أمور أخرى كثيرة.
قال بأننا سنتواصل عبر البريد الالكتروني حينما يسافر، فقلت بأن لا يحمل هم الأمر، يمكننا الالتقاء حينما يعود. ولكنه أصر، فأخبرته بأنه بالواقع غير جيد بالتواصل عبر البريد، فضحك، وقال بأنه سيحاول التحسن، لم أتحمس مع ذلك، فأصر على الأمر. 







لقد جائت ابنة أخي أمس، التي أنتظرها طوال الاسبوع، وقد أوقعتُ بالخطأ فنجان القهوة، وهو خالي، على وجهها، لكن بمساعدتها. أود لو أنزلت لها صورة لتروا جمالها، لكني حينما لا يكون الطفل ابن لأخواتي، أخاف أن أغضب أهله، ربما إخواني قبل زوجاتهم في بعض الحالات.
أتمنى لو كنا نربيها لدينا. كانت قبل فترة تأتي كل صباح لتظل في رعاية أمي حتى العصر تقريباً، وكنت أحياناً أتأخر عن العمل عمداً حتى أصادفها مع أمي حينما أنزل. وكانت أيام سعيدة، مليئة بالقبل الانفجارية.
هذا قبل أن يحصلوا على خادمة، لسوء حظي.
هي حجمها صغير على نحو استثنائي، وخديها رقيقين وغريبين. هي عموماً كاللقمة، أخاف أن أبتلعها كلها حينما أقبلها. لكنها بدأت تتمرد، وهذا ما أكرهه في البنات، فهن لا ولاء لهن، عكس الصبية.






السفير البريطاني يقول، وكأنه يخاطب أطفالاً، بأنه شعر بالاسف على مخيم مزيف دمرته في تدريب قوات مشتركة بريطانية وسعودية. وهو بهذا يتحبب ويتلطف بزعمه. إنه يستخف بالناس بوضوح بلهجته القاصرة هذه.








قبل فترة، طلبنا غرض من أمازون بمساعدة أخي، كان لمساعدتنا على الرحلة إلى ألمانيا قبل أن يغير أهلي رأيهم. انتهزت الفرصة وطلبت كتابين؛ أحدهما عن حضارة الإنكا وشعبها، ورغم أني لا زلت أريد إنهاء كتاب آخر إلا أني قرأت القليل منه، ووجدته جميلاً، مكتوب بلغة ممتعة ومؤثرة.




 اما الآخر فاسمه يترجم إلى: اغتصاب نانكينق. وهي المدينة الصينية التي تحدثت عنها سابقاً، التي غزاها اليابانيون وعاثوا فيها فساداً لا يتصوره عقل. ولم أقرأه حتى الآن، ولكني رأيت صور توثيقية أحدثت أعمق الأسى في قلبي. 





وبذكر الإنكا، شاهدت الكثير من المقاطع لذلك الأثر المهيب؛ ماتشو بيكتشو، الذي بنوه فوق قمة جبل بين السحاب، ونسي من ذاكرة البشر لحوالي ثلاثة قرون، حتى اكتشف لاحقاً من جديد، وقد هجره أهله لسبب مجهول، قد يكون انتشار الأوبئة التي أتى بها الاسبان ولم يكن لأهل البلاد مناعة ضدها، ولعل بعضها وصل إلى ذلك المكان المعزول.


إنه أثر يسحرني على نحو مختلف، إذ يجلب الشجن العميق إلى قلبي، فلا أنفك أتأمله وأتفكر فيه ومن بناه وسكنه، حينما أرى صوره أو أقرأ عنه. مكان لا يُدرى على وجه التحديد لماذا بني هناك بالذات، ولماذا هجره أهله فجأة كما توضح الدلائل، رغم أنه أشبه بالجنة الأرضية؛ وكأنما المرء إذ يعيش هناك فإنه يعيش في حديقة غناء، في جيرة الشمس والسحب، محفوف بقمم مهيبة، ولكن تجلب السكينة إلى القلب.


ما يعجبني في الأثر هو اندماجه بالطبيعة، وبساطة مبانيه الجميلة الخالية من الزخرف رغم حسن تصميمها وبنائها. المدرجات البديعة، والخضرة غير العادية المحيطة بكل شيء، والموجودة على كل شيء. الساحات الخضراء الجميلة والممرات المحاطة بالجدران الحجرية، وجوهرة التاج، وأكثر ما أثر في نفسي؛ مصب الماء المنحوت في الحجر، كنافورة طبيعية.





قد لا يبدو للكل تميز هذا الأثر عن سواه، ولربما بدا أقل إثارة للذهول مما يتخيل البعض من ذوي النظرة الجزئية، النظرة التي قد لا ترى الصورة كاملة. لكن، إن هذا جزء من تميزه، إنه مكان للعيش الطيب فقط، في مكان فريد قلما يوفق الناس إلى اختيار مثله وبظروفه. الاطلاع عليه يشعرني بالحنين والحزن اليائس، والسكينة؛ يشعرني بالاستسلام.
(يشمل موسيقى)



http://youtu.be/Z2MN5glPgUs

هذا مقطع جيد للأثر. يمكنكم رؤية المصب المائي الجميل فيه، ورؤية ساقي يتفرع عنه على الأرض في لقطة أخرى.






يوجد كذلك منظر طبيعي مثير للذهول؛ إنه أعلى شلال في العالم. يسقط في فينزويلا، من أحد جبال التبوي التي تشكل ظاهرة طبيعية فريدة بحد ذاتها. يسمونه شلال آنجل، وهو لفرط طوله يتبخر بعضه قبل أن يمس الأرض. إنه منظر طبيعي مذهل، سبحان الله.



http://youtu.be/iLmvCLPjUM4





أشعر بالوحدة والملل في نهاية الأسبوع. الصديق الوحيد، الدكتور الألماني، سافر، ولن يعود قريباً. على الأقل، جائت ابنة أخي ذات الأشهر الثمانية، ولكن كما توقعت، أصبحت إنسانة أنانية، لا تريدني أن اقبلها، بينما تسمح لأمي بذلك (قهر)، بل وتقبلها هي فاتحة فمها على اتساعه، وكأنها ستأكل أمي بسنيها الاثنين. ولم تجدي الهدايا، إذ أنها لا تفهم.


وبذكر أمي، اشتريت لها كوباً ظننت أنها ستفرح به، إلا أنها سرعان ما تخلصت منه بإعطائه أخي في ذات الليلة، لأن عليه رسوم لأغنام تضحك في المراعي (حرام). لا أدري ماذا سأفعل مع هذه المطوعة. الغرض الأساسي من الكوب كان هذه الأغنام، وإلا فالأكواب في المنزل كثيرة. ماذا أفعل وهي ترفض إحضاري لنعجة حقيقية إلى المنزل، رغم حبها لهذه الحيوانات(وحبي للغنم النجدي). هل أعاقبها وأحضر بقرة؟ (هي تكره الأبقار، كأنها بدوية).








المشترك الأخير في مدونتي كتب تعليقاً لطيفاً، لكن التعليق لسبب ما لا يظهر في مكانه في جانب المدونة، حيث يعلق متابعو مدونتي حينما يرغبون. لذلك لم أتمكن من الرد على التعليق كما يجب. يقول التعليق: 
"السلام عليكم ورحمة الله ... انا متابع من فترة لفترة لهذي المدونة ... وكنت اتوقعك تقرب لي :) ... عالعموم مجرد تسجيل إعجاب بأسلوبك ... أخوك : عبدالرحمن الحوشان .... مغترب في امريكا .."
أشكرك أخي عبدالرحمن على لطفك، وأقدر كثيراً متابعتك لما أكتب، خصوصاً بعدما عرفت بأني لست قريبك، ومع ذلك شجعتني بكرم.
أعرف بأن عائلتك كبيرة، أكبر عدداً من عائلتي بكثير، إن كانت هي بالذات من أعرف، أقصد عائلة الحوشان من بريدة. كنت قد حضرت مع أخي زواج صديق له من هذه العائلة قبل سنوات، وهو رجل من الحوشان درس معه في أمريكا لا أتذكر اسمه الأول، وقد كان لطيفاً جداً (ألطف من أخي). كان الزواج في الفهد كراون، أعتقد أن اسم الفندق تغير الآن.
كثيراً ما اعتقد الناس أني من عائلة مختلفة. البعض يظن بأني من المزاحمية، وهم من آل ثنيان على حد علمي، وآخرين من حائل، والأغلبية من بريدة (ربما بحكم اللهجة وشهرة عائلتكم)، وأماكن أخرى أقل جرياً على الألسن، لكن أصلنا، الحوشان من المذنب، أصلنا دواسر من فخذ البدارين.
أشكرك مرة أخرى أخي عبدالرحمن، وأتمنى أن تجد دوماً ما يمتعك هنا. كما أتمنى أن أطلع على مدونتك إن كانت لديك واحدة. عسى الله أن يردك سالماً غانماً إلى من يحبك.
شكراً جزيلاً.







ذهبنا اليوم أنا وأمي إلى مدينة الملك فهد الطبية، وقد ذهبنا بضعة مرات خلال الأشهر الماضية، ولم نقابل الدكتور الذي طلبنا تحويلنا للمستشفى لأجله بعد المرة الثانية، كنا نرى الطبيب الهندي من فريقه، وهو الآخر طبيب طيب جداً مثله، ودود ومتفهم، لكن هذا ليس غريباً، فالأطباء الآسيويون عموماً أكثر تواضعاً وطيبة من العرب، أما الغريب فهو أن الدكتور الأساسي، الذي جئنا لأجله، طيب جداً، رغم أنه سعودي.
طال انتظارنا إلى حد ما، ثم ظهرت أمي فجئة من استراحة النساء، وقد ملأها التوتر، قائلة بأن من جائوا قبلنا قد مضوا جميعاً، وبدأ من جاء بعدنا يمضي، بينما لم يتم استدعاؤنا. لتهدئتها، ذهبت إلى الاستقبال أسأل، حيث قيل لي أن أسأل في غرفة الطبيب الهندي، وهناك قالت المساعدة السعودية بأن ملفنا لدى الدكتور مشبب العسيري، في المكتب المجاور. لم أتوقع هذا بصراحة، فقد بدأت أظن بأنه لا يرى مرضاه بعد أول مرة شأن بعض الأطباء الرؤساء لأقسامهم، وربما كانت الثانية بالصدفة. لكني فرحت صدقاً. سألت الممرضة في مكتبه، وقالت بأن ملفنا هو الأول، وستدعونا قريباً بعدما يراجعه الطبيب. وفعلاً، دعتنا مباشرة تقريباً، ودخلنا. كان الطبيب مشغول الذهن عموماً، إذ بدا أن وقته ضيق، ولكنه مع ذلك لم يستعجل. كان لطيفاً جداً مع أمي، وأجاب أسئلتنا بوضوح. كانت الأمور ولله الحمد مطمئنة. أزعجتُه قليلاً بالإسئلة والنقاش، وأعدت بعض الأسئلة بصيغ مختلفة لأتأكد بأني فهمت جيداً وضع أمي بكل حيثياته، وقد صبر علي جيداً، ولا أقول بأني كنت أختبر صبره صدقاً، لكني بطبيعتي أحب التأكد من صحة فهمي في الأمور المهمة. بعد تقرير ما سنفعل للفترة القادمة من فحوص ومواعيد وأدوية، أحضرت الممرضة الأوراق لتشرح لي ماذا أفعل بكل ورقة، بينما تكلم الطبيب مع أمي، سائلاً إياها عني، إن كنت ابنها (!!) ومن هذا القبيل، ومطمئناً إياها بأني أفهم جيداً كما يعتقد. حينما ابتعدت الممرضة، سأل أمي عن ما أفعل أنا بحياتي. قالت بأني في الجامعة، تقصد أني أعمل بالجامعة، لكنه حسب بأني طالب، فسألها بأي سنة أدرس. قالت بأني أعمل، وتدخلت لأخبره بأني متخرج منذ زمن بعيد، وأعمل هناك. سألني عن مكاني هناك بالضبط. ثم عاد يسأل أمي عن تخصصي، قالت: انقليزي. فقال لأمي مازحاً بأن هذا السبب ربما لطول شعره (يقصدني. وبالواقع، شعري ليس طويلاً، لكن كثافته تعطي انطباعاً مغايراً) ضحكت أمي وقالت: يا حبي له (!!). ثم سأل عن كليتي، وأوضحت له بأني درست في اللغات والترجمة، بعدما ظن أني تخرجت من الآداب. تكلمنا قليلاً حول الأمر. بعدما انتهى النقاش الودي، أخبرته بأني كتبت عنه في مدونتي. فتح عينيه على اتساعهما بطريقة كوميدية وقال: يا ساتر!. وكأنه خاف، مما أضحكني. تسائل ماذا كتبت، قلت بأني كتبت خيراً، فمن النادر رؤية دكتور سعودي لديه دم وإحساس بمرضاه. صمت قليلاً متأملاً، ثم قال ما لم أفهم وهو مبتسم: كنت أحسب أن ما عندي دم. بدا سعيداً بالأمر، وشكرني جيداً وهو مبتسم. وحينما أردنا الخروج وضع يده على كتفي وسأل أمي إن كانت قد زوجتني. قالت بأنها لم تزوجني بعد، وأن من تزوجوا لم يعودوا يبالون بها، وهي وجهة نظر تقليدية على ما أعتقد. خرجنا وهو يودعنا.
لكن، عندما أردت الحصول على ورقة للمرافقة، علمت بأن الإجراء تغير عن السابق، ولهذا يجب أن أعود إلى مكتب الطبيب، ليمنح الموافقة الالكترونية. جاء رجل وحاول الدخول قبلي، ودخل، أخبرت الطبيب واقفاً بالباب بأن يعطي موافقته على المرافقة. وأعطاني، وهو يقرأ اسمي وبياناتي على الحاسب، واسم الجامعة حيث أعمل. ثم سأل عن مدونتي، وإن كنت قد كتبت في مدونة أو الفيسبوك، فأخبرته بأنها مدونة، سأل عن عنوانها، فقلت بأن يبحث فقط عن اسمي في قوقل. إن اسمي يظهر في أول النتائج، حتى لو نسي اسمي الأول (من الصعب أن ينسى المرء اسم مضحك كالحوشان).


تركت القسم وأمي فيه، لأحصل على الأدوية وأطبع عذر المرافقة من التقارير، ثم مضيت إلى مبنى آخر من المستشفى، للسؤال عن التوظيف هناك، ومعرفة من سيتمكن من العلاج في المستشفى من أهلي في حال عملت لديهم. قيل لي بأن التأمين يشمل أمي وأبي، وهذا رائع، وزوجتي وأبنائي(هؤلاء غير مهمين إذ أنهم غير موجودين). فرحت كثيراً. لكن قيل لي بأن الانتقال من عملي غير وارد، حيث يتم توظيفي لديهم بوظيفة جديدة. أعتقد بأنهم ربما يعملون على نظام مختلف عن الحكومة. إني أفكر بالأمر. ولدي الوقت، إذ لا أستطيع الانتقال حالياً من عملي وأنا ملتزم في غياب زميلي. لكن مع ذلك، يجب أن أستشير وأفكر جيداً وكثيراً، فهناك بخلاف أمي وأبي ابنة أختي.
حينما خرجت من المبنى، خرجت من طريق آخر، ووجدت نفسي في مكان لا أعرفه من المدينة الطبية. لكنه كان مكان جميل. رأيت نافورة جميلة، فأخرجت جهاز الننتندو ثري دي اس لألتقط صوراً ثلاثية الأبعاد لها. إني أعشق تصوير النوافير كما لا أعشق تصوير أي شيء آخر، والمساقط المائية طبعاً إن وجدتها، خصوصاً بشكل ثلاثي الأبعاد.


كان يوماً جيداً، فالطبيب طمئننا أخيراً على صحة أمي، بعد أشهر من الانتظار والإجراءات المختلفة، وقد رأيناه وتمكنت من إظهار تقديري له، وتشجيعه على اللطف والتواضع.








البارحة، حينما دخلت التميمي لشراء غرض أوصاني عليه أحدهم، وكان الوقت متأخراً في جوف الليل، وقفت لأنظر إلى مكان مجلة ناشيونال جيوقرافيك، رغم أن وقت العدد الجديد لم يحن بعد، لكني كنت أرجو أن شعوري بمرور الوقت قد أخطأ. كنت أواجه المحل وأميل برقبتي فقط لآخذ نظرة، وربما سهمت قليلاً، وظللت أفكر دون حركة، بعدما رأيت أن العدد الجديد لم يأتي بعد. لا أدري كم ثانية أو لحظة مضت وأنا ساهم، لكن حينما نظرت إلى الأمام لأمشي، وجدت رجل شديد الضخامة والعرض، بدين إلى حد كبير، رأسه كبير جداً، ووجهه الضخم المحاط بلحية كثيفة يكاد أن يلتصق بوجهي، وهو باسم. لا أدري ما أصابني، قد أكون ذعرت قليلاً، لكن ما شعرت به أكثر كان الإحراج والخجل، إذ حسبت لأول وهلة بأني أسد الطريق أمام هذا الرجل غير المعتاد. ضحكت محرجاً، ربما مجفلاً، أو ما يسمونه ضحك "الروعة"، وقفزت للخلف جانبياً، وأنا أعتذر. كانت ابتسامته واسعة في البداية، لكنها بدأت تصغر قبل أن يمضي في طريقه، يبدو أن ردة فعلي سببت له صدمة (وأنا ماذا أقول عن رؤيته أمامي فجأة؟!). شعرت بإحراج، وكان البعض ينظر إلي باسماً بعدما رأى الموقف. لكني حلّلت الأمر بسرعة، واكتشفت بأن الأمر غريب، إذ أني بالواقع لم أسد الطريق حتى يتوقف تماماً، ولم يكن أمامي أو قربي أي أحد حينما توقفت لأرى المجلة في الرف البعيد. إذاً هو جاء لاحقاً، وقرر الوقوف مقابلي والسكوت، والاقتراب كذلك على نحو غير مألوف.
غرابة أطوار فقط على ما يبدو.





أيا راحل إلى أمانيا...
وآخذ معه الأنس والسلوى...
تاركني لوحدتي...
أسأل أحلامي النجوى...
ولا من مجيب...
أيا راحل إلى أمانيا...
نادني إذاً بأحلامك...
وابسط تجاهي يدك الحمراء الأبوية...
وعلى ريح المطر أطلعني...
في غابتك البافارية...
وخذني لأشرب من ماء الألب...
تلك الجبال الموحشة الجميلة...
لأروى من عطش الصحراء...
لعلي حين أفيق...
أغلب يأس الوحدة والشقاء...

أنتهت.
أمانيا هي ألمانيا، كما كان ينطق اسمها الناس في القصيم قديماً، في القصص التي سمعت.


سعد الحوشان