الأربعاء، 7 أبريل 2010

الأماني الرحيمة(رسائل الألماني،هدية وجهاز جديد،أحداث وأفكار)

بسم الله الرحمن الرحيم




من السهل على الناس أن يتمنوا الموت لبعضهم، ربما لأحبابهم، أو من يفترض أنهم يحبونهم. أمر صادم، لكنه حقيقي. وهؤلاء، الذين قد يتمنون الموت لآخرين، قد لا يكونون أشراراً، كما قد لا يكون من يرجون موتهم كذلك. إن الأمر يتعلق بالظرف. يتسبب بعض الناس بالمتاعب للأخرين، أهلهم مثلاً، أو أصدقائهم، حتى يتمنون لهم الموت، لأنه السبيل الوحيد للفكاك منهم ومن متاعبهم. والعكس أيضاً صحيح، قد يتمنى بعض الناس الموت للآخرين، لانهم بالغوا في أذية هؤلاء الآخرين، وصار الندم، وعدم القدرة على التعويض، أمرٌ لا يحتمل، ووجود الآخر المجروح، يذكر بهذه المأساة، وهذا العجز الرهيب عن التعويض، بعدما كان إيقاع الأذى سهلاً. يكون الأمر مثل إرادة ذبح الحيوانات التي تعرضت لحادث شنيع، ومع ذلك لم تمت. قد يتخيل من يقرأ أني أكتب هذا لأني أتمنى الموت لأحدهم، وهذا حدث ربما لمرة أو مرتين، مدفوعاً بالشعور بالظلم والقهر، لكن، أفكر بمن تمنى لي الموت؟ أنا أحتاج إلى أسباب قوية ومنطقية لأتمنى لأحدهم الموت، أعرف نفسي، لأنه يصعب علي إيجاد سبب لإيذاء أحدهم باللفظ، فمن باب أولى سأجده من الصعب تمني الموت لأحد، حتى لو بالغ بإذائي، ومن جهة أخرى، لا أتذكر بأني بالغت في ايذاء أحد لأتمنى الراحة لضميري المعذب. لكن أعتقد بأن بعض من قابلتهم، أحبوني أو كرهوني، لا يحتاجون إلى سبب كبير لتمني الموت لي، لأن أذيتي كانت سهلة عليهم جداً، ولا أتساءل حتى إن كان قد رف لهم جفن لحظة أذيتي. بعض الناس لا يتوقعون من الدنيا، ومن فيها، إلا أن توافق أمزجتهم، فأن لم يكن، فلا شيء آخر يهم، ولا حسنة واحدة للمرء تشفع.
قلت لأحدهم ذات مرة هذا بصراحة. قلت لا بد أنك تتمنى موتي، لكنه أنكر، وحلف الأيمان. لكنه تصرف بعد ذلك على نحو أجهده وأجهدني، وقد بدا من المنطقي في رأيي، أنه سيفضل موتي على هذا المجهود والهم بكل تأكيد. كان الندم يأكله كثيراً تجاهي، وتجاه الحالة التي أوصلني إليها، وكان يبذل جهداً يائساً ليبرئ ساحته، جهد يزيده ذنباً.
إنه قتل رحيم، لكن بالأماني فقط.




كنت قد أخبرت بأني سأترجم مراسلة بيني وبين الألماني الأصغر، الذي تحدثت عنه بضع مرات في مدونتي، مع أجانب آخرين، لعل أهمهم الألماني الأكبر.
كنت قد أوضحت في تدوينتي السابقة كيف بدأ أمر النقاش في الموضوع محل الجدل. بشكل أكبر تفصيل؛ أرسل إلي الرجل مقالات كثيرة من مجلة أمريكية شهيرة، تتحدث عن المنطقة هنا. قرأت بعضها، وأرسلت إليه أخبره بأني قرأت 3 أو 4 مقالات، وقلت: "وجدت فيها بعض الحقائق، وبعض الأكاذيب، ولكن اللغة العامة متحيزة كالعادة، كما لو كانت ضمير جماعي يقدم نفسه كمثال يجب أن يتبع مهما كان، بلا نقاش، وبدون النظر إلى الاختلافات والأولويات، وباستخدام لغة متعالية ومصدرة للأحكام بشكل عام. لكن لا شيء جديد في هذا، سواء من حيث اللغة أو العقلية."
كتبت هذا، وأضفت بأني لا أنكر وجود بعض الحقائق، وأبديت اهتمامي بالاطلاع على المزيد. ثم أخبرته عن ملاحظتي حول اهتمامه بالمنطقة بشكل خاص، من خلال كثرة المواضيع وتواريخها، وأني لاحظت هذا في وقت سابق عليه، لكن الأمر الآن أكثر وضوحا. ثم سألته عن السبب خلف اهتمامه؟. 
رد بأنه سعيد باهتمامي بالمقالات، وأنه لم يتوقع أن تعجبني، خصوصاً أنها لا تعجبه، وشرح مطولاً أن هذه المجلة هي أفضل الأسوأ، وأن غيرها شديد التحيز، وما إلى ذلك.
ثم أعقب: بما أني أعيش وأعمل هنا في هذا المكان المميز، فإني أريد أن أفهم الحياة هنا بأفضل ما استطيع،  ولا يوجد سر غريب بالأمر، ووضع رمز ابتسامة.
رددت: أفهم،  وأني كنت أظن بأن لديه اهتمام بالدين على نحو خاص. ولكن هذا بطبيعة الحالة أمر لا ينفصل عن جوانب الحياة الأخرى هنا.
ثم أعطيته وصلة لموقع ميدان للحوار حول المستجدات، عن طريق ترجمة المعلقين من الشرق والغرب لبعضهم البعض.
رد يشكرني على الوصلة ويعرض علي تعليق كتبه، وترجمته الآلية، التي كانت سيئة إلى درجة أنها فقدت أي معنى.
ثم أتبع بالمهم، وجهة نظره الصريحة والواضحة حيال الدين. هذه ترجمة لما قال في هذا الخصوص، مع تعليقاتي الخاصة في المدونة باللون الأحمر:

"بخصوص الدين: نعم، كان أحد تخصصاتي الفرعية (الآخر هو تخصص التاريخ، بينما تخصصي الأساسي هو تعليم اللغة الألمانية كلغة أجنبية) ولطالما أحببت الإسلام منذ الوقت الذي قرأته فيه عنه في حصص المدرسة (مادة اللاهوت الكاثوليكي)، وأكثر بعد زيارة المساجد الجميلة في تركيا، ودمشق، والقاهرة، وباكستان. من المؤسف أنه لا يسمح للـ"كفار" (كتبها فعلياً باللغة الانقليزية بين علامات تنصيص، هذه الكلمة تستفزهم كثيراً) في المملكة. وأني أكبر من أن أتذكر دعاء أو دعائين باللغة العربية.
أياً كان من قال: "التقليد ليس بالحفاظ على الرماد إنما بتمرير الشعلة" كان صادقاً. وأجد أن فكرة الحفاظ على أي دين "قديم" على الحالة التي كان عليها في البداية قبل أكثر من ألف سنة (أي قبل الثورة الصناعية) ليس فقط أمراً مستحيلاً، ولكن ......... (اختر أي صفة سلبية تريد)-(هذه كانت عجرفة، ووقاحة بيّنة)
ولكن الحفاظ على الجوهر والعمل بالمبادئ الأساسية هو شيء يستحق التجربة- وهو أمر مفتوح لنقاشات لا نهائية لأن الحياة غير ثابتة إنما متحركة، وإذا كان الله حياً، فهو إذاً لا يمكن أن يكون ثابتاً.
وأرفض أن أصدق بأنه من الممكن أن يكون قاسياً، أو خائفاً من التغيير، أو مهتماً بالشكليات- أو في حاجة للتبجيل المتواصل.

ولكن بالطبع أنا اؤمن بوجود واحد (وضعها بأحراف كبيرة) فقط يستحق التبجيل، وأعتقد أن محمد (عليه السلام) (معتاد على قول هذا دائماً) كان نبياً."

انتهى رأيه بالأمر هنا. ولا يلزم إيضاح أني شعرت باستفزاز كبير تجاه رؤيته لله وإسقاط رؤاه لنا في مقارنة مع ما يعتقده عن الله سبحانه، في انتقاد غير مباشر، لكن واثق، ولاذع، وربما حاقد على ما يبدو.

جاء ردي علي موضوع الدين طويلاً، بينما تكلمت عن الأمور الأخرى، الموقع، وتعليقي الذي سأل عنه، على نحو مختصر.
ردي على موضوع الدين:
"فيما يخص الدين. حسناً، لم يكن كل ما ذكرت صحيحاً. أنت هنا، الكثير من غير المسلمين هنا، كيف لا يكون من المسموح للكفار التواجد هنا؟(استخدمت كلمة الكفار التي استخدمها) . أن يكون لدينا آخر دين سماوي والوحيد الصحيح، كما نعتقد، لم يأت كشيء ليقال فقط، وبلا اثبات، وبلا خطط من الله. نحن نؤمن بأن الإسلام هو الدين الوحيد الموجه لكل الناس، ولكل الأوقات، لأسباب. أحياناً، تطبيق الإسلام بالطريقة الصحيحة يفشل، بسبب الناس، ليس بسبب خطأ فيه، لأنه دين متأقلم، ليس كالنصرانية، التي لم تنجحوا إلا حينما أوليتموها ظهروكم، لأن وقتها مضى وصلاحيتها انقضت. لقد أعلى الإسلام من شأن الناس هنا(والعالم بالتبعية) لوقت أطول مما قامت به النصرانية، وعندما ضعف إيمان الناس، وعندما حاولوا إتباعكم مثلما حدث في تركيا على سبيل المثال، فقدوا الكثير من الأشياء التي كانوا فخورين بها.
غني عن القول أن المبادئ والشكليات هي أمور مهمة بنفس الطريقة. لا يمكنك أن تؤمن بالله دون أن تحترمه، ولا يمكنك عبادته بدون الصلاة إليه. الشكليات هي رموز للمبادئ. كيف لك أن تعرف ماذا يريد الله؟ هل ستغامر في مخيلتك، وتقول الأشياء بالنيابة عنه؟ إن كنت تؤمن بالأنبياء، يجب أن تصدق ما يقولون، وكيف يوجهونك للتفكير بالله، وكيف تثبت التزامك بمعتقداتك، بالفكر، والشكليات.
في الإسلام، نؤمن أننا خلقنا لسبب؛ لعبادة الله، وهذا يشمل التسبيح والتبجيل، ولتحمل مسئولية الأرض، وتطوير أنفسنا وعالمنا. نصف هذا يحدث الآن، النصف الآخر كان يحدث لزمن، ولا يزال طموحاً.
التقاليد، إن كانت متماشية مع المبادئ، فهي لا تضر. لا يحتاج الناس حول العالم للتفكير والعيش بطريقتكم. القسوة يمكن أن ترى منذ زمن بعيد صادر عن الآخرين، وليس المسلمين، ولكن يبدو أنها تسمى بأسماء أخرى هذه الأيام، مثل أمن الدول الغربية، والنجاح، وهي ليست كذلك. مشكلة قومك بشكل عام هي أنكم لا تستطيعون  أبداً تخيل مفاهيم مختلفة لنفس الأشياء، ولا تستطيعون فهم الاختلافات، ناهيك عن احترام، احترام بصدق، هذه
المفاهيم، وليس فقط ادعاء ذلك. تطالبون بالتسامح حينما تظهر التناقضات، وأن تسمع أفكاركم. ولكن كل ما تعطونه بالمقابل، حينما يحين دور الآخرين، هو الاحتقار، والتشكيك. لا، شكراً، لا نريد أن نصبح هكذا، لا نريد أن نتطور بنفس الطريقة. ولكن هل بمستطاعكم فهم هذا؟ ليس أنت يا فلان، لكن كل قومك. رغم أني رأيت سوء الفهم في كلماتك.
الإسلام متغير، منذ بدايته، ويوجد آليات للتأقلم. تحتاج إلى قراءة المزيد عنه.
قد يكون لدينا أخطاء هنا، لكننا لسنا مخطئين في كل شيء، وبعض الجوانب صارت تتحسن. على الأقل، العادات المستقاة من الإسلام، والتمسك الشديد بالإسلام، رغم سوء التفسير في بعض الأحيان، قد حفظتنا من مشاكل أخلاقية على نحو أفضل من الآخرين. نحن نفهم هذا ونقدره بصدق، وواعون لما يمكن أن يحدث لو فقدناه، لأننا نرى أمثلة، فالحياة ليست فقط ثراء، وعلم، ورغد العيش، يوجد بعض الأمور التي يجب أن تحاولوا تعلمها منا، بنفس الطريقة التي نسعى بها للعلم هناك. لا يمكننا الحفاظ على هذه الأمور بالاستماع لأفكارك وتجريبها، فعندها لن نكون مختلفين عنكم، وسنكون أسوأ، لافتقارنا للثراء الدنيوي الذي لديكم.

ليس من المعتاد رؤية نصراني يعتقد باستحقاق واحد للتبجيل، على الأقل بالنسبة لتجربتي.

كانت قراءة أفكارك حول الأمور مثرية، صدقاً يا فلان.

المخلص
سعد."

بعد هذه الرسالة، شعرت بالحيرة تجاه علاقتي به. أعلم بأن هذه أفكار معتادة لديهم، لكن من غير القبول التدخل السافر هكذا، والانتقاد الحاقد الوقح. كنت مرتاحاً بأن رأيت كيف يفكر بوضوح، وأن اطلعت عن قرب على نموذج من فكرهم الذي ينعكس على حياتنا، حيث يمشون بيننا طوال الوقت، نبتسم إليهم، نصادقهم، لكن لا نعرف بالعادة إن كانوا يتبنون هذا الفكر المتعالي بهذه السرعة التي عرفت بها.
لعل حقده كان زائد عن الحد، ولعل عادته بكثرة التحدث وعدم الحذر قادته إلى الكتابة دون تفكير بمشاعري.

كنت أتوقع أن يصدم بردي على أي حال، وكنت أتوقع رد على بعض العنف. لكن ما جاء هو:

"عزيزي سعد.
أفضل امنياتي لك، وشكراً على الرسالة الطويلة- سأقرأها بانتباه أكبر بعد قسط من الراحة ونومة جيدة خلال الليل- إن شاء الله- 
لكني أريد فقط أن أقول:
أ - أنا بالتأكيد لم أرد أن أقول أي شيء سيء أو مهين عن الإسلام، العرب، أو عنك. وأنا لا أفكر ولا أحمل في سويداء قلبي أي سوء تجاه هذه الأشياء الثلاثة !!! وعليه، أعتذر عن أي تعليق قد يبدو سيئاً (الآن وفي المستقبل).
(ثم شرح وجهة نظره عن إمكانية سوء فهم الناس لبعضهم، وأعطى مثالاً (بأنه كان يقصد أن غير المسلمين غير مسموح لهم بدخول المساجد هنا، أو هذا ما يعتقد، فهو لا يريد أن يخرق القوانين)، وهذه إشارة إلى أني فهمته على نحو خاطئ حينما قال بحماس بأن الكفار غير مسموح لهم بالمملكة. لكن، ألا تلاحظون بأنه الآن لم يستخدم إشارة "الكفار"؟ أعتقد بأنه أراد أن يلطف الجو، ويتخلص من هجومه المبطن. عموماً أنا لا أريد أن أترجم ما قال لأني لا أريد إيضاح هويته. 
ثم بعد ذلك، ترك الموضوع كلية، وتحدث عن معرض الكتاب، طالباً ايضاح بعض الأمور مثل المكان)

أراك لاحقاً!"

انتهت رسالته، ورددت عليه شارحاً بخصوص مكان معرض الكتاب، أين هو وأين كان. تبادلنا رسالة عادية او اثنتين بعد ذلك. واتصل بالهاتف ليخبرني أنه في المعرض إن كنت أستطيع الحضور والتجول معه. لم أكن سأذهب في ذلك الوقت.

انتهت الرسائل، وهي جائت سريعة، ولكن جذرية تجاه علاقتنا. لم يكن علي إبعاد العاطفة وأنا أفكار وأقلب الأمر، فقد شرحت في التدوينة السابقة، في دعايتي لهذا الأمر، أني لا أعتقد بأنه يكن تقدير شخصي تجاهي، وأني بالواقع لا أشعره بالراحة لسبب أجهله، أرى هذا بوضوح منذ زمن طويل. لم أقرر إنهاء العلاقة، لكني لم أعد أشعر بالراحة بدوري، وكرهت إهاناته المبطنة. كنت آخذ تعليقاته بحسن نوايا بالسابق، لكن شعرت بأنه لم يكن يجدر بي. حينما تكلمنا بالهاتف، بعدها مرة أو مرتين، تكلم بإحداها عن زوجته، وأنه ستزعجه لو تأخر، ثم قال بأنه يتمنى لو كان قد تزوج سعودية حتى تكون هادئة ومطيعة ولا تقول شيئا، لم أضحك على المزحة، فقط صمت، فاعتذر قائلاً بأنه لم يقصد.
بعد فترة قصيرة، حضر إلى قسمنا لإجراء معين، سلمت عليه وساعدته. ولكن بدى على حضوره الذهول، أعتقد بأنه كان يعاني من صدمة تجاهي، صدمة نفسية. كان مشتت قليلاً، هادئ على غير المعتاد، وشاحب جداً كذلك. وكان يواجه صعوبة في كبح طبيعته غير الحذرة، وهو أمر يقدره في نفسه بوضوح مهما بدا مزعجاً للناس، و يواجه صعوبة لاضطراره للخوف من ردة فعلي.
لديه طريقة يحاول أن يستفز فيها الناس على ما يبدو، وهي الحكم عليهم. تحدث عن رسائلنا، وقال بأنه يعد رسالة أو رسالتين لي، ولكنه يعدها بحذر لألا يقول بأني مخطئ أو مصيب، قاصداً في ذلك تمديد الحوار. لم أعلق، ولكني أبغضت استمرار المراسلة، لقد أوضح وجهة نظره، و أوضحت وجهة نظري، إذا هل يريد أن يجادل فقط؟ خصوصاً أن لهجته لم تكن من النوع الحواري. تكلم عن نظرية صدام الحضارات، وسألني إن كنت أعرفها، وأعرف الكتاب الذي يتحدث عنها؟ قلت بأني سمعت عنه ولم أقرأه. شرح بأنه يتكلم بالصدام الحتمي والقائم بين الغرب والشرق، أخبرته بأن هذا ما يجري الآن، وإلا لماذا يأتون هنا ويشيعون الحروب ويدمرون. صمت، وقال بصوت خافت بأنه في حال الصدام فسيشعر بالأسف كثيراً على الشرق. هل سيشعر بالأسف حقاً؟ فعلاً، في حال الصدام، نحن الطرف الأضعف، بل إن الصدام قائم، في العراق وأفغانستان وفلسطين، ونحن يؤسف علينا بالفعل.  قال بعد ذلك مبتسماً بأني ربما لدي نفس النظرية، نظرية صدام الحضارات، أعتقد بأنه كان يحاول استفزازي، لكني قلت بأني لا أدري، فأنا لم أقرأ الكتاب لأخبره. ثم قال بأسلوبه المرح المعتاد، وكأنه يتآمر معي: "إذا دعنا نحن نظل أصدقاء". يعني في حال الصدام والعداء. لكن ما فعلته هو أني رفعت كتفي فقط، معبراً عن عدم ثقتي، وعدم تأكدي من الأمر. كان رد لا ينتظره بكل تأكيد، وقد صدم حقاً، إلا أنه نظر إلي بطريقة معاتبة على نحو غير جاد، هزلي، فضحكت. لا يجب أن تنتهي العلاقات بالغضب دائما. كانت صدمة مضاعفة على ما يبدو. تمنى لي الصحة والعافية، وغادر بعدما انشغلت بمراجع آخر عنه.
باستثناء صدمات المواقف، لا أعتقد بأنه عانى من شيء، ولا أعتقد بأنه شعر بالخسارة. 

حينما أخبرت أختي الكبرى بأمر الرسائل وترجمتها لها، اعتقدت بأن ردي عليه متزن وواضح. أخبرتها لاحقاً بما جرى في القسم، حينما رفعت كتفي في عدم ثقة. أنّت بحسرة وألم، وقالت بأن هذه خسارة، أن وصلت الأمور إلى هذا الحد، بعدما دعوته للمنزل سابقاً وكانت العلاقة جيدة. أخبرتها بطبيعة الأمور، ووضع الدعوة، وشخصيته، وما أعتقده من عدم ارتياحه لي من الأساس. قالت بأنها تتفهم هذا، لكن بدى لها أن الأمر مؤلم بعد الود السابق.

قد لا يرى أحد مبرر لما جرى، وقد يعتقد بأن هذه هي وجهة نظره، لكن لا يجب أن ننسى بأن هذه وجهة نظري بالمقابل. أعلم بأن الغرب لديهم اسلوب حياة ومفاهيم مختلفة، لكن لم يدعهم أحد للتخلي عنها، بينما هم لا يدركون هذا، ويريدون تعليم جميع الناس كيف يجب أن يعيشوا حياتهم. يريدوننا أن نكون مثلاً مسلمين بلا إسلام. وأنا لا يعجبني أبداً اسلوب تعليم الناس كيف يجب أن يعيشوا. لم يذهب إليهم أحد ويقول لهم: توقفوا عن الزنى، توقفوا عن اللواط، توقفوا عن قبول هذه الأمور، توقفوا عن الخمر والخنزير، توقفوا عن العقوق. إن ما يقال لهم هو: أسلموا. يسلم من يريد، ويفعل ما يشاء من لا يريد.

لماذا لا نتيح نحن أيضاً لأنفسنا التعبير عما يجول بخواطرنا بوضوح؟ ما نعتقده عن الآخرين كما يقولون لنا ما يعتقدونه عنا؟ لماذا نحاول قدر الإمكان مسايرتهم، وإعطائهم مساحة من الإنتقاد لا يعطوننا إياها؟. تناقشت ذات مرة مع أمريكي عبر الانترنت له زيارات للسعودية. وكان ينتقد المجتمع وأمور كثيرة، رددت عليه بأني لا أوافقه، وبأن ما يقوله غير صحيح، وتكلمنا في الأمر. علمت لاحقاً بأنه أعجب بي بسبب هذا الموقف، وأخبرني بأن السعوديين بالعادة يوافقوه، ولا يخالفون أبداً. إن إطاعة الآخرين بآرائهم، دون إبداء مبرر لهذه الإطاعة، هو ضعف.




ذهبت قبل قليل إلى العزيزية مول، لرؤية مكتبة  جديدة ذكرت لي. قبل أن أصل الدرج الذي يصعد بالناس إلى السوق، مر شاب ملتزم، ومعه كيس أغراض، خارج من السوق. حينما وصلت إلى الدرج، أوقفني حراس الأمن، قائلين بأنه للعوائل فقط، أخبرتهم حالفاً بأني أريد المكتبة فقط. ولكنهم رفضوا. قلت بأن مطوع قبل قليل خرج من السوق وهو لوحده، هل من المسموح للمطاوعة دوناً عن بقية العزاب الدخول؟
قال نعم. وهو يحاول أن ينهي المحادثة المحرجة.
سألت وأنا أقص الهواء باصبعين: يعني المطاوعة ما لهم "عضو"؟
قال بأن هذه أوامر، وهم ينفذونها فقط. سألته إن كانت الأوامر تستثني المطاوعة فقط؟ أكد لي ذلك. وبالواقع، ليس أول حارس أمن يخبرني بنفس التعليمات الدقيقة.

من يعرفني، يعلم بأني بالأساس لست ضد المطاوعة، وكنت أفضلهم للصداقة. لكن، ليس في مثل هذه المواقف. لقد سئمت سوء الظن فقط لكوني غير ملتحي، لقد سئمت التهمة الرسمية التي تطاردني وباقي الشباب النظيف. وقد سئمت افتراض الفضيلة والكمال في المطوع فقط لكونه يطيل لحيته. مع العلم أن هذا ليس دليل على ما في القلب، ونرى ونسمع، فهم مثلهم مثل كل الناس يخطئون ويصيبون، فيهم الصادق وفيهم الكاذب، فيهم المستقيم، وفيهم المنحرف. من يدخل القلب؟ وهل اللحية تربى لأجل الناس أم لأجل النفس، حتى تتخذ بطاقة تسهيلات ومرور؟. يقاوم المرء بصعوبة العداء المتنامي تجاه المطاوعة كي لا يجرفه، لكنهم لا يساعدون، لأن الكثير منهم، بمن يسيّر منهم ويقرر بعض الأمور التي تمس حياة الناس، أغبياء. 
لم أكن لأغضب لو كان الأمر يطبق على كل الناس، كل العزاب، طالما لم يخضعوا لفحص لرجولتهم، يجب أن يطبق عليهم ذات الإجراء. لكن أن ترى، ويرى الناس، مدى سوء ظن دولتك، ومجتمعك بك، فإنك لا تملك سوا القهر والكراهية في نفسك تجاه من تسبب بهذا. 
بسبب عملي، وطبيعتي، أخالط الكثير من الأجانب، ومن يأتي على ذكر الأمر، يجده مثير للسخرية، سوء الظن بمعظم الشباب السعودي دوناً عن غيرهم. هذا يبعث للناس رسالة خطيرة.
كنت قد دخلت في حوار قديم مع مطوع، صديق لشخص كان صديقي. وكان مزهواً بمنع الشباب، مسيء للظن فيهم، بينما يعترف بلا مبالاة بأنه لا يرد عن الدخول للأماكن المخصصة للعوائل. كان هذا حسن ظن بالذات، وبالأقران، مثير للقرف، والأسف كذلك. كان حواراً حامياً، تسائلت فيه لماذا يساء بي الظن لأني غير ملتحي؟ وصراحتي بالطرح، أغضبته، وضايقته جداً. وهو شيء متوقع، لأن أمثاله أنانيون، يفترضون أنهم سينالون الدنيا والآخرة دوناً عن غيرهم، الذين لا يستحقون، لأنهم لا يربون اللحى ببساطة. 

لا زلت أحتفظ بتقدير للكثير ممن أعرف من المطاوعة، ومن أسمع عنهم من المشائخ، لكن في هذا الموضوع، بكل دلالاته المحبطة، لا يمكنني التحمل، وهو موضع احتجاجي.






مرت إجازتي سريعاً هذه المرة. إنها اسبوعين، والآن أنا في يوم الأحد، من الأسبوع الثاني. ليست كالإجازة الفائتة، التي كانت اسبوعاً، ولكنها بدت طويلة. لكن على أي حال، أجد نفسي مرتاحاً نوعاً ما، أجد أن الأمور الملحة التي كانت تقلقني قد خفت، وإن لم تختفي. لا زلت أشعر بقلق مستمر، وانقباض بالنفس، لكن مع ذلك، الوضع أفضل، ربما بنسبة 70%، وهذه ليست بالنسبة القليلة. ماذا بوسعي عموماً أكثر من هذا... فكرت بالذهاب إلى المدينة المنورة، ولكن شيء ما ردعني باللحظات الأخيرة، وجعلني أحجم، رغم حماسي الأول. كان هذا للأفضل، حيث أنه ظهرت مشاغل لهذا الأسبوع لم أكن أعلم عنها. سيكون هذا تحضير لعودتي للعمل، بعد اسبوعين من نسيانه، إلى حد ما.




وصلني تعليق على تدوينتي الفائتة، لم أنشره، وهو يقول: أحمدك يا ربي وأشكرك. حينما يقول الناس هذا بشكل عام، فهم يتخيلون بأنهم يوجهون إهانة. تسائلت إن كان قد ضيع وقته بقراءة كل ما كتبت، حتى لا يجد سوا هذا ليقوله؟ أم لم يقرأ شيء، ولكنه وجد ما لا يعجبه مع ذلك؟. أم قرأ القليل، ولم يعجبه، ولم يتساءل عن الباقي. عموماً، تصورت مباشرة أنه قد يكون مراهق صغير من المنتدى الذي أضيع وقتي فيه كثيراً في الفترة الأخيرة.



أعتقد أنه يجب أن أعود إلى المنزل الآن. كنت أشعر منذ أن كنت طالب في الجامعة، أني أعود إلى سجن كل يوم.






أتمنى لو كانت حياتي كالمناخ، يستجد فيها جديد، ولو بعد حين، شهور صحو وقيظ، شهور غمام وبرد، ولكن، تمر أيام ماطرة، ونباتات تصارع الأرصفة.

ماذا بوسع المرء أن يفعل؟ لا أحد يكتب قدره.



حصلت على هدية بديعة قبل أيام، هدية من الصين. كيف يبدو الأمر، حينما أقول: من الصين؟ إنه يبدو لي مثيراً جداً، حيث يحتمل الأمر جانب معنوي كبير، وروح مرتبطة بالغرابة والثراء الثقافي بنفس الوقت. بينما كان ليبدو روحانياً لو قيل: من الهند. رغم أني بالواقع لم أحصل على هدايا ملهمة من الهند مع الأسف. 
الهدية التي حصلت عليها من الصين جائت من الصينيين الذين دعوتهما إلى المنزل قبل فترة طويلة الآن. الهدية عبارة عن شاي ياسمين بتغليف جميل، وطقم أدوات الشاي الصينية التقليدية. هدية بديعة جداً، جداً. 
الأدوات عبارة عن ابريق فخاري، بالتصميم المألوف، سوى أن في جوفه، في فتحة عنقه، يوجد ما يشبه المنخل أو المصفاة، لتصفية الشاي من الورق. وابريق آخر بلا غطاء، من نفس المادة، جميل الشكل، ربما يشبه أباريق الحليب بأطقم الشاي الانقليزية، يصب فيه الشاي حينما يجهز من الابريق الأول، مصفى من الورق، وستة فناجين بالغة الصغر، من نفس المادة أيضاً. شرحوا لي الأصدقاء الصينيون كيف يتم الأمر. توضع الأوراق في الابريق الأول، يصب عليها الماء الساخن، يترك لدقيقة، تزيد أو تنقص، ثم يصب في الابريق الآخر، مع ملاحظة وضع الاصبع برشاقة فوق غطاء الابريق الأول، كما رأيت في فيلم ديزني: مولان. حينما عرضوا علي هذه الحركة، قلت أنه كان يجدر بهم إحضار زوجة صينية لي مع الطقم، لتعد الأمر بشكل صحيح، ضحكوا. هم يشربونه في الصين بلا سكر، وهذه معضلة، فهو يصبح شديد المرارة كالعلقم. حينما أعدت أختي لنا منه، كانت رائحة الشاي بديعة، تخلب اللب خلباً، فهو بالفعل شاي ياسمين كما قالوا. عند شربه بلا سكر يصبح الأمر كالعذاب، فبجانب الطعم الجميل للياسمين، يوجد طعم آخر يسهل الإحساس به على نحو منفصل، وهو طعم مر منغص للتجربة. بإضافة السكر، يصبح الشاي لا مثيل له.
هذه هدايا لا يستلم مثلها المرء في كل مرة.





اشتريت جوال جديد أخيراً. وهو لا يضم أهم طموحاتي في جوال، لكن لا بأس.
الجوال هو سامسونق سبيكا، جوال اندرويد، وهذا شيء كنت أريده في جهازي. أنا من عشاق سامسونق، تلفازي منها، مشغل الصوتيات منها، جوالاتي السابقة، معظمها، منها. يعتبر بطبيعة الحال من الجوالات الذكية، التي تشبه الحواسيب، ذات الأسعار المرتفعة بالوضع المعتاد (باستثناء القديمة، أو البلاكبيري الفئة الأقل). لكن جوالي هذا، مقارنة بمميزاته، و جدّته، سعره منخفض إلى حد غير معقول. اشتريته بـ 1274 تقريباً، وذلك لحصولي على خصم 25 ريال من كشطي لبطاقات سامسونق، حظ يفلق الحصى. اشتريت اللون الأبيض، الذي لم أتوقع نزوله بسرعة، كما حصل مع موديل سابق لسامسونق. الجهاز، في رأيي المتواضع، جميل على أقل تقدير بلونه الأسود، الرسمي أو الدارج، وجميل بشكل استثنائي بلونه الأبيض الذي اخترته. 
كما قلت، الجهاز يعمل ببرنامج تشغيل قوقل؛ أندرويد، النسخة 1.5. وهي نسخة قديمة نسبياً الآن، مع أنه بصراحة أمر لا يهمني كثيراً، صحيح أني أفضل النسخة الأخيرة 2.1، لكن مع ذلك، مستعد للتضحية لأجل عدة عوامل، كما ضحيت بعدة شروط، مثل لوحة المفاتيح، والكاميرا القوية. لوحة المفاتيح الجيدة تتواجد في أجهزة موتورولا، وهي لا تأتي هنا، والكاميرا الجيدة لم أرها على جهاز أندرويد من النوع الدارج، سوا من الأجهزة الغالية، وأنا ليس لدي استعداد على نقد مبالغ قد تصل إلى 2500 ريال أو أكثر واستخداماتي لا تبرر الأمر. تميل الأجهزة الذكية للنزول بأسعار مرتفعة، ورغم أن نظام اندرويد مجاني، إلا أني لا أرى تأثير مجانيته على السعر بشكل عام. سألت عن كاميرا هذا الجوال، في منتدى متخصص بالجوالات، سألت شخص يبدو فاهماً بالأمر ويملك الجهاز، وسألته المقارنة بين كاميرته وكاميرا الآي فون، الذي رغم ضآلة الميقابيكسل، تلتقط صوراً ممتازة إلى حد صادم برأيي، وهذا يعود على ما اعتقد إلى الهندسة الجيدة، والـ ISO ربما. أخبرني الرجل بأنه يملك آخر اصدار من الآيفون كذلك، ويجد كاميرا هذا الجهاز الجديد أفضل من كاميرا الآيفون. قررت الشراء، ودفعني أكثر مفاجئة جديدة ورائعة من سامسونق، هي أنها سترقي نظام هذه الأجهزة من 1.5 إلى 2.1!!! مثل الأجهزة الغالية، والقوية. هذا شيء مغر بحق، بهذا السعر البخس. أمر لا يصدق.
لم أرقي الجهاز حتى الآن، رغم الامكانية، حيث أني أنتظر التحديث الرسمي ليصل إلى منطقتنا، فسامسونق تدفعه بالتدريج على مناطق العالم، وقد بدأ في ألمانيا، على نحو لا أفهمه، لعل ألمانيا أكبر أسواقهم؟ مع أني سمعت عن رواج أجهزتهم في أمريكا. التحديث سيحسن حتى الألوان التي تعرضها الشاشة، وخيارات الكاميرا، والاستجابة والواجهة. رائع.
مفاجئة غير سارة، كانت في أن الجهاز لا يحتوي على سوق البرامج الرسمي، ولكن ربما سينزل مع التحديث، وإن لم ينزل يوجد طريقة غير رسمية لإنزاله على حد علمي. أستفيد من أسواق أخرى، يوجد بها العديد من البرامج المجانية الممتازة حالياً.
كالعادة، وجدت صعوبة في إعدادات رسائل الوسائط والانترنت، حيث أن العمة موبايلي لا تهتم كثيراً بسامسونق كالعادة. بعد بحث، وجدت الإعدادات في موقع سامسونق السعودية، وكان الأمر بسيط وجيد، وهي تعمل الآن.
أجمل ما في نظام أندرويد أنه يتيح لك الفرصة للبقاء على اتصال باستمرار بتطبيقات قوقل، ويزامن بينها، حيث يطلب الجوال تسجيل حسابك(بريدك في الجيميل) فيزامن ويعرض لك رسائلك فور وصلها عند وجود اتصال بالانترنت، سواء بالواي فاي أو عن طريق شبكة الجوال. فوجئت حينما أعددت الانترنت بدكتور بالجامعة يحادثني عبر برنامج المحادثة الخاص بقوقل. أعتقد أني سأشترك بالقليل من الميجابايتات للتوفير، لأجل البريد والمحادثات حينما أريد. 
أنصح الجميع بالحصول على جهاز متقدم تقنياً، فهو يساعد كثيراً بترتيب الأمور والتواصل.
لكني لا أنصح بالتبذير طبعاً، ولا المبالغة فيما لا يستفيد منه المرء. فإن لم يكن هناك فائدة ترجى من هذا النوع من الأجهزة، فالأجدر أيضاً التنازل عن الأجهزة المعتادة لأجل أجهزة أرخص، فحتى الأجهزة التي يشتريها الناس بالعادة مكلفة دون أن يستفيد المستخدم من ميزاتها على نحو معقول. 
أواجه مشكلة مع الجيل الثالث، لعلها تحل مع التحديث، وأنا استغني عنه على أي حال، لأن الجيل الثاني أوفر للبطارية.
الجوال أدائه مقبول، أحياناً ممتاز، أحياناً لا. يفصل الشبكة في بعض الأحيان بلا سبب، ولكن هذا نادر. لهذا أخذته إلى الوكالة، حيث لم أرى غيري بالمنتديات يشتكي من نفس المشاكل. قالوا أنه سيعيدون تهيئته إن شاء الله.



الاثنين جميلين، لكن الأبيض مع اللمسات الخضراء جميل جداً في رأيي.




يبدو أني بالغت في نظم القصائد والخواطر في التدوينات الأخيرة.




بعد يومين أعود إلى العمل. لا أشعر باشتياق، لكني لا أحمل هماً. ربما لا يطول بقائي على رأس العمل عموماً.





يبدو لي أن الدرامي، زميل درامي في العمل أتيت على ذكره في التدوينة السابقة، تكشف عن كراهية شديدة تجاهي لا أدري ما سببها. أنا لا  أرتاح إليه، ولكن أمره لا يهمني، فلست أتعامل معه، ولا أكرهه بصراحة، إنما أفضل عدم التعامل معه، وقد ظننت أن العكس صحيحاً، ولن يتجاوز الأمر هذا الحد. لكن، لن تكون دراما لو توقفت الأمور عند هذا، أتصور بأن هذا ما هداه إليه طبعه. قبل يومين، وبينما أنا أقف بينه وبين زميل آخر. طلب الدرامي من ذلك الزميل ورقة من أوراق مفروزة حسب حاجة العمل. كنت أقرب إلى الأوراق وإلى الدرامي، فقررت أن أعطيه الورقة بنفسي، وألا أشغل زميلنا المشغول. كان يقول: يا فلان، عطني الورقة الفلانية الله لا يهينك - مددت يدي في هذه اللحظة لأخرج الورقة- أو، أنت يا.... أياً يكون!!. قال هذا حينما مددت يدي لإخراج الورقة. لم أقل شيئاً، أعطيته الورقة فقط. وأنا أفكر، هل كانت وقاحة منه أم أنه نسي اسمي بالفعل؟ وحتى لو نسي اسمي، تظل وقاحة مقصودة أن يكلمني بهذا الأسلوب الرديء. حينما ذهب المراجعين، سألته مبتسماً، بهدوء: فلان، هل نسيت اسمي؟. يبدو أنه لم يتوقع السؤال، أجاب بأنه لم ينسه،"وش دعوى"، سعد الله يسلمك. انتهى الأمر عند هذا الحد. ولكني شعرت بأني سأعاني مستقبلاً، حتى حينما أعزل نفسي بقدر الإمكان. 
في اليوم التالي أو الذي بعده، مر بين المكاتب التي تحوي مكتبي، وقال بصوت يسمعه الجميع: والله يا بعض الناس زابنين هنا، لا شغل ولا مشغلة!!. أعتقد بأنه يقصدني. لم أجب. يبدو أن لديه سوء فهم لوظيفتي، ربما يتخيل بأنه يتوجب علي أن أقف معه ومع الآخرين في الاستقبال، بينما أنا بالأساس لست موظف استقبال، ولم يتم قبولي بالقسم على هذا الأساس، ولم يكن هذا عملي الأساسي، إنما أنا مترجم، بصراحة، ببطاقتي وتعييني. ما يجب أن يكون، هو أن يتم استدعائي عند الحاجة إلى الترجمة الشفهية، أو ترسل إلي الأوراق في مكتبي لأترجمها. أما حينما أقف بالاستقبال دون أن يناديني أحد، فهو تطوع أقوم به أحياناً، أو حينما أمر وأجد من يحتاج إلى مساعدة. لكن الدرامي يتخيل بوضوح أني مقصر، وأترك العمل بالاستقبال له بما أنه يتحدث اللغة. ولكنه لا يفهم بأن لديه مزية أخرى فوق اللغة، أن عمله هو معرفة الاجراءات وشرحها للناس، وكونه يعرف اللغة الانجليزية، فاستخدامها يرجع إليه، أما أنا فعملي اللغة الانجليزية فقط، وليس الإجراءات، ليس استلام المعاملات أو شرح ما يجب القيام به.
إني لا أكرهه حتى الآن، لأني لا أعرفه، وما يقوم به الآن هو ما يبني لدي الانطباع الذي سأنظر إليه على ضوءه. إنه يعرض الآن أخلاقه، وتربيته، وأتصور بأن توجيهه للإهانات إنما هو إهانة لنفسه بالمقام الأول.



هل تعرفون ما أكثر ما يخيب ظني، ويجعلني أكره مدونة، أو أقرف من مدون؟ بالواقع، يحدث هذا مع أكثر مدونات العرب.
يوجد السبب في الصفحة التعريفية، حيث يتوقع المرء أن يجد شيئا مفيداً عمن يقرأ عنه. لن يكون لدي أي خلاف لو ذكر المدون عمره واختصاصه أو من أين يأتي أو أي شيء بسيط. لكن ما اقرف منه حقاً هو اصطناع الغموض، وصبغ الذات بصفات مبالغ فيها لا قيمة لها لأنها ببساطة تحتاج إلى إثبات، والإثبات يفترض أن يوجد بالتدوينات، وحينما يوجد بالتدوينات فلا حاجة لذكره بالتعريف، حتى لا يفقد مصداقيته. لو كانت صفات بسيطة، ومعقولة، وقليلة، لبدا الأمر كإعطاء فكرة بالفعل ولا بأس به، لكنها تتعدى هذا غالباً. والذي يثير قرفي أكثر من هذا، ويجعلني غالباً أقفل المدونة بغثيان، حينما تجد أحدهم، وهي موضة دارجة جداً جداً للأسف، يختلق الأسئلة عن نفسه فقط لكي يتفاداها! يناور ويتحذلق ليتهرب من سؤال وضعه هو. يبدو الأمر مصطنعاً وثقيلاً على النفس. 
لماذا لا يكون الأمر بسيطاً ومعقولاً؟ العمر والاهتمامات والمكان وربما المهنة، وأشياء من هذا القبيل، والمنجزات على شكل قائمة، مثل كتباً أو مقالات كتبها، وقوائم لما يفضل إن أراد، وربما وصلات لأماكن تواجده الأخرى.
أحياناً، يوضع في هذه الصفحة ما يشعر القارئ بأن الكاتب غير موجود بالواقع، أنه يعيش على هذه الصفحة، أو في كتاب خيالي، وهذا أمر لا يروقني كذلك.
الإناث هن أغلب المدونات هنا، الكثير منهن يقعن في هذا الفخ، ولكن بعضهن لا يقعن فيه، أما الذكور، فهم يقعون في رأيي بهذه الأخطأ أكثر من الإناث بمراحل. أعتقد بأن هذا راجع إلى أن تنوع مستوى الإطلاع بين الإناث أكثر بكثير من تنوعه لدى الذكور هنا.
وأذكركم بأنها تعتبر أخطاء بالنسبة لي فقط، كقارئ وباحث عن المدونات الجيدة. وهذا رغم أن هذه الملاحظات سلبية بالنسبة إلي، قد تكون إيجابية لدى الآخرين، وربما إيجابية لدى كل الذي يستهدفهم هؤلاء المدونين، لكن بالتأكيد، لا أتصور بأني أستهدف نفس الأشخاص.




قرأت رواية لكاتب سعودي مؤخراً، اسمها: بين جدران الكهف، والكاتب اسمه يحيى خان. وقد رأيت أنها الثانية أو الثالثة له، وقرأت أنها مختلفة عن الطابع العام للرواية السعودية في مكان ما. تدور أحداثها بين سويسرا والسعودية. حول شاب متزوج، وأب لطفلين، يذهب إلى سويسرا في رحلة عمل. طبعاً وسيم لكن بدون تحديد أو دليل يربط القارئ ويساعد مخيلته، ولا يهم مدى تعبير وجهه أو ما يوحي به، لكن المهم هو؛ أن شعره ممشوط إلى الخلف، ككل الشخصيات الذكورية الجذابة في الرواية!!. ولا أدري ما السحر بالأمر، وما أهميته طالما الجميع يمشطون شعرهم بنفس الطريقة. والبطل نمطي جداً، بل إنه مثير للسأم، وأحياناً للغيض بسبب برائته الزائدة عن الحد، التصوير الذي يستخدم كثيراً للشباب السعودي الصالح، وهو غبي، ويتوقع الكثير من الآخرين كذلك، مثلما حينما طلب إغلاق مداخل مطار العاصمة لأن حقيبته سرقت!!. وهو اتكالي، ويحتاج إلى الآخرين على نحو ممض، وسطحي. يفترض أنه رجل صالح نموذجي، طيب ومثير للتعاطف في ظروفه الغريبة، لكنه لم يثر إلا قرفي. يتعرف على فتاة سويسرية شابة، جميلة ومهذبة، وكما يتوقع أي سعودي يتحدث لغة أجنبية بطلاقة، تقع الفتاة في حبه دون أن يقصد، بسبب القيم الدارجة في شخصيات السعوديين الصالحين. لم يعلم أنها واقعة في حبه، لكنها الشخص الوحيد الذي يعرفه في سويسرا، وهذا أمر محوري في الرواية. يختطف هذا الشاب الوسيم، تأخذه امرأة غنية ومريضة، سادية منحرفة، تجد فيه نموذج مثالي، كالعادة، لإشباع نزواتها.
ليست هذه هي الأحداث الوحيدة، إنما هناك الزوجة في جدة، مع عائلتها، وعائلة الرجل، وأطفالها. الزوجة كان لديها احساس أن هذه المرة مختلفة، وكانت تشعر بالقلق وتبكي دون سبب، على نحو غير مقنع. تتحقق مخاوفها، ولا تتمكن من التواصل مع زوجها.  ويقلق الجميع، وتحدث دراما خليقة بزميلي الدرامي بالعمل، حيث تفقد صوتها، وتؤخذ إلى المستشفى، ويعطف عليها الجميع، إهئ إهئ تهؤ تهؤ.
كانت الأحداث في جدة سخيفة ومملة إلى أقصى حد، يتمنى المرء فقط أن تنتهي بكل ما فيها من افتعال ومثاليات حتى يرى ماذا جرى في سويسرا، حيث الشاب السعودي في محنة، هناك حيث نجح الكاتب نسبياً، ومقارنةً، بجذب اهتمامي نوعاً ما.
الفتاة السويسرية البريئة، ترسل رسالة بالبريد الالكتروني إلى الرجل المخطوف، وهي لا تعلم أنه مخطوف، تلمح فيها إلى حبها له، فلم تعد قادرة على الصبر، رغم أنها لم تره إلا ليومين على ما أتذكر. تقع الرسالة في يد صديقه وزميله بالسعودية، فيتواصل مع المرأة في محاولة لفك غموض اختفاء اللؤطة. تتحرى الفتاة في الأمر، ولأن العصابة خافت من اكتشاف الأمر، دبرت كمين لها، حيث استأجروا رجال لاغتصابها، حتى كادت أن تموت، ونومت في المستشفى في غيبوبة. ما لم يكن مقنعاً هو، أن هذه الغربية، في العشرينات من العمر، عذراء. وهو أمر لا يدخل العقل، يمكنني تخيل فتاة لم تتزوج وعذراء في مجتمعات أخرى، أو أن تكون راهبة ربما، لكن فتاة غربية عادية، يصعب تصديق ذلك، خصوصاً أنها صادقت، حسبما أخبرت البطل، سبعة شبان دون أن تجد ضالتها!!! فتاة غربية، تصادق 7 شبان، ولا مشكلة في عرفهم بالاتصال قبل الزواج، ومع ذلك تظل عذراء؟!. كان يريد إثارة تعاطف القراء هنا، مفترضاً أن كونها عذراء سيزيد من المعاناة، حيث تزيد هذه الأسباب الإضافية من ألم الفواجع، لكن كان حسبه أن يتوخى المنطق، فاغتصاب الناس شيء مؤلم ومثير للأسف بحد ذاته، ولا تحتاج الفتاة إلى أن تكون عذراء، خصوصاً انها أيضاً غابت لفترة أشهر عن الوعي. أعتقد أن أي سويسري سيضحك على هذه المحاولة، أن الفتاة عذراء. إن الاغتصاب إغتصاب مهما كانت ظروف الضحية أو المجرم، وهو أمرسيء جداً في كل نفس سوية، ابتزاز المشاعر دون التفات غلى منطقية الأمر جعله بالنهاية مبتذلاً في رأيي.
لن أفسد النهاية هذه المرة، لكن سأخبركم بأن السويسرية أسلمت يا الله من فضلك، ولا شكر لمكتب الجاليات على ما يبدو.

بغض النظر عن عدم إعجابي بالرواية، إلا انها حوت شيء من الأمل بالكاتب. يمكنه أن يصبح افضل، إنه ليس ميئوس منه. يستطيع أن يكتب في بعض الأحيان على نحو جيد، لكنه لا يفكر كثيراً بشخصياته بقدر ما يفكر بالموضوع الصادم، ولا يفكر بالحبكة طالما لديه ما يعتقد أنه جديد ومختلف. يبدو لي أنه أفضل من بعض غيره رغم سوء الرواية الشديد، وأتمنى أن يتأنى ويتحسن أكثر.





تشعر أحياناً بالأسف على قرارات اتخذتها، لكنك تعلم في قرارة قلبك أنها القرارات الصحيحة، ولا مناص منها لأجل صالحك. أشعر بهذا حينما أواجه المحاولات الودية لزميلي الملتزم الكبير، الذي حجمت علاقتي به قبل فترة. قال لي قبل أيام، بأن آتي لمحادثته، فهو أخي الكبير، وكان يحب أن يقول هذا حينما كنا أصدقاء، ثم قال بأنه أخي فقط، كي لا أغضب. أخبرته بأني لا أغضب. فكرت بتأثير الكلمة علي، الذي برز في وجود فراغ بالشعور، دون أن يكون تأثيراً كبيراً، عدى أنه يجلب أسف كبير. لطالما أثر علي مفهوم الأخوة مع أناس غرباء لكنهم قد يكونون إخوة فعلاً. كان دائما لدي توق تجاه هذه الأخوة. لكني لم أعد أصدق الآن بأن هناك إخوة بالمعنى الذي أبحث عنه، أو على الأصح، أن حظي سيسمح لي بمثل هذه العلاقة.
حينما قال زميلي هذا، وجدت نفسي أتذكر تأثير مفهوم الأخوة أكثر مما أشعر به، ولكني أتساءل الآن، لماذا أتذكره، ولا أشعر به بنفس القدر؟ إنما أشعر بالأسف فقط. أعتقد بأني استكنت أخيراً، ولم أعد أرجو أو حتى أصدق، وربما صرت أعرف أفضل من غيري.
شعرت بالأسف على انتهاء صداقتنا، ومحاولاته تشعرني أكثر بالأسف. لكن ما باليد حيلة.



هذه التدوينة كانت جاهزة للنشر منذ فترة. لكني انشغلت كثيراً، إلى درجة غير معقولة. أشعر بإرهاق، وأرجو من الله أن يعينني على إنجاز ما أقوم به بأسرع وقت حتى أرتاح.

أشعر بتلف أعصاب شديد.
وغير ذلك، الكمبيوترين لدي ليسا على ما يرام. اللابتوب الكبير، المخصص للمنزل، فسد، ربما يحتاج إلى ضبط إلى اعدادات المصنع، ولا وقت لدي، ومن هناك كنت أنشر. والصغير لسبب ما لم يعد يشغل مستندات قوقل بدون اتصال بالانترنت. أخذت الجهازين لأرى العلة وأصلح بعض الأمور. سأنقل محتويات الكبير للصغير قبل إعادة الضبط، حيث سيمحى كل شيء، و سأرى ماذا يمكن أن أفعل بالصغير. لقد تعطلت مستندات قوقل في أسوأ وقت ممكن.




سعد الحوشان

الثلاثاء، 16 مارس 2010

آثار صفعات خيالية على وجه دامع

بسم الله الرحمن الرحيم



يلجم لسان المرء، وتلقمه الحياة المخادعة حجراً، حينما يعرف جيداً أن ما كان يأمله، ما كان يطمح أن يكون سبب تغير مصيره وحياته، هو أمر ليس خاضع لاجتهاده، ولا خاضع لرغبته وإرادته، واداءه، إنما هو خاضع لقدره، الذي يحسب بأنه سيتغير في كل مرة، حتى يكتشف أنه يعيد نفسه.
تبذل أحياناً مجهودات جبارة، حينما تسكن حمى خسارتك السابقة، وينقضى الزمن طويلاً عن آخر مصائبك، فتحسب أن الوقت حان لتجرب مرة أخرى، لتستعيد رغبتك بالأمور والحياة، مرة أخرى. 
بيد أن الحياة تكون في كل مرة هي من لا يرغبك، الحياة بمن تحوي، لا تريدك. وفي كل مرة، تتلقى صعفة مغافلة، أقوى من السابقة، أو أشبه بمسحة على الخد، ولكنها صفعة. أحياناً، تكون الصفعة محسوسة، أو أقرب إلى المحسوسة، أو أشبه بحلم يغلف حقيقة، ولكنها في كل مرة؛ صفعة.
صفعة، قد يهتز لها المكان، وربما فقد الآلاف في هذا المكان، السائرين من حولك، توازنهم لوهلة من أثر الصعفة على خدك، ولكنهم لا يلتفتون، لأنهم لم يلاحظوا ما جرى، ولم يروك حتى. فتقف، لست مذهولاً، وإنما عارفاً فقط، شاعراً بأنك كنت تعلم بأن هذا ما كان سيحدث، فكما قلت، القدر يعيد نفسه. تقف ناظراً أمامك، إلى من صفعك، أو حولك، إلى من تجاهلوك، بينما عينيك غارقتين بدمع خيبة الأمل، وألم شديد تعلم بأنك تتحمله، لأنك لم تمت آخر مرة ببساطة، وإن كنت تتمنى أن أمر فيك يموت أو يختفي، أمر لعله هو ما يتسبب بإعادة المأساة، وإن كنت لا تدري موضعه بالضبط. أهو القلب؟ أم العقل؟ أم الروح؟ أو شقي كتبت على جبينك.
تتساءل أحياناً، لو كانت الصفعة الأخيرة، هي صفعة من نوع آخر، لو كانت مثلاً الصفعة غير المحسوسة، هي صفعة محسوسة، هل كانت ستوقض فيك غافل؟ أو ستعلم فيك جاهل؟.

لا إله إلا الله، محمد رسول الله.



أكتب الآن في برقر كنق، وحولي الكثير من جماعات الشباب، الذين حضروا لرؤية مباراة لا أدري من تتضمن، أو مدى أهميتها. مع ذلك، لا يبدو أنهم مهتمون أيضاً، إذ يشغلهم الحديث والضحك أكثر. باستثناء موظف في المطعم، كثيراً ما وقف أمام التلفاز المزعج، وتفرج لفترة طويلة، دون أن يمل.



الخاتم، في آخر التدوينة السابقة، حصلت عليه. كان قد اشتراه أحدهم كما قلت سالفاً. لكن قلبي لم يدع الأمر يمر. وجدت رقم البائع على الموقع، واتصلت به. كانت تلك آخر قطعة لديه من هذا الخاتم، والوحيدة على ما يبدو. سألته إن كان بإمكانه أن يطلب لي مثلها من الخارج حينما يطلب؟ قال بأنه يريد التأكد من مخزونه أولاً، ثم يخبرني. بعد دقائق اتصل، وأخبرني بأن حظي سعيد، إذ وجد واحد لم يعلم عنه. طلبت شراءه بنفس اليوم. أخذته، ولكن هناك معضلة. أحد الزملاء الطيبين الاثنين، كان يبحث عن دبل جيدة، وقج خرجنا للسوق لنبحث له. وكنت قد أريته هذا الخاتم، وأعجبه جداً. وجدت أن أخذي للخاتم، وقد أعجبه، ربما سيبدو أمر سيء في حين أنه آخر خاتم من شكله، وفي حين أعجبه وهو لا يبدو خبيراً بالبحث أو صبوراً على التذوق، ولأنه أيضاً، سيخطب للزواج، ويريد أن يبدو مختلفاً بلبس أنواع من الدبل على ما يبدو. أخبرته بأني تمكنت من إيجاد الخاتم، وأنه إن أراده فسأرتب لشراءه. في حين أخبرني أنه لم يستطع لبس ما اشترينا لأنه لم يعتد لبس الخواتم. كانت هناك مخاطرة أن لا يلبس هذا الخاتم الجميل رغم كل شيء، لكني لم أرد أن أنظر من الجانب السلبي فقط، فقد يلبسه. اقترحت عليه كذلك خاتم آخر، يبدو فاخراً وفخماً أكثر، وإن يكن أرخص. قال بأنه يريد أن يستشير أهله بأمر الخاتمين. وليومين، لم يتمكن من إيصال النتيجة إلي. كنت أنتظر لأرى إن كان بإمكاني أن ألبسه أم لا؟. أجاب أخيراً، بأن أي من الخاتمين لم يعجبا أهله. فكرت بأن مزاج أهله مختلف بالتأكيد، وحزنت لأجله بصراحة، فالخاتمين برأيي بديعين ويصعب إيجاد مثلهما. لبست الخاتم حينما عدت للمنزل، وأريته لأختيّ ووجدتا بأنه فائق الجمال. أنا أرى بأنه بديع فعلاً، وغير عادي إطلاقاً، بحدوده الزرقاء الصغيرة، وغير المعتادة، ثم بطنه الأجوف الصقيل، بكتابة غير واضحة، وإن قرئت، فإنها تقول عن الحب الأبدي.
مع ذلك، أتصور بأنه سيعجبه حينما يراه، وحينها أتمنى أن يقبله مني. حيث أنه لي الآن، وإن أخذه فسيشعرني هذا بالرضا، لأنه شخص طيب حقاً، وإعطاء شيء أثير لهو دليل على محبة صادقة أكنها له، بقدر ما عرفته.
لطالما وجدت خواتمي أثيرة على نحو خاص، اكثرها. خصوصاً الأسود. ولطالما تخيلت أني أهديها لشخص عزيز، كدليل على أنه  أثير، أكثر مما قد تنقل ساعة أو أي شيء آخر غالي الثمن، عن قلبي. إن بعض الأشياء التافهة والرخيصة تكتسب قيمة كبيرة لدي مع الوقت، أو من خلال تجربة، كما قد يحصل مع كثيرين، إلا أن هذا خارج عن نطاق فهم الكثير من الناس كذلك. كان لدي قلم أحبه جداً، رغم ما أصاب شكله من تبدل لطول الاستخدام. وهو قلم أمريكي ذو شكل غريب ومميز، اشتريته بأكثر من ثمنه الحقيقي من الفيصلية، وعبثت به يد زميل بالجامعة عدة مرات بالتفكيك. أتذكر أننا كنا في وليمة في منزلنا، وأنا أجلس إلى جانب أخي، وقريب لي كان من أعز أصدقائي. كالعادة، كان الاثنين يتمازحان، وقد أخذا قلمي للعبث به. تجادلا حوله، وأعاده أخي إلي في استفزاز مازح لقريبنا وصديقي. طلبه صديقي مني، كعطية، ليغيض أخي. لكني رفضت، كان رفضي، رغم أن الموضوع كان مزاحاً وسخرية، حقيقياً. لكني لم أتوقع أن يؤخذ بجدية في ظل المزاح القائم. لكن، قريبي وصديقي تفاجأ، وسألني إياه مرة أخرى، ولكني سحبته من يده واعدته إلى جيبي بإصرار هادئ، وأنا أرفض إعطاءه قائلا: لا. بدا أنه أخذ الأمر بعاطفية في غير مكانها، وقال مستجدياً، فقط لإثبات نفسه: ما قد طلبت منك شي من قبل. لكني قلت بعناد، وقد أدركت حقيقة الموقف: لا. كان بإمكاني شراء مثل القلم أو أفضل منه، بثمن أرخص، من أي مكتبة، فقد انتشر، وظهرت أشياء أفضل منه. هل تتخيلون بأن الأمر كله، هو ارتباط معنوي بالقلم، وأني لا أستغني عنه أبداً؟ لا، لم يكن كذلك، كان لدي الاستعداد لأعطي قلمي لأحد، مثل خواتمي الآن. كل ما هنالك هو أني لم أعتقد، في تلك اللحظة، أن صديقي ذاك كان يستحق التضحية، وسيقدرها، ولا زلت أعتقد هذا، ولا زلت أعتقد ذلك. كذلك، كنت أريد أن لا أعامله بأكثر مما يعاملني به، كانت محاولة صغيرة، في ظل سلوكه الجارف في صداقتنا. حينما التفت، وجدت أن أخوه الكبير، ينظر إلي بعين ناقدة، ويهز رأسه باحتقار. لم أهتم، ولم أشعر بالخجل لأني الوحيد الذي يعرف أسبابي، التي تعرفونها الآن، صددت عن الرجل، مستخفاً بموقفه، وقد بادلته الاحتقار في نفسي. كان هذا الأخ يتوقع أن الأمور أشبه بمسرحية، يجب أن تسير وفقاً لما قد تسير عليه مع كل الناس العاديين، ولكني لم أكد عادياً في تلك اللحظة.
ليس لدي شك بأن صديقي ذاك قد حمل الأمر بنفسه، وربما صنفني دون أن يفكر بالدافع، أو فقط وجد نفسه ضحية صداقتي، كما عرفت لاحقاً أنه يتخيل طوال الوقت. ربما نسي الأمر الآن، ولكني أجد بأن ما حدث كان موقف مؤشر، لما كان يجب أن أفعله على نطاق أكبر، في وقت أبكر.
القلم؟ لقد أعطيته لطالب من المنطقة الشرقية، في صباحٍ جاء فيه تائهاً إلى الجامعة، إلى المكان الخطأ للتقديم للدراسة، بعدما أوصلته بالسيارة إلى المكان الصحيح، ولم يجد معه ما يكتب به.

لدي قلم سويسري الآن، وهو، رغم رنة "سويسري"، قلم رخيص، بأربعين، ولكنه جميل جداً، وأثير إلى حد بعيد. إلى من سينتهي؟.


الخاتم، لم يأخذه زميلي، حيث أنه ضيق على أصبعه، ورغم أني عرضت أن يأخذه، إلا أنه لم يكن للأمر جدوى، طالما لا يستطيع لبسه.

تلك الحكايات، التي تقبض النفس فقط...



اليوم، مررت بموقف لا معنى له، ومضحك، ولم يجب أن أمر به. كنت أقف لمساعدة شخص أجنبي خلف الاستقبال في قسمي بالعمل. حينما جاء شاب مصري، جديد على ما يبدو بالجامعة، وسألني سؤال مضحك، لا معنى له، ولا أساس، ولا طعم، ولا رائحة. قال: يا أخ، بصراحة أنت لبناني؟ والا سوري؟ والا سعودي؟. لأول مرة أرى هذا الشخص، ضحكت وقد فوجئت بالسؤال المحدد. لعله تأثير الحمص واللبنة؟ لا، بالواقع، أتصور بأن عدم معرفتي لترتيب الغترة، بالإضافة إلى شعر وجهي القصير، قد يوحيان بأمور غير واقعية. قلت: أنا سعودي طبعاً، مهوب واضح؟. لكن زميلي، الذي أتلهى دائما بلكم خديه الكبيرين الجميلين بلطف، قاطعني في نهاية جملتي قائلاً بصوت جاد ومرتفع، للشاب المصري: لااااااء، هذا إيراني!!!. صمتْ والتفتْ إلى هذا الزميل، في حين، لسبب ما، تجمد الشاب المصري، وكأنه خاف أو صدم بشدة!!. لم يستطع زميل جديد، غريب برأيي، الصمت أكثر، فانفجر ضاحكاً، وهرب من مكانه رغم أنه قصي نسبياً، وكأنما محرج مني لأنه ضحك.
تجاهلت تعليق زميلي، وأنا أشعر بمزيج من الغضب والإحراج والرغبة بالضحك، بسبب هذا الموقف السخيف، الذي اقترح أربع جنسيات لي. سأل الشاب المصري سؤال، وأجبته إجابة طويلة ولم يبدو أنه استوعبهان اواهتم بها كثيراً، ولكنه، وهو لا يدري عن جنون وغرابة سؤاله، هرب من المكان وهو على الأغلب يعتقد أننا موظفين مجانين. لكمت زميلي بضع لكمات لطيفات على خده، وهو لا يقاوم، ونحن نضحك.




زميل لي، كنت أسميه خالد إمام المسجد، اكتشف المدونة. وهو لم يعد إماماً الآن، ولكنه رجل طيب جداً، وبسيط جداً، وأجزم بأنه لن يقرأ ما أقول هنا، إلا لو وضعته في صورة، حيث أنه حينما وجد المدونة، لم يخبرني بغير الصور التي رأى، وهو بطبيعته غير قارئ. فوجئت بصراحة حينما أخبرني. كنت أتخيل بأن أحد ما قد يجد المدونة في العمل، لكن، ليس خالد. لأني أتصور دائماً بأني آخر من قد يخطر على باله. فرغم وصلي وزياراتي له وقت الفراغ، حتى حينما كان يعمل بالأعلى مع وكيل غريب ومخيف، ويحدجني بنظرات تجمد الدم. إلا أن خالد لا يكترث لي بالواقع بنفس القدر، ولم يعد يهمني ذلك، إذ أني اتخذت مثل هذا الموقف مع الحياة عموماً في الشهور الأخيرة. جعلته يعدني أن لا يخبر عنها أحد. وعدني وهو يضحك: عه عه عه. لا، بالواقع هو لا يضحك هكذا، أنا أتخيله يضحك هكذا لأن شكله يوحي بذلك، لكنه بالواقع يضحك هكذا: مواهاهاها هيهيهي. ثم يكملها بنعومة إن استغرق: إه إه إه. وهو منزل رأسه إلى صدره. لقد عودته منذ فترة طويلة  أن آخذ جرعتي من لمس بطنه كل يوم. فلديه بطن بديع، ليس كأي بطن. ولو كنت لا أخاف أن يبحث ويقرأ هذا الكلام، لوضعت صورة بطنه، التي كنت أنوي وضعها منذ أشهر وأنسى، إذ أني أعتبره من أكبر محفزات بيئة العمل بالنسبة إلي. لكن وضع صورة بطنه ربما يوحي إليه بأن هناك ما يقال حوله. فيتشجع للقراءة والبحث.
أتمنى فقط لو تباع وسائد بجودة بطنه ما شاء الله، أو أن أتوسد بطنه لقيلولة فقط، ولو لمرة واحدة.




لقد غير بلوقر من سياسته تجاه المدونات التي يستضيفها، ومنها مدونتي. وكان التغير مع الأسف بلا سابق إنذار، وهو تغيير جذري في رأيي يؤثر على تقييم الخدمة. التغيير هو وضع حد لحجم المعروض في الصفحة الأولى لكل مدونة، خصوصاً من حيث الصور. حيث أنهم يريدون كما هو واضح التخفيف على مصادرهم. وبما أن مدونتي نصوصها طويلة، وفي كل تدوينة منذ فترة أضع بضعة صور، صار لا يظهر في الصفحة الرئيسية للمدونة غير آخر تدوينة، بينما كان يظهر في السابق آخر 10 تدوينات حسب اختياري من لوحة التحكم.  ويمكن التخفيف من حدة الإجراء بجعل التدوينات تظهر غير مكتملة مع وصلة في نهاية المقطع مثل: أكمل القراءة، تأخذ القارئ إلى التدوينة كاملة. سوا أن هذا لا يعمل جيداً لدي، ويخرب تنسيق التدوينات بسبب كونها باللغة العربية على ما يبدو. حيث أن بلوقر لا يتعامل مع اللغة العربية بليونة، ويفسد التنسيق، وقد كان مصدر صداع بالنسبة إلي حتى صرت أكتب وأنسق عن طريق مستندات قوقل وأنشر من خلالها، فيظهر التنسيق ممتاز اً كما وضعته. مشكلة النظام الجديد أن لا التفاف حوله، حتى الآن على الأقل. فهو ليس إضافة كود برمجي إلى القوالب، إنما هو برنامج لديهم يقيس حجم المعلومات الموجودة بالصفحة الرئيسية ويحد من عرضها.
فوجئ المستخدمين بهذا القرار، ولم أعلم بأنه قرار مدروس، وليس علة في مدونتي، سوا بعد أيام من محاولة إصلاحها، والتفكير بحذفها وإعادة نشرها من جديد. الدعم الفني في قوقل غير تقليدي، وهو يعتمد على تعاون العارفين في أغلب الأحيان عبر منتديات مخصصة لهذا الغرض. وجدت موضوعاً موجهاً لهذا الأمر، وشاركت فيه، ووجدت العديد من الناس المستائين من الأمر مثلي. لكني لا أتصور بأن بلوقر سيحل الإشكال. أتصور بأن أكثر من تضرر هم المساكين الذين يسوقون لبضائع وخدمات عبر المدونة، ويملكون قوالب خاصة صمموها بحرية حسب حاجتهم، ولكنها الآن صار وضعها أصعب. أحدهم قال ما كنت أشعر به تماماً، قال بأن ظهور تدوينة واحدة على الصفحة الرئيسية سيعطي انطباعاً سيئا عن حجم المدونة وحرفيتها، وكأنما لا يملك صاحبها غير هذه التدوينة،  وكأنما هو حديث عهد بالتدوين. وأضاف ما أفكر به أيضاً، وربما غيرنا الألاف، ان الناس عموماً لا ينتبهون إلى أرشيف المدونة في الجانب، وبعضهم يجهل ماهيته وفائدته، لهذا لا يدري عن التدوينات الأخرى، ولن يراها. وأضيف هنا أن حتى من يدري عن الأرشيف، فإنه لن يعيره الكثير من الاهتمام، فلمجرد كونه في جانب الصفحة، حسناً، فهو أمر جانبي بطبيعة الحال، وهذا أمر منطقي، فالجديد دائما أولى، وحينما لا يظهر من الجديد سوى تدوينة واحدة، فإن الجديد هو تدوينة واحدة، أما حينما كان يظهر عشر تدوينات، فالعشر تدوينات جديدة. هذا خيار مؤسف من بلوقر، والمؤسف أكثر هو تعاملها مع العملاء. كما أني لا أفهم كيف لا يفكرون بأن هذا قد يتراجع بعوائد الإعلان الذي تستفيد من خلاله من بعض المدونات. فقصر مدة الزيارة، والإطلاع على أقل القليل من المحتوى، يعني إعلانات أقل تظهر، وبالتالي ضغطات أقل على الإعلانات. 
ليس بيدي حيلة، وحينما فكرت بالانتقال إلى مكان آخر، وجدت أن الأمر قد لا يكون جيداً كذلك. فمن جهة، من المستحيل أن أستضيف مدونة على حسابي الخاص، لسبب بسيط، أني لا أريد أن أحمل هم الحماية والثغرات، وأريد الحرفية بالتحكم، واستلام الجديد من التقنيات في مكاني، بينما لا أحمل هم شيء سوا الكتابة، فأنا كاتب، ولست تقنياً. وحينما فكرت باللانتقال إلى خدمة أخرى، وردبرس التي لا أحبها، ولا أشعر بالراحة تجاهها، وجدت أن هناك أيضاً أرواح تعاني. ابن اخي واجه مشاكل مع مدونته هناك بلا دعم منهم، والمجتمع الكبير هناك يشمل أناس برأيي أقل حرفية وجدية بالتدوين بقدر ما يحوي من جادين، أي 50%، بينما في بلوقر يبدو أن نسبة المحترفين من العرب أعلى من هناك، رغم أن العدد الكلي هناك أكثر على حد تقديري. ومشكلة أخرى، هي عنوان الصفحة، الذي أتيتم عبره إلى هنا، Saaddiary.com، إنه عنواني الذي اشتريته عن طريق بلوقر، ومنحوني خدمات قوقل الرائعة لأني اشتريته من خلالهم. سيكون نقله إلى خدمة أخرى صعباً، قد يكون ممكناً، ولكنه صعب بالتأكيد وسيأخذ الكثير من الوقت في أبحاث ذات نتيجة قد لا تكون مجدية. وآخر الأسباب؛ إني أحب قوقل، وأحب خدماتها، وأقدر  جداً الذكاء المتراكم الذي يقف خلفها، والبس يحب خنّاقه.
سأتابع الأمر، بينما أستلم كل دقيقة واخرى تحديثات على بريدي عن إدخالات آخرين مثلي غاضبين في موضوع الدعم، محاولين الضغط على بلوقر، الذي أشعر أحياناً أنه مترهل قليلاً، رغم أنه برأيي أفضل وأكرم الموجود. ربما سأجد حلاً، ولكني غير متفائل. ما فعلته هو، أني فكرت بعدم إضاعة الوقت بالغضب والتذمر والبحث عن بديل بخيل (وردبرس، مثلاً، لا يسمح لك بتعديل كود المدونة مجاناً، عكس بلوقر) أو غير مستقر(أي حينما أتولى شتى أمور المدونة بنفسي، ما توليت حياتي زين عشان أتولى ثغرات واكواد مدونة، أقول عساه بحمله تثور بس). أقول امام كل هذا، ولحل الأمر بشكل عملي، قررت "لبخ" وجه الزائر العزيز بالأرشيف، كأول شيء يراه تحت الهيدر، وفوق التدوينة الأولى والوحيدة بالصفحة، والتي هي لب الموضوع، الذي اضطررت لإبعاده عن الأولوية، في سبيل الأبقى والأدوم. خيار غير مألوف، وغير أنيق، ولكني أتصور بأنه خيار ذكي جداً(فرحان، ما تجين أفكار جيدة بالعادة). وبوجوده بالقمة، يحصل على ما يستحق من انتباه واهمية، ويرى الناس أشياء أخرى كتبتها لعلهم يستمتعون بها. فهم سيعلمون مباشرة، بأن هناك ما قد يعجبهم، وإن لم يكونوا ذووا خبرة، فهذا أفضل، حيث سيستكشفونه بلا خوف، وأنا بالواقع، وبصراحة أرجو أن لا تغضب زواري المعتادين العطوفين، أحب عديمي الخبرة، وأحب أن أحفزهم على الاستكشاف.
كما أني أعتقد أن وجود الارشيف في مكان غير معتاد، سيجعل شكل المدونة، الغريب أصلاً، أكثر ذكاء وتميز (أو أكثر انعكاس لشخصيتي، سباكه وحوسه)

حسناً، اكتشفت بأن جعل واجهة بلوقر باللغة العربية تحسن من تعامله مع نصوصي. وقد تمكنت من وضع رابط لإكمال القراءة، بتخريب محدود لتنسيق النص، عالجته على نحو مرضي، كل تدوينة على حدة، ولم أعالج كل التدوينات بالطبع بنفس الإجراء. لكني لن أتخلى عن وضع الارشيف بالأعلى، فأنا غير متأكد من التزامي بحل وصلة: أكمل قراءة باقي التدوينة. فالوصلة صغيرة ولا أعرف حتى الآن كيف أبرزها، ولا أحبها بصراحة. أجرب الآن فقط.





بعد وقت طويل من سقوط الضرس المستعار الدائم من فمي، بينما كنت آكل حلوى جيلاتين، وبعد ضياع الضرس الذي كنت أكرهه منذ ركبته، قررت فجأة الذهاب إلى طبيبة أسناني المخيفة، والفنانة، والكوميدية، والمفضلة رغم كل شيء، الدكتورة سوزان.  ركب لي الضرس طبيب أسنان سوري، كان لا يطيقني على نحو واضح، مما انعكس على الضرس على ما يبدو. ومن جهة أخرى، شعرت بثقب في حشوة ضرس آخر، فكانت المسألة عصفورين بحجر. ذهبت إليها أمس الاربعاء. وتذكرتنا نحن "الحوشان"، إذ أن الأهل زاروها بضع مرات، وعرفتها من خلالهم.
هي طبيبة مصرية، عصبية، ومضحكة جداً، و"منصحة" كما نقول. فمن العادي جداً أن تقول لك أن تذهب إلى طبيب آخر إذا ما أصريت على عمل شيء بفمك هي لا تراه صحيحاً، ومن العادي جداً أن تصر على رأيها، وان تقول: لا. بجلافة، حينما تريد أن توصل فكرة ما. وحينما تؤدي عملاً، لا يلحقني شك بأنها ادت بأفضل ما تستطيع، وأني يمكنني الاطمئنان لما تقوم به، وما تقرره، ولأمانتها بالعمل. صحيح أن لهذا ضريبة؛ لا تتنازل عن السعر لأنها كما تقول تأتي من الآخر، إلا أني لا خلاف لدي طالما أجد بأن المال ليس كل شيء بالنسبة لها، فهي يمكنها التكسب بإطاعة المريض لو أرادت، مثلما حينما طلبت أن تخلع ضرساً، فرفضت، لأن في   رأيها أنه يمكنني الاستفادة منه وأن خلعه قد يؤدي إلى مضاعفات، فهي تقوم بما تقوم به بضمير، وإن كان ضمير عصبي. وهي إلى هذا خفيفة ظل ونكتية جداً على نحو عفوي، خصوصاً حينما تكون غاضبة. وأنا أجد دائما أن الأسلم أن أصمت، ولا أجيب عصبيتها، لأنها بعد لحظة صمت ستشرح ما حدث تجنباً لسوء الفهم، أو مراضاة للشعور، فهي طيبة القلب على ما أعتقد. قرب النهاية شكرت تعاوني، لأنها لم تتوقع أن تنهي هذا الكم من العمل في جلسة واحدة. من لا يتعاون؟ أفترض أن كل شخص كبير بالعمر سيتعاون، ولكن يبدو أنها تتعامل مع أناس مدللين ربما. عرفت بأن الطبيب السوري قام بعمله كيفما اتفق، ولم يحشو سني الذي يعتبر القاعدة لتلبيسه بالضرس الصناعي بأكثر مما يغطي العصب، مما جعل سقوطه حتمياً. بالواقع، كنت لا أحب الضرس وأشعر بأنه غير ملائم، ويخيفني الحد المعدني أسفله حينما أمغط فمي لأراه بالقوة. أخبرتني بأن هذا لن يحدث مع الضرس الجديد، ولن يكون هناك حداً معدنياً. 
أنتظر الثلاثاء القادم الآن لأتصل بها.



أدعوا لي الله أن أجد عنواناً جيداً لروايتي. لقد مللت من البحث والتفكير.



سأتحدث عن كتاب قرأته، ولكن أود توضيح أمر أولاً. حينما أتحدث عن كتب في مدونتي، وأستعرضها، فأنا قد أفسد الكتاب، وأذكر منه تفاصيل مهمة، من ضمنها النهاية، إن لن أختصر الكتاب في خضم التعبير عن رأيي به. لأن مدونتي عني بالمقام الأول، فأنا أتحدث عن شعوري تجاه الكتاب وما أثر بي منه، حتى لو كانت النهاية. وعليه، ربما سيكفي البعض ممن يريد شراء الكتب حسب رأيي، وإن كنت أشك بوجود شخص مهتم فعلاً، أن يقرأوا البداية فقط، وربما بعد قراءتهم للكتاب يمكنهم إكمال الباقي من رأيي هنا.
أنهيت قراءة كتاب، رواية اسمها: رؤى لوكريثيا. لكاتب اسباني. هي رواية مميزة. تتحدث عن موضوع من شواغلي بالواقع، لكنه لم يطرح بالطريقة، أو بالاتجاه، الذي أريده ويهمني كثيراً. هي تتحدث عن أحلام الفتاة المذكورة بالعنوان، في القرن الخامس عشر في اسبانيا، بعدما خرج المسلمين، لا أعادها الله من خسارة. منذ صغر هذه الفتاة وهي ترى رؤى يبدو دائماً أنها ذات مغزى. ولأن محاكم التفتيش كانت في أوج ظلمها واضطهادها للناس، كانت مثل هذه الأمور عموماً مخيفة وغير محبذة. تبدأ الفتاة برؤية أحلام عن اسبانيا، ومصيرها، وملكها الظالم واللا مبالي.
تستغل هذه الموهبة كثيراً، وتجد الفتاة، دونما قصد أو رغبة، الكثير من التابعين والمصدقين. رجال دين يجدون في أحلامها نبؤات مهمة، يدونونها كل يوم، ويفسرونها، ويوزعونها. ونبلاء كذلك، يدعونها لأمسايتهم واجتماعاتهم رغم وضاعة نسبها. يدور معظم الرواية حول هذا الأمر، وتطوره، والأخوية التي تتشكل على أساس أحلامها. تعيش الفتاة قصة حب متأخرة بالرواية، تتوجها بزواج شفهي بينها وبين عشيقها، فتحمل منه. يبدو الأمر غير معقولاً، أن تحمل بهذا الشكل رغم الصبغة القدسية التي حظيت بها، ولكن لا أحد يعلم عن حملها. ومن ناحية أخرى، يظهر الكاتب الجوانب الخفية، أو الأقل بروزاً، ولكن بذات القدر من الأهمية، من شخصيات الناس المحيطين بالفتاة. هؤلاء رجال الدين الطيبين، زعيمهم على الأقل، رغم ثقافته وسمعته الحسنة، إلا أن له عشيقة، لا يرى خلاف بما يقوم به معها، ويبرر لنفسه هذه الأمور بسهولة. الوالدة تستفيد من ابنتها إلى أقصى الحدود، وهي أم محبة إلى حد بعيد، لكن صعوبة الحياة تخلق اعتبارات أخرى يصعب إدراكها دون مواقف اختبارية.
الشطر الذي تحدثت عنه أعلاه كتب بطريقة جيدة، وهو ليس بسيء، بل إنه على الأغلب سيعجب الكثير من الناس المحبين للتفكر بحقيقة الآخرين التي لا تظهر، وتطور الأوضاع على نحو مثير، وغموض نهاية المطاف، وزخم الاستعداد لها. كل هذا لم أشعر معه بمتعة حقيقية. أعترف بجودته، وذكائه، لكنه ليس ممتعاً بالنسبة إلي. لم يكن هناك افتراض غير أن نبؤات الفتاة ستتحقق، وسيستفاد من تلك الاستعدادات، أو أنها ستحرق كعقاب، كما يلمح طوال الرواية. بعد كل هذا الزخم، بدأ الجزء الذي اعتقلت فيه محكمة التفتيش، الشهيرة لدينا نحن المسلمين حتى الآن، هذه الفتاة، ومن يقف ورائها من انتهازيين. تسجن لوكريثيا، والآخرين الذين كانوا أقوياء وذوو نفوذ، في سجون المحكمة سيئة الصيت. يدور جزء حجمه جيد من الرواية في هذه السجون، وهو في الثلث الأخير منها. وهذا الجزء هو ما أثر بي كثيراً، وجعلني أجد للكتاب قيمة حقيقية. اختلف فيه المسار جداً، والظروف، والطابع. لا يتعلق الأمر بالبؤس فقط، إنما بالتفكر بما قد تصنعه المعاناة من مواقف غير متوقعة. يخون الأصدقاء أصدقائهم بسهولة أمام القسوة المطلقة التي تهدد حياتهم، وتكافح المسئولية تجاه الآخرين للبقاء، قبل أن تخفت أو تنهار أمام ضعف الحيلة والانشغال بالمصلحة الذاتية، الحب يضعف مع ضعف الجسد والمعنويات، ولا يعود سبباً للحياة، ولكن، تعود الحياة أقوى من الحب، بحيث يصبح الحب حكاية تافهة أمام الكفاح لأجل النجاة، ويعود الحب حمل ثقيل لا مبرر له أمام الإنهاك، فيخسر الناس حبهم لعدم جدواه، مع تغير الظروف، وليس عن سأم أو سوء نوايا، أو طمع بحب آخر. أعتقد بأني أعرف هذه المشاعر بشكل ما، بحيث بدت منطقية، وغير صادمة. أعتقد أني أعيش ضرب من الإنهاك، رغم أني لا أكافح للنجاة، إنما أكافح لأرغب بذلك، ربما لهذا تأثرت، وشعرت بأني أقرأ ظروف مشابهة، وكأنما أشارك الناس السجن هناك. ربما كنت أنا مورسكي مسجون لم يؤتى على ذكره، لأن حظه لم يجعل منه مميزاً بحسن الشكل أو الحضور مثل من جيء على ذكرهم، لكني حتما كنت هناك. أو أني لا زلت في محكمة تفتيش كبيرة، تنبش الدواخل، وتحكم على الناس إجحافاً، وتدفعهم للتخلي عن بعضهم. 
 أعتقد أن الحب بات حملاً ثقيلاً بين الناس بالفعل، وبات الإنهاك يأخذ من الجميع أيما مأخذ، ولكن درب الساذجين بالكفاح يجعلهم آخر من يكتشف، أو أكثر من يصدم، بحيث يبدو الإخلاص، والشعور الكاذب بالإحاطة بالحماية والحب، أمور يضيع العمر عليها، حتى جردتني من كل شيء، وإذا بها بالنهاية وهم.
لوكريثيا، يسوء حظها مع الوقت، ورغم أن تصوير الأمر كان واقعياً، من حيث قدرة الإنسان على التأقلم، ومواصلة الحياة رغم كل شيء، إلا أنه يصور الضعف البشري من جهة أخرى، الضعف المتعلق بسهولة فقد السيطرة على الحياة، والضعف المتعلق بمواصلة حياة لا تستحق المواصلة بحد ذاتها، دونما سبب واضح. 
مرت أوقات أكثر قبولاً في السجن، وكان السجناء والسجينات على علاقة أخوية طيبة، رغم اختلاف التهم الموجهة، التي لا تعود ذات أهمية في المواجهة المشتركة لمصير محتمل غير عادل. يخدع المرء، مثل لوكريثيا، بمنح الثقة للناس، الذين ليس لديهم نوايا سيئة مبدئياً، ولكنهم ليسوا سذج، وسيستخدمون ما يعرفونه للنجاة بأنفسهم غريزياً، وربما لفقوا الأمور. تسوء أحوال السجن بعد مدة، وتزداد الصرامة فيه، ويصبح عذاب يطيقه المرء مرغماً، لأنه واقعه النهائي. تعذيب مرافق للتحقيق، وسوء ظروف، وخيانات، وتلفيقات. لوكريثيا تتعلم الأمومة، دون صراحة من الكاتب، في السجن، وتتمحور حياتها شيئاً فشيئاً حول طفلتها. تعاني الطفلة كذلك، وتدرك لوكريثيا أن الضحية الحقيقية  إنما هي ابنتها مرقريتا. في لا ترضعها كما يجب بسبب جلسات التحقيق، وتعود إلى زنزانتها فتجدها تبكي جوعاً، متسخة متقرحة، وحيدة في الزنزانة، على نحو يشيب بالرأس. أحياناً لا تقوى على ارضاعها، يتوقف ثديها عن إدرار الحليب بعد جلسات التعذيب غير المعقولة. إن الكتاب ليس سادياً، وهو لا يرعب القارئ ولا يقززه بالتعذيب، ولكنه يعرض الأمور على نحو يمس الشعور ولا يفلته. كما أنه في اللحظات الخاصة بين الجنسين غير مسف، ليس إلى درجة مثيرة للشجب والاستنكار، ويدرك المرء محاولات الكاتب تجنب الانحدار في مثل هذه المواقف، ومحاولة وضعها في مواقعها.
لا يبقى أحد في النهاية، من كانوا مسجونين مع لوكريثيا ويوفرون لها الحماية بنفس الوقت بسبب نفوذهم القديم، ينتهي نفوذهم، سوا عن انقاذهم هم من ظروف بسوء ظروف لوكريثيا، والزوج، الأشبه بالعشيق لأن الزواج لم يتم فعلياً، يتغير، على نحو يثير الشفقة، يفقد رونقه، ويقول، والحزن بعينية، بأنه سيلتقي لوكريثيا حينما تنتهي محكومياتها، بينما انتهت محكوميته، الأقل قسوة ككل الآخرين، قبل لوكريثيا. ولكن تدرك لوكريثيا أن هذا اللقاء لن يتم، ولن تراه مرة أخرى، مما تحسه من بؤسه. لتواجه بؤسها لوحدها، بعدما تخلى عنها أهلها كذلك، أكثر من استفاد من تلك الحكاية القديمة.
كانت لوكريثيا المحور لكل ما جرى، فقط لموهبتها بالحلم، ولكنها لم تدون، ولم تنشر، ولم تحرض، ولم تؤول. مع ذلك، كانت معاناتها هي الأقسى، والأقوياء الذين كانوا معها، ظلوا الأقوى حتى بعد ضعفهم، وكانت محكومياتهم تافهة بالمقارنة. لن تحترق لوكريثيا، ولن تقيم طوال حياتها بالسجن. حكموا عليها، في محكمة المصالحة، أن تجلد مئة جلدة، وتسجن سنتين، ثم تبعد عن مدريد. تدرك لوكريثيا عدم عدالة الأمر، بذهول وصدمة، وتعزوا الأمر إلى السماء، مما يساهم بنقص إيمانها، والأمر المؤسف، والمخزي، أن هذا من نتائج أعمال الكنيسة، التي تحمي الإيمان القويم. الجلد يتم على يد نفس الجلاد الذي عذبها بأمر محققي المحكمة الرهيبة. يغازلها حين يكشف عن ظهرها للجلد، بينما يعلق بأسف على الهزال الذي أصابها. ولكن شفقته حقيقية على ما يبدو، بحيث يحتج الناس على جلده الأشبه بهش الذباب. رغم ذلك؛ تعود لوكريثيا إلى السجن دامية الظهر، لا تقوى على مغادرة الفراش. تقضي بقية محكوميتها في مستشفى وترفضها الأديرة التي يفترض أن تستضيفها بحكم المحكمة، لأن لا أحد يقبل بتحمل مؤنتها وابنتها. أهلها لا يستطيعون تحمل مؤنتها، ومن كانوا يحمونها لم يعودوا كذلك، فهم فقدو كل شيء رغم نجاتهم. تمر الأيام ببؤس، في مستشفى مخصص للأطفال القرعان، حيث يأكل الخوف الأم على ابنتها من العدوى بالمرض المقرف، ولكنها لا تتمكن من الانتقال، أو حمل المحكمة على تطبيق حكمها الحقيقي. وتبدأ لوكريثيا وابنتها لتقبل طعام الصدقة كل يوم، مع الفقراء، حتى تنتهي مدة المحكومية، إذ توقف المستشفى عن إطعامهما. في نهاية   حكم السجن، تلملم لوكريثيا أسمالها بحزمة، وتبحث عن المخرج من مدريد. تسأل الطفلة، إلى أين هم سائرون؟ لا تجيب الأم، وهي تتأمل الجبال البعيدة، وقحط الحقول، وتتخيل الأرض على سعتها، بما تحويه من ممالك وشعوب، وهي تستشعر القسوة الإلهية التي لا بد أنها في كل مكان، لفقدها إيمانها. تجيب طفلتها أخيراً: سنرى، يا ابنتي، سنرى. وتغادر، بهالة كهالة الحلم.
تعالى الله عما يدعون. لكن فقدان الإيمان، بسبب البشر وظلمهم، أمر يحدث، رغم أنه لا يجب أن يحدث. إلا أني لا أعتقد أننا يجب أن نلوم فقط من يفقدون إيمانهم، أو يضعف إيمانهم، إذ يجب أن نتسائل؛ من تسبب بهذا بالتحديد؟ ما الظروف التي جعلتهم يعيشون هذه المأساة، التي أفقدتهم جوهرهم؟. فالنوائب رغم أنها قد تتشابه، إلا أن البشر لا يتشابهون، فمن تقوي إيمانه نائبة، قد تضعف نائبة شبيهة إيمان آخر. وهؤلاء المتعبين، لا يجب أن يخسروا تعاطفنا، الذي قد يعيدهم للطريق القويم، ويعيد الإيمان إلى صدورهم، بعدما انتزعه ظلم ما. يجب أن لا نخسر تعاطفنا، مهما بدا الأمر فادحاً، حينما لا يكون جريمة بحق أحد، لأن هذا يقوي إيماننا نحن، وشعورنا بالمسئولية، ووضع إيماننا في فائدة المنقوصين.
الرواية رائعة جدا، وتستحق القراءة، ولو لم يكن إلا لأجل الفصول الأخيرة، بتفاصيلها الكثيرة جداً، والبديعة. فكرت بأن شعوري بالألفة ناتج عن أني أتخيل بأن أسلوبي بالكتابة، ينتمي إلى نفس العائلة التي ينتمي لها أسلوب المؤلف، مع فارق الموهبة وكل شيء، بالطبع. كذلك، الكثير الكثير من الأحاسيس المثيلة لما لدي، والأفكار المشتركة، والتجارب التي وجدتها بالكتاب.





إذا، يبدو أن إخبار بعض الناس عن المدونة المفضوحة صار أمراً ضرورياً. كنت أخبر أصدقائي، حينما كان لي أصدقاء، عن مدونتي. لم يعد لي من أخبره. لكن الآن، هناك من صار يعتبرني صديقاً، وعلي أن أكون عند حسن الظن. لكني سأصبر قليلاً.
بالواقع، أنا أستغرب أن لم يكلمني أحد من قبل عن مدونتي، أعني من الأقارب والعائلة. يعلم الكثيرين عن مدونتي، منذ مدونتي الأولى، التي دامت ثلاث سنوات تقريباً. إخوة، أقارب، أعلم بأن البعض يعلم كذلك عن هذه المدونة. الناس فضوليون، ولا بد أنهم بحثوا، وأطلعوا بعضهم، رغم تفاهة الأمر. اكتشفت أبناء أخي أمر المدونة بالبحث عن اسمنا، وليس لدي شك بأنهم أطلعوا أهاليهم، وإن تظاهر الجميع بأنه لا يدري. ربما بعض إخواني لا يدرون بالفعل، ولكن الأكيد أن كلهم لا يريدون تضييع الوقت بإنتاج أخيهم الأصغر. أحدهم قال ما يدل على علمه بالمدونة، حينما تحدث عن قدرتي على كتابة النصوص الطويلة. ولكني أعلم بأنه لا يقرأ. لهذا ربما لم يسألني عن شيء، وربما حتى لم يوبخني، على أشياء لا تستحق التوبيخ، ولكن، هل يوبخ الناس أصلاً على شيء يستحق التوبيخ فعلاً؟. هو عموماً لو قرأ ووجد شيئا لا يعجبه، فلن يقول شيئاً، لأنه بالتأكيد لا يأخذ هذا الأمر بجدية. فهو مفتون بي، ولكنها تلك الفتنة التي تتبع الرضا، فإن انتفى الرضا للحظة، لم يعد هناك شيء آخر. كفتنة السادة بخدمهم وعبيدهم المغنين، الذين قد يباعون في لحظة غضب.
بالحقيقة، لا أريد أن أسمع من إخواني شيء عن المدونة، ولا من الأقارب، أي شيء.

المحبة، حكاية لا يجب أن ينخدع فيها الجميع. ليس كل المحبين محل لحسن الظن، وليس كل المحبين أوفياء، مهما صدقت محبتهم. فالوفاء والمحبة أمرين مختلفين.
إن الحب قد يتوافر بكميات كبيرة إذا ما أخذ المرء المفهوم على نحو حرفي، لكن كل هذه الكميات قد لا يكون لها قيمة بالواقع. أحياناً يخيل إلينا أن الناس يحبوننا فقط لأنهم لا يحقدون علينا، خصوصاً قبل أن نصل إلى عمر معين، نكون قد جربنا معه الحياة. قد نحسب الابتسامات، والذكر الحسن، محبة حقيقية، ولكنها أحياناً لا تعدوا كونها شهادات، أو رضا، سببه قيام المرء لما فيه صالح الناس، أو لأنه يبتسم إليهم، أو لأنه ذو طبيعة ظاهرية مختلفة. هذه المحبة، التي نقول حينما نريد أن نشهد لأنفسنا: لقد كنا محبوبين هناك أو هنا، في هذا الزمان أو ذاك، نخجل ونحجم عن ذكرها، حينما نحتاج إلى المحبة الحقيقية، التي ستغفر لنا لو أخطأنا، ستتجاوز عن تقصيرنا، تحبنا لمعدننا، وليس لصالحها المحض، أو لسرور عينها برؤيتنا. المحبة التي نفخر ونقول بأن هناك كثر يحبوننا، قد لا يكون لها قيمة بالواقع في هذه الدنيا المروعة، حيث يتنازل الناس عن بعضهم بسهولة، وبلا لوم حقيقي في حقهم، لأن الجميع أصبحوا هكذا، حيث يصبح السبب الحقيقي لعدم التنازل عنك في النوائب، هو المحبة الحقيقية  في قلوب الآخرين، وليس الحب الذي نتوهمه بالابتسامات والقول البسيط، والدلائل الساذجة. لا يمكننا أن نفترض الحب الحقيقي في الجميع، ولا في بعضهم، ولا فيمن نريد أن نتخيل بأنهم يكنونه لنا. قد نكنه للبعض، ونثبت ذلك بما لا يدع مجالاً للشك، لكنهم قد لا يبادلوننا إياه، ويتخلون  عنا وعن حبنا الحقيقي العفن، ولكن الملموس. ومع ذلك لا نستطيع أن نلومهم، فالخطأ كان خطأنا منذ البداية، والناس الآن أصبحو، أو اكتشفنا، أنهم هكذا. الحب لا يشترى بالحب، حينما نكون سذج ونحب الكثير من الناس، يجب أن نفرح لو بادلنا أحدهم فقط المحبة على نحو حقيقي، أما حبهم الذي لا يتعدى الابتسامة، فليس مما يعتد به.
قد نبذل الغالي والنفيس في محبة أحد ما، لنثبت له ذلك، ولنحصل على حبه بالمقابل، ولكنه يأبى إلا أن يكون كالآخرين. والآخرين، الذين قد يحسب المرء مبدئياً أنهم يحبونه حينما يصف نفسه، أو يوصف، بالشخص المحبوب، حبهم يظهر في تلك اللحظة بلا قيمة. هل ما أقوله غير واضح؟ مثال: يعجبك شخص ما، وتكن له تقديراً خاصاً في نفسك، ولكنه يأبى إلا أن يعاملك كالآخرين تماماً، ويريد منك أن تعامله كالآخرين. قد يكون هذا الشخص يعامل كل الناس بمحبة ظاهرة، وقد يظهر له كل الناس المحبة، لكن، ألم تترفع عن هذا الوضع السائد منذ البداية، حينما طلبت، وأعطيت، معاملة خاصة؟. إذاً،  هذه المحبة الشائعة لا فائدة منها، ولا قيمة لها، إنها شيء يقال فقط ليظهر المرء مسالمته ولطف معشره، ليدلل على وجوده المريح بين الناس، ولكن ليس هذا الحب الذي يبحث عنه أو يهمه.




عزلت نفسي اختيارياً موخراً في العمل. أجد أن هذا أريح عموماً. أوقفت صداقتي بالملتزم الكبير منذ فترة، بعدما وجدت أن أخطاءه غير المبررة تتكرر بلا مبالاة، فقررت دون أن أضيع الوقت أن اوقف الأمور عند حد معين، واشتري راحتي وكرامتي. كان الخطأ يتكرر بوقت سابق، ورغم علمه أنه خطأ، إلا أنه يفعله متعمداً للتنفيس عن نفسه حينما لا تكون نفسيته على ما يرام. ليس دوري في الحياة التنفيس عن الناس، وهو بصراحة لم يكن بالمكانة التي تسمح له بتكرار الخطأ دون مبرر. أصلاً، لا أحد في هذه المكانة. ساءه الأمر كثيراً، أمر ابتعادي. ولكنه بدأ يتقبل الأمر الآن، بعد حوالي 3 اسابيع. لا يزال يأتي من وقت إلى آخر للتحدث والمزاح، وأعطيه ابتسامة بالبداية، ثم أتلهى بالعمل أو بالحاسب حتى ينصرف، فإني صرت أجد حضوره ثقيلاً. لقد تكرر الخطأ بشكل متقارب، ومتباعد، أكثر من مرتين أو ثلاث، حيث صفحت عنه قبل فترة لأن أمه توفيت رحمها الله، إلا أني عرفت أنه يستمتع بإيذائي من وقت إلى آخر. حينما أخطأ لآخر مرة، سألته بهدوء، لماذا يفعل هذا؟ لم يبالي، وإنما استمر باستفزازي. لم أرد عليه بطبيعة الحال، كما هي العادة معه. ثم انصرف وتركني في مكاني، بتجاهل تام لشعوري، مع ملتزم آخر. في تلك اللحظة قررت بطريقة عملية، دونما غضب، دونما شعور بالأسف أو الإهانة، أن أوقف الأمور، وكفى، كان القرار عملياً لأني فقدت الشعور الطيب تجاه الرجل. عاد في اليوم التالي، بنفسية أحسن، ويبدو أنه ندم. وجاء إلي ليمازحني، وهو لا يأتي بالعادة، وابتسمت له. كان يحاول أن يحثني على التحدث معه كما السابق، ولكني كنت أبتسم له، وأجيبه بحدود اللباقة، ثم أشغل نفسي بأمور أهم، مهما كانت تافهة. سألني أخيراً إن كنت غاضب عليه، أخبرته بأني لست بغاضب، إنما تقديره في قلبي قد انخفض كثيراً. بدا وكأنه لا يعرف ماذا يصنع، وهو عموماً لا يأخذ شيء بجدية. بعد لحظات، طلب مني ممازحاً بأن أقول: آسف. مرت الأيام وهو كل يوم يأتي. شعرت بالأسف، ورغبت أن يكف عن إتعاب نفسه. صار يطالبني بالعودة لزيارته بالمكتب، والتحدث معه، ويستوقفني حين المرور ويطالبني بالسلام، الذي لم أتوقف عنه إلا سهوا، ويطالبني بالتوقف لأحدثه كما كنت أفعل في الأوقات الماضية. مع الوقت، لم تعد الأمور، وبدا أن استغنائي عنه، وابتساماتي، ومجاملاتي، وردودي الطبيعية عليه، كأنه شخص غير مهم، تسبب له الإنزعاج والشعور بسوء الموقف، وبدا لي أحياناً، خيل إلي، أنه يحاول إحراجي وجرحي، مثلما حينما ننتقم من الشيء إذا فقدناه للأبد. لا يزال يأتي من وقت إلى آخر، وصار أكثر صراحة في تقبله انتهاء الأمور، ويطالبني بتذكر أيام الصحبة وتقديرها، بالسلام عليه، وهو أمر لا أهمله، لكني لا أقوم به من قلبي.
كان هو صديقي في المكان لفترة جيدة، لكني لا أشعر بالغضب عليه، ولا بالأسف. الملتزم الصغير، الذين كنت أراه لبعض الوقت كأخ، أكثر من كونه صديقاً، انتقل من قسمنا، ولكن بعد فترة طويلة من توقفي عن إعطاءه معاملة خاصة. وجدت أني أعتبره كأخ، وأعامله على هذا الأساس، ولكنه لا يرد بالمثل. خطر هذا في بالي على نحو حاسم، حينما رد علي بقسوة، ورغم أن الندم بدا عليه سريعاً، إلا أني لاحظت أنه لا يكترث حقاً بشعوري بالوضع المعتاد، لم يكترث أبداً، وربما أراد أن يبعدني عنه كثيراً، مستفيداً مما أقدم، ولكن بحد لا يجعله مضطراً للعطاء بالمثل. كان يشكو لي أحياناً ما يواجهه من صعوبات، وردود فعل غير متوقعة، فكنت أنظر إليه كأخ، ولكنه لم يكن كذلك. لم يكن سيئاً أبداً، لكني أعطيته أكبر من حجمه بكثير جداً، جداً، جداً. عاد بعد فترة، وكان يريد السلام على الناس. وقد جاء في اليوم السابق، ولكني كنت غير موجود، إذ صاحبت أمي إلى المستشفى. حينما جاء بوجودي بالمكان، سلم علي بحرارة، وسألته عن أهله، وجدته، وابنته، ثم جلست بعدما انهيت هذه الأسئلة وسمعت إجاباتها، وعملت على جهازي. بينما وقف هو ينظر إلي للحظات، علمت أنه يفكر خلالها بأنه تمنى رد فعل أفضل، لكن، لا يمكن للناس أن يستمرون بالعطاء دون عطاء مقابل. غادر صامتاً. وقال لي الملتزم الكبير لاحقاً، بينما كان لا يزال يحاول إصلاح الأمور، بأن الملتزم الصغير إنما جاء لأجلي فقط، لأنه لم يجدني بالأمس. كان لا يعلم على ما يبدو، أن الملتزم الصغير قد وجد سبباً للندم على اهتمامه بي. ولكن، لا أحد يندم أكثر مني، لأن من أعطى أكثر، يندم أكثر.
بانتهاء علاقتي بالملتزم الكبير، بت أجد نفسي راغب بالعزلة، متجنباً للآخرين. أزور خالد، الإمام سابقاً، لكني بصراحة لم أعد ألمس أو ألكز بطنه كثيراً، وهذا دلالة على أمر ما. أما الموظفون الجدد، فصار يبدو عليهم أنهم أقدم مني، أو أنهم بطريقهم إلى هذا، لألفتهم، وتداخلهم مع الآخرين، أو معظمهم على الأقل. كنت أهتم لأمر صاحب الرجل المعتلة، ولكني لم أعد كذلك، فلست حمل السيناريوهات المملة بتكرارها، لماذا تتكرر؟ قد أكون أنا السبب، ولا مشكلة عندي بتقبل الأمر، ولكني لا أتحمل الذنب كله، فالناس لم يعودوا ناساً. لم أعد أسأل عن رجله، ولكنه لم يسأل عن حالي، أو يحاول محادثتي، رغم كل المجهود الذي كنت أبذله لإشعاره بتقديري.
الآخر، وهو ملتزم مثل صاحب الرجل المعتلة، لا زال يغني من وقت إلى آخر بصوت شجي، من خلف الحاجز بيني وبينه. لم أعد أحاول محادثته كذلك، وكسر خوفه أو ارتباكه الذي يساوره بشكل واضح حينما أحاول محادثته، أو يحاول هو محادثتي. وفي آخر مرة حاولت، بدا أنه يجد أنه من الأريح أن لا أحاول، فلم أحاول مرة أخرى. رغم ذلك، حينما أطبق علي الصمت، وصرت لا أتكلم مع أحد بدون حاجة، وكأنما أقتصد بحياتي، وجدت أنه صار ينظر إلي أحياناً بذهول، وبجرأة أكبر من السابق. بل إن الحال وصل به ليقول لي، مرتين في يوم واحد: كيف حالك؟. أجبته في كل مرة أني بخير، ولكني لم أسأله عن حاله، فهو بخير بكل وضوح.
أما الآخر، الذي هرب ضاحكاً حينما قال زميلي للمراجع السائل عن جنسيتي، أني ايراني، فلا زال يشيع جو خاص حينما يحدث بيني وبينه احتكاك. وأنا لا أحبذ الاحتكاك به، ولا يشعرني أسلوبه بالراحة. بحضرته، وحينما نتواصل، بالنظر أو الاستماع أو التحدث بكلمة، يشيع جو مسلسل كويتي غير منطقي. عدت من الصلاة قبل فترة، ووجدته يحاول فتح باب القسم للمراجعين، وقد عجز بإحراج، وهو لا يدري لماذا لم يفتح الباب. أستأذنهم ليأتي بمفتاح، ولكني أخبرته وهو يمضي بأن فتح الباب ممكن ببطاقة. قال بأنه ليس معه بطاقة، فأخرجت بطاقة الصراف من جيبي وقفلت عائداً لأفتح الباب للناس. حذرني بأن البطاقة قد تنكسر، فقلت: ما عليك. بحركة بسيطة فتحت القفل، والأمر أصلاً لا يحتاج إلى هندسة. فتعالت بعض تأوهات الإعجاب والتشجيع. لم أقف، مضيت لأدخل من الباب المخصص، وتعديت زميلي الذي قال بطريقة غريبة: مشكور يا.... .... .. سعد. كانت لهجته غريبة، وتمثيلية، ولم أفهم المغزى منها، تماماً كما يجري حينما أشاهد مسلسلاً، وكوني أعود مبتعداً، أعطى للمشهد جو درامي سخيف.
اليوم، جاء الدرامي إلى زميل لي، كثير المزاح والسخرية، ولا يتورع مع الأسف عن السخرية بأي شيء، مما يناقض تهذيبه وفكره، وأسلوبه المتعاون. كان الشاب الدرامي يقف خلف زميلي هذا، وهم يسخرون من جواز امرأة من دولة عربية، لها اسم غربي ذو رنة، ويقارنون الاسم بالشكل، وينسبون المرأة على الأغلب إلى مكان مغرق بالقروية في بلدها، نسبة إلى شكلها على ما أعتقد. كانت سخريـتهم فوق الحد. قلـت وقد شعـرت بالاستفزاز: يا ناس اتركوا بنات المسلمين، تطنزون بصورهن وتناظرونهن، والله عيب. زميلي الساخر، وهو كبير بالسن وإن لم يتصرف على هذا الأساس، قال بأنه لا يستطيع إلا أن يسخر من الأشياء، وإن لم يجد ما يسخر منه فسيسخر من نفسه. ولكني أجبت بأن هذا متجاوز للحد، وأنه أمر لا يصح، بما معناه. أما الشاب الدرامي، الذي يبدو ان انتقادي أغضبه، أخبرني بأنه تكلم عن اسمها ولم يرى صورتها. اربكني، فقلت بأني لا أعنيه بالضرورة، إنما أعني تطبيقهم للاسم على الصورة. زميلي الساخر، نظر إلي وهو يكاد أن يضحك على ارتباكي، بينما الدرامي قال، بدراما: لكنك عممت. وغادر بدراما كذلك، غاضباً. بعد هذا الفاصل المسرحي المبتذل، تساءلت إن كان يريدني أن أعتذر؟ بعدما وضحت على ماذا كان أساساً اعتراضي؟. لم يكن لدي نية، لو كان شخص آخر لربما طيبت خاطره، أما هذا، فلم أخطئ أصلاً، ولا أجده مريحاً، ولا يجدني مريحاً، بوضوح.
قد لا يكون الدرامي إنساناً سيئا، ويبدو أنه حصل على محبة البعض وتفضيلهم بسرعة، لكن لا يبدو أنه يجدني مريحاً، وأنا لا أبذل المجهود لأتداخل معه، كما أن العكس صحيح، أنا لا أجده مريحاً.

هكذا، وجدت راحتي بالانزواء. صار شعوري بالبؤس أقوى وأقوى مؤخراً، لكن الانزواء بعيداً عن الناس يجعلني أشعر براحة أكبر.





متى ستتزوج؟ لماذا لم تتزوج؟ ما الذي يؤخرك؟ ما الأسباب؟ 
كم أكره هذه الأسئلة، ولولا عرف المجتمع المتطفل، لاعتبرتها صراحة وبصوت عالٍ تدخلا سافراً بلا حق، يصل إلى حد قلة الأدب. يؤسفني أن هذه الأسئلة تتكرر باستمرار، حتى من أناس أقدرهم كثيراً ولكن لا يبدو أنهم يستوعبون أن الأمر لا يعنيهم، فأشعر بأني بدأت أكرههم.
فجأة، وصلت سن الشيخوخة في السابعة والعشرين، وصار من الخطر أن أنجب أولاد في وقت متأخر عن هذا، وإلا فسأشيخ أكثر ويصبح الأمر أصعب وتفسد حياتي!! هذه الحجة بشكل ما، وقد بدأت أرغب بلعن هؤلاء الأبناء الذين لم يأتوا بعد.
وأكثر من يكرر الأمر بإلحاح ويناقش، هم شباب أصغر مني، يعتقدون أنهم أنفسهم لا يزالون صبية صغار، توهم بيبي، دادا، رغم أن الفارق غالباً ليس أكثر من سنتين أو ثلاث. يا للقرف، بكل صراحة، يا للقرف.
قررت أن أطلب ممن يسألني منهم مرة أخرى أن يكف عن هذا، بصراحة، وربما قسوت أكثر. أساساً نفسيتي مؤخراً لم تعد تحتمل أي شيء.
تزوج تزوج تزوج، ما هذا؟؟؟؟ حياة من هذه؟؟؟؟
ذكرني هذا بالأسئلة الوقحة التي كانت توجه لأخي بعدما تأخر بالتخرج، وصارت السخرية المغلفة بالمزاح هي ديدن بعض الأقارب، خصوصاً أحدهم الذي كان غير حاصل على أي مؤهل.
ونفس الشيء تكرر مع صديق لي سابقاً، حينما تأخر بالتخرج، وكان بعض الناس على ما يبدو يبنون ثقتهم بأنفسهم بالتندر على حظه ومضايقته بالأسئلة. كان السؤال عن هذه الأمور، مهما كانت العلاقة لا تسمح، هي أسهل ما يقوم به الناس، ولا زال الناس هكذا، كما هو واضح.



إني سائم إلى أقصى حد... أفكر بأخذ إجازة، وقد حادثت مديري، الذي بدا محتاراً، بين الموافقة أو ترغيبي عن الإجازة، رغم أنه لا يوجد عمل حقيقي هذه الأيام. سألني بطيبة إن كان يستطيع المساعدة في شيء، أو إن كان هناك ما يضايقني بالعمل. أخبرته بأن كل شيء على ما يرام، أني أريد فقط أن أرتاح. وافق، لكن بدا أنه لا يريد.


بالواقع، لا يدرك أحد هذا، ولكني متعب جداً، جداً، لم أعرف مثل هذا التعب منذ زمن طويل، ولكني تعلمت كيف أخفيه بأقصى ما استطيع. يبدو أن الحقائق، والظروف، وسوء الحظ، كلها تتسابق لشغل تفكيري، وتغذية همومي.
اسبوع، ام اثنين؟ هنا موطن الحيرة. أشعر بأني أريد إجازة إلى الأبد...


هذه قصيدتين كتبتها في صفحتي على قوقل، بز أو صدى:


لا تصدقوني...
حينما أقول إني راحل...
فإني مدرك أني على ساحل...
كل أمواجه تدفع إلى الداخل...



قلوب...
يدحرجها الهبوب...
أصحابها ينظرون...
ولا يستخسرون...
يقودها قلبي...
يتدحرج في إثري...
إذ أني رحلت...
بعدما سئمت...
سوء القدر...
والعيش إذ انحدر...



الدكتور الألماني الكبير، رأيته أمس في قسمنا. كان يجلس بانتظار أحد ما. وقد فوجئ حينما جئته، إذ كان يظن أني غير موجود. بدا أفضل مظهراً من الفترة السابقة بكثير، ربما كان مرهقاً في ذلك الحين. أخبرني بأنه سيسافر إلى ألمانيا، لحضور حفل ميلاد والدته، وحفل موسيقي من تأليف ابنه(غير عاديين بالتأكيد). كنت قد رأيته من خلف الزجاج، فخرجت لأراه حيث يجلس منتظراً في صالة المراجعين، وأنا ألوي خصلة من شعري عند رقبتي من الخلف، كأني بزر، انتبهت متأخراً. أفعل هذا لدوافع مختلفة، قد أفعل هذا حينما لا أكون واثق من شيء ما، أو ربما متوتراً، أو هارب من أحد، أو من واقعي، لكن، في هذه المرة، لم أكن واثقاً من نفسي. بيد أن الحقيقة المهيمنة في تلك اللحظة هي أني كنت كئيباً، كما أنا منذ فترة، وليس بسبب لقياه، وكافحت لأتفاعل بالقدر المطلوب، إذ كان بالي مشغولاً ببؤسي، وشعرت بأني أعتصر روحي لأبتسم. شعرت بالأسى على نفسي وأنا أفكر بطموحي بمصادقته، نحن بالفعل ننتمي إلى مستويات مختلفة فكرياً.





لا زلت أحتار في أمر شراء جوال. كنت أفكر بأني سأشتري واحد في نهاية الإجازة الصيفية، لكن لم أجد جهاز ملائم. أو لم تنزل الأجهزة الملائمة في أسواقنا، فهي موجودة بالخارج.




خضت والألماني الأصغر نقاشاً عبر البريد. بدأ الأمر حينما وجدت أنه يهتم جداً بالحضارة الإسلامية، وبالأحوال الحالية، وبالحياة هنا، بكل جوانبها، على نحو مفرط، فسألت عن ما وراء الاهتمام. فأجاب بأنه يعيش ويعمل في هذا المكان المميز، ويريد أن يتعلم أقصى ما يستطيع عنه، وأنه لا يوجد سبب سري، مرفق هذا بابتسامة. أجبته بأني أفهمه، لكني تصورت بأن لديه اهتمام خاص بالدين، الذي لا ينفصل هنا بطبيعة الحال عن أي من جوانب الحياة. أجاب إجابة طويلة، وأعتقد بأن ترجمتها ضرورية لتروها كما هي. لكن ربما من الأفضل أن أترك الأمر، لخصوصيته، للتدوينة القادمة، ولأن هذه التدوينة ممتلئة بما يكفي. كما أن الرجل قد يرد، رغم مرور وقت طويل على ردي عليه، إلا أنه أخبرني، وقد بدا أنه مصدوم بردي، صدمة حقيقية، بأنه يريد أن يكتب رداً أو ردين، لكنه يريد أن يكون حذراً حتى لا يقول بأني على خطأ أو على صواب، وبدا أن رغبتين تتنازعانه، رغبة باستفزازي، ورغبة بالإبقاء على صداقتي بلا مخاطرة. وكي أتفرغ في المرة المقبلة لترجمة المراسلة، ولأعدكم للقراءة، أود أن اطلعكم الآن على شعوري تجاهه، وما يبدو أنه شعوره تجاهي. بسم الله نبدأ:
يمكنني أن أبدو غبياً جداً، في أول لقاء لي مع أي أحد، ولفترة طويلة بعده. يعزز هذا ميلي الطبيعي للابتسام للناس، الأجانب خصوصاً ممن لن يفهموا بالمقلوب، ولا أعني الابتسام المحمود البسيط، إنما الابتسام المستمر، وهي عادة يبدو أنها تسبب الإرباك مع الوقت لبعض الناس. يجعلني الأمر أبدو ساذجاً وغبياً، ولا بأس لدي بالأمر، لأن الابتسامة ترضيني قبل أن أتسائل؛ هل ترضي الناس؟، بالطبع، طالما لم يبدو عليهم سوء الفهم. يبدو أن لطفي الذي أعجب هذا الألماني بالبداية، وتبسمي، قد أشعره بوصوله إلى درب مسدود معي، بحيث لم يعد للغتي الانقليزية فائدة بالحوار، طالما يجد نفسه مضطراً للتلطف أمام تبسمي ولطفي. بعض الناس لا يحتملون اللطف لفترة طويلة، ليس لأنهم أشرار بالضرورة، لكنها طبيعتهم. كنت قد لاحظت بأنه بدأ يتجنبني نوعاً ما، ويحاول أن يختصر تحادثه معي، فيما يشبه تسطيح وتغيير مسار. لم أكن أمنعه بالواقع، وكنت أعطيه الفرصة، وأعينه، ليتهرب ويبتعد. جدير بالذكر أنه من أهل الشمال الألماني، وحسب خبرتي، كلما توجهت شمالاً، كلما جفت المشاعر، وأصبح الدفئ غريب على القلب، ومؤذي، على عكس البافاريين في الجنوب(من حيث يأتي الدكتور الألماني الأكبر، الذي أحبه كثيراً بصدق). وبدا أنه ارتاح لأني لم أصعب عليه الأمور. جاء وقت الدعوة إلى منزلي، التي تحدثت عنها بإسهاب قبل تدوينة أو اثنتين. لم أكن أنوي دعوته، بصدق وببساطة أقولها، لأني أولاً لم أشأ أن أدفع الأمور في إتجاه كنت أتصور بأنه لا فائدة منه، طالما لا يجدني مثيراً لاهتمامه، وهو لا يثير اهتمامي بصراحة لكثرة حديثه، وقد أضايقه أحياناً بوجودي على ما يبدو بشكل واضح، وثانياً لأنني كنت أريد أن أدعو عدد محدود من الناس، ومتنوع. كان الضيوف الأساسيون هم الدكتور الألماني الأكبر، والدكتور التركي الطيب، الذي دعاني للإفطار مع عائلته في رمضان الفائت، والدكتور الصيني الطيب، الذي دبر لحضور صديقه أيضاً، وقد أحسن التدبير. اعتذر الدكتور التركي، لأنه كان مدعواً في سفارته في نفس اليوم. مما أوقعني في حيرة. الصينيون لا أعرفهم جيداً، وربما كانوا مختلفين إلى درجة قد لا يتوافقون تماماً مع الضيف الآخر، وقد كنت محقاً. قررت أن أدعو المحاضر الألماني، محل الجدل هنا. كانت دعوته لأجل الدكتور الألماني الأكبر، حتى لا يمل، ولا يبدو له الجو فارغاً. فرح الرجل الألماني الأصغر على نحو فاجئني بصراحة، ويمكنكم العودة للقصة في البضع تدوينات السابقة لهذه. يبدو أنه لم يتوقع بأني أعرف غير الابتسام، وبدا لي أنه أعجب بشيء ما، ليس أنا شخصياً، ولكن ربما بنوعية الاهتمامات. ولكن تنازعه بشكل واضح عدم الشعور بالارتياح تجاهي. أقول هذا بعد الوليمة، وبعد عدة تواصلات بعدها، بفترة. كان ولا يزال يبدو لي؛ أنه يريد أن ينتزع عقلي من رأسي ويحاوره وحده، على نحو مكثف، دون أن يكون لسعد علاقة بالأمر، إن كان هذا جائزاً. أو ربما يخاف من مصادقتي، وهو غير معجب بكل جزئية، أو ربما لا أدري، ما أعرفه بوضوح هو: أنا أسبب لهذا الرجل إرباكاً لا يعجبه، ولا يشعره بالراحة تجاهي، وأحياناً أشعر بأنه يكافح كي لا يكرهني!! وبكل تأكيد هو لا يكرهني، حتى الآن على الأقل، ولكن لديه الاستعداد، وربما الدافع، الذي يقاومه، وإن  لم أستطع وضع يدي على ما يربكه في، ولا على الدافع. 
وتيتي/ـه وتيتي/ـه، وانتهت الحدوتي/ـه. قولوها كما تشاؤون، لكن لا تصدقون أنها انتهت بالفعل. وإن كنت راغباً بأن لا تستمر كثيراً. أرجو أن تتطلعوا للحوار الذي دار بالبريد، في المرة القادمة.




صادفت مؤخراً الكثير من المعارف، والناس المختلفين. في معرض الكتاب، رأيت أحد زملائي في الوزارة التي كنت أعمل فيها قبل فترة. بدا بائساً، ولكنه رحب واهتم، وأجلسني معه، حيث كان يشرف على قسم الوزارة. تكلمنا حول مختلف الأمور، وتنبأ لي كما يحلو له دائماً، بأن حظي سيكون حسناً، وسيعوضني الله خيراً. هو رجل طيب جداً. وصادفت كذلك مدون، يعلق بكرم على تدويناتي أحياناً، DR.MAD . وقد عرفته لأنه يضع صورته الجميلة في أحد مدونتيه. أوقفته وسلمت عليه، وعرفته بنفسي. كنت في حالة شبه رثة، إذ كنت متعباً في ذلك اليوم بالواقع، ولكني خرجت لألقى أحد الزميلين الطيبين بالعمل. كان الرجل لطيفاً وودوداً. أرجو أن ألقاه وزميله مرة أخرى. لم أشتري شيء من معرض الكتاب. وجدت كتاب أعجبني، عن نساء الأندلس، ولكن لم أحضر معي مال، رغم أن زميلي عرض علي شراء ما أريد على أن يدفع هو، لكن سعر الكتاب أصلاً مبالغ فيه، كعادة دور النشر الأجنبية حينما تأتي لتسرق كل سنة. أصلاً، كل دور النشر لدينا حرامية، وأنا أحملها جزء كبير من المسئولية، فيما يخص ضعف إقبال الناس على القراءة. يكفي النظر إلى أسعار كتب جرير، وخياراتهم.
في دار نشر لبنانية، سألني شخص أجنبي عن كتاب، وأخبرته بأني لا أعرف، وكنت أرتدي ثوباً، فكان سؤالي عن كتاب في دار نشر لبنانية ضرب من الغفلة. التفت إلى زميلي وسأله عن الكتاب، زميلي كان يرتدي بنطالاً، ويحمل حقيبة، فربما كان سؤاله أجدى. حينما غادرنا الجناح، مازحت صديقي بأنه يبدو لبنانياً، ضحك بشدة، وأضفت بأنه بالتأكيد من عتبان لبنان. ضحك أكثر. ونبه إلى المفارقة، إذ سألني الرجل كذلك، أخبرته بأنه ربما حسبني من المنظمين طالما أرتدي ثوباً، وليس مثله. كنت جائعاً جداً، وشعرت بأني أفقد اتزاني. خرجنا، ودعاني صاحبي للعشاء. درنا على مطاعم مكدانلدز القريبة كلها، لنجد من يبيع له سبايسي ماكتشيكن، لكن لم نجد، فذهبنا إلى برقركنق. حينما دخلنا في أحد المطاعم، كان يريدني أن أبقى بعيداً عن متلقي الطلبات، خوفاً من أن أدفع الحساب، ولكني طمأنته بأني لن أدفع شيئاً، فليس معي مال في تلك اللحظة. تعشينا جيداً، وتكلمنا عن أمور ممتعة. ولكن سائني جداً أن قريبه الذي جاء معه ذات مرة، قد كذب علي بإصرار، قائلاً أنه متزوج. تضايقت حقاً، وتسائلت عن سبب الكذب في هذا الموضوع غير المهم، ولم يسأل عنه أحد، وكأن الناس مغفلين، وهو بعمر أكبر من يكذب هكذا، وموظف حتى. وكأنما يكذب للمتعة. قال زميلي الطيب بأنه هو نفسه تضايق، ووبخ ابن عمه لاحقاً. أفهم الذين يكذبون مضطرين، لتجنب إحراج، أو للدفاع عن خصوصيتهم، لكن الكذب بلا سبب، وعلى شخص لأول مرة تلقاه، شيء سخيف، يجعلني أزدري من أمامي بشدة.

أما شخص آخر لقيته، فيا الله، كم هو إنسان فريد. لم ألقه في معرض الكتاب، ولكن قدره جاء به إلى قسمي بالعمل مباشرة. هذا شخص عرفته منذ أيام الابتدائية، حتى المتوسطة، حتى الثانوية. كان هو وأخوه أصدقائي، وكل منهم صديق مختلف عن الآخر. اسمه مهند، وهو فلسطيني، من يافا أصلاً. له ملامح جميلة، وطفولية جداً. هو الشقيق الأصغر لهيثم، الذي هو بعمري، ولكن مهند أصغر منا بسنة واحدة على ما أعتقد، فقد كان دوننا بسنة دراسية واحدة. رأيت هيثم بضع مرات، ولم تنقطع اتصالاتنا. هيثم عملي، وواقعي، يخالج حضوره شيء من البؤس المزمن، وهو من النوع الذي يظهر بآراء مميزة وذكية، وملاحظات، سواء كانت صحيحة أم لا، إلا أنها غير دارجة. أما مهند، فهو طفل جميل فقط، مهما كان عمره. لديه دائما الاستعداد للمرح والضحك، وإن لم يكثر على نحو ممجوج، وهو رقيق جداً، لطيف جداً. أتذكر دائماً حينما كنا في الثانوية، وقد كانت صداقتنا وطيدة جداً، حينما قلت شيء يمكن له أن يفهم بشكل سيء، رغم أني لم أقصد المعنى السيء، إنما قصدت معنى عادي، ولكنه بعيد عن الفهم، بسبب سوء تعبيري. قلقت جداً، خفت أني جرحت مهند، أنه أساء الفهم. بعد يوم ربما، ذكرته بالأمر، وقلت له بأني لم أقصد ما قد يفهمه، إنما قصدت كذا وكذا. فقال مهند بأنه يعرف أني لم أقصد شيء سيء، وهو لم يعر الأمر اهتماماً، قالها باسماً بصدق، وأضاف: أنا أحسن فيك الظن يا سعد. لم أسمع أجمل ولا أرق من هذه الكلمة، حتى الآن. كانت صادقة، سمعت أشياء رنانة يفترض أنها أكثر تأثير، لكن لطالما نقصها الصدق. كنا نعود في الاختبارات النهائية، لما كنا في الثانوية، معا في سيارة أجرة واحدة، بعدما انتقلوا إلى حيّنا، ونتوقف عند منزلنا، ندخل، نشرب العصير ونلعب بالننتندو64. كنا نستمتع إلى أقصى حد، ثم يغادرون إلى منزلهم، ليرتاحون، ثم تبدأ المذاكرة للجميع. ما أجمل تلك اللحظات، وما أبعدها، وأبعد حدوثها مجدداً، عن واقعي الآن. فوجئ مهند برؤيتي، وقد بدا أنه تغير على نحو طفيف، ولكن للأفضل. قال لي مرة أحدهم، بأن هناك أناس كلما كبروا كلما حسن شكلهم، وأتصور أن مهند هكذا. كنت قد انقطعت عن مهند حينما سافر إلى الأردن ليكمل تعليمه، ولم أره بعدها إلا مرة ربما، قبل سنوات طويلة جداً، إلى درجة تؤلم قلبي الآن. ياما التقيت بأناس لم أرهم منذ زمن بعيد، لكن، لأني بطبيعتي لا أحن للأوقات القديمة، ولا أتمنى عودتها، لا أتأثر برؤيتهم. لكن مهند، استثناء في ذكرياتي، ومحبتي.

من غير المنصف كذلك نسيان شخص مميز آخر، وإن كنت أشعر بأنه كان من النقاء بحيث يصعب على الزمن مقاومة تلويثه. هو الآخر أجنبي، من مصر. اسمه باسم جمال الخطيب. أمنيتي منذ فترة طويلة التوصل إليه. كان صديقي في أيام المتوسطة. كان بريئا جداً، وطيباً جداً، ولكن، كثيراً ما أسيئت معاملته، وإن لم يكن إلى الحد المأساوي، كما يحدث مع آخرين، فقد كان يفرض احترامه لمن لديه ذرة تربية.. للأسف، لم يكن لدى الجميع هذا القدر من التربية. أتذكر بأنه كان يخبرني بأنه بالأصل من الصعيد، ومن عائلة كبيرة. وكان شديد التعلق بوالده، شديد المحبة له، وبالطبع لم يكن يكره والدته، لكن جرى ذكر والده على لسانه أكثر من ذكر والدته، بينما كان الشعور لدي معاكساً، فأمي هي الأقرب، وكان هذا أمر جدير بالملاحظة بالنسبة إلي، في ذلك السن، على أنه أمر عجيب. كان يجدني مضحكاً، بطريقة تغيضني في أحيان كثيرة، وبنفس الوقت، كان معجب بي، على ما أتذكر، جداً. قال لي ذات مرة بالمكتبة، وهو ضاحك ببهجة، أن الجميع يحب أن يجلس إلى جانبي، ويحب أن يحادثني. ربما كان محقاً، ففي الصف الثاني متوسط، كان لي مثل هذه الشعبية. برر الأمر بأني طيب، وممتع، ولدي ما يمكن التحدث عنه مع الجميع. لم أعد بهذا النجاح، ولكني لا أشعر بالأسف، ربما لأني لم أعد أتمنى مصادقة كل الناس، فواحد يكفي، واحد فقط ؛ لكن أين هذا الواحد؟. باسم، كان لديه الكثير من الأمور الغريبة، والبسيطة ليقولها. كان كذلك من الأوائل على مستوى المدرسة، وهذا جعله عرضة لنقمة استاذ التاريخ، لا بارك الله فيه. كان استاذ التاريخ يتحيز إلى الطالب الأول على المدرسة، وهو سعودي، كان طالب مغرور جداً. كان يحاول أن يحطم باسم، على نحو غير مفهوم، حينما تسنح الفرصة. كان حقيراً جداً. بالواقع، الكثير من المعلمين أناس حقيرون، لهذا نحن لا نتقدم. ذات مرة، صار يعبث بقلم تظليل أصفر اشتريته، وكان نوع جديد ومكلف بالنسبة لميزانيتي، ولم يكن توفير غيره سهلاً. عبث به باسم أكثر من اللازم ورفض إرجاعه، واتهمني بالبخل، وبدا أنه سيقضى على الحبر بالشخبطة. ارتفع جدلنا، فتدخل المدرس. لم يقم المدرس بشيء سيء، لكن بعض الطلاب الآخرين اتهموا باسم بسرقة الأقلام. كان هذا الاتهام بالنسبة إليه جارحاً جداً، وغير عادل. لما انتهت المسألة، شعرت بالندم الشديد لوصولها إلى هذا الحد، رغم أني لم أشتكي عليه. كنا في الصف الثاني المتوسط. نظر إلي باسم بعينين تختلجان بالدمع، وقال: كل هذا بسببك يا سعد. ووضع رأسه على يديه، على الطاولة، وبكى. أتمنى  لو أني في تلك اللحظة تركت القلم ليحترق أو يفسد، لم أكن أعلم بأن ذلك الجدل الصغير والسخيف، بالصوت غير المرتفع ولكن الحانق بيني وبينه، سيجر تدخلات الآخرين المبالغ بها. لكننا عدنا أصدقاء رغم كل شيء، حتى انتهت المتوسطة. في الثانوية لا أدري أين ذهب، لكني قرأت بأنه كان من الأوائل على المملكة. كان والده باحثاً، وكان بقائهم في المملكة مرتهن بأبحاث والده العلمية، لكني لا أتصور بأن  والده أبقاهم بعدما أنهى باسم الثانوية.
باسم، أرجو أن يوصلك بحثك يوماً ما إلى هنا. إني أحتاج معدنك.




غداً الخميس، يوجد نشاط أعدته إدارة العمل. سيلتقي الموظفين في استراحة، وسيتعشون. قيل لي بأنه لن يكون هناك أنشطة سوى الجلوس، مما يجعلني أخشى أن الأمر سيقتصر على تصدر العميد والوكلاء المجلس، وربما يتحول الأمر إلى مجاملة وعناية خاصة بهم، كما يجري بالعادة، ولو لم يكن هذا إلا بسبب بعض كبار السن، سيئي الفهم. لكني سأذهب على أي حال إن شاء الله، وسأرى كيف سيكون وضعهم. قال لي مديري، وهو كالعادة من يلقى على عاتقه كل عمل ليس من اختصاص أحد آخر، أنهم اختاروا الاستراحة لتكون بحجم عادي، ودون ملعب أو مسبح أو شيء من هذا القبيل. وستكون هذه المرة جس نبض، ليروا إن كان الموظفين سيقبلون عليها، لأنهم يخشون أن لا يأتي أحد، كما حدث في نشاط سابق، له مناسبة مختلفة. في النشاط السابق، أنا لا ألوم الناس على عدم الحضور، كانت الاستراحة والعشاء لتكريم عميدنا السابق، وبغض النظر عن ظلمه لي، وتمنيي أن ينتقم لي الله منه شر انتقام، إلا أني أعلم بأن أغلب الموظفين لم يروه منه سوء، كان حظي أنا فقط. ولكنهم مع ذلك، لم يحضروا تكريمه، لماذا؟ لأن تكريم الناس هؤلاء أمر مبتذل جداً، حتى لو كانوا أناس جيدين. فقد مل الناس الذين لا يحلمون أن يصبحوا مدراء، من جرجرتهم واستخدامهم كجمهور لتقدير أناس آخرين، كل الفرق أن ظروفهم كانت أفضل، ومؤهلاتهم أعلى، رغم أن الآخرين، ذوي المؤهلات المنخفضة يعملون، ويتفانون، وهم تروس العمل، إلا أنه يتم تجاهل كل هذا، وكأنما متوقع منهم أن يكتفوا بالمال، غير الكافي عموماً، دوناً عن المعنويات، وأن لا يحلموا بالتكريم أبداً. لم أستغرب أنهم لم يذهبوا، وأن من المئة وخمسين ضيف متوقع في تلك المرة، لم يتواجد سوا 35 رجل. لماذا يحضرون تكريم شخص ربما لم يؤثر على حياتهم بشكل واضح، ربما كل معروفه فقط أنه كف شره عنهم. هذه المرة لا يوجد تكريم. وهذا أمر حسن. ولكن إن كانت الحكاية كلها نفاق، وسيطر بعض كبار السن على الأمر، برعايتهم الممجوجة لأي ذي منصب، فلن آتي مرة أخرى.
أعتقد أني سأنتظر إلى الغد، حتى أحضر، ثم أنشر التدوينة.

حسناً، أكتب الآن بعد الوليمة. كانت فشل ذريع برأيي، وليست ما قيل أنها ستكون عليه. كالعادة، لا نستطيع أبداً أن نتخلى عن النفاق، وإعطاء كل شيء لمن لديهم كل شيء بالفعل، طوال الوقت. 
أولاً، كنت الحاضر الوحيد بلا شيء يغطي رأسي. لعدة أسباب، أني لن أعامل الحدث وكأنه جزء من الوظيفة كما يفترض، ولأني لم أكن أنوي بأي حال الحضور بالغترة. حضرت متأخراً، بعد صلاة العشاء، لأنه قيل لي من قبل شخص مسئول عن التنظيم أن الحضور رسمياً يفترض أن يبدأ في ذلك الوقت. لكني عرفت أن الأمور اختلفت، وأن الهدف أصبح هدفين، وأن الموظفين، الذين يفترض أن تنظيم هذا الحدث لأجلهم، لم يكونوا أهم الحاضرين، إنما حضر معظمهم للـ"تصفيق"، فقط. حينما جئت قيل لي بأني متأخر، وأن كل شيء حدث بعد المغرب. فوجئت، ماذا يمكن أن يحدث؟ فهو يوم مفتوح حسب فهمي، تم تأجيل كل شيء فيه إلى الليل بسبب سوء التنظيم. علمت بأن وكيل الجامعة كان يفترض أن يأتي، ولكنه قال للناس بأن وقته لا يلائم حضوره بعد صلاة العشاء، فهو يريد أن يأتي بعد المغرب، يشرف على تكريم بعض الناس، ثم يغادر. بالتأكيد تنبه إلى أنه لا يريد أن يشارك الناس العشاء. وبهذا غير نظام كل شيء. لم أعلم أن هناك تكريم، ولم أعلم أني ضمن المكرمين، ولكني شعرت بالسخط، لأن اليوم المفتوح، الذي يفترض أنه للترفيه عن الموظفين، وإبداء الاهتمام وحسن النوايا تجاههم، تحول إلى يوم نفاق مجدول، عمه الحضور الثقيل لأناس لا يريدون أن يتخلون عن الرسمية، وفارق المناصب، بشكل واضح. سخافة كاملة. أتى لي مديري بورقةن حوت قصيدة لهذه المناسبة (!!) كتبها دكتور مصري لا علاقة له بنا سوا أنه مراجع، ولم يحضر حتى المناسبة. كانت قصيدة سخيفة إلى حد أنها مثيرة للعجب، وصف فيها مدير بأنه "نسر" ووصف الآخر بأنه "أبوالمكارم" وآخر بأنه "رحمة لقسمه" بينما خرجت القصيدة من "مهجة" الشاعر!!!!. وقد وصف كاتبها نفسه أنه شاعر، يا للإجرام.
جلست على الطاولة حيث مديري وبعض الموظفين من القسم، وآخر من قسم آخر. وتكلموا عن انشغال الناس بالجوال والبلاكبيري بالمجالس، وسوء الأمر. قلت بأني أعتقد بأن هذا نتيجة طبيعية لسيطرة بعض الناس على المجالس، وعدم إعطاء الآخرين الفرصة للتحدث. الموظف من غير قسمنا، لديه إشكال مع أخي، وهو ينظر إلي بتوجس ليرى تأثير الأمر. وجد أن الأمر لا يؤثر، فانبرى لمناقشتي بهذه الآراء، وغيرها، على نحو وجدته كالطريق المسدود. مثل حينما احتجيت على التنظيم، وما جرى وتغير عن الوعود حول هذه المناسبة، فشرح لي مديري أنهم أضافوا إلى المناسبة التكريم، حتى لا يضطروا لوضع مناسبة أخرى له!! أفسدوا وعدهم لأجل هذا. تكلمت عن رسمية الأمر، فقيل بأنه غير رسمي، فلو كان رسمياً لأقيم بالجامعة، فقلت أنهم إذا نقلوا رسمية الجامعة إلى الخارج، ولفت الانتباه أني الوحيد الذي لا يرتدي شماغ. تحسب المنظر دعوة لزواج بالواقع، حينما ترى المهندمين والجو الرسمي المقيت. لفت الانتباه أن الناس حينما يسعون للترفيه عن موظفيهم يأخذونهم بأجواء غير رسمية، وغير ملزمة، وبأنشطة ترفيهية وأجواء مريحة. قال الرجل ذو المشكلة مع أخي أنه هذا ليس جزء من ثقافتنا (!!). أخبرته بأني أعرف اناس في مؤسسات وشركات يخرجون بمثل هذه التدابير، فقال بأن هذا القطاع الخاص، قلت بأن من يخرجون هم أصدقاؤنا وإخواننا، فكيف تختلف عاداتهم؟ قال بأن الوضع الحكومي مختلف، ومن هذا القبيل. بدا لي الأمر ضيق أفق عجيب، ومحاولة فقط للدفاع عن سوء الوضع الممرض. كان الأخ الدرامي، الذي أتيت على ذكره أعلاه، قد حضر، واسترق النظر نحوي، لكننا لم نتكلم، إلا حينما خالفني لمرة، على نحو بسيط وغير مسترسل. جاء وقت العشاء، وهو أسوأ عشاء أتذكر أني تذوقته. كان الوضع كارثياً، ولكن عموماً، كثير من الناس لا يهمهم طعم ما يأكلوه، ولا نوعيته. أخذت الكريم كاراميل، فكرت بأنه شيء صناعي يصعب إفساده، أو جعله مقرفاً، ولكن الطباخ إنسان بطل، فحتى هذا جعله شيء مقرف إلى أقصى الحدود، أدام الله النعمة. قال زميل كبير بأنه سيغادر، فخرجت معه. قيل لنا ونحن خروج: "بدري؟ بدري؟" هاها، من عمركم. قلت لزميلي بالخارج، إن كانوا يريدون أن يحتفون بأنفسهم، فليخرجوا وحدهم. ما أسعد حظ من لم يحضروا، إن الله يحبهم على ما يبدو أكثر مني بكثير، وهذه ربما إشارة لي لأزيد من الصالحات.





يا للأمور التي لا ينساها المرء. خصوصاً حينما يخيل إليه بأنها كانت آخر أمله بشيء معين، ولكنه لم يفهم أو لم يستفد، فضاع الأمل، ولم يعد لديه غير لوم نفسه. ولو كان واهماً، ولو لم يكن الأمل قد حضر فعلاً في أي وقت. 

لا زلت لا أنسى الكثير من الأمور من هذا القبيل، وأتذكرها من حين إلى آخر، حيث أنها تمثل ومضات من أمل في حياتي الخاوية. لن أنسى فتاة لا أعرفها، ولا أدري ما كانت فرصتي، إلا أني لا أستطيع أن أنسى. كنا في مكة، وكانت بكامل سترها، وبدا لي من حضورها، وحضور عائلتها، أنها من نجد. كانت متنقبة حينما رأيتها، وقعت نظرتي على عينها فجأة، فصددت. لكن تلك الصورة بكل ما حوته، خصوصاً الجبهة البديعة، والشعور بأنها تراقبني بشكل خاص في ذلك السوق، أني لدي كذلك ما يميزني ليراني شيء بمثل هذه الروعة التي هي عليها ويتابعني، جعلني ألتفت بعد مسافة قصيرة، وأنظر خلفي، إلى حيث كانت تجلس. كانت  قد عادت لمراقبتي وأنا أبتعد، حيث أنها أجفلت حينما رأيتها بالمرة الأولى، فصدت في اللحظة التي صددت بها. حينما رأيت نظرتها إلي، سارعت بتغطية عينيها وصدت بخجل واضح وتوتر، فصارت مجال مصمت، شيء غير عادي، بديع ومثير للتفكر، محبوس خلف جدار مصمت لفرط تميزه وخصوصيته، مثل الجنة خلف أسوارها. أتساءل دائماً إن كانت تزوجت؟ شعرت في ذلك الحين أنها صغيرة، وغير متزوجة. كثيراً ما تخطر على بالي، لسبب ما، في حين أني رأيت وجوه كاملة، جميلة، بزينتها المفرطة، لكنها لم تكن أكثر من شيء لا رغبة لي به، أصد عنه بسهولة، ولا أعاود الإلتفات. كيف لا تكون من نجد؟. لقد فقدن الفتيات هنا الكثير من الخصوصية، فقدت نجد الكثير من الخصوصية، لكن لا زال الجوهر موزع، ولم يمس كله. قد لا تكون من نجد، ولكن، لو لم تكن، فقد كانت مثل النجديات، كما يجب أن يكن.

أتذكر تلك الكلمات، بعدما تخلى صاحبها عن المظاهر المتعالية وموقفه للحظة واحدة، وكشف النوايا، حينما قال بلهجة لم أسمعه يستخدمها، لفرط صدقها على طبيعته المتخفية: يا سعد، والله لو ما لك قدر عندي كان ما رديت عليك... وأعقب بوعده، وتوجيهاته، بتحسين الأمور التي كانت شائكة، وحل الإشكالات، وتصفية القلوب، ثم تأكد، بحرص، أني سمعته جيداً. كان هذا أقصى ما استطاع قوله، وقد كان كافياً، كافياً لي الآن، لكن القلب الذي سمع في ذلك الوقت غير القلب الذي يعي الآن، كانت تنقصه البصيرة، وكان مثقل بالخيبة، وسوء الظن بالأيام. 
لم أترك الأمر حتى دمرته تماماً، من حيث كنت أرغب العكس.
ظلت الخيبة، بل استفحلت. أما البصيرة، فلا تنفع في غير وقتها.

يجب أن تكون البصيرة حاضرة في قلوبنا في كل وقت، أن نبذل الأسباب لاستبقائها فيها. ويجب أن يكون التفكير المعقول سابق لأفعالنا، تماماًَ بعد النوايا الحسنة. 





كم من الليالي الطويلة مضى...
كم بقي منها ينتظر...
كم قلبي يحتاج إلى السقى...
كم من الماء، قبل أن يبلغه، انتثر...
كم عهد من الأمل ولى وانقضى...
كم حسرة شرخت قلبي حتى انكسر...
كم نسيت أني مسير عن الهوى...
كم نسيت أن الابتلاءات قدر...


سعد الحوشان

السبت، 27 فبراير 2010

صدى يتردد أبداً، في فرسخ فراغ(أفكار،أحداث،مشتريات،قصائد)

بسم الله الرحمن الرحيم





يا لمسالمة الأيام الخاتلة، يا للهدوء غير المطمئن لحياة طبعها الخيانة. هكذا أشعر مؤخراً، والترقب والقلق لا يمهلاني لحظة.


ما بال الشباب الصغار هذه الأيام؟ الكل يشكو منهم، ولم يكن الناس يشكون منا بهذا القدر حينما كنا أصغر، أنا وأبناء جيلي. بطبيعتي لا أحب المراهقين. لكن يبدو أن كراهيتي وضيقي صارا يمتدان إلى فئات عمرية أكبر، ليس بسببي، إنما لأن الفئات العمرية الأكبر، الشباب، ارتدو إلى المراهقة، وربما صعد الأطفال إليها قريباً. في برقر كنق، صار الشباب يأتون كثيراً في الأيام الأخيرة، وصاروا ينتقون الجلوس قربي في أحيان كثيرة، بكل إزعاجهم وصفاقتهم، ودخانهم، وعاداتهم السيئة بالأكل والتحدث، بكل ما فيهم من سوء. إنهم يتحدثون وكأنما هم في مجالسهم، يرفع الواحد منهم صوته حتى لتخال أنه قد رزع له حنجرة حمار، ويختارون أسوأ ما يقال أمام النعمة وأقذره بلا احترام، على نحو يصدم، ويجعل المرء يتساءل، هل تعرضوا لأي نوع من التربية؟ وهم لا يحترمون النعمة، فلا يحترمون السامعين بطبيعة الحال. جلس بقربي قبل قليل ثلاثة منهم، يتحدثون بصوت لم أعلم بأن لديهم أعلى منهم إلا حينما صاح أحدهم بطريقة آلمت أذني بلا مبالغة، وأفزعت قلبي، فلما رفعت عيناي عما أقرأ، وجدت أن من صاح هو من يقابلني، فأرى وجهه الذي لا يدري المرء كيف يصنفه، فقد بدا كصبية قبيحة، وإلى ذلك يتيمة لا تجد من يسرح شعرها كما يجب، بشاربيه الخفيفين، وشعره الذي ليته كان أطول أو أقصر، إنما يشعر المرء أنه توقف بأبشع حالاته، فلا يمكن تخيل أن وضعه سيسوء أكثر لو طال أو قصر، وقد لبس تي شيرت بأكمام قصيرة، في هذه الليلة قارصة البرد، وبانت يديه الملونة بأكثر من لون بشعتين، تجعلان القرد يعجب بنفسه ويتمرد على قدره فوق الشجر. ولا أجد فيما يقولون إلى بعضهم ما يستدعي كل هذا الحماس والزعيق.



أبحث بلا كلل طوال الوقت عن عنوان لروايتي، التي طال مكوثها بلا نشر. على أني لا أدري هل أحمل هم النشر، أم هم الموافقة عليه.



من النادر ما يصاب المرء بحلم يجعله يتفكر بمعناه، أو يطرح عليه تساؤلاً يحار به في يقظته. لم يكن الأمر نادراً لدي إلى هذا الحد قبل سنوات، لكنه الآن كذلك. قبل شهور، حلمت حلماً رأيت فيه رجل يشبه شخص أعرفه، يشبهه بحيث يذكر به، لكن ليس شبه مطابق. بدا الشبيه مخيفاً، ليس لقبحه، بل إنه أجمل من الأصل، لكن لأنه أعور، ويتكلم وكأنه لا يعرف الماضي فقط، إنما ما سيأتي. وكان يتكلم بهدوء واثق، وقد بدا أصغر عمراً، وأضعف صحة، وأجمل شكلاً من معرفتي. كان يتكلم وكأنه مضطر للكلام، وقد