الأحد، 9 أغسطس 2009

تداعي (أحداث،أفكار،فيلمين)

بسم الله الرحمن الرحيم



















متى يعتبر المرء شريراً؟ لماذا نعتبر البعض أشراراً بسبب أفكارهم التي لا تؤثر على حياتنا، ولكن نصنف آخرين على أنهم طيبون رغم سوء أفعالهم المؤثرة علينا؟. هؤلاء الطيبون، قد يرتكبون أفعالاً شريرة وعدوانية، لأنهم فقط أساؤوا الفهم، وقد تكون أفعالهم مدمرة، وليست بقدر ما قد ظنوا بأنه يمسهم بشكل ما. مع ذلك، نتخيل بأننا ننظر إلى نواياهم، ونقول: إنهم أساؤوا الفهم فقط. لمجرد أننا كنا نتخيل بأنهم طيبون، لا يمكننا أن نعود ونصنفهم أشراراً بسهولة، خصوصاً حينما يكونون مقربين جداً إلينا لسبب أو لآخر. ولو سمعنا عن نفس فعلتهم تجاه آخرين غيرنا، لربما قلنا بأن من قام بالفعلة شخص رديء. المقصد هو، أننا لأننا طيبين، فإننا لا نملك معيار واضح وعادل لتقييم الشر، عادل تجاه أنفسنا. إن من يخرج أسوأ ما لديه حينما يظن سوءاً في من أمامه، لهو شخص شرير. ومن يخرج أسوأ ما في قاموسه، لمجرد أنه ظن أن الآخر أهانه، أو ينوي إهانته، أو حتى لا يتجاوب كما يحب هو، لهو شخص يحتاج إلى إعادة النظر في نفسه، فالجزاء يكون من جنس العمل، حيث لا يجب أن يكون الرد بأقصى طاقة المرء هو ديدنه. قد نضطر أحياناً إلى استخدام لهجة وكلام قاسٍ، ولكن، يجب أن يكون هذا هو الاستثناء في شخصيتنا.
لقد صنفت أناس على أنهم طيبين لفترة طويلة، أطول من اللازم بكثير، فترة من عمري.









اصبت بالتهاب في حلقي نهاية الاسبوع الفائت، ولم أنتظر وأحاول معالجة نفسي بالماء والعسل كالعادة، ولكني اشتريت مضاد حيوي، حيث شعرت بأن الأمر قد يتطور بسرعة. وفعلاً، حدث ما لم أتوقعه. ساءت حالتي في العمل جداً، على نحو مفاجئ. شككت بأني ربما اصبت بانفلونزا الخنزير، وهذا أمر لا أستبعده نظراً لظروف عملي، حيث أتعامل مع أجانب طوال الوقت، كثير منهم لتوه وصل إلى السعودية. ذهبت إلى المستشفى الجامعي للعمل على تنسيق موعد لأمي. وسألت عن الفحص عن الحمى. لم يكن لدى الاستقبال فكرة، وفي عيادة الرجال الأولية، قالت لي الممرضة أن لا أقلق طالما ما أعاني منه هو صداع والتهاب حلق وأذن وغثيان... فقط!! قالت بأن المرء عليه أن يعاني من استفراغ مستمر، ودرجة حرارة مرتفعة. فكرت بأن الأمور قد تجري بالتدريج. استأذنت من مديري، وخرجت إلى مركز صحي في حي الرائد. فحصني الطبيب، وطلب مني التوجه إلى مستشفى الشميسي. هناك، قالوا بأن حرارتي غير مرتفعة، وهذه علامة على أنها انفلونزا عادية على الأغلب. وكان الطبيب متضايقاً من كون حرارتي منخفضة!! وكأنما ضاع وقته، كان يجب أن أكون مريضاً جداً ومعرضاً للموت حتى أساوي وقته الثمين. رطن باللغة الانجليزية حتى يفهم الآخرين معه، وهو اردني على ما يبدو. كتب لي أدوية، وطلب مني العودة لو ارتفعت درجة حرارتي أكثر. وأخبرني أحد العاملين معه أن أحضر ورقة من العمل ليتم تحليل دمي. فيجب أن تكون حرارتي مرتفعة أو أحضر ورقة، ليتجنبون تحليل كل الناس لدمهم! وتظاهر بأنه هو العامل بالمستشفى لم يستطع تحليل دمه!! كذبة ماحقة. أخبرته بأني لست مهتماً بتحليل الدم، طالما أن الأعراض لدي لا ترقى إلى الخطر، وخرجت.
مات أمس اثنين، وقد تأخر اكتشاف حالتهم أكثر من اللازم. هنا، مثل بقية المتأخرين، وعكس كل المتقدمين، حياة الناس ليست الأولوية.









عدت إلى المنزل مبكراً، حيث نال مني التعب والغثيان. اتصلت بالمدير لأخبره بما جرى كما طلب، وأخبرته بأني لن أعود إلى العمل، وقد كان الدوام قد انتهى بالفعل، ولكن بقي وقت خارج الدوام. نمت طويلاً، نوم مُتعب أكثر مما هو مريح للجسد، ولكني حلمت حلماً جميلاً، حلمت بأني فتحت ثلاجتي، ووجدت ثلاث علب روتبير، وقلت لنفسي: ما أغباني، وأنا أبحث عنه بالسوق طوال هذه الفترة. قمت وقد صدقت الحلم لفترة قبل أن أستوعب أنه مجرد حلم للأسف. ولكن، فاتني كذلك تسجيلي وتسجيل أبناء إخواني معي في دورة السباحة، وقد عذروني لحسن الحظ. أتمنى أن يقبلوننا بالدورة اليوم. شعرت بالراحة لاحقاً حينما اتبعت نصيحة زميلي الملتزم الكبير، الذي اتصل ليطمئن، حيث نصحني بعصر الليمون الأخصر الصغير في كوب شاي. ارتحت حقاً والحمد لله. ولكني قبل قليل وأنا أفرش أسناني، شعرت فجئة بالغثيان، وكدت أن أستفرغ. أتمنى أن ينتهي الأمر بسرعة. يا رب.








الآن في العمل. لا أشعر أني على ما يرام. سأحاول أن أنهي ما لدي من معاملات، ربما سأغادر بعد أو قبل الظهر. لا أشعر بالقدرة أو حتى الرغبة بالقيام بأي شيء.










أكتب الآن في اليوم التالي. صحتي أفضل الحمد لله، إلى حد بعيد. عدت باكراً أمس إلى المنزل، و نمت حتى العصر. كان حالي أفضل بعدما صحوت. ولكن لم أكن على ما يرام، ولا زلت. على أني كنت مضطراً للخروج أمس، لأذهب وبعض أبناء إخواني لحضور دورة بالسباحة كنت أنسق لها منذ الاسبوع الفائت. أريد بشدة أن أتعلم السباحة، مع أني لم أكن أمس أشعر بأني بحال يسمح، ولكن لم يكن بوسعي ترك الأولاد لخيبة الأمل. ذهبنا، وسجلنا، أنا، واثنين مراهقين، وابن أخي الصغير. الدورة بـ250 ريالاً للفرد، في رعاية الشباب، قرب عملي السابق في الوزارة. سألني المدرب حينما دخلنا المسبح، كنت مع ابن اخي و ابن اختي المراهقين، سألني إن كنت أدرس؟ في الثانوية أم الجامعة؟ أخبرته بأني متخرج، سأل: من الثانوية أم الجامعة؟ قلت بأني أعمل، وقد ذهلت من استصغاره لعمري إلى هذا الحد! قال: بسم الله ما شاء الله، فهو مصري. أعتقد بأن تقصيري لشعر وجهي إلى حد كبير يساهم بسوء تقدير البعض لعمري. أغضت الولدين بقولي لاحقاً بأنه يحسبني أخوهم الصغير. تدربنا في أول يوم على بضعة أمور، ولم نكن لوحدنا مع المدرب، كان هناك مجموعة كبيرة، سوا أن معظمهم سبقونا بيوم. شرح لنا المدرب كيف أن سحب نفس عميق وكتمه، ثم غطس الوجه بالماء وإرخاء الجسم، سيجعل المرء يطفو على سطح الماء منبطحاً. جربنا، وكان الأمر جميلاً. طلب منا بالبداية فعل هذا الأمر مع دفع أنفسنا من جدر المسبح بأقدامنا، مع مد أيدينا إلى الأمام وفتح أعيننا، لنتحكم بمسارنا، ثم، جربنا بمد يد واحدة بينما الأخرى إلى جانب الجسم مسفوطة، ثم، دون مد أي يد، وهذه الطريقة الأخيرة، خلفت لدي شعور جميل جداً بالتحرر، دفعت نفسي ذهاباً، ووجدت أن مساري جيداً وأعيني مفتوحة تحت الماء، في العودة، دفعت نفسي واستمر جسدي يتقدم إلى الأمام، وأنا أكتم نفسي وأنظر أسفل الماء، لم أعلم أن المدرب تقدم إلي، ووضع يده بين بطني وصدري، وحركني دافعاً إياي برفق، خطر لي العديد من الخواطر الجميلة. شعرت بأني في منطقة وسيطة بين الحياة والموت، حيث يمكن للمرء أن يختار دونما خوف، أو ربما يطلع على الجانبين، ويحتار بطمئنينة لوضعه. خفتي وعدم حركتي، ووعيي الحي رغم ارتخاء جسدي الطافي مقلوباً فوق الماء، أشعراني بأني بوضع لم يسبق أن عشت له شبيهاً، وكأنما ولجت منطقة محظورة بشعوري. يشبه وضعي في ذلك الحين وضع قشة في ساقي، في مزرعة قديمة منسية، حية بشكل ما.










في اليوم التالي، أمس، انضممنا للبقية المتقدمين علينا. وكان هناك تمرين نقفز فيه بالدور، نسبح كاتمين أنفاسنا بمساعدة عوامة، تجاه المدرب. لما طلب منا الانطلاق، ظننته يريد من الكل الانطلاق، فقفزت! وسببت لخبطة إذ قفز اثنين من اصحاب الدور بنفس الوقت، ولم أعلم سوا حينما وصلت المدرب، الذي اتجه إلي وكأنما هو دوري، فرأيت الكل ينظر إلي مستغرباً!! يا للإحراج. بعد ذلك صرت أنتظر دوري بانتباه. لما تمرنا نفس التمرين، ولكن بالتشبث بيد واحدة بالعوامة، وصلت إلى المدرب، وقال: ممتاز، أفضل من المرة السابقة. تساءلت إن كان أدائي في المرة السابقة سيئا جداً؟ إحراج وسوء أداء.


أود لو تعلمت بسرعة، رغم مرضي إلا أن أموري تتحسن تماماً حالما ألج المسبح. وحينما ننتهي ونغادر أشعر بنشاط غير عادي، ومعنويات مرتفعة على نحو لم أعهده من قبل. يظل وضعي حسناً حتى يحين وقت نومي، فيسوء بضيق التنفس.

لا أستطيع الصبر حتى أتعلم السباحة، أشعر بأني سأسبح جيداً لو تعلمت. وخطتي هي الاشتراك بمسبح الجامعة، لأداوم على الأمر.

في اليوم الثالث في الدورة، تعلمنا كيف نسبح بمساعدة العوامة في أماكن أعمق بكثير. يوجد العديد من المشتركين الآن، ويوجد حتى رجال ربما تخطوا الخمسين أو شارفوا، على أن الغالبية هم من الشباب. قفزت قفزة مضحكة، حينما كنا نتعلم كيف نعوم بشكل عمودي، وضحك الناس،،، هل سأقوم كل يوم بأمر محرج؟. عموماً كان الجو مرحاً، على أننا لم نتعرف على أحد، أقصد أنا وإبني إخواني المراهقَين. يوجد مدرب أسود ضخم، يدرب الناس على القفز من أماكن عالية إلى الماء العميق. وكان يتخير منا، نحن من لا نعرف السباحة، من يجعلهم يقفزون على سبيل التحدي والمرح. اختار واحد، ثم لاحقاً قال: فيه واحد بينكم جايز لي، شعره طويل. لا يوجد من شعره طويل بشكل استثنائي بيننا، ولكن، أنا وشخص آخر شعرنا هو الأطول، ضففت شعري إلى الخلف بسرعة، ولكن كان أحدهم قد أشار إلي ضاحكاً، فضحك الآخرين. مع ذلك، لم يذهب أحد في المرة التالية لحسن الحظ.
يوليني المدرب عناية خاصة لسبب ما، فكثيراً ما يهتم بطريقة أدائي ويصححها، ويسبح بجانبي وأنا أطبق تمارينه ليعدل وضع جسمي ويعطيني ملاحظاته أكثر من الآخرين. غالباً ما يكون أدائي في المرة الأولى سيئاً جداً، ثم في المرة الثانية يشرح لنا المدرب عملياً، أدرس حركته جيداً، وأجد أمور كنت لم أستوعبها، يتحسن أدائي في المرات الثانية عموماً. مع ذلك، أداء إبن أختي السيء جداً، والذي ينال توبيخ المدرب لعناده وعدم استجابته يعطيني الثقة في نفسي.

تذكرت مع هذا المدرب، اخصائي العلاج الطبيعي حينما كانت قدمي متعبة بعد تخرجي من الجامعة. كان ممتازاً ومعروفاً، وهو مصري كذلك، ولكنه عصبي جداً، ويوبخ المراجعين كثيراً. في البداية حينما رأيته يوبخ ويصرخ خفت جداً، فأنا لا أحب أن يصرخ في وجهي أحد، وهو كان بصراحة مخيفاً حينما يعصب. ولكن لسبب ما، كان يخصني بمعاملة رقيقة، واهتمام خاص. شعرت بارتياح كبير حينما رأيت بأنه لا يحب توبيخي، ويبدو أنه لن يفعل حتى لو أخطأت. اعتنى بي جيداً، واهتم بحالتي. هل حظي جيد مع المصريين؟.
أخبرته ذات مرة بألم مفاجئ ألم بركبتي وأنا أؤدي التمارين المطلوبة، فأخذني إلى حجرة وفحص ركبتي، ودلكها بمرهم، وصار يسألني عن أمور كثيرة، ماذا أفعل بحياتي؟ ماذا أدرس؟ وكم عمري؟ فوجئت بأنه يعتقد أيضاً بأنني صغير. لو سمع زملائي هذا لضحكوا، ولو سمع من كانوا أصدقائي هذا لكان الوضع أسوأ، ربما باستثناء أحدهم، فراس، باستثناء فراس.







قبل أيام قال لي زميلي، وهو إمام بريء الملامح، بأني أحب الأشياء الغريبة. كان ينظر إلى ساعتي التي تظهر الوقت بالضوء، وإلى خاتمي المعدني الأسود المزخرف. أخبرته بأن هذا ما يجلسني معه، فضحك. خالد لديه قلب طيب جداً، ربما من أطيب القلوب التي تنبض. ولكن، يؤسفني القول بأنه غير حكيم تماماً. إنه يتكلم كثيراً عن الاستفادة من الوقت، عن الأداء الجيد في أمور الحياة، وهو يفلسف الأمور ويعطي النصائح، والأراء، ولكنه لا يجرب. وهذه مشكلة متفشية، عدى أن ما يبرزها لدى زميلي هذا هو إظهاره للحماسة دونما نتيجة، حتى أنه يسوف الأشياء الضرورية. ناقشني اليوم عن حبي للروايات، وهو لا يفهم الجدوى من الروايات، مثل الكثيرين بالمجتمع هذا، والمجتمع عموماً لا يفهم الجدوى من أشياء كثيرة، كالمسرح، والرسم، والفلسفة، مع أنك تجد لهم العذر في عدم فهمهم لقيمة الموسيقى، حتى لو استمعوا لها واستمتعوا بها، مع أن الموسيقى الرائجة هذه الأيام لا تضيف عموماً. أخبرته بأن الروايات كالشعر، كلها قد تكون خيالية، ولكن فيها المفيد البناء، وفيها التافه. لا أحد يجادل أبداً على جدوى الشعر هنا، رغم أن أكثر الشعراء هذه الأيام هم من الفقراء فكرياً وعاطفياً، ولكن الشعر أمر موروث ويفهمه الناس، وهم للأسف مغلقون عما لا يفهمون. إن ما أود فعله هو؛ حمل أمثال زميلي هذا، من لم يجربوا ولم يقرأوا، أو من جربوا ولم يجدوا في الأمر جدوى بسبب سوء الاختيار، ما أود فعله هو حملهم على التجربة والفهم بشيء ملائم وراقي. مشكلة الكثيرين هنا هي مع الخيال، فهم أعداء للخيال، وبشكل لا واعي يقرنونه بالكذب، فهو لا أساس له برأيهم، مع أن لكل شيء أساس، كل شيء تقريباً. أخبرت زميلي هذا بأن هذه لم تكن مشكلتنا حينما ألفنا كليلة ودمنه، وهو كتاب لو تكلم عنه أي أحد هنا، رغم أن لا أحد يقرأه، سوف يجزم بالنهاية بأنه شيء له قيمة، دون أن يطلع عليه، فقط شيء موروث، رغم أن الكتاب قصص عن الحيوانات، فكيف لهذه القصص أن تكون واقعاً؟، إن الأمر يتعلق بعدم الاطلاع وسوء الفهم فقط. بدا عليه الذهول حينما أخبرته بأن كليلة ودمنه تدور حول الحيوانات، مما أثبت وجهة نظري.
ليس زميلي هذا من يعاني من هذه المشكلة. يوجد من هم أسوأ منه. أكثر الناس حولي في العمل من الصعب تحفيزهم للقيام بشيء مختلف عن المعتاد. خارج الدوام يحفزهم على المكوث، والقيام بالمزيد من العمل لو استلزم الأمر، ولكن لاحظ: "المزيد من العمل"، هل هذا شيء مختلف؟ لا، إنهم فقط يحافظون على روتين معين، ويتكاسلون عن كسره، وتتثاقل أنفسهم عن تعلم شيء جديد، أو تجربته، لماذا؟ لأن تحفيزهم صعب، لقد تربوا بشكل عام على أن غالب أمور الحياة عبارة عن تفاهة، وما يكتفون به يعتبرون أنه هو فقط الأمر الجوهري، دون أن يعيدوا النظر.









لقد تأخرت كثيراًَ هذه المرة في إنزال التدوينة. هذا بسبب مرضي الاسبوع الفائت، وانشغالي الشديد.








أنهيت عزازيل قبل أيام. وهي رواية اشتهرت مؤخراً، خصوصاً بعد منح كاتبها يوسف زيدان البوكر العربي عنها. الأمر معقد بخصوصها نوعاً ما، ولكن لا شك أنها رواية جميلة وممتعة في معظمها، وأنصح بقراءتها بكل تأكيد. تدور الرواية حول راهب نصراني، في وقت يسبق ظهور الإسلام، وتقعد الأحداث في البداية في مصر، ثم في فلسطين وبلاد الشام. الراهب شخصية غير عادية،  مثيرة للإهتمام والتعاطف، ولها رؤية نافذة في الناس من حولها. وليست الرواية تدور في أكملها حول الرهبنة، ولكن يوجد شخصيات قليلة ولكن جيدة تظهر في المحيط، وتؤثر بشكل غير عادي، وإن كان الجيد منها حقاً لم ينل حقه في الظهور مثل الشخصية الوحيدة التي لا معنى لها. وهذه الشخصية الوحيدة التي لا معنى لها خطيرة بالواقع، أعني خطيرة على جودة الرواية وإحساس القارئ. تظهر هذه الشخصية التي يتم التلميح لها منذ البداية في الربع أو الثلث الأخير من الرواية، وهي شخصية امرأة شابة اسمها مرتا. ورغم أنها ستجر الراهب، أو على الأصح، ستشاركه الخطيئة، فهو على استعداد غريب وغير محسوب من قبل الكاتب لمجاراتها، إلا أنها ليست الوحيدة التي تسيء لتاريخ الراهب الذي يفترض فيه الطهارة، رغم ذلك، ستجد أنك تحب وتتعاطف مع الفتاة الأخرى في أول الرواية، الفتاة اليونانية اوكتافيا، وستكره وتتعجب من وجود مرتا في نهاية الرواية، وكأنما وجدت بشكل منفر ومقحم لإيصال فكرة معينة أو إشباع نزوة مريضة. كل ما يتعلق بهذه المرتا، وحتى توقيتها، هو أمر ملغوم تجاه فهم الرواية، أو النوايا من خلفها، وفي كل الاحوال، وجودها سخيف ومسيء للرواية برأيي. ففي الوقت الذي كان من الممكن أن يعيش فيه الراهب البحث عن جواب لتساؤلاته، والقلق على صديقه الأسقف المُوحد نسطور (نستور على ما أعتقد أن الكاتب يريد)، واتخاذ قرار مثمر وحقيقي، أو منطقي على الأقل، نجده يمارس الخطيئة مع مرتا، ويفتتن بها، ويتصرف كشخص عاهر بلا تدرج ولا مقدمات تليق براهب، وفي النهاية يبدو وكأنه لا يستوعب حقيقة ما قام به، لهو أمر قمة بالسخف. كان وجود مرتا مقحماً حقاً، والآن وأنا أقرأ رواية أخرى للكاتب، لا أجد أن وجود مرتا عجيب، فالعجيب هو الجودة التي سبقت ظهور هذه في النص. هذا ما خلصت إليه بخصوص مرتا كقارئ عادي.
مع كل هذا، أرجو أن لا يثنيكم ازدرائي للجزء الأخير والضئيل من الرواية عن قرائتها، فما يسبق هذا الجزء لهو درر ومتعة صرفة. إنه لجميل ومدروس ما كتبه المؤلف منذ البداية حتى سخافة النهاية. وقد أذهل المؤلف النقاد بدقته التاريخية والعلمية، وهذا شيء مشجع وغير مألوف في بيئتنا الإبداعية. لقد جعلني المؤلف أفكر بالاسكندرية لأول مرة، وأفكر برؤيتها. وزودني بفكرة أكبر عن تلك الفيلسوفة والعالمة اليونانية المظلومة، التي قتلها النصارى في تعصب كما يظهر من الرواية، وإن كان ما أعرفه من إطلاع سابق أن أسباب قتلها كانت أعجب من التعصب، كانت قد قتلت لرفضها للرذيلة على حد معرفتي. ستحبون اوكتافيا، الوثنية الأخرى، وتحبون بساطتها وطيبتها رغم مجونها. ستحبون نستور وطيبته ومنطقه وذكاؤه وحنانه. ستحبون الراهب البطل، هيبا، وتحبون براءته قبل أن يفاجئكم المؤلف بغباء بالنهاية ويعرفكم على هيبا بشكل غير واقعي.

إن التوصيف الغريب لبعض الممارسات الجنسية في الرواية لم يكن كله مبرراً أو ضمن السياق المعقول، خصوصاً مع مرتا، ربما لأن شخصية الراهب كانت قد صقلت في ذلك الوقت، وأثبت نقائه، ليس كما كان الأمر مع اوكتافيا. خطر في بالي أن المؤلف مصري، ولم يستطع أن يتخلص من العقدة الأزلية لإنتاج المصريين، الإغراء الفج ومخاطبة الغريزة حتى حينما تفترض في عملهم الرقي، كان يبدو وكأنه قد قاوم الأمر حتى النهاية، حينما جاء دور مرتا.


أنا حالياً أقرأ رواية المؤلف الأولى، رغم أني تركتها لمللي قبل يومين، ولكن ربما سأتكلم عنها لاحقاً.






يبدو أن السفر إلى نيوزلاندا لن يكون. يبدو أن أمي قد كدست الأعذار منذ الآن... ولكن أنا وراه والزمن طويل. إن إنتهى الربيع في نيوزلاندا ولم نسافر، فسيبدأ في مكان آخر ونسافر بإذن الواحد الأحد.




عن جابر بن سمرة رضي الله عنه قال :
رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في ليلة أضحيان وعليه حلة حمراء، فجعلت أنظر إليه وإلى القمر، قال : فلهو أحسن في عيني من القمر .
رواه الدارمي والترمذي والحاكم في المستدرك ووافقه الذهبي وأبو يعلى . ومعنى أضحيان : أي مضيئة مقمرة .

عن البراء بن عازب رضي الله عنه قال :
كان النبي صلى الله عليه وسلم مربوعاً ، بعيد ما بين المنكبين ، له شعر يبلغ شحمة أذنيه ، رأيته في حلة حمراء لم أر شيئاً قط أحسن منه .
رواه البخاري ومسلم .

ما الجامع بين الأحاديث التي وصلتني بالبريد؟ ما لفت انتباهي هو أن الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم يلبس حلل حمراء في اثنين من الأحاديث. كان قد قيل لي أكثر من مرة أن لبس الأحمر مكروه للرجال!!! مع أن ثلاثة أرباع الشعب يلبسون الشماغ، إلا أنه يصبح مكروهاً حينما يكون تي شيرت مثلاً. حتى أن شخص كان صديقاً قال بأن الرجل الملتزم الذي قابل شخص يجلس معنا لفت الانتباه إلى قميصه الأحمر لأنه مكروه، وعليه، تضايق!!. لا أدري ما أساس الفكرة. لكن اللون الأحمر هو أحب الألوان إلى قلبي، وأحب لبسه حينما كنت ألبس غير الثوب في العصور الغابرة.







اليوم، طلب مني أخي الكبير أن أنضم إليه في استراحته القريبة، التي اشتراها مؤخراً. كان يريدني أن أجلس معه ومع زميله وصديقه الأمريكي. وجدت الأمريكي رجل ودود إلى حد جيد، وكبير جداً بالعمر. كان متوسطاً، ليس بالممل، وليس بذلك المثير للاهتمام. تكلمنا عن بعض الأمور السطحية، ووجدت أن له اهتمام كبير بحساب دخول الشهور الهجرية، فكرت بأنه يصلح لمجالسة والدي. تكلمنا عن القهوة، وأوضح أنه يعشق قهوتنا، ويحب شاينا. أخبرته بأني لا أحبهما. وتكلمنا عن طرق تجهيز الشاي في الأماكن المختلفة، تدخل أخي ليخبره بأني أحب الشاي الأخضر والهوت تشوكليت، وأخبره بجدية أني خبير بهما، ضحك الأمريكي. تكلمنا عن الشاي الأخضر وجودته، أخبرته بأن الناس هنا لا يعرفون كيف يحضرونه جيداً، فهم يحضرونه مثل الشاي العادي، ثقيلاً، بينما يجب أن يكون هو خفيف جداً. تكلمنا عن الحلال وطريقة ذبح الحيوانات، وصحح لي بعض المفاهيم. تكلمنا عن الطعام كذلك، فانبرى أخي الكبير يخبره بأني خبير بالمطاعم هنا، فأي شيء يحب أن يسأل عنه في هذا الخصوص، أين يأكل أو ماذا يتجنب فليسألني. بدا الأمر مضحكاً، خيل إلي بأن اعتدال جسمي يعتبر انتقاص لمصداقيتي. سألني عن الطعام الصيني الجيد هنا، وقال بأنه مل الطعام الصيني الكانتوني، ولم يجد من يوفر الأكلات السيشوانية والهينانية، أخبرته بأنه لن يجد خلاف الكانتوني، عدا عن بضع أطباق غير جيدة من المناطق الصينية الاخرى. تكلم أخي عن ما يحب تجربته من طعام، وهي أمور غريبة. وحكى لنا الأمريكي عن الطعام الغريب الذي صادفه في أوروبا. سألته إن كان قد أكل الجمل؟ قال بأنه أكله، ثم سألته عن الضب؟ فلم يعرف ما هو. أخبرته بأنه نوع كبير من السحالي. سأل إن كان هو الوزغ؟ لم يفهم أخي ما يقصد، فأخبرته، فضحكنا حقاً. بعد شرح فهم وبدا أنه يعرفه ولكن لم يجربه، ولا الجراد أيضاً. سألته إن كان الناس يأكلون القنادس في أمريكا؟ قال لا. أعتقد بأنه صادق، ولكني أعلم بأنهم في مرحلة ما كانوا يأكلونه. السناجب؟ قال بأن البعض يأكلها، ولكن لا يبدو أنه أكلها. ماذا عن الثور الأمريكي؟ البايسون؟ قال بأنه يؤكل على نطاق واسع، ويعتبر صحياً. تكلم عن بيئة مدينته، وسألته إن كان في منطقته طيور طنانة؟ قال بأنها كثيرة هناك، ولزوجته قنينة معلقة لإطعام الطيور. أخبرته بأني أتمنى لو رأيتها. قال: أنتم ليس لديكم منها هنا؟ فكرت: يا لها من فكرة مضحكة. قال أخي عني هذه المرة: بأني أقرأ وأطلع كثيراً على الشعوب وعاداتهم، وأقرأ عن الطبيعة والحيوانات وأحبها. وأنه نصحني كثيراً بالتوجه للعمل في الخارج في السفارة، فهكذا سأرى العالم وأرى الطبيعة، وأتعرف على الناس، ولكن، يبدو أني متردد فيما يخص الأمر. شعرت بالإحراج. قال الأمريكي بأن هذه صفات ديبلوماسية في دعم لوجهة نظر أخي. لم أجاوب. فكرت بأن أخي لا زال يفكر بعملي السابق، حيث كان يتمنى لو خرجت للعمل في الخارج وكان ينصحني كثيراً بالأمر في ذلك الوقت، كان شديد الحماس تجاهه، سوا أني خرجت من العمل وخيبت أمله، ولم يفهم اختلاف أولوياتي، ولكن يبدو مع ذلك أنه لا زال يتخيل الأمر. سألني الأمريكي إن كنت قد درست في الخارج؟ أخبرته بأني لم أفعل. قال بأن لكنتي جيدة، وأنه افترض بأني درست بالخارج. كيف اكتسبتها؟ اخبرته بأني اكتستبها بالممارسة. قال في الجامعة؟ أخبرته بأني تخرجت ولم أكن اجيد التحدث تماماً، ولكني مارست التحدث في العمل. امتدح لهجتي مجدداً. ولكنه لم يحدد نوعيتها. وأنا أعلم بأني لا أتحدث مثل أحد على وجه الخصوص. غالباً ما يتكلم الناس عن اللهجة البريطانية والامريكية، متناسين لهجات أخرى، وغير مستوعبين أنه لا يوجد ما يسمى باللهجة البريطانية. كنت أحب دوماً اللهجة الانجليزية التي لن أكتسبها أبداً، ولكني لست أتكلم بلهجة محددة، أو أحاول أن أتقن لهجة محددة، مع ذلك، أسمع أن لكنتي جيدة، دون تحديد لنوعيتها، أعتقد أن الآخرين مدركين كذلك أني لا أتحدث مثل أحد من أهل اللغة، إذا، كيف تكون لكنتي جيدة؟ لا أعرف كيف يُشرح الأمر، ولن يبدو وضعي جيداً لو سألت أحداً عنه.
ودعتهم لاحقاً قائلاً بأني سأذهب للصلاة، التي ابدى الأمريكي اعجابه بصوت مؤذنها القريب. طلب مني أخي أن أعطي ضيفه بطاقتي الشخصية، ولم يكن لدي يوماً بطاقة شخصية!! أخبرته. احتج أخي، لماذا لم يعطوك في الجامعة؟َ! فطلب أن آخذ بريد ضيفه، الذي أعطاني بطاقته. في مثل هذه الحالات، بالعادة أقترح إرسال بطاقتي الشخصية الالكترونية عن طريق البلوتوث، حيث يوجد ميزة البطاقة الالكترونية في جوالي، ولكن جوال الأمريكي لم يكن من النوع الذي يحوي بلوتوث فصمتُْ. ودعني بلطف وخرجت.






يعمل في الجامعة زميل لي، تخرجنا معاً. هو شخص طيب ولطيف، ولكني لا أقابله كثيراً رغم أنه يعمل بالجامعة أيضاً. سوا أننا في الفترة الأخيرة صرنا نتقابل أو نتكلم بالهاتف كثيراً لأنه اشترى جهاز حاسب جديد ويحتاج إلى مساعدة في بعض أموره. انتيهنا من موضوع جهازه، وفاجئني بزيارة إلى قسمي في يوم من الأسبوع الفائت. تكلمنا في الممر المجاور. ولطالما وجد طريقة للضحك علي وعلى غفلتي بحسن نية. كان قد أخبرني قبل فترة بأنه ارتاح للخروج معي، حينما خرجنا للأسواق للبحث عن كمبيوتر له والاطلاع. قال بأني أمشي في حالي، ولا أهتم بمن حولي، مما يجنبنا المشاكل، حيث علمت بأن أحد أقاربه ينظر كثيراً للنساء، وهو ما يقوده للجنون حينما يخرج معه. أردت أن أخرج شيء من جيبي، فخرجت صورة لي صغيرة، كنت قد طبعتها لدورة السباحة وبطاقة الجامعة، فأخذها وتأملها. قال بأني وسيم، قال هذا بطريقة شخص أكتشف الأمر لتوه. فكرت؛ بالعادة الناس يقولون بأن الصور جميلة حينما ينظرون إليها وأصحابها إلى جانبهم، أما جمال الشخص نفسه فالمفترض أن يكتشف بالواقع وليس بالصورة.






لدي زميل، كنت قد حكيت عنه سابقاً، لا أدري هل حكيت في هذه المدونة أم في مدونتي القديمة المحذوفة. ينتمي هو إلى العرق الأسود، رغم لونه البني الفاتح. وكثيراً ما يعاملني بانبهار ساخر، بحكم أني أبيض، وهو يسخر من كل شيء، حتى نفسه وعرقه. وهو كما يقولون، دائما ما يحاول أن "ينفخ رأسي" ويضحك علي، ويشاركه في هذا زميله الآخر، الأبيض. يتكلمون وكأني "هاي كلاس" كما يعبر الناس. ويستغلون كل شاردة وواردة للتعليق. ودمهم خفيف فعلاً، ولا أجاريهم بالتعليق، فلا أرد على تعليقاتهم غالباً. وغالباً ما يبدي هو وزميله ذهولهم المصطنع من أتفه الأشياء التي تخصني، ويخرجون بتعليقات مضحكة. لكن، ما كان يشد انتباهي منذ فترة جيدة الآن، أن زميلي الأسمر الذي يقترح دائما بأن نسافر معاً، كثيراً ما يقترح بأن نسافر إلى اسبانيا، وأن ألبس هناك تي شيرت فرنسي، ولا أدري ماذا يقصد بالضبط، رغم أنه يشير إلى قصة معينة للياقة، ولكني أفترض بأنه يقصد ذلك التي شيرت الموضة الذي انتشر كالنار في الهشيم قبل فترة، حيث كانت رؤيته تضايقني، إذ أشعر بأن من يلبسه يجدر به تربية صدر يليق بامرأة. كان أخي يلبسه، وأصدقائي يلبسونه، وكثيراً ما شعرت كم هو قبيح. ويقترح بأن ألبس مع التي شيرت الفرنسي بنطال برمودا، وأن أرقص هناك لأجذب الاسبانيات. كنت أستغرب من هذا السيناريو، ولا أفهم أي ضرب من الرقص يقصد حينما يهتز بطريقة غريبة، سوا في آخر مرة حينما قال، ترقص كذا، وهز جسده وضرب رجليه بالأرض وقلد صوت دقات حادة. فطنت فجئة، وسألته: فلامنكو؟ ولكنه صمت، فهو لا يدري ما اسم الرقصة، ولكني فهمت ما يعني. وأكمل القصة عن تجمع الفتيات الحسناوات وشيء من هذا القبيل. فهمت لماذا اسبانيا بالذات، ولماذا يتخيل هكذا. هذه الرقصة، الفلامنكو، رقصة تقليدية هناك، يرقصها الرجال والنساء، ولكن لكل طريقته. تركيز الرجال عموماً على حركة أقدامهم، بالقرع على أرضية خشبية للمساهمة بالموسيقى، أو حتى التعويض عنها في مقاطع معينة. ينطبق الأمر على النساء غالباً، ولكن النساء يتوجب عليهن القيام بحركات أكثر بأجسامهن، وفي بعض أساليب الرقص الإقليمية، تتجاهل النساء حتى الأقدام ويركزن على أشياء أخرى. كنت قد فتنت بهذا الضرب من الرقص منذ أن كنت صغيراً، حينما رأيته في فيلم أمريكي يدور في أسبانيا، في الفترة القصيرة التي امتلكنا فيها جهاز فيديو، حيث كان ممنوعاً بالمنزل، حتى فترة متأخرة من حياتنا. كنت في الصف الثالث الابتدائي، وبدا لي هذا الرقص الغريب هو الأجدر بالتعلم، بينما كنت حسب ثقافتنا لا أهتم بالرقص ولا يشد انتباهي أصلاً إلا في حالات استثنائية قليلة، حينما تعتلي المنصة امرأة ترقص وهي مميزة في أحد الأعراس مثلاً. لا زلت شخص لا يجيد الرقص، ولا يهتم حقاً مثل بعض الشباب. ولكني أحب دائما الإطلاع على الرقصات الشعبية لمختلف الشعوب، وليس الرقص الحديث. أحب مراقبته ودراسته، ومقارنته كثيراً. وقد فجر هذا جدلاً في منتدى أشارك فيه، حينما عرض أحدهم مقطع فيديو لشباب سعوديون في الشرق، يبدو أنهم يدرسون هناك، ويشاركون في حفل اجتماعي، فلما حانت فقرة السعودية، شغلوا أغنية جميلة لراشد الفارس، ورقصوا رقص جميل ماتع، أفسده دخول بعض الشباب الأغبياء مع العارضين لأنهم تحمسوا، ولكن فكرة الرقص لم تواجه اعتراضي، بينما قال الآخرين بالمنتدى بأن هؤلاء "فشلونا". تكلمت عن أنهم رقصوا فقط، وأن من لا يسمح لهم برستيجهم بالرقص، فيجب أن لا ينتقدوا الناس إن رقصوا، خصوصاً أنهم لم يرقصوا في غير موضع الرقص ولم يزعجوا الناس، كان استعراض لفلكلورنا. واحتجوا بأنه ليس فلكلورنا، قلت بأنه مزيج منه، وشرحت بأني لا أرقص، ولكني مهتم بالرقص الفلكلوري، وتنوعه لدينا، ومراقب له. يسهل الغضب من الناس وانتقادهم دونما سبب، بينما لا ينتقد هؤلاء أنفسهم أولاً على تعصبهم ونظرهم للآخرين من أعلى، ولا ينتقدون حتى سراويل اللوويست أو الأشياء المقرفة الأخرى التي قد لا يحجمون عنها.
عموماً، لم أكن لأرقص في مكان أولائك الشباب لسبب بسيط، أني لا أعرف. ولو كنت سأتعلم كيف أرقص، لتعلمت رقص الفلامنكو الذكي والذي يحتاج إلى مهارة حقيقية. ولا أخفيكم، لقد كانت هذه أمنيتي منذ أن عرفت عنه، ولا زالت.










أنهيت اشتراكي أخيراً في محل الفيديو، الماسة الزرقاء. وكنت أنوي هذا منذ فترة طويلة. حيث أنه صار سيئاً، ويوفر كل أفلامه للبيع وليس للأجار إلا في حالات قليلة، متذرعاً بأن هذه قوانين بعض شركات التوزيع. حينما تنهي اشتراكك، يحق لك أخذ فيلمين لك بدلاً من قيمة الاشتراك التي دفعتها. لم أتردد بالاختيار، بل كان الأمر بديهياً. أحدها كان: الرقص في لونسا، وهو فيلم عن مسرحية ايرلندية، أعتبره من أجمل ما رأيت. يتكلم عن عائلة من خمس من الأخوات العوانس، وأخوهن الذي عاد معتوهاً شائخاً من أفريقيا، وحبيب الصغرى ووالد طفلها غير الشرعي الذي يحكي القصة. تقوم على الجميع الأخت الكبرى، التي تؤدي دورها مريل ستريب، الممثلة الأكثر مهارة واحتراماً. وهي هنا متدينة، متسلطة إلى حد ما، شكاكة ومزعجة، ولكنها لها دوافعها، إنها رائعة، قلبها دافئ، محبة للجميع، ولكنها مهووسة بصورة الجميع في الخارج كذلك. تتكالب الأقدار على هذه العائلة البائسة، على نحو يدعو للشفقة، وتتفكك بشكل ما. إن ما يذهل في هذا الفيلم هو الأداء الطبيعي جداً، العفوي جداً. حتى الأخت التي تعاني من تخلف خفيف. هذا الفيلم من الأفلام القليلة التي تحرك شعوري بطريقة مألوفة إلى نفسي، بطريقة تشعرني بأني لدي شيء مثيل. الفيلم الآخر هو فيلم اسباني، اسمه متاهة الفون. وهو يدمج بين الواقع المرير القاسي للحرب والثورة المكبوتة، وبين الخيال الغريب، الذي لا يخلو من رعب في بعض لحظاته. من أروع ما رأيت.

فقط انظروا إلى الإبداع في هذا الفيديو:






كانت أمي تبحث عمن يأخذ جوازها وصورها لغرفتها، حينما أخذته منها، وطلبت الاحتفاظ بصورة من صورة الموجودة في نفس الظرف، فرفضت. ألحيت، فتمنت بأنها لم تعط المظروف لي!. وافقت بعد جهد جهيد على مضض. هي مثلي على ما يبدو، لا تفضل احتفاظ الآخرين بصورها . حينما نظرت إلى الصورة في الجواز تذكرت صورة أم شخص آخر، كنت قد ساعدت في أمر تأشيرة لها. يا للشبه!! حتى نفس النظرة. أقصد شبه الصور والانطباع طبعاً.




الصورة في أعلى الموضوع لمصلى الكلية، حيث أصلي الظهر كل يوم. يبدو أحياناً أن الأمور تتداعى، ونحن نصلي، إما غافلين، أو مؤمنين.




سعد الحوشان

الثلاثاء، 28 يوليو 2009

ابتسامة السكرتيريزا(أحداث،أفكار،شيء من قصة)

بسم الله الرحمن الرحيم








ما أصغر الأشياء التي تستجلب الذكريات الكبيرة. قد تبدو أحياناً أشياء غير منطقية، ولكن، لها معنى في منطق عقلي لا يشرح. صوت غريب، ضحكة، كلمة لا علاقة لها بالذكرى، ولكن بشكل ما تستدعيها. إن نصف حياتي اليومية ذكريات، أو أكثر. إن اختفاء الناس الذين يعطون للأماكن معانيها، لا يثنيني عن زيارتها.



كنت اليوم في مصلى كلية الآداب. وقد أحضرت معي قارورة الماء، في جرابها القماشي الذي أستعمله كي لا تسخن. لم يكن من أشيائي حتى وقت قريب. في المدخل، دليت القارورة إلى جانب العمود ووضعتها. تذكرت تركي كل يوم للقارورة بجانب ذات العمود، بنفس الطريقة. ورغم مرور الكثيرين، إلا أنها لا تمس. فكرت بالصعود إلى الأعلى، حيث كانت الصولات والجولات، ولكن في الأعلى، سيكون الأمر أشد وطأة على النفس. لقد ذهبت اللغات، ولكن بقي المصلى، مصلى. وفي الأعلى، لم يعد مكان اللغات، صار مكان كلية غريبة، تعنى بالسياحة والآثار... آثار ماذا؟ أنا آثار، يمكنهم أن يَدرسوني ويُدرسوني، هل تبقى مني شيء؟.









كنت قد بدأت قصة، أردت نشرها هنا. وهي ليست الأولى، ومثل سابقتها، ليست مجرد قصة قصيرة، ومثل سابقتها، صارت في النهاية قصة مبتسرة، يتساءل المرء هل يصلى عليها قبل دفنها؟ عموماً، لا أشعر بعاطفة كبيرة تجاه هذه القصة، ربما لأنها في أمر لا يعنيني، ولا يشكل بالنسبة لي هماً. هي، ويا للعجب، وبالنظر للكاتب، تعنى بالشغف بالسيارات.

عموماً، هذا ما كتبته منها، ولا أنوي إكمالها.

إسمها: سوبارو502



بسم الله الرحمن الرحيم





لم تكن السرعة، ولا فن القيادة، هي أكبر همومه الحياتية، ولكنها كانت موهبة، وكانت تشبع رغبته بالانجاز بشكل ما. لم يحصر حياته عليها، رغم ما يتخيله الناظر إلى حياته المهنية إن جاز القول. هل يمكننا أن ندعو شيء لا يتكسب المرء منه مهنة؟ إن المؤلفون هنا لا يكسبون من كتابتهم شيئا، ولهم وظائف أخرى غير التأليف، وعليه، لا نسمي التأليف مهنتهم. رغم ذلك، يكسب المؤلفون في العالم من الكتابة، ويعتاشون منها، وقد يثرون من خلفها كذلك، ولهذا يدعونها مهنتهم. إن الأمر يتشابه، الكل يقوم بنفس الشيء، ولكن، من يقرر مهنية الشيء وفائدته هو المجتمع. إنه كالمؤلف، بجرة إطارات السوبارو في الطريق، وكل مؤلفاته كتبت على شوارع الرياض. لقد يسرت له بشكل عجيب كل أسباب ممارسة هوايته. فهو شجاع لا يهاب، وواثق لا يهتز، وله أصدقاء، ليسوا نافذون تماماً، ولكنهم يستقبلونه حين تسوء الأمور، وهي تسوء في لحظات، في كل مرة تقريباً. إنه لا يخاف الشرطة ولا المرور، الذين اتفقا على مطاردته، فهم ليسوا بند له، لا أحد يقود سيارة هو ند له، وهو لا يبحث أصلاً عن منافسين.


لا أحد يعرف إسمه من معجبيه، ولا حتى شكل وجهه. وقد حضهم بإلهامه أن يبدعو بدورهم، أو يحاولوا على الأقل، كما تقرأون هنا. راح بعضهم يرسم صور متخيلة له، والبعض يؤلف القصائد، والبعض ينسج القصص، وآخرين يحترفون الشائعات والتشويه والإهانة. وحينما تقول بأن لديه معجبين، فأنت لا تتحدث عن نوعية الإعجاب المألوفة في عالم السيارات هنا. فمن جهة، هو مختلف، فهو غير مفحط، وغير باحث عن الشهرة لذاته، ومن جهة أخرى، أصبح هذا الإنسان ظاهرة في المجتمع، يهتم الجميع السائم باخبارها وتمردها. إن الجرائد تبحث عنه، وتنتقد الأمن بسببه، وتدرس تداعيات ظاهرته الإجتماعية، وقد أثار وجوده ومواقفه جدلاً مشتعلاً، وذكر في خطب الجمعة، وحكت عنه جريدة اللوموند وهي تناقش ظاهرة عشق السيارات لدى السعوديون. يسمونه الناس صاحب السوبارو، ولكن اسمه ببساطة: سليمان، وهو ما لا يعرفونه.




كان سليمان في الثامنة والعشرين من عمره، ولكنه يبدو أصغر أحياناً. تخرج من الجامعة، فكانت معونة أهله له هي شراء سيارة جديدة. ولأنه توظف سريعاً، قرر شراء سيارة مختلفة، ولو كانت غالية، بحيث يدفع جزء من معونة أهله، والجزء الآخر يقترضه من المصرف. المهم أن يحصل على ما يريد، ليس أقل ولا أكثر. ولكن، ماذا يريد؟ احتار كثيراً في الأمر، لم يرد تويوتا ولا فورد، ولا نيسان. كان تفكيره يرتكز على سيارة أوروبية مرفهة وجميلة، ذات شكل غير مألوف. توجه إلى سيات، كانت سياراتها جميلة حقاً، ولكنها من الداخل غير مرفهة، كما أنه خاف من توفر قطع الغيار، وعلم أن قطع الغيار والصيانة ستكون مشكلته وتضحيته إذا ما اختار سيارة أوروبية. إذا لتكن ستروين. كانت سيارات جميلة تلك السيارات، أنيقة جداً، وذات مميزات مذهلة من الداخل والخارج. ولكن، لاحظ بأنه على الطريق، يزول الانطباع الذي تتركه الستروين على المشاهد حالما تختفي السيارة عن ناظريه لسبب مجهول. كان يريد لفت الانتباه ولا يخجل من هذا، لأنه يريد لفت الانتباه بشكل مختلف عن رؤية المجتمع للفت الانتباه، كان يريد أن يعطي انطباع عن شخصيته بلفته للانتباه، لا عن ثروته أو سطحيته. لا أمل من فولكس ويجن، فهي جامدة ومملة، ليس كما كانت. كانت هناك فيات، ولكنها لا تباع هنا للأسف. ميني كوبر جميلة، ولكنها انتشرت، وفضلاً عن انتشارها، كان مقتنوها هنا مشكلة، فهم قوم مشبوهون، ومما زاد الطين بله، إنه يكره البريطانيين. ساب السويدية جديرة بالاهتمام، اجدر من فولفو الأشهر. مع ذلك، كان ساب تعاني من مشاكلة كشركة، وبدت سياراتها حينما دقق فيها النظر مترهلة، تكاد أن تتفكك، ولم يحب أن يتأكد، فطالما تركت لديه هذا الانطباع، فلا يهم ما تتركه في نفوس الناس. رينو؟ سيارات جميلة، بعضها يبدو رخيصاُ على نحو مفرط، ولكن كانت سياراتها المتوسطة مبدعة حقاً، خصوصاً لاجونا، حملت الطابع الفرنسي المتقن والمرهف في الأمور، ليس بالغ الرهافة، ولكنه واقعي الرهافة، ويدخل القلب هكذا، وهو لا يبدو مفتعلاً، لا يختلف عن باقي صنعة الفرنسيون وطابعها الجميل. لم تكن السيارة منتشرة كثيراً، واطلع على بعض الانطباعات التي امتدحتها. وحينما يراها متوقفة، كان ينتظر أصحابها ليخبروه عنها، وقد وجدهم جميعاً لطفاء على نحو غريب وموحد، ولا عجب، فهم كلهم لبنانيون. إنهم يسرقون البريق هكذا، لرجل سعودي يشتري سيارة مميزة، كما قد يسرق السعودي البريق من لبناني، حينما يحاول الأخير شراء شراء لاندكروزر أو شاص. كانت خسارة، ولكن، لم يجد خياراً.
 
انتهت، أو انتهى ما قدر لها من طول.
 


 
جائني موظف مصري، وسألني إن كنت أخ المهندس فلان؟. أخبرته بأننا لسنا أقارب. أنا أعرف الاسم جيداً، وقد شد الشخص انتباهي كثيراً لحضوره المكثف في رسالة الجامعة، وربما جريدة الرياض، ولكني نسيت شكله، أو لم أشعر بالتمييز بينه وبين موظف بارز في الجريدة. رأيته بعد قليل، وقال بأني أخ المهندس فلان، ولكني لا أريد أن أقول. أقسمت له بأننا لسنا أقارب. وفي تلك اللحظة، كنت قد ولجت الانترنت وبحثت في موضوع هذا الفلان، ووجدت عدد مهول من الروابط لأجله، ولكني بحثت بالصور ووجدت كذلك العديد منها، ولم أجد شبه حقيقي بيني وبينه. ربما لنا نفس الدرجة اللونية، وحتى هذا أشك فيه. تكلم لي عن الرجل، وأنه شخص طيب ورائع، وأنه صديقه. قلت: طيب، قل له اخوك بالشبه يسلم عليك. حينما أراد أن يذهب سألني عن اسمي. قلت سعد. قال الفلان؟ قلت لا، الحوشان. إن الشبه قد يكون انطباعياً أحياناً، وهذا ما لا يدركه الكثير من الناس، وأحياناً يدركون قضاياه مع الوقت. من يدري، لعلنا نتشابه بشكل ما. بالواقع، الشبه الانطباعي من أكثر الأشياء التي تثير اهتمامي.











حصلت مفاجئة حلوة اليوم. لقد جاء مديري الدكتور العزيز السابق، أقصد مديري في الوزارة قبل أن أعود إلى مكاني. جاء إلى عمادتنا ليحصل على ورقة، وبنفس الوقت ليأخذ تلك الورقة التي تكفلت بمتابعتها حتى انتهت من أجله.سلمت عليه مصافحة، وسألنا بعضنا عن الحال. ذهبت إلى مكتبي الخالي لأحضر له ورقته. كان يقف في مدخل الاستقبال، قريباً من مكتب مديري العزيز الحالي. فوقفت بباب مكتب مديري قبل أن أعطيه ورقته، وأخبرته بأن مديري الدكتور في الوزارة هنا، وأني أود لو سلم عليه. ابتسم مديري وخرج من مكتبه. وتصافح الرجلان، وتبادلا المجاملات. وقال مديري في الوزارة أني كنت من خيرة موظفيهم، ولكني رفضت البقاء. رد مديري الحالي بأنهم يعرفونني من قبل، وامتدحني. بعد السؤال عن الحال والتعارف، ودعنا مديري السابق، ومضى. نظرت إليه وهو يمضي. خطر في بالي الدكتور المشرف، هذاك، لن يحضر أبداً إلى هنا. أعتقد بأني لن أراه أبداً. كم هذا مؤسف، رغم أني لم أعرفه بقدر ما عرفت مديري الدكتور المباشر.








أحاول تنسيق أمري لإكمال دراستي، ولكن الوضع أعقد مما توقعت. إني لدي شروطي ومتطلباتي، لأني حريص على الأمر وشغوف به. لا أستطيع الإكمال في جامعتي، الملك سعود، لأني لا أعتقد بجودة مستواها، خصوصاً مع عميد إدارة الأعمال الحالي. ولا مانع لدي عن الدراسة في جامعة أهلية هنا، بل هذا ما أفضل في ظل الظروف. ولكن، ليس في جامعة الأمير سلطان. أما جامعة اليمامة، فيبدو أنها تعطي برنامج مختلف في ماجستير إدارة الأعمال، يستهدف من يعملون بهذا الحقل بالفعل على ما يبدو. جامعة دار العلوم الجديدة، التي راسلت مديرها الغريب عبر موقعه، أخبروني اليوم في الهاتف أن البرنامج قد يبدأ بعد سنة... وكانوا قد أهملوا رسائلي إليهم عبر البريد، مما أعطاني تصور مختلف عنهم. أنا متحمس للدراسة هناك، فقد يدرسني مديرها مادة، حيث أن تخصصه يناسب ميولي بشدة، وربما هو ما أريد دراسته بالفعل، ولكنه غير موجود في السعودية على شكل ماجستير للأسف. صحيح أن شخصية هذا المدير،،، لا أدري، ولكن لا يهمني، أعتقد بأنه سيكون مفيداً، حيث أن موقعه مفيد. الراجحي سيبدأ جامعته في العام المقبل، ولا أتصور بأنه سيقدم الماجستير في أول سنة، رغم أنه يولي عناية خاصة إلى جامعته على ما يبدو. هي بالقصيم، البكيرية، وربما أمكن تنسيق حضور الطلاب من مناطق أخرى كما يجري في البحرين. لا يمكنني الدراسة بالخارج، وهذا ما يصعب على بعض الناس فهمه. جاء اليوم دكتور جنسيته استرالية وأصوله باكستانية، وهو ودود جداً، ومتحمس لإعطائي فكرة عن الدراسة في استراليا، سمعت لشرحه، وأخبرته بأني لا أستطيع الخروج للدراسة على الأغلب الأعم. ولكن، هذا لم يقلل من اهتمامه بالمساعدة وعرض الخبرات والاستشارة من أجلي حتى. لو فكرت بالدراسة في أحد دول الخليج، ولو كان هذا ممكناً من حيث تقسيم الوقت كالانتساب، سأواجه صعوبة كبيرة بالمصاريف. وإلا، فإنه يوجد تخصص آخر يهمني جداً في جامعة زايد في الامارات.
برنامج اليمامة حتى مرهق مادياً، لكن لا بأس إن كان على دفعات معقولة.








كنت أسعى في أمر يخص أخي الكبير في الجامعة، وكان الأمر قد تأخر كثيراً. ومع الكثير من التردد، شارف الأمر على نهايته أخيراً في مكتب مدير الجامعة. هناك، يوجد موظف شهير، وهو آمر ناهي في المكان. كنت قد كلمته عدة مرات سابقاً، حينما رفعت شكوى لم يجري عليها شيء، بطبيعة الحال، إلى مدير الجامعة، بخصوص دكتورين خسيسين. وبشكل غريب، كان هذا الموظف كثيراً ما يصمت حينما أدخل عليه، وأقول ما لدي بهدوء، ويتأملني "برواقة" ثم يبتسم ابتسامة مفاجئة، واسعة، ليست لي بشكل واضح، وكأنما هي علي، جريئة وكأني حتى لا أراه، رغم أني لا أستطيع أن أضع يدي على ما يضحكه. حينما دخلت في آخر مرة منذ أيام، كلمته عن معاملة أخي، وبدا أنه غير متأكد من شيء سوا أنه وقعها من المدير، ولكن لا يدري أين أودعها أو لمن أعطاها. كنت أكلمه بهدوء أكثر من المعتاد، إذ كان نفسي مقطوعاً أصلاً لأني كنت أجري تقريباً، وحاولت أن لا أبين إنقطاع نفسي. لم يبدو أنه لاحظ. ولكن بعد لحظة، سكت وتأملني بشكل غريب، ولأني أعلم، انتظرت الابتسامة الغريبة الواسعة، فحدثت. تساءلت بنفسي، ما الطريف الذي يجده بي؟ حيث يبدو أنه كلما رآني وكأنما قرأ نكتة، رغم محاولتي الظهور بأقصى ما أستطيع من رسمية. فاجئني بسؤاله، إن كنت أعمل معهم؟ أخبرته بأني أعمل معهم، ولكن ليس في القسم الذي أرسلني لسؤاله. أعادني للقسم، ثم أعادني القسم إليه. أخبرته بأن المعاملة لم تأتي إليهم. وقف ليبحث بالأدراج، ولكنه ما لبث إلا أن توقف فجأة، والتفت يتأملني، لا يتواصل بصرياً، ولكن ينظر إلي وكأني جماد، ثم عاد وابتسم تلك الابتسامة اللغز. سألني في أي قسم أعمل؟ أخبرته بأني مترجم في القسم الفلاني. بحث عن المعاملة فوجدها على المكتب تحت معاملة أخرى. مدها إلي وطلب مني إعطاءها للموظف بالخارج ليعطيها رقماً. شكرته وخرجت من مكتبه. ولكنه لحق بي، أو خرج معي على الأصح، وأخذ المعاملة مني ودخل بها على موظفين تحته، ولما منحوها رقماً خرج وأعطاني إياها، ثم تردد، أخبرته بأني أريد صورة فقط، فقال بأن هذا ممنوع، وأخذها مني. لم أعترض. غير رأيه، وطلب مني أنه أعده أن لا أصورها إلا إذا سمح لي القسم المعني، فوعدته. مشى إلى جانبي قليلاً ومعه المعاملة، ثم توقف ونظر إلي. توقفت وعلمت بأنه يريد أن يقرأ النكتة مرة أخرى. توقفت بهدوء وصمت، وتركته يتأمل ملئ عينيه، نظر إلى وجهي ودارت عينيه فيه، ولم أشعر بالضيق، فعلى الأقل، يبدو حسن النية من جهة أنه ليس من النوع الذي قد يخرج السخرية خارج نفسه. لما اكتفى، ابتسم بقوة وكأني لا أراه، وأعطاني المعاملة ثم مشى. وفي طريقي للخروج مشى معي وقال بأنه يتعامل معي بالثقة، فيجب أن لا أصور المعاملة، أكدت له أني لن أفعل بدون اذن القسم المعني، وكاد أن يخرج معي من القسم لولا أنه انتبه فجأة وعاد أدراجه من عند الباب. في كل مرة كان هذا هو الوضع معه. لا أحد بالعادة يجد شكلي طريفاً، أو يبتسم بهذه الفجاجة، فلا موقف يذكر قد حصل لأقول بأنه ما يضحكه. كذلك، أتصور بأنه في كل مرة، يحسب بأنه لأول مرة يراني. ومن يعمل في مكتب مدير الجامعة أو الوزير، لا يتذكر الناس.
ذكرني هذا الرجل بابتسامات شخص عزيز، كنت في نزاع معه في لحظة من تاريخي، وكان يصمت بعدما يقول شيئاً، ويتأمل كياني المهزوز، الغاضب، المحترق، ثم يبتسم بغرابة، وكأنما يرد باله فكرة لا يريد أن يفصح عنها، فكرة لا تتعلق بالنزاع، وكأنما في لحظات ابتسامه، يناقش موضوع آخر يخصني بصمت، موضوع عني، ولكن لن أعرف ما هو أبداً. كم كنت مثيراً للشفقة والازدراء في نفس الوقت، في ذلك اليوم...





إني أجمع المال حالياً وأخطط للسفر في شهر اكتوبر أو نوفمبر مع أمي. في بلاد العالم المشهورة يكون الوقت شتاء في ذلك الحين، ولكني أخطط، إن كتب الله، أن أذهب بأمي إلى نيوزيلاندا. وهي تقع في جنوب الكرة الأرضية، حيث يكون الفصل في ذلك التاريخ ربيعاً. نيوزيلاندا بلد جميل، في نهاية العالم شرقاً، بعد استراليا. سمعت بأن أهله طيبون، حسن تعاملهم مع الناس. وقد قال لي شخص استرالي بأنه يلائمني كشخص، فهو بسيط وجميل وهادئ، وأنا أحب الهدوء. أمي تحتاج إلى السفر إلى مكان كهذا برأيي. لا أود أن أتنقل بها إلى العديد من الأماكن هناك. ربما نكتفي بجولة بقطار الترانزالبين، وهو شهر عالمياً بسبب المناظر التي يمر بها، ثم نستقر في مكان أخضر وريفي، حيث نتمشى فقط بالسهول، ونرى الأغنام التي نحب. المشكلة الكبرى في الأمر هي موافقة أمي. التي تسايرني، وتشد وترخي في الأمر، وكأنما تود خداعي في النهاية كالعادة، وتقول لا بطريقتها الأوبرالية. ساعتها، سأحزن حقاً. إنها أمنية أن نسافر معاً لوحدنا، أنا وأمي. ما أجمل مجالستها، ما أجمل حكيها، وكيف سيكون بلا مقاطعة، وبلا هم، وبلا حظ سيء ومنكدين.
لماذا نيوزيلاندا؟ رأيت الكثير من الصور عنها، وقرأت الكثير عنها، بالإضافة، حينما كنت صغيراً، كنت أرى دعاية لحليب من نيوزيلندا، حينما ينهمر المطر على الأرض الخضراء، والحيوانات ترعى، ورجل يبتسم بهدوء وسعادة وهو ينظر إلى السماء. كانت الأرض خضراء، تميل إلى السواد. قبل سنوات، وضعت عرضاً للمراسلة في موقع للتواصل. وردتني رسالة اهتمام من امرأة يابانية في أربعيناتها. تواصلنا بالرسائل، وقد كانت متحفظة، ولكن مهتمة جداً بالتعرف على ثقافتنا. كان الأمر ممتعاً، حيث كانت امرأة محترمة، محتشمة في كلامها، راقية باهتماماتها. وكان من ضمن اهتماماتها السفر. طافت العالم. سألتها ذات مرة، لو أردت رؤية الطبيعة الجميلة، أين أذهب؟ قالت؛ إذا أردت الطبيعة الجميلة، اذهب إلى أحد بلدين، إما سويسرا، أو كندا. سويسرا شهيرة بجبال الألب، وطيب العيش. ولكن كندا؟ كان شيء جديد علي، لم أحسب بأنها استثنائية تلك البلاد. كنت أفكر بأنها تشبه أمريكا. أنا أثق برأي تلك المرأة، وكانت تضع كندا في صف سويسرا. في كندا، يوجد فرصة لرؤية الطيور الطنانة، الثيران الأمريكية، والحوت القاتل، المسمى الأوركا. وهذه كلها حيوانات أحبها جداً. ولكن، لا يساوي الأمر التعب لأخذ والدتي إلى هناك، خصوصاً إجراءات الفيزا، والتوقيت السيء، حيث سيكون هناك فصل الشتاء، وتكاليف المعيشة، وكذلك، لا أدري... إن الذهاب إلى هناك لا يشعرني بالراحة حالياً. أحياناً أتمنى لو كنت قد سألت تلك المرأة عن نيوزيلاندا، ولكن، لم تكن هذه البلاد تخطر على بالي أبداً.


زميلي في الكلية، وفي الجامعة كموظف الآن، أخبرني بأن شخص أجنبي اصطدم بخلفية السيارة التي يقودها. وكان الخطأ على الأجنبي، وهو سوري. كنا نمشي في ممشى الملك عبدالله، لأول مرة أمشي معه، حيث كان الوعد الذي تأجل كثيراً هو اللقاء لأساعده ببعض أمور حاسبه الجديد. أخبرني بأنه سيسامح السوري، وسيعيد إليه الرهن. اتفق مع السوري على الحضور هناك في الممشى، وأخبرني بأن السوري يعمل في الحميضي، وهي سلسلة محلات شهيرة تختص بالساعات الأصلية والغالية. أخبره السوري بأن يتصل عليه متى جاءوا أهله إلى المحل، ليقدم خصومات ضخمة لهم كرد للمعروف، وأشار إلي مازحاً وقال: وأنت كمان. حينما ذهب السوري، تذكرت فجأة تلك الساعة الأمنية، كونينو لمبورقيني، وأنيت بأسى حينما لم أسأله عنها، فربما تدبر لي خصم جيد لهذه الساعة الغالية. كانت تكلف حوالي 4000 ريال. وجدت من يستوردها ويبيعها بلا ضمان بحوالي ثلث السعر أو أقل، ولكن فضلاً عن أنه لم يجلب اللون الرياضي الأحمر كما في الصورة، وهو ما لا يمكن أن آخذ غيره، كانت قد انتهت من عنده حينما اتصلت. لست أحب الساعات التي تعمل بشكل تقليدي بالعادة، ولكن هذه،،،""










كان زميلي بالعمل يحكي لي عن أنشطته بالانترنت. وماذا يسمي نفسه مؤقتاً في المحادثات. يسمي نفسه: ملح وفلفل، أو شيء من هذا القبيل. خطر في بالي مباشرة تسمية المدونة. كانت فكرته ملهمة. فكرت باسم على نفس النمط، ولكنه يعبر عن فكرة، لأطلقه على مدونتي. وجدت: خبز وجبن. قد يبدو عنواناً سخيفاً، ولكن تقع خلفه فلسفة. إني كنت أفكر دائما، بشكل مجازي، بأن الراتب سيكفي طالما يبقي الخبز والجبن في المنزل. والخبز والجبن سيكفيان المرء ليعيش كذلك، رغم بساطتهما. أما لماذا خبز وجبن، وليس خبز فقط؟ فلسبب قد لا يهضمه الكثيرين، أو أكثر من سبب. في القديم، كان الناس يأكلون الخبز، كمصدر وحيد غالباً للعيش، وإن كان مخلوطاً بمكونات مختلفة، ولكنه يظل خبزاً، ولكن، هذا غير عصري، فلا أحد يعيش حالياً على الخبز وحده، فحينما يريد أن يعبر أحدهم عن الكفاف، فإنه يعبر عنه بالخبز والجبن، وعليه، الخبز والجبن أصدق لعصرنا، لمجرد لعيش وكما أقول دائماً، أنا عايش، رغم كل شيء، للأفضل أو للأسوأ. بالإضافة إلى أن ذكر الخبز وحده كعنوان يشبه التظاهر، لا أدري كيف أعرف التحذلق تماماً رغم أني أعتقد بأني أفهمه، ولكن، أعتقد بأن تسمية المدونة: خبز، سيكون مثال على التحذلق، عكس: خبز وجبن، لأن التسمية الأخيرة لا تخلو من سخف، وأبعادها خفية على من لا يفكر. كما أني أحب الجبن جداً، والخبز بطبيعة الحال لا غنى عنه. للأسف أني لم أعد آكل هذا الطعم منذ فترة طويلة، رغم اشتهائي له.
سأفكر كثيراً بهذا العنوان، والاحتمال الأكبر أني سأطلقه على المدونة. وهذا يعطيني أمل بإيجاد عنوان للرواية، وهو موضوع يؤرقني أكثر من عنوان المدونة بكثير. فالعنوان الذي خلصت إليه لم يقنعني.











أقرأ حالياً رواية: عزازيل. كما ذكرت في مدونتي المصغرة. وهي رواية نالت جائزة الرواية العربية التي أقيمت مسابقتها في أبو ظبي قبل فترة. لست أحب قراءة ما يكتبه العرب، وفي كل مرة أعطيهم فرصة، يخيب ظني وأندم على الوقت الذي ضاع. هذه المرة، حينما رأيت الكتاب في جرير، فكرت بأن أعطيهم فرصة طالما احتفلوا بهذا الكتاب، بالإضافة إلى أني لم أتوقع نزوله بسرعة. اشتريت الكتاب، ووجدته جيداً حتى الآن على الأقل. لا أريد أن أحكم وأتحدث أكثر قبل إنهاء الكتاب، ولم يبق الكثير عموماً.










الصورة في قمة الموضوع، هي صورة ثريا مما يعلق بسقوف الجامعة، يفترض بأن تبدو عصرية، ولكنها بصراحة غريبة، وليست جميلة جداً. مع ذلك، أحبها. التقطتها من فوق الجسر المؤدي إلى كلية السياحة والآثار، حيث سادت ذات يوم كلية اللغات والترجمة، حيث تخرجت، وجرت أمور كثيرة. عدلتها كذلك. التعديل ممتع.








سعد الحوشان

الجمعة، 24 يوليو 2009

أفكار طنانة حول رأسي(طيور،أحداث،أفكار)

بسم الله الرحمن الرحيم


















حينما يقول المرء: فن. ماذا بالضبط يمر في ذهن المستمع؟ للأسف، حصر الفن لدينا في شيئين، أحدهما رديء في معظمه، والآخر بشكل مناقض أمر إيجابي. حينما نقول فنانين فإننا غالباً ما نتخيل الناس الساقطين في عالمنا. ولكن حينما يتقن أحدهم حرفة معينة، أو يكون موهوباً على نحو استثنائي في أمر ما، مثل الخط العربي، فإننا نقول بأنه فنان فيه.
نحن لا نسمي الأناشيد الإسلامية فناً، ولكن نسمي الزخرفة الإسلامية فناً. الفرق هو أننا لا نريد أن يقارن الناس بين الأناشيد، وما صار يدعى فناً، وإن لم يكن كله فن، ألا وهو الأغاني. لقد سقطت الأغاني العربية سقطة موجعة، وهي في تدهور وضياع هوية. ورغم أن الأناشيد الإسلامية ذات هوية واضحة، إلا أنها لم تتطور، ويمكنني القول بأنها كذلك في تراجع شديد. ولاعجب، فما الذي يتقدم أصلاً لدينا، والحصر غير المبرر لموضوعات الأناشيد يسيء لها بشدة، كذلك، نوعية الأصوات عموماً واللحن غير المؤثر مع بعض الحالات الاستثنائية. كانت الأناشيد من قبل تبحث عن الكلمات المؤلمة المروعة، والأداء المنتحب بفجاجة، ولما تطور الوضع قليلاً، صارت الأمور سطحية مع الأسف، يضاف إلى هذا الأداء السيئ بالكلمات العامية، والموضوعات السخيفة المقصية للناس. سمعت ذات مرة انشودة تحث على لبس الثوب، وعدم لبس الجينز مثل النساء، ممثلين بذلك بأن كل من يلبس الجينز هو في دائرة الشك في هويته الجنسية أو النفسية، وكأننا لا نرى بأن الشعوب الشقيقة تلبس الجينز كل يوم كلباس عادي وطني. وفي هذا إقصاء ضيق الأفق لكل من يلبس الجينز، وخلق شقاق سخيف، بعقليات لا ترجو منها خيراً في الصعود بهذا الفن الذي يفترض بأن يكون راقياً، ولكنه هابط بأكثر من وجه. إنه لا يخاطب كافة الناس، ولا حتى المطلعين منهم، لقد صار يحتاج إلى وقفة حتى لا يصبح سوقياً. ما أحيا الأمل في نفسي، هو أني بينما أشاهد مسلسل أجنبي(الياباني مرة أخرى)، كانت موسيقى الخلفية عبارة عن اوركسترا، وكورال ضاج جميل، ومقاطع أوبرالية. في لحظات معينة، صفى الصوت على مجرد رجل يلقي لحناً اوبرالياً بصوته، وذلك اللحن الخالي من الموسيقى، أعاد إلى ذهني الأناشيد الإسلامية مباشرة، إنها تتشابه، مع فارق الرقي. لدينا الأساس لتأسيس فن عالمي غير محصور بفئة معينة، تاريخه جيد ونظيف إلى حد بعيد، فيمكن أن يصبح حكراً على الكلمات والأفكار النظيفة، وإن لم تكن بالضرورة دينية، فالمواضيع الحياتية مهمة كذلك. إن الأناشيد تحتاج إلى إعادة نظر كاملة وتأهيل لتصبح أداة حضارية حقيقية يفخر بها الناس، لا يتجاهلونها كما يحدث الآن. أنا أرى أن لدينا العديد من الملحنين الغنائيين المتفوقين، وبعضهم أكاديمي بالموسيقى، لماذا لا يقسم مجهودهم، ويخصص بعض منه لشيء بهذا النبل؟ فهم مسلمين بالنهاية، والإقصاء بحقهم لا يمكن أن يكون أفضل من كسبهم والاستفادة من خبراتهم. تخيل مسرحيات إنشادية، تحكي معارك المسلمين الملحمية، أو قصصهم الشهيرة ذات المعنى والتأثير العميق؛ فن شبيه بالأوبرا ولكنه إسلامي الطابع. هؤلاء الملحنين سيحدثون الوضع ويكونون حلقة وصل بين الحداثة والأصالة، ولا يمكن بطبيعة الحال التعاون مع أي ملحن. تعاون هذه الأيام الشيخ الذي لا أحبه عائض القرني مع محمد عبده، ولم أرى اعتراضاً كبيراً. أنا أساس لا أرتاح إليه وأجده شخص مغرور، خصوصاً حينما يمنح الجوائز لمن يجاريه، رغم أن جودة قصيدته التي كتبها لمحمد عبده لا ترتقي حسب المختصين بالأمر. 









يبدو أني سأبدأ بالتأخر رغم أن تدويناتي صارت أقصر مؤخراً. حيث أني أنشغل كثيراً في العمل، وحينما أفرغ لم يتم جلب كمبيوتر خاص بي، والكمبيوتر المتاح سيء جداً فضلاً عن المقاطعات. ولكن الوضع ممتع في العمل (باستثناء الترجمة لضيف ثقيل على الجامعة يوم الثلاثاء الفائت، وسيأتي الإربعاء هذا أيضاً، الله يعين).









بعد أن أتميت تقريباً 3 أسابيع في الجامعة، لا زال لدي مستحقات غير قليلة في الوزارة حيث كنت أعمل. كانت معي بطاقة الدكتور المشرف، فاتصلت على المكتب. رد مدير المكتب، وهو رجل طيب إلى أقصى الحدود، وهو بدوي كذلك. سلمنا وتكلمنا، وسألت عن الزملاء. تذكرت بأني نسيت أحدهم بهدية حينما أحضرت لجميع المهمين، يا للغباء من طرفي. سألته عن الدكتور المشرف، وقال بأنه بخير. لم أجرؤ على السؤال عنه أمام الدكتور الذي كان مديري هناك، حيث أني حساس من أن ينقل سؤالي إليه، فيحسب أن هذه هي نيتي. أعلم بأني أحمل الأمور أكثر مما تحتمل، ولكن الواقع هو أني لا أفعل هذا مع الآخرين، أعني أنه لو كان شخص آخر عادي، لربما أرسلت إليه سلامي، ولكن لأنه مميز لدي لسبب مجهول، أصبحت حساساً تجاه ما قد يفهمه عني. فلست أريده أن يتخيل مثلاً أني أنافقه، خصوصاً أني أهديته هدية، وأنا أعلم أن بعض الناس حينما يهدون الآخرين شيئا فإنهم يبيتون في أدمغتهم أن هذه الهدية هي شفاعة لأي شيء كان، وقد يكون شيء طيب النية كأن تكون شفاعة للسلام، ولكن، لا يجب أن يكون هذا هو معنى الهدية، على الأقل، ليس مع كل الناس. ترددت بالمكالمة وأنا أفكر، هل أرسل سلامي؟ فمر بخاطري صورته، وهو يجيب عن سلامي المنقول، وعلى وجهه علامة استغراب، أو في أفضل الأحوال، يجيب بلا مبالاة. حينما أبالي بأحد، فنفسي تريد المثل أو بعضه، وحينما لا يكون للمثل مجال، فلا أخاطر. ربما لو مررت عليهم في العمل يوماً ما، ووجدته غير مشغول، سيسعدني جداً أن أدخل عليه، وأسلم، وأخرج. لو كان عمره أصغر، لحرصت على كسبه صديقاً. للأسف أن الأوقات غير متوافقة، فأنا معجب به إلى هذا الحد. ولكن، للمرء أن يعجب بمن يريد، فهو لا بد مفارقه. شخصيته الجدية واعية، إن أكثر الجديين هنا يحسبون أن امتلاكهم لصفة الجدية تحتم عليهم الميل إلى الصلف والقسوة. كان هذا الفهم الخاطئ ظاهر على شخص عزيز آخر، تجربتي معه تعلمت منها الكثير.












حينما حجيت العام الفائت، كانت تجربة متعبة وليست على أكمل وجه بسبب الحملة السيئة، حملة الجميعة. لدرجة أني أحسب بأني أود أن أرتاح لعشر سنوات قبل أن أكرر التجربة، بسبب سوء الحملة التي استنزفتني. ولكن في الحج، تعرفت على أناس رائعين حقاً. ومررت بتجارب على مرارتها، مثل حينما أهملتنا الحملة في مزدلفة، إلا أنها وضعتني بمواقف تمخضت، ولو بعد حين، عن حظ حسن. في مزدلفة، أنزلتنا الحملة كشحاذين بدون أي تجهيز، وهربَت. لم يوجد مكان لنجلس فيه، أو حتى نستأجر أو نشتري طعام جيد، والأهم، لا مكان للراحة أو النوم. بطبيعة الحال، كان المكان مزدحماً إلى حد لا يصدق. وقد تبرع بدو كويتيين بتركنا نجلس على سجادة لهم، سرعان ما سألوا إن كنا مغادرين ليطووا السجادة حالما وقفنا. ذهبت أنا وصاحبي من الحملة نهيم على وجوهنا، وهو مع أنه إنسان في قمة الطيبة، إلا أن عمره صغير وعلى جانب من... كيف أسميها؟ على جانب من الطفاقة، وقد وتر أعصابي في تلك الليلة كثيراً، ولكني أحببته بعدها كثيراً. المهم أننا ونحن نهيم، وجدنا رجل سعودي، مطوع. يجلس على فرش كبير، ومعه شخص شديد بياض البشرة. سمح لنا بالجلوس معهم. وكان كريماً ولطيفاً معنا. عرفنا بأن الرجل الآخر هو حاج عراقي، ضيف مثلنا على هذا الرجل السعودي الملتزم. بعد قليل، نام صاحبي من الارهاق، بينما تسامرنا أنا وهذا الرجل الطيب. كان من القصيم، مثلي، وكان أيضاً دوسري، مما يجعلنا أبناء عمومة. ناقشنا أمور كثيرة، عن القبائل والانتماءات، وعن الزواج وهذه الأمور. وأمور أخرى لا أتذكرها. كان العراقي حينما يكون متواجداً يشارك بما يعرف، وقد كان طيباً في تعامله، ولكنه يضمر كراهية للواهبية كما فهمت، ولا يعتبر أن من يسميهم واهبيين هم حنبليين بالأساس. مما جعلني أنفر منه. أنا لا أعتقد بأننا وهابيين كما يقولون، إننا فقط نطبق ما نراه صحيحاً دون تعصب لأحد. وقد غاضني أسلوبه الأجنبي السخيف المقفل وضيق الأفق حيال هذه النقطة، ولكن بالمقابل، كان الرجل الملتزم بارد وغير مهتم حقاً. ولكن في معظم الوقت، لم يكن هناك غيري وغير الملتزم، حيث كنا نتحدث كثيراً، وقد خفف الأمر علي كثيراً رغم أني لم أنم. هو من بريدة، وشديد العفوية، وشديد التهذيب مع ذلك، رقيق ولا يحب جرح الآخرين. تبادلنا الأرقام. واتصلت به لما عدت إلى الرياض مرة واحدة.












أمس تقريباً، وصلتني رسالتين في الانترنت، إحداهما عن طريق منتدى كنت أشارك فيه بإسمي الحقيقي، والأخرى عن طريق تعليق بالمدونة، من نفس الشخص الذي يدعو نفسه أبو عبدالرحمن. يريد أن أراسله من خلال بريدي، ولما راسلته، طلب مني الاتصال على جواله أو إرسال جوالي إليه! لم يوضح شيء عن نفسه، وبما أن أحد الرسائل جاءت عن طريق المنتدى، تخيلت بأنه ربما أحد زملائي في الكلية؟ أو ربما أحد طلاب اللغة الفرنسية الذين لم أكن على وفاق معهم، ولا زال لديه ما يقول؟ فهذا شيء متوقع، يبدو أن الكل بقي لديه أشياء يقولها، عداي. سألته من يكون، وأعطاني توضيحاً،،، غير واضح. سأل إن كنت سعد من المذنب؟ وأنه فلان المطوع. لم أفهم، ولكني شككت بأنه شخص أعرفه جيداً، نويت الاتصال به في اليوم التالي. ولكن لما شغلت المسنجر، دخل وكلمني هذا الشخص، وكان يعتقد بأني عرفته. لم أكن متأكداً، فسألته إن كان صاحب الحج؟ فقال بأنه هو...!! كان من الواضح أنه بحث عني، عن أسمي في الانترنت، فتوصل إلى ما يتعلق بي، المنتدى وهذه المدونة!! لقد تكبد العناء ليتواصل معي، لقد تكبدت العناء لأتواصل مع آخرين، ولكن لم يسبق لأحد أن اكترث لأمري إلى هذا الحد، أن بحث عني يريد التواصل معي قبل هذا الشخص. تأثرت كثيراً باهتمامه، وكان تواصله من أسعد الأمور على الإطلاق التي جرت لي منذ وقت طويل. عرفت سعادة نادرة وأنا أحادثه، رغم أن وقته كان ضيقاً. حقاً يا ابو عبدالرحمن، لقد أدخلت البهجة إلى قلبي الراكد، وهذا معروف كبير جداً لا أدري إن كنت أقوى على رده.











الاسبوع الفائت، كلمني أحد قياديي قسم مجاور من نفس عمادتنا، عن رغبته بانتقالي إلى قسمهم. قائلاً بأنهم يحتاجونني بقربهم، وأن في قسمنا شخص آخر يتحدث اللغة الانجليزية. أخبرته بأني أخدم العمادة كاملة كما كنت دائماً، وحالما يطلبوني إليهم فسأكون عندهم كما جرت العادة، وقد أحضرني لهم في تلك اللحظة عمل لهم على أي حال، كما أن الشخص الآخر مسكين، فهو ليس بمترجم بالأساس ويقوم بأعمال فوق طاقته، فضلاً عن حاجتهم المستمرة لي هناك بحكم كثرة الأجانب المراجعين. ناقش الفكرة معي، ولكني بينت أن وجودي هناك أجدى. الغريب هو أن قسمنا وقسمهم لا يفصله جدار حتى، ويمكنهم دائما استدعائي، والأغلب أني أحضر إليهم مع الراجعين للترجمة دون استدعاء حتى. أخبرت مديري ونحن نتكلم بأمور عملي بمقترحهم وردي عليهم، ولم أعلم بأن الأمر سيستفزه تجاههم، إذ قال بصلف ونظرة غاضبة: قل له(يقصد الشخص من القسم الآخر) يروح يحج قبل الزحمه..." صمت. ثم شرح عن حاجتهم الماسة لي هنا، فسارعت بالتوضيح بأني فقط أتكلم، ولا أنوي ترك إدارته بأي وقت. في وقت لاحق، قال لي شخص مماثل في قسم آخر نفس الكلام، ولكني لم أخبر المدير هذه المرة.











ما أكثر ما يسألني الناس عن الزواج... حسناً، بالواقع، الأمر ليس كثير بالمعنى الدقيق، ولكنه كثير علي. إن الأمر ليس تأجيلاً، ولكنه عدم استعجال. لست من النوع الذي سأقول لأهلي: أريد فتاة هكذا وهكذا صفاتها، ابحثوا لي عن واحدة. وبطبيعة الحال، لا أستطيع اختيار فتاة ثم التعرف عليها أو العكس. الوضع معقد، ولكنه عندي بسيط. أعرف أنه في مجتمعنا، حينما يتزوج المرء فإنه يتزوج العائلة بأكملها. إني أبحث عن العائلة قبل الفتاة. أعلم بأن هناك فتيات رائعات وملائمات لي ولكنهن ينتمين إلى عوائل صعبة أو مزعجة، ولكني لا أستخسر الأمر، فهذه العوائل مهما بدا الأمر جيداً بين الزوجين، إلا أنها تفسده، كما أن المرء يجب أن يختار أخوال جيدون لأبناءه. إني أبحث عن أناس أرتاح إليهم كعائلة، أناس صحيين، سويين، أذكياء وطيبين، وغير منحلين أو متحررين كما يقولون، كما يجب أن لا يكونو متشددين كذلك. أود التعرف على العائلة أولاً بشكل جيد، ثم معرفة المزيد عن الفتاة. ولكن، من يعلم أين النصيب وكيف يكون.

أنا لست بمستعجل على الزواج، لدي ما أقوم به حالياً، ولكني لست أؤجل الأمر كذلك، فحالما أعرف بأن هذه الفرصة المناسبة، هؤلاء الناس الطيبين، فلن أضيع الوقت قبل الخطبة. الخطبة يجب أن تطول قليلاً بالنسبة لي. كذلك، أحب أن أتعرف على ناس جدد، ليسو أقارب أو معارف قدماء. أحب أن أربط عائلة جديدة بعائلتنا. كما أن هذا صحي أكثر للأبناء. كذلك أوصى الرسول عليه الصلاة والسلام بالتعارف في هذه الأمور.







الفيديو أدناه تصاحبه موسيقى، لمن لا يحب؛ يخفض الصوت ويشاهد:


هذه الطيور الطنانة من أحب الحيوانات إلى قلبي، رغم أني لم أرها على الطبيعة. أمنيتي أن أراها، ولكن لا أتخيل بأنها أمنية ستتحقق. تتواجد هذه الطيور في قارتي أمريكا الجنوبية والشمالية. لا تعيش في كل المناطق، فهي تحتاج إلى درجات معينة من الحرارة والرطوبة. توجد في كاليفورنيا في أمريكا وفي شمالها، أعتقد مينيسوتا، وفي كندا كذلك. وهي تعيش على رحيق الأزهار، أو على الماء المحلى من صنع البشر. ولأن حركة أجنحتها سريعة جداً، تحتاج إلى الطاقة بشكل كبير، بحيث أنها توفرها لتعيش، فلا تتحرك للطيران إلا في ظروف معينة، كالبحث عن الرزق. فهي لا تطير أو تتحرك أكثر من ساعة في اليوم في الأوضاع الطبيعية على حد علمي، بينما تقضي بقية اليوم بالجلوس والتأمل. لا يربيها الناس في بيوتهم رغم أنها أليفة بالنسبة للبشر، فهي لا تهابهم وقد تشرب من أيديهم دون سابق معرفة. ولكنها تحتاج إلى بيئة وعناية صعبة التوفير. إن مشاهدة حيوانات غير مألوفة، مختلفة وغير عادية، من الأمور المقوية للإيمان برأيي. سبحان الخالق المتقن. منذ أن كنت صغيراً وأنا أعشق هذه الطيور، وأتمنى لمسها. أتذكر برنامج عرض بالتلفزيون عنها، افتتنت بها كما لم أفتتن بأي حيوان حينما كنت صغيراً، ربما مثل فتنتي بالفراشات. القاسم المشترك على ما أعتقد هو الألوان الجميلة، ولكن الطيور الطنانة أكثر اثارة للاهتمام من الفراشات.









كنا نعمل في غرفة الاجتماعات الخاصة بالعمادة. كنا أربعة، المدير، واثنين من الزملاء، بالإضافة إلي طبعاً. نفرز أوراق وندمجها، وهي تخص كل موظف تقريباً بالعمادة، أو معظمهم، والموظفات كذلك. جاء دور إدارتنا، ووصلنا إلى ورقة أبو محمد، وهو زميلنا المحبوب، في إجازة الآن. تنهدت وقلت وأنا أمد ورقته بعدما وجدتها: من غير شر يا ابو محمد. قال المدير بصدق: اي والله من غير شر،،، حبيب أبو محمد. بعد ورقة أبو محمد، اكتشفنا أن الدور جاء على ورقة زميلنا الآخر. قلت: خلق وفرق وجايين وبرى بعض. قال مديري: إهااااهههههه إه إه إه. صمت قليلاً، ثم أضاف بصوت أخفت: إه إه إه. هكذا يضحك هو، وأنا أميز ضحكه الحقيقي من مجاملته، كان يضحك حقاً، فالزميل الأخير صعب المراس، ولسانه سيء جداً، يخطيء على هذا وذاك بلا حساب، يتدخل بما لا يعنيه، يجرح الناس لا يردعه شيء. رغم أنه يبدو عليه الندم لاحقاً، فقط إذا ما رد عليه الشخص المقابل وحاول إيقافه عند حده، ولكن المشكلة أن لا أحد يحاول إلا فيما ندر... هداه الله. خسارة أن أبو محمد سيتقاعد بعد سنة... خسارة. أتمنى أن يمددوا له بشكل ما، يا رب.








يوم الثلاثاء، جاء رجل استرالي إلى قسمنا، وهو يعمل في كلية اللغات والترجمة. مسلم. وكان زميلي قد حرصني أن أحضره له إذا جاء. حينما أنهينا أعماله، سألته إن كان قابل زميلي؟ فهو يسأل عنه باستمرار، وهو يعرفه. حينما وصلنا زميلي، طلب جوازه ليأخذ منه صورة. لما أعطاه، احتجزه لديه!! قائلاً بأن هذا الرجل قام بإجراء غير قانوني، سمحنا به عن طريق الخطأ، والآن يجب تصحيحه. كان الرجل الاسترالي سيسافر قريباً، ويعود قريباً، فقط سيوصل زوجته لأنها مريضة ويخاف عليها. فوجئت بما قام به زميلي، كنت أعرف عن مشكلة الإجراء، ولكن لم أعرف أن جوازه سيحتجز. الرجل لم يكن يعلم بأن هناك خطأ بما قام به. ولكنه وقع في ورطة، فيجب أن ينتظر عودة زميل كفله هو، والوقت لا يتحمل. حاولت مساعدته. وبحث عن أي طريقة. ذهبنا إلى مديري. لم يكن بيده حيلة. طلب منه أن يجد من يكفله قبل أن يسافر. كان هذا صعباً، فهو بلا أصدقاء هنا باستثناء صديقة المسافر، وكفالته لا تصلح لأنه مسافر. اتصل على مدير قسمهم في كلية اللغات، ولكنه رفض كفالته لأنها مسئولية لا يتحملها. تعب الرجل وكاد أن يبكي. لاحظت أن وجهه تغير، اسود. ثم لم يعد قادر على الوقوف. فكرت بأن الأمر وصل حده، فإن لم يجد من يكفله، فسأكفله أنا. فهو سيعود بالتأكيد، حيث يملك سيارة هنا يجب أن يتصرف بها، ولو لم يعد، فالشكوى لله، سأحسن الظن فيه وسأكفله. جلس وأحضرت له ماء، وعلمت بأنه يعاني من مشكلة في قلبه، ويأخذ دواء لأجله، ويعاني من مرض السكري كذلك. خرج المدير من المكتب بعدما حاول إقناعه بطلب الإسعاف، ولكن الاسترالي رفض. لحقت بالمدير، وطلبت منه أن يعطي هذا الرجل استثناء، فهو لن يجد من يكفله، وهو متعب ومريض، وزوجته مريضة. قلت: تخيل لو خرج من هنا، وأصيب بشيء، مات ربما، كيف سيكون موقفنا؟. قال مديري بعصبية: ماذا أفعل؟ ماذا تقترح؟ أنا: لا أدري، ربما نكلم لأجله العميد؟ العميد يستطيع أن يستثنيه. أياً كان الحل، يجب أن نساعده". فكر مديري ملياً. ووقفت أنتظر، وزميلي الملتزم الكبير معنا. ثم قال: أعطه جوازه. فرحت جداً. وذهبت إلى الرجل أبشره. ولكن تعبه لم يترك له فرصة ليفرح بشدة. شكر المدير ونزلت معه، فلم تكن حاله تسمح بتركه. نزلنا وتركته يجلس على حافة الحوض في البهو. وذهبت لشراء عصير محلى له، وإحضار أكياس سكر الشاي. شرب ومص السكر. وصار يكلمني عن خيبة ظنه بالمكان. كان حزيناً جداً لتجربته هنا. فقد توقع عكس ما وجد. توقع مجتمع مسلم متسامح، كان يريد أن يربي أبناءه في بيئة إسلامية. ولكنه وجد الناس منعزلين، لا أحد يكترث لأمر الآخر. الجيران لا يزورونه ولا يدعونه للزيارة. وزوجته تعبت من نظرة قريناتها الدونية لها. كانت سنة صعبة وقد شعر بأنه جنى على أبناءه بإحضارهم إلى هنا. هو يعلم بأن ليس الكل هكذا. ولكنه يأسف على تجربته. أخبرته بأنه يسكن في حي غير مريح. كنت أسكن هناك، ولم نعرف طعم الجيرة الحقيقية حتى انتقلنا منه. أخبرني بأنه حزين على ابتعاده عن أمه، فليست هي من يحتاجه، إنما هو من يحتاجها، حتى لو كان متزوجاً وأنجب أبناء. حكى عنها وعن تضحياتها. تمنيت رؤية أمه. قال بأنه يعتقد بأني إنسان جيد، وبين أسفه لأنه لم يقابلني قبل الآن، حينما أوشك على ترك البلاد. شعرت بالأسف لما يشعر به. وشعرت بالأسف على خيبة ظنه الشديدة والحقيقية، الخالية من الحقد. كان لا يستحق ما جرى. كان قد شعر بالغبن لأن زميلي أخذ جوازه بالخدعة، ثم بعد قليل حينما أذن للصلاة استأذن ليصلي، قال بأن الكذب ليس أخلاق إسلامية. تلكمنا كثيراً. وفي النهاية رفض أن أوصله إلى المنزل. وخفت أن اؤذية لو سحبته أكثر. اتصل لاحقاً ليطمئني بأنه وصل وتناول علاجه.
إن الكثير من الناس يأتون إلينا بتوقعات مختلفة وفوق الواقع. ورغم أنك لو سألتهم قبل أن يأتون لقالوا لك: لا، السعوديين بالتأكيد ليسو كالصحابة. إلا أن هذا ما يتوقعونه صدقاً. إنهم لا يكفيهم أبسط الأيمان؛ المساجد المنتشرة وكثرة الملتزمين والحجاب وإغلاق المحلات للصلاة ووجود المقدسات. إنهم يريدون ما يحتاج إلى وقت ومثابرة وقد لا ينجح. وبالواقع، تجد الغربيين الكفار هنا أكثر سعادة من الغربيين المسلمين، لأن توقعاتهم واقعية. فكثير منهم يعشق بلادنا أيما عشق، ويحب أهلها، وينقل إنطباعات جميلة عنها في الخارج. خصوصاً من يأتون مع عوئل من الغربيين المسلمين، تجدهم يواجهون ضغوط من زوجاتهم، وهذا ما حصل مع عائلتين عرفتها في الجامعة. ولا يعني كل هذا بأننا كسعوديين لا نخطئ، فنحن لا نعطيهم فرصة كافية، ولا نستقبلهم بالقدر المطلوب في حياتنا. ربما لسوء تجاربنا مع الأجانب بشكل عام.




يوجد استرالي آخر بالمقابل، ملتزم، لحيته ضخمة طويلة. ولكن كم أكرهه. إنه لا يشكر أبداً، ويتعامل بتكبر وفوقية. ولا يسلم إلا إذا احتاج شيئا. وحينما جاء لأول مرة للجامعة، كنت أنا معه. وقد بدا لي وكأنه لا يرى غير الملتزمين أمثاله، ذوي اللحى الطويلة. بحيث لا يشكر إلا هم، ويسلم عليهم بحماس ويستعرض نفسه، وكأنما يريدهم أن يفرحوا به ويتركوا أعمالهم للتعرف عليه. وهذا ما لم يحصل. أليس إسلامه له؟ يتساءل المرء. وهو فوق كل شيء مزعج، وغبي لا يفهم، ومتكبر. سألني ذات مرة لماذا الناس هنا صلفين قليلاً، شعرت بأنه لا يستحق أفضل من هذا. صرت أندم على بذل مجهود أكثر من المطلوب لمساعدته. فزميلي الملتزم الصغير يشكو منه، ومديري حتى. وقد تسبب لنا بإحراج رغم أننا بذلنا المستحيل لمساعدته. لم أعلم إلا لاحقاً، وأنا أخبر مديري بأنه لم يستحق المساعدة، فأخبرني مديري بأنه ذهب إلى الوكلاء السعوديين، وهم أشخاص متبطلون في العمادة، وتسبب بإحراج لنا، وكان الوكلاء يتكلمان معاً بالانجليزية حتى لا يفهمهم مديري، مما أغضبه جداً. ماذا يتوقع المرء من دكاترة سعوديين، لا وتخصص إنساني بعد، فكليهم تخصصهم بالإدارة. أرجو أن لا يعود هذا البغيض أبداً.








كان ذلك اليوم، الثلاثاء، مرهقاً جداً جداً. حيث ذهبت إلى البنك لأحدث معلوماتي، حتى لا توقف بطاقتي الائتمانية "الكذبية". فهي كذبية لأنها لا تعمل كالبطاقات الائتمانية العادية. حيث أنها مسبقة الدفع، اعبئها بالمال عن طريق البنك، فيكون هذا المال برصيدي لأشتري به وأستفيد من مميزات البطاقة، وهدفي الرئيسي منها للشراء عبر الانترنت. وقد اشتريت بها كثيراً، وهي رائعة، خصوصاً لمن لا يريد الربا مثلاً، أو يخاف الإدمان عليها، أو يخاف سرقتها(لا أخاف)، أو لا يريد استخراج بطاقة ائتمانية إسلامية، ولكنها برأيي كفرية من حيث لصوصية البنوك في الاشتراك الشهري. ولكن استخرجتها من بنك سيء، حيث حسبت أنه الوحيد الذي يوفرها، وعلمت لاحقاً أن البريطاني يوفرها كذلك. البنك هو الأهلي، الذي صرت أحب أن أدعوه: بقالة بامحفوظ. حيث التعامل السيء، والموظفين الجهلة بإجراءات بنكهم ومنتجاته. العجيب هو أن الموظفين الذين يجيبون على الهاتف، وكلهم حجز، رائعين ومهذبين عكس الذين يعملون بالفروع، بينما موظفي البنك الفرنسي في الفروع رائعين إلى أقصى حد، ولكن من يجيبوك على التيليفون يجمعون بين الغباء والوقاحة والنذالة. في فرعي الذي أتعامل معه في حينا، قالوا بأن تحديث البيانات لبطاقة ائتمانية لا يتم إلا في فرع التمويل في خريص، مع العلم أني أعيش قرب جامعة الملك سعود. ولما اتصلت بخدمة العملاء لأسئلهم عن مكان أقرب طلبوا مني العودة والاتصال بهم مباشرة وأنا في الفرع. أخبرتهم بأني لا أستطيع الاستئذان مرتين من عملي. في الغد عدت واتصلت، قيل لي بالفرع أن النماذج منتهية لديهم!! وطلب مني الذهاب إلى فرع آخر. وهكذا قالوا بالتيليفون إنما بطريقة أكثر أدباً. في الفرع الآخر أخذت رقماً. وكان 805. مع العلم أنه لم يوجد غيري، والذي تجري خدمته لدى الموظف الوحيد لخدمة العملاء في الفرع الذي يحتل عمارة كاملة أمام سوق العويس في طريق الملك فهد. انتظرت لوقت طويل، قدره بنصف ساعة. جاء لاحقاً رجلين وحصلا على رقم. حينما خرج العميل من عند الموظف، تغير رقم الشاشة، يفترض أن يظهر رقمي بأني الثاني، ولكنه أظهر: 400!! فقفز الرجلين بحماس لأنه رقمهما. فذهبت معهما، وأخبرت الموظف بأني جئت قبلهما، ومع ذلك لم يتم إظهار رقمي، فهذا دوري بالواقع. قال بأن هذا ما أظهرته المكينة، رقمهما، فقلت بغضب، إذاً أنتم تستعملون أجهزة فاسدة؟ أم ليس لديكم منطق؟ أنت تعلم والكل يعلم بأني الثاني، والآن تقول لي المكينة؟ هل لديكم منطق هنا؟ ارتبك الموظف، وقال بأن هذا ما أظهره الجهاز، وأن الأمر لن يطول ومن هذا القبيل، فقلت بغضب وقد بدأت أن أفقد السيطرة على نفسي، فصرت أنتفض: يعني، تبونن،، أمرح عندكم الليلة؟ يمكن يجي دوري بكرى؟ مرتين تطلعونن من العمل، والحين، تبي تخلين أجلس عندكم أكثر؟... كدت أن أطلب المدير، فقط لأصنع مشكلة في الفرع، لأني أعلم بأن مدراء البنوك والمحلات الخاصة لا فائدة منهم، ولكنه قال بسرعة بأنه سيخدمني بلا رقم الآن، فقط أنتظره قليلاً. لم يستحق الأمر كل هذا التأخير، لو وفروا النماذج لاختصروا الكثير من الوقت. بنك سخيف إلى أقصى الحدود.






أتمنى دائماً أن أعرف من المسئول عن قفل الباب، ذلك الباب المؤدي إلى الشرفة، في مصلى كلية الآداب، وكلية اللغات سابقاً. هناك، حيث لي العديد من الذكريات المربوطة، صرت أتطلع إليه الآن من خلف الزجاج. لا أنسى وقوفي هناك بعد الصلاة وتأملي للنخلات المتمايلات بسكينة، في مدخل الكلية، أو الاستمتاع بالهواء ورائحة المطر، مطمئنا بوجود المصلى الذي أحبه كملجأي خلفي. لا أنسى وقوفي مع صديقي في تلك الأيام، وتناول الكعك الذي آتي به معي، ونحن ننظر للنخيل والناس ونتكلم بعد الصلاة، كوقت معلوم. لا أنسى صدمتي ورجائي، حينما هززت الباب عدة مرات فعلمت بأنه مقفل، رجوت أن أجده مفتوحاً في مرة أخرى. ولكن، بعض الأمور حينما تقفل، تصبح هكذا فقط، يصبح الباب جزء من الجدار.
الصورة في قمة الموضوع مأخوذة من الأسر.






سعد الحوشان

الجمعة، 17 يوليو 2009

الأحقية (أحداث،أفكار)

بسم الله الرحمن الرحيم










من يقرأ ما أكتب في العادة يعرف بأني لا أتكلم كثيراً عن مآسي الشعوب الإسلامية. إن الكلام حولها كثير، وكشأن العديد من الموضوعات، يمكن أن يتحدث المرء ولا يصمت أبداً، ولكن، ما الفائدة؟ هذا ما كان يجعلني لا أتكلم كثيراً، إني يائس، وأشعر بقلة الحيلة في هذه الموضوعات. ولكن إذا انتفى اليأس، فإني لا أجد غضاضة في التحدث في الأمر، وهذا ما أجده في نفسي تجاه قضية مهمة مهملة. إن الأمر يتعلق بالمسلمين الإيغور.
لن يجدي التحدث عن الإضطهاد الذي يتعرضون له مطولاً، وتأجيج المشاعر بتعداد المآسي في كل مكان. إن الأمر يجب أن يكون في رأيي هو بحث ما يجب أن نقوم به، وعلى أي أساس نستند، ومن أي مبدأ ننطلق. من المؤسف أن الدول الإسلامية إتجهت إلى تجاهل المشاكل البعيدة عنها، فمن لا يؤمن بالقومية منها، أو يؤمن بها بشدة، تجده صار يجدها الدرب الأسهل مسلكاً لراحته. ولكن، من قال أننا خلقنا لنرتاح؟. هنا في السعودية، كل العالم الإسلامي يتطلع إلينا وإلى مواقفنا، وينظر إلينا نظرة بنوية، او هكذا كان. ولكن، دعنا مما خسرناه، إن ما نوجهه أهم.
لا خلاف على أن الصين دولة صديقة لنا، برغم اختلاف الكثير من القيم بيننا وبينها، إلا أننا نلتقي في قيم أخرى. وعلاقتنا بها لم تكن أفضل في أي وقت مضى. لقد قدروا مساعدتنا حينما ضربهم الزلزال العام الفائت بشكل فاجئنا بصدق، حيث لم نتعود التقدير على عطاءنا من الدول الإسلامية التي نمنحها بلا حساب، بل ربما انقلب العطاء وبالاً علينا في الوضع المعتاد. وحينما جاء رئيسهم لزيارتنا كانت زيارته شديدة الودية، ومعبرة بقوة عن الرغبة في تعميق الصداقة، حيث أن المصالح المشتركة لا تخفى على عين، على كافة الأصعدة، التجارية والاستراتيجية، وحتى على مستوى قيادية دولتنا الدينية. أحضر معه أطفال العوائل المتضررة من الزلزال، وبين تقدير الشعب الصيني للمساعدة. ولم يجانب الحقيقة في رأيي، فما سمعته وقرأته يوضح بأن الصينيين في تلك الأوقات أظهروا حفاوة غير عادية بالسعوديين، على المستوى الشعبي.
الآن، لا يمكننا أن نجعل الصداقة عائقاً أمام رؤيتنا للأمور على حقيقتها، كما أننا لسنا بمضطرين لخسارتها. أعتقد بأن صداقتنا الخاصة مع الصين هي ميزة يجب أن نستغلها، فلا يمكن أن يتخيل الصينيون تحدث حكومتنا معهم بخصوص المسلمين هناك إملاء لرغبات أو تدخل غير مفهوم، فمن الواضح أننا لسنا بهذا المستوى من التأثير العالمي لنفهم بشكل خاطئ، كما أن الصين تعلم جيداً بزعامتنا الإسلامية، وهذا مبرر، وأتخيل بأن أحد أسباب التقارب هو هذه الزعامة. كما أن تدخلنا، رغم أنه قد يوتر الصينيين، إلا أنه قد ينفعهم في النهاية لمصالحة الأعراق هناك، وسيساعد إخواننا هناك ويجبر معاناتهم إلى حد كبير. وبالمقابل، سيكون السكوت وصمة عار، وتراجع أكبر وتدني في المكانة، كما أنه يلغي الضمير الذي نتمتع به على كافة المستويات، ولكن لعل الشجاعة صارت تنقصنا مؤخراً. رغم أنه لا شيء مخيف في الأمر برأيي.

إن التجاهل والصمت وعدم المحاولة على الأقل ينال من سمعتنا وصورتنا المهزوزة في العالم الإسلامي، وفي الضمير الشعبي المعذب. إن تدخلنا لن يساعد إخواننا فقط، وإنما سيساعدنا امام الناس وأمام أانفسنا، فأمام الناس لا يستحق الأمر عناء شرح الفوائد، ولكن أمام أنفسنا، سنستفيد الثقة بالذات والشعور بالفائدة، وأننا لم نهمل ولم نتخلى عن مسئولياتنا. وأهم الفوائد المجنية بطبيعة الحال، هي مرضاة الله سبحانه وتعالى.

لا يمكننا الاستماع للعالم حينما يقولون بأنه شأن داخلي، فلم يكن الأمر شأناً داخلياً حينما أدبت روسيا جورجيا، أو حينما ثار العالم من أجل جزر الملوك الاندونيسية لأن أهلها نصارى، أو في تدخلهم في هندوراس وهو مجرد إنقلاب لم تفقد فيه أرواح، بينما في أوروميتشي يموت الناس ويتعرضون للمضايقة منذ زمن بعيد. يجب التدخل بطريقة ملائمة، واستغلال العلاقة الطيبة مع الصين. فإن لم نستفد منها الآن، متى سنستفيد؟.

إن خيبة ظن المسلمين هناك بنا لتقطع نياط القلب حقاً. وحتى في أوقات السلم، لا أعتقد بأن مسئوليتنا تتوقف عند استقبال الحجاج، يجب أن نتساءل كذلك، لماذا بعضهم لا يأتي؟ هل المصاعب التي يواجهونها للقدوم طبيعية أم لا؟ في حالة المسلمين الايغور في الصين، المصاعب ليست طبيعية وتحتاج إلى نقاش.

يمكننا أن نسهل الأمور حتى على الحكومة الصينية حينما نتدخل، يمكننا إن ساهمنا بالحوار وإصلاح الأوضاع أن نحيد بعض المعارضين، أو أن نقلل من حدة معارضتهم. وجهت زعيمة الايغور المنفية، ربيعة، نداء باكياً إلى الدول الإسلامية. لا أعتقد أنه يجب أن نتجاهل وجود هذه المرأة لأن الصين تعتبرها عدوة، فهي في النهاية أقرب إلينا. ربما حتى ساهمنا في حوار بين الطرفين.

لا أحب السلبية التي نعيشها. يجب أن لا يكون كل ما نقدمه هو بذل المال، أو المصالحة بين الفلسطينيين، التي تفقد قيمتها حالما يأخذون المال ويعودون إلى ديارهم، يجب أن نتوجه إلى أبعد، وإلى أمور تتطلب شجاعة أكبر، فهي أجدى وأكثر مدعاة للإحترام.








كان هذا الاسبوع كثير الأشغال في العمل. ورغم أني أشعر بالإرهاق في أحيان كثيرة، إلا أن الأمر مرضي وبهيج بشكل عام. قبل يومين صادفت شخصين لم أتوقعهما في يوم واحد. بينما كنت أعمل، شاهدت الدكتور الاستغلالي في الوزارة يمر أمام مكتبنا، اتضح لي أنه رآني، فعاد. كنت أرجو أن لا يعود. وأشعر بأنه هو نفسه لا يتمنى أنه رآني، ولكن حينما رآني فإن له طبيعة وصورة لا يحب أن يغيرها في أذهان الناس. سلم علي وسألني إن كنت انتقلت. وسأل إن كان مديري هو فلان؟ قلت نعم. للمصادفة، كان مديري يستخدم آلة التصوير أمامنا، سألني عن اسم عائلته وناداه. سلم عليه سلام حميم ينم عن سابق معرفة. ثم كلمه عني، يمتدحني وأنا أشعر بأنه لا يرغب حقاً. وأعطى كذبة أغضبتني. قال بأني عملت سكرتيراً له، وكرر الأمر. لم أعمل سكرتيراً له، ويبدو أنه لا يفهم معنى سكرتير، فكل موظف سكرتير بالنسبة له على ما يبدو. عملت مع الدكتور الطيب الآخر سكرتير، لكن ليس معه. حينما ذهب أخبرت مديري بأنه يكذب، وانه من أسباب بغضي لذلك المكان. سألته إن كان يعرفه؟ قال بأنه لا يعرفه، ربما بالشكل فقط ولم يبدو واثقاً. ولكنه يخدم الكثير من الناس في الجامعة مديري، وهو مشهور بالمحيط فالكثيرين يعرفونه. أصابني اكتئاب بعد رؤيته. وأخبرت مديري لاحقاً بذلك، فقال بأن لا أشعر هكذا، فلا يجب أن أحمل كل شيء في نفسي، فهكذا سأتعب كثيراً، فكرت في نفسي: معد يمدي. قال بأن المثاليات تتعبني كثيراً، ولكن يجب أن أتقبل الأمور ولا أشغل نفسي بها. جاء وقتي المفضل من كل يوم،،، وذهبت إلى كلية... الآداب... لقد أصبحت الآداب الآن. ذهبت للصلاة هناك. بعد الصلاة، من رأيت؟ رأيت مديري الطيب في الوزارة. صدفة غريبة أن أرى الاثنين النقيضين في نفس اليوم. سلمت عليه. وكان ودوداً. كانت لديه ورقة تحتاج إلى متابعة في مكان عملي، تكفلت بالأمر. حينما عدت سألت مديري إن كان يعرفه؟ ولكنه لا يعرفه على ما يبدو. خسارة. عموماً، الدكتور حتى للمصادفة لا يعرف مديري. لو التقيا أعتقد بأنهم سيكنون التقدير لبعضهم البعض.







تذكرت شيء وأنا في العمل. في وقت قديم، قبل أن أنتقل من الجامعة وأعود الآن. لاحظت ملاحظة غريبة. غير منطقية، سخيفة، لا معنى لها، ولكنها تحدث. يوجد في المبنى حيث أعمل 4 مصاعد أساسية، متقابلة، اثنين يقابلان اثنين، وفي معظم المرات، في 90% من المرات أو أكثر، حينما أكون أنتظر وصول أحدها لأصعد إلى عملي، يفتح الباب الذي أقف بقربه، وليس أي باب آخر. كنت ألعب هذه اللعبة فأنتقي باباً وأقف أمامه، فيفتح. بدى الأمر مضحكاً. أخبرت صديقي الملتزم الصغير بالأمر، واختبرناه معاً وأريته. هذا كان قبل وقت طويل. حينما غادرت المكان نسيت الأمر. تذكرته مصادفة ونحن ذاهبين إلى حفل سخيف، كل العمادة مدعوة إليه. حينما وقفت وبعض الزملاء، حيث كنت ساهماً أمام باب لوحدي وهم أمام آخر، فتحت الباب أمامي، فتذكرت. حينما دخلنا، أخبرت زميلي بأن يقف دائماً قربي، فالباب الذي أقف عنده سيفتح أولاً. تعجب مما أقول. مضينا إلى المبنى الآخر، حيث يوجد مصعدان، سهمت بالتفكير ونسيت الأمر، فتحت الباب ودخلنا، فجأة قال زميلي: سعد أنت صادق!!. لقد فتح الباب الذي أقف بقربه.






اليوم كان مرهقاً إلى أقصى حد، عملت باتصال من ما قبل العاشرة صباحاً حتى الخامسة عصراً. أمشي وأترجم لشخص مهم. يا للملل والتعب. خصوصاً أن هذا الشخص غير مثير للاهتمام، كما أنه رغم أدبه إلا أنه يبدو مغروراً. ولكن في نهاية اليوم، دخلنا أنا وهو ومديري وشخص آخر إلى القسم النسوي، وهو مكان لم أدخله من قبل. كان خالياً طبعاً، وقد غادرن كل الموظفات قبل ساعات. كان المكان مختلفاً. رغم أن الترتيب متشابه مع مكاتب الرجال الجديدة، ذات نوعية القواطع، إلا أنها حوت لمسة غريبة مفقودة لدى مكاتبنا. كان المكان يعبق برائحة عطرية بديعة، والمكان مشرق بضوء الشمس(عكس الرجال، فهم لا يحبونه في قسمنا، سخفاء) كذلك، كانت الممرات أوسع والتوزيع أفضل بكثير، علمت لاحقاً بأنه تصميم مديري للأمور، حيث لم يتح له تصميم قسمنا كما يشاء لفرض بعض الأمور عليه، بينما بقية الأقسام فكانت مليئة بالاحتجاج والطلبات الخاصة مما أفسد كل شيء. والأمر الآخر كان ترتيب المكاتب الممتاز، والنظافة لكل شيء، والتزيين اللطيف للمكاتب. كتعليق صور الأطفال والورود والأشياء الأنثوية الأخرى، أضحكتني بعض المشاهد، رأيت على مكتب كريم خاص للبشرة، ومعطرات للجو، وشاهدت على أكثر من مكتب معقمات للأيدي(أحب هذه المعقمات) كما وجدت كباسة توست كهربائية، وطاولة مجهزة للماء والشاي، يا للظرف.







كنت أشاهد قبل أيام الحلقات الخاصة من المسلسل الياباني الذي تحدثت عنه سابقاً، ملكة الفصل الدراسي (جرب البحث في جانب المدونة). الحلقات الخاصة كانت طويلة جداً، وأعجبتني الكثير من الأمور فيها.
في جزء من الحلقة الأولى، يروي المسلسل حكاية طالبة ابتدائية فاقدة للثقة بالنفس إلى حد بعيد، أو ربما فقط وحيدة. تعجب كثيراً بالمدرسة بطلة الحلقات الخاصة، وشخصية رئيسية في المسلسل. وتبدأ الطفلة بالتطلب، ومحاولة احتكار حب المعلمة، والحصول على اهتمامها أكثر مما يحصل عليه زملائها. يسوء الوضع في ظل محاولة المعلمة اللطيفة إقناع الطالبة بأن هذا ليس عدلاً بالنسبة للبقية. حاولت عدم جرح الطفلة، ولكن الطفلة عانت من خلل ما، عدم اتزان. تبدأ الطفلة المقهورة بالتجني على مدرستها، وحصارها نفسياً، وتتسبب بمشكلة كبيرة لها، تنهي حياتها المهنية. هذا الشعور ليس حكراً على الأطفال. هذه الرغبة، والشعور بالاستحقاق هي أمر يحدث في كافة مراحل العمر، يحدث لأناس حتى لم يُعرفوا به أحياناً في مراحل معينة. لقد حدث لي. حينما يظن المرء بأنه أجدر من الآخرين بمحبة أو بتفضيل أو بصداقة، أو حتى على المستوى المهني، إنه أمر ينتهي دوماً على نحو مأساوي. يظن المرء نفسه أنه يبذل أكثر من الآخرين، وقد يكون هذا صحيحاً، ويظن الآخرين غير راغبين بما يرغب به حتى، فيظن هذا نوع من الفضل وزيادة في الفرصة. هذا خطأ كبير. يمكنني أن أرى أحياناً في العمل زملاء يعيشون نفس الحالة. في الجانب المهني، رأيت في الوزارة شخص يرغب بشدة في أن يصبح مديراً، وكان يحاول أن يبذل، ولكن بطريقة خاطئة، وثقته بجدارته كانت هي ما يقف في طريقه برأيي، فالثقة الزائدة رديفة للافتعال دائماً. كذلك، رأيت في عملي الحالي من يظن نفسه أجدر مثلاً باهتمام مديره الشخصي، حيث يعنيه هذا الأمر جداً، ويجد في أي معاملة خاصة لأحد زملائه عدم إنصاف، دون أن يفكر ويقارن بين نوعية بذلهم وبذله، إن وجد. كذلك، رأيت على مر السنين أشخاص ظنوا لمجرد رغبتهم أنهم جديرون بمحبة أحدهم، جديرون بصداقة آخر، جديرون بتقدير خاص من آخر، ولم أرى نهاية سعيدة.








لا يجب أن ترتبط الأماكن بأصحابها، وحتى العكس، ذلك إن يكن في أذهانهم، أم في أذهاننا كمراقبين. إذ أن الأماكن كثيراً ما عمرت أكثر من أصحابها بكثير. فكرت بشيء مشابه في عملي السابق. كنت أكتب وحيداً واقفاً أمام مكتب زميلي، وكان مكتب الدكتور المشرف مشرع الباب، بينما هو مسافر إلى الخارج. سمعت صوتاً فنظرت نظرة موجزة وعدت أنظر إلى ورقتي بسرعة، ولكني فطنت، ظننت أني رأيت الدكتور يجلس على مكتبه كالعادة، ويكتب. رفعت رأسي ثانية، ولم أجد أحداً بالمكتب. سهمت أفكر؛ كم من مكاتب ستخلو وتُشغر، وتخلو وتُشغر...






من هذا المطل علي في إنعكاس زجاج المقهى؟ إنه أنا. ولكن، لا عجب أن أتساءل، فأحياناً أشعر بأني أتغير باستمرار، باضطراد غير طبيعي. عموماً، كثيراً ما اعتمدت على الزجاج لمراقبة ما لا أستطيع مشاهدته مباشرة، أو على الأسطح الصقيلة، فأنا شديد الوعي بهذه المواد من حولي. إن بعض ذكرياتي العزيزة، مطبوعة على سطح صقيل، لم يقدر لي أن أحفظها كاملة بأم عيني. لا يفطن الناس عموماً لهذا النوع من التطلع والمتابعة. كان بإمكاني مراقبة أشخاص لا يشعرونني بالراحة، ومتابعة أشخاص مختلفين. يمكنني أن أنظر إلى نفسي ولا أدري من أصدق من الناس، من يقول بأني تغيرت، ومن يقول بأني لم أتغير.








يداهمني شعور قوي أحياناً، بأن هناك خطأ ما بي. هل تعرفون تلك الأجنة التي تولد مشوهة؟ أو تعاني من نقص حيوي لا يعوض؟ هذه الأجنة غالباً لا تعيش طويلاً، إن عاشت بعد الولادة، فهي تموت بعد وقت قصير. أشعر أحياناً بأني ولدت بنقص كهذا، ولا يمكنني أن أعمر طويلاً، وكأني عشت أكثر من اللازم، ليس كما يجب أو يُتوقع. نقص يقلل كفائتي بشكل ما، نقص حقيقي، ولكنه غير منظور. لا أستطيع أن أضع يدي عليه، ولكني أشعر بوجوده، وإن كنت لا أعرف طبيعته. ولكني أتخيل بأني ربما سأتعرف عليه في لحظة تجلي، لا أشعر بأن هناك من يمكنه تشخيصه غيري.





أعطاني صديق من الهند يعمل في الجامعة هدية جميلة، أحضرها لي من هناك، وقد تجشم العناء لأجلي، فهي مصنعة على شكل اسمي. كما ترون في الأعلى. جميلة جداً. شكراً جليل.





لقد دخلت مرحلة تقشفية منذ فترة. إني أخطط لجمع بعض المال لأسافر إن شاء الله بعد رمضان مع أمي، هذا إن وافقت، إن لم توافق، سأتحطم حقاً. لا يوجد الكثير من المغريات في حياتي، فأنا لم أكن مُكلِّفاً فيما أحسب حينما كان يُصرف علي، ولا حتى بعدما بدأت أصرف على نفسي. ولكني أحب أن أقتني من وقت إلى آخر شيء مميز، شيء غير عادي بشكل ما (ساعات الإل إي دي). الآن، وجدت نفسي أريد شراء ساعة، ليس من اليابان هذه المرة، ولكن من أمريكا. وهي تعمل بالحبر الإلكتروني. قبل فترة انتهت البضاعة من الموقع، ولكن عادت مرة أخرى. ستكلفني الكثير، وهذه مشكلة، ولكني حقاً أرغبها. ستكلفني حوالي 750 ريال.





أحلى طقم بالعالم... كنا في زيارة معالج في هذه الصورة، لم أستطع أن أقاوم التصوير. من النادر أن أتمكن من تصويرهما معاً، فدائما ما يفسدان الصورة.
كان هذا الأسبوع طويلاً ومليء بالعمل، والاربعاء والخميس كذلك مليئان بالمشاوير والعمل على أجهزة الأهل. لهذا تأخرت. لدي موضوعات أود التطرق إليها. ولكن، ربما في المرة القادمة.




سعد الحوشان